شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

هذا باب تسمية المذكر بلفظ الاثنين والجمع الذي يلحق الواحد واوا ، ونونا

فإذا سميت رجلا برجلين ، فإنّ أقيسه وأجوده أن تقول : هذا رجلان ورأيت رجلين ، ومررت برجلين كما تقول : هذا مسلمون ، ورأيت مسلمين ومررت بمسلمين.

قال أبو سعيد : اعلم أن هذا الباب مشتمل على أن المسمى بتثنية أو جمع سالم بالواو والنون والألف والتاء ، يختار فيه بعد التسمية أن يجري لفظه على ما كان يجري قبل التسمية ، فيقال في رجل اسمه (مسلمان) هذا مسلمان أقبل ورأيت مسلمين ومررت بمسلمين.

وفي رجل اسمه (مسلمات) هذا مسلمات قد أقبل ورأيت مسلمات قد أقبل ومررت بمسلمات وعلى هذا جاء (عرفات) : قال الله عزوجل : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ)(١).

ثم قال أمرؤ القيس :

تنورتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عال (٢)

قال أبو سعيد : ومن العرب من لا يجري ذلك على حده قبل التسمية فيجري الإعراب في المثنى على النون. ويجعل قبل النون ألفا لازمة ويجعله غير منصرف بمنزلة عثمان ومروان.

فيقول : هذا مسلمان قد جاء ورأيت مسلمان ومررت بمسلمان.

ويقول من يلزمها الياء والنون هذا مسلمين فيجعل الإعراب في النون" ورأيت مسلمينا" و" مررت بمسلمين" فيجعل الإعراب في النون ويجعل قبل النون ياء لازمة.

ومن الناس من لا يرى صرفه وقد أجروا أسماء مواضع على هذين الوجهين نحو" قنسرين"" يبرين" و" فلسطين"" وسيلحين". فمنهم من يقول هذه فلسطون ويبرين وقنسرون وسيلحون ، ورأيت قنسرين ويبرين وفلسطين وسيلحين ومررت بقنسرين

__________________

(١) البقرة : الآية : ١٩٨.

(٢) الكتاب : ٣ / ٢٣٣ ، شرح المفصل ، ١ / ٤٧ ـ ٩ / ٣٤ ، والمقتضب : ٣ / ٣٣٣ ، والخزانة : ١ / ٥٦.

٣

ويبرين وفلسطين وسيلحين فيجعل النون مفتوحة على كل مثال ويغير ما قبلها. ومنهم من يجعل الإعراب في النون ويجعل قبلها ياء اللازمة فيقول هذه فلسطين وقشرين وسيلحين ويبرين ورأيت فلسطين ويبرين وسيلحين ومررت بفلسطين ويبرين وسيلحين. فإن قال قائل : تجيزون في تثنية المثنى أن يجعل الإعراب في النون ويجعل ما قبلها ياء لازمة كما أجزتم ذلك في الجمع. قيل له لا يجوز ذلك. وكلنا نجعل ما قبل النون في التثنية ألفا لازمة ؛ لأن له نظيرا في الكلام كقولنا : زعفران وعثمان وضربان.

وما لا يحصى كثرة مما في آخره ألف ونون زائدتان وليس في الكلام في آخر الاسم ياء ونون زائدتان وقبل الياء فتحة ، فمن اعتمد ذلك لم يقل : رجلين ، ومسلمين إذا سمينا المثنى.

وأما ما في الجمع فقد وجد نظيره في الكلام إذا ألزمنا الإعراب النون وجعلنا قبلها ياء لازمة كقولنا غلسين وهو" فعلين".

وقد رأينا العرب يعربون النون في سنين فيقولون هذه سنين.

قال الشاعر :

ذراني من نجد فإن سنينه

لعين بنا شيبا وشيّبننا مررا (١)

وأما ما كان بالألف والتاء فالذي ذكره أصحابنا التنوين ثم أجازوا ترك التنوين كقولنا هذه قريشيات وعرفات ورأيت قريشيات وعرفات ومررت بعرفات وقريشيات.

وذكر أبو العباس المبرد أن الفتح لا يجوز فيه. لا يجوز عنده أن يقول رأيت عرفات ، ومسلمات إذا سميت رجلا.

قال أبو سعيد : ورأيت بعض النحويين من قول ضد هذا يقول إذا حذفت التنوين لم يجز إلا الفتح.

وكلام سيبويه يدل على هذا عندي ، ولم يفصح بفتح ولا كسر وذلك أنه قال : " ومن العرب من لا ينون" أذرعات" ويقول هذه قريشيات كما ترى شبهوها بهاء التأنيث لأن الهاء تجيء للتأنيث ولا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة والأربعة بالخمسة".

قال : " فإن قلت كيف تشبهها بالتاء وبين التاء وبين الحروف المتجول ألف فإن

__________________

(١) ابن يعيش : ٥ / ١١ ، اللسان (سنه).

٤

الحرف الساكن ليس بحاجز حصين فصارت كأنها ليس بينها وبين المتحرك شيء.

فهذا من كلام سيبويه دليل بيّن أن التاء في الجمع بمنزلة الهاء ، وأن الألف كالمطّرحة فينبغي أن يكون الفتح أولى بها. وأما قول الأعشى :

تخيّرها أخو عانات شهرا

ورجّى أولها عاما فعاما (١)

فأبو العباس محمد بن يزيد لا يفتح" عانات" على ما ذكرت لك من مذهبه والذي يفتح يقول" عانات".

وروي عن الأصمعي أنه قال : ترك التنوين مع الكسر خطأ وينبغي أن يفتح.

