شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

قال ، ومما حذف في التخفيف لأن ما قبله ساكن قوله : (أرى) و (ترى) و (يرى) و (نرى).

يعني أن الأصل في (أرى) و (ترى) : (أرأى) و (ترأى) وماضيه (رأى) ، فألغيت حركة الهمزة على الساكن الذي قبلها وحذفتها على ما بينا من حكمها ولم يحذفوا الهمزة في الماضي ، لأن قبلها متحركا فلا يكون تخفيفها بإلغائها ، وخففوا (ترى) وألزموه التخفيف استثقالا للهمزة مع كثرة استعمالهم له وجواز هذا التخفيف في نظائره.

قال : " غير أن كل شيء كان أوله زائد سوى ألف الوصل فقد أجمعت العرب على تخفيفه لكثرة استعمالهم إياه جعلوا الهمزة تعاقب"

يعني أن كل شيء كان في أوله زائدة نحو الألف للمتكلم والنون للجماعة والتاء للمخاطب والياء للغائب ، فإن العرب تلزمه التخفيف وحذف الهمزة وقوله (سوى) ألف الوصل وهي مستثناة من الزوائد ، وذلك أنك متى أدخلت همزة الوصل سكنت الراء ، ولا بدّ أن تأتي بالهمزة فتقول : (ارأ) يا فتى فدخول ألف الوصل قد أوجبت تحقيق الهمزة ؛ لأنك إذا لم تحققها وخففتها حركت الراء وإذا حركت الراء بطلت ألف الوصل والوجه أن لا تدخل ألف الوصل فتقول : (ره رأيك يا زيد) ، لأن الأمر من الفعل المستقبل وقد جرى الفعل المستقبل على حذف الهمزة.

وقوله : جعلوا الهمزة تعاقب يعني تعاقب هذه الزوائد ، يعني أن العرب اجتمعت على حذف الهمزة في (أرى) و (ترى) و (نرى) و (يرى) كأنهم عوضوا همزة (أرى) التي للمضارعة من الهمزة التي هي عين الفعل وجرى سائر حروف المضارعة على الهمزة.

قال : وإذا أردت أن تخفف همزة (ارأوه) قلت : (روه) تلقي حركة الهمزة على الساكن وتلقي ألف الوصل ، حيث حركت الذي بعدها ؛ لأنك إنما ألحقت ألف الوصل لسكون ما بعدها ويدلك على ذلك : و (ذاك) و (سل) خففوا (ارأ) ، و (اسأل) وقد مضى الكلام في نحو هذا.

قال : وإذا كانت الهمزة المتحركة بعد ألف لم تحذف ؛ لأنك لو حذفتها ثم فعلت بالألف ما فعلت بالسواكن التي ذكرت لك لتحولت حرفا غيرها فكرهوا أن يبدلوا مكان الألف حرفا ويغيروها ، لأنه ليس في كلامهم أن يغيروا السواكن فيبدلوا مكانها إذا كان بعدها همزة فخففوا ولو فعلوا ذلك لخرج كلام كثير من حد كلامهم (لأنه ليس من كلامهم) أن تثبت الواو والياء ثانية ، فصاعدا وقلبها فتحة إلا أن تكون الياء

٢٨١

أصلها السكون وسنبين ذلك في بابه.

والألف ، تحتمل أن يكون الحرف المهموز بعدها بين بين ؛ لأنها مدّ ، كما تحتمل أن يكون بعدها ساكن وذلك قولك في (هباءة) : (هباأة) وفي المسائل : (مسايل) " بين بين" وفي (جزاء أمه) " جزاؤامّه".

وقد ذكر سيبويه أن الهمزة إذا كانت متحركة وقبلها ساكن أن تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على ما قبلها إذا كان من غير حروف المد واللين ولحروف المد واللين أحكام غير ذلك.

وابتدأ سيبويه فيها بذكر الهمزة التي بعد الألف إذا حققتها وحكمها أن تجعل بين بين ؛ لأنه لا يمكن إلقاء حركتها على الألف إذا كانت الألف لا تتحرك أبدا ، فلو ألقينا حركتها على الألف تحركت الألف وذلك غير ممكن.

ولو قلبنا الهمزة ألفا وأدغمنا الألف فيها كما يفعل بالهمزة بعد الواو والياء في (مقروة) و (بريه) لحركتا الألف. واستحال ذلك لأن الواو والياء يتحركان ولا تتحرك الألف ، ولو حذفنا الهمزة رأسا ولم نلق حركتها لخرجت عن باب تخفيف الهمزة على الوجه الذي ذكرنا وقول سيبويه (لم تحذف) أي لم تجعل بين بين.

وقوله : " لأنك لو حذفتها يعني لو حذفتها وفعلت بالألف ما فعلت بالسواكن من إلقاء حركة الهمزة عليها لتحولت إلى غير الألف ؛ لأن الألف لا تتحرك ، فكنت تحتاج إلى أن تجعل مكانها حرفا آخر وليس هذا في تخفيف الهمزة المتحركة إذا كان قبلها ساكن".

وقوله : " ولو فعلوا ذلك لخرج كلام كثير من حد كلامهم ؛ لأنه ليس من كلامهم أن تثبت الياء والواو ثانية وقبلها فتحة"

يريد أنّا لو حولنا الألف حرفا آخر وألقينا عليه حركة الهمزة ما كانت تحول إلا إلى ياء أو واو ؛ لأن الألف لا تنقلب إلا إليهما ولو جعلت لوجب قلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، لأن ذلك حكم الواو والياء المتحركين المفتوح ما قبلهما وإنما تثبت الياء والواو إذا كان أصلهما السكون ، وذلك حكمهما في التصريف.

ولقائل أن يقول : إن ما تحرك من الياء والواو بإلقاء حركة الهمزة عليها لا يجب قلبها ... كقولنا في تخفيف (جيأل) : (جيل) ، و (مؤألة) (مؤلة) ، فلا وجه للاحتجاج بهذا ، وفيما احتج به قبله كفاية.

٢٨٢

ولا مذهب للهمزة بعد الألف في التخفيف إلا جعلها بين بين أي ألف كانت وأما الواو والياء إذا كانت الهمزة بعد واحدة منهما فتخفيفها على وجهين : أحدهما أن تقلب الهمزة من جنس الواو إن كان قبلها واو ومن جنس الياء إن كان قبلها ياء ويدغم فيها ما قبلها.

والوجه الآخر أن تلقي حركتها على ما قبلها من الواو والياء وتحذف كسائر الحروف فأما الواو والياء اللتان تبدل الهمزة بعدهما من جنسهما وتدّغمان فهي الواو الزائدة الساكنة المضموم ما قبلها في حشو الكلام كقولك في (مقروءة) و (مذروءة) ، (مقرّرة) و (مذروّة) والياء الزائدة الساكنة المكسور ما قبلها في (حشو) الكلمة كقولنا في (بريئة) و (خطيئة) : (برّية) و (خطيّة).

