شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

منهما ساكن قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فجاءت" بنات ألببه" و" حيوة" و" ضيون" على الأصل ولم يستعمل فيه التغيير وما يوجبه القياس في نظائره كما جاء (استحوذ عليهم الشّيطان) ونظيره استعاذ واستجار وأصلة استجور فاعلم ، ولم يستعمل في استحوذ ما استعمل فيهما فلم نعدل عن استعمالهم وإن كان خارجا عن القياس ، وكذلك إن سمينا رجلا بألبب لم ندغم. وإن سميناه ب" حيوة" أو ضيون لم نقلب تسليما لما قالته العرب ، كما سلمنا ذلك في استحوذ فاعرف ذلك.

هذا باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد

قال سيبويه : قال الخليل يوما وسأله أصحابه كيف تقولون إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف التي في" لك" ، والتي في" مالك" والباء في" ضرب" فقيل له نقول : " باء" ، " كاف" فقال : إنما جئتم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف وقال : أقول : كه ، وبه.

قال أبو سعيد : جملة ما في هذا الباب من هذا النحو أنك إذا لفظت بالحرف المتحرك ووقفت عليه زدت عليه هاء الوقف مفتوحا كان أو مضموما أو مكسورا تقول في الكاف من لك : " كه" وفى الباء من يضرب" به" وفى الرّاء من" يضرب"" ره" فإذا كان الحرف ساكنا أدخلت ألف الوصل عليه فقلت في الباء من اضرب" إب" وفى الياء من في : " إي" وهذا ما لا يختلف فيه أصحابنا ، ثم اختلفوا إذا سميت رجلا بحرف من هذه الحروف فما كان من ذلك متحركا ففيه أربعة أقوال وما كان ساكنا ففيه ستة أقوال ، فأما المتحرك فإنه على قول سيبويه يصيره ثلاثة أحرف بأن يزيد فيه حرفين من جنس حركته فيقول في رجل سمي بالضّاد من" ضحى" : ضوّ.

زادوا فيه واوين لضمة الضاد ، وذلك أن الاسم الذي يتصرف أقله من ثلاثة أحرف ، فلما صيرناه اسما ، زدنا فيه حرفين من جنس حركته وكان ذلك أولى ؛ لأن عامة المحذوفات يحذف منها الياء ، والواو ، ك" أب" ، " وابن" ، و" اسم" وما أشبه ذلك فصارت الضاد لما احتجنا لها إلى الزيادة كأنها قد حذفت منها حرفا مد ولين فتردهما إليها ، وإذا سمينا بالضاد من" ضرب" قلنا : (ضاء) ؛ لأنا نزيد ألفا من جنس فتحة الضاد ، وألفا أخرى لتمام الاسم حتى يكون على ثلاثة أحرف ، والألف لا تتحرك فجعلت همزة.

وإذا سمينا بالضاد من" ضراب" قلنا ضي ، وإنما احتاج الاسم إلى ثلاثة أحرف لما يلحقه من التصغير والجمع ، وقد ذكرنا ذلك في موضعه.

٨١

وأما الأخفش فإنه يقول : إذا سميناه بالباء من" ضرب" فالضرورة تدعو إلى أن نزيد عليه ما يصيره بمنزلة اسم من الأسماء المعربة ، وفى الأسماء المعربة ما يكون على حرفين ، ك" دم" و" يد" وأولى ما نرده إليه ما كان في الكلمة التي منها هذه الباء ، فترد إليها الضاد فنقول : ضب ، ولا نحتاج إلى أن تتكلف أكثر من ذلك ؛ لأن الضرورة تزول برد الضاد.

ومثل ذلك مما حذف منه عين الفعل قولهم : " سه" والأصل" سنه" ؛ لأنك تقول : " أسناه".

وقال المازني : أرد أقرب الحروف إليه وهو الراء ، فأقول : رب.

ومثله مما حذف منه فاء الفعل ، فبقي عينه ، ولامه مثل عدة ، وزنة ، وما أشبه ذلك.

وقال أبو العباس المبرد : أرد الحروف كلها فأقول ضرب فهذه أربعة أقاويل ، وأما إذا سمي ب" أب" التي في اللفظ بالباء من" اضرب" ففيها ستة أقاويل.

قال سيبويه : أقول إذا ابتدأته : إب" قد جاء" ، وإذا وصلته بكلام أسقطت ألف الوصل وبقيت الباء وحدها فقال : هذا آب ، وقام آب ، وما أشبه ذلك. وقال : قد رأيت بعض الأسماء على حرف إذا اتصل بكلام وهو قولنا : من أب لك؟ تريد من أب؟ وتخفف الهمزة فتلقي حركتها على ما قبلها وتسقطها فجعل سقوط ألف الوصل كإلقاء الحركة.

ورد أبو العباس المبرد عليه ذلك ففرق بين تخفيف الهمزة وإسقاط ألف الوصل فقال : تخفيف الهمزة غير لازم ، وألف الوصل إذا اتصلت سقطت في هذا الموضع ولم يكن مذهبه في هذا مذهب سيبويه.

والقول الثاني إذا سمينا بالباء من اضرب رددنا الراء فقلنا : " رب" ؛ لأن الراء كانت مكسورة وعلى هذا قياس قول المازني. وتقول على قياس قول الأخفش" ضب" وعلى قول المبرد" اضرب" فترد الكلمة إلى أصلها.

وكان الزجاج يقول : إب ويقطع الألف نحو" قام إب" و" هذا إب".

قال : وإنما أقطع الألف لأني لما نقلته من اللفظ به وهي حرف إلى التسمية به قطعت الألف ليكون فرقا بين الاسم والحرف ، كما قطعت الألف في رجل يسمى ب" إضرب" ؛ لأن الأصل في الأسماء أن لا يكون فيها ألفات وصل وإنما تكون في الأفعال وتكون مع لام التعريف التي هي حرف فهذه خمسة أقوال.

٨٢

والقول السادس أنه لا يجوز أن يسمى ب" إب" ؛ لأنه يحتاج إلى تحريك الباء وتحريكها يمنع من ألف الوصل ، وقد ذكر في هذا الباب مع كلام سيبويه هذا وقيل بعده : هذا مذهب قوي.

ولو سمينا بأل من قولنا : " القائم" وما أشبه ذلك لكان فيه ثلاثة أقاويل.

أما قول سيبويه : " فإنك تقول : " أل" على أن الألف موصولة ، وقد تتكلم به العرب مفصولا مما بعد عند التذكير كقول القائل : رأيت" ألي" كأنه أراد شيئا فيه الألف واللام ونسبه فكسر وزاد ياء علامة للتذكير.

وقد يقول أيضا : " قدي" إذا أراد قد كان كذا وكذا فوقف عليه فهذه العلامة لتذكر ما نسيه".

وكان الخليل يقول : أل بمنزلة قد وقد فصله الشاعر فقال :

دع ذا وعجّل ذا وألحقنا بذل

بالشّحم إنّا قد مللناه بجل (١)

وكان الزجاج يقول : هذا أل فيقطع الألف على نحو ما ذكرناه من قوله وعلى قياس مذهب الباقين يقال : هذا لي وذلك إن الحرف المكسور الذي لا أصل له في كلمة إذا سمينا به زدنا عليه من جنس حركته بلا خلاف بينهم كرجل سميناه بالكاف من ذلك تقول : كي ، وما كان ساكنا فبمنزلة المكسور ؛ لأنه يزاد عليه حرف ساكن فيلتقي في آخره ساكنان فيكسر لالتقاء الساكنين ثم يزاد عليه ياء أخرى حتى يكون على ثلاثة أحرف. وإن سمي بمفتوح زيد عليه من جنس الفتحة فيقال للرجل إذا سمي بالكاف من لك كاء ، وذكر سيبويه في الباب فقال :

إن جعلت أي اسما ثقلت بياء أخرى واكتفيت بها حتى بمنزلة اسم وابن.

