شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

وهو أمير كنبه وهو نبيه" وفي بعض النسخ أمر علينا كنبه مفتوحان ، والفتح أجود وأفصح ومما يلقى من أبيات المعاني :

قد أمر المهلّب

فكرنبوا ودولبوا

وحيث شئتم فاذهبوا (١)

يريد : قد ولي الإمارة ، يخاطب قوما من الشّراة

" والإمرة كالرفعة ، والإمارة كالولاية" ويقولون : أمر علينا وهو أمير وقالوا : وكيل ووصيّ ، وجريّ كما قالوا : أمير لأنها ولاية. ومثل هذا لتقاربه : الجليس والعديل والقعيد والضجيج والكميع (وهو الجليس) والخليط والنزيع ، وأصل هذا كله العديل ، ألا ترى أنك تقول في هذا كله : فاعلته" تقول : عادلته فهو عديل ، وجالسته فهو جليس. وإنما قال : " أصل هذا كله العديل" ؛ لأنهما تعادلا في فعل كل واحد منهما بالآخر.

وقد جاء فعل ، قالوا : خصم ، وقالوا : خصيم" قال : " وما أتى من العقل فهو نحو من هذا ، قالوا : حلم يحلم حلما فهو حليم ، فجاء فعل في هذا الباب كما جاء فعل فيما ذكرنا. وقالوا في ضد الحلم : جهل يجهل فهو جاهل.

كما قالوا : حرد يحرد فهو حارد ، فهذا ارتفاع في الفعل" يعني حلم" واتضاع" يعني جهل.

وقالوا : علم علما ، فالفعل كبخل يبخل والمصدر كالحلم. وقالوا : عالم ، كما قالوا في الضد : جاهل ، وقالوا : عليم ، كما قالوا : حليم. وقالوا : فقه وهو فقيه ، والمصدر فقه (كما قالوا : علم علما وهو عليم. وقالوا : اللّب واللّبابة ولبيب ، كما قالوا : الّلؤم واللآمة ولئيم. وقالوا : فهم يفهم فهما وهو فهم ، ونقه ، ينقه نقها وهو نقه.

وقالوا : الفهامة ، كما قالوا : الّبابة ، وسمعناهم يقولون : ناقة ، كما قالوا : عالم. وقالوا : لبق يلبق لباقة وهو لبق ، لأن هذا علم وعقل ونفاذ ، فهو بمنزلة الفهم والفهامة".

وقد ذكر غير سيبويه الفهم بتسكين الهاء ، وبه سمّي فهم وعدوان قبيلتان من قيس.

وقالوا : الحذق ، كما قالوا : العلم ، وقالوا : حذق يحذق ، كما قالوا : صبر يصبر.

__________________

(١) قائل الأبيات حارثة بن بدر يوم وقعة دولاب. انظر كتاب الاشتقاق ٢٢٩ ، وشرح شواهد الشافية : ٥٠٣ ـ ٥٠٤.

٤٢١

وقالوا : رفق يرفق رفقا وهو رفيق ، كما قالوا : حلم يحلم وحليم.

وقالوا : رفق ، كما قالوا : فقه ، وقالوا : عقل يعقل عقلا وهو عاقل ، كما قالوا : عجز يعجز وهو عاجز ، أدخلوه في باب عجز يعجز ، لأنه مثله في أنه لا يتعدى.

وقالوا : رزن رزانة (وهو رزين) ورزينة. وقالوا للمرأة : حصنت حصنا وهي حصان ، وجبنت جبنا وهو جبان ، وإنما هذا كالحلم والعقل. وقالوا : حصنا ،

كقولهم : جبنا ، وقالوا لها أيضا : ثقال ورزان. وقالوا : صلف يصلف صلفا ، وصلف ، وفهم فهما ، وفهم. وقالوا : رقع رقاعة ، كقولهم : حمق حماقة ؛ لأنه مثله في المعنى ، وقالوا : الحمق ، كما قالوا : الحصن ، (وقالوا أحمق) وفي بعض النسخ كما قالوا : الجبن.

وقالوا : أحمق ، كما قالوا : أشنع. وقالوا : خرق خرقا ، وأخرق ،

وقالوا : النّواكة ، وأنوك ، وقالوا : استنوك ، ولم نسمعهم قالوا نوك ، كما لم يقولوا فقر.

يريد أن أنوّك لم يجئ على استنوك ، وإنما جاء على نوك وإن كان لم يستعمل ، كما لم يستعمل فقر.

وقالوا : حمق في معنى أحمق ، كما قالوا : نكد وأنكد.

قال سيبويه : واعلم أن ما كان من التضعيف من هذه الأشياء فإنه لا يكاد يكون فيه فعلت وفعل ؛ لأنهم قد يستثقلون فعل والتضعيف ، فلما اجتمعا حادوا إلى غير ذلك ، وهو قولك : ذلّ يذلّ ذلّا وذلّة وذليل ، فالاسم والمصدر يوافق ما ذكرنا. والفعل يجيء على باب جلس يجلس. وقالوا : شحيح والشح كالبخيل والبخل.

