شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

ولو حذفنا الراء وبقّينا الميم فقلنا : (مريميس) صار كأنه من الرباعي من باب (سرحيب) و (سرداح) تقول : (سريحيب) ، و (سريديح) فكأن الأولى حذف الميم ، لما ذكرته لك. وكل شيء ضوعف الحرفان من أوله وآخره فأصله الثلاثة فالذي ضوعف من أوله (مرمريس) ، والذي من آخره وهو الكثير (ذرحرح) و (جلعلع) ، و (صمحمح) ، و (دمكمك) ، وغير ذلك مما يكثر.

وإذا حقرت (مسرولا) قلت : (مسيريل) ؛ لأن الرابع منه وهو الواو زائد ، وهي وإن كانت متحركة حكمها (حكم) الساكن في (صندوق) و (بهلول) وما أشبه ذلك من الزائد.

وإذا حقرت (مساجد) اسم رجل قلت : (مسيجد) ؛ لأنه خمسة أحرف وفيه زائدان الميم والألف والألف أولى بالحذف كما تقدم. ولو كان (مساجد) جمع (مسجد)ولم يكن اسم رجل لقلت في تصغيره(مسيجدات)وسنقف على بابه إن شاء الله.

هذا باب ما تحذف منه الزوائد من بنات الثلاثة مما أوله الألفات الموصولات

قال سيبويه : وذلك قولك في (استضراب) : (تضريب).

قال أبو سعيد : اعلم أن كل ما كان في أوله ألف الوصل فإن التصغير يسقطها ؛ لأن المصغر يفتح الحرف الثاني منه ، فإذا فتحناه سقطت ألف الوصل فإذا صغرت (استضراب) وأسقطت ألف الوصل بقي ستة أحرف فيها زوائد وهي السين والتاء والألف فإذا حذفنا أحد الزائدين من السين والتاء لم نحتج إلى حذف الألف ؛ لأنها تكون رابعة فحذفنا السين من أجل ذلك وكان حذفها أولى من التاء ، لأنا إن حذفنا السين فقلنا : (تضيريب) صار بمنزلة (تجيفيف) و (تميسيح) ، في (تجفاف) ، و (تمساح) ، ولحق بتصغير (تفعال) ، وليس في الكلام (سفيعيل) ولا (سفعال) ، كما فيه (تفيعيل) و (تفعال).

ولو صغرت (الافتقار) حذفت ألف الوصل ولم تحتج إلى حذف غيرها ؛ لأنه يبقى خمسة أحرف والرابع منها ألف فقلت : (فتيقير) وكذلك ما جري مجراه من (الافتعال) و (الانفعال) كقولك في (الانطلاق): " نطيليق" وفي (احمرار) : (حميرير). وإذا حقرت" اشهيبانا" فحذفت ألف الوصل حذفت الياء التي بعد الهاء أيضا وبقيت الألف لأنك إذا حذفت الياء لم تحتج إلى حذف الألف لوقوعها رابعة فقلت : (شهينيب) ، كأنك حقرت (شهبابا). وإذا حقرت" اغديدانا" حذفت الياء كما حذفت ياء (اشهياب) وبقيت الألف

١٨١

فقلت (غديدين).

وإذا حقرت" اقعنساسا" حذفت النون لأنك إذا حذفتها ، وبقيت الألف جاز لأنها رابعة. ولو حذفت الألف وبقيتها لاحتجت إلى حذفها ؛ لأنه يبقى (قعنسس) فاحتجت إلى حذف النون فكان حذف النون أولى ؛ لأن تبقى الألف ، وقد مضى نحو ذلك.

وإذا حقرت" أعلوّاطا" فقلت : (علّيط) ؛ لأنك تحذف ألف الوصل فيبقى" علواط" فتحذف إحدى الواوين كما مضى في قياس نظائره فيبقى (علواط) فإذا صغرت صار (عليويطا) وقلبت الواو ياء للياء الساكنة قبلها.

وإذا حقرت (اضطرابا) قلت : (ضتيريب) ؛ لأن الطاء من اضطراب منقلبة من باب (الافتعال) لسكون الضاد فإذا حركناها في التصغير صارت إلى التاء فسار كتصغير (افتقار) والفرق بين الضاد ساكنة ومتحركة أن العرب كلهم يقولون : (مرضت) و (محضت) و (مخضت).

فإذا قال المتكلم لنفسه جاز أن يقلب التاء طاء فيقول : (مرضط) وكذلك يقولون : (فحصت) برجلها ، و (فحصط) برجلي ، فإنما القلب بعد الساكن.

هذا باب تحقير ما كان من الثلاثة فيه زائدان

تكون فيه بالخيار في حذف إحداهما تحذف أيهما

شئت

قال سيبويه : وذلك نحو" قلنسوة" ، إن شئت قلت : (قليسية) وإن شئت قلت : (قلينسة) ، وكذلك قالت العرب في الجمع ؛ لأنهم قالوا (قلانس) و (قلاس) وكذلك كل ما جري هذا المجرى بما في آخره زائد وثالثه نون زائدة فأنت مخيّر في حذف النون أو الحرف الأخير إذا كان ألفا أو واوا أو ياء كقولك في (حبنطي) : (حبيط) و (حبينط) فإن عوضت قلت : (حبينيط) و (حبيطيّ).

قال : ومن ذلك (كوألل) ، إن شئت حذفت الواو فقلت : (كويلل) و (كويليل) ، وإن شئت قلت : (كويئل) و (كويئيل). وتقديرها : (كويعل) و (كويعيل) ؛ لأنهما زائدتان ألحقتا ب (سفرجل) وكل واحد منهما بمنزلة ما هو من نفس الحرف.

قال أبو سعيد : اعلم أن" كوأللا" غير مشتق وإنما حكمت على الواو وإحدى

١٨٢

اللامين بالزيادة حملا له على نظائره ؛ لأن الواو إذا وجدت غير أول فيما هو على أكثر من ثلاثة أحرف ، فالباب فيه الزيادة ، واللازم إذا تكرر فيما هو أكثر من ثلاثة حكم عليه بالزيادة (أكثر) أيضا وهما زائدان زيدا للإلحاق معا. وليس بمنزلة (عفنجج) ؛ لأن" عفنّججا" تصغيره (عفنجج) كما خير في (كوألل) ؛ لأنه قدّر في (عفنجج) أنه ألحق أولا بزيادة الجيم ب (جعفر) ثم دخله النون فألحقته ب (سفرجل) كما ألحقت" جحفل" حين قلت : " جحنفل" وذلك لقوة الواو في (كوألل) بالحركة ووقوعها ثانية وليست النون كذلك.

وإذا صغرت مثل (حبارى) و (سمانى) وما جري مجراه مما ثالثه ألف زائدة وفي آخره ألف التأنيث مقصورة فأنت مخيّر في حذف أيهما شئت ، فإن حذفت الألف الأولى قلت : (حبيري) كما قلت : (حبيلي).

وإن حذفت ألف التأنيث قلب (حبير).