هذا باب الأسماء العجمية

قال سيبويه : اعلم أن كل أعجمي أعرب ، وتمكن في الكلام فدخلته الألف واللام ، وصار نكرة فإنك إذا سميت به رجلا صرفته إلا أن يمنعه من الصرف ما يمنع العربي وذلك نحو اللجام والديباج والبردج والنّيروز والزّنجبيل والفرند والأرندج والياسمين فيمن قال : " ياسمين" كما ترى والسّهريز والآجرّ.

كل هذا إذا سميت به رجلا انصرف ؛ لأن العجمة غير معتد بها في هذه الأسماء ، ولا في ما جرى مجراها ، لأنها نكرت ، وعرفت بالألف واللام ، وخلطوها بأسمائهم بهذا الضرب من التصرف ، فصار كالأسماء العربية.

فإن قال قائل لا أصرف" آجرّ" وأبريسم وما جرى مجراه مما لا نظير له في أبنيتهم. قيل له انفراد كل واحد من هذه الأسماء بالبناء الذي لا نظير له لا يخرجه من شبه كلامهم وقد رأينا في أبنية كلام العرب أسماء كل واحد منها منفرد ببناء لا نظير له كقولهم : " كنهبل" وهو" فنعلل" و" هندلع" وهو" فنعلل". وذكر سيبويه أن" إبل" لا نظير له وأنه في يجيء في كلام العرب ما لا نظير له في كلامهم ككدت تكاد وليس في كلامهم" فعل يفعل" قال : وأما" إبراهيم" و" إسماعيل" و" إسحاق" و" يعقوب" و" هرمز" و" فيروز" و" قارون" و" فرعون" وأشباه هذه الأسماء فإنها لم تقع في كلامهم إلا معرفة ،

__________________

(١) الخزانة : ١ / ٢٧ ، المقتضب : ٣ / ٣٣ ، واللسان : (برر).

٥

على حد ما كانت عليه في كلام العجم ولم تمكن في كلامهم ، كما تمكن الأول الذي ذكرناه مما ينكر وتدخله الألف واللام فاستنكروها" يعني المعارف الأعجمية" واستثقلوها ، لم يتصرفوا فيها بإدخال الألف واللام ولم يجروها مجرى أسمائهم العربية" كنهشهل" و" شعثم" ولم يكن شيء منها قبل ذلك اسما يكون لكل شيء من أمة.

يعني لم يكن فيما ذكر من الأسماء المعارف" كإبراهيم" و" هرمز" و" إسماعيل" ما يقع على الأنواع فيكون كل واحد من النوع له اسمه" كالبردج" و" الزنجبيل" و" الأرندج" وما أشبه ذلك.

قال أبو سعيد : والذي عندي في النيروز أن لا يقال إلا بالواو : نورن ؛ لأن أصله بالفارسية كذلك ، ولأنهم أجمعوا على جمعه بالواو فقالوا نواريز ولو كان بالياء لقالوا نياريز.

قال سيبويه : " وإذا حقرت اسما من هذه الأسماء فهو على عجمته وكان ممنوع الصرف بعد التحقير كما أن عناق إذا سميت به رجلا ثم حقرته كان على تأنيثه لم يصرف"

تقول في هرمز : هذا هريمز وفي" فرعون" هذا فريعين ومررت بفريعين ، وهريمز ؛ لأن التحقير لم يغير معناه ولم يكن منعه الصرف لبنية يزيلها التحقير ، وقد ذكرنا أن بعض ما لا ينصرف" يصغر" فيوجب التصغير صرفه.

قال : وأما" صالح" فعربي وكذلك" شعيب" وأما" هود" و" نوح" و" لوط" فتصرف لخفتها.

والمعروف أن" هودا" عربي. والذي يظهر من كلام سيبويه لما عده من نوح ، ولوط وهما عجميان أنه عجمي عنده.

والناس يختلفون في مثل هذا ، فمنهم من يقول : إن العرب من ولد إسماعيل ومن كان قبل ذلك فليس بعرب ، وهود وعاد قبل إسماعيل فيما يذكر.

هذا باب تسمية المذكر بالمؤنث

قال سيبويه : " اعلم أن كل مذكر سميته بمؤنث على أربعة أحرف فصاعدا ، لم ينصرف ؛ وذلك أن أصل المذكر عندهم أن يسمى بالمذكر ، والذي يلائمه ، فلما

٦

عدلوا عنه ما هو له في الأصل ، جاءوا بما لا يلائمه ، ولم يكن متمكنا في تسمية المذكر فعلوا ذلك به ، كما فعلوا ذلك بتسميتهم إياه بالمذكر ، فتركوا صرفه ، كما تركوا صرف الأعجمي ، فمن ذلك" عنات" ، و" عقرب" ، و" عقاب" و" عنكبوت" ، وأشباه ذلك"

قال أبو سعيد : هذا الباب مشتمل على أن ما سمي بمؤنث على أربعة أحرف فصاعدا ، لم يتصرف في المعرفة ، وانصرف في النكرة.

وشرط ذلك المؤنث أن يكون اسما مصوغا للجنس أو مصوغا لتعريف مؤنث ، ولم يكن منقولا إلى المؤنث عن غيره ، فإذا كان على غير هذين الوجهين لم يعتد بتأنيثه.

فأما ما كان من المؤنث اسما للجنس ، فنحو (عناق) و (عقرب) و (عقاب) و (عنكبوت) إذا سميت بشيء منهن ، أو مما يشبههن ، رجلا أو سواه من المذكر ، لم ينصرف في المعرفة وانصرف في النكرة.