وقالوا : شحّ يشح ، وقالوا : شححت كما قالوا : بخلت ، وذلك لأن الكسرة أخف عليهم من الضمة. ألا ترى أن فعل أكثر في الكلام من فعل ، والياء أخف من الواو وأكثر. وقالوا : ضننت ضنّا كرفقت رفقا ، وقالوا : ضننت ضنانة كسقمت سقامة"

قال أبو سعيد : حكى سيبويه ضننت تضنّ كعضضت تعضّ ، وضننت تضن كقررت تقرّ والأول أفصح. وحكى شحّ يشح مثل قرّ يقرّ ، وشححت تشحّ مثل عضضت تعض ، والأول أفصح.

قال : وليس شيء أكثر في كلامهم من فعل ، ألا ترى أن الذي يخفف عضدا وكبدا لا يخفف جملا" ، فتقول جمّل كما تقول : عضد وكبد ، وإنما يريد سيبويه بذكر

٤٢٢

ما ذكر ثقل الضم في نفسه ، وثقله مع التضعيف.

وقالوا : لبّ يلب ، وقالوا : اللّب الّلبابة والّلبيب. وقالوا : قلّ يقلّ ، ولم يقولوا فيه كما قالوا في كثر وظرف"

يريد لم يقولوا قللت كما قالوا : كثرت استثقالا.

" وقالوا : عفّ يعفّ وهو عفيف ، وزعم يونس أن من العرب من يقول :

لببت تلبّ ، كما قالوا : ظرفت تظرف ، وإنما قلّ هذا لأن الضمة تستثقل فيما ذكرت لك" ، يعني في عضد ونحوه.

" فلما صارت فيما يستثقلون فاجتمعا فروا منهما".

يعني صارت في المضاعف ، والأكثر في الكلام لببت تلبّ. قالت صفية بنت عبد المطلب (١) في ابنها الزبير وهو صغير :

أضربه لكي يلبّ

وكي يقود ذا اللّجب (٢)

هذا باب علم كل فعل تعداك إلى غيرك

" اعلم أنه يكون كل ما تعداك إلى غيرك على ثلاثة أبنية : على فعل يفعل ، وفعل يفعل (وفعل يفعل) ، وذلك نحو : ضرب يضرب ، وقتل يقتل ، ولقم يلقم. وهذه الأضرب تكون فيما لا يتعداك ، وذلك نحو : جلس يجلس ، وقعد يقعد ، وركن يركن ، ولما لا يتعداك ضرب رابع لا يشركه فيه ما تعداك نحو : كرم يكرم ، وليس في الكلام فعلته متعديا. وضروب الأفعال أربعة يجتمع في ثلاثة : منها ما يتعدى (وما لا يتعدى) ، ويبين بالرابع ما لا يتعدى وهو فعل يفعل.

وليفعل أبنية يشترك فيها ما يتعدى وما لا يتعدى : يفعل ويفعل ويفعل ، نحو : يضرب ويقتل ويلقم ، وفعل على ثلاثة أبنية ، وذلك فعل وفعل وفعل ، نحو : قتل ولزم ومكث. فالأولان يشترك فيهما المتعدي وغيره ، والآخر لما لا يتعدى كما جعلته لما لا يتعدى حيث وقع جعلته رابعا".

__________________

(١) هي أخت حمزة بن عبد المطلب لأمه ، وابنها الزبير من زوجها العوام بن خويلد ، أسلمت وبايعت الرسول وهاجرت إلى المدينة وتوفيت في خلافة عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه.

(٢) انظر إصلاح المنطق : ٢١٠ ، ابن يعيش في شرح الملوكي : ٤٧ ، اللسان (جلب) والمخصص لابن سيده : ١٤ / ١٥٢.

٤٢٣

قال أبو سعيد : جملة هذا الكلام أن الأفعال المتعدية يكون على وزنها ما لا يتعدى ، لأن ضرب يضرب يتعدى ، وعلى وزنه جلس يجلس لا يتعدى ، وقتل يقتل يتعدى ، وعلى وزنه قعد يقعد وهو لا يتعدى ، ولقم يلقم يتعدى ، وعلى وزنه كمد يكمد لا يتعدى. فهذه الأفعال الثلاثية ، ثلاثة اشترك فيها ما يتعدى وما لا يتعدى ، وقد انفرد ما لا يتعدى ببناء وهو فعل ، ولا يكون مستقبله إلا يفعل ، نحو كرم يكرم ، وظرف يظرف ، فقد صار فعل يفعل بناء رابعا ينفرد به ما لا يتعدى ، والماضي من الثلاثي فعل وفعل وفعل ، فاشترك المتعدي وغير المتعدي في فعل وفعل ، وهو الذي قال سيبويه.

فالأولان يشترك فيهما المتعدي وغير المتعدي ، والآخر لما لا يتعدى يعني فعل ، ويقرب هذا كله عليك أن تحفظ أن ما كان ماضيه على فعل لا يتعدى البتة.

وذكر سيبويه بعد هذا الفصل إلى آخر الباب ما شذ عن قياسه في المستقبل والماضي ، فمن ذلك أربعة أفعال من الصحيح جاءت على فعل يفعل ، والقياس في فعل أن يكون مستقبله على يفعل ، إلا أنهم شبهوا فعل يفعل بقولهم : فعل يفعل ، وذلك قولهم : حسب يحسب ، ويئس ييئس ، ويبس ييبس ، ونعم ينعم.

