شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

هذا باب تحقير المؤنث

اعلم أن ما كان على ثلاثة أحرف من المؤنث إذا صغرته زدت فيه هاء إلا أحرفا شذت ، وذلك قولك في (قدم) : (قديمة) وفي (يد) : (يديّة) وفي (فهر) : (فهيرة) وفي (رجل) : (رجيلة) وهو أكثر من أن يحصى ، وإذا صغروا المؤنث ما كان على أكثر من ثلاثة أحرف مما ليس فيه هاء التأنيث لم يدخلوا الهاء كقولك في تصغير (عناق) : (عنيّق) وفي (عقاب) : (عقيّب) وفي (عقرب) : (عقيرب) ، وإنما أدخلوا الهاء في المؤنث إذا كان على ثلاثة أحرف ؛ لأن أصل التأنيث أن يكون بعلامة ، وقد يرد التصغير الشيء إلى أصله ، فزادوا فيه ـ لما صغروه ـ الهاء وردوها للتصغير ولم يفعلوا ذلك في بنات الأربعة ؛ لأنها أثقل فصار الحرف الرابع منها كهاء التأنيث فيصير (عنيّق) و (عقيرب) بغير هاء ك (عدّة) (قديمة) و (رجيلة) بالهاء فاجتمع للثلاثة الخفة ، وأن أصل التأنيث بالعلامة وإن كان في الرباعي المؤنث ما يوجب التصغير حذف حرف منه ، حتى يصير على لفظ الثلاثي وجب رد الهاء كقولك في تصغير (سماء) : (سميّة) لأنه كان الأصل (سميّي) بثلاث ياءات فحذفت واحدة منها ، كما قالوا في تصغير (عطاء) : (عطيّ) بحذف ياء ، فلما صار ثلاثي الحروف زادوا الهاء ، وكذلك لو صغرنا (عقابا) ، و (عناقا) و (سعادا) اسم امرأة و (زينب) على ترخيم التصغير فحذفنا الزائد من (سعاد) وهو الألف ومن (زينب) وهو الياء وقلنا (سعيدة) و (زنيبة) ولو حقرت (امرأة) اسمها (سقّا) قلت : (سقيق) ولم تدخل الهاء ؛ لأنه لم يرجع في التصغير إلى مثل عدة ما كان على ثلاثة أحرف ، وقالوا في تصغير (حبارى) ثلاثة أقوال ، منهم من حذف التأنيث فقال : (حبيّر) ، لأنه يبقي (حبار) مثل (عقاب) وتصغيره (حبيّر) مثل (عقيّب).

ومنهم من حذف الألف الثالثة فيبقى (حبرى) مثل (حبلى) تقول : (حبيرى) مثل (حبيلى).

ومنهم من إذا حذف علامة التأنيث وصغر عوض ها التأنيث من ألف التأنيث فيقول : (حبيّرة).

ولا يقولون : (عنيّقة) لأنه لم يكن في (عناق) و (عقاب) علامة التأنيث فإن قال قائل : فلم كانت الهاء تثبت في التصغير ولا يعتد بها والألف المقصورة يعتد بها فيحذفونها من ذوات الخمسة فقد تقدم الجواب عن هذا.

وألف التأنيث المقصورة كحرف من حروف الاسم ألا ترى أنها قد تعود في الجمع كقولك : (حبلى) و (حبالى) و (سكرى) و (سكارى) ، فمن أجل ذلك لم يقل : (حبيّرا) إذ كانوا لا يصغرون ما كان على خمسة أحرف من مثل هذا البناء إلا بحذف فمن قال في

٢٢١

(حبارى) : (حبيّرة) فعوض هاء من الألف قال في (لغّيزى) : (لغيغزة) لأن الهاء قد تلحق مثل هذا البناء في التصغير ، ألا ترى أنا لو صغرنا (كرباسة) و (هلباجة) لقلنا : (كريبسة) ، و (هليبجة).

واعلم أن المؤنث قد يوصف بصفة المذكر فإذا صغرت الصفة جرى مجرى المذكر في التصغير : وإن كانت صبغة للمؤنث ، كقولك : (هذه امرأة رضي) و (عدل) و (ناقة ضامر) تقول في تصغير (رضي) : هذه امرأة (رضيّ) وهذه امرأة (عديل) وهذه ناقة (ضويمر).

وإن صغرتها تصغير الترخيم قلت : هذه ناقة (ضمير) ولم تقل (ضميرة).

وقد حكى الخليل ما يصدق ذلك من قول العرب ، قالت في (الخلق) (خليق) وإن عنوا المؤنث قالوا : (ملحفة خليق) كما يقولون : هذا (خلق) ، و (خلق) مذكر يوصف به المذكر والمؤنث.

وقد شذت أسماء ثلاثية فصغروها بغيرها منها ثلاثة أسماء ذكرها سيبويه وهي : النّاب المسنة من الإبل يقال في تصغيرها : (نبيب) وفي الحرب (حريب) وفي فرس : (فريس) وهي تقع على المؤنث والمذكر.

فأما النّاب من الإبل فإنما قالوا لها : (نييب) لأن النّاب من الأسنان مذكر والسنة من الإبل إنما يقال لها : (ناب) لطول نابها. فكأنهم جعلوها الناب من الأسنان أي هو أعظم ما فيها كما يقال للمرأة : أنت (بطين) إذا كبر بطنها وتقول للرجل : أنت (عين) القوم والعين مؤنث فقد خبّر عن المذكر بالمؤنث وعن المؤنث بالمذكر.

وأما (الحرب) فهو مصدر جعل نعتا مثل (العدل) وكان الأصل هذه مقاتلة (حرب) أي حاربة تحرب المال والنفس كما تقول : (عدل) على معنى (عادلة) ، وأجريت مجرى الاسم وأسقطوا المنعوت كما قالوا : (الأبطح) ، و (الأبرق) و (الأجدل).

وأما (الفرس) فهو في الأصل اسم مذكر يقع للذكر والأنثى كما وقع إنسان للرجل والمرأة فصغر على التذكير الذي له في الأصل.

وما كان من صفات المؤنث بغير هاء فهو يجري هذا المجرى كقولنا : امرأة (حائض) و (طامث) و (عازب) و (مرض) ، و (وجل).

ولو صغرنا شيئا من ذلك تصغير الترخيم لقلنا : (حييض) و (طميث) ونحو ذلك ، وقد ذكر غير سيبويه من الأسماء الثلاثية ـ وهو أبو عمر الجزمي ـ : درع الحديد و (العرس) و (القوس) : إنها تصغر بغير هاء وهي أسماء مؤنثات.

٢٢٢

قال الشاعر :

إنّا وجدنا عرس الحنّاط

لئيمة مذمومة الحوّاط (١)

والمذهب فيهن كالمذهب فيما ذكرنا من المصدر ، فإن قال قائل : أنت إذا سميت امرأة ب (حجر) أو (جبل) أو (جمل) أو ما أشبه ذلك من المذكر ثم صغرته أدخلت الهاء فقلت : (حجيرة) و (جبيلة) فهلا فعلت ذلك بالنعوت؟

قيل له : الأسماء لا يراد بها حقائق الأشياء فيما يسمى بها ، والصفات والأخبار يراد بها حقائق الأشياء ، والتشبيه بحقائق الأشياء ، ألا ترى أنا إذا سمينا امرأة ب (حجر) أو رجلا سميناه ب (حجر) ، فليس الغرض أن نجعله (حجرا) ، وإنما أردنا إبانته كما سميناه ب (إبراهيم) ، و (إسماعيل) ، و (نوح) وما أشبه ذلك.