وياء التصغير بهذه المنزلة إذا كان بعدها همزة ، وإن كان ما قبلها مفتوحا كقولك في تصغير (أفؤس) و (سائل) : (أفيئس) و (سويئل) فإن خففت الهمزة قلبتها ياء وأدغمت فيها ما قبلها كقولك : (أفيس) و (سويل) وإنما كرهوا إلقاء حركة الهمزة في ذلك على الواو والياء ؛ لأنهم شبهوهما بالألف أما الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها فمشبهان بالألف لاشتراكها في المد ، وأما ياء التصغير فلا تكون إلا ساكنة وهي أيضا مشبهة بالألف ؛ لأن موقعها من التصغير كموقع الألف من الجمع كقولهم : (دريهم) و (دراهم") ولم تجعل الهمزة بعدهما بين بين ؛ لأن الياء والواو قد يتحركان ويدّغمان ، ويدغم فيهما.

وكان الأخفش يرى إبدال الهمزة من جنس ما قبلها.

وأما الياء والواو اللتان تلقى عليهما حركة الهمزة فهما ما كان أصليا أو ملحقا أو علامة جمع أو طرفا تقول في (أبي إسحاق) ، و (أبو إسحاق) : (أبي سحاق) و (أبو سحاق) وفي (أبي أيوب) و (ذو أمرهم) : (أبي يّوب) و (ذو مرهم) وفي (قاضي أبيك) (قاضي بيك) وفي (يغزو أمه) ، (يغزومّه) لأن هذا من نفس الحرف وتقول في (حوايه) (حويه) وهي الدلو الضخمة

قال الشاعر :

حوأية تنقض بالضلوع (١)

لأن هذه الواو ألحقت بنات الثلاثة ببنات الأربعة ، وإنما هي كواو (جدّول) ، ألا

__________________

(١) البيت من مشطور الرجز ، انظر اللسان مادة (حأب).

٢٨٣

تراها لا تتغير إذا كسرت للجمع تقول : (حوائب) وإنما هي بمنزلة (عين جعفر).

قال سيبويه : " وكذا سمعنا العرب الذين يخففون يقولون : " اتبعومره" لأن هذه الواو ليست بمدّة بعدها همزة في كلمة كواو" مقروءة" فصارت بمنزلة همزة في كلمة بعد واو" يدعو" وتقول (اتبعي مره) صارت كياء" يرمي" حيث انفصلت".

قال : ولم تكن مدّة في كلمة واحدة مع الهمزة" لأنها" إذا كانت منفصلة ولم تكن من نفس الحرف أو بمنزلة ما هو من نفس الحرف أو لم تجئ لمعنى ، فإنما تجيء لمدة

لا لمعنى وواو" اضربوا" و" اتبعوا" هي لمعنى الأسماء وليس بمنزلة الياء في" خطيئة" تكون في الكلمة لغير معنى. ولم تجئ مع المنفصلة لتلحق بناء ببناء فيفصل بينها وبين ما لا يكون ملحقا (بناء ببناء).

قوله : (ولم تكن مدّة في كلمة واحدة مع الهمزة)

يريد لم تكن واو" اتبعو مره" مدة لغير معنى مع الهمزة في كلمة واحدة ، وكذلك ياء خطيئة. والهمزة في اتبعوا أمره من كلمة أخرى وهي (أمره) وقوله : لأنها إذا كانت متصلة ، يعني الواو أو الياء إذا اتصلا بالهمزة في كلمة وقوله : ولم تكن من نفس الحرف أي ولم تكن من نفس الحرف كواو" سوءة" وياء" هيئة" أو بمنزلة ما هو من نفس الحرف يعني الملحق كواو" حوأبه" وياء" جيأل".

أو تجيء لمعنى كواو (اتبعوا أمره) وياء (اتبعي أمره) وهذه كلها تلقي عليها حركة الهمزة.

وقوله : فإنما تجئ لمدّة إذا لم تكن الواو والياء من نحو ما ذكرنا فهي مدّة لغير معنى كواو مقروءة وياء (خطيئة) وإنما فعل هذا بالهمزة من لم يخففها استثقالا لهما لأنه بعد مخرجها ، ولأنها نبرة في الصدر تخرج باجتهاد وهي أبعد الحروف مخرجا فثقل ذلك عليهم ؛ لأنه كالتهوع.

قال سيبويه : واعلم أن الهمزتين إذا التقتا وكانت كل واحدة منهما من كلمة فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك ، كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة ، فليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان فتحققا.

ومن كلام العرب تخفيف الأولى وتحقيق الآخرة وهو قول أبي عمرو وذلك قولك :

٢٨٤

(فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)(١) و (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ)(٢).

ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الأخيرة سمعنا ذلك من العرب وهو (قول) " فقد جاء أشراطها" و (يا زكريّا إنّا) وقال :

كل غرّاء إذا ما برزت

ترهب العين عليها والحسد (٣)

أي أن تحسد سمعنا من يوثق به من العرب ينشده هكذا.

وكان الخليل يستحب هذا القول فقلت له : " لمه؟ "

فقال إني رأيتهم حين أرادوا أن يبدلوا إحدى الهمزتين اللتين تلتقيان في كلمة واحدة أبدلوا الأخيرة وذلك قولك" جائي" و (آدم) و (رأيت) أبا عمرو أخذ بهن في قوله : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ)(٤) حقق الأولى ، وكل عربي.

وقياس من خفف الأولى أن يقول : يا ويلتا األد ، والمخففة فيما ذكرنا بمنزلتها محققة في الزّنة ، ويدلك على ذلك قول الأعشى :

أأن رأت رجلا أعشى أضرّبه

ريب المنون ودهر تابل خبل (٥)

فلو لم تكن بمنزلتها محققة لانكسر البيت.

وقد تقدم تخفيف الهمزة الواحدة لما فيها من الاستثقال فإذا اجتمعت همزتان ازداد الثقل ووجب التخفيف في كلام العرب.

أما إذا اجتمعت همزتان في كلمة فلم يحك سيبويه غير تخفيف إحداهما ولم يجز غير ذلك.

ومما يحتج له في ذلك أنه لا خلاف في قوله : " آدم" و" آمر" ولم يقل (أأدم) ولا (أأمر) وإن كان أصل ذلك بهمزتين.

وأما أبو زيد فحكى أن من العرب من يحقق الهمزتين جميعا فيقول : أأنت قلت ذاك؟

__________________

(١) سورة محمد ، الآية : ١٨.

(٢) سورة مريم ، الآية : ٧.

(٣) البيت من الرمل انظر ابن يعيش : ٩ / ١١٨ ، وشواهد الكتاب : ٣ / ٥٤٩.