وهذا يدل على أنه أراد أنا إذا لفظنا بالياء من" غين" أو" عين" أو الياء في" غلامي" أو ما أشبه ذلك من الياءات الساكنة ، وجب أن نقول : " أي" ثم إذا سميت به ثقّلت الياء بمنزلة تسميتك ب" في" فقلت : " إىّ" والألف فيه ألف وصل على قول سيبويه ، وقد قال الأخفش والمازني والمبرد إنه يرد من الكلمة ما ذهب منها على نحو ما حكينا عنه من

__________________

(١) البيتان لذي الرمة. المقتضب : ١ / ٨٤ ، ٢ / ٩٤ ، الخصائص : ١ / ٢٩١ ، الكتاب : ٣ / ٣٢٥ ، ٢ / ٦٤ ، والهمع : ١ / ٧٩ ، والمنصف : ١ / ٦٦.

٨٣

الاختلاف.

وعلى مذهب الزجاج تقطع الألف وتثقل الياء ويجوز أن يكون" إي" من قوله عزوجل : (إِي وَرَبِّي) فلا خلاف بينهم أنه يقال : " إيّ" بقطع الألف كما قالوا في" في" فيّ ومعنى" إيّ" معنى" نعم" وقد ذكر سيبويه في الباب أيم الله وأنها ألف وصل وقد ذكرته في موضعه واستقصيته.

هذا باب الحكاية التي لا تغيّر فيها الأسماء في الرفع والنصب والجر

وجملته أن يسمى الشيء بجملة ، أو باسم معه عامل ، أو حرف يجري مجرى العامل ، فمن ذلك قول العرب في رجل يسمى تأبّط شرّا أو برق نحره :

هذا تأبّط شرّا قد جاء ورأيت تأبّط شرّا ، ومررت بتأبّط شرا ، وهذا برق نحره ، ورأيت برق نحره ومررت ببرق نحره وفي تأبط ضمير فاعل وهو فعل ماض. وقال الشاعر من بني طهية :

إنّ لها مركنا إرزبّا

كأنّه جبهة ذرّى حبّا (١)

وإن قال قائل : إنه تغير الجملة إذا سمي بها ، لزمه أن لو سمي ببيت من الشعر أن يغير كرجل سمي بقوله :

ما هاج أحزانا وشجنا قد شجا (٢)

فإن التزم هذا فليت شعري : أي شيء يغير من هذا ؛ وهو قول لا يعرّج عليه.

وقال الشاعر :

كذبتم وبيت الله لا تنكحونها

بني شاب قرناها تصرّ وتحلب (٣)

" شاب" فعل ماض وقرناها تثنية قرن وهو الخصلة من الشّعر وقرناها رفع ب" شاب" وأضاف بني إليها ، وإنما هجاهم بهذا كأنه قال : بني الراعية ؛ لأن المعنى ابيضّ رأسها وهي تصرّ الإبل وتحلبها ، وعلى هذا تقول : بدأت بالحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) البيتان من شواهد سيبويه : ٣ / ٣٢٦ ، المقتضب : ٤ / ٩ ، وشرح المفصل : ١ / ٢٨ ، واللسان :

(حبب).

(٢) مغني اللبيب : ٢ / ٣٧٢ ، العقد الفريد : ٥ / ٤٨٦.

(٣) شواهد سيبويه : ١ / ٢٥٩ ، المقتضب : ٤ / ٩ ، الخصائص : ٢ / ٣٦٧.

٨٤

وقال الشاعر : (١)

وجدنا في كتاب بنى تميم

أحقّ الخيل بالركض المعار

والأصل" أحق الخيل بالركض" ابتداء والمعار خبره أوقع عليه وجدنا ولم يغير وكذلك لو قلت : وجدت في كتاب خالد" زيد قائم"" أوقعت عليه وجد" ولم تغيره ، وهذا الذي يحكى مما ذكرناه لا يثنى ولا يجمع ، فإن اجتمع رجلان أو جماعة رجال اسمهم متفق في هذا قلت في التثنية رأيت رجلين اسمهما" برق نحره" أو هذان كلاهما برق نحره أو هما ذوا برق نحره ، ورأيت ذوي ذرّى حبّا ورأيت أحقّ الخيل بالركض المعار في موضعين. ولا تحقره ، لا تقول في رجل اسمه زيد أخوك زييد أخوك ؛ لأن زيدا الذي هو المبتدأ لم يصيّر اسم الرجل فلا يلحقه التصغير مفردا ، وليس في الكلام تصغير يضم اللفظين جميعا ، ولا تضيفه إلى نفسك لا تقول : زيد أخوكي ولا برق نحرهي ، فإن أخذت من الجملة بعضها ونسبت إليه جاز ، فقلت تأبطيّ وبرقي ؛ لأن المنسوب إليه ليعلم أنه إليه نسب لا إلى غيره ، وربما غيروا وحذفوا فقالوا في النسبة إلى" العالية علويّ وإلى دهر دهريّ ، وليس ذلك في التصغير وفي الإضافة إلى المتكلم.

ولو سميت باسم له تمام يتصل به أجريته على حاله قبل أن تسمى به وأعربته على الحال الأولى كرجل يسمى" خيرا منك أو" مأخوذا بك" أو" ضاربا رجلا" تقول : " رأيت خيرا منك" وهذا خير منك ومررت بخير منك.

وإن كان الاسم الذي بعده تمامه لو أفرد فسمي به رجل أو امرأة لم ينصرف ثم سميت به مع التمام لانصرف ، وذلك كرجل سميته" بضاربة زيدا" تقول : هذا ضاربة زيدا ، ومررت بضاربة زيدا ، فصرفته وأنت لو سميت بضاربة وحدها لم تصرف.

وكذلك لو سمينا امرأة بضارب رجلا لنوناها على كل حال ودخلها الرفع والنصب والجر ، ولو أفردنا فسمينا امرأة بضارب وحده ، لم تصرف ، والفرق بينهما أن" ضاربا" إذا كان بعده تمام له فسمينا به فمنتهى الاسم التام.

وضارب وحده ليس باسم له فلما لم يكن باسم له حكينا حاله قبل أن نسمي به ، وكذلك لو ناديته أو أدخلت عليه" لا" التي للنفي لم تسقط التنوين فقلت : بأخيرا من زيد

__________________

(١) البيت لبشر بن حازم ، انظر المقتضب : ٤ / ١٠ ، المفضليات : ٣٤٤.

٨٥

أقبل ويا ضاربا رجلا أقبل ، ألا ترى أنك إذا أدخلت" لا" على نكرته لم تبنه معه فقلت : لا خيرا منك في الدار ولا ضاربا رجلا عندك ، قال : وإن سميت رجلا" بعاقلة لبيبة" صرفته وأجريته مجراه قبل أن يكون اسما ؛ لأن كل واحد منهما مفردا ليس باسم المسمى بهما فحكيت لفظهما قبل التسمية فقلت : هذا عاقلة لبيبة ومررت بعاقلة لبيبة وقد يجوز أن نجعلها ك (حضر موت) فنجعلها اسما واحدا أو نضيف الأول إلى الثاني كما فعلت ب (حضر موت) فإن جعلتهما اسما واحدا قلت : هذا عاقلة لبيبة وهذا عاقل لبيب إن سميت بعاقل لبيب ، وكذلك تفعل بالمرأة ؛ لأن الاسمين إذا جعلا اسما واحدا لم ينصرف.