وإذا وصفناه به أو أخبرنا به عنه ، فإنما نريد الشيء بعينه ، أو نريد التشبيه ، فصار كأن المذكر لم يزل. ألا ترى أنّا إذا قلنا : مررت بامرأة (عدل) ففيها عدالة فإذا قلنا للمرأة : ما أنت إلّا (رجل) فإنما نريد مثل (رجل) وكذلك نقول : أنت (حجر) إذا لم يكن اسما لها تريد مثل حجر في الصلابة والشدة.

وإن سميت رجلا باسم مؤنث على ثلاثة أحرف وليس في آخره هاء التأنيث ، ثم صغرته لم تلحق الهاء كرجل سميته ب (أذن) أو (عين) أو (رجل) ثم صغرته تقول : (أذين) و (عيين) و (رجيل) هذا قول سيبويه وعامة النحويين البصريين. ويونس يدخل الهاء ويحتج ب (أذينة) اسم رجل ، وهذا عند النحويين إنما سمي بالمصغر وكذلك (عيينة) كأنهم سموه باسم مصغر ولم يسموه باسم مكبر ثم يصغر.

ولو سميت امرأة باسم ثلاثي مما ذكرنا أنه لا يدخل في تصغير الهاء ك (حرب) و (ناب) ثم صغرته لأدخلت فيه الهاء فقلت : (حريبة) و (نبيبة) لأنه قد صار اسما لها ك (حجر) إذا صغرته قلت : (حجيرة).

وقد جاء من المؤنث ما هو على أكثر من ثلاثة أحرف ، وقد ألحقت الهاء به في التصغير كقولك : (زيد قديديمة عمرو ووريّئة) وهو تصغير (قدّام) و (وراء).

وإنما لحقتها الهاء وهي أكثر من ثلاثة أحرف لأن قدّاما و (وراء) لا يخبر عنهما بفعل يتبين تأنيثهما فيه لأنهما ظرفان ك (خلف).

__________________

(١) البيتان من الرجز المشطور ، وقائلهما دكين في المخصص ١٧ / ٩٢ ، وشرح الشافية ١ / ٢٤٢.

٢٢٣

وإنما يتبين تأنيث المؤنث الذي لا علامة فيه بما يخبر عنه من الفعل كقولك : (لسبته العقرب) وهذه (العقرب) و (العقرب رأيتها) وما أشبه ذلك من الضمائر التي تدل على المؤنث ، فلما لم يخبر عن قدّام و" وراء" بما يدل ضميرهما عليه من التأنيث جعلوا علامة التأنيث في التصغير.

هذا باب ما يحقر على غير بناء مكبره والمستعمل في الكلام

قال سيبويه : فمن ذلك قول العرب في (مغرب) الشمس : (مغيربان) الشمس ، وفي (العشيّ) : أتيتك (عشيّانا) وسمعنا من العرب من يقول في (عشيّة) : (عشيشية) كأنهم حقروا (مغربان) و (عشيان) و (عشّاة) لأن (عشيّان) تصغير (عشيان) كما تقول (سعدان) و (سعيدان) و (عشيشية) تصغير (عشّاة) لأن فيها شينين تفصل بينهما ياء التصغير.

وقال : وسألت الخليل عن قولك : أتيتك (أصيلالا) فقال : إنما هو (أصيلان) وتصديق ذلك قول العرب : أتيتك (أصيلانا) ، وسألته عن قول (بعض) العرب : آتيك (عشيّانات) و (مغيربانات) فقال : جعل ذلك الحين أجزاء ؛ لأنه حين كلّما تصوبت فيه الشمس ذهب منه جزء فقال : (عشيّانات) كأنهم سموا كل جزء" عشيّة"

قال أبو سعيد : هذا الباب من نوادر التصغير وشواذه ، وشذوذه من غير وجه فمنه ما هو على غير حروف مكبرة ، ومنه ما يصغر على لفظ الجمع ومكبره واحد. ومنه ما يصغر على جمع لا يصغر على ذلك الجمع مثله.

ومن طريف هذا الباب أن جميع ما وقع فيه هذا الشذوذ من أسماء (العشايا) فقط فأما تغيير البناء فقال فيه بعض النحويين أنه لما خالف معنى التصغير فيه معنى التصغير في غيره من الأيام خولف بلفظه كما فعل ذلك في ياء النسبة ، ومخالفة معناه لغيره أن تصغير اليوم فيما ذكرنا يقع لأحد أمرين :

إذا قلنا : (يويم) وإذا قلنا : (عويم) أو (سويعة) لتصغير (عام) أو (ساعة) أو (سنيّة) لتصغير (سنة) إنما هو أن تريد ب (يويم) قصيره أو قلة الانتفاع فيه ، وقد ذكرنا هذا في ما مضى مشروحا وقولهم : (مغيربان) الشمس إنما تصغيره للدلالة على قرب باقي النهار من الليل.

كما أنك لو نسبت إلى رجل اسمه (جمّة) أو (لحية) أو (رقبة) لقلت : (جمّيّ) و (لحّييّ) و (رقبيّ) ، فإن كان رجل طويل (الجمّة أو اللّحية) أو (غليظ) الرّقبة وأردت

٢٢٤

العبارة عن ذلك بلفظ النسبة قلت : (جمّانيّ) و (لحيانيّ) و (رقبانيّ) ففصلوا بين لفظي النسبة لاختلاف المعنيين وكذلك في التصغير وأما جميع ذلك فكما ذكره سيبويه من جعلهم إياه أجزاء كأنهم جعلوا كل جزء منه (عشيّة) إذا كان أجزاؤها تتقضى أولا فأولا ، فيكون الباقي منها على غير حكم الأول ، ثم يشبه ذلك بأشياء مما جمع فيه الواحد كقولهم : (فّلان شابت مفارقه) وإنما له (مفرق) واحد.

وكما قالوا : (جمل ذو عثانين) كأنه جعل كل جزء (عثنونا) فجمعه وأنشدوا قول جرير :

قال العواذل ما لجهلك بعد ما

شاب المفارق واكتسين قتيرا (١)

وأما قولهم : (أصيلال) ففيه شذوذ من ثلاثة أوجه أحدها أنه أبدل اللام من النون في (أصيلان) و" أصيلان" تصغير (أصلان) و (أصلان) جمع (أصيل). كما تقول : (رغيف) و (رغفان) و (قفيز) و (قفزان) و (فعلان) من أبنية الجمع الكثير الذي لا يصغر لفظه وإنما يرده إلى واحده ، ألا ترى أنا لو صغرنا (سودانا) و (حمرانا) و (قضبانا) لو يجز أن تقول : (قضيبان) فنرده إلى واحده وهو (قضيب) ، فتصغره (قضيّب) ثم تدخل عليه الألف والتاء للجمع ، وكان حق (أصيل) إذا صغر أن يقال : (أصيّل) على لفظ الواحد فصار فيه من الشذوذ ثقل لفظ الواحد إلى الجمع وتصغير الجمع الذي لا يصغر مثله وإبدال اللام.

ثم ذكر سيبويه (غدوة) و (سحر) و (ضحى) وتصغيرهن على ما يوجبه القياس ليريك أنهن من غير باب (مغيربان) و (عشيّان) فقال : " تحقيرها (غديّة) و (سحير) و (ضحيّا).

وأنشد قول النابغة الجعدي :

كأنّ الغبار الّذي غادرت

ضحيّا دواخن من تنضب (٢)

وبيّن أن تصغير هذه (الأحيان) و (الساعات) ليست تريد بها تحقيرها في نفسها وإنما تريد أن تقرب (حينا) من (حين) وتقلل الذي بينهما كما فعلت ذلك في الأماكن حين قلت : (دوين ذلك) و (فويق ذلك) وقد مضى هذا. ومضى الكلام في (قبيل) و (بعيد) ونحو ذلك.