قال : " وسمعنا من العرب من يقول :

وهل ينعمن من كان في العصر الخالي (١)

وأنشدوا :

وأعوجّ غصنك من لحو ومن قدم

لا ينعم الغصن حتى ينعم الورق (٢)

وقال الفرزدق :

وكوم تنعم الأضياف عينا

وتصبح في مباركها ثقالا (٣)

والفتح في هذه الأفعال جيد ، وهو أقيس".

يعني حسب يحسب ، ويئس ييأس ، يبس ييبس ونعم ينعم.

" وقد جاء في الكلام فعل يفعل (في حرفين) ، وذلك : فضل يفضل ، ومتّ تموت ، وفضل يفضل ، ومت تموت أقيس".

قال أبو سعيد : قد ذكرت فيما مضى من غير سيبويه حضر يحضر بشاهده من

__________________

(١) قائله امرؤ القيس انظر الديوان ص : ٢٧.

(٢) انظر المخصص : ١٤ / ٥٤ ، المحكم : ٢ / ١٤٠.

(٣) ديوان الفرزدق : ٢ / ٦٩ ، اللسان (نعم).

٤٢٤

الشعر.

قال سيبويه : " وقد قال بعض العرب : كدت تكاد ، فقال : فعلت تفعل ، كما قالوا : فعلت أفعل".

قال : " فكما ترك الكسرة ، كذلك ترك الضمة ، وهذا قول الخليل ، وهو شاذ من بابه ، كما أن فضل يفضل شاذ من بابه".

أي فكما ترك كسرة كدت ، كذلك ترك ضمة متّ.

قال : " فكما شركت يفعل يفعل ، كذلك شركت يفعل يفعل ، وهذه الحروف من فعل يفعل إلى منتهى الفصل شواذ"

يعني سواء في الشذوذ ، ومعنى قوله : " كما شركت يفعل يفعل ، كذلك شركت يفعل" ، يريد : أما شركة يفعل يفعل فقولهم : فضل يفضل ، وكان القياس أن يقال يفضل ، وشركة يفعل يفعل أنهم قالوا : كدت تكاد ، وكان القياس أن تقول : تكود ، كما تقول : قلت تقول.

هذا باب ما جاء من المصادر فيه ألف التأنيث

قال سيبويه : " وذلك قولك : رجعته رجعى ، وبشّرته بشرى ، وذكّرته ذكرى واشتكيت شكوى ، وأفتيته فتيا ، وأعداه عدوى والبقيا.

ومعنى البقيا الإبقاء على الشيء ، تقول : ما عند فلان بقيا على فلان ، أي لا يبقي عليه في مكروه أو غير ذلك ، قال :

فما بقيا عليّ تركتماني

ولكن خفتما صرد النّبال

" فأما الحذيا فالعطيّة ، والسّقيا ما سقيت ، والدّعوى ما أدّعيت.

وقال بعض العرب : اللهم أشركنا في دعوى المسلمين" أي في دعائهم

" وقال بغر بن النّكث :

ولّت دعواها كثير صخبه

دخلت الألف كدخول الهاء"

جعل سيبويه ما ذكره مصادر مؤنثه بالألف ، كما يكون المصدر مؤنثا بالهاء

كقولك : العدة والزنة والركبة والجلسة وغير ذلك. وأما الحذيا والسّقيا فمصدران في الأصل مثل الفتيا والرّجعى ، وإن كان قد وقعا على المفعول ؛ لأن المصدر قد يقع على المفعول كقولهم : درهم ضرب في معنى مضروب ، وأنت رجائي في معنى مرجوّي. واللهم

٤٢٥

أغفر لنا علمك فينا أي معلومك من ذنوبنا. وأما الدّعوى فقد تكون الشيء المدّعى مثل الحذيا ومثل السّقيا ، وقد تكون الكلام الذي هو دعاء ، وقوله : كثير صخبه فأدخلوا الهاء في صخبه لدعواها ، والدعوى مؤنث ؛ وذكّره لأنه أراد دعاءها. وقالوا : الكبرياء للكبر.

قال سيبويه : " وأما الفعيلى فتجيء على وجه آخر ، تقول : كان بينهم رمّيّا ، فليس يريد رميا ، ولكنه يريد ما كان بينهم من الترامي وكثرة الرّمي ، ولا يكون الرّمّيا واحدا ، وكذلك الحجّيزى. وأما الحثيثى فكثرة الحثّ ، كما أن الرّميّا كثرة الرّمي ، ولا يكون من واحد"

يعني ما ذكره من الرّميا والحثّيثى والحجّيزى ، وقد يكون من هذا الوزن ما يكون لواحد.

قالوا : الدّلّيلى يراد به كثرة العلم بالدّلالة والرسوخ فيها ، وقالوا :

القتّيتى" وهي النّميمة" والهجّيرى : كثرة القول والكلام".