(٤) سورة هود ، الآية : ٧٢.

(٥) البيت سبق تخريجه.

٢٨٥

و (يا زيد أأبوك هذا؟).

قال : وسمعت من العرب من يقول : (اغفر لي خطائئي) كقولك : (خطا عمي) همزها أبو السمح ورداد ابن عمه.

قال : وتخفيف الهمزة من قولك : (أابوك هذا) و (أأعطيت) أكثر في الكلام لثقل الهمزتين.

وقد اختار جماعة من قراء الكوفة ومن غيرهم الجمع بين الهمزتين حتى جمعوا بين همزتين في كلمة فقرؤوا (أأنت) و (أئمة) وقد عرفتك من قوة التخفيف ما وقفت عليه.

وإذا اجتمعت همزتان ، ولم تكن الأولى منهما ابتداء فإن من كلام العرب تخفيف الأولى وتحقيق الثانية.

وذكر سيبويه أنه قول أبي عمرو ومثله فقد جاء" أشراطها و" يا زكريّا إنا نبشرك والذي رأيت عليه أبا بكر بن مجاهد رحمه‌الله والقراء الذين يقرؤون بحرف أبي عمرو في الهمزتين المختلفتين يحققون الأولى ويلينون الثانية كقوله : (آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ)(١) يحقق الهمز من (السفهاء) ويجعل همزة ألا واوا ؛ لأنها مفتوحة وقبلها ضمة وإذا كانتا متفقتين أسقط إحداهما كقوله : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) و (أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢) والله أعلم بذلك.

وقد رويت عن أبي عمرو روايات كثيرة مختلفة ، ولعله كان يختار اختيارات في أوقات فينقل كل فريق ما يسمعونه.

أما تخليف الأولى من الهمزتين إذا لم تكن مبتدأة فمشبهة بالتقاء الساكنين بغير الأول منهما دون الثاني كقولك : (ذهبت الهندات) و (لم يقم القوم).

وأما تخفيف الثانية ، فقد ذكر فيه عن الخليل ما تقدم عن الحجة ، يقول : ذلك أن الأولى لو كانت مبتدأة ما جاز غير تحقيقها.

وأما أهل الحجاز فيخففون الهمزتين ؛ لأنه لو لم تكن إلا واحدة لخففت فيقولون في اقرأ آية : (اقرا آية) يقلبون الأولى ألفا لأنها ساكنة وقبلها فتحة ويجعلون الثانية بين بين وكان أبو زيد يجيز إدغام الهمزة في الهمزة ويحكى ذلك عن العرب ويقول (اقرأيه) يجعلها كسائر الحروف ومن خفف الأولى وحقق الثانية قال (اقرا آية) ويجعل الأولى ألفا ويجعل

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٣.

(٢) سورة الأحقاف ، الآية : ٣٢.

٢٨٦

الثانية همزة ومن حقق الأولى وخفف الثانية قال : (إقرأيه) فيلقي حركة الهمزة الثانية على الساكن الذي قبلها ويحذفها كما بينا في مثل ذلك.

وإذا قلت : (أقرئ أباك السّلام) فإنه على لغة أهل الحجاز إذا خففوهما (اقرئ باك السّلام) فيقلبون الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم يلقون حركة الثانية على الياء وتسقط الثانية ، ولا يفعلون ذلك في" اقرأ آية" ، لأنهم قلبوا الهمزة في (اقرأ) ألفا ، والألف لا يلقى عليها حركة غيرها فإذا قلت : (قرأ أبوك) فإنهما جميعا بين بين على لغة أهل الحجاز ، وعلى لغة غيرهم إذا حققوا الأولى جعلوا الثانية بين بين وإن حققوا الثانية جعلوا الأولى بين بين.

قال : ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفا إذا التقتا ، وذلك أنهم كرهوا التقاء الهمزتين ففصلوا كما قالوا (اخشيتان) ففصلوا بالألف كراهية التقاء هذه الحروف المضاعفة.

قال ذو الرمة :

فيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقاآ أنت ام أمّ سالم (١)

وما حكاه مشهور وقد حكاه أبو زيد

وقال أنشدنا الأعراب :

حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهة

تفكّر أاإيّاه يعنون أم قردا (٢)

وهي قراءة تروى عن عبد الله بن عامر اليحصبي.

قال : وأما أهل الحجاز إذا أدخلوا ألف الاستفهام فمنهم من يقول (آإنك) و (آأنت) وهي التي يختار أبو عمرو وذلك أنهم يخففون الهمزة كما يخفف بنو تميم في اجتماع الهمزتين فكرهوا التقاء الهمزة والذي هو بين بين (فأدخلوا الألف كما أدخلته بنو تميم في التحقيق) يعني أن أهل الحجاز يدخلون ألفا بين الهمزتين لئلا يلتقي همزتان ثم

__________________

(١) لم نعثر عليه في ديوانه انظر ابن يعيش في شرح المفصل : ٩ / ١١٩.

(٢) انظر الكامل : ٦٤٢ ، والخصائص : ٢ / ٤٥٨ ، وأمالي ابن الشجري : ١ / ٣٢٠.

٢٨٧

يلينون الثانية.

وبنو تميم لينوا الثانية من غير إدخال ألف بينهما إذ كانت همزة بين بين كالهمزة في النية.

قال : وأما الذين لا يخففون (الهمزة) فيحققونهما جميعا ولا يدخلون بينهما ألفا فإن جاءت ألف الاستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بدّ وخففوا الثانية على لغتهم يعني أنه لا سبيل إلى تخفيف ألف الاستفهام على كل لغة لأنها تقع أولا.

ثم ذكر سيبويه لزوم تخفيف إحدى الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة وقد ذكرنا ذلك.

ثم قال متصلا بذلك :

وسألت الخليل عن فعلل من جئت فقال : " جيأى" وتقديرها (جيعا) كما ترى والأصل فيه (جيأأ) على تقدير (جيعع) لأن لام الفعل من جئت همزة فكررت الهمزة فالتقت همزتان فقلبت الثانية ألفا لانفتاح ما قبلها.

قال : وإذا جمعت (آدم) قلت : (أوادم).

يعني إذا جعلته اسما وجمعته. وإن كان نعتا قلت : (أدم) وإذا حقرت قلت : (أويدم) وذلك أن" آدم" وإن كان الأصل فيه همزة فقد قلبتها ألفا على سبيل التخفيف فصار بمنزلة ما كان ثانيه ألفا نحو (ضارب) و (بازل) و (خابط) فإذا كسرته أو صغرته صيرته بمنزلة هذا فقلت : " أوادم" كما قلت : " بوازل" وقلت" أويدم" كما قلت : " بويزل".