وكان أبو عمرو يعوض من ألف التأنيث إذا حذف الهاء فيقول : (حبيرة) ؛ لأن الألف كانت علامة. وإنما جاز حذفها ؛ لأنها بمنزلة ما هو من نفس الحرف وصارت الألف كألف" حواري" وهي وفيها الهاء بمنزلة ياء جارية ، فأشبههما بالحروف التي هي من نفس الحرف أجدر أن لا تحذف ، فالياء في آخر الاسم أبدا بمنزلة ما هو من نفس الحرف ؛ لأنها (تلحق) بناء ببناء فياء (عفارية) بمنزلة راء (عذافر) كما أن ياء (عفرية) بمنزلة عين (ضفدعة) ، فإنما مددت" عذفر" لما قلت : (عذافر).

اعلم أن علانية وثمانية و (عفارية) في كل واحد منها سوى الهاء زائدان ، ثم حكي أن بعض العرب يقول : " عفيّرة" و" ثميّنة" شبهها بألف (حبارى) ، يعني ألف التأنيث إذ كانت زائدة كما أنها زائدة.

وإن حقرت رجلا اسمه (مهارى) أو (صحارى) كان" صحير" و" مهير" أحسن ؛ لأن هذه الألف لم تجئ للتأنيث ، يعني الألف الأخيرة إنما أرادوا : " مهاريّ" و" صحاريّ" فحذفوا إحدى الياءين وأبدلوا في (مهارى) و (صحارى) كما قالوا : " مدارى" و" معايا" فيما هو من نفس الحرف فاختار سيبويه حذف الألف الثالثة في (مهارى) و (صحارى) كما اختاروا في (علانية) و (ثمانية) للعلة التي ذكرنا.

وإن حقرت (عفرناة) و (عفرنى) كنت بالخيار إن شئت قلت : (عفيرن) و (عفيرتة) ،

١٨٣

وإن شئت قلت : (عفير) و (عفيرية) ؛ لأن النون والياء جميعا زائدتان فلم تكن النون في (عفرني) بأضعف من النون في (حبنطى) ، وأنت مخير في حذف أيهما شئت ، والدليل على زيادتهما أن معنى (عفرنا) و (عفرناة) كمعنى (العفر) و (العفريت) قال الشاعر :

ولم أجد بالمصر من حاجاتي

غير عفاريت عفرنيات (١)

و (عفرنيات) جمع (عفرتاة) وهي صفة (عفاريت) والمعنى فيهما واحد.

وأما (العرضنى) فليس إلا (عريض) ؛ لأن النون ألحقت الثلاثة بالأربعة ، فصارت بمنزلة حرف أصلي ثم دخلت ألف (عرضنى) للتأنيث ، فصار بمنزلة دخلوها على ذوات الأربعة كقولك : (قرقرى) إذا حقرتهما ، سقطت الألف فقط وصار النون في (عرضن) بمنزلة الراء في (قمطر).

وإذا حقرت رجلا اسمه (قبائل) فعلى قول الخليل وسيبويه حذف الألف منها أحسن من حذف الهمزة فيقال : (قبيئل) وإن عوضت قلت : (قبيئيل) وإنما اختاروا حذف الألف ؛ لأنها ساكنة وهي ثالثة في موضع تكثر فيه الزوائد نحو (برائل) ، و (عذافر) ، وما أشبه ذلك.

وأما يونس فكان يختار حذف الهمزة لقربها من الطرف ، إذ كانت زائدة كما حذفوا ياء (قراسية) ، وياء (عفارية).

وعند الخليل وسيبويه (عفيرية) و (قريسية) أحسن ، تحذف الألف ولا تحذف الياء ، والذي يحذف الياء يقول : (قريّسة) و (عفيرة).

إذا حقرت (لغيزى) قلت : (لغيغيز) تحذف الألف ولا تحذف الياء الرابعة ، وذلك أن" لغّيزى" فيها ثلاثة أحرف زوائد ، وهي الغين والياء وألف التأنيث ، فأما إحدى الغينين فلا تحذف ؛ لأنها من الحروف الأصلية وإذا زيدت كانت أقوى من الحروف الزائدة والياء رابعة ، فإذا حذفناها احتجنا إلى حذف ألف التأنيث ؛ لأنها تقع بعد حذف الياء خامسة ، وإن حذفنا الألف لم نحتج إلى حذف الياء فكان حذف الألف أولى وقد مضى نحو هذا.

وليست ياء" لغّيزى" للتصغير ؛ لأنها رابعة بمنزلة ألف (خضّارى) وواو" جلّوز" ومثله (قبّيطى) و (جميّزى).

__________________

(١) البيتان من مشطور الرجز وهما بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٤٣٨ ، والمخصص ٨ / ٦٣.

١٨٤

فإذا حقرت (عبدّى) حذفت الألف فقلت : (عبيدّ) ولا تحذف إحدى الدالين ؛ لأنها ليست من حروف الزيادة ، وإنما تدخل للتضعيف وتجري مجرى ما ألحق بناء ببناء ، وإن لم يكن ل (عبدّى) من الرباعي ما ألحق عبدّ به ، وصارت الألف بمنزلة نون (عفنجج) ، وإحدى الدالين بمنزلة إحدى الجيمين في (غفنجج) ، ولا تحذف من (عفنجج) غير النون.

وإذا حقرت (بروكاء) و (جلولاء) قلت : (بريكاء) و (جليلاء) ، وهذا وما جري مجراه مما رده أبو العباس المبرد على سيبويه ؛ لأنه قال : إن آخر (جلولاء) ، و (بروكاء) ألفان للتأنيث بمنزلة ألفي (حمراء) ، وهي نظيرة الهاء ولا خلاف بينهم أنه إذا حقر (جلولة) و (بروكة) حقر (جلول) و (بروك) فيقال : (جليّل) و (بريّك) ثم تلحق هاء التأنيث فيقال : (جليّلة) و (بريكة) ، وسيبويه (حذف) الواو من (بروكاء) و (جلولاء) فصغر على الحذف ، فصار (جليل) و (بريك) ، وألحق ألفي التأنيث ، فيقال له إن كان ألفا التأنيث معتدا بهما فينبغي أن لا يصغر الصدر ، ويجعل تصغيره كتصغير (علباء) و (حرباء) و (منصور) فتقول : (عليبيّ) و (حريبيّ) و (منيصير).

وكذلك على قوله : إذا حذف الواو وكانت الألف بمنزلة ما هو من نفس الحرف أن يقول : " جليليّ" و" بريكيّ" ولا يقول هذا أحد ، وإن كانت الألفان بمنزلة شيء ضم إلى الأول فينبغي أن يصغر الأول بأسره ، ثم تلحقه ألفي التأنيث فهذا طريق احتجاج أبي العباس عليه.

قال أبو سعيد : والذي عندي أن ألفي التأنيث تشبه هاء التأنيث من وجه ، وتخالفها من وجه ، وذلك أنا رأينا ألفي التأنيث في الجمع قد أجريت مجرى ما هو ملحق بالأصل ؛ لأنهم قالوا : (صحراء) و (صحاريّ) ، و (عذراء) ، و (عذاريّ) كما قالوا : (حرباء) و (حرابيّ) فلما رأيناها قد أجريت مجرى ما هو من الأصل لغير التأنيث ولم يفعل ذلك بالهاء ، استعملت لما كثرت حروفه ما يستعمل في تصغير (الترخيم) ، وهو أن تحذف منه الزائد الذي فيه ، وهو الواو كما قالوا في تصغير (فاطمة) : (فطيمة) وفي (أزهر) : (زهير) وفي أحمد : (حميد) ، وذلك لما كثرت الحروف وكان في آخرها حرفا التأنيث وهي علامة كالهاء فلم يجدوا سبيلا إلى حذفها وجعلوا ما حذفوا منها كحذفهم ألف (برانك) و (عذافر) دون الكاف والراء.