ومن أضاف" حضر موت" قال في رجل اسمه عاقلة لبيبة هذا عاقلة لبيبة ونقول في المذكر هذا عاقل لبيب وكذلك تفعل بالمرأة فإن سمي بعاقلة وحدها فالأكثر أن لا تصرف ويجوز صرفها على الحكاية ، كأنه قال في امرأة مسماة بعاقلة : هذه امرأة عاقلة فتجيء بها على النعت وإن كان اسما كما سموا بالحسن والعباس والحارث.

وإن سميت رجلا أو امرأة بقولك : " من زيد وعن زيد" فالذي قاله سيبويه والخليل أنك تعرب الأول وتضيف إلى الثاني فتقول : هذا من وعن زيد ، كما فعل به ذلك مفردا.

وأنت لو أفردت" من"" وعن" فسميت بهما لقلت : هذا من ورأيت عنا ومررت بعن ، فإذا كان بعدهما مخفوض فهو بمنزلة اسم مضاف إلى ذلك المخفوض ، ولم يذكر سيبويه غير ذلك ، وقد أجاز الزجاج وأظن أبا العباس المبرد على ذلك أن يحكى فيقال : هذا من زيد ورأيت من زيد واحتج الزجاج بأن قال : إن سيبويه وغيره قال : إذا سمي رجل بقولهم بزيد وكزيد ، ولزيد حكينا ، لأنها حروف عوامل وكذلك من زيد ، ثم زاد على هذا فقال : يجوز أن نغيّر إذا سمينا بزيد ولزيد وكزيد فنقول بى زيد ولى زيد وكاء زيد ، ذلك أنهم قالوا في رجل سمي بقولنا في زيد فجعلوه اسما وغيروه.

ونحن لو سمينا بالباء وحدها بزيد لقلنا ، بي فكذلك ينبغي أن نقول : بي زيد إذا لم نرد الحكاية.

قال أبو سعيد : وهذا قياس صحيح إلا قوله" لي زيد" فإن القياس عندي أن يقال لا زيد لأن لام الجر أصلها الفتح.

ألا ترى أنك تقول : هذا لك وهذا لهم ، فالأصل الفتح ، بمنزلة الكاف ، ولو سميت عندي بلام الأمر من قولك ليقم زيد لوجب أن تقول : " لي" على السياق الذي ذكرناه.

٨٦

ولو سميت رجلا ب (قطّ زيد) المبني لأعربته فقلت : قط زيد كما تعربه إذا أفردت ، ألا ترى أنك لو سميت رجلا (وزن سبعة) لقلت : هذا وزن سبعة ومررت بوزن سبعة ويكون" سبعة" معرفة ولا ينصرف وتجعل سبعة بمنزلة طلحة. وقد حكاه الزجاج وأن سيبوية قال :

إذا سميت رجلا" من زيد"" وعن زيد" لم تحكه.

قال أبو سعيد : والذي حكاه الزجاج عن سيبويه تأوّل تأوله عليه وليس بمذهبه ؛ لأن سيبويه قال في آخر هذا الباب : " فإن سميت رجلا" عمّ" من : " عمّ يتساءلون" فإن أردت أن تحكي في الاستفهام تركته على حاله كما تدع أزيد؟ وأزيد إذا أردت النداء. وإن أردت أن تجعله اسما تقول : " عن ما" ، لأنك جعلته اسما وتمد" ماء" كما تركت تنوين سبعة ، لأنك تريد أن تجعله اسما مفردا أضيف إليه. هذا بمنزلة قولك : هذا" وعن" ها هنا مثلها مفرد ؛ لأن المضاف في هذا بمنزلة الألف واللام لا نجعل الاسم حكاية كما أن الألف واللام لا يجعلان الاسم حكاية ، وإنما هو داخل في الاسم بدل من التنوين فكأنه الألف واللام.

وقال في موضع آخر في حشو الباب : وسمعت من العرب : لا من أين يا فتى ، حكى ولم يجعلها اسما واحدا.

هذا لفظ سيبويه ، وإنما تأولوا قوله حين قال : وسألت الخليل عن رجل يسمى من زيد فقال أقول : من زيد وعن زيد وقال هو بعد ذلك : لأني رأيت المضاف لا يكون حكاية كما لا يكون المفرد حكاية. وإنما أراد سيبويه عندي أن ضم" من" إلى" زيد" لم يوجب له الحكاية لا محالة ؛ لأن الحروف التي يضم بعضها إلى بعض والأسماء التي يضم إليها الحروف غير حروف الجر ؛ لأنها تجري مجرى الاسم المضاف ، والمضاف والمفرد بمنزلة شيء واحد ، فأراد أنه لا تلزم فيه الحكاية ولا يجري مجرى الحرفين المركبين الحرف والاسم على غير هذا الوجه.

وإن سميت رجلا" في زيد" لا تريد به الفم قلت : هذا في زيد ولا تشبه هذا فاعبد الله في قولك رأيت فاعبد الله. لأن هذا لازم له الإضافة ، وإنما احتمل ذلك فيه من أجل الإضافة ولو أفرد لقيل" فم". وصار حرف الإعراب فيه غير متحرك. (وحرف الإعراب يعنى به الألف في" فا" والياء في" في" والواو في" فو" ولا يكسر.

٨٧

هذا قياس الأسماء في أن مفردها ومضافها بلفظ واحد ، وإنما هذه خمسة أسماء رفعها بالواو ونصبها بالألف وجرها بالياء ، ولا يقاس عليها ، ولا تكون كذلك إلا أن تكون مضافة فإن أفردت تغيرت ؛ لأنّا نقول في أبيك وأخيك وحميك إذا أفردنا : أب وأخ وحم ونقول في فيك" فم" وذو مال لا يفرد.

وأما قول العجاج :

خالط من سلمى خياشيم وفا (١)

فإنما هو ضرورة جاء بها في آخر البيت حيث لا يلحقه التنوين ولا يصرف ، ولو سميت رجلا طلحة وزيدا لم تصرف طلحة وصرفت زيدا ؛ لأنك حكيت في التسمية اللفظ الذي كان يجرى عليه هذان الاسمان إذا عطف أحدهما على الآخر بالواو فقلت رأيت طلحة وزيدا وجاءني طلحة وزيد ومررت بطلحة وزيد.

وإن ناديت فقلت يا طلحة وزيدا فنصبت على أصل النداء ولم تبنه على الضم ؛ لأن طلحة وحده ليس باسم واحد فتضمه. ولو سميت بطلحة وزيد وأنت تريد طلحة من الطلح لحكيته في التسمية فقلت رأيت طلحة وزيدا. ومررت بطلحة وزيد.

ولا تثني هذه الأسماء ، ولا تحقرها ، ولا ترخمها ، ولا تجمعها ، ولا تضيفها. والإضافة إليها يعني النسبة كالإضافة إلى تأبط شرّا.

