شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

الذي بعده.

قال سيبويه : " وقالوا : أبى يأبى فشبهوه بيقرأ"

أراد إنهم شبهوا الهمزة التي في أول أبى ، وهي فاء الفعل منها ، بالهمزة التي تكون لاما في مثل : قرأ يقرأ ، ففتحوا عين الفعل من أجل الفاء ، كما فتحوها من أجل اللام التي هي همزة.

قال : " وفي يأبى وجه آخر ، وهو أن يكون مثل حسب يحسب ، فتحا كما كسرا"

قال أبو سعيد : والفرق بين هذين الوجهين أن الأول كان التقدير فيه أبى يأبى ، ثم فتحت الألف عين الفعل ، كما قيل : صنع يصنع تشبيها للفاء باللام ، والوجه الثاني إنهم بنوه في الأصل على فعل يفعل ، كما بنوا في الأصل" حسب يحسب" على" فعل يفعل".

قال : " وقالوا : جبى يجبى ، وقلى يقلى ، فشبهوا هذا بقرأ يقرأ ونحوه ، وأتبعوا به الأول ، كما قالوا : وعدّه ، يريدون وعدته ، وكما قالوا : مضّجع ، ولا نعلم إلا هذا الحرف ، وأما غير هذا فجاء على القياس مثل : عمر يعمر ، وهرب يهرب ، وحزر يحزر ، وقالوا : عضضت تعضّ"

قال أبو سعيد : حكى أبو إسحاق الزجاج عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أنه علل أبى يأبى فقال : إنما جاء على فعل يفعل ، لأن الألف من مخرج الهمزة. وقال : إن ما سبقه إليه أحد ، واستحسنه. وعندي أن ذلك غلط ؛ لأن الألف ليست بأصل في أبى يأبى ، وإنما هي منقلبة من ياء أبيت لانفتاح ما قبلها ، فإذا قلنا في الماضي أبى لانفتاح ما قبلها فحقّها أن تكون في المستقبل على يأبي ، كما تقول : أتى يأتي ، ورمى يرمي. وإنما تنقلب في المستقبل ألفا إذا فتحنا ما قبلها ، فإذا كان القياس يوجب إلا يفتح ما قبلها فلا سبيل إلى الألف التي من أجلها. قال الزجاج عن الفراء : زعم القاضي أنه جاء على فعل يفعل من أجل ذلك. وكلام سيبويه يدل على ما قلنا ، لأنه قال : " فشبهوا هذا بقرأ يقرأ ونحوه ، وأتبعوه الأول ، كما قالوا : وعدّه".

يريد أتبعوا الفتحة في أبى يأبى الهمزة التي في أوله ، كما قالوا : وعدّه (فالأصل وعدته) ، فأتبعوا التاء الدال التي قبلها ، وكان القياس أن تكون الدال هي التابعة ، لأن الأول يتبع الأخير ، وكذا مضّجع أصله مضطجع ، وجعلوا الطاء تابعة للضاد.

ومعنى قوله : " ولا نعلم إلا هذا الحرف" فإن الإشارة إلى أبى يأبى فيما

٤٨١

ذكره أصحابنا".

" وقالوا : جبى يجبى ، وقلى يقلى".

لم يصحّا عنده كصحة أبى يأبى ، وقد حكى أبو زيد في كتاب المصادر : جبوت الخراج أجبى وأجبو.

وقوله : " وأما غير هذا فجاء على القياس مثل عمر يعمر".

يريد غير الذي ذكر من أبى يأبى مما فاء الفعل منه من حروف الحلق لم يجئ إلا على القياس ، كقولنا : هرب يهرب ، وحزر يحزر وحمل يحمل. وقد دل هذا أيضا أن سيبويه ذهب في أبى يأبى إنهم فتحوا من أجل تشبيه الهمزة الأولى بما الهمزة فيه أخيرة ، ومثله : " عضضت تعض" الذي حكاه وهو شاذ.

هذا باب ما كان من الياء والواو

" قالوا : شأى يشأى ، وسعى يسعى ، ومحا يمحى وصفا يصفى ونحا ينحى ، فعلوا به ما فعلوا بنظائره من غير المعتل".

ومعنى شأى : سبق ، يقال : شأى يشأى وشآني ويشآني ، وشاءني يشآني.

" وقالوا : بهو يبهو ، لأن نظير هذا أبدا من غير المعتل لا يكون إلا يفعل ، ونظائر الأول مختلفات في يفعل. وقد قالوا : يمحو ويصفو ويزهوهم الآل ، وينحو ويرغو ، كما فعلوا بغير المعتل ، وقالوا : فيدعو.

وقد تقدم من كلامه أن فعل يفعل لا تغيّره حروف الحلق ، لأن ما كان ماضيه فعل فيفعل لازم لمستقبله ، فلذلك يلزم في بهو ونحوه أن يقال ذلك في مستقبله. وأما الحروف التي يلزم سكون عين الفعل فيها ، فإن حرف الحلق لا يقلب يفعل ويفعل إلى يفعل ، وذلك فيما كان معتلا من ذوات الواو والياء ، أو كان مدغما. فذوات الياء نحو : جاء يجيء ، وباع يبيع ، وتاه يتيه ، وذوات الواو : ساء يسوء ، وجاع يجوع ، وناح ينوح ، والمدغم نحو : دعّ يدعّ ، وسحّ يسحّ ويسحّ ، وشحّ يشحّ ، ويشحّ.

قال : " لأن هذه الحروف التي هي عينات أكثر ما تكون سواكن ، ولا تحرّك إلا في مواضع الجزم من لغة أهل الحجاز"

يعني فيما كان مدغما أنها تكون سواكن كذوات الواو والياء ، وإن كان أهل الحجاز يحركونها في الجزم ، كقولك : لم يشحح ولم يشحح ، فهذا لا يعمل عليه ، لأن الحركة فيه غير لازمة ، وكذلك حركته في فعلن ويفعلن ، كقوله : " رددن ويرددن" ، وعلى أن هذا

٤٨٢

يسكنّه بعض العرب ، فيقولون : (رددن ردن) " فلما كان السكون فيه الكثير جعل بمنزلة ما لا يكون فيه إلا ساكنا" يعني ذوات الواو والياء.

قال : " وزعم يونس إنهم قالوا : كعّ يكعّ ، ويكعّ أجود ، لمّا كانت قد تحرك في بعض المواضع جعلت بمنزلة يدعّ ونحوها في هذه اللغة ، وخالفت باب جئت ، كما خالفتها في أنها قد تحرك"

أراد أن الذي يقول : يكعّ ، وماضيه كععت جاء على مثال صنع يصنع ، لأن باب كعّ لما كانت عين الفعل قد تتحرك في يكعع وكععن صار بمنزلة صنعن يصنعن ، وخالف باب جئت من ذوات الواو والياء ؛ لأنهما لا تتحركان إلا إذا كانتا عينين.