وقال" أبو الحسن : الاهجيرى ، وهو كثرة كلامه بالغي يردده ، ويروى أن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال : لو لا الخلّيفى لأذّنت ، يعني الخلافة وشغلنه بحقوقها والقيام بها على مراعاة الأوقات التي يراعيها المؤذنون. وفعّيلى عند النحويين والذين حكوا عن العرب مقصور كله ، ولا يعرف فيه المدّ ، إلا ما حكي عن الكسائي أنه سمع خصيّصا قوما ، والأمر بينهم فيضوضاء ، بالمد والقصر ، والفيضوضاء الأمر المشترك بين القوم ، وأجاز قياسا على هذا في جميع الباب المد والقصر ، وخالفة الفراء في ذلك ، ولا نعلم واحدا قال ما قاله.

هذا باب ما تجيء فيه الفعلة تريد بها ضربا من الفعل

قال سيبويه : " وذلك قولك : هو حصن الطعمة ، ومثله قتلة سوء ، وبئست الميتة وإنما تريد الضرب الذي أصابه من القتل والذي هو عليه من الطّعم ، مثل الركبة والجلسة والقعدة ، وقد تجيء الفعلة لا يراد بها هذا المعنى ، وذلك نحو : الشدّة والشعرة والدرّة"

قال أبو سعيد : اعلم أن الفعلة قد تجيء على ضربين : أحدهما للحال التي عليها المصدر ، ولا يراد بها العدد ، كقولنا : فلان حسن الرّكبة والجلسة ، يراد بذلك أنه متى ركب كان ركوبه حسنا ، وإذا جلس كان جلوسه حسنا في أوقات ركوبه وجلوسه ، وأن ذلك عادته في الركوب والجلوس ، وحسن الطّعمة ، أي ذلك فيه موجود لا يفارقه ، والوجه

٤٢٦

الآخر أن يكون مصدرا كسائر المصادر ، لا يراد حال الفاعل في فعله ، كقولك : درى فلان درية ، ولفلان شدّة وبأس ، وشعر فلان بالشّعر شعرة.

قال سيبويه : " وقالوا : ليت شعري في هذا الموضع استخفافا".

والأصل عنده (ليت شعرتي) ، يريد به معنى علمي ومعرفتي ، وما أشعره ، وأسقطت الهاء لكثرة استعمالهم ، وأنه صار كالمثل حتى لا يقال : ليت علمي ، وصار بمنزلة قولهم : ذهب فلان بعذرة امرأته إذا افتضّها ، ثم يقال للرجل إذا بنى بالمرأة : هذا أبو عذرها ، فيحذفون الهاء ؛ لأنه صار مثلا.

ويقولون : تسمع بالمعيديّ لا أن تراه ، وهو تصغير معدّيّ ، بتشديد الدال ، وكان حكمه معيّديّ ، بتشديد الدال والياء ، فخففوا الدال لأنه مثل. وتجيء فعلة مصدرا لما كان فاء الفعل منه واوا ، كقولهم : وزن وزنا وزنة ، ووعد وعدا وعدة ، ووثق به ثقة ، وأصله وزنة ووعدة ووثقة.

وتقول : هو بزنته ، تريد أنه بقدره ، ويقال : العدّة ، كما يقال : القتلة والضّعة والقحة ، ويقولون : وقاح بيّن القحة ، لا تريد شيئا من هذا ، كما تقول : الشدة والدّرية والرّدّة ، وأنت تريد الارتداد.

يريد أن القحة مصدر لا تريد به حال الفعل ، بل يكون بمنزلة الشدة والدّرية ، وأنشد بيتا فاسدا ذكر أن المازني لم يحسن أن يقرأه وهو :

فرحن ورحت إلى قليل

ردّتي إلا أمامي

ولم أعلم أن أحدا يرويه ، وهو مكسور ناقص ، فاستدللت منه على ما لو جعل تماما له لم يبعد ولم يخرج عما دل عليه بقية البيت وهو :

فرحن ورحت منه إلى ثقال

قليل ردّتي إلا أمامي (١)

كأن قائل هذا الشعر شيخ قد كبر ، فإذا ركب لم يمكنه أن يردّ ما يركبه إلى خلفه لعجزه ، والثّقال : البطيء الذي لا ينبعث ، فإذا لم يرجع إلى خلفه وهو على ثقال ، فهو إذا كان على غيره أبعد من الرجوع.

قال سيبويه : " وإذا أردت المرة الواحدة (من الفعل) جئت به أبدا على فعلة على

__________________

(١) انظر المخصص : ١٤ / ١٥٨ ـ ١٥٩ ، لأن القحة مصدر لا تريد به حال الفعل ، بل يكون بمنزلة الشّدّة والدّرية.