وأما ما صيغ لتصريف المؤنث ، ولم يكن قبل ذلك اسما ، فنحو : (سعاد) و (زينب) و (جيئل) وتقديرها (جيعل).

إذا سميت بشيء من هذا رجلا لم ينصرف في المعرفة ؛ لأن (سعاد) و (زينب) اسمان للنساء ، ولم يوضعا على شيء يعرف معناه ، فصار اختصاص النساء بهما ، بمنزلة اسم الجنس الموضوع على المؤنث ، (جيئل) اسم معرفة موضوع على الضبع وهي مؤنث ، ولم يوضع على غيرها وهي" كزينب" و" سعاد".

فإذا كانت صفة لمؤنث على أربعة أحرف فصاعدا ، ولم يكن فيها علامة التأنيث فسميت بها مذكرا صرف ؛ لأنه في الأصل لفظ مذكر وصف به مؤنث وإن كانت تلك الصفة لا تكون إلا لمؤنث كرجل سميته ب (حائض) أو (طامث) أو (متئم).

وذكر أن تقديره إذا قلت : مررت بامرأة حائض أو طامث ، أو متئم كأنك قلت : مررت بشيء حائض ، وطامث ومتئم.

وذلك مثل ما يوصف من المذكر بمؤنث كقولهم : رجل نكحة ، ورجل ربعة ، ورجل خجأة ، أي كثير الضراب.

وكأن هذه الصفة صفة لمؤنث ، كأنك قلت : هذه نفس خجأة.

قد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة). وذلك إنه واقع

٧

على الذكر والأنثى.

ومن الدليل على ما قاله سيبويه أنا ندخل على حائض الهاء إذا أردنا به الاستقبال ، فنقول : هذه حائضة غدا. فلما احتمل حائض دخول الهاء عليها علمنا أنها مذكر.

على أنها قد تؤنث لغير الاستقبال ، قال الشاعر :

رأيت ختون العام بالعام قبله

كحائضة يزنى بها غير طاهر (١)

وكذلك يقال امرأة طالق وطالقة ، فلما كانت" هذه" الهاء تدخل على هذا النحو علمنا أنها إذا أسقط الهاء منها صار مذكرا.

وذكر سيبويه أنه سأل الخليل عن (ذراع) فقال : كثر تسميتهم به المذكر ، وتمكن في المذكر وصار من أسمائه خاصة عندهم ، ومع هذا إنهم يصفون به المذكر ، فيقولون : هذا ثوب ذراع ، فقد فتمكن هذا الاسم في المذكر.

هذا قول الخليل : وكان القياس ألا يصرف ؛ لأن ذراعا اسم مؤنث على أربعة قياسه ألا يصرف في المعرفة.

وقد كان أبو العباس المبرد يقول : إن الأجود فيه ألا يصرف ، وكان الخليل ذهب به مذهب الصفة ، ولا علامة فيه.

وقال في" كراع" اسم رجل : من العرب من يصرفه يشبهه ب" ذراع" والأجود ترك الصرف وصرفه أخبث الوجهين.

ومن يصرف فإنما يصرفه ؛ لأنه كثر به تسمية الرجال فأشبه المذكر في الأصل لأن الأصل أن يسمى المذكر بالمذكر.

وإن سميت رجلا ب (ثماني) لم تصرفه لأن (ثماني) اسم مؤنث فهو" كثلاث" و" عناق" إذا سميت بهما.

وإذا سميت رجلا (حبارى) لم تصرفه لأنه مؤنث وفيه علم التأنيث" الألف المقصورة".

فإن حقرته فحذفت الألف وقلت : " حبيّر" لم تصرفه ؛ لأن" حبارى" في نفسها مؤنث ، فصار بمنزلة (عنيق) ولا علامة فيها للتأنيث.

__________________

(١) البيت منسوب للفرزدق في ابن يعيش : ٥ / ١٠٠ ، واللسان : (ختن).

٨

قال سيبويه : " وزعم الخليل أن" فعولا" و" مفعالا" إنما امتنعتا من الهاء ، لأنهما إنما وقعتا في الكلام على التذكير ، ولكنه يوصف به المؤنث كما يوصف بعدل ورضا".

وإنما أراد" بفعول" ، و" مفعال" قولنا : امرأة صبور وشكور ومذكار ومئناث.

إذا سميت بشيء من ذلك رجلا صرفته ؛ لأنها صفات مذكرة لمؤنث ك (حائض) و (طامث) وقد مضي الكلام في ذلك.

وكذلك إن سميت رجلا ب (قاعد) تريد القاعد التي هي صفة للمرأة الكبيرة القاعد من الزوج ، وكذلك إن سميت رجلا ب (ضارب) تريد : صفة الناقة الضارب.

والناقة الضارب هي التي قد ضربها الفحل.

وكذلك إن سميته ب (عاقر) صفة المرأة.

كل ذلك منصرف على ما شرحته لك ؛ لأنه مذكر ، وإن وقع لمؤنث كما يقع المؤنث للمذكر كقولنا : عين القوم ، وهو ربيئتهم الذي يحفظهم فأوقعت عليه" عين" وهو رجل ثم شبه سيبويه تقديره (حائضا) صفة لشيء ، ولم يستعملوه ، بقولهم : " الأبرق" و" أبطح" و" أجرع" و" أجدل" فيمن ترك الصرف لأنها صفات ، وإن لم يستعملوا الموصوفات.

قال : وكذلك" جنوب"" شمال" و" قبول" و" دبور" و" حرور" و" سموم" إذا سميت رجلا بشيء منها صرفته ، لأنها صفات في أكثر كلام العرب.

سمعناهم يقولون : هذه ريح حرور ، وهذه ريح شمال ، وهذه الريح الجنوب ، وهذه ريح سموم وهذه ريح جنوب.