١٨٥

وإذا حقرت (معيوراء) و (معلوجاء) لم تحذف منها شيئا ؛ لأن ما قبل ألفي التأنيث في موضع لا يلحقه الحذف ؛ لأنه من حروف المد وهو رابع ، وليس بمنزلة ألف (مبارك) و (عذافر) وهي ثالثة كما أن واو (بروكاء) و (جلولاء) ثالثة فتقول : (معيّليجاء) و (معيّيراء) ، وصار وقوع الواو رابعة يوجب لها حالا في الثبات يخالف ما يحذف غير رابع.

قال : " ولو جاء في الكلام (فعولاء) ممدودة لم تحذف الواو ؛ لأنها تلحق الثلاثة بالأربعة".

لأن (فعولاء) قد ألحق ب (جعفر) فيصير (فعولاء) بمنزلة (حرملاء) ، وما جري مجراه. فإذا صغرناه قلنا : (حريملاء). ثم احتج سيبويه للفرق بين الواو في (بروكاء) والواو في (فعولاء) ، أن واو (فعولاء) بالحركة قد صار بمنزلة الواو الأصلية ، ألا ترى أنّا نقول في تصغير (جدول) : (جديول) كما تقول في (أسود): " أسيود". ولا يجوز أن تقول في (عجوز) (عجيوز) ؛ لأنها واو ميتة غير متحركة وليست للإلحاق ، وهذا الذي قاله سيبويه ؛ لأنه لا يحذف واو (فعولاء) ، إنما هو على قول من يقول في تصغير (أسود) و (جدول) : (أسيود) و (جديول) ومن قال : (أسّيد) و (جديّل) لزمه أن يحذف الواو في (فعولاء) فيقول : (فعيلاء) ؛ لأنه إذا قلب الواو صارت بمنزلة واو (عجوز) و (بروك) و (جلول) فوجب حذفها.

وإذا حقرت (ظريفين) غير اسم رجل أو (ظريفات) أو (دجاجات) قلت :

(ظريّفون) و (ظريّفات) و (دجيّجات) ؛ لأنك إذا صغرت جمعا سالما أو جمعا غير قليل صغرت الواحد ثم أدخلت علامة الجمع ، فكأنك صغرت (ظريفا) أو (ظريفة) و (دجاجة) ، وليس ذلك بمنزلة (جلولاء) و (بروكاء) ؛ لأن ألفي التأنيث لم تدخل على (جلول) بعد أن استعمل اسما.

قال : " وسألت يونس عن تحقير ثلاثين فقال : (ثليثون) ولم يثقل شبهها بواو (جلولاء) ؛ لأن (ثلاثا) لا تستعمل مفردة على حد ما يفرد (ظريف) ، وإنما ثلاثون بمنزلة (عشرين) لا يفرد ثلاث من (ثلاثين) ، كما لا يفرد عشر من عشرين.

ولو كانت إنما تلحق هذه الزيادة الثلاث التي تستعملها مفردة لكنت إنما تجعلها (تسعة) فلما كانت هذه الزيادة لا تفارق شبهت بألفي (جلولاء).

١٨٦

جعل يونس الواو والنون والياء والنون في (ثلاثين) بمنزلة ألفي (جلولاء) وأسقط في التصغير الألف من ثلاث كما أسقط الواو من (جلول) ، ولم يجعله بمنزلة جمع (ظريفين) ؛ لأن ظريفا يفرد ويتكلم به ، ثم تدخل عليه علامة الجمع ، وثلاث من (ثلاثين) لا يفرد ؛ لأنك لو أفردتها ثم جمعت صار (ثلاثون) بمعنى تسعة ؛ لأن ثلاثا ثلاث مرات بمنزلة تسعة في المعنى وأنت لست تريد ذلك.

هذا باب تحقير ما تثبت زيادته من بنات الثلاثة في التحقير

قال سيبويه : وذلك نحو (تجفاف) و (إصليت) و (يربوع) نقول : (تجيفيف) و (أصيّليت) و (يريبيع).

وكذلك (عفريت) و (ملكوت) تقول : (عفيريت) و (مليكيت) ولا تحذف منها شيئا ؛ لأنها على خمسة أحرف ورابعها حرف من حروف المد زائد.

وتقول في (رعشن) : (رعيشن). وفي (سنبتة) : (سنيبتة) ، والنون في (رعشن) والتاء في (سنبتة) زائدتان ؛ لأنهما (يسقطان) ولا يسقطان ؛ لأن الاسمين على أربعة أحرف.

وإذا صغّرت (قرنوة) ، قلت : (قرينية) ؛ لأن (قرنوة) على أربعة أحرف سوى الهاء ، والهاء لا يعتد بها وتنقلب الواو ياء ، لانكسار ما قبلها ، وكذلك (ترقوة) نقول : (تريقية) ، ونقول في جمع ذلك كله على نحو التصغير (تجافيف) و (عفاريت) و (رعاشن) و (سنابت) و (تراق) و (قران).

وإذا حقرت (بردرايا) أو (حولايا) حذفت الألف الأخيرة ؛ لأنها ألف تأنيث مقصورة ولم تحذف من (حولايا) غيرها فتبقى (حولاي) على خمسة أحرف. والرابع منها ألف فلا تسقط وتقلبها ياء لانكسار اللام بعد ياء التصغير فنقول : (حويليّ). وأما بردرايا فإذا حذفت الألف الأخيرة بقي ستة أحرف وهي (بردراي) والألف والياء زائدتان فحذفتهما جميعا فبقي (بردر) فقلت : (بريدر).

هذا باب ما يحذف في التحقير من زوائد بنات الأربعة

لأنها لم تكن لتثبت لو كسرتها للجمع

قال سيبويه : " وذلك قولك في (قمحدوة) : (قميحدة) ، كما تقول : (قماحد) و (سلحفاة) و (سليحفة) كما قلت : (سلاحف) ".

لأن الواو في (قمحدوة) ، والألف في (سلحفاة) زائدتان فهما أولى بالحذف ،

١٨٧

وكذلك لو كانتا أصليتين لكانتا أيضا أولى لأنهما في الطرف ، ونقول في (منجنيق): (مجينيق) ، وفي عنكبوت : (عنيكب) و (عنيكيب) وفي (تخربوت) : (تخيرب) و (تخيريب) ، وإنما قلت في (منجنيق) : (مجينيق) و (مجانيق) ، ولم تقل : (مجانق) و (مجينق) كما قلت في عنكبوت : (عنيكب) و (عنيكيب) على الوجهين ؛ لأن" منجنيق" النون الأولى فيه زائدة. فإذا حذفناها بقي (مجنيق) والياء رابعة في خمسة أحرف فلا تحذفها.