٤٢٧

الأصل ؛ لأن الأصل فعل ، فإذا قلت : الجلوس والذّهاب وغير ذلك فقد ألحقت زيادة ليست من الأصل ، ولم تكن في الفعل ، وليس هذا الضرب من المصادر لازما بزياداته لباب فعل كلزوم الإفعال والاستفعال ونحوهما لأفعالهما ، فكان ما جاء على فعل فأصله عندهم الفعل ، فإذا جاءوا بالمرة جاءوا بها على فعلة ، كما جاءوا بتمرة على تمر ، وذلك قولك : فعدت قعدة وأتيت أتية"

قال أبو سعيد : واعلم أن أصل المصدر في الفعل الثلاثي فعل ، بفتح الفاء وتسكين العين ، وإن نطق بغيره أو زيد فيه زيادات. واستدلّ سيبويه أنه قد يقال في المرة الواحدة فعلة ، وإن كان في المصدر زيادة ، كقولهم : جلست جلسة ، وقمت قومة ، وشربت شربة. والمرة الواحدة إذا كانت بالهاء ، فالباب في الجنس أن يكون بطرح الهاء من ذلك اللفظ ، كقولهم : تمرة وتمر وجمرة وجمر ، وكان الأصل أن تقول جلس جلسا ، وقعد قعدا ؛ لأن الواحدة قعدة وجلسة ، ولكنهم تصرفوا في مصادر الثلاثي ، فزادوا وغيّروا ، كالجلوس والذّهاب والقيام. وما كان فيه الزيادات من الأفعال الثلاثية ، أو كان على أكثر من ثلاثة أحرف ، فالمصدر لا يتغير كالأفعال في مصدر أفعل ، كقولهم : أكرم إكراما ، وأمضى إمضاء ، والاستفعال في مصدر استفعل ، كقولك : استغفر استغفارا ، واستخرج استخراجا. وقد يزيدون الهاء على المصدر الذي فيه الزيادة ، يريدون به مرة واحدة.

تقول : أتيته إتيانة ، ولقيته لقاءة واحدة ، فجاءوا به على المصدر المستعمل في الكلام كما قالوا : أعطى إعطاء ، واستدرج استدراجا.

وما كان من الفعل على أكثر من ثلاثة أحرف ، فالمرة الواحدة بزيادة الهاء على مصدره المستعمل لا غير ، كالاستغفار والإعطاء والتكسير ، يراد بذلك كله مرة واحدة.

وقالوا : غزاة ، فأرادوا عمل وجه واحدا كما قيل : حجّة تريد عمل سنة ، ولم يجيئوا به على الأصل.

يريد أنه كان حقه أن يقول للمرة الواحدة : غزوة وحجّة ، ولكنه جعل اسما لعمل سنة واحدة في الحجّ ، وغزوة في وجه واحد.

" وقالوا : قنمة ، وسهكة ، وخمطة ، جعلوه اسما لبعض الريح ، كالبنّة والشّهدة والعسلة ، ولم يرد به فعل فعلة"

يعني أن القنمة اسم للرائحة الموجودة في الوقت ، والخمطة : تغيّر الشراب إلى الحموضة ، والبنّة : رائحة موضع الغنم وأبعارها.

٤٢٨

هذا باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو التي الياء

والواو منهن في موضع اللامات

قال سيبويه : " قالوا : رميته رميا وهو رام ، كما قالوا : ضربته ضربا وهو ضارب ، ومثل ذلك مراه يمريه مريا ، وطلاه يطليه طليا ، وهو مار وطال ، وغزاه يغزوه غزوا وهو غاز ، ومحاه يمحوه محوا وهو ماح ، وقلاه يقليه قليا وهو قال ، وقالوا : لقيته لقاء ، كما قالوا : سفدها سفادا ، وقالوا : اللّقيّ ، كما قالوا : النّهوك".

يريد أن وزن اللّقيّ فعول ، وأصله لقوي ، وقلبت الواو ياء لسبقها بالسكون.

وقالوا : قليته فأنا أقليه قلى ، كما قالوا : شريته شرى. وقد جاء في هذا الباب المصدر على فعل ، قالوا : هديته هدى ، ولم يكن هذا في غير هدى ، وذلك لأن الفعل لا يكون مصدرا في هديت ، فصار هدى عوضا منه.

قال أبو سعيد : اعلم أن فعلا يقلّ في المصادر ، وكلام سيبويه ظاهره يوجب أنه لم يأت مصدر على فعل غير هدى. وللقائل أن يقول : قد وجدنا تقى وسرى وسلى فيمن قصر ، وقد تكلم النحويون فيه ، فذكر عن المبرد أنه قال : وإن تقى تعل ، وأن التاء زائدة وفاء الفعل محذوفة ، وذلك أن العرب يقولون في موضع اتقى يتقي بفتح التاء من (تقى يتقي) ، وذلك أنهم يحذفون التاء الأولى الساكنة التي هي بدل (من الواو في وقيت) ، فإذا حذفوها وليت ألف الوصل التاء الثانية المتحركة فسقطت ، فصار تقى ، وصار في المستقبل يتقي ، فإذا أمرت قلت : تق ربك يا زيد ، وللمرأة : تقي ربك يا هند ، وبعض الناس يظن أنه يقال : تقى يتقي بسكون التاء ، ولو كان كما ظن لكان بمنزلة رمى يرمي ، ولكان الأمر منه اتق يا زيد ، كما تقول : ارم يا زيد ، وكلام العرب على ما ذكرناه أولا ، قال الشاعر :

زيادتنا نعمان لا تنسينّها

تق الله فينا والكتاب الذي تتلو (١)

وقال آخر :

تقوه أيّها الفتّيان إنّي

رأيت الله قد غلب الجدودا (٢)

__________________

(١) قائله خداش بن زهير ، انظر : إصلاح المنطق ص : ٢٤ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.

