شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

وبين العارف بشيء سواه.

" وقد جاء المصدر على فعال ، قالوا : كذبته كذابا ، وكتبته كتابا ، وحجبته حجابا" قال الشاعر :

فصدقته وكذبته

والمرء ينفعه كذابه (١)

" وقالوا : كتبته كتبا على القياس ، وقالوا : سقتها سياقا ، ونكحتها نكاحا ، وسفدها سفادا. وقالوا : قرعها قرعا. وقد جاء على فعلان ،

قالوا : حرمه يحرمه حرمانا ، ووجد الشيء يجده وجدانا" بمعنى أصابه.

" ويقال : أتيته آتيه إتيانا ، وقالوا : أتيا على القياس" قال الشاعر :

إني وأتيي ابن غلاق ليقريني

كغابط الكلب يبغي الطرق في الذنب (٢)

" ولقيته لقيانا وعرفته عرفانا ورئمته رئمانا" إذا ألفه وعطف عليه.

" وحسبه حسبانا ، ورضيه رضوانا ، وغشيه غشيانا. وقد جاء على فعال ، كما جاء على فعول ، كقولك : سمعته سماعا ، مثل لزمته لزوما ، وعلى فعلان ، نحو : الشكران والغفران".

وقد قيل : الكفران ، قال اله عزوجل : (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ)(٣).

" وقالوا : الشكور ، كما قالوا : الجحود ، وقالوا : الكفر كالشغل ،

وقالوا : سألته سؤالا فجاءوا به على فعال ، كما جاءوا به على فعال. وجاء على فعالة ، كقولك : نكيت في العدو نكاية ، وحميته حماية. وقالوا : حميا على القياس.

وقالوا : حميت المريض حمية ، كما قالوا : نشدته نشدة ، فهذا على فعلة ، وقد جاء على فعلة ، كقولهم : رحمته رحمة" وليس يراد به مرة واحدة.

وكذلك لقيته لقيه ، ونظيرها : خلته خيله" يريد نظيرها في المصدر لا في الوزن.

وقالوا : نصح نصاحة ، فأدخلوا الهاء ، وقالوا : غلب غلبة ، كما قالوا : نهمة ، وقالوا : الغلب ، كما قالوا : السرق. وقالوا ضربها الفحل ضرابا ، كالنكاح ، والقياس (ضربا ، ولا يقولونه ، كما لا يقولون نكحا ، وهو القياس). وقالوا : دفعها دفعا

__________________

(١) قائله الأعشى انظر المبرد في الكامل : ٢ / ٢١٠ ، والمخصص : ١٤ / ١٢٨ ، واللسان : (صدق) ولم يوجد في ديوانه.

(٢) إصلاح المنطق : ٢٣٩ ، واللسان (أتى) ، والمخصص : ١٤ / ١٣٣.

(٣) سورة الأنبياء ، الآية : ٩٤.

٤٠١

كالقرع ، وذقطها ذقطا ، وهو النكاح ، ونحوه من باب المباضعة. وقالوا : سرقة ، كما قالوا : فطنة.

وقالوا : لويته حقه ليانا على فعلان"

قال أبو سعيد : ذكر بعض أصحابنا ، وهو عندي جيد ، أن ليانا أصله ليانا ، لأنه ليس في المصادر فعلان ، وإنما يجئ على فعلان وفعلان كثيرا ، كالوجدان والإتيان والعرفان ، فكأن أصله ليّان أو ليّان ، فاستثقلوا الكسرة والضمة مع الياء المشددة ، ففتحوا استثقالا. وقد ذكر أبو زيد في كتابه (عن بعض العرب) لويته ليانا بالكسر ، وهذا من أوضح الدلائل على ما ذكرنا.

" وقالوا : رحمته رحمة كالغلبة".

وجميع ما ذكره سيبويه إلى هذا الموضع في الأفعال الخمسة

وقال : " وأما كل عمل لم يتعد إلى منصوب فإنه يكون فعله على ما ذكرنا في الذي يتعدى ، ويكون الاسم فاعلا ، والمصدر يكون فعولا ، وذلك نحو :

قعد قعودا وهو قاعد ، وجلس جلوسا وهو جالس ، وسكت سكوتا وهو ساكت ، وثبت ثبوتا وهو ثابت ، وذهب ذهوبا وهو ذاهب. وقالوا : الذّهاب والثّبات ، فبنوه على فعال كما بنوه على فعول ، والفعول فيه أكثر. وقالوا : ركن يركن ركونا وهو راكن. وقالوا في بعض مصادر هذا ، فجاءوا به على فعل ، كما جاءوا ببعض مصادر الأول على فعول ، وذلك قولك : سكت يسكت سكتا ، وهدأ الليل يهدأ هدءا ، وعجز عجزا ، وحرد يحرد حردا وهو حارد ، وقولهم : فاعل يدلك على أنهم جعلوه من هذا الباب.

أراد سيبويه أنهم حملوا مصادر ما لا يتعدى على ما يتعدى في قولهم :

عجزا وسكتا ، والباب فيه الفعول ، كما حملوا ما يتعدى ، حيث قالوا : لزم لزوما ، وجحد جحودا والباب فيه لزما وجحدا ، على ما لا يتعدى ، وقوى حملهم ذلك على ما يتعدى أنهم قالوا : حارد ، وكأن القياس في مثله أن يقال : حرد حردا فهو حردان ، كما قالوا : غضب غضبا فهو غضبان ، فأخرجوه عن باب غضبان : تخفيف الحرد ، وبقولهم حارد ، ومعنى قول سيبويه : " فإنه يكون فعله على ما ذكرنا في الذي يتعدى" ، ويريد من باب فعل يفعل ، كقولنا : قعد يقعد ، وفعل يفعل ، كقولنا : جلس يجلس ، وفعل يفعل ، كقولنا :

حرد يحرد ، فهذه الأفعال لها نظائر فيما يتعدى ، ويجيء فيما لا يتعدى بناء ينفرد كقولنا : ظرف يظرف ، وكرم يكرم. وستقف على ذلك إن شاء الله.

٤٠٢

قال سيبويه : " وقالوا : لبث لبثا ، فجعلوه بمنزلة عمل عملا ، وقولهم : لابث يدلك على أنه من هذا الباب. وقالوا : مكث يمكث مكوثا ، كما قالوا : قعد يقعد قعودا ، وقال بعضهم : مكث ، شبهوه بظرف ، لأنه فعل لا يتعدى ، كما أن هذا فعل لا يتعدى. وقالوا : المكث كالشّغل والقبح ، لأن بناء الفعل واحد"

في مكث يمكث وقبح ويقبح.

" وقال بعض العرب : مجن يمجن مجنا كالشغل" فيما يتعدى".

" وقالوا : فسق فسقا ، كما قالوا : فعل فعلا" مما يتعدى.

" وحلف حلفا ، كما قالوا : سرق سرقا" فيما يتعدى.

قال : " وأما دخلته دخولا ، وولجته ولوجا ، فإنما هو دلجت فيه ودخلت فيه ، ولكنه ألقى فيه استخفافا ، كما قالوا : نبئت زيدا ، وإنما تريد نبئت عن زيد"

وقد مضى الكلام في أول الكتاب فيما قاله سيبويه إن دخلت في الأصل غير متعد ، وما خالفه فيه الجرمي من تعديه بما أغنى عن إعادته.