هذا باب الحروف الستة إذا كان واحد منها عينا وكانت الفاء قبلها

مفتوحة وكان فعل

" إذا كان ثانيه من الحروف الستة فإن فيه أربع لغات مطّرد فيه فعل وفعل وفعل وفعل ، إذا كان فعلا أو اسما أو صفة فهو سواء. وفي فعيل لغتان : فعيل وفعيل ، إذا كان الثاني من الحروف الستة مطّرد ذلك فيهما لا ينكسر في فعيل ولا فعل ، إذا كانت كذلك كسرت الفاء في لغة تميم ، وذلك لئيم وشهيد وسعيد ونحيب ورغيف وبخيل وبئيس ، وشهد ومحك ولعب ونغل ورحم ووخم ، وكذلك إذا كان صفة أو فعلا أو اسما ، وذلك قولك : رجل لعب ، ورجل محك ، وهذا ما ضغ لهم".

واللهم : الكثير البلع ، وهذا رجل وغل ، أي طفيلي كثير الدخول على من يشرب من غير أن يدعى ، " ورجل جئز" وهو الذي يغصّ بما يأكل ، والجأز : الغصص ، " وهذا عير نعر" (وهو الصياح) " وفخذ"

" وإنما كان هذا في هذه الحروف ، لأن هذه الحروف قد فعلت في يفعل ما ذكرت لك حيث كانت لامات من فتح العين ، ولم تفتح هي أنفسها ها هنا لأنه ليس في الكلام فعيل ، وكراهية أن يلتبس فعل بفعل فيخرج من هذه الحروف فعل ، فلزمها الكسر هاهنا وكان أقرب الأشياء إلى الفتح وكانت من الحروف التي تقع الفتحة قبلها بما ذكرت لك ، فكسرت ما قبلها حيث لزمها الكسرة وكان ذلك أخف عليهم حيث كانت الكسرة تشبه الألف ، فأرادوا أن يكون العمل من وجه واحد ، كما أنهم إذا أدغموا فإنما أرادوا أن يرفعوا ألسنتهم من موضع واحد ، وإنما جاز هذا في هذه الحروف حيث كانت تفعل في يفعل ما ذكرت لك ، فصارت لها قوة في ذلك

٤٨٣

ليست لغيرها.

قال أبو سعيد : اعلم أن حروف الحلق لمّا أثرت في يفعل إذا كان واحد منها في موضع عين الفعل أو لامه ، وكان الفعل الماضي على فعل فجوزت أن يصير على يفعل ما حقه أن يأتي على يفعل أو يفعل على ما مضى من شرحه قبل هذا الباب ، فجعلت هذه الحروف في فعل وفعيل مجوزه تغيير ذلك وإن كان التغييران مختلفين ، وذلك أن في يفعل أن يفتح ما ليس حقه الفتح ، وفي هذا أن يكسر ما ليس حقه الكسر ، لأن الفاء في فعل وفعيل في الأصل مفتوحة ، وإنما جاز كسرها في فعل وفعيل من أجل حرف الحلق ، فقال سيبويه : " لم تفتح هي أنفسها" يعني حروف الحلق في فعيل ، لأنها لو فتحت أنفسها لوجب أن تقول : فعيل ، فتقول في بخيل : بخيل ، وفي شهيد ، شهيد ، كما قلنا يشحب ، وفتحناه لأنه ليس في الكلام فعيل ، ولو قلنا شهيد ، لكان بناء خارجا عن الكلام. وإذا قلنا يشحب ففتحناه من أجل حرف الحلق بقي الكلام له نظير كقولنا : يعمل ويفرق.

ولو فتحت أنفسها في فعيل لخرجت إلى فعل ، فكان يبطل أن يوجد فعل مما حرف الحلق ثانيه ، وكان أيضا يقع لبس بين ما أصله فعل وبين ما أصله فعل ، وكسر الأول إتباعا للثاني ، ولأن الكسر قريب من الفتح والياء تشبه الألف ، وأتبعوا الأول في الكسر الثاني كما يتبعون الأول الثاني في الإدغام. وأهل الحجاز لا يغيرون البناء ، لا يقولون في شهيد بألا يفتح الأول ، وكذلك في شهد. ومن قال شهد فخفف قال : شهد ، ومن قال شهد قال : شهد. وعامة العرب قالوا في نعم وبئس بكسر الأول ، كأنهم اتفقوا على لغة بني تميم ، ثم أسكنوا الثاني. وإذا كان البناء على فعل أو فعول لم يغيّروا ، وإن كان الثاني من حروف الحلق ، كقولهم : رؤف ورؤوف ولا يقولون : رؤوف ولا رؤف استثقالا للضمتين ولبعد الواو من الألف.

" كما أنك تقول : " من مثلك" فتجعل النون ميما ، ولا تقول : هل مثلك" فتجعل اللام ميما" لأن النون لها بالميم شبه ليس للام ، وسترى ذلك في باب الإدغام إن شاء الله تعالى".

قال : " وسمعت بعض العرب يقول : بيس فلا يحقق الهمزة ، كما قالوا : شهد فخففوا وتركوا السين على الأصل"

يريد أن الهمزة قد يترك تحقيقها ولا يتغيّر كسر الأول ، وكذلك شهد إنما كسرت الشين لكسرة الهاء في الأصل ، ولما سكنت الهاء لم يغيّر كسر الشين ، لأن النية كسر الهاء

٤٨٤

وتحقيق الهمزة ، وإن كان قد لحقه هذا التخفيف.

قال : " وأما الذين قالوا : مغيرة ومغيرة فليس على هذا ، ولكنهم أتبعوا الكسرة الكسرة ، كما قالوا : منتن وأنبؤك وأجؤك ، يريد أنبئك وأجيئك"

يريد أن هذا شاذ لا يطرد فيه قياس ، وليس من أجل حرف الحلق ما عمل ذلك ، ولكنه كثر في كلامهم ، فأتبعوا هذه الحروف خاصة ، ولا يقولون في مجير : مجير ولا في معينة : معينة ، ولا في أبيعك : أبوعك ، ولا في أقرئك : أقرؤك.

قال : " وقالوا في حرف شاذ : أحبّ ويحبّ ونحبّ ، شبهوه بقولهم : منتن ، وإنما جاء على فعل وإن لم يقولوا : حببت. وقالوا : يحبّ ، كما قالوا : يئس ، فلما جاء شاذا عن بابه على يفعل خولف به ، كما قالوا : يا ألله ، وقالوا : ليس ، ولم يقولوا : لاس. فكذلك يحبّ لم يجئ على أفعلت ، فجاء على ما لا يستعمل ، كما أن يدع ويذر على ودعت ووذرت وإن لم يستعمل ، فعلوا هذا بهذا لكثرته في كلامهم"

قال أبو سعيد : اعلم أن في يحبّ قولان : أحدهما ما قال سيبويه أن أصله حبّ ، وإن لم يستعمل حبّ ، وقد تقدم القول بأن حبّ قد استعمل ، وذكرت فيه ما روي عن أبي رجاء العطارديّ : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)(١) ، وشعرا أنشدته فيه ، غير ذلك قول بعض بني مازن من تميم :

لعمرك إنني وطلاب مصر

لكا لمؤداد ممّا حبّ بعدا (٢)

وكان حقه على ما قدره سيبويه أن يقال : يحبّ بفتح الياء ، لكنه أتبع الياء الحاء ، وقال غيره : يحبّ ، بالكسر ، أصله يحب من قولنا : أحبّ يحبّ ، وشذوذه إنهم أتبعوا الياء المضمومة الحاء كما قالوا : مغيرة ، والأصل مغيرة ، فكسروه من مضموم. وهذا القول أعجب إليّ ، لأن الكسرة بعد الضمة أثقل وأقل في الكلام ، فالأولى أن يظن إنهم اختاروا الشاذ عدولا عن الأثقل.