وفي (عنكبوت) و (تخربوت) الواو والتاء الأخيرتان زائدتان وهما على ستة أحرف فلا بد من حذفهما ليبقى أربعة أحرف فيقع عليها التصغير والجمع فكأنه (عنكب) و (تخرب) فيجمع على (عناكب) و (تخارب) ، وإن عوض قال : (عناكيب) و (تخاريب) وفي التصغير : (عنيكيب) و (تخيريب) على التعويض ، وكذلك يجوز التعويض في (قمحدوة) و (سلحفاة) فتقول : (قميحيد) و (سليحيف).

قال أبو سعيد : واستدل سيبويه على زيادة التاء في آخر (عنكبوت) و (تخربوت) ، والنون في منجنيق أن العرب قد كسّرت ذلك ، وهم لا يكسّرون ما كان على خمسة أحرف أصلية إلا أن تستكرههم فيخلّطوا ، ومعنى ذلك أن يسألهم سائل فيقول : كيف تجمعون (فرزدقا) و (جردحلا) وما أشبه ذلك ، فربما جمعوه على قياس التصغير في مثل (سفرجل) و (فرزدق) وربما جمعوه بالواو والنون أو غير ذلك.

وهذا معنى قول سيبويه : " إلا أن تستكرههم فيخلطوا ؛ لأنه ليس في كلامهم".

وإذا صغرت مثل (عيضموز) أو (عيطموس) بقي في كل واحد منهما زائدان الياء والواو والذي يحذف من الزائدين الياء وحدها ؛ لأنها إذا حذفت لم تحتج إلى أن تحذف الواو فيقال : (عضيميز) و (عطيميس) ، ولا يقال (عطيمس) إلا في ضرورة الشعر كما قال غيلان :

قد قرّبت ساراتها الرّوائسا

والبكرات الفسّج العطامسا (١)

وتقول في (جحنفل): " جحيفل" بحذف النون ، وإن شئت (جحيفيل) على

__________________

(١) البيتان من شواهد سيبويه : ٣ / ٤٤٥ ، والمقتضب : ٢ / ٢٥٦ ، واللسان : (فسج).

١٨٨

العوض ، وإنما صارت النون زائدة ؛ لأن الجحنفل هو العظيم الجحفلة ويقال : (جيش جحفل) إذا كان عظيما ، فالنون فيه زائدة.

وتقول في تصغير (عجنّس) و (عدبّس) : (عجينس) و (عديبس) فتحذف إحدى النونين والباءين ؛ لأنها زائدة. وكذلك إحدى الباءين من (قرشبّ) ؛ لأنها زائدة كزيادة إحدى الدالين في (معدّ) إلا أنه لا يحذف من (معدّ) شيء في التصغير ؛ لأنه على أربعة أحرف.

وإذا صغرت (فدوكسا) (١) حذفت الواو ؛ لأنها ليست رابعة ، وإن صغرت (كنهورا) (٢) لم تحذف الواو ؛ لأنها رابعة فقلت فيه : (كنيهير).

وإذا حقرت (عنتريسا) قلت : (عتيريس) حذفت النون ؛ لأنها زائدة ، واستدل الخليل على زيادتها بأن (العنتريس) الشديد وأن (العترسة) الأخذ بالشدة فاستدل بالمعنى.

وإذا حقرت (خنشليلا) (٣) قلت : (خنيشيل) وذلك أن إحدى اللامين زائدة فحذفنا الأولى منهما فبقي (خنشيل) فقلنا : (خنيشيل) ، ولو حذفنا الأخيرة من اللامين لاحتجنا إلى حذف الياء أيضا فلم تحذف إلا الأولى ، وقد مضى نحو هذا.

وإنما حذفت النون من تصغير (عنتريس) ، وأثبتّها في تصغير (خنشليل) ؛ لأن الاشتقاق قد بين في (عنتريس) زيادة النون ، ولم يكن ل (خنشليل) اشتقاق تسقط فيه النون فجعلها أصلية. وتقول في (منجنون) : (منيجين) ؛ لأن إحدى النونين الأخيرتين زائدة فحذفت الأولى منهما ، لئلا يحذف الواو فيبقى (منجون) فقال : " منيجين" على نحو ما فعل في (خنشليل).

وإذا حقرت (طمأنينة) أو (قشعريرة) قلت : (طميئينة) ، و (قشيعيرة) ؛ وذلك لأن (طمأنينة) و (قشعريرة) ستة أحرف سوى الهاء ، والزائد في (طمأنينة) الياء وإحدى النونين وفي (قشعريرة) الياء وإحدى الرائين ، فحذف النون الأولى والراء الأولى ؛ لأن تبقى فيهما الياء الخامسة فلا تحذف على نحو ما مضى.

__________________

(١) الفدوكس : الشديد ، وقيل الغليظ الجافي ، والفدوكس : الأسد. اللسان (فدكس)

(٢) الكنهور قطع كالجبال من السحاب ، والضخم من الرجال. اللسان (كنهر).

(٣) الخنشليل : السريع الماضي ، والجيد الضرب بالسيف. اللسان (خنشل).

١٨٩

وإذا حقرت (قندأوا) (١) و (كنتأوا) (٢) و (حنطأوا) (٣) وكلمات جئن على هذا البناء فإنك مخير بين حذف الواو وحذف النون منهن.

فإن حذفت الواو قلت : (قنيدا) وإن حذفت النون قلت : (قديئي) ورأيت (قديئيا) ؛ لأنهما زائدان زيدا على الثلاثي وألحقاه ب (جردحل).

وإذا حقرت (إبراهيم) و (إسماعيل) قلت : (بريهيم) و (سميعيل) تحذف الألف فإذا حذفتها صار ما بقي يجيء على مثال (فعيعيل) هذا قول سيبويه.

وكان أبو العباس المبرد يرد هذا ويقول : " أبيريه" و" أسيميع" ، واحتج في ذلك بأن الهمزة لا تكون زائدة أولا وبعدها أربعة أحرف أصول ، وإذا لم تكن زائدة فهي أصلية والكلمة على خمسة أحرف أصول.

فإذا احتجنا إلى حذف شيء منها في التصغير حذفنا من آخرها كما يفعل ذلك ب (سفرجل) فيقال : " أبيريه" بحذف الميم و" أسيميع" بحذف اللام كما قيل (سفيريج) بحذف اللام ، والذي قاله سيبويه هو الصواب.

وقد كفينا الاحتجاج له بتصغير العرب لذلك بحذف الهمزة. روى أبو زيد وغيره عن العرب أنها تصغر إبراهيم (بريهيم) ، وحكى سيبويه عن الخليل عنهم في باب التصغير الترخيم في (إبراهيم) ، و (إسماعيل) : (بريه) و (سميع).

وهذه الأسماء أعجمية يجوز أن تكون العرب قدرت فيها غير ما تقدر في الأسماء العربية ، وذلك أنه لا يكاد يوجد في الأسماء العربية اسم في أوله همزة بعدها أربعة أحرف أصلية ؛ لا إن كانت الهمزة زائدة ولا إن كانت الهمزة أصلية إلا في مصادر الأفعال الرباعية بزوائد كقولهم : (احرنجام) و (اقشعرار).

والألف في أولهما ألف وصل ، فلما جاءت أسماء كثيرة من أسماء الأنبياء ، في أولها ألف مكسورة وبعدها أربعة أحرف أصلية ، أو ثلاثة أصول وزوائد ، شبهوها بألف الوصل ، وأجروا حكمها على الزيادة.

