شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

فوجبت زيادة حرف ، فكان أولى ذلك أن يرد ما ذهب منه ، وهو الواو مكسورة ، فصار : وشييّ ، ففتحنا الشين كما قلنا في عم ، وشج : عمويّ ، وشجويّ.

وقال أبو الحسن الأخفش : رد الكلمة إلى أصلها ، وهي فعلة. فتكون وشية ، ثم تنسب إليه ، فيصير وشييّ كما لو نسبنا إلى ظبية ، وحمية ، قلنا : ظبييّ ، وحمييّ ، وقول سيبويه أولى ؛ لأن الشين متحركة ، ولم نحتج إلى تغيير البناء ، كما لم نحتج في عدة.

وإنما احتجنا إلى حرف آخر فرددنا الحرف ؛ لأن الضرورة لم توجب أكثر من رد الحرف الذاهب وتركنا الباقي على حاله.

ويقوي أن أصله فعلة قولهم : وجهة وجهة في معنى واحد ، وكان أبو العباس يذهب إلى مثل قول الأخفش وأن الشيء إذا رد ما ذهب منه وجب أن ينسب إليه على بنائه.

وحكي عن الأخفش غدوي بتسكين الدال لأن الأصل عنده غدو.

وقد اختلفوا في دم فمذهب سيبويه أنه" فعل" بتسكين العين وكذلك مذهب الأخفش.

وكان أبو العباس يذهب إلى أنه" فعل" ، ويستدل على ذلك بقولهم : دمي يدمي دما ، كما تقول : فرق يفرق فرقا ، وحذر يحذر حذرا ، وفاعله دم كما يقال : فرق وحذر والذي احتج به أبو العباس لا يلزم ؛ لأن الكلام في الدّم المسفوح لا في مصدره ، وقد يكون الشيء على وزن ، فإذا صرف منه الفعل ، كان مصدر ذلك الفعل على غير لفظه ، من ذلك قولهم : جنب الرجل يجنب جنبا إذا اشتكى جنبه ، فالفعل مأخوذ من الجنب ، ومصدره فعل ، والجنب فعل ، وكذلك بطن يبطن بطنا إذا كان كثير الأكل ، والفعل مصرّف من البطن ، ومصدره متحرك العين.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم ولي آخره ياءين مدغمة إحداهما في الأخرى

قال سيبويه : " وذلك نحو أسيّد ، وحميّر ، ولبيّد ، وسيّد ، وميّت وهيّن وما جري مجرى ذلك"

فالباب في هذا إذا نسبت إليه أن تحذف الياء المتحركة من الياءين ، ثم تنسب إليه فتقول : أسيديّ ، وحميري ، ولبيديّ ، وكذلك تنسب العرب إلى هذه الأسماء وتقول في النسبة إلى ميّت وما أشبه : ميتيّ وسيديّ وهينيّ ، وإنما كان حذف الياء المتحركة أولى من حذف الياء الساكنة ؛ لأن الذي أوجب الحذف توالي الكسرات واجتماع الياءات ، فإذا

١٢١

حذفنا المتحركة ، فقد نقصت كسرة وياء ، وقد رأيناهم خففوا على هذا المنهاج في غير النسبة فقالوا : سيد ، وميت ، وهين ، ولين ، ولو حذفوا الساكن لبقيت كسرة الياء فكان ذلك يثقل لتوالي الكسرات مع قلة مثل ذلك في كلامهم من قبل النسبة ، بل لا يكاد يوجد ذلك.

وقالت العرب في طيئ : طائيّ ، وكان حقه طيئيّ تقديرها طيعيّ ، ولكنهم جعلوا الألف مكان الياء كما قالوا في يوجل : ياجل ، وقد تقدم الكلام فيه أنه شاذ كزباني في زبينة ...

قال : " وإذا أضفنا إلى مهيّيم قلنا : مهيميّ ، " فلا نحذف شيئا ؛ لأنّا إن حذفنا الهاء التي قبل الميم صار مهيّم ، والنسبة إلى مهيّم توجب حذف الياء ، فيقال : مهيميّ ، كما قلنا في حميّر : حميريّ ، فيصير ذلك إخلالا به".

كما أنه إذا حقروا (عبضموز) لم يحذفوا الواو ؛ لأنهم إن حذفوا الواو احتاجوا إلى حذف الياء ، وإذا حذفوا الياء لم يحتاجوا إلى حذف الواو ، فاختاروا ما لا يوجب حذف شيئين إبقاء على توقير حروف الكلمة ، وأن لا يحذف منها إلا عند الضرورة ، وستقف في باب التصغير على ذلك إن شاء الله تعالى.

يقال : هيّم الرجل الحبّ (يهيّمه) ، والحبّ مهيّم ، فإذا نسبنا إليه وجب التخفيف ، فتقول : مهيميّ.

وتقول : هوّم الرجل ، إذا نام ، فهو مهوّم ، فإذا صغرناه وجب أن نحذف أحد الواوين. ثم ندخل ياء التصغير فيصير" مهيوم" ، ونقلب الواو ياء لاجتماعها فيصير مهيّم ، وتعوض من المحذوف للتصغير فيصير مهيّم كما نقول سفيريج وهو معنى مهيّم الذي ذكر.

هذا باب ما لحقته الزيادتان للجمع والتثنية

قال سيبويه : وذلك قولك مسلمون ورجلان ، ونحوهما ، فإذا نسبت إلى شيء من ذلك حذفت علامة الجمع والتثنية.

فقلت : مسلميّ ورجليّ ، وذلك لأنك لو بقّيت العلامة فقلت مسلمونيّ ورجلاني جاز أن نثني المنسوب ونجمعه فنقول : مسلمونيّون ، ورجلانيّان وذلك باطل ؛ لأن في رجلان إعرابا في التقدير بلفظ الألف ، وكذلك في مسلمون ، فإذا قدرنا ذلك فيه من هذا اللفظ الظاهر ، ثم أدخلنا عليه إعرابا آخر اجتمع فيه في التقدير إعرابان ، وما جري مجرى

١٢٢

الجمع من أسماء المواضع فجعل فيه واو في الرفع وياء في الجر والنصب فهو بهذه المنزلة.

ومن قال من العرب : هذه قنّسرون ، ورأيت قنّسرين وهذه يبرون ورأيت يبربن قال : يبريّ وقنّسريّ ، ومن قال هذه يبرين قال : يبرينيّ كما يقول : غسليني وسريحيني ، ومثله نصيون وسيلحون إذا جعلته كالجمع ونصيين وسيلحين إذا جعلته كالواحد.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم لحقته التاء للجمع

قال سيبويه : وذلك مسلمات ، وثمرات ، إذا سميت بشيء من هذا النحو ، ثم أضفت إليه قلت : مسلميّ ، وثمرى ، وتحذف الألف والتاء ، كما حذفت الهاء ومثل ذلك قول العرب في أذرعات : أذرعي وفي عانات : عانيّ.