واعلم أن كل حرفين أو اسم ومعرف أو فعل وحرف ضم أحدهما إلى الآخر فسميت به حكمت لفظه قبل التسمية ولا يغير لأنه يشبه بالجمل كرجل سميته : إنما وأنما" وكأنما"" وحينما"" وإما" من قولك : إما أن تفعل وهى إما التى بمعنى" أو" وأملها عند سيبوية (إن) ضمت إليها" ما" وأنشد.

لقد كذبتك نفسك فاكذبنها

فإن جزع وإن إجمال صبر (٢)

ولم تكن" ما" في" إنما"" وحيثما" وما أشبه ذلك بمنزلة" موت" في" حضر موت" فيجعلا كاسمين ضم أحدهما في الآخر ؛ لأن العرب قالت : حيثما فلم يغيروا ضمة التاء لدخول" ما" عليها ، ولو كان بمنزلة حضر موت لفتحوا التاء ، والذي يقول" حيث"

__________________

(١) البيت بالديوان ٨٢ ، والخزانة ٢ / ٦٢ ، وابن يعيش ٦ / ٨٩.

(٢) البيت سبق تخريجه.

٨٨

مفردة يدعها على فتحتها. وكذلك إن سميت ب" إما" من قولك : أما أنت منطلقا انطلقت معا ؛ لأن أصلها أن. ضمت إليها" ما" وإن سميت بإلّا" وإمّا" في الجزاء فهي حكاية في أصلها إن ضمت إليها" لا" و" ما".

وإن نصبت بألا مخفضة التي في الاستفهام أو أما حكيت ؛ لأنها ألف الاستفهام دخلت على" لا وما" وإن سميت" بألا" التي للاستثناء أو حتى فإنهما اسمان غير محكيين ؛ لأن كل واحد منهما لم يركب من حرفين. وأكثر أصحابنا يذهب إلى أنه لا ينصرف في معرفة ولا نكرة ، وتجعل الألف فيه كألف التأنيث إذا سمي به ؛ لأنه أكثر الألفات الزوائد في مثل هذا البناء إنما جاءت لتأنيث ، وأجاز بعضهم أن تجعل الألف في" إلا" كألف معزى والألف في" حتى" كألف أرطى فتصرفه في النكرة ، وكذلك إذا سميت بأما من قولك أما زيد فمنطلق ؛ لأنه ليس بمركب ، فلا يكون حكاية وهي بمنزلة" شروى" في الألف ؛ أي أنها بمنزلة ألف التأنيث. وإن سميت رجلا من قولك ألا إنه منطلق أو بأما من قولك : " أما إنه طريف" لم تحكه ؛ لأنه بمنزلة قفا ورحا ؛ لأنه ليس بمركب. وإن سميته بلعل أو عساكا أو كذا.

قال الشاعر :

يا أيتا علك أو عساكا (١)

والكاف في" كأن"" وذا" دخلت على ما بعدها ، والكاف في" كذلك"" وذلك" لحقت للمخاطبة وكذلك التاء في" أنت" ، لو سميت رجلا ب" أنت" لحكيت. وإن سميت" بهذا" أو" هؤلاء" حكيت لأن" ها" ضم إلى ما بعده. وكذلك لو سميته" بهلم" حكيت على لغة أهل الحجاز وبنى تميم ؛ لأن (ها) ضم إلى (لمّ) ؛ لأن معنى" هلم" معنى (لمّ) وإنما أصله قبل دخول" ها"" للم" في لغة أهل الحجاز. ولغة بنى تميم" لم" يا هذا. ولو سميت رجلا ب" لوما" حكيت. واحتج سيبويه لذلك بقول بعض العرب :

" لا من أين يا فتى" ، فحكى ، ولو سميت رجلا : " وزيد" فلا يخلو من أن يكون عطفا على مرفوع أو منصوب أو مجرور فإن كان عطفا على مرفوع رفعته أبدا لكون

__________________

(١) الرجز لرؤبة بن العجاج واستشهد به سيبويه : ١ / ٣٨٨ ، والمقتضب : ٣ / ٧١ ، الخزانة : ٢ / ٤٤١ ، وشرح شواهد المغني : ١٥١ ، والهمع : ١ / ١٣٢ ، وابن يعيش : ٢ / ١٢ ، ٣ / ١٣٢.

٨٩

الواو معه وهي نائبة عن العامل فقلت : هذا وزيد ، ورأيت وزيد ، ومررت بوزيد ، وكذلك إذا سميته بالمخفوض والمنصوب حكيته. وإن سميت رجلا زيد الطويل أو امرأة والطويل خبر لا نعت لقلت مررت بزيد الطويل ، وإن ناديت قلت : يا زيد الطويل وإن جعلت الطويل صفة صرفته بالإعراب فقلت يا زيدا الطويل. وإن سميته بطلحة وعمر لم تغيره ولم تصرفه وأعربته بما كنت تعربه به لو كان أحدهما معطوفا على الآخر ، فقلت رأيت طلحة وعمر ومررت بطلحة وعمر ولو سميت رجلا" أولاء" من قولك أولاء لأعربته ؛ لأنه لم يركب معه" ها" فقلت جاءني أولاء ورأيت أولاء ، ومررت بأولاء.

وإن سميته الذي مع صلته لم تغيره كرجل سميته" الذي رأيت" تقول : جاءني الذي رأيته ومررت بالذي رأيت. ولا يجوز أن تناديه من أجل الألف واللام. فإن قال قائل : فأنت لو سميته" الرجل منطلق" لقلت : يا الرجل منطلق فهلا قلت : يا الذي رأيت؟ قيل له" الذي رأيت" اسم واحد قد كان يستعمل قبل التسمية به اسما واحدا ولم يغير من حاله بالتسمية ، فلم يجز فيه ما كان يمتنع منه قبل التسمية من النداء و" الرجل منطلق" جملة تحكى على حد ما كانت قبل التسمية ، ولا يجزم منهما شيء ؛ لأنها بمنزلة تأبط شرّا ، والذي وصلته بمنزلة الضارب أبوه ولو سميته الرجل والرجلان ، لم يجز فيه النداء ؛ لأنك إنما سميته بالرجل وعطفت عليه" الرجلان" فلا يجوز أن تناديه ؛ لأنه بمنزلة الجملة. والمسمى بما فيه الألف واللام لا يجوز أن تجعله نعتا لاسمها في النداء لا تقول" يا أيها النضر" لرجل اسمه النضر ؛ لأنه قد صار علما ، وإنما تنعت أيها بالأسماء الأجناس أو صفاتها ، وكذلك إذا كان اسمه" الذي رأيت" لم يجز : يا أيها الذي رأيت.

هذا باب الإضافة وهو باب النسبة

قال سيبويه : اعلم أنك إذا أضفت رجلا إلى رجل فجعلته من آل ذلك الرجل ألحقت ياءي الإضافة ، وإن أضفته إلى بلد فجعلته من أهله ألحقته ياءي الإضافة ، وكذلك إن أضفت سائر الأسماء إلى سائر البلاد أو إلى حي أو قبيلة أو غير ذلك ، وياء الإضافة الأولى منهما ساكنة ولا يكون ما قبلهما إلا مكسورا وهما يغيران آخر الاسم ويخرجانه عن المنتهى ويقع الإعراب عليهما. فهذا أول تغيير منها للاسم ، كقولنا في النسبة إلى تميم تميميّ وإلى واسط واسطيّ.