__________________

(١) القندأو : السيئ الغذاء ، والغليظ القصير ، والكبير الرأس. القاموس المحيط (باب الهمزة ، فصل القاف).

(٢) الكنتأو : الجمل الشديد ، والعظيم اللحية. القاموس المحيط (باب الهمزة ، فصل الكاف)

(٣) الحنطأو : القصير والعظيم البطن. اللسان (حنطأ).

١٩٠

وإذا حقرت (مجرفسا) (١) و (مكردسا) (٢) وكل ما كان على هذا مما أوله ميم زائدة وبعدها أربعة أحرف أصلية فإنك تحذف الميم وتصغر الباقي. وإن شئت عوضت وإن شئت لم تعوض فقلت : (كريدس) ، و (جريفس) وإن شئت (كريديس) و (جريفيس) ، وإن كان مع الميم حرف آخر زائد حذفته مع الميم كقولك في (مقشعرّ) و (مطمئنّ) فتقول : (قشيعر) و (طميئن).

وإذا حقرت" خورنقا" قلت : (خرينق) بحذف الواو ؛ لأنها زائدة وإن شئت عوضت فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

هذا باب تحقير ما أوله ألف الوصل وفيه زيادة من بنات الأربعة

قد تقدم أن ألف الوصل تذهب في التصغير من كل اسم ، فإذا كان في مصدر من فعل رباعي نحو (احرنجام) و (اقشعرار) و (اصعنفار) و (اطمئنان) وما أشبه ذلك ، وهي مصادر على سبعة أحرف فيها ألف الوصل فإذا ذهبت ألف الوصل بقيت ستة أحرف وفيها زائدان فأما باب (احرنجام) و (اصعنفار) وما أشبه ذلك فإن النون فيها زائدة والألف التي في آخرها فتحذف النون دون الألف ؛ لأن النون إذا حذفت لم نحتج إلى حذف الألف ، ولو حذفنا الألف لاحتيج إلى حذف النون فحذفت النون فقط وذلك (حريجيم) و (صعيفير) وتحذف من (اقشعرار) و (اطمئنان) بعد حذف ألف الوصل الراء الأولى والنون فيقال : (طميئين) و (قشيعير).

هذا باب تحقير بنات الخمسة

وذلك نحو (سفرجل) و (جردحل) و (همرجل) ، و (شمردل) و (جحمرش) وما أشبه ذلك ، والباب فيه أن تحذف الحرف ؛ لأن ترتيب التصغير يسلم فيها إلى أن تنقضي أربعة أحرف ، والترتيب : هو ضم أوله ، وفتح ثانيه ، ودخول ياء التصغير ثالثة ، وكسر الحرف الذي بعد ياء التصغير ودخول الإعراب على الحرف الذي بعده فيصير كقولك : (جعيفر) و (مريجل) وما أشبه ذلك.

__________________

(١) جرفسه : صرعه.

(٢) تكردس : انقبض واجتمع.

١٩١

وفي الجمع كذلك : (جعافر) ، و (مراجل) فأخذوا من هذه الخمسة الأحرف الأصلية الأربعة الأول منها ، وأدخلوا عليها التصغير فقالوا في (جردحل) : (جريدح) وفي (شمردل) : (شميرد) وفي (سفرجل) : (سفيرج) وفي (جحمرش) : (جحيمر) وفي (فرزدق) : (فريزد) وقالوا في (قبعثرى) : (قبيعث) فأسقطوا منها حرفين ؛ لأنها على ستة أحرف ، أسقطوا الألف الأخيرة والراء حتى بقي على أربعة أحرف.

بعض العرب يحذف الدال من (فرزدق) والنون من (خدرنق) ويقول : (فريزق) و (خديرق) وهذا شاذ وإنما حذفوا الدال من (فرزدق) ؛ لأنها تشبه التاء وهي من مخرجها والتاء من حروف الزيادة ... والقاف حرف قوي بعيد من الزيادة ، ولها (قلقلة) وزيادة في الصوت ، ومن قال (فريزد) قال : (خديرن) وهو القياس. ومن يقول : (خديرق) و (فريزق) فيحذف الحرف الذي قبل الأخير لما ذكرناه لا يحذف الميم من (جحمرش) فيقول : " جحيرش" ؛ لأن الميم قد بعدت من الطرف وهي ثالثة والحرف الثالث في التصغير يؤتى به ضرورة ، والحرف الرابع الذي هو الدال من" فرزدق" والنون من (خدرنق) هما رابعان. وقد يكون في التصغير ما ليس له رابع ، فلما كان الحرف الرابع قد يجوز أن يوجد ويجوز أن لا يوجد شبّه بالحروف الزوائد إذا كانت من جنسها أو كانت من مخرجها على ما ذكرناه ، وقد عرفتك أن الأقيس هو حذف الأخير دون الذي قبله.

وإذا كان في الخمسة الأصول زوائد حذفت الزوائد ثم حذف الحرف الخامس كقولهم في (عضرفوط) (١) : (عضيرف) وفي (قذعميل) (٢) : (قذيعم) و (قذيعل) وفي (خزعبيل) : (خزيعيب) ويجوز التعويض في ذلك كله كقولنا : (سفيريج) ، و (قذيعيل) و (جحيمير) وجميع الباب.

هذا باب تحقير بنات الحرفين

اعلم أن كل اسم كان على حرفين فحقرته رددته إلى أصله.

وأصله ثلاثة فردّ الحرف الذاهب إليه أين كان ، فإن كان الذاهب من أوله رددته كقولك في (عدة) و (زنة) و (شية) وما أشبه ذلك (وعيدة) و (وزينة) و (وشيّة) ويجوز أن تقلب الواو همزة فتقول : (أشيّة) ؛ لأنها مضمومة ، وحكي الأخفش عن حماد بن الزبرقان النحوي أنه قال في النسبة إلى (شية): " شيويّ" فرد الذاهب من آخره فقال الأخفش :

__________________

(١) دويبة بيضاء ناعمة.

(٢) الشيخ الكبير

١٩٢

كأنهم قلبوا فجعلوا أوله في آخره ، وعلى هذا القياس لو صغر لجاز أن نقول : (شويّة) والقول ما ذكرناه أولا. ومما ذهب فاؤه قولهم : (خذ) و (كل) فلو سمي رجل ب (خذ) أو (كل) ، ثم صغر لقلت : (أكيل) ، و (أخيذ) ؛ لأنهما من أخذت وأكلت والألف فاء (فعلت) وما كان الذاهب من وسطه فرجل يسمى ب (مذ) إذا صغرته قلت : (منيذ) ؛ لأن أصله (منذ) فرددته في التصغير إلى حاله. ولو سمي رجل ب (سل) من قولنا (اسأل) على تخفيف الهمزة ثم صغرت لقيل : (سؤيل) ؛ لأن أصله (اسأل) فالهمزة بين السين واللام.

قال : ومن لم يهمز قال : " سويل" ؛ لأن من لم يهمز يجعلها من الواو.

يقال : (سال) (يسال) مثل (خاف) (يخاف) وهما يتساولان.