جعل الألف والتاء كالهاء في باب الحذف وذلك أنا لو ثبتناها ، فقلنا : عاناتي جاز أن ننسب إليها مؤنثا ، فيلزمنا عاناتيه ، فتجمع بين الألف والتاء وبين الهاء ، ولو جاز ذلك لجاز أن تقول : تمرتات ومسلمتات ، وذلك باطل لا يقال ، لأنهما كالشيء الواحد والألف والتاء إنما تختص بالتأنيث فلا يجمع بين العلامتين.

وفي آخر هذا الباب قال : والإضافة إلى محيّ محيّيّ وإن شئت قلت : محويّ ، وقال أبو عمر : وهذا أجود الوجهين كما قلت : أمويّ ، وأميّيّ ، نظير الأول.

قال أبو سعيد : وهذا حقه أن يكون في الباب الذي فيه مهيّيهم ؛ لأنه أتى بمحيّيّ ؛ لأن قبل آخره ياء مشددة مكسورة ، كأسيّد ، وحميّر ، فهو من ذلك الباب. وكان أبو العباس المبرد يقول في هذا : إن محيّيّ أجود من محويّ ؛ لأنّا نحذف الياء الأخيرة ، لاجتماع الساكنين ووقوعها خامسة ، كنحو ما يحذف من مرامي وما أشبهه فيبقى محيّ ، فالذي يقول : محويّ بحذف إحدى ياءي محيّ فيختل ، فكما أوجب سيبويه في مهيّيم أن لا يحذف الأخيرة ، لئلا يلزم حذف آخر ، فكذلك لا نختار ما يلزم فيه حرفان ، وهو محويّ.

هذا باب الإضافة إلى الاسمين اللذين ضم أحدهما إلى الآخر

فجعلا اسما واحدا ، نحو" معديكرب وخمسة عشر وبعلبك" وما أشبه ذلك.

قال سيبويه : " كان الخليل يقول : تنسب إلى الأول منهما ؛ لأنه يجعل الثاني كالهاء ، فكان يقول في حضر موت : حضريّ ، وفي خمسة عشر خمسيّ ، وفي

١٢٣

معديكرب : معديّ"

ولم يكن اجتماع الاسمين موجبا أنهما قد صيّرا اسما واحدا في التحقيق كما صير عنتريس ، وعيضموز ، وما أشبه ذلك مع الزيادة اسما واحدا فيه زيادة ، بل صارا بمنزلة المضاف والمضاف إليه في إلقاء أحدهما حيث كانا من شيئين ضم أحدهما إلى الآخر وليس بزيادة في الأول. كما لم يكن المضاف إليه زيادة في المضاف ، كما يزاد في الاسم بعض الحروف ، ألا ترى أنه قد قيل : أيادي سبأ ، وليس في الأسماء اسم على ثمانية أحرف؟ وقالوا : شفر بفر ، وليس في الأسماء اسم توالت فيه ست حركات ، وكذلك المضاف نحو صاحب جعفر وقدم عمرو.

وربما ركّبوا من حروف الاسمين اسما ينسبون إليه قالوا : حضرمي كما ركبوا في المضاف فقالوا في عبد الدار وعبد القيس عبدري وعبقسيّ ومرقسيّ في امرئ القيس. وقد جاءت النسبة إليها جميعا منفردين ، قال الشاعر :

تزوّجنها راميّة رمزيّة

بفضل الذي أعطى الأمير من الرّزق (١)

نسبها إلى رام هرمز.

وكان الجرمي يجيز النسبة إلى أيهما شئت يقول في" بعل بك" : بعلي وإن شئت" بكّيّ" وفي" حضر موت" إن شئت (حضريّ) وإن شئت (موتيّ).

قال : " وسألته يعني الخليل ، عن الإضافة إلى رجل اسمه" اثنا عشر" فقال : " ثنوي" في قول من قال (بنويّ) وإن شئت قلت : " اثنيّ" في (اثنين) كما قلت : " ابني" فتشبه عشر بالنون كما شبهت عشر في خمسة عشر بالهاء".

يريد أن قولنا : (اثنا عشر) قد وقعت عشر موقع النون من اثنين واثنان إذا نسبت إليها وجب حذف الألف والنون كما تحذف في النسب إلى (رجلان) فلذلك قلت : (اثني) و (ثنوي) ، وقد ذكرنا فيما تقدم النسبة إلى الاثنين وأما اثنا عشر التي للعدد فلا تضاف ولا يضاف إليها.

فأما إضافتها فلأنك لو أضفتها وجب أن تحذف" عشر" لأن محل" عشر" محل نون الاثنين وإذا أضفنا" الاثنين" إلى شيء حذفنا النون كقولك غلاماك وثوباك ، فلو أضفنا

__________________

(١) بلا نسبة في المخصص ١٣ / ٢٢٣ ، وشرح الأشموني ٤ / ١٩٠.

١٢٤

وجب أن نقول : (اثناك) كما تقول : " ثوباك" فلو فعلنا ذلك لم يعرف أنك أضفت اثنين أو اثني عشر.

وأما الإضافة إليها ، وهو يعني النسبة فإنك لو نسبت إليها لوجب أن تقول : اثني ، أو ثنوي فكان لا يعرف هل نسبت إلى اثنين أو إلى اثني عشر.

فإن قال قائل : فقد أجزتم النسبة إلى رجل اسمه اثنا عشر ، فقلتم : ثنوي أو اثنيّ ، ويجوز أن يلتبس بالنسبة إلى رجل اسمه اثنان.

فالفرق بينهما أن أسماء الأعلام ليست تقع لمعان ، فيكون التباسهما يوقع فصلا بين معنيين ، وإنما ينسب إليه وقد يقع في المنسوب إليه لبس لا يحفل به لعلم المخاطب بما ينسب إليه كقولنا في ربيعة : ربعيّ وفي حنيفة حنفي ، وإن كنا لا نجيز في الأسماء" حنف" و" ربع". لعلم المخاطب بما تنسب إليه ، ولأن اللبس يبعد في ذلك.

واثنا عشر واثنان كثيران في العدد ، فالنسبة إلى أحدهما بلفظ الآخر يوقع اللّبس.

وقد أجاز أبو حاتم السجستاني في مثل هذا النسبة إليهما منفردين لئلا يقع لبس فقال : ثوب إحدى عشري وإحدوي عشري إذا نسبت إلى ثوب طوله إحدى عشرة ذراعا ، وعلى لغة من يقول : إحدى عشرة يقول إحديّ عشريّ كما يقول في ثمرة ثمريّ.

وقال في النسبة إلى اثني عشر كذلك : اثنيّ عشريّ أو ثنويّ عشريّ وكذلك القياس إلى سائر ذلك إن شاء الله.