وإذا كان في الاسم هاء التأنيث وجب حذفها كقولنا في النسبة إلى البصرة

٩٠

بصريّ وإلى مكة مكيّ وذلك لازم لا يجوز غيره. وإنما وجب حذف الهاء ؛ لأنّا لو بقيناها فقلنا بصرتيّ ومكتيّ في نسبة الرجل إليهما لوجب أن نقول : بصرتية ومكتية في نسبة المرأة ، فيجتمع في الاسم تأنيثان ، التاء الأولى للمنسوب إليها والثاني للمنسوبة ، وهذا لا يكون في اسم واحد ، وقد اعتل فيه بعض النحويين بعلة أخرى ، ذكر أن الهاء تشبه ياءي النسب ؛ لأنهم قالوا : زنجي للواحد وزنج للجميع تجعل بين الواحد والجميع ياءي النسبة ، كما قالوا : تمرة وتمر ، وشعيرة وشعير ، يجعلون بين الجمع والواحد الهاء ، فلما صارت الهاء كياءي النسبة ولا يجتمع في الاسم ياءان مشددتان للنسبة لم يجتمع هاء وياء ، ثم يلحق المنسوب إليه تغيير في غير الذي ذكرنا مما سنقف عليه إن شاء الله.

والتغيير الذي يلحق بعد ما ذكرناه على ضربين ؛ أحدهما لا يطرد قياسه ويأتي شاذا يسمع سماعا فيسلم للعرب ، والآخر يطرده.

قال سيبويه : وقد ذكر التغيير فمنه ما يجيء على غير قياس ومنه ما يعدل وهو القياس الجاري في كلامهم وستراه إن شاء الله.

قال أبو سعيد : وأما قوله : فمنه يعني من التغيير ما يجيء على غير قياس وهو الذي ذكرته لك ومنه يعني من التغيير ما يعدل. وهو القياس الجاري يعني ما يغير تغييرا يطرد فيه القياس.

وقال الخليل : " كل شيء من ذلك عدلته العرب تركته على ما عدلته عليه ، يعني من الأشياء الشاذة التي لا يطرد قياسها.

" وما جاء تماما لم تحدث فيه العرب شيئا فهو على القياس" يعني ما لم يغير المنسوب إليه عن حركات حروفه وهو أكثر النسبة كقولنا : بكري وعامري وما أشبه ذلك ، ثم ابتدأ فقال : " فمن المعدول الذي على غير قياس قولهم في هذيل هذلي وفى فقيم فقمي وفى مليح خزاعة ملحي وفي ثقيف ثقفي".

قال أبو سعيد : وقد جاءت أسماء كثيرة غير ذلك كقولهم في قريش قرشي وفي سليم سلمي وفى قريم قرمي وهو يكثر حتى يخرج عندي من الشذوذ.

قال سيبويه : " ومن الشاذ الذي على غير القياس قالوا في زبينة زباني وفى طيء

٩١

طائي وفى العالية علوي ، وفى البادية بدوي ، وفى البصرة بصري ، وفى السهل سهلي ، وفى الدهر دهري وفي حي من بني عدي يقال لهم بنو عبيدة عبدي فضموا العين وفتحوا الباء".

قال : " وحدثنا من نثق به أن بعضهم يقول في بني جذيمة جذمي فيضم الجيم ويجريه مجرى عبدي ، وقالوا في بني الحبلى من الأنصار حبلي ، وفى صنعاء صنعاني ، وفى شتاء شتوي وفى بهراء قبيلة من قضاعة بهراني ، وفى دستواء دستوائي مثل بحراني. وزعم الخليل أنهم بنوا البحر على فعلان وإنما كان القياس أن يقول بحري ، وقال في الأفق : أفقي.

ومن العرب من يقول أفقي وهو على القياس ، وقالوا في حروراء وجلولاء ، وهما موضعان حروري وجلولي ، كما قالوا في خراسان خرسي وخراساني أكثر وخراسي لغة.

وقد قال بعضهم : إبل حمضيّة إذا أكلت الحمض وحمضية أجود. وبعضهم يجعل النسبة في مثل هذا بغير حرف النسبة ويبني للمنسوب اسما للفاعل غير جار على فعل فيقول :

بعير حامض إذا كان يرعى الحمض" وعاضه" إذا كان يرعى العضاه ، كما نقول : رجل دارع وناشب ورامح إذا كان ذا درع ونشاب ورمح ، فيغني هذا أن نقول : درعيّ ونشابي ورمحي ، ومن الشاذ قولهم في النسبة إلى الخريف خرفى ، والخرفي أكثر في كلامهم بتسكين الراء من الخريفي ، والخرفي ، وقالوا إبل طلاحية. وقال بعضهم في النسبة إلى أميّة أمويّ ، فهذه الفتحة كالضمة في السهل حين قالوا : سهلي وقالوا : " روحاني" في الرّوحاء. ومنهم من يقول" روحاوي" كما قال بعضهم بهراوي. قال : وحدثني بذلك يونس" وروحاوي" أكثر من" بهراوي" وقالوا في القفاف : قفيّ وفى طهيّة طهوي وقال بعضهم طهوي على القياس.

كما قال الشاعر :

بكل قريشي إذا ما لقيته

سريع إلى داعي الندى والتكرّم (١)

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه : ٣ / ٣٣٧ ، وابن يعيش : ٦ / ١١ ، واللسان : (قرش).

٩٢

ومما جاء محدودا عن بنائه محذوفة منه إحدى الياءين ياءي الإضافة قولك في الشام : شآم ، وفى تهامة تهام ، ومن كسر التاء قال : تهامي وفى اليمن يمان. وزعم الخليل أنهم ألحقوا هذه الألفات عوضا من ذهاب إحدى الياءين ، وكأن الذين حذفوا الياء من ثقيف وأشباهه جعلوا الياءين عوضا منها ، فقلت أرأيت تهامة أليس فيها الألف فقال : إنهم كسروا الاسم على أن يجعلوه فعليّيا أو فعليا ، فلما كان من شأنهم أن يحذفوا إحدى الياءين ردوا الألف كأنهم بنوه تهمي أو تهمي فكأن الذين قالوا تهام هذا البناء كان عندهم في الأصل ، وفتحة التاء من تهامة حيث قالوا تهام تدلك على أنهم لم يدعوا الاسم على بنائه ، ومنهم من يقول تهامي ويماني وشامي فهذا كبحراني وأشباهه مما غيّر بناؤه في الإضافة.

وإن شئت قلت : يمنيّ ، وزعم أبو الخطاب أنه سمع من العرب من يقول في الإضافة إلى الملائكة والجن روحاني أضيفت إلى الروح ، والجميع روحانيون ، وزعم أبو عبيدة أن العرب تقوله لكل شيء فيه الروح من الناس والدواب والجن. وزعم أبو الخطاب أنه سمع من العرب من يقول : شامي ، وجميع هذه إذا صار اسما في غير هذا فأضفت إليه جرى على القياس كما يجري تحقير ليلة وإنسان ونحوهما إذا حولتهما فجعلتهما اسما علما. وإذا سميت رجلا زبينة لم تقل زباني أو دهرا لم تقل دهريّ ، ولن تقول في الإضافة إليه : زبنيّ ودهريّ.

قال أبو سعيد : أنا أعيد ما ذكره سيبويه فإذا ما أمللته وأذكر فيه ما يمكن من الأشياء الداعية إلى الشذوذ والخروج عن القياس في ذلك بعون الله ومشيئته. أما ما ذكره من النسبة إلى هذيل هذلي فهذا الباب عندي لكثرته كالخارج من الشذوذ.