__________________

(١) البيت في ديوانه ٢٧٩ ، ومعجم الشواهد ١٤٥ ، والمقتضب ٣ / ٢٨٤.

(٢) البيت في ديوانه ١٦ ، واللسان (دخن)

٢٢٥

ومما يحقر على غير بناء مكبره المستعمل في الكلام إنسان تقول فيه (أنيسيان) وفي (بنون) : (أبينون) وفي ليلة : (لييلية) كما قالوا : (ليال) وقولهم في" رجل" : (رويجل).

أما (أبينون) فقد تقدم الكلام فيه (قبل هذا الباب).

وأما (أنيسيان) ، فكأن الأصل (إنسيان) على (فعليان) وتصغيره (أنيسيان) (ولييلية) تقديره (ليلاه) والألف زائدة فإذا جمعت قلت : (ليالي) ، وإذا صغرت قلت : (لييلية) كما تقول في (سعلاة) : (سعالي) و (سعيلية) وقولهم في (رجل) : (رويجل) أرادوا (راجلا) لأنه يقال للرّجل (راجل).

قال الشاعر :

ألا أقاتل عن ديني على فرسي

ولا كذا رجلا إلّا بأصحاب (١)

أراد (راجلا) وقد مضى نحوه

وإذا سميت رجلا أو امرأة بشيء من ذلك ثم صغرته جرى على القياس فقلت في (إنسان) " أنيسان" وفي (ليلة) " لييلة" وفي (رجل) " رجيل".

ومن الشذوذ قولهم في (صبية) : (أصيبية) وفي (غلمة) : (أغيلمة) كأنهم حقروا (أغلمة) و (أصبية) لأن" غلاما" (فعال) مثل (غراب) و (صبيّ) فعيل (مثل) " قفيز" وبابهما في أدنى العدد (أفعلة) ك (أغربة) و (أقفزة) فردوه في التصغير إلى الباب.

ومن العرب من يجيء به على القياس فيقول : (صبيّة) و (غليمة) قال الراجز :

صبيّة على الدّخان رمكا

ما إن عدا أصغرهم أن كّا (٢)

وقال أبو العباس المبرد إنما هو لما عدا أكبرهم كأن المعنى يوجب ذلك ؛ لأنه أراد تصغيرهم فإذا كان أكبرهم بلغ إلى الزكيك من المشي فمن دونه لا يقدر على ذلك ، فاعرفه إن شاء الله تعالى.

هذا باب تحقير الأسماء المبهمة

قال سيبويه : " اعلم أن التحقير يضمّ أوائل الأسماء إلا هذه الأسماء ، فإنها يترك

__________________

(١) البيت ليحيى بن وائل في ابن يعيش ٥ / ١٣٣ ، وشرح شواهد الشافية ١٠٣ ، ١٠٦.

(٢) البيتان من الرجز المشطور قائلهما رؤبة في ديوانه ١٢٠ ، وشرح الشواهد للأعلم ٢ / ١٣٩ ، والمقتضب ٢ / ٢١٢ ، والعيني ٤ / ٥٣٦.

٢٢٦

أوائلها على حالها قبل أن تحقر وذلك أن لها نحوا في الكلام ليس لغيرها ـ وقد بينا ذلك. فأرادوا أن يكون تحقيرها على غير تحقير ما سواها وذلك قولك في (هذا): (هذيّا) وفي (ذاك) : (ذيّاك") وفي (ألا) : (أليّا) "

قال أبو سعيد : خالفوا بين تصغير المبهم وغيره بأن تركوا أوله على لفظه ، وزادوا في آخره ألفا عوضا من الضم الذي هو علامة التصغير في أوله وقوله : " ذيّا" وهو تصغير" ذا" ياء التصغير منه ثانية وحق ياء التصغير أن تكون ثالثة وإنما ذلك لأن" ذا" على حرفين فلما صغروا احتاجوا إلى حرف ثالث فأتوا بياء أخرى لتمام حروف المصغر ، ثم أدخلوا ياء التصغير ثالثة فصار : " ذييّ" ثم زادوا الألف التي تزاد في المبهم المصغر ، فصار (ذييّا) فاجتمع ثلاث ياءات وذلك مستثقل ، فحذفوا واحدة منها ، فلم يكن سبيل إلى حذف ياء التصغير لأنها علامته ، ولا إلى حذف الياء التي بعد ياء التصغير ؛ لأن بعدها ألفا ولا يكون ما قبل الألف إلا متحركا ، فلو حذفوها حركوا ياء التصغير ، وهي لا تحرك فحذفوا الياء الأولى فبقي" ذيّا" ويقال في المؤنث" تيّا" على لغة من قال (هذه) و (هذي) و (تا) و (تي) يرجعن في التصغير إلى التاء لئلا يقع لبس بين المذكر والمؤنث.

وإذا قلنا : (هاذيّا) أو (هاتيّا) للمؤنث ف (ها) للتنبيه والتصغير واقع ب (ذيّا) و (تيّا) وكذلك إذا قلنا : (ذيّالك و (ذيّاك) و (تيّاك) في تصغير (ذاك) و (تلك) فإنما الكاف علامة المخاطب ولا يغير حكم المصغر وإذا صغرت" أولاء" فيمن مد قلت : (أليّاء)

قال الشاعر :

من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر (١)

(ها) للتنبيه (وكنّ) لمخاطبة جمع الإناث والمصغر (أليّاء).

وقد اختلف أبو العباس المبرد وأبو إسحاق الزجاج في تقدير ذلك ، فقال أبو العباس : أدخلوا الألف التي تزاد في تصغير المبهم قبل آخره ضرورة وذلك أنهم لو أدخلوها في آخر المصغر لوقع اللبس بين" ألى" المقصور الذي تقديره" هدى" وتصغيره" أليّا" يا فتى ، وذلك أنهم إذا صغروا الممدود لزمهم أن يدخلوا ياء التصغير بعد اللام ويقلبوا الألف التي قبل الهمزة ويكسروها فتنقلب الهمزة ياء فيصير (أليّي) كما تقول في (غراب) : (غريّب) ثم تحذف إحدى الياءات كما حذف من تصغير (عطاء) ثم تدخل

__________________

(١) البيت للعرجي في ديوانه ١٨٣ ، وشواهد التبصرة ١ / ٢٧٢ ، وابن يعيش ١ / ٦١ ، والخزانة ١ / ٤٥.

٢٢٧

الألف فتصير" أليّا" على لفظ المقصور فترك هذا وأدخل الألف قبل آخره بين الياء المشددة والياء المنقلبة من الهمزة فصار (أليّاي).

وقلبت الياء في همزة ، لأن قبلها ألفا ومما يحتج في ذلك أيضا أن (أولاء) وزنه (فعال) فإذا أدخلنا الألف التي تدخل في المبهم طرفا صارت" فعالا" وإذا صغرنا سقطت الألف لأنها خامسة كما تسقط في" حبارى" وإذا قدمنا صارت رابعة فلم تسقط ؛ لأن ما كان على خمسة أحرف إذا كان رابعه من حروف المد واللين لم تسقط ، ومما يحتج به لأبي العباس أنه إذا دخلت الألف قبل آخره صار بمنزل (حمراء) لأن الألف تدخل بعد ثلاثة أحرف قبل الهمزة للطرف و (حمراء) إذا صغر لم يحذف منه شيء.