هذا باب الإضافة إلى المضاف من الأسماء

اعلم أن القياس في هذا الباب أن يضاف إلى الاسم الأول منهما. لأن الاسم الثاني بمنزلة تمام الأول وواقع موقع التنوين منه ، ولا تجوز النسبة إليهما جميعا فتلحق علامة النسبة الاسم الثاني والأول مضاف إليه ؛ لأنه إذا فعل ذلك بقينا الإضافة على حالها وأعربنا الاسم الأول بما يستحقه من الإعراب ، وخفضنا الثاني على كل حال بإضافة الأول إليه ، فكان يلزمنا إذا نسبنا إلى رجل يقال : له غلام زيد : هذا غلام زيدي ورأيت غلام زيدي ، ومررت بغلام زيدى.

فيصير كأنا نسبنا إلى زيد وحده ثم أضفنا غلاما إليه كما يضيف غلاما إلى بصرى فيقول : هذا غلام بصري ورأيت غلام بصري ، وليس ذلك القصد في النسبة إلى المضاف ، لأن هذا نسبة إلى المضاف إليه ، وإنما قصدنا النسبة إلى المضاف والمضاف إليه بعضه ،

١٢٥

وأيضا فلو نسبنا إلى الثاني وأدخلنا الإعراب عليه لوجد في الاسم إعرابان إذا قلنا : هذا غلام زيدي ؛ لأن الغلام في حال الإضافة عامل فيما بعده ويعمل فيه ما قبله فيستحيل أيضا ذلك ؛ لأن إضافته إلى ما بعده توجب إعرابه بالعوامل التي تدخل عليه وتوجب خفض ما بعده بإضافته إليه وكان الذي يستحق الخفض منهما بالإضافة يعرب بالرفع ، والنصب ولو نسبنا إلى الأول ، ثم أضفناه لتغير المعنى ؛ لأنّا لو قلنا غلامي زيد ونحن نريد الإضافة إلى غلام زيد فقلنا : غلام فقد نسبنا إلى الغلام وأضفنا المنسوب إلى زيد ، والمنسوب إلى الغلام ، غير الغلام ، فأضفنا غير الغلام إلى زيد وليس ذلك معنى الكلام ، فوجب إضافته إلى الأول على كل حال فيما أوجه القياس ، إلا أن الغرض ليس يوجب الإضافة إلى الثاني لطلب البيان.

فمما أضيف إلى الأول ، قولهم في عبد القيس : عبدي وفي امرئ القيس مريّ.

ومما أضيف إلى الثاني من أجل اللبس ما كان يعرف من الأسماء بأبي فلان ، وابن فلان.

فأما ابن فلان فقولك في النسب إلى ابن كراع : كراعي ، وإلى ابن الزبير : زبيريّ وإلى أبي مسلم : مسلميّ. وقالوا في النسب إلى أبي بكر بن كلاب : بكرىّ.

وقالوا في ابن دعلج : دعلجيّ.

وإنما صار كذلك في ابن فلان وأبي فلان ؛ لأن الكنى كلها متشابهة في الاسم المضاف ومختلفة في المضاف إليه وباختلاف المضاف إليه يتميز بعض من بعض كقولنا : أبو زيد وأبو جعفر وأبو مسلم ، وما جري مجراه.

فلو أضفنا إلى الأول لصارت النسبة فيه كله أبوي ، ولم يعرف بعض من بعض وكذلك في الابن ، ولو نسبنا إلى الأول فقلنا : ابني وقع اللبس فعدلوا إلى الثاني من أجل ذلك.

وكان أبو العباس المبرد يقول : إن ما كان من المضاف يعرف أول الاسمين منه بالثاني وكان الثاني معروفا فالقياس إضافته إلى الثاني نحو ابن الزبير وابن كراع.

وما كان الثاني منه غير معروف فالقياس الإضافة إلى الأول ، مثل عبد القيس وامرئ القيس ؛ لأن القيس ليس بشيء معروف معين ، يضاف عبد وامرؤ إليه.

قال أبو سعيد : ويلزم المبرد في الكنى أن يضيف إلى الأول ؛ لأن الثاني غير معروف

١٢٦

معين كأبي مسلم وأبي بكر وأبي جعفر ، وليست الأسماء المضاف إليها أبو بأسماء معروفة مقصود إليها ولا كنى الناس موضوعة على ذلك ؛ لأن الإنسان قد يكنّى ولا ولد له ، ولو أضافوا إلى الأول لوقع اللبس على ما ذكرت لك ، فالأصل أن يضاف إلى الأول فيه كله.

وما أضيف إلى الثاني منه فليس الواقع.

وربما ركبوا من حروف المضاف والمضاف إليه ما ينسبون إليه كقولهم عبشميّ وهذا ليس بقياس.

واحتج سيبويه للإضافة إلى الثاني بعد أن قدم أن القياس الإضافة إلى الأول.

فقال : وأما ما يحذف منه الأول فنحو ابن كراع وابن الزبير.

تقول : زبيريّ وكراعيّ تجعل ياءي الإضافة في الاسم الذي صار به الأول معرفة فهو أبين وأشهر ولا يخرج الأول من أن يكون المضافون أضيفوا إليه.

وأما قولهم في النسب إلى عبد مناف : (منافيّ) فهو على مذهب ابن فلان وأبي فلان لما كثر (عبد) مضافا إلى ما بعده كعبد القيس وعبد مناف وعبد الدار وغير ذلك. أضافوا إلى الثاني ؛ لأنه أبعد من اللبس.

هذا باب الإضافة إلى الحكاية

قال سيبويه : وذلك قولك في تأبط شرّا : تأبطي ، وسمعنا من العرب من يقول : كونيّ حيث أضاف إلى كنت.

وقال أبو عمر الجرميّ : يقول قوم : كنتيّ في الإضافة إلى (كنت).

قال أبو سعيد : فإن قال قائل : لم أضافوا إلى الجملة والجملة لا تدخلها تثنية ، ولا جمع ولا إعراب ، ولا مضاف إلى المتكلم ، ولا إلى غيره ، ولا تصغر ، ولا تجمع ، فكيف خصّت النسبة بذلك؟ قيل له : إنما خصت النسبة بذلك لأن المنسوب غير المنسوب إليه.

ألا نرى أن البصري غير البصرة ، والكوفي غير الكوفة؟

والتشبيه والجمع والإضافة إلى الاسم المجرور ، والتصغير ليس يخرج الاسم عن حاله ، فلما كان كذلك وكان المنسوب قد ينسب إلى بعض حروف المنسوب إليه نسبوا إلى بعض حروف الجملة.

وأما قولهم في كنت كونيّ فلأنه حذف التاء الفاعلة ونسب ... إلى" كن" ، وكانت الواو قد سقطت لاجتماع الساكنين النون والواو ، فلما احتاج إلى كسر النون لدخول ياء

١٢٧

النسبة رد الواو. والذي قال : كنتيّ شبه باسم واحد ، لما اختلط الفاعل بالفعل. وربما قالوا : كنتنيّ ، كأنّه أراد النون ليسلم لفظ كنت ، أنشدني الرحّابي عن ثعلب.