وذلك خاصة في العرب الذين بتهامة : وما يقرب منها ؛ لأنهم قد قالوا قرشي وهذلي وفى فقيم كنانة فقمي ، وفى مليح خزاعة ملحي ، وفى سليم سلمي ، وفى خثيم وقريم وخريب وهم من هذيل قرمي وخثمي وخربي ، وهؤلاء كلهم متجاورون بتهامة وما يدانيها. والعلة في حذف الياء أنه يجتمع ثلاث ياءات وكسرة إذا قالوا قريشي فعدلوا إلى الحذف لذلك ، وكذلك الكلام في ثقفي ، وإنما قال فقيم كنانة ؛ لأن في بنى تميم فقيم بن جرير بن دارم والنسبة إليه فقيمي. وإنما قال : مليح خزاعة ؛ لأن في العرب مليح بن الهون بن خزيمة وفي السّكون مليح بن عمرو بن ربيعة. وينبغي أن تكون النسبة إليها

٩٣

مليحي. وهذا الشذوذ يجيء على ضروب منها : العدول من ثقيل إلى ما هو أخف منه ، ومنها الفرق بين نسبتين إلى لفظ واحد ، ومنها التشبيه بشيء في معناه ، فإنما قولهم زباني في زبينة فكان القياس فيه زبني بحذف الياء ، غير أنهم كرهوا حذفها لتوفية الكلمة حروفها ، وكرهوا الاستثقال أيضا ، فأبدلوا من الياء ألفا ، وأما النسبة إلى طيء فكان القياس فيه طييّء كما ينسب إلى ميّت ميتى وإلى هيّن هيني ، وكرهوا اجتماع ثلاث ياءات بينهما همزة ، والهمزة من مخرج الألف وهي تناسب الياء وهي مع ذلك مكسورة فقلبوا الياء ألفا ويجوز أن يكون نسبوا إلى ما اشتق منه.

ذكر بعض النحويين أن طيئا مشتق من الطاءة والطاءة بعد الذهاب في الأرض وفي المرعى ، ونجد أن الحجاج قال لصاحب خيله : ابغني فرسا بعيد الطاءة ، وفى بعض الأخبار : فكيف بكم إذا انطاءت الأسعار ، أي غلت وبعدت على المشتري.

وأما قولهم في العالية علوي ، فإنما نسبوا إلى العلو ؛ لأنه في معنى العالية ، والعالية بقرب المدينة مواضع مرتفعة على غيرها ، والعلو المكان العالي ، ويجوز أن يكون أراد الفرق بين النسبة إليها والنسبة إلى امرأة تسمى بالعالية ، وإذا نسبت إلى العالية على القياس قيل عليّ أو عالويّ. وأما قولهم في البادية بدوي فنسبوا إلى بدا وهو مصدر أو الفعل الماضي من بدا يبد ، وإذا أتى البادية وفيها ماء يقال له بدا. قال الشاعر :

وأنت التي حببت شغبا إلى بدا

إليّ وأوطانى بلاد سواها (١)

والنسبة إليها على القياس باديّ أو بادويّ.

وقالوا في البصرة بصري والقياس بصري ، فأما كسر الباء فمن الناس من يقول : نسبوه إلى" بصر" وهي حجارة بنص تكون في الموضع الذي سمي بالبصرة ، وإنما نسبوا إلى ما فيها.

قال الشاعر :

إن تك جلمود بصر لا أؤيسه

أوقد عليه فأحميه فينصدع (٢)

__________________

(١) البيت لكثير في اللسان : (بدا) ، والخزانة : ٩ / ٤٦٢ ، والمغني : ١٦٢ ، والهمع : ٢ / ١٣١ ، وشرح الكافية للرضي : ٢ / ٣٢٤.

(٢) لعباس بن مرداس في اللسان (بسر).

٩٤

وبعض النحويين قال : كسروا الباء اتباعا لكسرة الراء ؛ لأن الحاجز بينهما ساكن وهو غير حصين. كما قالوا : منخر فكسروا الميم لكسرة الخاء. وقولهم في السّهل : سهليّ وفى الدّهر : " دهري" قال فيه بعض النحويين غير للفرق ؛ وذلك أن الدّهري هو الرجل الذي يقول بالدهر من أهل الإلحاد والدّهريّ هو الرجل المسن الذي أتت عليه الدهور ، والسّهلي هو المنسوب إلى السهل الذي هو خلاف الجبل ، " والسّهلي" هو الرجل المنسوب إلى سهل اسم رجل ، وحي من بني عدي يقال لهم بنو عبيدة ينسب إليهم" عبديّ" كأنهم أرادوا الفرق بينهم وبين" عبيدة" من قوم أخر ، وكذلك بنو الحبلي من الأنصار ومن ولده عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين يقال في التسمية إليه" حبلي" للفرق بينه وبين آخر. ويقال : إنما قيل له الحبلي لعظم بطنه. وليس اسمه الحبلي.

وقالوا في جذيمة جذمي ؛ لأن في العرب جماعة اسمهم جذيمة ، وفي قريش جذيمة بن مالك بن عامر بن لوءي ، وفى خزاعة جذيمة وهو المصطلق ، وفى الأزد جذيمة بن زهران بن الحجر بن عمران. وأما قولهم في صنعاء صنعاني ، وفي بهراء بهراني وفى دستواء دستواني فلأن الألف والنون تجري مجرى ألفي التأنيث. وقالوا في شتاء شتوي ، كأنهم نسبوا إلى شتوة كقولنا صحفة وصحاف. وإذا نسبت إلى جمع فحقه أن ينسب إلى واحده فينسب إلى شتوة لذلك وهو قياس مطرد ، وأما النسبة إلى البحرين بحراني فالقياس أن تحذف علامة التثنية في النسبة ، كما تحذف هاء التأنيث غير أنهم كرهوا اللبس ، ففرقوا بين النسبة إلى البحر وإلى البحرين ، وبنوا البحرين لما سموا به على مثل سعدان وسكران ونسبوا إليه على ذلك.

وقولهم في النسبة إلى الأفق أفقي فلأن فعلا وفعلا يجتمعان كثيرا كقولهم عجم وعجم وعرب وعرب ، ومن قال أفقي بضم الهمزة وتسكين الفاء فهو على القياس ؛ لأن فعلا يجوز أن يسكن ثانيه قياسا مطردا ، وأما حروراء وجلولاء ، فكان القياس حروراري وجلولاوي ، كما يقال حمراوي غير أنهم أسقطوا ألفي التأنيث لطول الاسم ، وشبهوها بهاء التأنيث ، والذي قال في خراسان : خراسي ، شبه الألف والنون بهاء التأنيث أيضا.

والذي يقول خرسي أسقط الزوائد ، وبناه على فعل ؛ لأن أخف الأبنية فعل ، ولم يغيروا الضمة من خراسان وخمضيّة بفتح الميم ، حكي عن أبى العباس المبرد أنه يقال حمض وحمض ، فإن صح هذا فليس بشاذ.