(٢) الشاهد في قوله : (تقوه) يريد (اتقّوه) ، فبني الأمر على المخفف بحذف إحدى التاءين مع الألف.

في النوادر ص : ٤ ، " ويروى : غلب الجنودا".

٤٢٩

وقال آخر (في المتصل) :

جلاها الصّيقلون فأخلصوها

فجاءت كلّها يتقي بأثر (١)

فمذهب أبي العباس أن فاء الفعل سقطت في المصدر كسقوطها في الفعل ، وأن الباقية هي تاء افتعل ، فلهذا وزنه يتعل.

وقال أبو إسحاق الزجاج : هو فعل ، وكان يقول : إن تقي مخفف من اتّقى يتّقي ، وهو متعد ، وكان يزعم أن سيبويه إنما قال في هدى : إنه لم يجئ غيره ، يرد في الفعل المتعدى ، وأن سرى مصدر فعل لا يتعدى ، والذي قاله غير معروف ؛ لأنه لا يعرف تقى يتقي ، ولا يؤمر منه باتق ، كما يقال : ارم. وبكى فيه لغتان : المد والقصر ، وكأن القصر تخفيف ، والأصل المد لأنه صوت ، والصوت بابه أن يجيء على فعال في المصادر. وقد مضي الكلام على نحو ذلك.

ومعنى قول سيبويه : " وذلك لأن الفعل لا يكون مصدرا في هديت" معناه وذلك : في هديت ، يعني وهدى في هديت خاص ؛ لأن الفعل بلغت معه ، فصار هدى عوضا من الفعل ؛ لأن الفعل يكثر في المصادر.

وقال : قليته قلى ، وقريته قرى ، فأشركوا بينهما.

يعني بين فعل قلى ، وبين فعل في هدى ، فصار هذان البناءان عوضا من الفعل في المصدر ؛ لأن الأصل الفعل ، وكان حقه أن يقال في الأصل : هديته هديا ، وقليته قليا ، وقريته قريا.

فدخل كل واحد منهما في صاحبه ، كما قالوا : كسوة وكسا ، وجذوة وجذا وصّوة وصوى ، والصّوّة حجارة تجمع وتجعل علامة في الطريق.

وفعل وفعل أخوان ؛ لأنك إذا جمعت فعلة قلت : فعل ، وإذا جمعت فعلة قلت : فعل ، فلم تزد على فتح الثاني فيهما ، وكذلك إذا جمعتهما بالتاء جاز في كل واحد منهما ثلاث لغات : الإتباع وفتح الثاني وتسكينه ، تقول في ظلمة : ظلمات وظلمات وظلمات ، وفي كسرة : كسرات وكسرات وكسرات ، فهما يجريان مجرى واحدا. وفي المعتل يقال : رشوة ورشا ، ورشوة ورشا ، وكذلك في جذوة ، وفي كسوة.

" وقالوا : شريته شرى ، ورضيته رضى ، فالمعتل يختص بأشياء ، وستراه فيما

__________________

(١) انظر إصلاح المنطق ص : ٢٣ ، والمخصص : ١٤ / ١٦٠ ، والنظائر : ١ / ١٠٨.

٤٣٠

يستقبل إن شاء الله"

فاختصاص المعتل الذي ذكره سيبويه أن فعل يقل في مصادر غير المعتل ، وقد كثر المعتل ، وفعل لا يوجد في غير المعتل.

قال : " وقالوا : عتا يعتو عتوا ، ودنا يدنو دنوّا ، وثوى يثوى ثويّا ، ونمى ينمي نماء ، وبدا يبدو بداء ، ونثا ينثو نثاءا ، وقضي يقضي قضاء".

وذكر بعد هذا بدا ونثا ، بالقصر.

قال : " وإنما كثر الفعال في هذا كراهية الياءات والواوات مع الضمة".

يريد أنهم عدلوا عن فعول إلى فعال ؛ لأنهم لو جاءوا به على فعول قالوا : بدا بدوّا ، ونثا نثوّا ، وقضي قضيّا ، كما قالوا : ثوي ثويّا ، ودنا دنوّا ، على أن الفعال جاء في غير المعتل ، نحو : الذّهاب والصّواب والثّبات.

وقالوا : جرى جريا ، كما قالوا : سكت سكتا ، وقالوا : زنى زنا ، وسرى يسرى سرى ، والتّقى ، فصارتا عوضا من فعل أيضا ، فعلى هذا يجري الفعل المعتل الذي حرف الاعتلال منه لام"

وقد جاء المد في زناء وشراء ؛ لأنه فعل يقع من الاثنين ، كل واحد منهما مثل فعل الآخر ، فصار بمنزلة ضاربته ضرابا ، وقاتلته قتالا (فاعرف ذلك إن شاء الله).

قال سيبويه : " وقالوا : قوم غزّى وبدّى وعفّى ، كما قالوا : ضمّر وشهّد وقرّح ، وقالوا : السّقاء والجنّاء ، كما قالوا : الجلّاس والعبّاد والنسّاك"

قال أبو سعيد : ذكر سيبويه جمع الفاعل في هذا الموضع ، وليس بباب له شاهدا على ما مر من المصادر مقصورا وممدودا ، كقولهم : بدا وبداء ، وما جاء على فعل وفعال ، فالفعل نحو : الحلب والسّلب ، والفعال نحو : الذّهاب والثّبات ، ومثله من أسماء الفاعلين فعّل وفعّال ، بثبات الألف قبل آخره وسقوطها ، والجنّاء مصدر الجاني الذي يجني الثّمرة ، بتشديد النون.