وما أنا كنتيّ وما أنا عاجن

وشرّ الرجال الكنتنيّ وعاجن (١)

هذا باب الإضافة إلى الجمع

قال سيبويه : واعلم أنك إذا أضفت إلى جميع أبدا فإنك توقع الإضافة على واحده الذي كسر عليه ، ليفرق بين ما كان اسما لشيء واحد وبينه إذا لم ترد به إلا الجمع ، وذلك قولك في رجل من القبائل : قبليّ ، وللمرأة قبليّة ؛ لأنك رددتها إلى واحد القبائل وهو قبيلة ، وكذلك إذا نسبت إلى الفرائض تقول : فرضيّ تردها إلى الفريضة ، والمساجد : مسجدي. وإلى الجمع جمعيّ.

وقالوا في أبناء فارس : بنويّ وفي الرّباب : ربّيّ ؛ لأن الرّباب جماع واحدته ربّة والربة" الفرقة من الناس" وليس باسم لواحد حتى نضيف إليه ، وإنما الرّباب اسم لقبائل ، وكل قبيلة منهم ربّة. وربما أضيف إلى الرّباب تجعل هذه القبائل باجتماعهم كشيء واحد ، وقالوا في الإضافة إلى عرفاء : عريفيّ لأن الواحد عريف.

وإنما اختاروا النسب إلى الواحد ؛ لأن المنسوب ملابس لكل واحد من الجماعة.

ولفظ الواحد أخف فنسبوه إلى الواحد ، وزعم الخليل أن نحو ذلك قولهم في المسامعة : مسمعيّ ، والمهالبة مهلّبيّ ، لأن المسامعة ، والمهالبة جمع فيرد إلى الواحد ، والواحد مسمعيّ : مهلّبيّ.

فإذا نسبت إلى الواحد حذفت ياء النسبة ، ثم أحدثت ياء للنسبة.

وإن شئت قلت واحد المهالبة والمسامعة : مهلّب ، ومسمع فأضفت إليه.

وقال أبو عبيدة : قد قالوا في الإضافة إلى العبلات وهم حيّ من قريش عبليّ.

قال أبو سعيد : (العبلات) من بني عبد شمس ، وهم أمية الأصغر وعبد أمية ، ونوفل ، وأمهم عبلة بنت عبيد من بني تميم من البراجم فنسب إلى الواحد وهو أمهم : عبلة ، وإنما قيل لهم عبلات ؛ لأن كل واحد منهم سمي باسم أمه ، ثم جمعوا. فإذا كان الجمع الذي

__________________

(١) البيت بلا نسبة في ابن يعيش : ٦ / ٧ ، واللسان (عجن) ، (كون).

١٢٨

ينسب إليه لا واحد له من لفظه مستعمل نسب إلى الجمع ، تقول في النسبة إلى نضر : نضريّ وإلى رهط : رهطي ؛ لأنه اسم للجمع ، ولا واحد له من لفظه ، ولو قال قائل : أنسب إلى رجل ؛ لأن واحد الرهط والنفر رجل قيل لو جاز أن تقول : رجليّ ؛ لأنه واحد النفر ، وإن لم يكن من لفظه لجاز أن تقول في النسبة إلى الجمع واحدي وليس يقول ذلك لك أحد ، وتقول في الإضافة إلى أناس" أناسيّ".

ومنهم من يقول : إنساني. أما من يقول : إنساني ، فإنه يجعل أناس جمع إنسان كما قالوا في شؤم : شؤام ، وفي ظئر : ظؤار وفي فرير : فرار ، وقد ذكرت هذا في موضعه من الجمع. وأما من قال : أناس : فإنه يجعله اسما للجمع ولم يجعله مكسرا له إنسان ، فصار بمنزلة نفي وهذا هو الأجود عندهم.

وقال أبو زيد : النسب إلى" محاسن" : محاسني ، وعلى قياس قوله النسبة إلى" مشابه" : مشابهي ، وإلى" ملامح" : ملامحي ، وإلى مذاكير مذاكيري ، وكذلك كل جمع لم يستعمل واحده على اللفظ الذي يقتضيه الجمع ؛ لأن هذه الجموع في أولها ميمات ، وليس في واحدها المستعمل ميم ، ولا يقال محسن ولا مشبه ، ولا ملمحة ولا مذكار وتقول في الإضافة إلى نساء : نسوي ؛ لأن نساء جمع مكسر لنسوة ، ونسوة جمع غير مكسر لامرأة ، وإنما هي اسم للجمع. وكذلك لو أضفت إلى أنفار لقلت : نفري ؛ لأن أنفار جمع لنفر مكسر. كما قلت في الأنباط نبطيّ.

وإن أضفت إلى عباديد قلت : عباديديّ ؛ لأنه ليس له واحد يلفظ به ، وواحده في القياس يكون على فعلول أو فعليل أو فعلال أو نحو ذلك ، فإذا لم يكن له واحد يلفظ به لم نجاوز لفظه حتى نعلم ذلك الواحد بعينه فننسب إليه.

قال سيبويه : " وتكون النسبة إليه على لفظه أقوى من أن أحدث شيئا لم تتكلم به العرب".

قال : " وتقول في الأعراب : أعرابي ؛ لأنه ليس له واحد على هذا المعنى ، ألا ترى أنك تقول : العرب ولا يكون على ذلك المعنى؟ فهذا يقويه".

يعني أن (العرب) من كان من هذا القبيل من سكان الحاضرة ، والبادية ... و (الأعراب) إنما هم الذين يسكنون البدو من قبائل العرب ، فلم يكن معنى الأعراب معنى العرب ، فيكون جمعا للعرب فلذلك نسب إلى الجمع.

١٢٩

وإذا جاء لفظ الجمع المكسر اسما لواحد نسبنا إلى لفظه ولم نغير.

قالوا في أنمار : أنماري ؛ لأنه اسم رجل ، وقالوا في كلاب : كلابيّ ؛ لأنه رجل بعينه.

قال : " ولو سميت رجلا ضربات لقلت ضربيّ لا تغير المتحرك ؛ لأنك لا تريد أن توقع الإضافة على الواحد".

يريد أن الرجل الذي اسمه (ضربات) لا يرد إلى الواحد ؛ لأنه جمع سمي به واحد فلا يراعى واحد ذلك الجمع ، بل يضاف إلى لفظه ، وإذا أضفنا إلى لفظه حذفنا الألف والتاء ، والراء مفتوحة فنسبنا إليه.

وأما قولنا في العبلات : عبلي ، فهم جماعة واحدهم عبلة على ما ذكرته ومثل ذلك : قولهم : مدائني ؛ لأنه اسم بعينه. وفي معافر معافريّ وهم فيما يزعمون : معافر بن مر أخو تميم بن مر.

وقالوا في الأنصار : أنصاريّ ؛ لأن هذا اللفظ وقع لجماعتهم ، ولا يستعمل منه واحد يكون هذا تكسيره.

وقالوا في قبائل من بني سعد بن زيد مناة بن تميم : أبناء ، والنسبة إليهم أبناوي ، كأنهم جعلوا اسم الحي ، والحي كالبلد ، وهو واحد يقع على الجميع.

والأبناء من بني سعد على ما أخبرنا أبو محمد السكري عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد : أن الأبناءهم : ولد سعد إلا كعبا ، وعمرا.