ومن حجة سيبويه إنهم قالوا : يئبى ، والأصل يأبى ، فقد كسروا المفتوح ، وإنما كسروا في يئبى ، وحق الكسر أن يكون في أوائل يفعل مما ماضيه على فعل إذا كان الأول

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣١

(٢) الشاهد في قوله (حبّ) ومضارعه (يحب) وهو قليل الاستعمال ، والمشهور المستعمل (أحبّ) (يحب)

٤٨٥

تاء أو نونا أو ألفا ، ولا تدخل على الياء ، تقول في علم : أنت تعلم ، وأنا اعلم ، ونحن نعلم ، ولا يقولون زيد يحلم ، وسترى ذلك في الباب الذي بعد هذا ، فصار يئبى شاذا من وجهين : أحدهما أن أبى يأبى شاذ ، وكسر الياء فيه شاذ. وعند سيبويه إنهم ربما شذ الحر في كلامهم ، فخرج عن نظائره ، فيجسرهم ذلك على ركوب شذوذ آخر فيه ، فمن ذلك قولهم : يا ألله ، وليس من كلامهم نداء ما فيه الألف واللام ، ولا يقطعون ألف الوصل ، فلما قالوا : يا ألله فنادوا ما فيه الألف واللام ، قطعوا الألف فخرجوا عن نظائره من الوجهين. ولم يقولوا في ليس : لاس ، وكان حقه أن يقال ، لأنه فعل ماضي وثانيه ياء وهو على فعل ، وإذا تحركت الياء وقبلها فتحة قلبوها ألفا ، كما قالوا : هاب ونال ، وأصله : هيب ونيل.

فقولهم ليس شاذّا ، وكذلك قولهم : يدع ويذر ، لم يستعملوا فيه ودعت ولا وذرت ، وتركهم ذلك من الشاذ.

قال : " وأما أجيء ونحوها فعلى القياس ، وعلى ما كانت تكون عليه لو أتموا".

يعني أنه يفتح الألف في أجيء ، ولا يكون مثل يحبّ وإحبّ ، لأن هذا شاذ ، ويجيء وأجيء ونحوه جاء على ما ينبغي أن يكون.

هذا باب تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء

كما كسرت ثاني الحروف حين قلت فعل

" وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز ، وذلك قولك : أنت تعلم ذلك ، وأنا اعلم ذلك وهي تعلم ذلك ، ونحن نعلم ذلك ، وكذلك كل شيء قلت فيه : فعل من بنات الياء والواو التي الواو والياء فيهن لام أو عين والمضاعف ، وذلك قولك : شقيت ، وأنت تشقى ، وخشيت فأنا إخشى ، وخال فنحن نخال ، وعضّ فأنتن تعضضن وأنت تعضّين".

لأن خال فعل ، أصله خيل ، وعضّ أصله عضضت.

قال : " وإنما كسروا هذه الأوائل ، لأنهم أرادوا أن تكون أوائلها كثواني فعل ، كما ألزموا الفتح ما كان ثانيه مفتوحا في فعل"

يعني أنهم كسروا أول المستقبل فيما كان الثاني منه في الماضي مكسورا ، كما ألزموا الفتح فيما كان الثاني منه مفتوحا ، كقولك : ضربت تضرب ، وقتلت تقتل ، وأجروا أوائل المستقبل على ثواني الماضي في ذلك. ولم يمكنهم أن يكسروا الثاني من المستقبل ، كما

٤٨٦

كسروه من الماضي ؛ لأن الثاني يلزمه السكون في أصل البنية ، " فجعل ذلك في الأول".

قال : " وجميع هذا إذا قلت فيه يفعل فأدخلت الياء فتحت ، وذلك إنهم كرهوا الكسرة في الياء حيث لم يخافوا انتقاض معنى فيحتملوا ذلك كما يكرهون الياءات والواو مع الياء وأشباه ذلك"

يعني أن الذين يقولون تعلم بكسر التاء لا يقولون : " يعلم بكسر الياء ، لاستثقالهم الكسر على الياء ولا يدعوهم إلى كسرها داع يوجب تغيير معنى أو لفظ ، وقد كسروا الياء فيما كان فاء الفعل منه واوا ، قالوا : وجل ييجل ، لأنهم أرادوا بكسرها قلب الواو ياء استثقالا للواو ، وكذلك : وجل يوجل ، ووحل يوحل ، وما جرى مجراه. ولا يكسر في هذا الباب شيء كان ثانيه مفتوحا ، نحو : ذهب وضرب وأشباههما.

وقالوا : أبى وأنت تئبى ، وذلك أنه من الحروف التي يستعمل فيها يفعل مفتوحا وأخواتها ، وليس القياس أن يفتح ، وإنما هو حرف شاذ ، فلما جاء مجيء ما فعل منه مكسور فعلوا به ما فعلوا بذلك"

يعني أنه لما كان يأبى على وزن يوجب أن يكون ماضيه أبي بكسر الباء كسر منه الياء في يئبى ، وجعلوه بمنزلة يخشى الذي ماضيه خشي فكسروا الياء فيه أيضا فقالوا : يئبى ، وهم لا يقولون يخشى ، بكسر الياء ، لأنهم قد ركبوا الشذوذ في تئبى ، بكسر التاء ، فجّرأهم ذلك على كسر الياء الذي هو شذوذ آخر ، كأنهم أتبعوا الشذوذ الشذوذ.

" وشبهوه بييجل" في كسر الياء" حين أدخلت في باب فعل ، وكان إلى جنب الياء حرف اعتلال ، وهم ممّا يغيّرون في كلامهم الأكثر ، ويجسرون عليه إذ صار عندهم مخالفا".

يعني إنهم شبهوا الهمزة في يئبى بعد ياء الاستقبال ، إذ كان يجوز تليينها وقلبها إلى الياء بقلب الواو إلى الياء في ييجل. ومعنى قوله : " وهم مما يغيّرون في كلامهم الأكثر إذ صار عندهم مخالفا" ، يعني لمّا صار مخالفا للقياس في شيء احتملوا مخالفة أخرى فيه.

قال : " وجميع ما ذكرت مفتوح في لغة أهل الحجاز ، وهو الأصل"

يعني نعلم وتعلم وما أشبه ذلك ، وصارت لغتهم الأصل ، لأن العربية أصلها إسماعيل ، وكان مسكنه مكة ، ومع ذلك فإن العرب مجمعة على فتح ما كان ماضيه على فعل أو فعل في المستقبل ، فعلمنا أن الفتح الأصل.

٤٨٧

قال : " وأما تسع وتطأ فإنهم فتحوا ، لأن فعل يفعل حسب يحسب ، فتحوا الهمزة والعين ، كما قالوا : يقرأ ويفزع ، فلما جاءت على مثال ما فعل منه مفتوح لم يكسروا كما كسروا يأبى حيث جاءت على مثل ما فعل منه مكسور ، وأن أصل يسع يوسع ، ويطأ يوطئ ، وإنما فتح من أجل حرف الحلق ، فصار بمنزلة حسب يحسب ، فلم يكسروه ، لأن ما كان على يفعل كان ماضيه على فعل ، ولا يكسر أول مستقبل ما ماضيه فعل ، وإنما كسروا في يأبى على شذوذه ، لأنه جاء على مثال ما ماضيه مكسور الثاني.