قال : " وقالوا : بهو يبهو بهاء وهو بهيّ ، وسرو يسرو سروّا ، وهو سرىّ ، كما قالوا : ظرف يظرف ظرفا ، وهو ظريف ، وقالوا : بذو يبذو بذاء وهو بذيّ ، كما قالوا : سقم سقاما وهو سقيم.

وبعض العرب يقول : بذيت كما تقول شقيت ، ودهوت وهو دهيّ ، والمصدر الدّهاء ، كما تقول : سمح سماحا ، وقالوا : داه ، كما قالوا : عاقل ، ومثله في اللفظ عقر وهو

٤٣١

عاقر.

وقد مضى الكلام على فعل وهو فاعل.

" وقالوا : دها يدهو وداه ، كما قالوا : عقل وعاقل ، وقالوا : دهيّ كما قالوا : لبيب.

ثم ذكر المعتل العين ، والذي مضى المعتل اللام ، فقال :

تقول : بعته بيعا وكلته كيلا ، وسقته سوقا ، وقلته قولا ، وقالوا : زرته زيارة ، وعدته عيادة ، وحكته حياكة ، أرادوا الفعول ففروا إلى هذا كراهية الواوات والضمات ، ومع هذا أنهم قالوا في الصحيح : عبد عبادة وعمر عمارة. ولو أتوا به على فعول لقالوا : زرته زؤورا ، وعدته عؤودا.

وقد جاء مثل ذلك على استثقاله. وقد ذكر سيبويه في آخر الباب ، وهو سرته فأنا أسوره سؤورا ، ومعناه سرت إليه ، أي ارتفعت إليه.

وقالوا : غار يغور غؤورا إذا غاب ، قال الأخطل :

لمّا أتوها بمصباح ومبزلهم

سارت إليهم سؤور الأبجل الضّاري (١)

وقالوا : خفته فأنا أخافه خوفا وهو خائف ، كما يقال : لقمته ألقمه لقما وهو لاقم ، وهبته أهابه هيبة وهو هائب ، كما قالوا : خشيته خشية وهو خاش ، وقالوا : رجل خاف.

وأصله خوف ، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وخوف بمنزلة فزع وفرق والمعنى واحد.

" وقالوا : ذمته أذيمه ذاما ، وعيبته أعيبه عابا ، كما تقول : سرقه سرقا"

وزن الذّام والعاب فعل. وسؤته سوءا ، وقتّه قوتا (وقد قال قبل هذا : قتّه قوتا) في المصدر ، وجعل القوت اسما لما يقتات.

وعفته عيافة فأنا أعافه ، وهو عائف. وقالوا : غابت الشمس تغيب غيوبا ، وبادت تبيد بيودا ، وقام يقوم قياما ، وصام يصوم صياما كراهية للفعول لو قلت : قؤوما وصؤوما ، ونظيره من الصحيح نفر نفارا.

وقالوا : آبت الشمس إيابا ، وقال بعضهم : أؤوبا ، كما قالوا : الغؤور والسّؤور ، ونظيرها من غير المعتل الرجوع ، ومع هذا أنهم أدخلوا الفعال يعني في الصحيح.

فقالوا : النّفار والنّفور ، وشبّ شبابا وشبوبا ، فهذا يكثر نظيره من العلة ، وقالوا :

__________________

(١) انظر المخصص : ١٤ / ١٦٣.

٤٣٢

ناح ينوح نياحة ، وقاف يقوف قيافة ، وصاح صياحا ، وغابت الشمس غيابا ، كراهية للمفعول في بنات الياء.

وقد ذكر الغيوب والبيود على استثقالهم إيّاه.

وقالوا : دام يدوم دواما ، وهو دائم ، وزال يزول زوالا وهو زائل ، وراح يروح رواحا وهو رائح ، كراهية للفعول. وقالوا : حاضت المرأة حيضا ، وصامت المرأة صوما ، وحال الرجل حولا ، كما تقول : سكت سكتا ، وعجز عجزا. وقالوا : لعت تلاعا لاعا ، وهو لاع ، كما قالوا : جزع جزعا وهو جزع. وقالوا : دئت تداء داء وهو داء ، فاعلم. وقالوا : وجع يوجع وجعا وهو وجع. وقالوا : لعت وهو لائع مثل بعت وهو بائع ، ولاع أكثر.

هذا باب نظائر بعض ما ذكرناه من بنات الواو التي فيهن فاء

قال سيبويه : " تقول : وعدته أعده وعدا ، ووزنته أزنه وزنا ، ووأدته أئده وأدا" ، والوأد : قتل البنات.

كما قالوا : كسرته أكسره كسرا ، ولا يجيء في هذا الباب يفعل.

لأنهم استثقلوا الواو مع الياء ، وكان أصله يوعد ويوزن.

قال : " والدليل على استثقالهم الياء مع الواو أنهم يقولون : ياجل وييجل في يوجل".