ويقال : (سلته) فهو (مسول) كما يقال (خفته) فهو مخوف ، وهذا الوجه الآخر إذا لم يكن من الهمز ، يخالف عندي ما أصّله سيبويه ؛ لأن من مذهبه إذا سمي رجل ب (قم) أو (خف) أو (بع) رد إليه في التسمية قبل التصغير ما ذهب منه فيقول في المسمى ب (قم) ، هذا (قوم) ، وب (خف) : هذا (خاف) وب (بع) هذا : (بيع) ، فإذا سمي ب (سل) من سال يسال ، قيل : (سال) ، فإذا صغر قيل (سويل) ، فالألف فيه موجودة قبل التصغير.

ومما ذهب أوسطه (سه) وهي الإست يقال : (سه) و (إست) و (ست) وأصل ذلك كله (سته) ؛ لأنه يقال في جمعه (أستاه) وفي تصغيره : (ستيهة) فمن قال : (سه) حذف التاء التي هي عين الفعل ، ومن قال : (ست) حذف الهاء التي هي لام الفعل.

ومما ذهب فيه لام الفعل أسماء منها ما كان على حرفين وليس أوله ألف وصل ، ومنها ما كان في أوله ألف وصل والتصغير يجمعهما على لفظ واحد ؛ لأن ألف الوصل تذهب في التصغير ، وترد لام الفعل ، فمن ذلك قولهم في (دم) : (دميّ) وفي (يد) : (يديّة) ؛ لأن أصله (دمي) و (يدي) وفي (شفة) : (شفيهة) ؛ لأن هاء التأنيث لا يعتد بها وأصله (شفهة) والهاء لام الفعل.

ألا ترى أنك تقول في الجمع (شفاه) وفي تصريف الفعل (شافهت).

ومن ذلك (حر) تقول فيه : (حريح) وفي الجمع : (أحراح) وإنما استثقلوا حرفين بينهما حرف ساكن ، وتقول في (سنة) : (سنيّة) على قول من جعل الساقط منها واوا ، وقال في تصريف الفعل منها (سانيت) ومن قال (سانهت) قال : (سنيهة).

ومن قال في (عضة) : (عضيهة) ؛ لأنهم يجمعونها (عضاها).

ومن قال : (عضوات) كما يقال : (سنوات) قال : (عضيّة).

١٩٣

وتقول في تصغير (فل) من قول أبي النجم :

في لجّة أمسك فلانا عن فل (١)

(فلين) لأن الذاهب منها نون وأصله (فلان) فخفف عنه.

ولو حقرت : (رب) اسم رجل قلت : (ربيب) ؛ لأنه مخفف من (ربّ) ، وكذلك (بخ) (٢) المخففة تقول : (بخيخ) وأصله التشديد.

قال العجاج :

في حسب بخّ وعزّ أقعسا (٣)

فردّ (بخ) المخففة إلى أصله في التشديد.

كما قال :

فهي تنوش الحوض نوشا من علا (٤)

وإنما المستعمل من (عل) ومن (عل) فرده إلى أصله ؛ لأن أصله (علو) فقلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها.

قال سيبويه : وأظن (قط) كذلك.

يعني (قط) المخففة التي في معنى (حسب) إذا سميت بها رجلا ، ثم صغرت قلت : (قطيط) فترد طاء أخرى ؛ لأنك تعني به انقطاع الأمر.

والقط : قطع فكأنها من التضعيف. وتقول في تصغير (فم) : (فويه) ؛ لأنك تقول في جمعه (أفواه) وأصله (فوه) والهاء ذاهبة كما ذهبت من (شفه) وأبدلت الواو ميما ؛ لأنها من مخرجها ، فلما جمعوه وصغروه ردوه إلى الأصل ، كما قالوا في جمع (ماء) : (أمواه) و (مياه) ، وفي تصغيره : (مويه) ؛ لأن الهمزة في (ماء) منقلبة من هاء فأصله (موه).

ولو صغرت" ذه" من قولنا : (هذه) المرأة وقد جعلته هاهنا اسما لامرأة لقلت : (ذييّه) ؛ لأن هذه الهاء بدل من ياء ، يقال (ذي) في معنى (ذه) ، و (هذي) في معنى (هذه) ، والهاء بدل وأصله ياء ، ألا ترى أنّا نقول في تصغير (ذا) للمذكر (ذيّا) ولا هاء فيه.

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه : ٣ / ٤٥٢ ، والمقتضب : ٢ / ٢٣٨ ، والخزانة : ٢ / ٣٨٩.

(٢) كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء ، وتكرر للمبالغة.

(٣) انظر المقتضب : ١ / ٢٣٤ ، وابن يعيش : ٤ / ٧٨ ، وآمالي الشجري : ١ / ٣٩.

(٤) انظر الخزانة : ٤ / ٢٢٥ ـ ٢٦١ ، والكتاب : ٣ / ٤٥٢.

١٩٤

ولو جاز أن تبقى الهاء في التصغير لثبتت الميم في تصغير (فم) وجمعه.

وإذا خففت" أنّ" ثم سميت بها ثم حقرتها رددتها إلى التضعيف وكذلك المشددة إذا خففتها وسميت بها ثم حقرتها فقلت فيها (أنين).

قال الأعشى :

في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (١)

وإنما تقديره أنّه هالك.

وقال الله عزوجل : (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً)(٢).

معناه إنه كان وعد ربّنا. وكذلك إن زيد لمنطلق ، وأصله (إنّ) زيدا منطلق فخففت كما خففت (لكن) ، وأصلها (لكنّ). وأما" إن" التي للجزاء و" إن" التي تلغي في قوله : ما (إن) يقوم ، و (إن) التي في معنى (ما) فهي كلها إذا صغرتها بعد أن جعلتها أسماء. زدت فيها ياء فقلت : (أنيّ) كما تقول في (عن) : (عنيّ) وفي (من) : (منيّ) ، وكذلك ما كان على حرفين إذا كان أصله حرفين ولا تعرف الذاهب منه زدت فيه ياء ؛ لأن أكثر المحذوفات كذلك نحو (ابن) و (اسم) و (يد).

قال أبو سعيد : وكذلك (أن) التي تنصب الأفعال و (أن) الزائدة في قوله : ولمّا (أن) (جاءَتْ رُسُلُنا)(٣) ، و (أن) التي في معنى الأمر في قوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ (أَنِ) امْشُوا)(٤) كل ذلك يقال فيه (أنّى) ، وما كان في أوله ألف وصل كقولك (سميّ) ، و (بنيّ) ، و (ستيهه) ؛ لأن ألف الوصل تذهب على ما تقدم من علة ذلك.

هذا باب تحقير ما كانت فيه تاء التأنيث

قال أبو سعيد : اعلم أن سيبويه أراد بتاء التأنيث هاهنا ما كان من الأسماء فيه تاء في الوصل والوقف من المؤنث ، وهي في أسماء يسيرة نحو : (أخت) و (بنت) و (هنت) و (منت) و (ذيت) و (كيت) ولم تقع في غير ذلك ، فهذه التاء وإن كان قبلها ساكن ، وهي

__________________

(١) البيت من شواهد الكتاب : ٢ / ١٣٧ ، ابن يعيش : ٨ / ٧٤ ـ ٨١ ، والخزانة : ٣ / ٥٤٧ ـ ٤ / ٣٥٦.

(٢) سورة الإسراء ، الآية : ١٠٨.

(٣) سورة العنكبوت ، الآية : ٣٣.