وأما" خطايا" فكأنهم قلبوا ياء أبدلت من آخر (خطايا) ألفا ؛ لأن ما قبل آخرها مكسور كما أبدلوا ياء (مطايا) ونحوها ألفا وأبدلوا مكان الهمزة التي قبل آخره ياء وفتحت للألف كما فتحوا راء" مدارى" فرّقوا بينها وبين الهمزة التي تكون من معنى الحرف أو بدلا مما هو من الحرف نفسه.

اعلم أن الأصل في (خطايا) (خطائئ) وذلك أن واحدها خطيئة على (فعيلة) ولامها همزة فإذا جمعتها على فعائل انقلبت ياء فعيلة همزة أيضا فصارت (خطائئ) فالتقت همزتان في كلمة واحدة فوجب تخفيف الثانية منهما فجعلت ياء لانكسار ما قبلها فصارت (خطائئ) ثم إنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كانت الهمزة في واحده وبين ما عرضت الهمزة في جمعه ، ولم تكن الهمزة في واحده ، و (خطائئ) لم تكن الهمزة في واحده.

أعني الهمزة التي هي بدل من الياء وإنما هي عارضة في الجمع فرأوا الجمع الذي

٢٨٨

عرضت فيه الهمزة أحق بالتغيير من الجمع الذي الهمزة في واحده فقالوا في (خطائي) : (خطاأا) جعلوا مكان الياء ألفا فصار (خطاأا) وجعلوا قلب الياء ألفا لازما في ذلك ، وذلك أنهم يقلبون الياء ألفا طلبا للتخفيف ؛ لأن الألف أخف من الياء فيقولون في (مداري) (مدارى) فلما جاز هذا القلب فيما لم يريدوا به الفرق بينه وبين شيء آخر جعلوه لازما في (خطايا) فلما قلبوها ألفا في (خطاأا) اجتمعت ألفان بينهما همزة مفتوحة والهمزة تشبه (الألف) فصارت كثلاث ألفات ، فقلبوا الهمزة ياء ، فقالوا : (خطايا).

وإنما قلبوها ياء لأن الياء أقرب إلى الهمزة من الواو ، فلم يريدوا إبعادها عن شبه الحرفين اللذين اكتنفاها وكان الخليل يقدر غير هذا التقدير وذلك أنه كان يقول : إن خطيئة لما جمعناها قدمنا لام الفعل على ياء فعيلة فوقعت لام الفعل بعد ألف الجمع ، فصار (خطائي) وهذه الهمزة التي بعد الألف همزة" (خطيئة) التي بعد الياء والياء في (خطائي) هي الياء التي في (خطيئة) قبل الهمزة وكذلك مذهبه في" جاءي" مخالف لمذهب النحويين.

وذلك أن النحويين يقولون في" جائي" إن الأصل فيه (جائئ) بهمزتين من قبل أنه جاء بمنزلة باع ، وقال ، وعين الفعل منه معتلة فإذا بنيت منه اسم الفاعل جعلت عين الفعل همزة كما قلت (قائل) فيلزم في" جائي" على هذا القياس أن يقولوا (جائي) فيلتقي همزتان فتنقلب الثانية ياء لانكسار ما قبلها.

وزعم الخليل أن الهمزة في" جائي" هي لام الفعل وأن الياء هي عين الفعل وإنما قدموا وأخروا قال : لأني رأيت العرب قد تؤخر عين الفعل إذا كانت معتلة إلى موضع اللام كقولهم في (شائك السلاح) (شاكي السلاح) وقولهم في (هاير) هاري.

قال : فلما أخروا عين الفعل إذا كانت معتلة إلى موضع اللام مع صحة اللام لئلا يهمزوا عين الفعل إذ ليس أصلها الهمز لزمهم هذا القلب فيما كان لام الفعل فيه همزة ، إذا كانت العين (معتلة) لئلا ينضم همز عين الفعل إلى همز لامه وإذا أخروا لم يلزمهم ؛ لأنهم إنما يهمز لوقوعه بعد الألف ثم يعمل الخليل في" خطايا" (ما عمل فيها غيره ممن لا يذهب مذهبه من الإعلال).

وقد أنكر ذلك عليه أبو العباس المبرد وادعى عليه (مخالفته لما هو شائع).

وذلك أن الهمزة إذا كانت غير عارضة في الجمع لم يجب تغيير الجمع كقولك في (مرآة) : (مرائي).

فقال : إذا كانت الهمزة في (خطائي) هي الهمزة التي كانت في الواحد فهي غير

٢٨٩

عارضة في الجمع فينبغي أن لا تغير في الجمع.

وللخليل أن يقول إني فرقت بالتغيير بين ما كانت الهمزة فيه مقدمة من آخره إلى أوله في الجمع وبين ما لم يعرض ذلك له في الجمع ولا يجعل العلة أن الهمزة عارضة في الجمع ، ولكن يجعل العلة تقديمها عارضا في الجمع.

على أن سيبويه قد حكى عن الخليل خلاف هذا المذهب وذلك أنه حكى عنه أنه يختار في المذهبين إذا التقتا من كلمتين تحقيق الأولى وتخفيف الثانية.

قال : فقلت له (لمه) فقال : رأيتهم إذا اجتمعت همزتان في كلمة اختاروا تخفيف الأخيرة كقولهم (جائي) و (أادم) " فقد جعل الياء من (جائي) منقلبة من همزة والهمزة في جاء لام الفعل.

فهذه الحكاية في" جاء" تدل على أنه لم يقدم.

وقد قال بعض النحويين في قلب الياء في" خطايا" ونحوها ألفا قولا قويا وهو أن الياء لو لم تقلب ألفا لوجب إسقاطها في الوقف كما يقال (جوار) و (غواش) في (جواري) و (غواشي) وإذا أسقطنا الياء بقيت الهمزة ساكنة في الوقف فلا فرق بينها وبين أن تكون من الحرف نفسه أو بدلا مما هو من نفس الحرف فالذي هو من نفس الحرف (نائية) و" نوائي" لأنه من (نأيت) فالهمزة عين الفعل.

والذي هو يدل مما هو من نفس الحرف الهمزة في (جائية) و (سائية) ؛ لأنها بدل من عين الفعل في (جاء) و (ساء) وعين الفعل في (جاء) ياء وفي (ساء) واو. فأما قوله فرقوا بينه وبين الهمزة التي من نفس الحرف أراد الهمزة التي في قولك (رأيت براء) لأن الهمزة في" براء" من الحرف نفسه ، لأنه من (برئت).

وقوله : أو بدلا مما هو من نفس الحرف أراد الهمزة التي في (رأيت قضاء) وذلك أن الهمزة في (قضاء) منقلبة من ياء ؛ لأنه من (قضيت) ، فإذا قلت (رأيت براء وقضاء) لم يلزمك أن تقلب هذه الهمزة ياء كم قلبتها في (خطايا).