سمعنا ذلك من فصحاء العرب لا يعرفون غيره. قال الأعشى :

لها رجل كحفيف الحصاد

صادف بالليل ريحا دبورا (١)

ومعنى قول سيبويه : سمعنا ذلك من فصحاء العرب أي من جماعة منهم فصحاء لا يعرفون غيره.

قال : ويجعل اسما ، وذلك قليل.

__________________

(١) البيت بالديوان : ٩٩.

٩

قال الشاعر :

حالت وحيل بها وغيّر آيها

صرف البلى تجري بها الرّيحان

ريح الجنوب مع الشمال وتارة

دهم الرّبيع وصائب التّهتان (١)

فمن أضاف إليها جعلها اسما ولم يصرف شيئا منها اسم رجل وصارت بمنزلة الصّعود والهبوط والحدود والعروض.

وهذه الأسماء أماكن ، وقعت مؤنثة ، وليست بصفات ، فإذا سميت بشيء منها مذكرا لم تصرف.

ولو سميت رجلا ب (رباب) أو (ثواب) أو (دلال) انصرف.

وإن كثر" رباب" في أسماء النساء ، وليست" كسعاد" ، وأخواتها ؛ لأن" ربابا" اسم معروف مذكر للسحاب سميت المرأة به ، وسعاد مؤنث في الأصل.

وقال سيبويه : في" سعاد" وأخواتها : إنها اشتقت ، فجعلت مختصا بها المؤنث في التسمية فصارت عندهم ، ك (عناق).

وكذلك تسميتك رجلا بمثل (عمان) ، لأنها ليست بشيء مذكر معروف ، ولكنها مشتقة لم تقع إلا علما لمؤنث.

قال أبو سعيد : قال أبو عمر الجرمي : معنى قوله مشتقة أي مستأنفة لهذه الأشياء لم تكن من قبل أسماء لأشياء أخر ، فنقلت إليها ، وكأنها اشتقت من السعادة ، أو من الزنب أو من الجأن وزيد عليها ما زيد من ألف أو ياء ، لتوضع اسما لهذه الأشياء كما أن (عناق) أصله من العنق ، وزيدت فيه الألف ، فوضع لهذا الجنس.

وما كان من الجموع المكسرة التي تأنيثها بالتكسير إذا سمينا به مذكرا انصرف ، نحو : " خروق" و" كلاب" و" جمال".

والعرب قد صرفت" أنمارا" و" كلابا" اسمين لرجلين ؛ لأن هذه الجموع تقع على المذكرين وليست باسم يختص به واحد من المؤنث ، فيكون مثله ، ألا ترى أنك تقول : هم رجال فتذكّر ، كما ذكرت في الواحد.

__________________

(١) البيتان بلا نسبة في شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ٢ / ٢٨٢ ـ ٢٨٢ ، واللسان : (حول).

١٠

فلما لم تكن فيه علامة التأنيث وكان يخرج إليه المذكر ضارع المذكر الذي يوصف به المؤنث وكان هذا مستوجبا للصرف.

وكذلك لو سمي رجل ب (عنوق) جمع" عناق" ، فهذا بمنزلة (خروق) جمع خرق ، ويستوي فيه ما كان واحده مؤنثا ، ومذكرا ؛ لأن تأنيثه من أجل الجمع لا من أجل الواحد.

ولو سميت رجلا" بنساء" لصرفته ؛ لأن نساء جمع نسوة ، فهي جمع مكسر مثل كلاب : جمع كلب وإن سميته" بطاغوت" لم ينصرف لأن" طاغوت" اسم واحد مؤنث ويقع على الجمع والواحد وليس له واحد من لفظه فيكسر عليه فيصير بمنزلة (عناق).

وإذا كان جمعا فهو بمنزلة (إبل) و (غنم) لا واحد له من لفظه ، فاعرف ذلك.

هذا باب تسمية المؤنث

قال سيبويه : " اعلم أن في مؤنث سميته بثلاثة أحرف كان منها حرفان بالتحريك لا ينصرف ، فإن سميته بثلاثة أحرف ، فكان الأوسط منها ساكنا ، وكانت شيئا مؤنثا ، أو اسما الغالب عليه المؤنث ، كسعاد ، فأنت بالخيار : إن شئت صرفته ، وإن شئت لم تصرفه ، وترك الصرف أجود ، وتلك الأسماء نحو (قدر) و (عنز) و (دعد) و (جمل) و (نعم) و (هند).

قال أبو سعيد : هذا الباب مشتمل على ثلاثة أشياء.

منها : أن يسمى المؤنث باسم على ثلاثة أحرف ، وأوسطها متحرك وليس الحرف الثالث منها بعلم تأنيث ، وذلك لا خلاف بين النحويين إنه لا ينصرف في المعرفة ، وينصرف في النكرة ، كامرأة سميتها بقدم ، أو حجر. أو عنب أو ما أشبه ذلك ، مما أوسطه متحرك.

والثاني : أن يسمى المؤنث باسم كان مؤنثا قبل التسمية ، أو الغالب عليه أن يسمى به المؤنث وأوسطه ساكن.

فالاسم المؤنث قبل التسمية نحو قدر وعنز.

والاسم الغالب عليه أن يسمى به المؤنث وإن لم يعرف قبل التسمية (دعد) و (جمل) و (هند).

فهذه الأسماء لا خلاف بين المتقدمين أنه يجوز فيها الصرف ومنع الصرف

١١

والأقيس عند سيبويه ترك الصرف ؛ لأنه قد اجتمع فيه التأنيث والتعريف.