وقال علي بن عبد العزيز ، عن أبي إسحاق العباسي ، وكان أمير مكة عالما بأنساب العرب : إن الأبناءهم : خمسة من بني سعد : عبد شمس ، ومالك ، وعوف ، وعوافة ، وجشم.

وسائر ولد سعد لا يقال لهم الأبناء ، وولد سعد نحو العشرة.

هذا باب ما يصير إذا كان علما في الإضافة على غير طريقته

وإن كان في الإضافة قبل أن يكون علما على غير طريقة ما هو على بنائه.

قال سيبويه : " فمن ذلك قولهم في الطويل الجمّة جمّانيّ ، وفي الطويل اللحية : لحيانيّ ، وفي الغليظ الرقبة : رقبانيّ ...

فإن سميت برقبة أو جمّة أو لحية قلت : رقبيّ وجمّيّ ولحييّ ولحويّ.

فترده إلى القياس ؛ لأن اللّحياني والجمّانيّ والرّقبانيّ ، إنما أرادوا به الطويل اللحية

١٣٠

والغليظ الرقبة فزادوا فيه الألف والنون دلالة على هذا المعنى ، وهو خارج عن القياس.

والذي قال : لحييّ على قياس قول الخليل. ولحويّ على قياس قول يونس. ومثل ذلك قولهم في الرجل المسن دهريّ ، وهو منسوب إلى الدّهر ، ولو سميت رجلا بدهر ثم نسبت إليه لم يجز غير دهريّ.

على أن بعض النحويين ذكر أنه إنما ضم الدال من دهريّ لأنه أتى عليه دهر بعد دهر ، وكأنه نسب إلى جمع ، كما يقال في سقف : سقف ، وفي رهن : رهن. وفي ورد : ورد.

هذا باب من الإضافة لا تلحق فيه ياءي الإضافة

قال سيبويه : " وذلك إذا جعلته صاحب شيء يزاوله أو ذا شيء.

أما ما يكون صاحب شيء يعالجه فإنه مما يكون فعّالا ، وذلك قولك لصاحب الثياب : ثوّاب ، ولصاحب العاج : عوّاج ، ولصاحب الجمال الذي ينقل عليها : جمّال ، ولصاحب الحمر الذي يعمل عليها : حمّار ، وللذي يعالج الصرف : صرّاف وهذا أكثر من أن يحصى"

قال أبو سعيد : الباب عندي فيما كان صنعة ومعالجة أن يجيء على فعّال ؛ لأن فعّالا لتكثير الفعل ، وصاحب الصنعة مداوم لصنعته ، فجعل له البناء الدال على التكثير ، كالبزّاز ، والعطّار ، وغير ذلك ما لا يحصى كثرة.

والباب فيما كان ذا شيء وليس بصنعة يعالجها أن يجيء على فاعل ؛ لأنه ليس فيه تكثير كقولنا لذي الدرع : دارع ولذي النّبل : نابل.

ولذي النشّاب : ناشب ولذي التمر واللبن : تامر ، ولابن ، وقالوا لذي السلاح سالح ولذي الفرس فارس وقالوا لصاحب الفعل : فاعل ولصاحب الحذاء : حاذ ولصاحب اللحم : لاحم ولصاحب الشحم : شاحم.

وقال الحطيئة :

فغررتني وزعمت أنّك لابن بالصّيف تامر (١)

ويقال لمن كان شيء من هذه الأشياء صنعته" لبّان ، وتمّار" ، ونبّال وقد يستعمل في

__________________

(١) في ديوانه ١٧ ، والكتاب ٣ / ٣٨١ ، وابن يعيش ٦ / ١٦.

١٣١

الشيء الواحد اللفظان جميعا.

قالوا : رجل سائف وسيّاف ، وقد يستعمل أحدهما في موضع الآخر ، قالوا : رجل تّراس أي معه ترس.

ذهبوا به إلى أنه ملازم له فأجروه مجرى الصّنعة والعلاج ، وقد قالوا : نبّال في الذي معه النّبل على هذا المعنى كأنه يلازمه ؛ ولأن عمله به وتعاطيه له صنعة.

قال امرؤ القيس :

وليس بذي رمح فيطعنني بهذا

وليس بذي سيف وليس بنبّال (١)

وقال الخليل : إنما قالوا : عيشة راضية أي ذات رضى. وقالوا رجل طاعم كاس على ذا أي ذو كسوة ، وطعام ، وهو مما يذمّ به أي ليس له فضل غير أن يأكل ويكتسي. وعلى ذا قال الحطيئة :

عن المكارم لا ننهض لبغيتها

واقعد فإنّك أنت الطّاعم الكاسي (٢)

وقالوا : همّ ناصب ، أي ذو نصب ، وليس لشيء من ذلك فعل يصرف وإنما جاز على ما ذكرته لك.

قال سيبويه : وليس في كل شيء من هذا قيل هذا ؛ ألا ترى أنك لا تقول لصاحب البر بّرّار ولا لصاحب الفاكهة فكّاه ولا لصاحب الشعير شعار ، ولا لصاحب الدقيق دقاق؟

وإنما يقال لصاحب الدقيق : دقيقي. وتقول مكان آهل أي ذو أهل. قال ذو الرمة :

إلى عطن رحب المباءة آهل (٣)

ولا يصرّف له فعل. ومما استدل به سيبويه على أن فعّالا بمنزلة ما نسب بياء النسبة أنهم قالوا : البتّي وهو الذي يبيع المبتوت واحدها بتّ وهي الأكسية ، وقالوا أيضا البتّات ، وإليه نسب عثمان البتّي من كبار الفقهاء.

__________________

(١) المقتضب : ٣ / ١٦٢.

(٢) المقتضب : ٣ / ١٦٣ ، وابن يعيش : ٩ / ١٥ ، واللسان : (طعم)

(٣) البيت في الكتاب ٣ / ٣٨٢ ، وملحقات ديوان الشاعر ٦٧٢.

١٣٢

هذا باب ما يكون مذكرا ، يوصف به المؤنث

قال سيبويه : وذلك قولك : هذه امرأة حائض ، وطامث ، وناقة ضامر يوصف به المؤنث ، والمذكر.

وذهب الخليل ، وسيبويه في ذلك وما كان نحوه أن الهاء إنما سقطت منه ؛ لأنه لم يجر على الفعل وإنما يلزم الفرق بين المذكر والمؤنث فيما كان جاريا على الفعل ؛ لأن الفعل لا بد من تأنيثه ، إذا كان فيه ضمير المؤنث كقولك : هند ذهبت ، وموعظة جاءتك ، ولزوم التأنيث في المستقبل ألزم وأوجب كقولك : هند تذهب ، وموعظة تجيئك ، وإنما صار في المستقبل ألزم ؛ لأن ترك التأنيث لا يوجب تخفيفا في اللفظ ؛ لأنه عدول عن ياء إلى تاء والتاء أخف.