باب ذكرك الاسم الذي تبين به العدة كم هي مع تمامها الذي هو من ذلك اللفظ

(فبناء الاثنين وما بعده إلى العشرة" فاعل" وهو مضاف إلى الاسم الذي يبين به العدد).

ذكر سيبويه في هذا الباب من كتابه ثاني اثنين وثالث ثلاثة إلى عاشر عشرة. فإذا قلت : هذا ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة أو رابع أربعة فمعناه أحد ثلاثة أو بعض ثلاثة أو تمام

٢٩٠

ثلاثة ، وقوله في ترجمة الباب : الاسم الذي تبين به العدة كم هي يعني (ثلاثة).

وقوله : مع تمامها الذي هو من ذلك اللفظ يعني (ثالثا) لأنه تمام ثلاثة وهذا التمام يبنى على" فاعل" كما قلنا فيقال : ثاني اثنين وثالث ثلاثة ، وتجري الأول منها بوجوه الإعراب إلى عاشر عشرة.

قال الله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ)(١).

وقال تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ)(٢) وقد كنت ذكرت في المبنيّات من أحد عشر إلى تسعة عشر ما فيه كفاية ، ولكني أذكرها هنا منه جملة ، فيها ما لم أذكره هناك إذ كان هذا بابه إن شاء الله تعالى.

قال أبو سعيد : هذا الباب يشتمل على شيئين أحدهما وهو الأكثر في كلام العرب على ما قاله سيبويه : أن يكون الأول من لفظ الثاني على معنى أنه تمامه وبعضه وهو قولك هذا ثاني اثنين وثالث ثلاثة وعاشر عشرة ولا ينون هذا فينصب ما بعده فيقال : ثالث ثلاثة ؛ لأن ثالثا في هذا ليس يجري مجرى الفعل فيصير بمنزلة (ضارب زيدا) وإنما هو بعض ثلاثة وأنت لا تقول بعض ثلاثة وقد أجمع النحويون على ذلك إلا ما ذكره أبو الحسن بن كيسان عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب أنه أجاز ذلك ، قال أبو الحسن قلت له ، إذا أجزت ذلك فقد أجريته مجرى الفعل ، فهل يجوز أن تقول (تثلّث ثلاثة) فقال : (نعم) على معنى" أتممت ثلاثة" والمعروف قول الجمهور فإذا زدت على العشرة فالذي ذكر سيبويه بناء الأول والثاني وذلك (حادي عشر) و (ثاني عشر) و (ثالث عشر) ففتح الأول والثاني وجعهلما اسما واحدا وفتحهما كفتح ثلاثة عشر وذكر أن الأصل أن يقال (حادي عشر) " أحد عشر" و (ثالث عشر) " ثلاثة عشر" فيكون (حادي عشر) بمنزلة (ثالث) ويكون (أحد عشر) بمنزلة (ثالث). لأن" ثالثا" قد استغرق حروف ثلاثة وبنى معها فكذلك ينبغي أن تستغرق (حادي عشر) حروف" أحد عشر" وقد حكاه أيضا فقال :

وبعضهم يقول (ثالث عشر) ثلاثة عشر وهذا القياس.

وقد أنكر ثعلب هذا. وذكر أنه غير محتاج إلى أن يقول (ثالث عشر) " ثلاثة عشر" وأن الذي قال سيبويه خلاف مذهب الكوفيين.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٧٣.

(٢) سورة التوبة ، الآية : ٤٠.

٢٩١

وكأن حجة الكوفيين فيما يتوجه فيه أن (ثلاثة عشر) لا يمكن أن يبنى من لفظها" فاعل" وإنما يبنى من لفظ أحدهما وهو الثلاثة.

فذكر العشر مع ثالث لا وجه له.

قال أبو سعيد : وقد قدمت احتجاج سيبويه لذلك مع حكايته (إياه) عن بعضهم ويجوز أن يقال : إنه لما لم يمكن (أن) يبنى منهما فاعل وبني من أحدهما احتيج إلى ذكر الآخر لينفصل ما هو أحد ثلاثة مما هو أحد ثلاثة عشر فأتى باللفظ كله.

قال أبو سعيد : والضرب الثاني من الضربين أن يكون التمام يجري مجرى اسم الفاعل الذي يعمل فيما بعده ويكون لفظ التمام من عدد هو أكثر من المتمم بواحد كقولك : (ثالث اثنين") و (رابع ثلاثة) و (عاشر تسعة) ويجوز أن ينون الأول فيقال (رابع ثلاثة) و (عاشر تسعة) لأنه مأخوذ من الفعل تقول : (كانوا ثلاثة) فربعتهم وتسعة فعشرتهم فأنا عاشرهم كقولك : (ضربت زيدا) فأنا (ضارب زيدا) و (ضارب زيد).

قال الله عزوجل : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ)(١) وقال سيبويه : فيما زاد على العشر في هذا الباب" هذا رابع ثلاثة عشر" كما قلت (خامس أربعة).

ولم يحكه عن العرب والقياس عند النحويين أنه لا يجوز ذلك وقد ذكره أبو العباس محمد بن يزيد عن نفسه وعن الأخفش والمازني أنهم لم يجيزوه ؛ لأن هذا الباب يجري مجرى الفاعل المأخوذ من الفعل. ونحن لا نقول ربعت ثلاثة عشر ولا أعلم أحدا حكاه.

وإن صح أن العرب قالته فقياسه ما قاله سيبويه. وأما قولهم (حادي عشر) وليس (حادي) من لفظ واحد والباب أن يكون اسم الفاعل الذي هو تمام من لفظ ما هو تمامه ففيه قولان ؛ أحدهما : أن (حادي) مقلوب من (واحد) استثقالا للواو في أول اللفظ فلما قلب صار (حادو) فوقعت الواو طرفا وقبلها كسرة فقلبوها ياء كما قالوا (غازي) وهو من (غزوت).

وأصله" غازو" ، وذكر الكسائي أنه سمع من الأسد أو بعض عبد القيس (واحد عشر يا هذا).

وقال بعض النحويين وهو الفراء : (حادى عشر) من قولك : (يحدو) أي يسوق

__________________

(١) سورة المجادلة ، الآية : ٧.

٢٩٢

كأن الواحد الزائد يسوق العشرة وهو معها وأنشد (١) :

 ... أنعت عشرا والظليم حادي

 ... كأنّهنّ بأعالي الوادي

 ... يرفلن في ملاحف جيادي

وفي ثالث عشر وبابها ثلاثة أوجه ، فإن جئت بها على التمام على ما ذكر سيبويه فقلت : (ثالث عشر) ثلاثة عشر فتحت الأولين والآخرين لا يجوز غير ذلك.