٩٥

وقولهم خرفي في الإضافة إلى الخريف ، فالشذوذ فيه كالشذوذ في ثقفي في الإضافة إلى ثقيف ، والخرفيّ بفتح الخاء وتسكين الراء أكثر ، أضافوه إلى المصدر وهو الخرف ، والمصادر قد تستعمل في معنى أسماء الفاعلين كقولهم رجل عدل وماء غور ، في معنى عادل وغائر ، وقولهم إبل طلاحية إذا أكلت الطلح ، فرقوا بينها وبين من ينسب إلى طلحة ، كما فرقوا في قولهم : رجل رقباني وجمّاني بين الغليظ الرقبة والذي له جمّة طويلة ، وبين من ينسب إلى رجل له رقبة وجمّة.

قال أبو سعيد : وغير سيبويه حكى إبل طلاحية بكسر الطاء وأنشد :

كيف ترى وقع طلاحيّاتها (١)

بالغضويات على علّاتها

وأما عضاهيّ فله وجهان : أحدهما شاذ والآخر مطرد ، فأما المطرد فعلى لغة من يقول : عضاهة للواحد وعضاه للجمع كقتادة وقتاد فهذا بمنزله الواحد فتكون النسبة إليه على هذا في القياس. وأما الشاذ ، فأن يكون جمعا واحده عضة وقد سقطت منه لام الفعل وهى هاء فإذا جمع قيل عضاه ، كما يقال في شفة شفاه بمنزلة المياه ، فالقياس أن يضاف إلى الواحد من هذا لا إلى الجمع المكسر فنسبتهم إليه" عضاهيّ" على هذا شاذ.

وأما من جمع العضة عضوات وجعل الساقط واوا هي لام الفعل فإنه يقول عضويّ.

ومن العرب من يقول في أميّه أمويّ كأنه رد إلى التكبير ؛ لأن أميّة تصغير أمة. والنسبة إلى أمة أموي فطلب الخفة.

وقالوا : روحاني في النسبة إلى روحاء والقياس روحاوي ، ومن العرب من يقول روحاوي كما يقول بهزاوي. وأما بالنسبة إلى القفاف" قفي" فهي القياس وليس بشاذ ؛ لأن القفاف جمع قفّ ، وإنما ينسب إلى الواحد وإن كان" القفاف" اسم رجل أو اسم بقعة بعينها ثم نسب إليها" قفيّ" فهو شاذ. ولعل سيبويه أراد هذا. وذكر سيبويه في" طهيّة" طهوي على الشذوذ وطهوي ، وزاد غيره طهوي بفتح الطاء وتسكين الهاء وهو شاذ أيضا.

وأما قولهم شام ويمان وتهام ، فالأصل فيه شامي وتهمي ويمني ، ثم أسقطوا إحدى

__________________

(١) البيتان من مشطور الرجز ، اللسان : (فضا).

٩٦

ياءي النسبة وعوضوا مكانها ألفا قبل آخر المنسوب إليه. وأما تهام فاسم البقعة المعروفة تهامة والنسبة إليها تهاميّ ، ومن قال : تهام قدر أن الألف في تهامة تحذف وتفتح التاء فيبنى الاسم على تهم أو تهم ثم ينسب إليه كما ينسب إلى يمن وشام وتخفف ياء النسبة وتزاد ألف عوضا منها كما فعل بشام ويمان.

قال : ومن العرب من يقول : " تهاميّ ويماني وشاميّ" فأما تهامي فهو منسوب إلى تهامة المعروفة وأما يماني وشامي فهو منسوب إلى المنسوب المخفف كأنهم لما قالوا شام ويمان صار ذلك اسما لكل مكان نسب إلى الشام واليمن ، فصار اسم المكان يمان وشام كما قالوا : مدار وعذار ، فلو كان مدار وعذار اسم رجل ثم نسب إليه لقيل مداري وعذاري. وأما النسبة إلى الملائكة والجن روحاني فهو نسبة إلى الروح كما نسب إلي جمّة جمّاني.

وإنما قيل لهم الروح للطافة أجسامهم وخفائهم علي الرائين ، وجميع ما ذكره سيبويه علي أنه شاذ إذا زال عن موضع الشذوذ في النسبة رجع إلى القياس كرجل سمي بدهر أو زبينة إذا نسبت إليه قلت زبني ودهري بفتح الدال ، لا يجوز غير ذلك ، كما لو حقرت ليلة أو إنسان اسم رجل لم يجز فيه غير لييلة وأنيسان وزال عن الشذوذ.

هذا باب ما حذف الياء والواو فيه القياس

قال سيبويه : " وذلك قولك : ربعي في ربيعة ، وفي حنيفة حنفي ، وفي جهينة جهني"

فهذا وما جرى مجراه ، مما هو علي فعيلة أو فعيلة ، القياس فيه عند سيبويه حذف الياء من فعيلة وفعيلة ، وفتح العين من فعيلة بعد حذف الياء ، والحجة في ذلك أن هذه الياء قد تحذفها العرب من فعيل وفعيل كقولهم ثقفي وسلمي ، وليس في الاسم إلا تغيير حركة آخره بدخول ياء النسبة. وتغييره أنّا نلزم آخره الكسرة وهو الفاء من ثقيف ، والميم من سليم ، فإذا فعلنا ذلك اجتمع ياء النسبة ، والكسرة التي قبلها اللازمة ، وياء فعيل وفعيل كل ذلك جنس واحد ، فحذفوا الياء التي في فعيل وفعيل استثقالا ، وإن كان القياس عند سيبويه إثباتها فيقال قريشي وسليمي. فإذا كان الاسم في آخره هاء التأنيث وجب حذفها ثم لزم الكسرة للحذف الذي قبل ياء النسبة ، فصار ما فيه الهاء يلزمه تغيير حركة ، وحذف حرف ، فكان ذلك داعيا إلى لزوم حذف الياء ؛ لأن الكلمة كلما زاد التغيير بها كان

٩٧

الحذف لها ألزم فيما يستثقل منها وإن ساواها في الاستثقال غيرها مما لا يلزم فيه تغيير كتغييرها ، وجعل سيبويه" فعولة" في التغيير بمنزلة فعيلة. فأسقط الواو كما أسقط الياء ، وفتح عين الفعل المضمومة ، وذهب في ذلك إلى أن العرب قالت في النسبة إلى شنؤة شنئي وتقديره شنؤعة وشنعي. وكان أبو العباس المبرد يرد القياس علي هذا ويقول : شنئي من شاذ النسبة الذي لا يقاس عليه ، واحتج في ذلك بأشياء يفرق بها بين الواو والياء ، فمن ذلك أنه لا خلاف بينهم أنك تنسب إلى عدي عدوي وإلى عدو عدوي ففصلوا بين الواو والياء ولم يغيروا الواو.

ومن ذلك أنهم يقولون في النسبة إلى سمر وسمرة سمري ، وإلى نمر نمري ، فغيروا في نمر من أجل الكسرة ولم يغيروا في سمر ؛ لأنهم إنما استثقلوا اجتماع الياءات والكسرات فلما خالفت الضمة الكسرة في نمر وسمر ، والياء الواو في عدي وعدوي وجب أن تخالف الياء في فعيلة الواو في فعولة وقد شذ في هذا الباب ما جاء على الأصل.

ذكر سيبويه أنهم قالوا في سليمة : سليمي ، وفي عميرة كلب عميري ، وقالوا سليقي للرجل يكون من أهلي السليقة وهو الذي يتكلم بأصل طبعه ولغته ويقرأ القرآن كذلك ، وأظنه من الأعراب الذين لا يقرءون على سنة ما تقرؤه القراء ، ويقرأ على طبع لغته. وقد جاء أيضا رماح ردينية وهي منسوبة إلي ردينة.