قال : " ومثل الحارد والحرد : حميت الشمس تحمى حميا ، وهي حامية"

قال الشاعر :

تفور علينا قدرهم فنديمها

ونفثؤها عنا إذا حميها غلا (١)

وقالوا : لعب يلعب لعبا ، وضحك يضحك ضحكا ، كما قالوا : الحلف. وقالوا :

حجّ حجّا ، كما قالوا : ذكر ذكرا. وقد جاء بعضه على فعال ، كما جاء على فعال وفعول قالوا : نعس نعاسا ، وعطش عطاشا ، ومزج مزاجا.

قال أبو سعيد : وقد يجيء الفعال والفعالة والفعال والفعالة في أشياء تكثر فيها وتكون أبوابا لها ، وكذلك الفعيل. وأما الفعال فقد كثر في الأصوات ، وصار الباب لها ، ويتلوه في ذلك الفعيل ، تقول : الصراح والنباح والبعار والبغام والحصاض والخّباج ، وهما الضراط ، والرغاء والدعاء والعواء والمكاء. وفي فعيل صهيل وزئير وطنين وصريف ، وهو صوت احتكاك الأسنان ونزيب : صوت الظباء ، ونئيب التيس ، والضجيج والنئيم والنهيت ، وهو كثير.

__________________

(١) قاله النابغة الجعدي ديوانه : ١١٨. الشاهد في قوله (حميها) حيث جاء المصدر وهو قوله (حمي) على فعل للفعل (حمي) على القياس.

٤٠٣

ومما اجتمع فيه فعيل وفعال شحيج البغل وشحاجه ، ونهيق الحمار ونهاقه وسحيله وسحاله ، ونبيح ونباح ، وضغيب ، الأرنب وضغابها ، وأنين وأنان وزحير وزحار ، وفعيل وفعال أختان ، كما اتفقا في النعت ، كقولك : طويل وطوال ، وخفيف وخفاف ، وعجيب وعجاب. ويكثر فعال في الأدواء ، كقولنا : السكات والبوال والدّوار والعطاس والسهام ، وهو تغير من حر وشمس ، والنحاز والسعال مثله ، والنفاض : داء ينتفض منه ، والقياء : القيء ، والصراع والصداع والقّلاب. وقال الأصمعي : وقع في الإبل السواف ، وهو الهلاك والموت.

وقال أبو عمرو الشيباني : السواف ، بفتح السين ، فأنكر الأصمعي وغيره ما قاله أبو عمرو. وقال : الباب في الأدواء بالضم ، فقال أبو عمرو : هكذا سمعته. ويقوى ما قاله أبو عمرو أن سيبويه قال بعد أسطر : " كما أنك قد تجيء ببعض ما يكون من داء على فعال ، وبابه فعال".

فيمكن أن يكون السواف منه. وقالوا : سمع الله غواثه وغواثه ، وهو استغاثته ، والباب فيه غواث ، لأن من الصوت. ويجوز عندي أن يكون فتحهم لذلك استثقالا للضم الذي بعده الواو.

" ويجيء فعال فيما كان نحو : الدقاق والحطام والجذاذ والفضاض والفتات والرّفات" وهو مصدر واقع على مفعول.

" وتجيء الفعالة فيما كان فاضلا عن الشيء إذا أخذ منه نحو : الفضالة والقوارة والقراضة والتّفاغة والنقاوة والحسالة والحثالة والحشافة والكساحة والجرامة ، وهي ما يصرم من النخل وقت الفراغ منه ، ومثله الظلامة والخباسة وهي الغنيمة ، " والعمالة" وهي مشبهة بالفضالات.

وقد يجيء الفعال فيما كان هياجا من ذكر أو أنثى ، فالذكر نحو الهباب ، والقراع والضراب والنكاح ، والأنثى نحو : الصراف والحرام والوداق وذلك شهوتها للذكر.

ومما قارب ذلك المعنى : الفرار والسراد والشماس والطماح والضراح إذا ضرحت برجلها ورمحت" وذلك كله يشبه باب الهياج ؛ لأنه تحرك وخروج عن الاعتدال" ومثله الخلاء" والحران" ، لأنه يشبه ذلك بالممانعة والتباعد مما يرى منه.

وقد يجيء فعال في الأصوات ، وليس بكثرة فعال وفعيل ، كالذمار والعرار ، وهما من أصوات النعام. وقالوا : الهتاف والهتاف ، والصياح والصياح.

" ويجيء فعال في انتهاء الزمان ، ويدخل عليه فعال ، كقولهم : الصرام والصرام ،

٤٠٤

والجزاز والجزاز ، والقطاع والقطاع ، والحصاد والحصاد"

والرفاع والرفاع ، وهو أن يرفع الزرع ليجمع في بيدره. وقال الكسائي : ما سمعت فيه الكسر.

وقال الأموي : الكناز بالفتح. وقالوا : القطاف والقطاف.

" وتجيء الفعالة فيما كان ولاية أو صناعة ، فالولاية نحو : الخلافة والإمارة والنكابة" من المنكب ، والمنكب الذي في يده اثنتا عشرة عرافة.

" والعرافة والإبالة ، وهي السياسة ، ومثلها العياسة ، وقد قالوا : العوس فخرج عن القياس كما خرج غواث وسواف عن القياس ، والباب فيه الفعال.

" وقالوا في الصناعة : القصابة والحياكة والخياطة والنجارة".

وفتحوا الأول في بعض ذلك ، قالوا : الوكالة والوكالة ، والجراية والجراية وهي الوكالة ، والولاية والولاية ، والدلالة والدلالة" ويجيء في المصادر فعلة على معنى الإنابة عن الكيفية ، كقولهم : فلان حسن الجلسة والركبة. ويدخل فيه الكظة والبطنة والملأة ، والكظة امتلاء من الطعام. وقد دخل كلام سيبويه فيما ذكرته بما أغنى عن سياقه.

قال سيبويه : " وأما الوسم فيجيء على فعال نحو : الخباط والعلاط والعراض والجناب والكشاح ، فالأثر يكون على فعال ، والعمل يكون فعلا ، كقولك : وسمت وسما ، وخبطت البعير خبطا ، وكشحته كشحا. وأما المشط والدلو والخطاف" يعني في السمات ، " فأنما أرادوا صورة هذه الأشياء أنها وسمت به ، فكأنه قال : عليه صورة الدلو ، ومعنى الخباط في السمة الأثر على الوجه ، والعلاط والعراض على العنق ، والجناب على الجنب ، والكشاح على الكشح. وجاء بعض السمات على غير الفعال ، نحو : القرمة والجرف ، اكتفوا بالعمل ، يعني المصدر ، والفعلة فأوقعوها على الأثر".

والجرف أن يقلع شيء من الجلد بحديد ، والقرمة أن يقطع شيء من الجلد يكون معلقا عليه.

قال : " ومن المصادر التي جاءت على مثال واحد حين تقاربت المعاني قولك : النزوان والنقزان والقفزان ، وإنما جاءت هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزازه في ارتفاع"

قال أبو سعيد : باب الفعلان مصدرا فيما كان يضطرب ، ولا يجيء في غير ذلك.

" ومثله العسلان والرتكان" وهما ضربان من العدو.

٤٠٥

" وربما جاء ما كان فيه اضطراب على غير الفعلان ، نحو : النزاء والقماص كما جاء عليه الصوت ، نحو : الصراخ والنباح ، لأن الصوت قد تكلف فيه من نفسه ما تكلف من نفسه في النزوان ونحوه. وقالوا : النزو والنقز ، كما قالوا : السكت والفقر والعجز ، لأن بناء الفعل واحد لا يتعدى ، كما لا يتعدى هذا.