وإن حذفت فقلت : (ثالث ثلاثة عشر) أعربت ثالثا بوجوه الإعراب وفتحت الآخرين فقلت : هذا ثالث ثلاثة عشر ، ورأيت (ثالث ثلاثة عشر) ومررت بثالث ثلاثة عشر لا يجوز غير ذلك عند النحويين كلهم.

وإن حذفت ما بين (ثالث وعشر الأخير) فالذي ذكره سيبويه فتحهما جميعا.

وذكر الكوفيون أنه يجوز أن يجرى ثالث بوجوه الإعراب ويجوز أن يفتح فمن أجرى بوجوب الإعراب أراد هذا ثالث ثلاثة عشر ومررت بثالث ثلاثة عشر ثم حذف ثلاثة تخفيفا وبقّى ثالثا على حكمه.

ومن بني ثالثا مع عشر أقامه مقام ثلاثة حين حذفها ، وهذا قول قريب ، ولم ينكره أصحابنا.

وقال الكسائي : سمعت العرب تقول : هذا ثالث عشر وثالث عشر فرفعوا ونصبوا.

قال سيبويه : " وتقول : هذا حادي أحد عشر إذا كّن عشر نسوة معهن رجل ، لأن المذكر يغلب المؤنث ، ومثل ذلك قولك : خامس خمسة إذا كن أربع نسوة فيهن رجل كأنك قلت هو تمام خمسة"

ونقول : هو خامس أربع إذا أردت أنه صيّر أربع نسوة خمسا".

قال سيبويه : (وأما بضعة عشر فبمنزلة تسعة عشر في كل شيء ، وبضع عشرة كتسع عشرة في كل شيء).

قال أبو سعيد : (بضعة) بالهاء عدد مبهم من ثلاثة إلى تسعة من المذكر ، وبضع بغير الهاء عدد مبهم من ثلاث إلى تسع من المؤنث وهي تجرى مفردة ومع العشرة مجرى

__________________

(١) الأبيات من مشطور الرجز ، انظر المخصص : ١٧ / ١١٠.

٢٩٣

الثلاثة إلى التسعة في الإعراب والبناء تقول : هؤلاء بضعة رجال ، وبضع نسوة.

قال الله تعالى : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ)(١).

وفيما زاد على العشرة هؤلاء بضعة عشر رجلا وبضع عشرة امرأة.

وهي مشتقة ـ والله اعلم ـ من (بضعت الشيء) إذا قطعته كأنه قطعة من العدد وقد كان حقه أن يذكر في الباب الأول ، لأن هذا الباب إنما ذكر فيه العدد المتمم نحو (ثالث ثلاثة) و (رابع أربعة) ولكنه ذكرها هنا لترى أنه ليس بمنزلة (ثالث عشر) أو (ثالثة عشرة) فاعلمه.

ومن قول الكسائي : " هذا الجزء العاشر عشرين ومن قول سيبويه والفراء : (هذا الجزء العشرون) و" هذه الورقة العشرون" على معنى تمام العشرين فنحذف التمام ونقيم العشرين مقامه ، وكذلك نقول : " هذا الجزء الواحد والعشرون" و" الأحد والعشرون" و (هذه الورقة الإحدى والعشرون) و" الواحدة والعشرون".

وكذلك" الثاني والعشرون" و" الثانية والعشرون" وما بعده إلى قولك : " التاسع والتسعون". ونقول : هو الأول والثاني والثالث والرابع والخامس وقد قالوا : " الخامي".

قال أبو سعيد : وهو من شواذ المحوّل كقولهم : (أمليت) في أملك ولا (أملاه) يريدون (لا أملّه).

إلا أن هذا حوّل للتضعيف" وخامس" ليس فيه تضعيف فإذا هو من باب حسيت" و" أخسيت" في" حسست" و" أحسست".

وقالوا : (سادس وساد) على حد (خام). وأنشد ابن السكيت :

إذا ما عدا أربعة فسال

فزوجك خامس وحموك سادي (٢)

وفي هذا ثلاث لغات ، جاء (سادسا) و (ساديا) و (ساتّا) ، فمن قال : (سادسا) أخرجه على الأصل ومن قال (ساتا) فعلى اللفظ ومن قال (ساديا) فعلى الإبدال والتحويل الذي قدمنا.

وأنشد ابن السكيت :

__________________

(١) سورة الروم ، الآيتان : ٣ ، ٤.

(٢) البيت من الطويل مذكور في معجم الشواهد : ١ / ٤٢٠.

٢٩٤

يوجزل أعوام أذاعت بخسة

وتجعلني إن لم يق الله ساديا (١)

وأنشد أيضا :

مضى ثلاث سنين منذ حل بها

وعام حلّت وهذا التابع الخامي

يريد الخامس.

قال أبو سعيد في العقود كلها : هو الموفّى كذا وهي الموفّية كذا كقولك :

(الموفّى عشرين) والموفّية عشرين.

هذا باب المؤنث الذي يقع على المؤنث والمذكر وأصله التأنيث

اعلم أن المذكر قد يعبر عنه باللفظ المؤنث فيجري حكم اللفظ على التأنيث وإن كان المعبر عنه مذكرا في الحقيقة ويكون ذلك بعلامة التأنيث ، وبغير علامة.

فأما ما كان بعلامة التأنيث فقولك : (هذه شاة) وإن أردت تيسا ، و (هذه بقرة) وإن أردت ثورا ، و (هذه حمامة) و (هذه بطة) وإن أردت الذكر

وأما ما كان بغير علامة فقولك : (عندي ثلاث من الغنم) ، و (ثلاث من الإبل)

وقد جعلت العرب (الإبل) أو (الغنم) مؤنثين وجعلت الواحد منها مؤنث اللفظ كأن فيه هاء ، وإن كان مذكرا في المعنى ، كما جعلت العين والأذن والرجل مؤنثات بغير علامة.

فإن قال قائل : فلم لا يقال (هذه طلحة) لرجل يسمى طلحة لتأنيث اللفظ كما قالوا : (هذه بقرة) للثور؟

فالجواب أن (طلحة) لقب وليس باسم موضوع له في الأصل وأسماء الأجناس موضوعة لها لازمة ومن ثم فرقت العرب بينهما.

وقد ذكر سيبويه في الباب أشياء محمولة على الأصل الذي ذكرته وأشياء قريبة منها.

وأنا أسوق ذلك وأفسر ما أحتاج منه إلى تفسيره.

قال سيبويه : " فإذا جئت بالأسماء التي تبين بها العدة أجريت الباب على التأنيث في التثليث إلى تسع عشرة وذلك قولك : (له ثلاث شياه ذكور) ، و (له ثلاث من

__________________

(١) نسب إلى النابغة الجعدي يهجو ليلى الأخيلية : انظر ابن يعيش : ٢ / ٢٥٨ ، والهمع : ٢ / ١٥٣.