قال : " وأما وجل يوجل ونحوه فإن أهل الحجاز يقولون يوجل فيجرونه مجرى علمت ، وغيرهم من العرب يقولون : هو ييجل ، وأنا إيجل ، ونحن نيجل ، وإذا قلت : يفعل منه ، فبعض العرب يقولون ، ييجل ، كراهية الواو مع الياء ، شبهوا ذلك بأيام ونحوها ، وقال بعضهم ، ياجل ، فأبدل مكانها أيضا كراهية الواو مع الياء كما يبدلونها من الهمزة الساكنة"

يعني كما يقولون في ذئب : ذيب ، فقلبوا الياء من الهمزة الساكنة وشبهوا قلب الواو ياء في يوجل بأيام ونحوها ، والأصل أيوام." وقال بعضهم : ياجل" ، فأبدل مكان الياء ألفا ، " كراهية الواو مع الياء كما يبدلونها من الهمزة الساكنة" ، يعني إذا خففوا همزة رأس قالوا : راس ، بألف.

قال بعضهم : ييجل ، كأنه لمّا كره الياء مع الواو كسر الياء لتقلّب الواو ياء ؛ لأنه قد علم أن الواو الساكنة إذا كانت قبلها كسرة صارت ياء ، ولم تكن عند الواو التي تقلب مع الياء حيث كانت الياء التي قبلها متحرك ، فأرادوا أن يقلبوها إلى هذا الحد ، وكره أن يقلبها على ذلك الوجه".

يريد أن الواو لا يجب قلبها ياء إلا أن يكون المتحرك الذي قبلها مكسورا ، فالذي كسر الياء في ييجل استثقل الواو في يوجل ، ولم ير الياء المفتوحة توجب قلب الواو ، فكسرها لتنقلب الواو.

قال : " واعلم أن كل شيء كانت ألفه موصولة في فعل ، فإنك تكسر أوائل الأفعال المضارعة للأسماء ، وذلك لأنهم أرادوا أن يكسروا أوائلها كما كسروا أوائل فعل ، فلما أرادوا الأفعال المضارعة على هذا المعنى كسروا أوائلها ، كأنهم شبهوا هذا بذلك ، وإنما منعهم أن يكسروا الثواني في باب فعل أنها لم تكن تحرّك ، فوضعوا ذلك في الأوائل ، ولم يكونوا ليكسروا الثالث فيلتبس" يفعل"" بيفعل" ، وذلك قولك :

٤٨٨

استغفر فأنت تستغفر ، واحرنجم فأنت تحرنجم ، واغدودن فأنت تغدودن ، واقعنسس فأنا اقعنسس.

يريد أنهم شبهوا ما كان في ماضيه ألف وصل بما كان الماضي منه على فعل لاجتماعهما في كسر ألف الوصل أولا وكسرة عين فعل ثانيا ، وكرهوا كسر الحرف الثاني من مستقبل" فعل" ، لأن صيغته السكون ، وكرهوا كسر الثالث لئلّا يلتبس" يفعل"" بيفعل" ، فوجب كسر الأول ، ثم حملوا مستقبل ما فيه ألف الوصل على مستقبل" فعل" ، فكسروا أوله.

" وكل شيء من تفعّلت أو تفاعلت أو تفعللت يجري هذا المجرى ، لأنه كان في الأصل مما ينبغي أن يكون أوله ألف موصولة ، لأن معناه معنى الانفعال ، وهو بمنزلة انفتح وانطلق ، ولكنهم لم يستعملوه استخفافا"

قال أبو سعيد : إنه يجوز أن يقال في مستقبل تدحرج وتعالج وتمكّن : يتدحرج ويتعالج ويتمكّن ، لأنه كان الأصل فيما زاد على أربعة من الأفعال الثلاثية أن تكون فيها ألف وصل ، فحمل كسر هذه الأفعال على كسر ما في أوله ألف وصل ، فتصير جملة ما يجوز كسر أول مستقبله ثلاثة عشر بناء ، منها تسعة أبنية في أوائلها ألف الوصل ، وثلاثة في أوائلها التاء الزائدة ، وفعل الذي ذكرناه أولا.

قال : " والدليل على ذلك إنهم يفتحون الياءات في يفعل"

يريد أن الدليل على أن ما في أوله التاء الزائدة في الماضي كان حقه ألف الوصل أن مستقبله يفتح أوله ، ولا يجري مجرى الرباعي ، كقولك : يتعالج ويتكبر ، فصار بمنزلة ما فيه ألف الوصل نحو ينطلق ويستغفر وما أشبه ذلك ، فاعرفه إن شاء الله تعالى.

قال سيبويه : " ومثل ذلك قولهم : تقى الله رجل ، ثم قالوا : يتقي الله ، أجروه على الأصل وإن كانوا لم يستعملوا الألف ، حذفوها والحرف الذي بعدها"

قال أبو سعيد : اعلم أن العرب تقول : تقى زيد يتقى ، بفتح التاء في المستقبل ، وكان الظاهر من هذا أن يقال : تقى يتقي ، وإنما هو على الحذف ، وأصله اتّقى يتّقي ، حذفوا فاء الفعل وهو التاء الأولى من اتّقى وهي ساكنة فسقطت ألف الوصل من اتقى لأن بعدها متحركا ، وفي المستقبل يتّقي ، حذفوا منه التاء أيضا الأولى ، فبقى يتقى ، وإذا أمروا قالوا : " تق الله ، وأصله اتّق الله ، سقطت التاء التي هي مكان فاء الفعل وسقطت ألف الوصل. وأصل هذه التاء الساقطة واو ، لأنها من وقيت ، والتاء في قولهم : تقى الله رجل

٤٨٩

ويتّقي وتق الله في الأمر هي تاء افتعل ، وهي زائدة. واختلفوا في تاء تقى. وكان أبو العباس المبرد يقول هي زائدة ، ووزن تقى تعل ، وكان الزجاج يقول هي منقلبة من واو وقى ، وهي فعل ، مثل قولهم : تكأة وتخمة ، والأصل وكأة ووخمة ، ولا يقال يتقي في المستقبل بتسكين التاء ، لأن الأصل ما ذكرته ، ولو كان يجوز التسكين لقيل في الأمر : اتق ، كما يقال في يرمي : ارم ، قال الشاعر :

تقوه أيّها الفتيان إني

رأيت الله قد غلب الجدودا (١)

وقال آخر :

يتقي به نفيان كلّ عشيّة

فالمساء فوق متونه يتصبّب (٢)

وقال آخر :

جلاها الصيقلون فأخلصوها

فجاءت كلّها يتقي بأثر

ومثل هذا يتخذ على معنى يتّخذ ، فحذفوا التاء الأولى ، كما حذفوا من يتقي.

وقالوا في معنى الماضي : تخذ ، فكان الزجاج يقول : أصل تخذ اتّخذ ، وليس الأمر عندي كما قال ، لأنه لو كان اتّخذ ، وحذفت التاء منه لوجب أن يقال تنخذ ، وليس أحد يقول تخذ بفتح الخاء ، وحكى أبو زيد تخذ يتخذ تخذا. وفيما قرأته على ابن أبي الأزهر عن بندار :

ولا تكثرا تخذ العشار فإنّها

تريد مباءات فسيحا فناؤها (٣)

وإنما أراد سيبويه إنهم قالوا في المستقبل : يتقي ، وإن كان الماضي تقى ، لأن أصل تقى اتّقى ، فردوه إلى أصل اتّقى ، فقالوا : يتقي تخفيفا عن يتّقي ، وقد مضى ذلك.