ومثل ذلك الغليان والغثيان ؛ لأن النفس تضطرب وتثور ، وكذلك الخطران واللمعان ، لأنه اضطراب وتحرك ، واللهبان والصخدان والوهجان ، لأنه تحرك الحر وثورة ، فهو بمنزلة الغليان. وقالوا : وجب قلبه وجيبا ورجف رجيفا ، ورسم البعير رسيما" ، وهو ضرب من السير.

" فجاء على فعيل ، كما جاء على فعال" يعني النزاء والقماص.

" وكما جاء فعيل في الصوت مجيء فعال ، كالهدير والضجيج والقليخ والصهيل والنهيق والشحيج ، قالوا : قلخ البعير يقلخ قليخا وهو الهدير"

قال سيبويه : " وأكثر ما يكون الفعلان في هذا الضرب ، ولا يجيء فعله يتعدى الفاعل إلا أن يشذ شيء منه ، نحو : شنئته شنآنا".

ولا نعلم فعلا يتعدى ، مصدره فعلان غير شنئته شنآنا.

" وقالوا : الّلمع والخطف ، كما قالوا : الهدر ، فما جاء منه على فعل فهو الأصل ، وقد جاءوا بالفعلان في أشياء تقاربت في اشتراكها في الاضطراب والحركة كالطوفان والدوران والجولان تشبيها بالغليان والغثيان ، لأن الغليان تقلب ما في القدر وتصرفه. وقد قالوا : الجول والغلي. وقالوا : الحيدان والميلان ، فأدخلوا الفعلان في هذا كما أن ما ذكرنا من المصادر قد دخل بعضها على بعض وهذه الأشياء لا تضبط بقياس ولا بأمر أحكم من هذا ، وهكذا مأخذ الخليل" يعني أن الحيدان والميلان شاذ خارج عن قياس فعلان ، كما يخرج بعض المصادر عن بابه.

قال أبو سعيد : وقد يجوز عندي أن يكون على الباب ؛ لأن الحيدان والميلان إنما هما أخذ في جهة ما عادلة عن جهة أخرى ، فهما بمنزلة الروغان ، وهو عدو في جهة الميل. وقال بعضهم : لأن الحيدان والميلان ليس فيهما زعزعة شديدة ، وما ذكر فيه زعزعة شديدة ، فلذلك قال ما قال.

" وقالوا : وثب وثبا ووثوبا ، كما قالوا : هدأ هدءا وهدوءا ، ورقص رقصا كما قالوا : طلب طلبا ، ومثله خبّ يخبّ خبا ، وقالوا : خبيبا ، كما قالوا : الذميل والصهيل. وقد جاء

٤٠٦

من الصوت شيء على فعلة ، نحو : الرّزمة ، والجلبة والحدمة والوحاة. وقالوا : الطيران كما قالوا : النزوان ، وقالوا : نفيان المطر ، شبهوه بالطيران ؛ لأنه ينفي بجناحيه ، والسحاب تنفيه أول شيء رشا أو بردا ، ونفيان الريح أيضا التراب ، وتنفي المطر تصرفه كما يصرف التراب.

ومما جاءت مصادره على مثال لتقارب المعاني قولك : يئست يأسا ويآسة ، وسئمت سأما وسآمة ، وزهدت زهدا وزهادة ، وإنما جملة هذا لترك الشيء وجاءت الأسماء (على فاعل) ، لأنها جعلت من باب شربت وركبت".

قوله : " لأنها جعلت من باب شربت وركبت" ينبغي أن يكون ذكر شربت لأنه عمل ، كما أن زهدت عمل ، ويجوز أن يكون شربت على معنى رويت ، لأن رويت انتهاء وترك كسئمت.

" وقالوا : زهد ، كما قالوا : ذهب. وقالوا : الزهد ، كما قالوا : المكث.

وقد جاء أيضا ما كان من الترك والانتهاء على فعل يفعل فعلا ، وجاء الاسم على فعل ، وذلك أجم يأجم أجما وهو أجم" إذا بشم من الشيء وكرهه.

" وسنق يسنق سنقا وهو سنق" كبشم ، " وغرض يغرض غرضا وهو غرض.

وجاءوا بضد الزهد والغرض على بناء الغرض ، وذلك هوي يهوى هوى وهو هو.

وقالوا : قنع يقنع قناعة ، كما قالوا : زهد يزهد زهاده ، وقالوا : قانع ، كما قالوا زاهد ، وقنع كما قالوا : غرض ، لأن الفعل واحد ، وأنه ضد وترك للشيء ، ومثل هذا في التقارب بطن يبطن بطنا وهو بطين ، وبطن ، وتبن تبنا وهو تبن ، وثمل يثمل ثملا وهو ثمل ، وقالوا : طبن طبنا وهو طبن".

قال أبو سعيد : قال بعض أصحابنا : زيدت الياء في بطين للزوم الكسرة لهذا الباب ، يعني لفعل ، فيصير بمنزلة المريض والسقيم وما أشبه ذلك. وقال :

هذه الأشياء إنما هي خلق كالأشر والفرح وهو لما يقع في الجسم. ومعنى تبن فطن ، أي ذلك من طبعه (ومن سوسه) ، وقال بعضهم : تبن بطنه إذا انتفخ.

هذا باب ما جاء من الأدواء على مثال وجع يوجع وجعا وهو وجع لتقارب المعاني

قال سيبويه : " وذلك حبط يحبط حبطا ، وحبج يحبج حبجا" وهو انتفاخ البطن.

" وقد يجيء الاسم فعيلا ، نحو : مرض يمرض مرضا ، وهو مريض ، وسقم يسقم سقما وهو سقيم. وبعض العرب يقول : سقم ، كما قالوا : كرم كرما وهو كريم ، وعسر

٤٠٧

عسرا وهو عسير ، وقد قالوا : عسر ، وقالوا : السقم ، كما قالوا : الحزن. وقالوا : حزن يحزن حزنا وهو حزين ، جعلوه بمنزلة المرض لأنه داء. وقالوا مثل وجع يوجع : وجل يوجل وجلا وهو وجل ، وردى يردى ردى وهو رد" ومعناه هلك.

" ولوى يلوى لوى وهو لو" من وجع الجوف ، " ووجي يوجى وجى" وهو الحفاء ورقة أسفل الرّجل من المشي ، " وعمي قلبه يعمى عمّى وهو عم" ، لأنه كالداء والمرض. والعرب تقول : عميت عينه تعمى عمى فهو أعمى ، وعمي قلبه يعمى عمى فهو عم ، ففصلوا بينهما في اسم الفاعل للفرق.

" وقالوا : فزع فزعا وهو فزع ، وفرق فرقا وهو فرق ، ووجل وجلا وهو وجل ووجر وجرا وهو وجر" ومعناه وجل.

" أجروا الذعر والخوف مجرى الداء لأنه بلاء ، وقالوا : أوجر ، فأدخلوا الفعل هاهنا على فعل لأنهما قد يجتمعان ، كقولك : شعث وأشعث ، وحدب وأحدب ، وكدر وأكدر ، وحمق وأحمق ، وقعس وأقعس".

وهو ضد الأحدب في خروج صدره ، والأحدب : الذي يخرج ظهره.

" فأفعل دخل في هذا الباب كما دخل فعل في أخش وأكدر ، وكما دخل فعل في باب فعلان.