وإذا كان فعيلة أو فعيل أو فعيل عين الفعل فيه ولامه من جنس واحد ، أو كان عين الفعل واوا لم يحذفوا كقولك في النسب إلى شديدة أو جليلة شديدي وجليلي ، وإلى بني طويلة طويلي ؛ لأنك لو حذفت الياء لوجب أن تقول شددي فيجتمع حرفان من جنس واحد. وذلك يستثقل ، ولو قلت طولي لصارت الواو على لفظ ما يوجب قلبها ألفا. فكان يلزم أن يقال طالي. وقد قالت العرب في بني حويزة حويزي وهم من تيم الرّباب قبيلة مشهورة.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان على أربعة أحرف فصاعدا

إذا كان آخره ياء قبلها حرف منكسر

قال أبو سعيد : اعلم أن كل اسم على أربعة أحرف آخرها ياء مكسور ما قبلها ، إذا نسبت إليه ، فالقياس فيه والأكثر حذف الياء ؛ لأنّا لو تركناها ولم نحذفها وجب كسرها لدخول ياء النسبة فكان يلزم في النسبة إلى قاض قاضييّ وإلى بني ناجية ناجييّ

٩٨

فتكسر ياء قبلها كسرة فأوجب تسكينها فاجتمع ساكنان الياء التي من نفس الحرف والياء الأولى من ياء النسبة ، فيقال في رجل من بنى ناجية ناجيّ وفى أدل أدليّ وفى صحار صحاريّ وفى رجل اسمه يمان يمانيّ ، حذفت الياء الأولى التي كانت في يمان للنسبة وجئت بياء مشددة للنسبة ، وكذلك لو نسبت إلى منسوب فيه ياء مشددة لحذفت الياء المشددة وأحدثت ياءين للنسبة وحذفت الأولين كرجل اسمه يمنيّ وهجريّ تقول : يمنيّ وهجريّ على ذلك اللفظ بعد أن تقدر حذف الأولى وإحداث ياء غيرها.

وكذلك لو نسبت إلى شيء في آخره ياء مشددة زائدة وإن لم تعرف إلى أي شيء نسب ، كرجل نسبته إلى كرسي وإلى برنيّ.

تقول : هذا كرسي وبرني. وإن جمعت بختيّة قلت بخاتيّ غير مصروف ؛ لأنه تكسير بختي ، فإن سميت رجلا به وهو غير مصروف ثم نسبت إليه وجب أن تقول بخاتيّ مصروفا ؛ لأنك قدرت حذف الياء الأولى ودخول ياء أخرى للنسبة فصار بمنزلة جمي لا ينصرف فإذا نسب إليه انصرف ، قولا في مدائن مدائنيّ ، وفي معافر معافريّ وتقول في رجل اسمه يرمي يرميّ على قياس ما ذكرناه ، وقد أجازوا فيما كان على أربعة أحرف وثانيه ساكن وثالثه مكسور أن يفتحوا ثالثة وشبهوا المكسور منه بالمكسور من نمر وشقر وما أشبه ذلك ، كأنهم لم يحفلوا بالحرف الساكن فقالوا في يثرب يثربيّ. ومن تغلب تغلبيّ ، كأنهم نسبوا إلى يثرب ، وتغلب ولم يحفلوا بالثاء والغين ، لسكونهما ففتحوا المكسور من أجل ذلك ، وليس ذلك بالقياس عند الخليل وسيبويه ، فمن قال في يثرب يثربيّ قال فيما كان على أربعة أحرف وثانيه ساكن وآخره ياء قبلها كسره مثل ذلك. ففتح الكسرة وقلب الياء ألفا فقال في يرمي يرموي ، كأنه صيره يرما وجعله كالنسبة إلى عم عمويّ.

قال سيبويه : وإذا أضفت إلى عرقوة قلت عرقيّ وذلك أنك تحذف الهاء فتبقي الواو طرفا وقبلها ضمة فتقلبها ياء فتصير بمنزلة يرمي وقاضي فتقول عرقي.

ويجوز أن تنسب إليه عرقوي وتقول العرب ولم يذكره سيبويه في الجلد الذي يدبغ بالقرنوة وهو نبت يدبغ به قرنويّ ، وأنشد سيبويه قول الشاعر :

وكيف لنا بالشّرب إن لم يكن لنا

دوّايق عند الحانوي ولا نقد (١)

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه في الكتاب : ٣ / ٣٤١ ، وابن يعيش : ٥ / ١٥١ ، والأعلم : ٢ / ٧١.

٩٩

والوجه الحاني كما قال علقمة بن عبدة :

كأس عزيز من الأعناب عتّقها

لبعض أربابها حانيّة حوم (١)

وذكر بعض أصحابنا أن الموضع الذي يباع فيه الخمر يقال له حانية مثل ناحية ، وأنه نسب إليه على مثل التسمية إلى يرمي يرموي ، والمعروف في اسم الموضع الذي تباع فيه الخمر أن يقال له حانة. قال الأخطل :

وخمرة من جبال الروم جاء بها

ذو حانة تاجر أعظم به حانا (٢)

فجعل الموضع حانة والخمار حانا. ولعل الذي قال الحانوي جعل البقعة حانية ؛ لأنها تعطف على الشّراب باللطف واللذة ، كما يقال امرأة حانية على ولدها ، وصيرها كالأم الحانية على ولدها لاجتماعهم فيها على لذاتهم. وقال الخليل : " الذين قالوا في تغلب تغلبيّ غيّروا كما قالوا سهلي وبصري ، ولو كان ذا لازما لقالوا في يشكر يشكري وفى جلهم جلهميّ ، وقال أبو العباس المبرد : هذا لا يلزم ؛ لأن الضمة لا تشبه الكسرة. وقد مضى الكلام في نحو هذا فاعرفه إن شاء الله تعالى.

هذا باب الإضافة إلى كل شيء كان من بنات الياء أو الواو

قال أبو سعيد : اعلم أن كل ما كان على ثلاثة أحرف وثالثه ألفا مما أوله مفتوح أو مضموم أو مكسور فالنسبة إليه تقلب الألف واوا ، وإن كانت منقلبة من ياء كقولك في النسبة إلى رجا رجويّ ، وإلى فتى فتويّ ، وإلى حصا حصويّ ، وإلى هدى هدوي ، وإلى معى معوي. ولم يجعلوه ياء فيقولون حصييّ ورحييّ لاجتماع ثلاث ياءات مع الكسرة. قال سيبويه : كرهوا توالى الياءات والحركات وكسرتها فيصير قريبا من أميّيّ.

قال أبو سعيد : وأميي وإن كان مكروها فإن بعض العرب يقول في النسبة إليه أمييّ ويحتمل الثقل ، وأما رحيي فلا يقوله أحد ، والفصل بينهما أنّ مثل أميّ وجريّ قد يستعمل قبل النسبة ، فأما رحيّ فغير مستعمل ؛ لأنه يلزم قلبها ألفا فكرهوا أن يحتملوا الثقل في لفظ غير مستعمل في الواحد ، وأما رحوي وحصوي وما أشبه ذلك وإن لم يستعمل حصو قبل النسبة فإن الثقل في الواو وياء النسبة أقل من الياءات.

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه : ٣ / ٣٤١ ، ٢ / ٧٢ ، المحتسب : ١ / ١٣٤

(٢) انظر ابن يعيش : ٥ / ١٥٣.

١٠٠