ونقصان الحركة ليس مما يغير الحكم وإنما صرفه من صرفه ؛ لأن هذا الاسم قد بلغ نهاية الخفة في قلة الحروف والحركات ، فقاومت خفتها أحد الثقلين.

وكان الزجاج يخالف من مضي ، ولا يجيز الصرف فيها ويقول : قد أجمعوا على أنه يجوز فيها ترك الصرف.

وسيبويه يرى أن تركه أجود ، فقد جوزوا منع الصرف واستجادوه ، ثم ادعوا الصرف بحجة لا تثبت ؛ لأن السكون لا يغير حكما أوجبه اجتماع علتين يمنعان الصرف.

والقول عندي ما قاله من مضي ، ولا أعلم خلافا بين من مضي من الكوفيين والبصريين ، وما أجمعوا على ذلك عندي إلا لشهرة ذلك في كلام العرب. والعلة فيه ذكرت.

وقد رأيناهم أسقطوا لقلة الحروف أحد الثقلين وذلك إجماعهم في" نوح" ، و" لوط" أنهما مصروفان ، وإن كانا أعجميين معرفتين لنقصان الحروف.

ومن حيث كان نقصان الحروف مسوغا الصرف ، فيما فيه علتان سوغ ذلك أيضا بنقصان الحروف والحركة في المؤنث.

والثالث مما ذكرنا اشتمال الباب عليه أن يسمى المؤنث باسم مذكر ، على ثلاثة أحرف وأوسطها ساكن ، نحو : امرأة سميت بزيد ، أو عمرو.

قال أبو سعيد : وقد اختلف في هذا من مضي فكان قول أبي إسحاق ، وأبي عمرو ، ويونس ، والخليل وسيبويه أنه لا ينصرف ورأوه أثقل من" هند" ، و" دعد".

قال سيبويه : لأن المؤنث أشد ملاءمة للمؤنث ، والأصل عندهم أن يسمى المؤنث بالمؤنث كما أن أصل تسمية المذكر بالمذكر.

قال أبو سعيد : كأن سيبويه جعل نقل المذكر إلى المؤنث لما كان خلاف الموضوع من كلام العرب والمعتاد من ألفاظهم ثقلا ، تعادل به الخفة التي بها صرف هندا.

وكان عيسى بن عمر يرى صرف ذلك أولى.

وإليه يذهب أبو العباس المبرد ؛ لأن" زيدا" وأشباهه إذا سمينا به المؤنث فأثقل أحواله أن يصير مؤنثا ، فيثقل بالتأنيث.

١٢

وكونه خفيفا في الأصل لا يوجب له ثقلا أكثر من الثقل الذي في أصل المؤنث.

هذا باب تسمية الأرض

قال سيبويه : إذا كان اسم الأرض على ثلاثة أحرف خفيفة ، وكان مؤنثا ، أو كان الغالب عليه المؤنث ك (عمان) فهو بمنزلة (قدر) و (شمس) و (دعد).

وبلغنا عن بعض المفسرين أن قوله : تبارك وتعالى : " اهبطوا مصر" إنما أراد (مصر) بعينها.

قال أبو سعيد : اعلم أن تسمية الأرضين بمنزلة تسمية الأناسي فما كان منها مؤنثا فسميت باسم ، فهي بمنزلة امرأة سميت بذلك الاسم.

وما كان منها مذكرا ، فهو بمنزلة رجل سمي بذلك الاسم.

وإنما يجعل مؤنثا ، ومذكرا على تأويل ما تؤول فيه. فإن تؤول أنه اسم بلدة ، أو بقعة ، أو أرض فهو مؤنث. وإن تؤول فيه أنه بلد أو موضع أو مكان فهو مذكر.

وقد يغلب في كلام العرب في بعض ذلك التأنيث حتى لا يستعمل فيه التذكير.

وفي بعضه يغلب التذكير ، ويقل فيه استعمال التأنيث.

وفي بعضه يستعمل التأنيث والتذكير. وربما كان التأنيث الأغلب.

فما غلب فيه التأنيث ، ولم يستعمل التذكير : (عمان) ، كأنه اسم مؤنث ك (سعاد) و (زينب) ومنها (حمص) و (جور) و (ماه) ، وهي غير منصرفة ، وإن كانت على ثلاثة أحرف ؛ لأنه اجتمع فيها التأنيث والتعريف والعجمة.

فعادلت العجمة سكون الأوسط فلم يصرف ، وكذلك كل مؤنث من الآدميين إذا سميتها باسم أعجمي على ثلاثة أحرف ، وأوسطها ساكن ، لم تصرفها في المعرفة ، وصرفتها في النكرة ، نحو (جان) و (دل) و (خشّ) وما أشبه ذلك ، إذا سميت بها امرأة وغيرها من المؤنث. ولم يجز فيها من الصرف ما جاز في هند.

وكذلك إن سميت امرأة ب (حمص) أو (جور) أو (ماه) لم تصرفها ، كما لا تصرفها إذا سميت ب (دل) أو (جان) ، لأن ذلك كله أعجمي.

ومن أجل ذلك لا يصرف فارس ودمشق لأنهما أعجميتان على أكثر من ثلاثة أحرف.

١٣

قال الشاعر :

لحلحلة القتيل ولابن بدر

وأهل دمشق أندية تبين (١)

أي جماعة ؛ أراد أعجبوا لحلحلة.

ومن ذلك (واسط) التذكير أغلب والصرف ؛ لأن اشتقاقه يدل على ذلك ؛ لأنه مكان وسط البصرة والكوفة فهو واسط لهما ، ولو كان مؤنثا لقيل واسطة.