يريد أن باب الأدواء يجيء على فعل يفعل فهو فعل فإذا استعمل فيه أفعل فقد دخل في غير بابه ، وباب الخلق والألوان أفعل ، فإذا دخل فيه فعل فقد دخل في غير بابه ، فأخش من الخلق ، وأكدر من الألوان ، فإذا استعمل فيهما خشن وكدر فقد دخل عليهما فعل من غير بابهما. ومثل ذلك في باب العطش والجوع والرّى ، ونحو ذلك فعلان ، كقولك : عطشان وصديان ورجلان ، وقد قالوا : صد وعطش ورجل.

قال : " واعلم أن فرقته وفزعته إنما معناهما فرقت منه ، ولكن حذفوا منه ، كما قالوا : أمرتك الخير وإنما يريدون أمرتك بالخير"

يريد أن الباب في فعل يفعل وهو فعل أن لا يتعدى ، وإنما فرقته وفزعته على حذف حرف الجر ، كما قالوا : أمرتك الخير بمعنى أمرتك بالخير.

وقالوا : خشي فهو خاش ، كما قالوا : رحم وهو راحم ، فلم يجيئوا باللفظ كلفظ ما معناه كمعناه ، ولكن جاءوا بالمصدر والاسم على ما بناء فعله كبناء فعله.

قال أبو سعيد : اعلم أن فعل يفعل إذا كان اسم الفاعل منه على فاعل ، فهو يجري

٤٠٨

مجرى ما يتعدى ، وإن كان لا يتعدى ، كقولك : سخط يسخط وهو ساخط ، وخشي يخشى وهو خاش ، وكان الأصل سخط منه ، كما تقول : غضب منه ، وخشي منه ، كما تقول : وجل منه ، فجعلوا خشي وهو خاش كقولهم : رحم وهو راحم ، ولا يقدر في رحم حرف من حروف الجر ، ومعنى قول سيبويه : " فلم يجيئوا باللفظ كلفظ ما معناه كمعناه" ، يريد ، لم يقولوا : خش ، كما قالوا : فرق ووجل.

وقوله : " ولكن جاءوا بالمصدر والاسم على ما بناء فعله كبناء فعله"

يعني بالمصدر الخشية ، والاسم يعني الخاشي. فالخشية بمنزلة الرحمة في وزنها ، والخاشي كالراحم في وزنه ، وبناء خشي يخشى كبناء رحم يرحم ، وهو ضده. وقد يحمل الضد في اللفظ على ما يضاده لتلبسهما بحيز واحد وإن كانا يتنافيان في ذلك الحّيز ، كالألوان المتضادة والروائح والطعوم المتضادات.

قال سيبويه : " وجاءوا بضد ما ذكرنا على بنائه" قال : " وقالوا : أشر يأشر أشرا وهو أشر ، وبطر يبطر بطرا وهو بطر ، وفرح يفرح فرحا وهو فرح ، وجذل يجذل جذلا وهو جذل" بمعنى فرح." وقالوا : جذلان وجذل ، كما قالوا : سكران وسكر ، وكسلان وكسل ، وقالوا : نشط ينشط وهو نشيط ، كما قالوا : الحزين ، وقالوا : النشاط ، كما قالوا : السقام ، (وجعلوا السّقام) والسقيم كالجمال والجميل. وقالوا : سهك يسهك سهكا وهو سهك ، وقنم يقنم قنما وهو قنم ، جعلوه كالداء لأنه عيب. وقالوا : قنمة وسهكة".

والقنمة الرائحة المنكرة ، ويروى أن بعض الأعراب كان تؤخذ عنه العربية بالبصرة ، وكان أهل العلم يتبعونه ليأخذوا ألفاظه ، وكانت به لوثة وضعف في عقله وتقزز فصعد يوما على تل من السّماد ، وبسط شيئا معه عليه ، وجلس وهم حوله ، فارتفعت رائحة منتنة ، فتأفف من الرائحة وقال : ما هذه القنمة ، والله لكأننا على حششة فقال له أبو الخطاب الأخفش : أنك منها على ثبج عظيم.

" وقالوا : عقرت عقرا ، كما قالوا : سقمت سقما. وقالوا : عاقر ، كما قالوا : ماكث"

قال أبو سعيد : وليس الباب فيما كان على فعل يفعل أن يجئ على فاعل ، فإذا جاء شيء منه على فاعل فهو محمول على غيره ، وهو قليل ، كقولهم : فره العبد يفره فهو فاره ، وعقر فهو عاقر.

٤٠٩

قال سيبويه : " وقالوا : خمط خمطا ، وهو خمط في ضد القنم" ، والخمط رائحة طيبة.

قال : " (وقد جاء) على فعل يفعل وهو فعل أشياء تقاربت معانيها ، لأن جملتها هيج ، وذلك قولك : أرج يأرج أرجا وهو أرج ، وإنما أراد تحرك الريح وسطوعها ، وحمس يحمس حمسا ، وهو حمس ، وذلك حين يهيج ويغضب".

والحمس الذي يغضب للقتال ، وهو الشديد الشجاع.

وقالوا : أحمس ، كما قالوا : أوجر ، وصار أفعل هاهنا بمنزلة فعلان وغضبان ، وقد يدخل أفعل على فعلان ، كما دخل فعل عليهما ، فلا يفارقهما في بناء الفعل ، ويشبه فعلان بمؤنث أفعل ، وقد بينا ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف". يريد أن دخول أفعل على فعلان لاجتماعهما في بناء الفعل والمصدر في مواضع كثيرة منها : غضب يغضب غضبا وهو غضبان ، كما تقول : عور يعور عورا وهو أعور ، فقد اجتمعا في بناء الفعل والمصدر ، ولأن فعلان يشبه فعلاء ، وفعلاء مؤنث أفعل.

قال : " وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون : رجل أهيم وهيمان ، وهم يريدون شيئا واحدا ، وهو العطشان. وقالوا : سلس يسلس سلسا وهو سلس ، وقلق يقلق قلقا وهو قلق ، ونزق ينزق نزقا وهو نزق ، جعلوا هذا حيث كان خفة وتحركا مثل الحمس والأرج ، ومثله غلق يغلق غلقا لأنه طيش وخفة"

والغلق الذي يطيش حتى تذهب حجته.

وقد بنوا أشياء على فعل يفعل فعلا وهو فعل لتقاربها في المعنى ، وذلك ما تعذر عليك ولم يسهل ، كقولك : عسر يعسر عسرا ، وشكس يشكس شكسا" وهو شكس) ، وقالوا : الشكاسة ، كما قالوا : السّقامة ، وقالوا : لقس يلقس لقسا ، وهو لقس ، ولحز يلحز لحزا ، وهو لحز ، فلما صارت هذه الأشياء مكروهة عندهم صارت بمنزلة الأوجاع".

واللقس : سوء الخلق ، واللّحز : الضيّق والشّح.

وصار بمنزلة ما رموا به من الأدواء. وقد قالوا : عسر الأمر فهو عسير ، كما قالوا : سقم فهو سقيم. وقالوا : نكد ينكد نكدا وهو نكد ، وقالوا : أنكد كما قالوا : أجرب وجرب. وقالوا : لحج يلحج لحجا وهو لحج ، لأن معناه قريب من معنى السّقم ، لحج في الشيء إذا نشب فيه ولم يمكنه التخلص منه إلّا بشدة.