٢٩٥

الشاء) فأجريت ذلك على الأصل ؛ لأن الشاء أصلها التأنيث ، وإن وقعت على المذكر كما أنك تقول : (هذه غنم ذكور) فالغنم مؤنثة وقد تقع على المذكر"

قال أبو سعيد : يعني أنها تقع على ما فيها من المذكر من التيوس والكباش ، ويقال : (هذه غنم) وأن كانت كلها كباشا أو تيوسا. وكذلك : (عندي ثلاث من الغنم) وإن كانت كباشا أو تيوسا ، لأنه جعل الواحد منها كأن فيه علامة التأنيث كما جعلت العين والرجل كأن فيهما علامة التأنيث.

وقال الخليل : قولك : (هذا شاة) بمنزلة قوله تعالى : (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي)(١).

قال أبو سعيد : يريد أن تذكير هذا مع تأنيث شاة كتذكير هذا مع تأنيث رحمة والتأويل في ذلك كأنك قلت : (هذا الشيء شاة) و (هذا الشيء رحمة من ربي).

قال سيبويه : " وتقول له خمس من الإبل ذكور وخمس من الغنم ذكور من قبل أن (الإبل) و (الغنم) اسمان مؤنثان ، كما أن ما فيه الهاء مؤنث الأصل وإن وقع على المذكر"

فلما كان (الإبل) و (الغنم) لذلك جاء تثليثها على التأنيث ، لأنك إنما أردت التثليث من اسم مؤنث بمنزلة (قدم) ولم يكسر عليه مذكر للجمع فالتثليث منه كتثليث ما فيه الهاء كأنك قلت : (هذه ثلاث غنم) بهذا يوضح وإن كان لا يتكلم به كما تقول : (ثلاثمائه) فتدع الهاء ؛ لأن المائة أنثى.

قال أبو سعيد : قول سيبويه (الغنم) و (الإبل) و (الشاء) مؤنثات يريد كل واحد منها إذا قرن بمنزلة مؤنث فيه علامة التأنيث أو مؤنث لا علامة فيه كقولك : (هذه ثلاث من الغنم) ولم تقل : (ثلاثة) وإن أردت بها كباشا أو تيوسا ، وكذلك (ثلاث من الإبل) وإن أردت بها مذكرا أو مؤنثا.

وقوله : بمنزلة (قدم) ، لأن (القدم) أنثى بغير علامة وكذلك (الثلاث) فقولك : (ثلاث من الإبل والغنم) لا يفرد لها واحد فيه علامة التأنيث.

وقوله : لم يكسر عليه مذكر للجمع يعني لم يقل ثلاثة ذكور فيكون ذكور جمعا مكسرا لذكر فتذكر ثلاثة من أجل ذلك.

وقوله : كأنك قلت : (هذه ثلاث غنم) يريد كأن (غنما) تكسير للواحد المؤنث

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية : ٩٨.

٢٩٦

كما تقول : (ثلاثمائة) فتترك الهاء من (ثلاث) ؛ لأن المائة مؤنثة ومائة واحد في معنى جمع المؤنث قال سيبويه : وتقول : (له) ثلاث من البط ؛ لأنك تصيره إلى بطة.

قال أبو سعيد : يريد كأنك قلت له : (ثلاث بطات) من البط

قال سيبويه : " وتقول له ثلاثة ذكور من الإبل لأنك لم تجئ بشيء من التأنيث ، وإنما ثلثت الذكر ثم جئت بالتفسير من الإبل لا تذهب الهاء.

كما أن قولك : (ذكور) بعد قولك (من الإبل) لا تثبت الهاء" ...

قال أبو سعيد : يريد أن الحكم في اللفظ للسابق من لفظ المؤنث أو المذكر ، فإذا قلت : ثلاث من الإبل أو الغنم (ذكور) نزعت الهاء ، لأن قولك من الإبل أو من الغنم يوجب التأنيث.

وإنما قلت : (ذكور) بعد ما يوجب تأنيث اللفظ فلم تغير.

وكذلك إذا قلت : (ثلاثة ذكور من الإبل) فقد لزم حكم التذكير بقولك : (ثلاثة ذكور) فإذا قلت بعد ذلك من الإبل لم يتغير اللفظ الأول.

قال سيبويه : وتقول : ثلاثة أشخص ، وإن عنيت نساء لأن الشخص اسم مذكر.

قال أبو سعيد : هذا ضد الأول ، لأن الأول تؤنثه للفظ وهو مذكر في المعنى ، وهذا تذكره للفظ وهو مؤنث في المعنى.

قال سيبويه : " ومثله قولهم : ثلاث أعين وإن كانوا رجالا لأن العين مؤنثة.

قال أبو سعيد : وهذا يشبه الأول ، وإنما أنثوا لأنهم جعلوا الرجال كأنهم أعين من ينظرون لهم.

قال سيبويه : " وقالوا ثلاثة أنفس ، لأن النفس عندهم إنسان ألا ترى أنهم يقولون نفس واحد ولا يدخلون الهاء".

قال أبو سعيد : النفس مؤنث وقد حمل على المعنى في قولهم ثلاثة أنفس إذا أريد به الرجال.

قال الشاعر وهو الحطيئة :

ثلاثة أنفس وثلاث ذود

لقد جار الزمان على عيالي (١)

__________________

(١) انظر ديوان الحطيئة : ١٢٠ ، والخزانة : ٣ / ٣٠١ ، والخصائص : ٢ / ٢١٤ ، ومجالس ثعلب : ٣٠٤.

٢٩٧

يريد ثلاثة أناسيّ.

قال : وتقول : ثلاث نسابات" وهو قبيح وذلك أن النسابة صفة فكأنه لفظ بمذكره ثم وصفه ولم يجعل الصفة تقوى قوة الاسم فإنا يجيء كأنك لفظت بالمذكر ثم وصفته كأنك قلت ثلاثة رجال نسابات.

وتقول : (ثلاث دواب) إذا أردت المذكر ، لان أصل (الدّابّة) عندهم صفة ، وإنما هي من (دببت) فأجروها على الأصل ، وإن كان لا يتكلم بها إلا كما يتكلم بالأسماء كما أن (أبطح) صفة واستعمل استعمال الأسماء.

قال أبو سعيد : الأصل أن أسماء العدد تفسر بالأنواع فيقال : " ثلاثة رجال" و (أربعة أثواب) فلذلك لم يعمل على تأنيث ما أضيف إليه ، إذ كان صفة وقدر قبله الموصوف وجعل حكم تذكير العدد على ذلك الموصوف فيكون التقدير ثلاثة رجال نسابات وثلاثة ذكور دواب وإن كانوا قد حذفوا الموصوف في دابة لكثرته في كلامهم كما أن أبطح صفة في الأصل لأنهم يقولون : (أبطح وبطحاء) كما يقال : (أحمر وحمراء) وهم يقولون : (كنا في الأبطح ونزلنا في البطحاء) فلا يذكرون الموصوف كأنهما اسمان.