وفي الماضي إذا تركت علامة التأنيث فقيل : موعظة جاءك فإنما يسقط حرف وتخف لفظة الفعل ، فإذا كان الاسم محمولا على" الفعل" لزم الفرق بين المذكر والمؤنث لما ذكرته لك ، فإذا حمل على غير الفعل صار بمنزلة قولهم : رجل دارع ، ورامح.

ولا يقال : درع ولا رمح ، فحائض عندهم بمنزلة : ذات حيض ، وكذلك مرضع ، بمنزلة : ذات إرضاع.

وقوم يقولون : إن سقوط علامة التأنيث من مثل هذا ، لأنها أشباه ، يختص بها المؤنث ، وإنما يحتاج إلى الهاء للفرق بين المؤنث ، والمذكر ، فلما كانت هذه الأشياء مخصوصا بها المؤنث استغني عن علامة التأنيث. وقول أصحابنا ما قد ذكرت لك ، والدليل على صحته أنّا رأينا أشياء يشترك فيها المؤنث والمذكر يسقطون الهاء فيها كقولهم ناقة ضامر ، وجمل ضامر ، وناقة بازل ، وجمل بازل ، وذلك كثير في كلامهم.

وقد رأينا أشياء يشترك فيها المؤنث والمذكر بالهاء فيهما كقولنا : رجل فروقة ، وامرأة فروقة وملولة للذكر والأنثى.

ومما يدل على قوة قولهم أيضا أنّا نقول : امرأة حائضة غدا ومرضعة غدا فلا ينزعون الهاء ؛ لأنه شيء لم يثبت.

وإنما الإخبار عنه على لفظ الفعل ، وهو قولنا : تحيض غدا وترضع غدا ، وقد يجوز أن تأتي في مثل هذا الهاء على معنى الفعل كقوله تعالى : (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا

١٣٣

أَرْضَعَتْ)(١).

وقال الشاعر :

رأيت ختون العام والعام قبله

كحائضة يزنى بها غير طاهر (٢)

وهذه الأشياء إذا نزعت عنها الهاء على التأويل الذي ذكرناه فهي مذكرة ، لو سمينا رجلا بحائض أو مرضع صرفنا ؛ لأنه مذكر ، والدليل على تذكيره أن الهاء قد تدخله.

ووصفنا المؤنث بالمذكر كوصفنا المذكر بالمؤنث كقولنا : رجل نكحة ، وفحل خجأة ، ورجل لعبة ، وهزأة وضحكة ، وكذلك المرأة بالهاء.

وذكر الخليل أن فعولا ، ومفعالا ، نحو قولك : قؤول ، ومقوال ، إنما يكون في تكثير الشيء وتشديده والمبالغة فيه. وإنما وقع كلامهم على أنه مذكر.

قال أبو العباس : يريد أن هذه الأبنية للمبالغة ويستوي فيها المذكر والأنثى تقول : رجل قؤول وامرأة قؤول ، ورجل غفور وامرأة غفور ، ورجل مقوال ، وامرأة مقوال ، وكذلك منحار ، ومضراب للذكر والأنثى.

ولم تدخل الهاء إلا في أحرف منه للذكر والأنثى جميعا كقولهم : رجل مطرابة ومعزابة ، ومجذامة ، وهو الماضي في الأمور ، قال المتنخل.

مجذامة لهواه قلقل وقل (٣)

وقال الخليل : هذه الأشياء ـ يعني ما ذكرنا من أسماء المبالغة ـ تجري مجرى النسب ، كقولنا : قوليّ ، وقد ذكرت فيما تقدم أن المبالغة ، تكون في النسب ، وفي الصنائع ؛ لأنه لزوم لشيء ، واللازم المداوم بمنزلة من قد كثر منه ذلك الشيء ، وأدخل في المبالغة رجل عمل وطعم ولبس. قال : فمعنى ذا كمعنى قؤول ، ومقوال في المبالغة ، غير أن الهاء تدخل في المنسوب وفي" فعل" المؤنث ، ولا تدخل الهاء في مفعال ، وفعول.

وإنما ذكرت هذا كقولك وامرأة طعمة ، وعملة ولبسة ، والطّعم الكثير الطّعم

__________________

(١) الحج ، من الآية : ٢.

(٢) ابن يعيش : ٥ / ١٠٠ ، واللسان : (أراد).

(٣) هذا عجز بيت صدره : يجيب بعد الكرى لبيك داعية وهو في شرح ديوان الهذليين ٣ / ١٢٨٣.

١٣٤

واللّبس الكثير اللباس ، والعمل الدائم العمل.

وتقول في المرأة : قولية ، وضربيّة ، وقالوا : رجل نهر ، يريدون ، نهاريّ ، أي صاحب عمل بالنهار دون الليل ، قال الشاعر :

لست بليّليّ ولكنّي نهر

لا أدلج اللّيل ولكن أبتكر (١)

قوله : نهر ، يريد نهاريّ ، كما أن قوله عمل ، كقولك : عمليّ وقالوا : رجل حرح ، ورجل سته ، كأنه قال حريّ واسنيّ نسبه إلى ذلك ، لضرب من الملازمة له.

وقال أبو عمر الجرمي : يقال رجل طعن : كثير الطعن.

قال سيبويه : وسألته ـ يعني الخليل ـ عن قولهم : موّت مائت ، وشغل شاغل ، وشعر شاعر فقال : إنما يريدون المبالغة ، والإجادة ، وهو بمنزلة قولهم : همّ ناصب ، وعيشة راضية ، في كل هذا وقد اختلفت النسخ في الإجازة ، ففي بعضها الإجازة بالزاي وفي بعضها الإجادة ، فأما الذي يقول الإجازة ، فمعناها النفوذ ، كأنه قال في المبالغة ، والنفوذ فيما أريد به والذي يقول الإجادة ، يريد الجودة.

ورأيت بعض من يحقق يقول في قولهم : شعر شاعر ، كأنه جيد يستغنى بنفسه عن نسبه إلى شاعر فكأنه هو الشاعر.

وعندي على هذا يجوز أن يكون" شغل شاغل" كأنه يشغل عن معرفة سببه ، وموت مائت يذهل عن معرفة سببه لشدته.

قال أبو سعيد : ونظرت فيما ذكر أصحابنا ، فيما قدمته وفي قولهم : عيشة راضية ، فرأيت عيشة راضية تقدح فيما عللوا به ، إسقاط الهاء ؛ لأنهم ذكروا أن حائضا ، وما جري مجراه ، سقطت الهاء منه لأنه لم يجر على" فعل" وقد ذكروا هم : أن عيشة راضية ، غير جارية على فعل ؛ لأن العيشة هي مرضية ، وإنما فعلها رضيت ، فحملوها على أنها ذات رضى من أهلها بها ثم قد أنّثت ويجوز أن تحمل عيشة راضية على أحد وجهين :

أحدهما : أن تكون عيشة رضيت أهلها ، فهي راضية ، كقولك ملازمة لهم.

والآخر : أن تكون الهاء دخلت للمبالغة ، كما يقال رجل راوية وعلامة.