٤١٠

هذا باب فعلان ومصدره وفعله

قال سيبويه : " أما ما كان من الجوع والعطش فإنه أكثر ما يبنى في الأسماء على فعلان ، ويكون المصدر على الفعل ، ويكون الفعل على فعل يفعل ، وذلك ظمئ يظمأ ظمأ وهو ظمآن ، وعطش يعطش عطشا وهو عطشان ، وصدي يصدى صدى وهو صديان. وقالوا : الظماءة ، كما قالوا : السقامة ، لأن المعنيين قريب ، كلاهما ضرر على النفس وأذى ، وغرث يغرث غرثا ، وهو غرثان ، وعله يعله علها وهو علهان ، وهو شدة الغرث والحرص على الأكل ، وتقول : عله ، كما تقول : عجل ، ومعناه قريب من وجع. وقالوا : طوى يطوي طوى وهو طيّان" ومعناه الجوع ، قال عنترة :

ولقد أبيت على الطوى وأظله

حتى أنال به لذيذ المأكل (١)

وبعض العرب يقول : الطوى ، فيبينه على فعل ، لأن زنة فعل وفعل شيء واحد ، وليس بينهما إلا كسرة الأول وفتحة ، وضد ما ذكرنا يجيء على ما ذكرنا" يعني ضد الجوع ، " وهو قولهم : شبع شبعا وهو شبعان ، كسروا الشبع ،

كما قالوا : الطوى ، وشبهوه بالكبر والسمن حيث كان بناء الفعل واحدا. وقالوا : روي يروي ريا وهو ريان ، فأدخلوا الفعل في هذه المصادر ، كما أدخلوا الفعل فيها حين قالوا السكر".

يعني الري ، وزنه فعل ، ودخل في هذا الباب وليس بمصادر فيه ، ولقائل أن يقول : هو فعل ، وكسر من أجل الياء ، كما قالوا : قرن ألوى ، وقرون لي وليّ. وفي السكر ثلاث لغات : السكر والسكر ، وحكى عن الأخفش ، السكر.

قال سيبويه : " ومثله خزيان ، والمصدر الخزي ، وقالوا : الخزى في المصدر ، كالعطش اتفقت المصادر كاتفاق بناء الفعل والاسم".

يعني في الخزي والرّي كاتفاق خزي يخزي ، وهو خزيان ، وروى ريا وهو ريان.

قال : " وقد جاء من هذا على باب خرج يخرج ، قال : سغب يسغب سغبا وهو ساغب ، كما قالوا : سفل يسفل سّفلا وهو سافل ، ومثله جاع يجوع جوعا وهو جائع ، وناع ينوع نوعا وهو نائع".

(وقال بعضهم : النائع المتألم من الجوع) ، وقال بعضهم : هو المائل من الجوع ،

__________________

(١) انظر الديوان ص : ٢٤٩ ، المخصص : ١٤ / ١٤٢ ، واللسان (ظل).

٤١١

وقال بعضهم : إتّباع للجائع ، ونوعا اتباع لجوعا.

وقال بعضهم : النائع العطشان ، قال الشاعر :

لعمر بنى شهاب ما أقاموا

صدور الخيل والأسل النياعا (١)

" وقالوا : جوعان ، فأدخلوها هاهنا على فاعل ، لأن معناها معنى غرثان"

قال الشاعر :

لو أنني جاءني جوعان مهتلك

من جوع الناس عنه الخير محجوز (٢)

فجاء بجوعان ، وبجوع ، وهو جمع جائع.

" وقالوا من العطش أيضا : هام يهيم هيما وهو هائم ، وقالوا : هيمانّ لأن معناه : عطشان. ومثل هذا قولهم : ساغب وسغاب ، وجائع وجياع ، وهائم وهيام ، لما كان المعنى معنى فراث وعطاش ، بني على فعال ، كما أدخل قوم عليه فعلان ، إذ كان المعنى معنى فراث. وقالوا : سكر يسكر سكرا.

وقال أبو الحسن : فيها ثلاث لغات ، وقدموا ذلك.

" وقالوا : سكران ، لما كان من الامتلاء جعلوه بمنزلة شبعان ، ومثل ذلك ملآن. وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون : ملئت من الطعام ، كما قالوا : شبعت وسكرت. وقالوا : قدح نصفان وجمجمه نصفى" وهي أيضا قدح.

" وقدح : قربان ، وجمجمة قربى" إذا قارب الامتلاء" جعلوا ذلك بمنزلة الملآن ، لأن ذلك معناه معنى الامتلاء ، لأن النّصف قد امتلأ والقربان ممتلئ أيضا إلى حيث بلغ ، ولم نسمعهم قالوا قرب ولا نصف ، اكتفوا بقارب ونصف ، ولكنهم جاءوا به ، كأنهم يقولون : قرب ونصف ، كما قالوا : مذاكير ، ولم يقولوا : مذكير ولا مذكار ، وكما قالوا : أعزل وعزل ، ولم يقولوا : أعازل"

قال أبو سعيد : اعلم أن أعزل ، وإن كان على لفظ أحمر ، فلم يذهب به مذهب أحمر ، لأنه لا مؤنث له ، ذهبوا به مذهب الأسماء كأفكل وأيدع ، ولم يجمعوه كجمع الأسماء في

__________________

(١) نسبه ابن سيدة في المخصص : ١٤ / ٣٥ ، وصاحب اللسان (نوع) للقطامي ولم نجده في ديوانه ونسبه ابن بري لدريد بن الصمة ، والشاهد في قوله (النياعا) جمع (نائع) وهو العطشان.

(٢) قائله المتنخل الهذلي انظر ديوان الهذليين : ٢ / ١٥ وشرح المفصل : ١٠ / ١٣٥ ، وشرح شواهد الشافية : ٤٨٩ ، واللسان (هلك). الشاهد في قوله (جوعان) على أنه بمعنى (جائع) حيث أدخل (فعلان) على (فاعل) لأن معناهما واحد.

٤١٢

هذا الوزن ، لم يقولوا : أعازل ، كما قالوا : أفاكل ، وقالوا : عزل ، كأنهم قد روا أعزل وعزلاء مثل أحمر وحمراء ، وأن لم يستعملوه ، كما قالوا في جمع ذكر مذاكير على تقدير أن الواحد مذكار أو مذكير ، وإن لم يستعملوه.

وقالوا : عزّل على أن الواحد عازل ، وأن لم يستعملوه ، قال الأعشى :

غير ميل ولا عواوير في ال

هيجا ولا عزل ولا أكفال

" وقالوا : رجل شهوان وامرأة شهوى ، لأنه بمنزلة الغرثان والغرثى ، وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون : شهيت شهوة ، فجاءوا بالمصدر على فعلة ، كما قالوا : حرت تحار حيرة وهو حيران. وقد جاء فعلان وفعلى في غير هذا الباب ، قالوا : خزيان وخزيا. وروى أبو الحسن رجلان رجلى" ومعناه الراجل.

وقالوا : عجلان وعجلى ، وقد دخل في هذا الباب فاعل ، كما دخل فعل فشبهوه بسخط يسخط سخطا وهو ساخط ، كما شبهوا فعل بفزع وهو فزع" يعني أنهم قالوا : " نادم وراجل وصاد" ، كما قالوا : صد وعطش.

وقالوا : غضب يغضب غضبا وهو غضبان وغضبى ، لأن الغضب يكون في جوفه كما يكون فيه العطش. وقالوا : ملآنة شبهوها بخمصانة وندمانة".