قال سيبويه : وأما فعل فإنه لا يضم منه ما كسر من فعل ، لأن الضم أثقل عندهم ، فكرهوا الضمتين ولم يخافوا التباس معنيين ، فعمدوا إلى الأخف"

يريد أنهم لم يقولوا في مستقبل" فعل"" يفعل" على ما توجبه ضمة الماضي ،

__________________

(١) سبق تخريجه : انظر المخصص ١٤ / ٢١٩.

(٢) قائله ساعدة بن جؤبة الهذلي انظر ديوان الهذليين ١ / ١٦٩ ، والشاهد فيه (يتقي) بفتح التاء مع التخفيف في موضع (يتّقي) وهو ماضي (تقى).

(٣) الشاهد في قوله (تخذ) بسكون الخاء حيث جاء به مصدرا للفعل (تخذ) ، انظر المخصص ١٤ / ٢١٩.

٤٩٠

كما كسروا أول مستقبل فعل حين قالوا : تعلم ، لأن الكسر مع الفتح أخف من اجتماع ضمتين ، ولم تكن بهم حاجة إلى تحمل ثقل الضمتين ؛ لأن المعنى لا يتغير فتكون إبانة المعنى داعية لهم إلى تحمل الثقل ، فهذا معنى قوله : " ولم يخافوا التباسا ، فعمدوا إلى الأخفّ".

قال سيبويه : " ولم يريدوا تفريقا بين معنيين ، كما أردت ذلك في فعل"

يريد بذلك أن في فعل حين قالوا : تفعل في مستقبله فرقوا بهذه الكسرة بين ما كان ماضيه على فعل وما كان ماضيه على فعل ، فقالوا : تعلم ، ولم يقولوا تذهب ، وجعله سيبويه معنيين وإن لم يكن من المعاني التي تغير مقاصد القائلين فيما غيّروا ، وإنما هو حكمة في إتباع اللفظ اللفظ.

هذا باب ما يسكن استخفافا وهو في الأصل عندهم متحرك

" وذلك قولهم في فخذ : فخذ ، وفي كبد : كبد ، وفي عضد : عضد ، وفي كرم الرجل : كرم الرجل ، وفي علم : علم ، وهي لغة بكر بن وائل وأناس كثير من بني تميم ، وقالوا في مثل : لم يحرم من فصد له"

يعني فصد البعير للضيف (وفصده للضيف) أنه عند عوز الطعام يفصدون البعير ليشرب الضيف من دمه فيمسك جوعه.

" وقال أبو النجم :

لو عصر منها المسك والبان انعصر (١)

يريد عصر ، وهذه اللغة كثيرة في تغلب وأبو النجم من بكر بن غالب وهو أخو بكر بن وائل ، وقال القطامي :

ألم يخز التفرّق جند كسرى

ونفخوا في مدائنهم فطاروا (٢)

" وإنما حملهم على هذا إنهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح إلى

__________________

(١) رجز للفضل بن قدامة العجلي الشاهد فيه (عصر) يريد (عصر) ولكنه خفف الكلمة بحذف الكسرة ويوجد به شاهد آخر (الواو) في (والبان) بمعنى (أو). انظر إصلاح المنطق ٣٦ ، المنصف ١ / ٢٤ ، أدب الكاتب ٥٦٣.

(٢) الشاهد في قوله (ونفخوا) يريد (نفخوا) فحذف الكسرة للتخفيف. انظر ديوان القطامي ٨٤ ، والمخصص ١٤ / ٢٢٠.

٤٩١

المكسور ، والمفتوح أخف عليهم ، فكرهوا أن ينتقلوا من الأخف إلى الأثقل ، وكرهوا في عصر الكسرة بعد الضمة كما يكرهون الواو مع الياء في مواضع ، ومع هذا أنه بناء ليس من كلامهم إلا في هذا الموضع من الفعل ، فكرهوا أن يحوّلوا ألسنتهم إلى الاستثقال"

يريد أنه ليس في كلامهم فعل إلا فيما لم يسم فاعله من الثلاثي.

" وإذا تتابعت الضمتان خففوا أيضا وكرهوا ذلك كما يكرهون الواوين ، وإنما الضمتان من الواوين ، وذلك قولك : الرّسل والطّنب والعنق ، تريد الرّسل والطّنب والعنق ، وكذلك الكسرتان تكرهان عند هؤلاء كما تكره الياءان في مواضع ، وإنما الكسرة من الياء ، فكرهوا الكسرتين كما تكره الياءان ، وذلك قولك في إبل إبل" ، قال الشاعر ،

ألبان إبل تعلّة بن مسافر

مادام يملكها على حرام (١)

" وأما ما توالت فيه الفتحتان فإنهم لا يسكّنون منه ، لأن الفتح أخف عليهم من الضم والكسر ، كما أن الألف أخف من الواو والياء ، وسترى ذلك إن شاء الله ، وذلك نحو : جمل وحمل ونحو ذلك. ومما أشبه الأول مما ليس على ثلاثة أحرف قولهم : أراك منتفخا علي ، بتسكين الفاء"

سكّن لأن قولنا نفخ كقولنا فخذ وكبد ، فأسكن كما أسكن الخاء من فخذ ، " ومن ذلك قولهم : " انطلق يا هذا" ، بتسكين اللام وفتح القاف ، وكان الأصل انطلق ، اللام مكسورة والقاف ساكنة ، فسكنت اللام للكسرة ، فاجتمع ساكنان : اللام والقاف ، فحركوا القاف وفتحوه ، كما قالوا : أين وفتحوا النون.

قال سيبويه : " حدثنا الخليل عن العرب بذلك ، وأنشدنا بيتا لرجل من أزد السراة ، وهو :

عجبت لمولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان (٢)

__________________

(١) البيت نسبه أبو العباس المبرد إلى رجل من بني تميم انظر خزانة الأدب ٣ / ٤٣٨ ، المخصص ١٤ / ٢٢١ ، رغبة الآمل ١ / ١٩٦ ، والشاهد فيه (إبل) ويريد (إبل) فسكن العين للتخفيف

(٢) نسبه الشنقيطي في الدرر اللوامع ١ / ٣١ ، والعيني في هامش الخزانة ٢ / ٣٥٥ لرجل من أزد السراة ، والشاهد فيه (لم يلده) ويريد (لم يلده) فسكن المكسور تخفيفا.

٤٩٢

يريد لم يلده ، فأسكن اللام ، فاجتمع ساكنان ، اللام والدال ، ففتح الدال لاجتماع الساكنين.

" سمعناه من العرب كما أنشده الخليل ، ففتحوا الدال كي لا يلتقي ساكنان ، حيث أسكنوا موضع العين حركوا الدال".

وزعموا إنهم يقولون : " ورك وورك ، وكتف وكتف.