ومن العرب من يجعلها اسم أرض فلا يصرف كأنه سمي الأرض بلفظ مذكر كامرأة تسميها ب (واسط) وقد كان ينبغي على قياس الأسماء التي تكون صفات في الأصل أن تكون فيه الألف واللام ، كما يقال (الحسن) و (الحارث) وما أشبه ذلك.

ودخلت الألف واللام ، لأنها صفات غالبة ، ولكن هذا اسم المكان بصفته.

والعرب قد تفعل هذا لأنهم ربما قالوا (العباس) و (عباس) و (الحسن) و (حسن).

قال الشاعر :

ونابغة الجعديّ بالرمل بيته

عليه تراب من صفيح موضّع (٢)

وهو النابغة بالألف واللام ، على أنه صفة غالبة ولذلك سماه بنابغة الذي هو صفة من باب الصفة الغالبة ، ولم يذكر سيبويه" واسطا" آخر غير الذي بين البصرة والكوفة.

قال فيه الأخطل :

عفا واسط من آل رضوى فتبتل

فمجتمع الحرّبن فالصّبر أجمل (٣)

ويجوز أن يكون (واسط) بين مكانين آخرين.

ومما يغلب فيه التنكير والصرف : " دابق" قال الراجز.

ودابق وابن مني دابق (٤)

وكذلك" منى" الصرف والتذكير فيه أجود وإن شئت أنثت.

و (هجر) تؤنث وتذكر. قال الفرزدق :

__________________

(١) المقتضب : ٣ / ٣٥٨ ، واللسان : (حلل).

(٢) البيت لمسكين الدارمي في ديوانه ٤٩ ، والمقتضب ٣ / ٣٧٣ ، والخزانة ٢ / ١١٦ ، واللسان (وضع)

(٣) البيت في ديوانه ١ / ١٤ ، واللسان (رضي).

(٤) البيت لغيلان بن حريث في الكتاب ٣ / ٢٤٣ ، واللسان (دبق).

١٤

منهنّ أيّام صدى قد عرفت بها

أيام فارس والأيام من هجرا (١)

فهذا أنث. وسمعنا من يقول : كجالب التمر إلى هجر يا فتى.

وأما" حجر اليمامة" وهو قصبة اليمامة فيذكر ويصرف.

ومنهم من يؤنث ، يجريه مجرى امرأة ، سميت ب (عمرو) لأن" حجرا" شيء مذكر سمي به المذكر.

قال سيبويه : " فمن الأرضين ما لا يكون إلا على التأنيث (نحو عمان) و (الزاب) ومنها ما لا يكون إلا على التذكير نحو فلج.

وما وقع صفة كواسط ثم صار بمنزلة زيد وعمرو وأخرج الألف واللام منه وجعل كنابغة الجعدي"

وأما (قباء) و (حراء) فقد اختلفت فيها العرب ، فمنهم من يذكر ويصرف وذلك أنهم جعلوهما اسمين لمكانين ، كما جعلوا واسطا بلدا ومكانا.

ومنهم من أنث ، ولم يصرف.

وجعلهما اسمين لبقعتين من" الأرض".

قال الشاعر :

ستعلم أيّنا خير قديما

وأعظمنا ببطن حراء نارا (٢)

وكذلك : " أضاخ" فهذا أنث. وقال غيره ، فذكر.

وربّ وجه من حراء منحني (٣)

" وقد نسب البيت في الكتاب للعجاج وهو لرؤبة".

قال : " وسألت الخليل فقلت : أرأيت من قال : هذه قباء يا هذا ، كيف ينبغي أن يقول إذا سمي به رجل؟

قال : يصرفه وغير الصرف خطأ لأنه ليس بمؤنث معروف في الكلام ، ولكنه

__________________

(١) البيت في ديوانه ٢٨٣ ، والكتاب ٣ / ٢٤٣.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٥٦ ، واللسان (حرى).

(٣) اللسان : (حرى).

١٥

مشتق" كجلاس" ، وليس شيئا قد غلب عليه عندهم التأنيث كسعاد ، وزينب ولكنه مشتق يحمله المذكر ، ولا ينصرف في المؤنث كهجر ، وواسط.

ألا ترى أن العرب قد كفتك ذلك لما جعلوا واسطا للمذكر صرفوه ، فلو علموا أنه شيء للمؤنث ك" عناق" لم يصرفوه ، أو كان اسما غلب عليه التأنيث لم يصرفوه ، ولكنه اسم" كغراب" ، ينصرف في المذكر ولا ينصرف في المؤنث ، فإذا سميت به الرجل فهو بمنزلة المكان.

قال أبو سعيد : قد قدمت أن الاسم المؤنث الذي إذا سمي به الرجل لم ينصرف مما ليس فيه علم التأنيث على ضربين ؛ أحدهما : أن يكون اسما معروفا مؤنثا قبل التسمية ك (عناق) و (عقرب).

والآخر : أن يكون اسما اشتق لتسمية المؤنث المعرفة فقط ، ولم يكن قبل ذلك اسما لشيء جاز أن يشتقوه للمذكر. فما اشتقوه للمذكر (قباء) و (حراء).

والدليل على أنه اشتق للمذكر أنهم قد يصرفونه ، ولو كان للمؤنث لم يصرفوه بحال ؛ لأنه على أكثر من ثلاثة أحرف.

فمن صرف (حراء) و (قباء) فلأنه اسم مذكر سمي به شيء مذكر ، مكان ، أو موضع أو ما أشبه ذلك من تقدير التذكير ، فصار بمنزلة رجل يسمى ب (جعفر) أو (واقد) أو (نافع) وما أشبه ذلك.