وقال غيره : إن فعلان الذي أنثاه فعلى بنو أسد يدخلون الهاء في مؤنثه ، ويخرجونها من المذكر ، فيقولون : ملآنة وملآن ، وسكرانة وسكران ، كما قالوا : خمصانة وندمانة ، وللمذكر خمصان وندمان ، ويلزم على لغة هؤلاء أن يصرفوا ملآنا وغضبانا.

" وقالوا : ثكل يثكل ثكلا وهو ثكلان بالأنثى ثكلى ، ومثله لهفان ولهفى ، وقالوا : لهف يلهف لهفا. وقالوا حزنان وحزنى ، لأنه غم في جوفه ، وهو كالثكل ، لأن الثكل من الحزن".

قال أبو سعيد : ورأيت في نسخة أبي بكر مبرمان بخطه في الحاشية في نسخة أبي العباس جربان وجربى ، وفي العمود بهذا الهجاء ما عليه نقط الخاء والزاي كأنه خزيان وخزيا.

قال : " والندمان مثله وندمى".

قال أبو العباس : ندمان الذي من الندامة على الشيء ، المؤنث منه ندمى ، ولا يقال : ندمانة ، إنما ندمان وندمانة لباب المنادمة.

" وأما جربان وجربى فإنه لما كان بلاء أصيبوا به بنوه على هذا ، كما بنوه على أفعل وفعلاء ، نحو : أجرب وجرباء. وقالوا : عبرت تعبر عبرا (وهي عبرى) مثل ثكلى ، والثّكل

٤١٣

مثل السكر ، والعبر مثل العطش ، فقالوا : عبرى ، كما قالوا : ثكلى. وأما ما كان من هذا من بنات الياء والواو التي هي عين فأنها تجيء على فعل يفعل معتلة لا على الأصل ، وذلك عمت تعام عمة وهو عيمان وهي عيمانة ، جعلوه كالعطش ، وهو الذي يشتهي اللبن كما يشتهي ذلك الشراب ، وجاءوا بالمصدر على فعلة ، لأنه كان في الأصل على فعل ، كما كان العطش ونحوه على فعل ، ولكنهم أسكنوا الياء وأماتوها" ، يعني أعلوها ، " كما فعلوا في الفعّل ، فكأن الهاء عوض من الحركة مثل : غرت تغار غيرة ، وهو في المعنى كالغضبان ، وقالوا : حرت تحار حيرة (وهو حيران) ، وهي حيرى ، وهو في المعنى كالسكران لأن كليهما مرتج عليه.

هذا باب ما يبنى على أفعل

قال سيبويه : " أما الألوان فإنها تبنى على أفعل ، ويكون الفعل على فعل يفعل ، والمصدر على فعلة أكثر ، وربما جاء الفعل فعل يفعل ، وذلك قولك : أدم يأدم أدمة ، ومن العرب من يقول : أدم يأدم أدمة ، وشهب يشهب شهبة ، وقهب يقهب قهبة" وهو سواد يضرب إلى الحمرة ، قال :

والأقهبين : الفيل والجاموسا

" وكهب يكهب كهبة ، وقالوا : كهب يكهب كهبة" وهو غبرة وكدورة في اللون ، " وشهب يشهب شهبة ، وصدئ يصدأ صدأة ، وقالوا : صدأ ، كما قالوا : الغبس ، والأغبس : البعير الذي يضرب إلى البياض ، وقالوا : الغبسة ، كما قالوا : الحمرة ، وفي نسخة أخرى العيسة ، وأصلها العيسة ، فكسرت العين لتسلم الياء.

" واعلم أنهم يبنون الفعل منه على أفعال ، نحو : أشهاب وأدهام وأيدام. فهذا لا يكاد ينكسر في الألوان ، وإن قلت فيها فعل يفعل ، أو فعل يفعل. وقد يستغنى بأفعال عن فعل وفعل ، وذلك نحو : أزراق وأخضار وأصفار وأحمار وأشراب وأبياض وأسواد وأسود وأبيض وأخضر وأحمر ، وأصفر أكثر كلامهم ، والأصل ذلك لأنه كثر فحذفوه"

يعني الأصل أفعال وهو أحمار وأسواد ، ثم خفف فقالوا : احمرّ وأسود والمخفف الذي ذكره أكثر في الكلام ، وفعل فيما ذكره بعض أصحابنا مخفف عن أفعل ، ويستدل على ذلك أنهم يقولون : عور وحول ، فلا يعلون الواو ؛ لأنه في معنى أعورّ وأحولّ ، وهما لا يعتلان. والوجه عندي أنه لم يعل عور وحول لأنه في معنى فعل لا يعتل ، لا أنه مخفف

٤١٤

منه ، كما قالوا : اجتوروا ، فلم يعلوه لأنه في معنى تجاوروا ، وهذا يحكم في التصريف إن شاء الله تعالى.

قال سيبويه : " وقالوا : الصهوبة ، فشبهوا ذلك بأرعن والرعونة.

وقالوا : البياض والسواد ، كما قالوا : الصباح والمساء ، لأنهما لونان بمنزلتهما ، لأن المساء سواد ، وقد جاء شيء من الألوان على فعل ، قالوا : جون وورد".

والورد : الفرس الأصفر اللون ، والجون : الأسود.

" وجاءوا بمصدر على مصدر بناء أفعل ، وذلك قولهم : الوردة والجونة"

وإنما قالوا : ورد وجون على حذف الزوائد.

قال سيبويه : " وقد جاء شيء منه على فعيل ، وذلك : خصيف ،. وقالوا : أخصف ، وهو أقيس ، والخصيف : الأسود".

وما كان من هذه المصادر على غير فعلة أو فعل فهو من الشاذ الذي لا يطرد وما كان من الأسماء على فعل أو فعيل أو بناء غير أفعل فهو من الشاذ أيضا الذي لا يطرد.

قال : " وقد يأتي على أفعل ، ويكون الفعل (منه على) فعل يفعل والمصدر فعل ، كما كان داء أو عيبا ، لأن العيب نحو الداء ، ففعلوا ذلك كما قالوا : أجرب وأنكد ، وذلك قولهم : عور يعور عورا ، وأدر يأدر أدرا وهو آدر ، وشتر يشتر شترا وهو أشتر ، وحبن يحبن حبنا وهو أحبن"

والأحبن : المنتفخ البطن من الاستسقاء.

" وصلع يصلع صلعا وهو أصلع. وقالوا : رجل أجذم وأقطع ، فكان هذا على جذم وقطع وإن لم يتكلم به"

يريد أن الفعل من قولنا : أقطع وأجذم قطعت يده وجذمت ، وكان القياس أن يقال مقطوعة ومجذومة ، ولكنهم قالوا : أقطع وأجذم ، على أن فعله قطع وجذم وإن لم يستعمل.

وقد قالوا لموضع القطّع : القطعة ، والجذمة والجذمة".

كما قالوا : النزعة ، والنزعة" والصلّعة والصلعة للموضع. وقالوا : امرأة ستهاء ، ورجل أسته ، فجاءوا به على بناء ضده وهو قولهم أرسح ورسحاء ، وأخرم وخرماء" ، والأرسح ضد الأسته ، لأن الأرسح الممسوح العجز ، وكذلك الأزل والأرصع والأخرم

٤١٥

(المقطوع الأنف).