(٤) سورة ص ، الآية : ٦.

١٩٥

للتأنيث كالهاء في (عبلة) و (ثمرة) وما أشبه ذلك ، لكنهم جعلوها بدلا من اللام في الوقف وألحقوا بها الاسم الذي حذفت لام الفعل منه بأبنية من الثلاثي ، فجعلوا أختا ملحقا ب (قفل) ، و (بنتا) ملحقا ب (جذع) وأصل (أخت) " أخوة" وأصل (بنت): " بنوة" أو (بنية) والدليل على ذلك أنهم يقولون : " أخوات وبنات" وجعلوا تغيير أوائلها دلالة على ذلك ، فإذا صغرتها رددتها إلى أصلها ؛ لأنها في الأصل مزيدة ، بعد ما بني الاسم على حرفين للتأنيث ، وعلامة التأنيث لا يعتد بها في تصغير ولا جمع ، فقالوا : (بنيّة) و (أخيّة) ، ثم ردوا الهاء وأبطلوا التاء التي كان يستوي وصلها ووقفها.

لأنهم لما ردوا الحرف الذاهب بطل الإلحاق بالتاء فرجع إلى الهاء فجعلت ك (ثمرة) و (صعوة) وما أشبه ذلك ، وقالوا في (ذيت) : (ذييّة) لأنهم يقولون : (ذيّة).

وفي" هنت" وجهان ؛ فمنهم من يقول : " هنيّة" لأنهم يجمعونها (هنوات).

ومنهم من يقول : (هنيهة) كما قال : (شفيهة) ونقول في (هن) : (هنية).

ومن قال : " هنيّة" قال في المذكر : (هنيّ).

و (كيت) بمنزلة (ذيت) يقال : (كييّة) و (منت) يقال فيه : (منيّة) كما يقال في (من): " منى" لو سمي به.

ولو سميت امرأة ب (ضربت) أو رجلا لقلت : (ضريبة) ؛ لأنك إن سميته بهذا قلت قبل التصغير : (ضربة) ك (رقبة) و (ورقة) ثم تصغر على ذلك ، وهذا يقوي ما ذكرناه في تصغير (أخت) و (بنت) ؛ لأنك لو سميت ب (ضربت) جعلت التاء هاء على ما توجبه الاسمية. وكذلك جعلت التاء الساكن ما قبلها في (بنت) و (أخت) لما رددت الذاهب فبطل الإلحاق واحتجت إلى علامة التأنيث هاء.

ثم قال سيبويه : وكانت الهاء أولى بها من (بين) علامات التأنيث ، لشبهها بها.

يعني لشبهها بالتاء. ألا ترى أنها في الوصل تاء.

قال : ولأنهم لا يؤنثون بالتاء شيئا إلا شيئا علامته في الوقف الهاء.

يعني أن الأسماء التي تثبت فيها التاء في الوقف من الأسماء التي ذكرناها هي أسماء مؤنثة الأصل في علاماتها (الهاء) ؛ لأن الأصل فيه (أخوة) و (بنوة) و (هنوة) و (ذيّة) فأصل ذلك كله الهاء.

١٩٦

هذا باب تحقير ما حذف منه ولا يرد في التحقير

ما حذف منه من قبل أنّ ما بقي إذا حقر يكون على مثال

المحقر ولا يخرج من أمثلة التحقير ، وليس آخره شيئا لحق الاسم

بعد بنائه كالتاء التي ذكرنا والهاء

قال سيبويه : " فمن ذلك قولك في (ميت): " مييت" وإنما الأصل (ميّت) ، وفي (هار) : (هوير) ، وإنما الأصل (هاير) ".

وكذلك لو صغرت (نرى) و (ترى) و (يرى) بعد التسمية به لقلت : (نريّ) و (تريّ) وكذلك في" مري" من (أرى) (يرى) مستقبل (أرى) نقول فيه : (مريّ) و (يريّ) ولا ترد الهمزة التي في الأصل في (ترى) و (يرى) وفي (مرى) و (يرى).

وكذلك لو سميت رجلا ب (يضع) أو (أضع) ثم صغرت لقلت : (يضيع) و (أضيع) وكذلك لو صغرت (خيرا منك) ، أو (شرّا منك) ، لقلت" خيير منك" و" شرير منك"

قال أبو سعيد : هذا كله قول سيبويه في هذه الأسماء ، وقد خولف في بعضها ، واعتماد سيبويه على أن الحذف لما وقع في هذه الأسماء على جهة التخفيف ، لا على علة توجب حذفها ، وتزول العلة في التصغير ، وكان التصغير غير محوج إلى رد ما حذفوه ؛ لأن الباقي ثلاثة أحرف لم ترد المحذوف ؛ لأن التخفيف الذي أرادوه في المكبر هم إليه أحوج في المصغر لزيادة حروفه.

وحكي عن يونس أن ناسا يقولون : " هويئر" في التصغير.

فقال سيبويه : هؤلاء لم يحقروا (هارا) إنما حقروا (هائرا) كما قالوا : (رويجل) كأنهم حقروا (راجلا) ، ثم قال : كما قالوا : " ابنون" جمع (ابن) ، يقولون : " أبينون".

وليس ذلك بتصغير (أبناء) في لفظه ؛ لأن تصغيره (أبيناء) ، كما تقول : (أجيمال) ، ولا هو تصغير (بنون) ؛ لأن تصغير (بنون): " بنيون" لأنك تصغر الواحد (بنيّ) ثم تجمعه فيصير (بنيّون) وكأن قولهم : " أبيّنون" على تقدير شيء غير (أبناء) ولا (بنين) ولا هم صغروا (أبناء) وجمعوه بعد ذلك ، فقدر الذي يستوي تقديره فيه أنه (أفعل) مثل" أعمى" وكأنه (أبنى) ثم صغر (أبني) فيصير : (أبيني) ثم جمع فصار (أبينون) كما يصير (أعيمون) ، ولا يستعمل" أبني" كما لم يستعمل (راجلا) في معنى

١٩٧

(رجل) ، وإن كان قد صغروه على ذلك.

قال أبو سعيد : العرب تقول : (رجل) في معنى (راجل) فيجوز أن يكون (رويجل) في تصغير (رجل) الذي في معنى (راجل).

قال الشاعر :

أما أقاتل عن ديني على فرس

ولا كذا رجلا إلا بأصحاب (١)

أراد (راجلا).

وذكر يونس أن أبا عمرو كان يقول في (مري) : (مريء) مثل (مريعي) بهمز وبجر فألزمه سيبويه أن يقول في (ميت) : (مييّت) وفي (ناس) : (أنيّس) ؛ لأن (ناسا) عند سيبويه أصله (أناس) وحذفت الهمزة تخفيفا كما حذفت الياء الثانية من (ميّت).

وحكى أبو العباس المبرد من قوله وقول أبي عثمان المازني : أنه يقول في (يضع) : (يويضع) وكذا في (هار) : (هويئر) ؛ لأنه من (وضع) (يضع) ويرده إلى الأصل ، وقد تقدم الاحتجاج لسيبويه ، ويلزم هؤلاء أيضا أن يقولوا في (خير منك) و (شرّ منك): " أخيّر" و" أشيرّ" ؛ لأن أصله (أخير) منك و (أشرّ منك).