وأما أبو إسحاق فإنه يقدر أن الهمزة في" أولاء" ألف في الأصل وأنه إذا صغر أدخل ياء التصغير بعد اللام (وقبل) المزيدة ، وأدخل الألف للتصغير بعد الألفين فتصير ياء التصغير بعدها ألف ، فتنقلب ياء كما تنقلب الألف في (عناق) و (حمار) إذا صغرنا ياء ، كقولنا : (عنيّق) و (حميّر) وبقي بعدهما ألفان أحدهما يتصل بالياء فتصير الياء مفتوحة وتنقلب الأخرى همزة لأنه لا يجتمع ألفان في اللفظ ومتى اجتمعا في التقدير قلبت الثانية منهما ياء كقولنا : (حمراء) و (صفراء) وما أشبه ذلك.

وما تدخل عليه من هاء التنبيه أو كاف المخاطبة مثل قولك : (هؤلاء) و (أولاك) و (أولئك) لا يعتد به.

وتقول في تصغير (الذي) و (التي) : (اللّذيّا) و (الّلتيّا) وإذا ثنّيت قلت : (الّلذيّان) و (الّلتيّان) في الرفع و (الّلذيّين) و (الّلتيّيّن) في النصب والجر.

وقد اختلف مذهب سيبويه والأخفش في ذلك. فأما سيبويه فإنه يحذف الألف المزيدة لتصغير المبهم ولا يقدرها.

وأما الأخفش فإنه يقدرها ويحذف لاجتماع الساكنين ، ولا يتغير اللفظ في التثنية ، فإذا جمع تبين الخلاف بينهما.

يقول سيبويه في جمع (الّلذيّا) : (الّلذيّون) و (الّلذيّين) بضم الياء قبل الواو وكسرها قبل الياء.

وعلى مذهب الأخفش (الّلذيّون) و (الّلذيّين) بفتح الياء وعلى مذهبه يكون لفظ الجمع كلفظ التثنية لأنه يحذف الألف التي في (الّلذيّا) لاجتماع الساكنين وهما الألف في (الّلذيّا) وياء الجمع كما تقول في (المصطفين) و (الأعلين).

وفي مذهب سيبويه أنه لا يقدرها ويدخل علامة الجمع على الياء من غير تقدير

٢٢٨

حرف بين الياء وبين علامة الجمع.

وإلى مذهب الأخفش يذهب أبو العباس المبرد والذي يحتج لسيبويه يقول : إن هذه الألف تعاقب ما يزاد بعدها ، فتسقط لأجل هذه المعاقبة ، وقد رأينا مثل هذا مما لا يجتمع فيه الزيادتان ، فتحذف إحداهما كأنهما لم تكن قط في الكلام كقولك : (وا غلام زيداه) ، فتحذف التنوين من (زيد) كأنه لم يكن قط في (زيد) ولو حذفناه لاجتماع الساكنين لجاز أن تقول (وا غلام زيدناه) ولهذا نظائر كرهنا الإطالة بها.

وقد مر الكلام في ترك التصغير في" من" وأي" وإن صارا بمعنى (الذّي) لأنهما من حروف الاستفهام بما أغنى عن إعادته.

قال سيبويه : اللّاتي لا يحقر استغنوا بجمع الواحد.

يعني أنهم استغنوا بجمع الواحد المحقر السالم إذا قلت (الّلتيّات) وقول سيبويه يدل أن العرب تمتنع من ذلك وقد صغر الأخفش (اللّاتي) و (اللّائي) فقال في تصغير (الّلاتي) : " اللّوتيا" و (الّلائي): " الّلويّا" وقد حذف منه حرفا ، لأنه لو صغر على التمام لصار المصغر بزيادة الألف في آخره على خمسة أحرف سوى ياء التصغير ، وهذا لا يكون في المصغر فحذف حرفا منه ، وكان الأصل لو جاء به على التمام : (اللّويتيا) ، و (الّلويئيا) وجعل الحرف المسقط الياء التي في الطرف قبل الألف.

وقال المازني لو كنا محتاجين إلى حذف حرف من أجل الألف الداخلة للإبهام فحذف الحرف الزائد أولى وهو الألف التي بعد اللام من (الّلاتي) و (الّلائي) ؛ لأنه في تقدير ألف فاعل فيصير على مذهبه (الّلتيّا) وقد حكوا أنه يقال في (الّلتيّا) و (الّلذيّا) : (الّلتيّا) و (الّلذيّا) بالضم والقياس ما ذكرناه أولا.

واستشهد سيبويه في استغنائهم ب (اللّتيّات) عن تصغير (الّلاتي) باستغنائهم بقولهم : (أتانا عشيّانا) عن تحقير العصر في قولهم : " أتانا عصرا" وهو العشيّ.

هذا باب تحقير ما كسر عليه الواحد للجمع

وسأبين لك تحقير ذلك إن شاء الله تعالى.

قال أبو سعيد : اعلم أن الجمع المكسر على ضربين أحدهما جمع قليل ، والآخر جمع كثير ، وأبنية الجمع القليل أربعة ، وهي (أفعل) كقولك : (أفلس) و (أكلب) و (أفعال) كقولك : (أجمال) و (أرباع) و (أفعلة) كقولك :

(أجربة) و (أحمرة) و (فعلة) كقولك : (صبية) و (فتية).

٢٢٩

فإذا صغرت بناء من هذه الأبنية لم تجاوز لفظه وقلت في (أفعل) : (أفيعل) كقولك : (أفيلس) وفي (أفعال) : (أفيعال) كقولك : (أجيمال) وفي (أفعلة) : (أفيعلة) كقولك : (أحيمرة) و (أجيرية) وفي (فعلة) : (فعيلة) كقولك في (فتية) : (فتيّة) وفي (صبية) : (صبيّة) وفي (غلمة) : (غليمة) وفي (ولدة) : (وليدة) فإذا كان الجمع المكسر على غير هذه (الأبنية) فإنك تنظر.

فإن كان له بناء آخر من الجمع القليل رددته إلى ذلك البناء ثم حقرته وإن لم يكن لذلك الجمع بناء من أبنية العدد رددته إلى واحد فصغرته ثم جمعته بالواو والنون إن كان من مذكر ما يعقل وبالألف والتاء إن كان من المؤنث أو مما لا يعقل مذكرا كان أو مؤنثا.

وإن كان الجمع الذي تريد تصغيره له جمع آخر من أبنية أدنى العدد فأنت مخير إن شئت رددته إلى جمعه القليل وإن شئت رددته إلى واحده فصغرته وجمعته على ما ذكرت لك ..

فمن الباب الأول تصغير (الدّراهم) و (الدّنانير) و (المرابد) و (المفاتيح) و (الخنادق) و (القناديل) تقول في تصغيرها : (دريهمات) و (دنينيرات) و (مريّبدات) و (مفيتيحات) و (خنيدقات) و (قنيديلات) لأنك رددت ذلك إلى الواحد ، وهو (درهم) و (دينار) و" (مربد) و (مفتاح) و (خندق) و (قنديل) فصغرته ثم أدخلت فيه الألف والتاء ، لأنه مما لا يعقل.

وإذا صغرت (فقراء) و (رجالا) قلت : (فقيّرون) و (رجيلون) لأنك رددتها إلى (فقير) و (رجل) فجمعته على ذلك.