ومن لم يصرف فإن الاسم مذكر والمسمى مؤنث كأنه اسم بقعة ، فصار بمنزلة امرأة سميناها ب (نافع) أو (جعفر) فلا يصرف لتأنيث المسمى لا لأن اللفظ كان مؤنثا.

ومن أجل ذلك إذا سمينا رجل ب (قباء) أو (حراء) صرفناه ؛ لأن اللفظ مذكر والمسمى به مذكر وإذا سمينا رجلا ب (لسان) على لغة من يقول : هي اللسان لم تصرفه ؛ لأنها بمنزلة (عناق) وإن سمي ب (اللسان) على لغة من يقول : هو اللسان صرفه والتأنيث ، والتذكير في اللسان ـ وإن لم يكن فيه علم التأنيث في اللفظ ـ بمنزلة شيء واحد يسمى بلفظين أحدهما فيه علم التأنيث والآخر لا علم فيه.

كقولهم : اللذاذ ، واللذاذة ومعناهما واحد وأحد اللفظين مذكر والآخر مؤنث ، فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

١٦

هذا باب أسماء القبائل وما يضاف إلى الأم والأب

قال سيبويه : أما ما يضاف إلى الآباء والأمهات فنحو قولهم : هذه بنو تميم ، وهذه بنو سلول ، ونحو ذلك ، فإذا قلت : هذه تميم ، وهذه أسد ، وهذه سلول ، فإنما تريد ذلك المعنى ، غير أنك حذفت المضاف كما قال تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (ويطؤهم الطريق وإنما يريد أهل القرية) (وأهل الطريق.)

قال أبو سعيد : اعلم أن آباء القبائل وأمهاتها إذا لم تضف إليها البنون ، قد تأتي على ثلاثة أوجه ؛ أحدها أن يحذف المضاف ، ويقام المضاف إليه مقامه ، فيجري لفظه على ما كان ، وهو مضاف إليه فيقال : هذه تميم وهؤلاء تميم ، ورأيت تميما ، ومررت بتميم.

وأنت تريد هؤلاء بنو تميم ، فتحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب.

فإن كان المضاف إليه منصرفا بقيته على صرفه وإن كان غير منصرف منعته الصرف ، كقولك : هذه باهلة ورأيت باهلة ومررت بباهلة.

وأنت تريد هذه جماعة باهلة ؛ لأن (باهلة) غير مصروفة فهذا الوجه يشبه قول الله عزوجل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها)(١) على معنى أهل القرية.

والوجه الثاني أن تجعل أبا القبيلة عبارة عن القبيلة ، فيصير اسم أبى القبيلة كاسم مؤنث سمّيت بذلك الاسم.

وذلك قوله : هذه تميم ، ورأيت تميم ، ومررت بتميم ، وهذه أسد ، ورأيت أسد ، ومررت بأسد كان امرأة سميت بأسد ، فلا تصرف.

وعلى هذا تقول : هذه كلب ورأيت كلب ، ومررت بكلب فيمن لا يصرف امرأة سميت بزيد ، ومن صرف امرأة سميت بزيد جاز أن يقول هذه كلب.

والوجه الثالث : أن تجعل أبا القبيلة اسما للحي ، فيصير بمنزلة رجل سمي بذلك الاسم. فإن كان مصروفا صرفته وإن كان غير مصروف لم تصرف.

ومما يصرف تميم ، وأسد ، وقريش ، وثقيف وما أشبه ذلك.

ومما لا يصرف (باهلة) و (أعصر) و (ضنة) و (تدول) و (تغلب) وما أشبه ذلك ؛ لأن

__________________

(١) يوسف : الآية : ٨٢.

١٧

هذه الأسماء لو جعلت لرجل لم ينصرف ، وإنما يقال : هذه تميم ، وهؤلاء تميم ، إذا قدرت الإضافة إليه.

ولا يقال : هذا تميم لئلا يلتبس اللفظ بلفظه ، إذا أخبرت عنه.

أرادوا أن يفصلوا بين الإضافة وبين إفرادهم الرجل ، فكرهوا الالتباس.

وقد كان يجوز في القياس أن يقال هذا تميم في معنى هذا حي تميم ويحذف الحي ويقام" تميم" مقامه ، ولكن ذلك لا يقال للبس. على ما ذكره سيبويه.

وقد يقال جاءت القرية وهم يريدون أهل القرية ، فأنثوا للفظ القرية ، وقد كان يجب على هذا القياس أن يقال هذا تميم ، وإن أردت به بني تميم ، فتوحد وتذكر على لفظ تميم ، ففصل سيبويه بينهما لوقوع اللبس ، وكأن القرية كثر استعمالها عبارة عن الأهل ، ولا يقع اللبس فيها إذا أضيف فعل إليها.

ثم مثل سيبويه أن اللفظ قد يقع على الشيء ، ثم يحمل على غيره على المعنى كقولهم : القوم ذاهبون والقوم واحد في اللفظ وذاهبون جماعة ولا يقولون : القوم ذاهب ، ومثله ذهبت بعض أصابعه ، وما جاءت حاجتك؟ فحمل تأنيث" ذهبت" و" جاءت" على المعنى كأنه قال : ذهبت أصابعه أو ذهبت إصبعه ، وأية حاجة جاءت حاجتك.

وكذلك قولهم : هذه تميم ، وهؤلاء تميم ، إنما حمل على (جماعة تميم أو بنو تميم). وأنشد سيبويه من الشواهد على أن آباء القبائل جعل لفظه عبارة عن القبيلة قول بنت النعمان بن بشير :

بكى الخزّ من روح وأنكر جلده

وعجّت عجيجا من جذام المطارف (١)

فجعلت" جذام" وهو أبو القبيلة اسما لها فلم تصرف.