وقالوا : أهضم وهضماء ، والمصدر الهضم" ، وهو عيب في الخيل ، والأهضم : الذي ليس بمجفر الوسط ، وهو صغر البطن ، قال النابغة الجعدي :

خيط على زفرة فتمّ ولم

يرجع إلى دغة ولا هضم

وقالوا : أزبر وأغلب ، والأغلب : العظيم الرقبة ، والأزبر : العظيم الزبرة ، والزبرة : موضع الكاهل ، فجاءوا بهذا النحو على أفعل ، كما جاء على أفعلّ ما يكرهون وقالوا : آذن وأذناء ، كما قالوا : سكاء.

والآذن : العظيم الأذن ، والأسك : الصغير الأذن جدا.

وقالوا : أخلق وأملس وأجرد" ، والأخلق : الأملس ، وخلقنه : ملسته.

وقالوا : أخشن ، وهو ضد الأملس ، وقالوا : الخشنة ، كما قالوا : الحمرة ، والخشونة ، كما قالوا : الصهوبة".

قال سيبويه : " واعلم أن مؤنث كل أفعل صفة فعلاء ، وهي تجري في المصدر والفعل مجرى أفعل. وقالوا : مال يميل وهو مائل ، وقالوا : أميل ، فلم يجيئوا به على مال يميل"

يريد أن باب أفعل ليس باب فعله أن يكون على فعل يفعل ، وذلك أن أميل أفعل ، وفعله مال يميل ، وكان حقه أن يكون ميل يميل ميلا ، وإنما حكى سيبويه مال يميل. ومثل هذا شاب يشيب فهو أشيب ، وليس ذلك بالقياس.

وقد حكى غير سيبويه : ميل يميل ميلا فهو أميل ، كما قالوا : جيد يجيد جيدا فهو أجيد.

وقالوا في الأصيد : صيد يصيد صيدا ، وقالوا : شاب يشيب ، كما قالوا : شاخ يشيخ ، وقالوا : أشيب ، كما قالوا : أشمط ، فجاءوا بالاسم على بناء ما معناه كمعناه ، وبالفعل على ما هو نحوه أيضا.

يريد جاءوا باسم أشيب على بناء أشمط ، ومعناه كمعناه ، وجاءوا بفعل أشيب على شاب يشيب ، مثل شاخ يشيخ ، فاسمه على بناء أشمط ، وفعله على فعل شاخ يشيخ.

وقالوا : أشعر ، كما قالوا : أجرد للذي لا شعر له. وقالوا : أزبّ ، كما قالوا : أشعر ، فالأجرد بمنزلة الأرسح.

لأن الأجرد ، الذي لا شعر له ، والأرسح : الذي لا عجز له.

٤١٦

" وقالوا : هوج يهوج هوجا ، كما قالوا : ثول يثول ثولا وأثول ، وهو جنون".

هذا باب أيضا للخصال التي تكون في الأشياء

قال سيبويه : " أما ما كان حسنا أو قبحا فأنه مما يبنى فعله على فعل يفعل ، ويكون المصدر فعالا وفعالة وفعلا" ، يريد وما سوى ذلك يحفظ حفظا".

وذلك قولك : قبح يقبح قباحة ، وبعضهم يقول : قبوحة ، فبناه على فعولة ، كما بناه على فعالة ، ووسم يوسم وسامة ، وقال بعضهم : وساما ، فلم يؤنث" يعني لم يدخل الهاء.

كما قالوا : السقام والسقامة ، ومثل ذلك جمل جمالا.

ويجيء الاسم على فعيل ، وذلك : قبيح ووسيم وجميل وشقيح وذميم ، وقالوا : حسن ، فبنوه على فعل ، كما قالوا : بطل ورجل قدم وامرأة قدمة ، يعني أن لها قدما في الخير ، فلم يجيئوا به على مثل جريء وشجاع وكمي وشديد"

يريد أن الباب في فعل يفعل أن يجيء الاسم على فعيل أو فعال ، فإذا خرج عن هذين البناءين فهو شاذ ليس بالباب ويحفظ حفظا ، والكثير فعيل وفعال.

كقولك : نظف ينظف وهو نظيف ، وقبح يقبح وهو قبيح ، وجمل يجمل وهو جميل ، وفعيل أكثر من فعال.

قال : وأما الفعل من هذه المصادر فنحو : الحسن والقبح ، والفعالة أكثر. وقالوا : نضر وجهه ينضر فبنوه على فعل يفعل مثل خرج يخرج ، لأن هذا فعل لا يتعداك إلى غيرك ، كما أن هذا فعل لا يتعداك. وقالوا : ناضر ، كما قالوا : نضر"

وإنما ذكر سيبويه نضر وجهه لأنه من باب الحسن والقبح الذي يأتي فعله على فعل يفعل ، ليريك خروجه عن الباب ، واسم فاعله ناضر ونضير ونضر ، فناضر على قياس ما يوجبه فعله ، كقولك : خرج يخرج وهو خارج.

ونضير ، كما قالوا : وسيم ؛ لأنه نحوه في المعنى ، وقالوا : نضر ، كما قالوا : حسن ، إلا أن هذا مسكن الأوسط ، وقالوا : ضخم ، ولم يقولوا : ضخيم ، كما قالوا : عظيم" ، وقد حكى أبو العباس المبرد ضخيم.

وقالوا : النّضارة ، كما قالوا : الوسامة. ومثل الحسن السبط والقطط.

وقالوا : سبط سباطه وسبوطه. ومثل النّضر الجعد ، وقالوا : رجل سبط كما بنوه على" فعل" يعني أنه يقال : سبط وسبط.

٤١٧

وقالوا : ملح ملاحة وهو مليح ، وسمج سماجة وهو سمج ، وقالوا : سميج كقبيح" ولا تقول : سمج ، وإن كانت العامة أولعت به.

وقالوا : بهو يبهو بهاء ، (وهو بهيّ) ، كجمل جمالا وهو جميل.

وقالوا : شنع شناعة وهو شنيع ، وقالوا : أشنع ، فأدخلوا أفعل في هذا إذ صار خصلة فيه كاللون ، وقالوا : شنيع ، كما قالوا : خصيف ، فأدخلوه على أفعل.

وقالوا : نظف نظافة كصبح صباحة وصبيح. وقالوا : طهر طهرا وطهارة ، وهو طاهر" ، ولم يقولوا : طهير.

وقالوا : طهرت المرأة ، فاستعملوا طاهرا على طهرت ، لا على قولهم : طهرت.

وقالوا : مكث مكثا وهو ماكث" ، وقد قالوا : مكيث ، فيحمل ماكث على مكث ، ومكيث على مكث. وقال أبو الحسن الأخفش : سبط وسبط وسبط بمعنى واحد.

قال سيبويه : " وما كان من الصغر والكبر فهو نحو من هذا ، قالوا : عظم عظامة وهو عظيم ، ونبل نباله وهو نبيل ، وصغر صغارة وهو صغير ، وقدم قدامة وهو قديم. وقد يجيء المصدر على فعل ، وذلك قولك : الصغر والكبر والقدم والعظم والضخم. وقد يبنون الاسم على فعل ، وذلك نحو : ضخم وفخم وعبل وجهم.