ولو صغرت" حمقى" و" هلكى" و" سكرى" و" جرحى" لقلت : " أحيمقون" و" هويلكون" و" سكيرانون" و" جريحون" ، لأنك رددتهم إلى الواحد وواحد (حمقى) : (أحمق) فقلت : (أحيمق) ثم جمعته بالواو والنون ورددت (هلكى) إلى (هالك) ، فقلت : (هويلك) و (سكرن) إلى (سكران) وجرحى إلى : (جريح) ولو أردت ب (حمقى) جمع (حمقاء) وأردت بهن جمع المؤنث ؛ لأنهن يصلحن لجمع المذكر والمؤنث لقلت : (حميقاوات) ؛ لأنك رددتها إلى (حمقاء) وتقول : (هويلكات) و (سكيريات) ؛ لأنك رددتها إلى (هالكة) و (سكرى).

وفي (جرحى) إذا أردت به جمع المؤنث : (جريّحات) وإذا صغرت" الشّموع" رددتها إلى (شمع) فقلت : " شميعات.

٢٣٠

وأما ما له جمع قليل فهو أن يقال : صغر (كلابا) أو (فلوسا) فأنت مخير إن شئت قلت : (كليبات) و (فليسات) بأن تردهما إلى (كلب) و (فلس) ، وإن شئت قلت : (أكيلب) و (أفيلس) بأن تردهما إلى (أكلب) و (أفلس).

وقد يجيء في الجموع في معنى واحد (أفعلاء) و (أفعلة) فإذا أردت تصغير ذلك صغرت أفعلة لأنه جمع قليل ولم تصغر (أفعلاء) نحو قولهم في جمع (ذليل) و (جليل) و (نصيب): " أذلّة" و" أذلّاء" و" أجلّة" و" أجلّاء" و" أنصبة" و" أنصباء" والمصغر من ذلك كله (أفعلة) لأنه بمنزلة (أحمرة) وإنما صغرت العرب الجمع القليل وردت الكثير إلى الواحد فصغرته ثم جمعته بالواو والنون والألف والتاء ، لأن تصغير الجمع إنما هو تقليل للعدد ، فاختاروا له الجمع الموضوع للقلة ؛ لأن غيره من الجموع جعل للتكثير. فإذا صغروا فقد أرادوا تقليله ، فلم يجمع بين التقليل بالتصغير والتكثير بلفظ الجمع الكثير ، لأن ذلك يتناقض والواو والنون والألف والتاء أصله للقليل وذلك أنك تقول في التثنية : " مسلمان" والاثنان أقل الجمع والذي يلي الاثنين ثلاثة يقال فيهم : " مسلمون" وقد وافق (مسلمون) " مسلمين" بسلامة لفظ الواحد فلما كان ثلاثة وأربعة ، وما قرب من هذه الأعداد القليلة أقرب إلى الاثنين مما كثر وبعد عن الاثنين صار الواو والنون هو الأصل في الجمع القليل ، ولهذا قال سيبويه : " وإنما صارت الياء والواو والنون لتثليث أقل العدد إلى تعشيره."

وهو الواحد كما صارت الألف والنون للتثنية ومثناه أقل من مثلثه" ثم جمع بين الاثنين والجمع السالم بأن قال : " ألا ترى أن جرّ التاء ونصبها سواء."

يعني فيما جمع بالألف والتاء" وجر الاثنين والثلاثة الذين هم على حد التثنية". ونصبهم سواء فهذا يقرب أن التاء والواو والنون للأدنى ؛ لأنه وافق المثنى.

واعلم أن في الجمع ما كان اسما للجمع على غير تكسير فإذا صغرته لم تجاوز لفظه كقولك (راكب) و (ركب) و (راجل) و (رجل) فإذا صغرت قلت : (ركيب) و (رجيل) وكذلك لو صغرت" شربا" الذي هو جمع (شارب) لقلت : (شريب) وقد أحكمنا هذا في باب الجمع وأنشد الأصمعي لأحيحة بن الجلاح :

بنيته بعصبة من ماليا

٢٣١

أخشى ركيبا أو رجيلا غاديا (١)

يريد تصغير (رجل) وهو جمع (راجل) و (ركب) وهو جمع (راكب) وما كان من الجموع لم يستعمل فيه إلا لفظ الجمع القليل وإن أريد به الكثير كالأرجل والأقدام والأكتاف وما أشبه ذلك إذا صغرته صغرت لفظه ولم تجاوزه إلى غيره ؛ لأن ياء التصغير تعلم أنك تعني القليل فتقول : (أريجل) و (أقيدام) ولم تصغر من الجموع الكثيرة على لفظه إلا (أصلان) الذي هو جمع (أصيل) حين قيل منه (أصيلان) و (أصيلال) وقد ذكرناه.

وإذا أردت أن تجمع مصغرا لم تكسره وجمعته جمع السلامة فقلت في جميع (رّجيل) و (صبيّ): " رجيلون" و" صبيوّن" وفي جمع (كليب) و (فليس): " كليبات" و" فليسات".

هذا باب ما كسر على غير واحده المستعمل في الكلام

قال سيبويه : فإذا أردت أن تحقره حقرته على واحده المستعمل في الكلام الذي هو من لفظه وذلك قولك في (الظروف) : (ظريّفون) وفي (السّمحاء) (سميحون) وفي (الشّعراء) : (شويعرون) وإذا جاء الجمع ليس له واحد مستعمل في الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياسا ولا غير ذلك ، فتحقيره على واحد هو بناؤه إذا جمع في القياس وذلك نحو (عباديد) فإذا حقرتها قلت : (عبيديدون) لأن (فعاليل) إنما هو جمع (فعلول) أو (فعليل) أو (فعلال) فإذا قلت : (عبيديدات) فأيّا ما كان واحدها فهذا تحقيره.

وزعم يونس أن من العرب من يقول في" سراويل" : " سريّيلات" وذلك أنهم جعلوه جمعا بمنزلة (دخاريص) وواحدها : (دخرصة) وهذا يقوي ذلك ، ولأنهم إذا أرادوا بها الجمع فليس له واحد في الكلام كسر عليه ولا غير ذلك.

وإذا أردت تحقير (الجلوس) و (القعود) قلت : (قويعدون) و (جويلسون) فإنما (جلوس) ها هنا حين أردت الجمع بمنزلة (ظروف) وبمنزلة (الشّهود) و (البكيّ) وإنما واحد الشهود : (الشّاهد) وواحد (البكيّ) : (الباكي) هذان المستعملان في الكلام ولم يكسر الشّهود و (البكيّ) عليهما وكذلك (الجلوس).

قال أبو سعيد : أما (ظروف) في جمع (ظريف) فإنه شاذ ومع شذوذه فإنه من الجموع المكسرة ولا يكاد يجئ مثله ، لأن فعيلا لا يجمع على (فعول) وقد جمع" فاعل"

__________________

(١) البيتان من الرجز المشطور وهما في شرح الشافية ١ / ٢٦٦ ، وابن يعيش ٥ / ٧٧.

٢٣٢

على (فعول) ، وهو غير كثير ليس بمطرد : كاطراد غيره ، كقولك : (جالس) : و (جلوس) و (شاهد) ، (شهود) ، (قاعد) و (قعود) و (باكي) و (بكيّ) وأصله (بكوى) وقد أدخله سيبويه أيضا في هذا الباب ، لأنه لا يطرد كإطراد غيره وكثرته ألا ترى أنك لا تقول (كاتب وكتوب) و (ذاهب وذهوب) وإنما يطرد (فعول) في جمع" فعل" وغيره من الثلاثي كقولك : (فلوس) و (جذوع) وإنما شبهوا ظريفا بفاعل ؛ لأن فعيلا وفاعلا قد يشتركان كقولك : (عالم) و (عليم) و (قادر) و (قدير) وقال بعض أصحابنا ردوا (ظريفا) إلى (ظرف) فجمعوه بحذف الزائد الذي فيه ، والأول أعجب ولم أر أحدا ذكره ، وأما (السّمحاء) في جمع (سمح) فليس بمطرد ؛ لأن (فعلا) لا يجمع على (فعلاء) ولكن (فعلا) و (فعيلا) قد يشتركان كقولك : (سمح) و (سميح) ، فحمل على (فعيل) كقولنا : (كريم) و (كرماء) و (نبيل) و (نبلاء). وأما الشعراء فهو أيضا جمع" فعيل المطرد" وجمعهم لشاعر على شعراء شاذ إلا أن (فاعلا) و (فعيلا) يشتركان في اسم الفاعل مثل" عالم وعليم" فجعل شعراء كأنه جمع (فعيل) في معنى (فاعل) وإن لم يستعمل.