وهذا ما أسكن من هذا الباب وترك أول الحرف على أصله لو حرك ،

لأن الأصل عندهم أن يكون الثاني متحركا وغير الثاني أول

الحرف

" وذلك قولهم : شهد ولعب ، تسكّن العين كما أسكنتها في علم ، وتدع الأول مكسورا لأنه عندهم بمنزلة ما حرّكوا فصار كأول ابن. سمعناهم ينشدون هذا البيت هكذا للأخطل :

إذا غاب عنا ، غاب عنا فراتنا

وإن شهد أجدى فضله وجداوله (١)

ومثل ذلك نعم وبئس ، وإنما هو فعل"

قال أبو سعيد : قد كنت ذكرت في باب قبل هذا أن ما كان على" فعل" وثانيه حرف من حروف الحلق ففيه أربع لغات : منها" فعل" ، وهو الذي أراد سيبويه في هذا الموضع ، لأن شهد ولعب جاء على أصله لو حرّك معناه أنه جاء على شهد ولعب ثم أسكن من ذاك.

" ومثل ذلك : " غزي الرجل" لا تحوّل الياء واوا ، لأنها إنما خففت والأصل عندهم التحريك ، وأن تجرى ياء كما أن الذي خفف الأصل التحريك عنده ، وأن يجري الأول في خلافه مكسورا".

قال أبو سعيد : اعلم أن أصل غزي غزو ؛ لأنه من الغزو ، انقلبت الواو ياء لأنها طرف وقبلها كسرة ، فكأنّ قائلا قال : إذا أسكنا الزاي وجب أن تعود الواو ؛ لأن العلة التي كانت تقلبها ياء قد زالت ، فقال سيبويه :

" هذا التخفيف ليس بواجب ، ولا هو بناء بني عليه اللفظ في الأصل ، وإنما هو

__________________

(١) الشاهد تسكين الهاء من قوله (شهد) بعد تحريك الشين بالكسر اتباعا لحركة عينها قبل السكون ، انظر ديوانه : ١ / ٣٤٨ ، الهمع : ٢ / ٨٤ ، الدرر : ٢ / ١٠٩

٤٩٣

عارض ، كما أن الذي يقول : علم وكرم في علم وكرم الأصل عنده علم وكرم وإن خفّف".

والدليل على أن الأصل هذا أنه لو جعل الفعل لنفسه لقال : علمت وكرمت ، فرد البناء إلى أصله ، فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

هذا باب ما تمال فيه الألفات

اعلم أن معنى الإمالة أن تميل الألف نحو الياء فتكون بين الألف والياء في اللفظ ، والذي دعا إلى ذلك أنه إذا كان في الكلمة كسرة أو ياء نحوا بالألف نحو الياء وأجنحوها إتباعا للكسرة ، ولأن الياء أقرب إلى الألف من الواو. والأشياء التي من أجلها تمال الألف ، الياء أو الكسرة إذا كانتا ظاهرتين أو مقدرتين ، أو كان في تصاريف الكلمة التي فيها الممال ياء أو كسرة ، أو يكون مآل الألف ومرجعها إلى الياء في بعض تصريفها ، أو ليفرق بين لفظين ، فيشبّه ما لا أصل له في الإمالة بما يمال لاشتراكهما في لفظ الألف وذلك على مراتب منها ما تقوى فيه الإمالة ، ومنها ما يجوز ، وليس بقوي ، ومنها ما يقبح ، وقد تكلّم به على فتحه ، ومنها ما جاء شاذا تكلمت به العرب ، وأنت تقف على جميع ذلك مما أسوقه من كلام سيبويه.

قال سيبويه : " فالألف تمال إذا كان بعدها حرف مكسور ، وذلك قولك : عابد وعالم ومساجد ومفاتيح وعذافر وهابيل ، وإنما أمالوها للكسرة التي بعدها ، أرادوا أن يقرّبوها منها كما قربوا في الإدغام الصاد من الزاي حين قالوا صدر ، فجعلوها بين الصاد والزاي ، فقربوها من الزاي والصاد التماس الخفة ، لأن الصاد قريبة من الدال فقربوها من أشبه الحروف من موضعها بالدال ، وبيان ذلك في الإدغام ، فكما يريد في الإدغام أن يرفع لسانه من موضع واحد كذلك يقرب الحرف إلى الحرف على قدر ذلك فالألف قد تشبه الياء فأرادوا أن يقربوها منها"

قال أبو سعيد : اعلم أن الصاد والدال متقاربا المخرج ، وبينهما على تقاربهما اختلاف في كيفيتهما ، وذلك أن الصاد مهموسة والدال مجهورة والصاد مطبقة مستعلية وليست الدال كذلك والصاد رخوة والدال شديدة والصاد من حروف الصفير ، وليست الدال منها ، فلهذا التباين استثقلوا تحقيق الصاد وبعدها الدال فاختاروا حرفا من مخرج الصاد يوافق الدال في بعض ما خالفتها الصاد فيه ، وذلك الحرف الزاي لأن الزاي مجهورة مثل الدال وليست بمستعلية ولا مطبقة ، كما أن الدال كذلك فجعلوا الصاد بين الصاد

٤٩٤

والزاي لتقرب من الدال ، وكذلك قربوا الألف من الياء بالإمالة للكسر العارض ولشبه الألف بالياء ، وإنما قال : " كما قرّبوا في الإدغام" ، وليس تقريب الصاد من الزاي إدغاما لأنه أراد أن الكلام في هذا يكون في باب الإدغام.

قال سيبويه : " وإذا كان بين أول حرف من الكلمة وبين الألف حرف متحرّك والأول مكسور أملت الألف لأنه لا يتفاوت ما بينهما بحرف ألا تراهم قالوا : صبقت فجعلوها صادا لمكان القاف فقالوا : صقت ، وكذلك إن كان الذي بينه وبين الألف حرفان : الأول ساكن ، لأن الساكن ليس بحاجز قوي وإنما يرفع لسانه عن الحرف المتحرك رفعة واحدة كما رفعه في الأول ، فلم يتفاوت بهذا كما لم يتفاوت الحرفان حين قلت صويق ، وذلك قولهم : سربال وشملال وعماد وكلاب"

قال أبو سعيد : يريد أن الكسرة في عماد وكلاب هي التي دعت إلى إمالة الألف ؛ لأن الحرف الذي قبل الألف تمال فتحته إلى الكسرة وهو بعد الكسرة في عماد وكلاب والحرف الساكن الذي في" سربال" وهو الراء بعد السين والذي في" شملال" وهو الميم بعد الشين لم يحفل به لسكونه وأنه ليس بحاجز قوي ، فصار كأنك قلت" سبال" و" شمال" ، وقد فعلوا ذلك فيما يشاكل ذلك ما هو أقوى مما ذكرنا ، فقالوا : صبقت والأصل سبقت ، لأن القاف إذا كانت بعد السين فبعض العرب يقلب السين صادا لعلة نذكرها في موضعها فقلبت القاف السين في سبقت صادا وبينهما الباء كما قلبتها في" صقت" وأصلها" سقت" وليس بينهما حرف وقلبتها في" صويق" يريدون به" سويق" وبينهما حرفان الأول متحرك والثاني ساكن.

قال سيبويه : " وجميع هذا لا يميله أهل الحجاز".

يريد أنهم يقولون عابد وعالم ومفاتيح وهابيل مكسورات كلها ، وعلى ذلك قراءة القرآن إلا بعض ما يختلف فيه القراء وهو يسير.