ويجوز أيضا فيه وجه ثالث : وهو أنهم ألزموه الهاء ؛ لأن الياء تسقط لو لم تكن هاء ،

__________________

(١) البيت بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٣٨٤ ، والمخصص ٩ / ٥١ ، واللسان (ليل) ، و (نهر).

١٣٥

فرأوا ذلك إخلالا ، كما قالوا ناقة متليةّ ، وظبية ممتلية ، فألزموا الهاء بسبب الياء ، وهم يقولون فيما ليس فيه الياء ظبية مظفل ، ومغزل ، ومشدن.

ومفعل كمفعال في المبالغة ، وأن لا تدخل الهاء عليه في المؤنث كقولهم : مطعن ، ومدعي ومقول للذكر والأنثى ، وقد أدخلوا الهاء على بعضه فقالوا : مصكّة ، فاعرف ذلك.

هذا باب التثنية

قال أبو سعيد : أنا أسوق حكم التثنية على ما يوجبه قول سيبويه ، وأصحابنا البصريين ، وأعتل لما يجب الاعتلال له ، وقد خالف الكوفيون في بعض ذلك ، وأنا أبيّن خلافهم ، والحجة لأصحابنا إن شاء الله.

اعلم أن التثنية فيما لم يكن آخره ألف مقصورة ، أو ممدوة ، إنما تلزم لفظ الواحد ، بغير تغيير منه ، ويزاد عليه ألف ونون في الرفع ، وياء ونون في النصب والجر. وذلك مطرد غير منكسر ، فيما قلت حروفه أو كثرت ، كقولك : رجلان ، وتمرتان ، ودلوان ، عدلان وعودان ، وبنتان ، وأختان ، وسيفان وعربانان ، وعطشانان ، وفرقدان ، وعنكبوتان ، ونحو ذلك.

وتقول في النصب والجر رأيت الرجلين ومررت بعنكبوتين ، ويلزم الفتح قبل الياء وقد ذكرنا علة ذلك في أول الشرح.

ويلزم ما كان من المنقوص وهو المقصور التغيير إذا ثنينا ، فمن ذلك ما كان على ثلاثة أحرف الثالث منها ألف ، فإذا ثنينا فلابد من تحريك الألف ، فيرد إلى ما يمكن تحريكه من ياء ، أو واو.

وإنما وجب تحريكه ؛ لأنّا إذا أدخلنا ألف التثنية ، اجتمع ساكنان ، الألف التي في الاسم وألف التثنية ، فلو حذفنا إحدى الألفين لاجتماع الساكنين لوجب أن نقول في تثنية عصا ورحى عصان ورحان ، وكان يلزم إذا أضفنا أن نسقط النون ، في الإضافة.

فيقال : أعجبتني عصاك ، ورحاك ، وإنما نريد ثنتين فبطل إسقاط أحد الألفين ، ووجب التحريك.

ولا يمكن تحريك الألف ، فجعلت الألف ياء أو واوا وقد علمنا أن ما كان على ثلاثة أحرف ، والثالث منها ألف ، أن الألف منقلبة من ياء ، أو واو ، فترد في التثنية الألف ، إلى ما هي منقلبة منه فتقول في قفا : قفوان ؛ لأنه من قفوت الرجل إذا تبعته من خلفه ، وفي

١٣٦

عصا : عصوان ، لأنك تقول عصوته إذا ضربته بالعصا ونقول في رجا : رجوان وهي ناحية البئر وغيرها.

قال الشاعر :

فلا يرمى بي الرجوان أنّي

أقلّ القوّم من يغني مكاني (١)

وتقول في رضا : رضوان ؛ لأن الرضا من الواو ، ويدلك على ذلك مرضوّ ، ورضوان ، وربما قلبوا هذا في بعض تصاريفه لاستخفاف أو عارض ، ولا يزيل حكم التثنية عن منهاجها قالوا : مرضيّ حملوه على رضي وأرض مسنيّة ، وأصلها جميعا الواو ؛ لأنّا تقول سنوت الأرض ، أي سقيتها ، وحملت" مسنية" على سني أو استثقلت فيها الواو فأبدلت ياء.

وقالوا في الكبا : كبوان ، والكبا : الكناسة مقصور ، حكى أبو الخطاب عن أهل الحجاز أنهم يقولون في تثنيته : كبوان ، والكباء ممدود : العود الذي يتبخر به.

تقول في عشا العين : عشوان ؛ لأن الألف منقلبة من واو وتقول امرأة عشواء ، وقالوا رجل عشيّ ، وقوم عشّو.

ولو سميت رجلا ب" خطا" ، ثم ثنيت ، لقلت خطوان ؛ لأنها من خطوت.

ولو جعلت" علي" اسما ثم ثنيت لقلب" علوان" ؛ لأنها من علوت ، وتقول في تثنية ربا : ربوان.

وقالوا : سنا ، وسنوان ، وهو الدواء المعروف بالسّنا ويثنى بالواو.

والجمع بالألف والتاء بمنزلة التثنية فيما كان مقصورا على ثلاثة أحرف.

تقول في قطاة ، وأداة : قطوات ، وأدوات ، وقنوات ودل جمعهم ذلك بالواو ، على أن الألف في قناة ، وأداة ، وقطاة ، منقلبة من واو.

وقالوا في رحى : رحيان ، وفي فتى : فتيان ، وفي ندى : نديان ، فردوها إلى ما الألف منقلبة منه ، وهو الياء وقولهم : العموة ، والنّدوّة ، إنما قلبت فيه الياء واوا للضمة قبلها ، وليس ذلك بقياس مطرد ، والدليل على أن الألف منقلبة من ياء ، أنهم قالوا : فتيان ، وفتيان ، وفتية للجمع وتقول : عمي ، وعميان ، لأنك تقول : عميان ، وعمي في جمع أعمى وتقول :

__________________

(١) البيت بلا نسبة في ابن يعيش ٤ / ١٤٧ ، واللسان (رجا) ، والمخصص ١٥ / ١١٢.

١٣٧

هدى ، وهديان ؛ لأنك تقول : هديت وتقول في جمع حصاة حصيات.

قال سيبويه : وما جاء من ذلك ليس له فعل يدل على أنه من ياء أو واو ، وألزمت ألفه الانتصاب يعني أنه لا يمال ، فهو من بنات الواو ، وتمنع فيه الإمالة.

وذلك نحو لدى ، وإلى وعلى. إذا سميت بشيء منهن ثنيت بالواو ، ولا غير ، فقلت : لدوان ، وإلوان.

ولو سميت بمتى ، أو بلى ، ثم ثنيت ، جعلته بالهاء ؛ لأنهما ممالان ، فقلت : متيان ويليان. ولم يفرق أصحابنا في الثلاثي ، بين ما كان أوله مفتوحا ، وبين ما كان مكسورا ، أو مضموما. واعتبروا انقلاب الألف في أصل الكلمة. وأما الكوفيون فجعلوا ما كان مفتوحا على العبرة التي ذكرنا ، وما كان مضموما ، أو مكسورا ، جعلوه من الياء ، وإن كان أصله الواو ، وكتبوه بالياء نحو الضّحى ، والرّثمى ، وما أشبه ذلك.