وأما (عباديد) وما جرى مجراه من الألفاظ التي لا تكون إلا للجموع فإنا نردها إلى ما يجوز أن يكون واحدا لها ؛ إذ قد أحاط العلم بأنها جمع والواحد هو ما قاله سيبويه : أنه (فعلول) أو (فعليل) أو (فعلال) ويمكن أن يكون (فعلول) مثل (برذون) ونحو ذلك مما جاء يمكن أن يكون واحدا له.

وأما" سراويل" فإن يونس ذكر أن من العرب من يقول في تصغيرها : " سريّيلات" لأن لفظها لا يكون إلا للجمع فكأنهم جعلوا كل قطعة منها واحدا كما أن (دخاريص) جعلوها قطعا وكل قطعة منها (دخرصة) وكذلك جعلوا كل قطعة من (السّراويل) " سروالة" وعلى ذلك أنشد أبو العباس :

عليه من اللّؤم سروالة

 ... (١)

ومن لم يجعلها جمعا أسقط الألف التي بعد الراء فصغرها على (سريويل) ، و (سربّيل) وقد مضى الكلام في هذا.

وهذا الباب في رد الجمع فيه إلى الواحد بمنزلة الجموع التي ليست بأدنى الجمع إذا رددناها إلى الواحد غير أن هذا الباب الجموع فيه شاذة وفي غيره مطردة ، وليست

__________________

(١) هذا صدر بيت عجزه :

 ...

فليس يرق لمستعطف

انظر ابن يعيش ١ / ٦٤ ، والخزانة ١ / ٢٣٣ ، وشرح شواهد الشافية ١٠٠.

٢٣٣

الجموع في هذا الباب وإن كانت شاذة كالجمع الذي يجري مجرى الواحد كقولنا : (راكب) و (ركب) و (مسافر) و (سفر) لأن هذا اسم واحد سمي به الجمع فجرى مجرى أسماء الجنس كقولنا : (خيل) و" جامل" و" باقر" وهي آحاد وضعت لجمع أسماء.

و (ظروف) و (سمحاء) و (شعراء) و (جلوس) و" قعود" تقع أبنيتها جموع مكسرة ، في غير هذه الآحاد كقولنا : (فلس) و (فلوس) و (درب) و (دروب) و (كريم) و (كرماء) و (ظريف) و (ظرفاء).

هذا باب تحقير ما لم يكسر عليه واحد ولكنه شيء واحد يقع للجمع

وقد مضى نحوه وهو يجري مجرى الواحد كقولك في (قوم) : (قويم) ، وفي (رجل) :(رجيل) وفي (نفر) : (نفير) وفي (رهط) : (رهيط) وفي (نسوة) : (نسيّة).

وليست (نسوة) بجمع مكسر ، ك (فتى) و (فتية) ، و (صبيّ) و (صبية) لأنه لا واحد لها من لظفها ومثل ذلك (الرّجلة) و (الصّحبة) وأن كانت (الرّجلة) تستعمل في أدنى العدد وقد ذكرنا ذلك في باب الجمع ، وليس تصغير شيء من ذلك إلا على لفظه فإن جمع شيء من هذا كقولنا : (أقوام) و (أنفار) فصغرته فقلت : (أقيّام) و (أنيفار) لانهما من لفظ أدنى العدد وإذا حقرت" ألاراهط" الذي هو جمع (رهط) قلت : (رهيطون) فترده إلى" رهط" فتصغره وتدخل فيه الواو والنون ، على قياس ما مضى يجوز عندي ولم يذكر سيبويه أن تقول : " أريهط" لأن" رهطا" أيضا يجمع على" أرهط" كقول الشاعر :

وفاضح مفتضح في أرهطه (١)

وإن حقرت (الخباث) جمع" خبيث" قلت : (خبيثّون) وقد صغروا أشياء من جمع ما لا يعقل فأدخلوا على تصغير الواحد منها علامة جمع ما يعقل وذلك شاذ كقول الشاعر :

قد شربت إلّا دهيدهينا

قليّصات وأبيكرينا (٢)

والدّهداه حاشية الإبل ورذالها وجمع الدهداه في القياس دهاده فكأنه صغر (دهاده) فردها إلى الواحد وهو (دهداه) وتصغيره (دهيديه) ويجوز إسقاط الياء بعد التصغير فيقال : (دهيده) ثم جمع بالياء والنون ، وكان حقه أن يكون بالألف والتاء : (دهيدهات) و (دهيديهات) فجعل مكان الألف والتاء الياء والنون ، كما قالوا في جمع (أرض) :

__________________

(١) البيت من الرجز المشطور. انظر ابن يعيش ٥ / ١٣٣.

(٢) البيتان من الرجز المشطور ، وهما بلا نسبة في الخزانة ٨ / ٣٣ ، وشواهد سيبويه ٣ / ٤٩٤.

٢٣٤

(أرضون) والقياس (أرضات) في الجمع السالم منها.

وأما" أبيكرين" فالواحد منها (بكر) ثم يجمع في أقل العدد" أبكر" كما تقول : (فلس) و (أفلس) ثم جمع" أبكرا" فصار (أباكر) كما قالوا : (أراهط) فلما صغر" أباكر" إلى الجمع الذي أقامه مقام الواحد فجمعه ثم صغره وكان القياس أن يقول" أبيكرات" فجعل مكان الألف والتاء الياء والنون كما فعل ب (دهيدهين) وقوله : " وإذا حقرت (السّنين) لم تقل إلا (سنيّات).

يعني أن (السنين) قد جمع بالواو والنون قبل التحقير.

فإذا حقرت لم يجز الجمع إلا بالألف والتاء وذلك أن (سنين) جمع (سنة) وإنما جمع على (سنون) و (سنين) بالواو والنون ؛ لأن هذا الجمع له فضل ومزية فجعل عوضا من الذاهب في (سنة) والذاهب منها لام الفعل ، فإذا صغرنا وجب رد الذاهب فبطل التعويض ، وجمع على ما يوجبه القياس كقولنا : (قصيعة) و (قصيعات) و (صحيفة) و (صحيفات) ، وكذلك (أرضون) يقال : (أريضات) لا غير. ألا ترى أنا لو صغرنا (سنة) لم يجز في تصغيرها إلا (سنيّة) برد الذاهب.

ولو صغرنا (أرضا) لم يجز فيها إلا (أريضة) بالهاء فصار جمع المصغر : (أريضة) و (سنيّة) فلم يجز فيها إلا الألف والتاء وقد يجوز في" سنين" إعراب النون كقولك : هذه (سنين) ورأيت (سنينا) ومررت ب (سنين) فإذا صغرت على هذا فإن الزجاج يقول : بردها إلى الأصل فيقول : (سنيّات) وغيره قال : (سنيّن).