وأنشد أيضا :

فإن تبخل سدوس بدرهميها

فإنّ الرّيح طيّبة قبول (٢)

فلم يصرف (سدوس) ؛ لأنه جعله اسما للقبيلة.

قال : " وإذا قالوا ولد سدوس أو ولد جزام كذا وكذا صرفته".

__________________

(١) البيت في الكتاب ٣ / ٢٤٨ ، والمخصص ١٧ / ٤٠ ، وسمط اللآلي ١٧٩ ، المقتضب ٣ / ٣٦٤.

(٢) البيت للأخطل في ديوانه ١٢٦ ، والكتاب ٣ / ٢٤٨ ، والخصائص ٣ / ١٧٦ ، والمخصص ١٧ / ٤٠.

١٨

لأنك خبّرت عن الأب نفسه ، وكان أبو العباس المبرد يقول : إن (سدوس) اسم امرأة وغلّط سيبويه ، وذكر أبو بكر مبرمان عن الزجاج أن (سلول) اسم امرأة وهي بنت ذهل بن شيبان.

قال أبو سعيد : وما غلط سيبويه في شيء من هذه الأسماء ، أما (سدوس) فذكر محمد بن حبيب في كتاب مختلف القبائل ومؤتلفها : خبرنا بذلك عنه أبو بكر الحلواني عن أبي سعيد السكري قال : (سدوس بن درام بن مالك ، وسدوس بن ذهل بن ثعلبة بن عكاية بن صعب بن علي بن بكر ، بن وائل.

وفي طيء : (سدوس) بن أصمع بن أبي بن عبيد بن ربيعة بن نصر بن سعد بن نبهان.

وأخبرنا أبو بكر السكري عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد عن هشام بن محمد الكلبي : سدوس بن دارم فيمن عدّ من بني" دارم".

فأما (سلول) فقال ابن حبيب : وفي قيس (سلول) بن مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. فهو رجل. وفيهم يقول الشاعر :

وإنّا أناس ما نرى القتل سبّة

إذا ما رأته عامر وسلول (١)

قال : (وفي قضاعة : " سلول" بنت زبان بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مالك بن كنانة بن القين بن جسر.

وفي خزاعة : (سلول) بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة.

على أن (سلول) ذكر في موضع الأولى به أن تكون امرأة ؛ لأنه قال :

" أما يضاف إلى الآباء والأمهات فنحو قولك : هذه بنو تميم وهذه بنو سلول" فجمع الآباء والأمهات وهو الذي يقتضيه الكلام.

وقال سيبويه : تقوية أن اسم الأب يكون للقبيلة إن يونس زعم أن بعض العرب يقول : هذه تميم بنت مر ، وقيس بنت عيلان وتميم صاحبة ذاك.

لما جعلها مؤنثا نعتها ببنت ، ومثل ذلك : تغلب بنت وائل ، ومما يقوي أنهم يجعلون اسم الأب أو الأم اسما للحي أنهم يقولون : باهلة بن أعصر ، و" باهلة" امرأة

__________________

(١) البيت في المخصص ١٧ / ٤٠.

١٩

وهي أم القبيلة ، فلما جعلها اسما للحي ، والحي مذكر لموحد وصفها بابن ؛ لأنه قد صار كلفظ الرجل ، وربما كان الأكثر في كلامهم في بعض الآباء أن يكون اسما للقبيلة ، وفي بعضهم أن يكون اسما للأب أو الحي.

فإذا قلت : هذه سدوسهم فأكثرهم يجعله اسما للقبيلة.

وإذا قلت : هذه جذام فهي كسدوس.

فإذا قلت من بني سدوس أو بني تميم فالصرف ، لأنك قصدت قصد الأب.

قال : " وأما أسماء الأحياء فنحو معد ، وقريش و (ثقيف).

وكل شيء لا يجوز لك أن تقول فيه : من بني فلان ، ولا هؤلاء بنو فلان وإنما جعله اسم حي"

قال أبو سعيد : اعلم أن الذي لا يقال فيه بنو فلان على ضربين : أحدهما : أن يكون لقبا للقبيلة أو الحي ، ولم يقع اسما ولا لقبا لأب.

والآخر أن يكون اسما لأب ، ثم غلب عليهم فصار كاللقب لهم واطّرح ذكر الأب.

فأما ما يكون لقبا لجماعتهم ، فيجري مرة على الحي ، ومرة على القبيلة فهو قريش وثقيف على أنه قد يقال إنه اسم واحد منهم.

وأما ما كان اسما لرجل منهم ، فنحو (معد) وهو معد بن عدنان.

وهو أبو قبائل ربيعة ومضر ، وكلب.

وهو كلب بن وبرة ، ولا يستعمل فيه بنو" كلب" وقد استعمل بعض الشعراء فقال :

غنيت دارنا تهامة في الدّهر

وفيها بنو معد حلولا (١)

فمن جعل هذه الأسماء لجملة القوم فهو يجريه مرة اسما للحي فيذكّر ومرة اسما للقبيلة.

وإذا جعله اسما للحي ذكّر وصرف.

وإذا كان اسما للقبيلة أنّث ولم تصرفه على ما شرحته لك قبل.

قال الشاعر :

غلب المساميح الوليد سماحة

وكفى قريش المعضلات وسادها (٢)

__________________

(١) البيت في المخصص ١٧ / ٤٢ ، واللسان (غنا).

(٢) المقتضب : ٣ / ٣٦٢ ، الخزانة : ١ / ٢٠٣ ، واللسان : (قرش).

٢٠