قال سيبويه : " وتقول ثلاثة أفراس إذا أردت المذكر ؛ لأن الفرس قد ألزموه التأنيث وصار في كلامهم للمؤنث أكثر منه للمذكر حتى صار بمنزلة القدم كما أن النفس في المذكر أكثر.

قال أبو سعيد : أتت ثلاث أفراس في هذا الموضع ؛ لأن لفظ الفرس مؤنث وإن وقع على مذكر. وقد ذكره في الباب الأول حيث قال (خمسة أفراس). إذا كان الواحد مذكرا وهذا (في) المعنى.

قال سيبويه : وتقول (سار خمس عشرة) من بين يوم وليلة ، لأنك ألقيت الاسم على الليالي ثم بيّنت فقلت : (من بين يوم وليلة) ألا ترى أنك تقول : (لخمس بقين أو خلون) ويعلم المخاطب أن الأيام قد دخلت في الليالي ، فإذا ألقى الاسم على الليالي اكتفى بذلك عن ذكر الأيام كما أنه يقول : (أتيته ضحوة وبكرة) فيعلم المخاطب أنها ضحوة يومه وبكرة يومه وأشباه هذا في الكلام فإنما قوله : (من بين يوم وليلة) توكيد بعد ما وقع على الليالي لأنه قد علم أن الأيام داخلة مع الليالي.

وقال الشاعر وهو الجعدي :

٢٩٨

فطافت ثلاثا بين يوم وليلة

وكان النكير أن تضيف وتجأرا (١)

قال أبو سعيد : اعلم أن الأيام والليالي إذا اجتمعت غلب التأنيث على التذكير وهو على خلاف المعروف من غلبة التذكير على التأنيث في عامة الأشياء.

والسبب في ذلك أن ابتداء الأيام الليالي ؛ لأن دخول الشهر الجديد من شهور العرب برؤية الهلال والهلال يرى في أول الليل فتصير الليلة مع اليوم الذي بعدها يوما في حساب أيام الشهر والليلة هي السابقة فجرى الحكم لها في اللفظ.

فإذا أبهمت ولم تذكر الأيام ولا الليالي جرى اللفظ على التأنيث فقلت : (أقام زيد عندنا ثلاثا). تريد ثلاثة أيام وثلاث ليال ، قال الله عزوجل : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)(٢) يريد عشرة أيام مع الليالي فأجرى اللفظ على الليالي وأنث ، ولذلك جرت العادة في التواريخ بالليالي ، فيقال : (لخمس خلون) و (لخمس بقين) يريد لخمس ليال ، وكذلك : " لاثنتي عشرة ليلة" خلت فلذلك قال : (سار خمس عشرة) ، فجاء بها على تأنيث الليالي.

ثم وكد بقوله : (من بين يوم وليلة) ومثله قول النابغة :

فطافت ثلاثا بين يوم وليلة

ومعنى البيت أنه يصف بقرة وحشية فقدت ولدها فطافت ثلاث ليال وأيامها ، تطلبه ، ولم تقدر إن تنكر من الحال التي دفعت إليها أكثر من أن" تضيف" ومعناه تشفق ، وتحذر ، وتجأر ... معناه تصيح في طلبها له.

قال سيبويه : " وتقول : أعطاه خمسة عشر بين عبد وجارية" لا يكون في هذا إلا هذا" لأن المتكلم لا يجوز أن يقول له خمسة عشر عبدا فيعلم أن ثمّ من الجواري بعدتهم ، ولا خمس عشرة جارية ، فيعلم إن ثم من العبيد بعدتهن فلا يكون هذا إلا مختلطا يقع عليهم الاسم الذي بيّن به العدد"

قال أبو سعيد : بيّن الفرق بين هذا ، وبين خمس عشرة ليلة ، لأن خمس عشرة ليلة يعلم أن معها أياما بعدتها.

__________________

(١) انظر ديوانه : ٦٤ ، والخزانة : ٣ / ٣١٧ ، والمغني : ٦٦٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٤.

٢٩٩

إذا فإذا قلت خمس عشرة بين يوم وليلة فالمراد خمس عشرة ليلة وخمسة عشر يوما وإذا قلت خمسة عشر من بين عبد وجارية فبعض الخمسة عشر عبيد وبعضها جوار فأختلط المذكر والمؤنث وليس ذلك في الأيام فوجب التذكير.

قال سيبويه : " وقد يجوز في القياس خمسة عشر من بين يوم وليلة وليس بحر كلام العرب"

قال أبو سعيد : إنما جاز ذلك ؛ لأنا قد نقول : ثلاثة أيام ونحن نريدها مع لياليها كما نقول : ثلاث ليال ونحن نريدها مع أيامها ، قال الله تعالى لزكريا عليه‌السلام : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً)(١)(آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا)(٢) وهي قصة واحدة.

قال سيبويه : (وتقول : ثلاث ذود ، لأن الذود أنثى وليس باسم كسر عليه مذكر).

قال أبو سعيد : ثلاث ذود يجوز أن تريد بهن ذكورا وتؤنث اللفظ كقولك : ثلاث من الإبل فالزود بمنزلة الإبل والغنم.

قال سيبويه : (وأما ثلاثة أشياء فقالوها ، لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال ، لو كسروا عليها" فعلا" وصار بدلا من أفعال.

قال أبو سعيد : يريد أن (أشياء) وإن كان مؤنثا لا يشبه (الزود) وكان حق هذا على موضوع سيبويه الظاهر أن يقال : (ثلاث أشياء) ، لأن (أشياء) مؤنث واحد موضوع للجمع على قوله وقول الخليل لأن وزنه عنده (فعلاء) وليس بمكسر كما أن غنما وإبلا وذودا أسماء مؤنثة وليست بجموع مكسورة.

فجعل واحد كل اسم من هذه الأسماء كأنه مؤنث فقال : جعلوا (أشياء) وهي التي لا تنصرف ووزنها (فعلاء) نائبة عن جمع شيء لو كسر على القياس ، وشيء إذا كسر على القياس فحقه أن يقال (أشياء) كما يقال : (بيت وأبيات) و (شيخ وأشياخ) فقالوا : (ثلاثة أشياء) كما يقال (ثلاثة أشياء) لو كسروا شيئا على القياس.

قال سيبويه : " ومثل ذلك ثلاثة (رجلة) في جمع رجل ، لأن رجلة صار بدلا من أرجال".

قال أبو سعيد : أراد إنهم قالوا : ثلاثة رجلة ورجلة مؤنث وليس بجمع مكسر لأن

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٤١.

(٢) سورة مريم ، الآية : ١٠.

٣٠٠