ومن حجة أصحابنا ما حكاه أبو الخطاب من تثنية الكبا كبوان.

وقد حكوا هم أيضا عن الكسائي أنه سمع العرب تقول في حمى : حيوان وفي رضا رضوان فهذا القياس ، وإذا كان المنقوص على أربعة أحرف فصاعدا ثني بالياء من الواو ، كان أصله ، أو من الياء أو كانت ألفا لا أصل لها في ياء ، ولا واو.

فأما ما كان من الواو ، فمغزى ، وملهى ، ومغتزى وأعشى ، وأصله من الغزو ، واللهو ، ومن العشو تقول في تثنيته : أعشيان ، وملهيان.

وما كان من الياء ، فنحو : مرمى ، ومجرى ، تقول : مرميان ومجريان ، وأصله من رميت وجريت.

وما كان ألفا في الأصل ، فنحو : حبلى ، وذكرى ، وما أشبه ذلك وإذا ثنيت قلت : حبليان وذكريان.

وكذلك لو سميت رجلا ب" حتّى" ثم ثنيت لقلت : حتّيان وإنما وجبت الياء ، فيما زاد على ثلاثة أحرف ؛ لأنّا لو صرفنا منه فعلا ، انقلبت الواو ياء ، ضرورة في بعض تصاريفه. تقول في الثلاثي : غزا يغزو ، وغزوت فإذا لحقته زائدة قلت : أغزى ، يغزي ، وغازى ، يغازي ؛ لأنك إذا قلت : أغزى فهو (أفعل) وإذا قلت : " غازى" فهو فاعل ، ولا بد من أن يلزم كسر ما قبل آخره.

فإذا جعلناه واوا قلنا : يغزو في المستقبل و" يغازو" فإذا وقفت عليه وقفت على

١٣٨

" واو" ساكنة قبلها كسرة فوجب قلبها ياء.

وجعل ما لم يكن له أصل ، ملحقا بالياء ؛ لأنّا لو صرفنا منه فعلا ، وهو على أكثر من ثلاثة أحرف لم يكن بد من أن ينكسر ما قبل آخره ، فيصير آخره ياء.

ألا ترى أنّا نقول : سلقى ، يسلقي ، وجعبى يجعبي. ولو صرفنا من" حبلى" أو" حتى" فعلا لكان يجيء على فعلى يفعلى مثل : حبلى يحبلي ، وحتّى يحتّي فتنقلب الألف ياء ضرورة ، وقد جاء حرف نادر في هذا الباب قالوا : مذروان لطرفي الإليتين ، ورأيت المذروين ، وكان القياس مذريان ومذريين ؛ لأن تقدير الواحد مذرى ، غير أنهم لم يستعملوا الواحد مفردا فيجب قلب آخره ياء. وجعلوا حرف التثنية فيه ، كالتأنيث الذي يلحق آخر الاسم ، فيغير حكمه ، تقول : شقاء ، وعظاء ، وصلاء لا يجوز غير الهمزة في شيء من ذلك ، وأصله شقاو وعظاي ، وصلاي ، فوقعت الواو والياء طرفين ، وقبلهما ألف ، ثم قالوا : شقاوة ، وعظاية وصلاية ، فجعلوه واوا أو ياء ؛ لأنه لما اتصل به حرف التأنيث ولم يقع الإعراب على الياء والواو وصارتا كأنهما في وسط الكلمة وكذلك مذروان : لما لم تفارقهما علامة التثنية.

قال الشاعر :

أحولى تنقض أستك مذرويها

لتقتلني فها أنذا عمارا (١)

ومثل مذروين قولهم : عقله بثنايين ، لما لزمته التثنية ، جعل بمنزلة عظاية ، ولم تقلب الياء التي بعد الألف همزة ، فاعرف ذلك.

وقال الكوفيون : إن العرب تسقط الألف المقصورة فيما كثرت حروفه إذا ثنّوا ، فيقولون في خوزلى وقهقرى ، وما كان نحوهما : خوزلان ، وقهقران ، ولم يفرق أصحابنا بين ما قلت حروفه أو كثرت ، ورأيت في شعر العرب" جماديين" فرأيتهم قد أثبتوا الياء فيها ، ولم أر أحدا حذف الياء. قال لبيد :

آويته حتّى تكفّت حامدا

وأهل بعد جماديين حرام (٢)

__________________

(١) المقتضب : ١ / ١٩١ ، ابن يعيش : ٤ / ١٤٩ ، الخزانة : ٣ / ٣٦٢ ، واللسان : " ذرى".

(٢) البيت في ديوانه ١٦١.

١٣٩

وقال أبو وجزة السعدي :

تحسر الماء عنه واستجن

إلفان جنا من الكتان والقطب

جماديين حسوما لا يعاينه

راء من النّاس في أهل ولا عزب (١)

وأنشد أبو بكر بن دريد :

أصبح زين خفش العينيّنه

فسوته لا تنقضي شهرينه (٢)

شهري ربيع وجمادينه ولم أر الكوفيين استشهدوا على ذلك بشيء.

هذا باب تثنية الممدود

اعلم أن الممدود على أربعة أضرب ، فضرب همزته أصلية ، وهي كقولك : رجل قرّاء ووضّاء ، وهو من قرأت ، ووضّؤت ، والوضّاء ، الجميل ، ووضوء وجه الرجل إذا حسن وأشرق.

والضرب الثاني ما كانت همزته منقلبة من حرف أصلي كقولهم : كساء ، ورداء ، وأصله كساوي ورداي ، وإذا وقعت الواو والياء طرفا وقبلها ألف زائدة انقلبت همزة. والواو والياء في كساء ، ورداء وما جرى مجراهما أصليتان في موضع اللام من الفعل.

والضرب الثالث : ما كانت الهمزة فيه منقلبة من حرف غير أصلي ياء زائدة كقولهم : علباء وحرباء ، وحرشاء ، وما أشبه ذلك.

وكان الأصل علباي ، والياء زائدة ، لأنك تقول : سيف معلوب ومعلّب ، إذا كان مشدود المقبض بالعلباء. قال الشاعر :

فلو كنت بالمعلوب سيف ابن ظالم

ضربت فعادت قبر عوّف قرائه

وقال ساعدة بن جؤيّة :

من كل أظمى عاتر لا شأنه

قصر ولا راض الكعوب معلّب

والضرب الرابع : ما كانت همزته منقلبة عن ألف التأنيث ، كقولك : حمراء ، وخنفساء وعشراء وما أشبه ذلك.

__________________

(١) البيتان من شواهد التبصرة والتذكرة ٢ / ٦٣٥ ، وفي الإنصاف ٢ / ٧٥٦.

(٢) في ابن يعيش ٤ / ١٤٢ ، والإنصاف ٧٥٥ ، والمخصص ١٥ / ١١٤.

١٤٠