قال : " فإذا كان ما بعد الألف مضموما أو مفتوحا لم يكن فيه إمالة ، وذلك نحو آجر تابل وخاتم لأن الفتح من الألف فهي ألزم لها من الكسر".

يعني الفتحة للألف ألزم. قال سيبويه :

" ولا تتبع الواو لأنها لا تشبهها ، ألا ترى أنك لو أردت التقريب من الواو انقلبت فلم تكن ألفا".

قال أبو سعيد : يريد أن الألف إذا كان بعدها ضمة لم تملها إلى الواو كما أملتها

٤٩٥

إلى الياء إذا كان بعدها كسرة لبعدها من الواو ولأن اللفظ لا يتأتى فيه ، ومتى أملناها صارت واوا كقولنا أوجرّ. قال سيبويه :

" وكذلك إذا كان الحرف الذي قبل الألف مفتوحا أو مضموما نحو رباب ، وجماد والبلبال والجمّاع والخطّاف"

يريد أنه لا يمال ذلك لأنه لا كسرة قبله ولا بعده.

" وتقول : الاسوداد يميل الألف ها هنا من أمالها في الفعال ، لأن وداد بمنزلة كلاب".

قال سيبويه : " ومما يميلون ألفه كل شيء من بنات الياء والواو كانت عينه مفتوحة. أما ما كان من بنات الياء فتمال ألفه ، لأنها في موضع ياء وبدل منها ، فنحوا نحوها كما أن بعضهم يقول في ردّ ردّ ، فيشم الكسر.

" قال الفرزدق :

وما حلّ من جهل حبا حلمائنا

ولا قائل المعروف فينا يعنّف (١)

فيشم كأنه ينحو نحو فعل فكذا نحوا نحو الياء".

وهذا كلام لم يأت له بتمثيل وذلك لأن ما أراده مفهوم ، استغني بفهمه وهو كل ما كانت ألفه طرفا وهي منقلبة من ياء مما كان أصله ياء أو ما كان أصله واوا ، ثم انقلبت ياء أو كان أصله ألفا مما يثنى بالياء.

فأما ما كان أصله ياء فقولك : رحى ورمى ومرمى ، لأن أصله رميت ، وتقول رحيان في التثنية ، وما كان أصله واوا انقلبت ياء نحو : أدنى وملهى ، وجميع ما كان من ذوات الواو إذا وقعت الواو رابعة وقبلها فتحة انقلبت ياء ثم انقلبت ألفا ، فجرى مجرى الياء في حكم الإمالة ، ألا ترى أنا نقول غزوت ثم نقول أغزيت وأغزيا واستغزيا تثنية استغزى. وأما ما كان أصله ألفا فحبلى وسكرى ؛ لأنك تقول : حبليان وسكريان ، فهذا كله حكم الياء الأصلية في الإمالة.

وأما ما كانت ألفه منقلبة من واو ، وذلك إنما يكون في الثلاثي فإنه تجوز إمالته أيضا وهو الذي قال سيبويه :

__________________

(١) الشاهد فيه مراعاة كسرة الثاني من قوله (حل) التي هي في أصل المثال قبل الإدغام ، ومثل ذلك لا يكاد يضبط بالمشافهة. انظر ديوانه : ٢ / ٢٩ ، شرح شواهد المغني : ١ / ٤٨٩.

٤٩٦

" وأما بنات الواو فأمالوا ألفها لغلبة الياء على هذه اللام ولأن هذه اللام هي واو ، وإذا جاوزت ثلاثة أحرف قلبت ياء ، والياء لا تقلب على هذه الصفة واوا ، فأميلت لتمكّن الياء في بنات الواو ، ألا تراهم يقولون" معدي ومسنية والقنى والعصي" ، ولا تفعل هذا الواو بالياء ، فأمالوها لما ذكرت لك والياء أخف عليهم من الواو فنحوا نحوها.

يعني في قولهم العشا والمكا ، وهو جحر الضّب وأصله من الواو ، لأنه يقال : امرأة عشواء ، ويقال : مكا ومكوان ، وإنما أمالوا هذا وإن كان من الواو لما ذكر سيبويه من غلبة الياء على الواو ، وغلبتها أنها تنقلب إذا جاوزت ثلاثة أحرف ، ولأنها تقلب في غير ذلك إلى الياء وهو قولهم" معدي" وأصله" معدو" وأرض مسنيّة في معنى مسنوّة ، أي مسقية يقال : " سنوت الأرض سقيتها" ، و" القنى والعصي" أصلها القنوّ والعصوّ لأنه يقال : قناة وقنوات وعصا وعصوان. قال سيبويه :

" والإمالة في الفعل لا تنكسر إذا قلت غزا وصفا ودعا ، وإنما كان في الفعل مستتبا لأن الفعل لا يثبت على هذه الحال ، ألا ترى أنك تقول : غزا ثم تقول : غزي فتدخله الياء وتغلب عليه وعدة الحروف على حالها ، وتقول : أغزوا ، فإذا قلت : أفعل قلت : أغزى قلبت وعدة الحروف على حالها ، فآخر الحروف أضعف لتغيّره ، وتخرج إلى الياء تقول : لأغرينّ ، ولا يكون ذلك في الأسماء"

والأسماء التي لا يميلونها من هذا النحو نحو قفا وعصا والقنا ، ولا يمتنعون من إمالة شيء من الأفعال لما ذكره سيبويه من قلبها إلى الياء في تصاريف الفعل.

" فصارت الألف أضعف في الفعل لما يلزمها من التغيير. وإذا بلغت الأسماء أربعة أحرف أو جاوزت من بنات الواو فالإمالة مستتبّة لأنها قد خرجت إلى الياء ، وجميع هذا لا يميله ناس كثير من بني تميم وغيرهم".

قال : ومما يميلون ألفه كل اسم كانت في آخره ألف زائدة للتأنيث أو لغير ذلك لأنها بمنزلة ما هو من بنات الياء ، ألا ترى أنك لو قلت في معزى وفي حبلى فعلت على عدّة الحروف لم يجئ واحد من الحرفين إلا من بنات الياء ، وكذلك كل شيء كان مثلهما مما يصير في تثنية أو فعل ياء ، فلما كانت في حروف لا تكون من بنات الواو أبدا صارت عندهم بمنزلة ألف رمي ونحوها"

يريد أن ألف حبلى ومعزى تمال ، لأنها تنقلب ياء لو صرّفنا منها الفعل فقلنا :

٤٩٧

حبليت ومعزيت ، كما تقول : جعبينا ، أو ثنينا فقلنا : حبليان ومعزيان كما قلنا رمى لأنه من رميت.

" وناس لا يميلون حبلى ومعزى ، ومما يميلون ألفه كل شيء كان من بنات الياء والواو مما هما فيه عين إذا كان أول فعلت منه مكسورا نحوا نحو الكسرة كما نحوا نحو الياء فيما كانت ألفه في موضع الياء وهي لغة لبعض أهل الحجاز ، وأما العامة فلا يميلون ما كانت الواو فيه عينا ، وذلك : خاف وطاب وهاب ، وبلغنا عن أبي إسحاق أنه سمع كثيّر عزّة يقول صار بمكان كذا وكذا.

وقرأ بعضهم (خاف).