هذا باب تحقير كل حرف كان فيه بدل

فإنك تحذف ذلك البدل وترد الذي هو من أصل الحرف

إذا حقرته كما تفعل ذلك إذا كسرته للجمع

قال سيبويه : فمن ذلك (ميعاد) ، و (ميزان) و (ميقات) ، تقول : (مويزين) و (مويعيد) و (مويقيت) كما يقولون : (موازين) و (مواقيت) وهذا لا خلاف فيه ، وقد يجيء من هذا الباب أشياء فيها خلاف ، وسنقف عليها إن شاء الله تعالى.

قال أبو سعيد : اعلم أن ما كان من بدل الحرف بحركة أوجبت قلب ما بعده ، أو بحرف على حال يوجب قلب حرف بعده ، ثم صغرت ذلك أرجعته ، فزالت العلة الموجبة للقلب في التصغير أو في الجمع ورددته إلى أصله ، فمن ذلك : (ميعاد) و (ميزان) ، وما جري مجراها أصله (موعاد) و (موزان) قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، فإذا جمعت أو صغرت حركت الواو فبطل قلبها ، وقد حكى بعض اللغويين أن من العرب من

__________________

(١) انظر ابن يعيش : ٥ / ١٣٣.

١٩٨

لا يردها إلى الواو إذا جمع.

وأنشد :

حمى لا يحلّ الدّهر إلا بأمرنا

ولا نسأل الأقوام عقد المياثق (١)

وهو جمع" ميثاق" وأصله من (وثقت). وكذلك لو صغرت (قيلا) أو (ريحا) لقلت : (قويّل) و (رويّحة) ؛ لأن أصله (قول) و (روح) ويقال في جمعها (أرواح) برد الواو لتحركها وزوال الكسرة التي قبلها.

وذكر أبو حاتم السجستاني أن عمارة بن عقيل غلط فقال في (ريح): " أرياح. قال : فأنكرته عليه ، وأنشدته قول جده جرير :

إذا هبّ أرواح الشتّاء الزّعازع (٢)

فقال : أما ترى أن في المصحف : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ)(٣).

فأخذ طريق القياس فأخطأ.

وقد جاء مما لم يرد الياء فيه أشياء كقولهم : (عيد) و (أعياد) وهو شاذ ، و (ديمة) و (ديم) و (ثور) و (ثيرة) ، ولها في التصريف أحكام ذكرناها فيه.

وإذا حقرت (الطّيّ) و (اللّيّ) وما جري مجراه قلت : (طويّ) ، و (لويّ) ؛ لأن أصل (الطّيّ) : (طوي) وأصل (اللّي) (لوي) ؛ لأنه من (طويت) و (لويت) فقلبت الواو ياء لسكونها وتقدمها ، وترجع في التصغير كما قالوا في جمع (ريّان) و (طيّان) : (رواء) و (طواء) ؛ لأن أصله (رويان) ؛ لأنه من (رويت) ، و (طويان) ؛ لأنه من (طوي) بطنه ويقال في التصغير (طويّان) و (رويّان) ؛ لأن العلة الموجبة للقلب قد زالت في التصغير والجمع.

وإذا حقرت (قيّ) قلت : " قويّ" والقيّ : الأرض القفر ، وأصله (قوي) لأنه من (القواء) وهي الأرض التي لا شيء فيها.

وتقول في تصغير (موقن) و (موسر): " مييقن" و" مييسر" ؛ لأنه من (أيقن) و (أيسر) ، وجعلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها. فلما حركت عادت إلى الياء ، ألا تراهم قالوا في الجمع : (مياسير) ومن ذلك أيضا (عطاء) و (قضاء) و (رشاء) وكل ما كانت الهمزة

__________________

(١) انظر ابن يعيش : ٥ / ١٢٢ ، واللسان : (وثق).

(٢) انظر بغية الوعاء : ١ / ٦٠٦.

(٣) سورة الجاثية ، الآية : ٥.

١٩٩

فيه طرفا في موضع لام الفعل وقبلها ألف والهمزة منقلبة من ياء أو واو ، وإذا صغرت أبطلت الهمز ورددتها إلى الأصل ؛ لأن الهمزة إنما انقلبت من الياء والواو لتطرفهما بعد ألف ، فإذا صغرنا فقد بطلت الألف ، تقول في تصغيره : (عتليّ) و (قضيّ) و (رشيّ) فتحذف الياء الأخيرة ولا همزة فيه ، ألا ترى أنك تقول في الجمع : (أعطية) و (أقضية) و (أرشية).

وما كانت الهمزة فيه أصلية غير منقلبة فإنها تثبت همزة في التصغير ولا تحذف ، فمن يقول : (ألاءة) وهي نبت و (أشاءة) وهي الفسيلة يقول في التصغير : (أليئة) و (أشيّئة) ؛ لأن الهمزة ليست بمبدلة ، والأصل في هذا عند سيبويه أن ما كان معروف الأصل بالاشتقاق من واو أو ياء ، فهو من باب (عطاء) و (رشاء) ، وما كان لا يعرف ، جعل همزة أصلية حتى يقوم الدليل على غيرها ؛ لأن الهمزة هي الموجودة فلذلك تقول إذا حقرت (الصّلاء) : (صليّ) ، و (الصّلاءة) : (صليّة) ؛ لأنه يقال : (صلاية) ، وتقول في (سحاءة) : (سحيّة) ؛ لأنه يقال فيها : (سحاية) ، فوضح أنها من الياء ، فإذا لم يعرف ، فهو في الحكم همزة وتقول في تصغير (منسأة) : (منيسئة) ؛ لأنها من (نسأت) إذا سقت وهي (مفعلة) ؛ لأنها يساق بها البهائم. والمنسأة العصا ، ألا تراهم إذا كسّروا قالوا : مناسئ.

وكذلك (البريّة) هو من برأ الله الخلق ، وقد خففت العرب الهمزة منها ، فإذا صغرت رددت الهمزة فقلت : (بريئة) مثل (مريعة) كما تقول في (ذريعة) (ذريّعة) ، وأما من قال : (البريّة) مأخوذ من (البرى) وهو التراب ؛ لأن الناس خلقوا منه فتصغيره : (بريّة) ؛ لأن أصله (بريّية) بثلاث ياءات فتسقط الأخيرة منه.

وأما (النبيّ) فأصله عند سيبويه الهمز ، وهو مأخوذ من النبأ وهو الخبر ؛ لأنه يخبر عن الله جل وعز. وقد اختلفت العرب في همزه ، فأكثرهم يخفف الهمز فيقول : (نبي) وأصله : (نبيء) وتجمعه جمع ذوات الياء فتقول : " أنبياء" كما تقول (أصفياء) و (أنقياء).

ومن العرب من يهمز فيقول : (نبيء) وقرأ بذلك نافع وأهل المدينة ، وقرأوا في جمعه (أنبياء) وكان القياس إذا همز أن يكون جمعه (نبّاء) مثل (كريم) و (كرماء) ، كما قال العباس بن مرداس السّلمي :

يا خاتم النّباء إنّك مرسل

بالحقّ كل هدى السّبيل هداكا (١)

__________________

(١) البيت في الكتاب ٣ / ٤٦٠ ، والمقتضب ١ / ١٦٢.

٢٠٠