وقد يجيء المصدر على فعولة ، كما قالوا : القبوحة ، وذلك قولهم : الجهومة والملوحة والبحوحة. وقالوا : كثر كثارة وهو كثير ، وقالوا : الكثرة ، فبنوه على الفعلة ، والكثير نحو من العظيم في المعنى ، إلا أن هذا في العدد"

يريد أن الكثير مركب من شيء متزايد قد كثر عدته ، والعظيم اسم واقع على جملة من غير أن يقدر فيه شيء تزايد وتضاعف ، والكبير بمنزلة العظيم وضد العظيم والكبير الصغير ، وهذا الكثير القليل ؛ لأنه يقصد به قصد تقليل الأضعاف التي فيه أو تكثيرها ، والصغير والكبير المقصد فيه جملة الشيء من غير تقدير أضعاف ما تركّب منه.

" وقد يقال للإنسان قليل ، كما يقال قصير ، فقد وافق ضده وهو العظيم والطويل ، والقصير نحو العظيم والصغير".

يريد أن القليل قد يستعمل على غير معنى العدد ، كما يستعمل القصير والحقير.

قال : " والطول في البناء كالقبح".

يريد في بناء الفعل ؛ لأن وزنهما فعل. وهو نحوه في المعنى ؛ لأنه زيادة ونقصان. وقالوا : سمن سمنا وهو سمين ، ككبر كبرا وهو كبير. وقالوا : كبر عليّ الأمر كعظم.

٤١٨

وقالوا : بطن يبطن بطنة وهو بطين ، كما قالوا : عظيم ، وبطن ككبر.

وما كان من الشدة والجرأة والضعف والجبن فإنه نحو من هذا ، قالوا : ضعّف ضعفا وهو ضعيف ، وقالوا : شجع شجاعة وهو شجاع ، وقالوا : شجيع ، وفعال أخو فعيل".

وقد ذكرنا فيما مضى أن فعيلا وفعالا أخوان ، قالوا : طويل وطوال وكبير وكبار ، وخفيف وخفاف.

وقد بنوا الاسم على فعال ، كما بنوا على فعول ، قالوا : جبان وقالوا : وقور ، وقالوا :

الوقارة ، كما قالوا : الرّزانة. وقالوا : جروء يجرؤ جرأة. وجراءة وهو جريء ، (ولغة العرب الضّعف كما قالوا : الظّرف وظريف ، والفقر وفقير.

وقالوا : غلظ يغلظ غلظا وهو غليظ ، كما قالوا : عظم عظما وهو عظيم ، وقالوا : سهل سهولة وسهل ، مثله : جهم جهومة وجهم ، وسهل بمنزلة ضخم. وقد قال بعض العرب : جبن يجبن ، كما قالوا : نضر ينضر" والأكثر جبن يجبن.

وقالوا : قوى يقوى قواية ، وهو قويّ ، كما قالوا : سعد يسعد سعادة وهو سعيد. وقالوا : القوّة ، كما قالوا : الشّدّة ، إلا أن هذا مضموم الأول.

وقالوا : سرع سرعا وهو سريع ، ويقال سرعة وسرع ويسرع ، قال الأعشى :

واستخبري قافل المركبان وانتظري

أوب المسافر إن ريثا وإن سرعا (١)

وقالوا : بطؤ بطأ وهو بطيء ، وغلّظ غلظا وهو غليظ ، وثقل ثقلا وهو ثقيل.

وقالوا : كمش كماشة وهو كميش ، مثل سرع ، والكماشة مثل الشّجاعة. وقالوا : حزن حزونة للمكان ، وهو حزن ، كما قالوا : سهل سهولة وهو سهل.

وقالوا : صعب صعوبة وهو صعب ، لأن هذا إنما هو الغلظ والحزونة ، وما كان من الرفعة والضّعة ، وقالوا : الضّعة ، فهو نحو من هذا".

اعلم أن الضعة ، وزنها فعلة ، والأصل وضعة ، مثل قولنا : عدة وزنة ، وربما فتحوا شيئا من ذلك إذا كان فيه شيء من حروف الحلق (كما يفتحون في الفعل من أجل حروف الحلق) ما لا يفتح في غيره.

وقالوا : ضعة وضعة ، وقوحة وقحة ، ولا يقولون في مثل زنة وصفة ، زنة وصفة لعدم حرف الحلق.

__________________

(١) الشاهد في قوله (سرعا) حيث جاء المصدر على (فعل) للفعل سرع. انظر المخصص : ١٤ / ١٤٩ ، والمنصف : ١ / ٢٤٠.

٤١٩

وقالوا : غني يغني غنى وهو غنيّ ، كما قالوا : كبر كبرا وهو كبير ، وقالوا : فقير كما قالوا : صغير وضعيف. وقالوا : الفقر كما قالوا : الضّعف ، والفقر كما قالوا : الضّعف ، ولم نسمعهم قالوا : فقر ، كما لم يقولوا في التشديد ، شدد ، استغنوا باشتد وافتقر ، كما استغنوا باحمارّ عن حمر".

قال أبو سعيد : قولهم افتقر فهو فقير ، واشتد فهو شديد ، لم يأت فقير وشديد على هذا الفعل ، وإنما أتى على فعل لم يستعمل ، وهو فقر ، كما تقول : ضعف وشددت على فعلت ، واستغنوا بافتقر واشتد عن ذلك ، كما استغنوا باحمارّ عن حمر ؛ لأن الألوان يستعمل فيها فعل كثيرا ، كما قالوا : أدم يأدم ، وكهب يكهب ، وشهب يشهب وما أشبه ذلك ، ولم يقولوا : حمر ، استغنوا عنه باحمارّ.

قال : " وهذا هنا نحو من الشديد والقويّ ، قالوا : شرف شرفا وهو شريف ، وكرم كرما وهو كريم ، ولؤم لآمة وهو لئيم ، كما قالوا : قبح قباحة ، ودنؤ دناءة وهو دنيء ، وملؤ ملاءة وهو مليء. وقالوا : وضع ضعة وهو وضيع ، والضّعة مثل الكثرة ، والضعة مثل الرفعة".

يعني في فتح أوله وكسره ، وقوله : " وهذا هنا نحو من الشديد والقوي" إشارة إلى ما بعده.

وقالوا : رفيع ، ولم نسمعهم قالوا رفع ، وعليه جاء رفيع وإن لم يتكلموا به ، فاستغنوا بارتفع ، وقالوا : نبه ينبه وهو نابه وهي النّباهة.

كما قالوا : نضر ينضر وهو ناضر ، وهي النّضارة ، وقالوا : نبيه ، كما قالوا : نضير ، جعلوه بمنزلة ما هو مثله في المعنى" ، يريد معنى نبيه.

وقالوا : (سعد يسعد سعادة) ، وشقي يشقى شقاوة ، وهو سعيد وشقيّ ، فأحدهما مرفوع ، والآخر موضوع ، وقالوا : الشّقاء ، كما قالوا : الجمال والّلذاذ ، (حذفوا الهاء استخفافا) " ، يريد حذفوا الهاء من الّلذاذة.

وقالوا : رشد يرشد رشدا وراشد ، وقالوا : الرشد ، كما قالوا : سخط يسخط سخطا ، والسّخط وساخط. وقالوا : رشيد ، كما قالوا : سعيد.

وقالوا : الرّشاد (كما قالوا : الشّقاء). وقالوا : بخل يبخل بخلا ، والبخل كاللؤم"

يعني في الوزن" والفعل كفعل شقي وسعد. وقالوا : بخيل ، وبعضهم يقول :

البخل كالفقر ، والبخل كالفقر ، وبعضهم يقول : البخل كالكرم. وقالوا : أمر علينا

٤٢٠