وإذا سميت رجلا أو امرأة ب (أرضين) وجعلتها في الرفع بالواو وفي الجر والنصب بالياء ثم صغرت لم تردها إلى الأصل ، وقلت : (أريضون) ؛ لأنك لست تريد به الجمع ولا ترده إلى الواحد ، فصغرت اللفظ ، ألا ترى أنا لو صغرنا (مساجد) من غير أن نسمي به رجلا أو امرأة رددناها إلى الواحد ثم جمعنا المصغر فقلنا : (مسيجدات). ولو سمينا بها رجلا لقلنا : " مسيجد" ، وقد ذكرنا قول سيبويه في رجل اسمه (جريبان) أنا نقول في تصغيرها (جريبان) كما تقول في (خراسان): " خريسان" فإن جعلت (سنين) اسم امرأة أو رجل على قول من يقول : " سنون" في الرفع قلت (سنيّون) برد الحرف الذاهب ؛ لأن الواو والنون يقدر دخولهما على شيء يجوز أن يقوم بنفسه ولا يكون مصغرا على أقل من ثلاثة أحرف سوى ياء التصغير وكأنك قدرت أن الاسم" سن" فصغرت على (سنيّ) ثم جمعت جمع السلامة بالواو والنون.

وإذا كانت التسمية" سنين" التي الإعراب في نونها قلت في الرجل : (سنيّن) مصروفا

٢٣٥

وفي المرأة : (هذه سنيّن) غير مصروفة. ولم ترد ياء التصغير شيئا ؛ لأن (سنين) ثلاثة أحرف فهو بمنزلة رجل اسمه (يضع) تقول في تصغيره (يضيع) ولا تقول : (يويضع) فترد الواو التي في أصل (وضع) وقد تقدم الكلام في تصغير ما قد حذف منه شيء لا يرده التصغير بما أغنى عن أكثر من هذا.

وإذا حقرت" أفعالا" اسم رجل قلت (أفيعال) وكذلك تحقيره قبل أن تسمى به كقولك : (أجيمال) و (أحيجار).

وفرقوا بين تصغير (أفعال) و (إفعال) فقالوا في" إفعال" (أفيعيل) ، وفي (أفعال) : (أفيعال) ؛ لأن" أفعالا" لم يقع إلا جمعا فكرهوا إبطال علامة الجمع منه إلا أن يجمع مرة أخرى فيكون ك (أنعام) و (أناعيم) وإذا صغروا لم ينسب التصغير عن الجمع فتقوى علامة الجمع ، واستعملوا علامة التصغير.

فإن قال قائل : قد اعتبرتم في تصغير ما كان في آخره ألف ونون الجمع فقلتم : إن ما كان من ذلك ينقلب في الجمع ، قلبتموه في التصغير كقولنا : (سرحان) و (سريحين) و (سلطان) و (سليطين) لأنا نقول : (سراحين) و (سلاطين) وقلتم في (عثمان) و (عطشان) و (غضبان) : (عثيمان) و (عطيشان) و (غضيبان)؟

قيل له إنما اعتبرنا الجمع فيما كان فيه ألف ونون ، لأن النون قد تكون للإلحاق بحرف من حروف الأصل فتجري مجرى الأصل ، فإذا قيل : " سرحان" و" سراحين" علم أن النون فيه قد جعل كالحاء في (سرداح) والجيم في (هملاج).

ونحن نقول في تصغير (سرداح) و (هملاج) : (سريديح) و (هميليج) وإذا كان لا ينقلب في الجمع ياء فلم يجعل ملحقا بشيء ك (عطشان) و (عثمان) فقد أحكمنا ذلك في غير هذا الموضع.

وقد رد سيبويه ذلك على من عارض به بأن قال :

" ولو كان الأمر كذلك لقلت في (جمّال) : (جميمال) لأنك لا تقول : (جماميل) ولكن تقول : " جميمل" في (جمّال) وإن كان لا يقال : (جماميل) في الجمع وأراد كسر معارضته في (أنعام) و (أناعيم) ومثل (أنعام) و (أناعيم) وإن كنا لا نقول في تصغير الواحد (أنيعم) لأنه جمع كيلا تبطل علامة الجمع قولنا (مصران) وجمع (مصارين) ولا تقول في تصغير (مصران) : (مصيرين) لأن مصران جمع (مصير) والألف فيه للجمع فلا يبطله التصغير.

٢٣٦

هذا باب حروف الإضافة إلى المحلوف به وسقوطها للقسم

قال سيبويه : والمقسم به أدوات في حروف الجر فأكثرها الواو ثم الباء ثم التاء وتدخل فيه اللام ومن. وأنا أرتب ذلك إن شاء الله تعالى.

قال أبو سعيد : اعلم أن القسم هو يمين يحلف بها الحالف ليؤكد به شيئا يخبر عنه من إيجاب أو جحد وهو جملة يؤكد بها جملة أخرى. فالجملة المؤكدة هي المقسم عليه والجملة المؤكدة هي القسم والاسم الذي يدخل عليه حرف القسم هو المقسم به ، مثل ذلك (أحلف بالله) إنّ زيدا قائم ، فقولك : (إن زيدا قائم) هي الجملة المقسم عليها ، وقولك : (أحلف بالله) هو القسم الذي وكدت به" إن زيدا قائم" والمقسم به هو (اسم الله عزوجل) وكذلك كل شيء ذكر في قسم لتعظيم المقسم به ، فهو المقسم به.

وأصل هذه الحروف الباء ، والباء صلة للفعل المقدر ، وذلك الفعل (أحلف) و (أقسم) ، أو ما جرى مجرى ذلك ، فإذا قال : (بالله لأضربن) ، فكأنه قال : (أحلف بالله) وجعلوا الواو بدلا من الباء ، وخصوا بها القسم لأنها من مخرج الباء ، واستعملوا الواو أكثر من استعمالهم الباء ؛ لأن الباء تدخل في صلة الأفعال في القسم وغيرها ، فاختاروا الواو في الاستعمال ؛ لانفرادها بالقسم.

وقد تدخل الباء في ثلاثة مواضع من القسم ، لا تدخلها الواو ولا غيرها.

أحدها أن تضمر المقسم به ، كقولك إذا أضمرت اسم الله : (بك لأجتهدن يا رب) وإذا ذكروا اسم الله فأردت أن تكني عنه قلت : (به لألزمن المسجد) كما تقول : (بالله لألزمن المسجد).

والموضع الثاني أن تحلف على إنسان كقولك له إذا حلفت عليه : (بالله إلا زرتني) ، و (بالله لما زرتني) ، ولا تدخل الواو هاهنا.

والموضع الثالث : أن يظهر فعل القسم كقولك : (أحلف بالله) ، ولا تقول : (أحلف والله) ، وأما التاء فإنها بدل من الواو كما أبدلت منها في (أتعد) ، و (اتزن) وأصله (وعد) و (وزن) ولم تدخل إلا على اسم الله تعالى وحده ؛ لأن قولك الله هو الاسم في الأصل والباقي من أسمائه صفات ، والتاء أضعف هذه الحروف ؛ لأنها بدل من الواو والواو بدل من الباء فبعدت فلم تدخل إلا على اسم الله وحده. وفي التاء معنى التعجب وكذلك اللام تدخل في القسم للتعجب كقول أمية بن أبي عائد :

٢٣٧

لله يبقى على الأيام ذو حيد

بمشمخرّ به الظّيّان والآس (١)

ويروى ذو جيد.