قال أبو سعيد : أما إمالة خاف فلأنه على فعل وأصله خوف ، فمكسرة المقدرة في الألف جازت إمالته وتكسر أيضا إذا جعلت الفعل لنفسك فقلت خفت ، وكل ما كان في فعل المتكلم مكسورا جازت إمالته من ذوات الواو وكان أو من ذوات الياء. قال :

" ولا يميلون بنات الواو إذا كانت الواو عينا إلا ما كان على فعلت مكسور الأول ليس غير".

يريد لا يميلون قال وقام وجار وما أشبه ذلك ، لأنه من ذوات الواو وليس تلحقه كسرة في أصل بنيته لأنه على فعل ، ولا في شيء من تصرف فعله ، لأنك تقول ، قلت ، ولا تكسر كما كسرت" خفت" ، ومثله" طلت".

" ولا تشبّه ببنات الواو والتي الواو فيهن لام أن الواو قوية هاهنا ، ولا تضعف ضعفها ثمة ، ألا تراها ثابتة في فعلت وأفعل وفاعلت ونحوه ، فلمّا قويت هاهنا تباعدت من الياء والإمالة وذلك قولك : قام ودار لا يميلونهما"

قال أبو سعيد : يريد أن الواو إذا كانت عين الفعل وانقلبت ألفا ولم تلحقها كسرة لم تمل في" قام ودار" وما أشبههما كما أميلت في" غزا وونى ودعا" ، لأنها إذا كانت لاما كان انقلابها إلى الياء أكثر من انقلابها إذا كانت عينا لأنها أولى بالإعلال ، ولو اجتمعت عين الفعل ولامه وهما من حروف العلة لأعلّت اللام دون العين ، فلذلك جاز في اللام من الإمالة ما لم يجز في العين ، وقوّي ذلك أنك تقول في فعّلت قوّمت ، وفي فاعلت قاومت ، فلا تعل الواو ، ولو كانت لام الفعل لانقلبت ياء ، ألا ترى أنك تقول : غازيت وسمّيت وأصله الواو فتنقلب ياء.

قال : " وقالوا" مات" وهم الذين يقولون" متّ" ، ومن لغتهم" صار وخاف" ،

٤٩٨

والذين يقولون" متّ" لا يقولون" مات" ، لأنه لا تلحقه كسرة في تقدير ولا لفظ".

قال : " ومما تمال ألفه كيّال وبيّاع ، وسمعنا بعض يوثق بعربيته يقول : كيال كما ترى فيميل وإنما فعلوا هذا ، لأن قبلها ياء فصارت بمنزلة الكسرة التي تكون قبلها نحو سراج وجمال ، وكثير من العرب وأهل الحجاز لا يميلون هذه الألف ومن يميل يقول : شوك السّيال والضّياح ، كما قلت كيّال وبيّاع" والسّيال شجر ، والضّياح لبن ممزوج.

" وقالوا : شيبان وقيس عيلان وغيلان ، فأمالوا للياء ، والذين لا يميلون في كيّال لا يميلون ها هنا ، ومما يميلون ألفه قولهم : مررت ببابه وأخذت من ماله ، هذا في موضع الجر ، شبهوه بفاعل نحو كاتب وساجد ، والإمالة في هذا أضعف لأن الكسرة لا تلزم".

قال أبو سعيد : يريد أن الكسرة في الباء واللام من بابه وماله بعد الألف شبهت بكسرة عين فاعل بعد الألف ، وكسرة عين فاعل لازمة ، فهي أقوى في إمالة الألف التي قبلها ، وكسرة بابه وماله تزول في الرفع والنصب.

" وسمعناهم يقولون من أهل عاد" لكسرة الدال" فأما في موضع الرفع والنصب فلا تكون الإمالة كما لا تكون في آجر وتابل ، وقالوا : رأيت زيدا فأمالوا كما فعلوا ذلك في غيلان ، والإمالة في زيد أضعف لأنه يدخله الرفع"

يريد أن غيلان الألف التي دخلت عليها الإمالة لا تفارق ، والألف في زيد إنما تكون في النصب ، فأمالوا من أجل الياء ، وشبهوا ألف زيدا بألف غيلان.

" ولا يقولون : رأيت عبدا ، لأنه لا ياء فيه ، كما لا تميل" كسلان" ولا" دهمان" لأنه لا ياء فيه ، وقالوا : درهمان".

والإمالة في درهمان شاذة لبعد كسرة الدال من الألف ، والذين أمالوا لم يحفلوا بالهاء لخفائها ، وسترى الكلام على خفاء الهاء وأنها لا يعتدّ بها ، فيصير كأنهم قالوا : درمان.

وقالوا : رأيت قزحا ، وهو أبزار القدر ، ورأيت علما ، جعلوا الكسرة كالياء ، وقالوا : النجادين ، كما قالوا : مررت ببابه فأمالوا الألف". ولا يميلون في النجادين لأنه لا كسرة فيه.

وقالوا : مررت بعجلانك ، كما قالوا : مررت ببابك".

ولا يميلون هذا عجلانك ولا هذا بابك.

٤٩٩

وقالوا : مررت بمال كثير ، ومررت بالمال ، كما تقول : هذا ماش وهذا داع" فإذا وقف على ذلك" فمنهم من ينصب لأنه لا يتكلم بالكسرة".

فيقول : هذا ماش وهذا داع ومنهم من يميل ، لأن النية فيه الكسر إذا وصل ، فيقول : هذا داع وهذا ماش ، وعلى هذين الوجهين يختلف من يقرأ لأبي عمرو فيما يميله إذا وقف منهم من يقول : (أَصْحابُ النَّارِ)(١) ، فيميل كما يميل في الوصل ، ومنهم من يقول النّار فيفتح.

قال : " وقال ناس : رأيت عمادا ، فأمالوا للإمالة كما أمالوا للكسرة"

يريد أنهم أمالوا الألف التي بعد الدال لإمالة الألف التي بعد الميم لكسرة العين التي قبل الميم ، لأن الإمالة كالكسرة.

قال : " وقوم يقولون : رأيت علما ، ونصبوا عمادا لما لم يكن قبلها ياء ولا كسرة".

يريد أن الألف التي بعد الدال ليس قبلها ياء ولا كسرة ، فصار بمنزلة رأيت عبدا.

قال : " وقال بعض الذين يقولون في السّكت بمال فلا يميلون من عند الله ولزيد مال شبهوه بألف عماد للكسرة التي قبلها ، فهذا أقل من مررت بمالك لأن الكسرة منفصلة".

الإمالة في قولنا من عند الله أنه يجعل الدال المكسورة موصولة بما بعدها فيصير كأنه بالله كلمة ، ويصير بمال من قولنا : لزيد مال كأنه كلمة فيصير كقولنا : مصباح وشملال وما أشبه ذلك ، فلا يحفل بالحرف الساكن فيصير كأنه عماد. ثم قال :

" فهذا أقل من مررت بمالك".

يريد أن الباء المكسورة متصلة بالميم والدال من عند ومن زيد ليست متصلة بما بعدها ، فصارت الإمالة في قولنا بمالك أقوى. وقوله :

" والذين قالوا : من عند الله أكثر لكثرة هذا الحرف في كلامهم".

يعني أكثر من لزيد مال.

" ولم يقولوا ذا مال يريدون ذا التي في هذا ، لأن الألف إذا لم تكن طرفا شبهت بألف فاعل".

__________________

(١) سورة الرعد : ٥

٥٠٠