ويجوز حذف حرف الجر من المقسم به ، فإذا حذفته نصبته كقولك : (الله لأفعلن) و (ويمين الله لأفعلن) وهو بمنزلة قولك : (تعلقت زيدا) (تعلقت بزيد) ، إذا لم تدخل الباء ، لأنه يقدر للقسم فعل ، وإن حذف ، فإذا حذفت حروف الجر وصل الفعل إلى المقسم به. وشبهه سيبويه بقولهم : (إنك ذاهب حقا) وقد يجوز (إنك ذاهب بحق) فإذا حذفت الباء نصبته وأنشد قول ذي الرمة :

ألا ربّ من قلبي له الله ناصح

ومن قلبه لي في الظّباء السوانح (٢)

بنصب اسم الله.

وقال الآخر :

إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذاك أمانة الله الثريد (٣)

ولا يجوز حذف التاء من (تالله) ولا اللام من" لله" لأنه لما دخله معنى التعجب بإدخال التاء واللام كرهوا إسقاط حرف المعنى ، وربما استعمل (تالله) في غير معنى التعجب ، إلا أنك إذا أردت معنى التعجب لم يجز إسقاط التاء.

قال سيبويه : " ومن العرب من يقول : " لله" فيخفض الاسم ، ويحذف تخفيفا لكثرة الأيمان في كلامهم وشبه ذلك بحذف (ربّ) في مثل قولهم :

وبلد عامية أعباؤه

كأنّ لون أرضه سماؤه (٤)

وأنشد :

__________________

(١) البيت في الكتاب ٣ / ٤٩٧ ، والخزانة ٥ / ١٧٧ ، والمخصص ١٣ / ١١١ ، وديوان الهذليين ٣ / ٢.

(٢) ملحقات ديوانه ٦٦٤ ، والمقتصد ٢ / ٨٦٨ ، والتبصرة ١ / ٤٤٧.

(٣) البيت في شرح الشواهد للأعلم ٢ / ٤٤ ، وابن يعيش ٩ / ٩٢.

(٤) البيتان من الرجز المشطور لرؤبة. انظر الإنصاف ٣٧٧ ، والأمالي الشجرية ١ / ١٤٣ ، والمقتصد للجرجاني ٢ / ٨٦٨.

٢٣٨

وجدّاء ما يرجى بها ذو قرابة

لعطف وما يخشى السّماة ربيبها (١)

إنما يريد" ورب" جداء ، وجداء في موضع جر ، ولكنها لا تنصرف ، وهي الصحراء التي لا نبات فيها ، الواو فيها واو العطف ، لا واو القسم ومعنى قوله : وما يخشى السماة ربيبها ، السماة : الصيادون في نصف النهار ، وربيبها : وحشيها.

ثم قوى سيبويه حذف حرف الجر بقول العرب : (لاه أبوك) وأصله (لله أبوك) فحذف لام الجر ولام التعريف وكان أبو العباس المبرد يخالفه في هذا ويزعم أن المحذوف لام التعريف واللام الأصلية من الكلمة ، وأن الباقي لام الإضافة فقيل له : لام الإضافة مكسورة ولام (لاه) مفتوحة ، فقال : أصل لام الجر الفتح ومع ذلك فلو جعلناها مكسورة لانقلبت الألف ياء.

وكان الزجاج يذهب إلى قول سيبويه ، وهو الصحيح عندي ؛ لأن أبا العباس إنما حمله على ذلك الفرار من حذف لام الجر فيقال له : فقد حذف لام التعريف وهي غير مستغنى عنها ، وإنما احتمل الحذف الكثير في القسم ، والتغيير لكثرته في كلامهم حتى حذف فعل القسم ، ولا يكادون يذكرونه مع الواو والتاء.

وقال بعض : (لهي أبوك) فبناه على الفتح ، وهو مقلوب من (لاه أبوك) فقيل لأبي العباس : إذا كانت اللام لام الخفض فهلا كسروها في (لهى) فقالوا : (لهى) بكسر اللام فكان جوابه : أنه لما قلبوا كرهوا إحداث تغيير آخر مع الحذف الكثير الذي في (لاه) والقلب ، وإنما بني (لهي) لأنه حذف منه لام الجر ، ولام التعريف ، ثم قلب فاختاروا له لفظا واحدا من أخف ما يستعمل وهو أن يكون على ثلاثة أحرف أوسطها وآخرها مفتوح ، ومما يقال في ذلك أنهم لما قلبوا وضعوا الهاء موضع الألف فسكنوها كما كانت الألف ساكنة ، ثم قلبوا الألف ياء ، لاجتماع الساكنين ، لأنهم لما تركوها ألفا وقبلها الهاء ساكنة لم يمكن النطق بها ، فردوها إلى الياء وهي أخف من الواو ، ثم فتحوها لاجتماع الساكنين كما فتحوا آخر أين.

" واعلم أن من العرب من يقول : (من ربي لأفعلن) ومنهم من يقول : (من ربّي إنك لأشر) "

ولا يستعمل" من" بضم الميم في غير القسم ، وذلك لأنهم جعلوا ضمها دلالة على

__________________

(١) انظر معجم الشواهد ٤٤ ، وشواهد الكتاب ٢ / ١٦٣.

٢٣٩

القسم كما جعلوا الواو مكان الباء دلالة على القسم ولا يدخلون (من) في غير (ربي) ، لا يقولون : (من الله لأفعلن) وإنما ذلك لكثرة القسم تصرفوا فيه واستعملوا أشياء مختلفة.

قال سيبويه : ولا تدخل الضمة في" من" إلا هاهنا كما لا تدخل الفتحة في" لدن" إلا مع (غدوة) حين قالوا : (لدن غدوة إلى العشي).

ولا تقول : (لدن زيدا مال) ، فأراد أن يعرفك أن بعض الأشياء يختص بموضع لا يفارقه ، فاعرفه إن شاء الله تعالى.

هذا باب ما يكون فيه ما قبل المحلوف به عوضا من اللفظ بالواو

قال أبو سعيد : وذلك في أشياء منها قولهم : (أي ها الله ذا) ، ومعنى أي : نعم ، وقوله : (ها الله) ، معناه : (والله ذا).

وفي (ها الله) لغتان منهم من يقول : (ها الله) فيثبت الألف في" ها" ويسقط ألف الوصل في (الله) ويكون بعد ألف" ها" لام مشددة كقوله (الضالين) ، و (دابة) وما أشبه ذلك.

ومنهم من يحذف ألف" ها" لاجتماع الساكنين فيقول : (هلله) ليس بين الهاء واللام ألفا في اللفظ ، وليس ذهاب الواو في (ها الله) كذهابها من قولهم : (الله لأفعلن) لأن قولهم : (الله لأفعلن) حذفت الواو استخفافا ولم تدخل ما يكون عوضا ، ويجوز أن تدخل عليها الواو.

واختلفوا في معنى الكلمة فقال الخليل قولهم : ذا هو المحلوف عليه كأنه قيل (أي والله) الأمر هذا كما تقول : (أي والله لزيد قائم) وحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم وقدم قوم : ها هو ذا وها أنا ذا وهذا قول الخليل.

وقال زهير :

تعلّمنّ ها لعمر الله ذا قسما

فاقصد بذرعك فانظر أين تنسلك (١)

أراد : تعلمن هذا قسما ومعنى تعلمن : أعلمن وقال الأخفش : قولهم (ذا) ليس هو المحلوف عليه إنما هو المحلوف به وهو من جملة القسم والدليل على ذلك أنهم قد يأتون بعده بجواب قسم والجواب هو المحلوف عليه ، فيقولون : (ها الله ذا لقد كان كذا وكذا).

__________________

(١) البيت في ديوانه ١٨٢ ، والخزانة ٢ / ٤٧٥ ، ومجمع الأمثال ٢ / ٩٢.

٢٤٠