فحذفوا الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، وألزموا هذا الباب يفعل إذا كان الماضي على فعل ؛ لأنهم إذا حذفوا الواو كانت الياء مع كسرة أخف من الياء مع ضمة ، والياء مع الواو والكسرة في تقدير ياعد الذي هو يعد أخف من الياء والواو والضمة في يوعد ويوزن لو جاء على يفعل ، فصرفوه إلى يفعل ، وحذفوا الواو لوقوعها بين ياء وكسرة. والكوفيون يقولون : إن الواو سقطت فرقا بين ما يتعدى وبين ما لا يتعدى من هذا الباب. فما يتعدى منه فنحو : وعده يعده ، ووزنه يزنه ، ووقمه يقمه ، وما لا يتعدى نحو قولنا : وجل يوجل ، ووحل يوحل ، ووهم يوهم ، والذي قالوه من ذلك باطل من غير وجه ، من ذلك أن ما جاء على فعل يفعل من هذا الباب تسقط واوه ، وإن كان لا يتعدى ، وذلك كثير ، كقولنا : وكف يكف ، ووجب القلب يجب ، وونم الذباب ينم إذا ذرق ، ووخد البعير يخد ووجد عليه في الموجدة يجد ، وهو أكثر من أن يحصى. ومن الدليل أيضا على ذلك أنّا رأينا بعض الأفعال من هذا الباب يجيء مستقبله على يفعل ويفعل ، وكان يفعل منه بإثبات

٤٣٣

الواو ، ويفعل بإسقاطها.

وقالوا : وحر صدره على يحر ، ووغر يغر ، وقالوا : يوغر ويوحر ، فأثبتوا الواو في يفعل ، وأسقطوها في يفعل. فوضح بذلك أن سقوط الواو في يعد ويزن من أجل وقوعها بين ياء وكسرة لا من أجل التعدي. فإن قال قائل : فإذا كان سقوط الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، فلم أسقطوها من يهب ويضع ويطأ ويقع؟

قيل : الأصل في ذلك يفعل ، وكان يوهب ويوضع ويوطيء ويوقع ، ووطيء يوطيء منه على فعل يفعل ، نحو : حسب يحسب ، وفي المعتل : وثق يثق ، فسقطت الواو منه لوقوعها بين ياء وكسرة ، فصار يهب ويطيء ويضع ويقع ، ثم فتح من أجل حرف الحلق ، كما قالوا : صنع يصنع ، وقرأ يقرأ من أجل حرف الحلق ، وما لم يكن فيه حرف الحلق في موضع عينه أو لامه لم نجز فيه ذلك.

فإن قال قائل : إذا قلتم إن الواو تسقط لوقوعها بين ياء وكسرة استثقالا لذلك فهلا أسقطتموها لوقوعها بين ياء وضمة استثقالا لذلك ، وهي أثقل في قولك : وضؤ يوضؤ ، ووسم يوسم إذا صار وسيما ، ووقح الحافر يوقح؟

قيل له : إنما أتموا هذا الباب لأنه لزم طريقا واحدا لا يمكن فيه التغيّر في وزنه ، فلما ألزموه ذلك ألزموا التمام فيه ، وهو أن باب وعد ووزن هو على فعل ، وفعل يجيء مستقبله على يفعل ويفعل ، فاقتصروا على يفعل منه لما ذكرنا من العلة ، فكان اقتصارهم على يفعل تغيّرا لما يوجبه القياس في مستقبل فعل ، فحملهم التغيير في ذلك على أن حذفوا الواو أيضا ، وهو تغيير أيضا آخر لما فيه من الاستثقال ، فكأنهم أتبعوا التغيير التغيير ، وهذا التغيير يسلكه سيبويه كثيرا.

وأما قولهم : وسم يوسم فإنه على فعل ، ويلزم مستقبل فعل يفعل ، فلما لم يغيّر مستقبله الذي هو واجب في الصحيح في مثل : ظرف وكرم لم تحذف الواو منه ؛ لأن الأصل هو يفعل فيه ، وإن ثبتت الواو ، فلما لم يغيّر أحدهما لم يغيّر الآخر. ومما يقوي ذلك أن فعل لا يأتي مستقبله إذا كان في موضع عينه أو لامه حرف من حروف الحلق فيجعل على يفعل ، كما يجعل ما كان ماضيه على فعل.

فإن قال قائل : فقد تقع الواو بين ياء وكسرة في مثل يوقن ويوصل فهلا حذفت؟

فالجواب فيه نحو ما ذكرنا أن مستقبل أفعل لا يتغير عن يفعل ، كما أن مستقبل فعل لا يتغير عن يفعل ، ومع ذلك فإن الواو الساكنة إذا كان قبلها ضمة كالإشباع للضمة ، والاستثقال لها أقل.

٤٣٤

وقد ذكر سيبويه أن من العرب من يقول : يجد ، وذلك قليل ، وحذفوا الواو من يجد ؛ لأن الأصل فيه يجد ، فسقطت الواو من أجله.

" وقالوا : ورم يرم ، وورع يرع ورعا وورما ، ويورع لغة ، ووغر صدره يغر ، ووحر يحر وحرا ووغرا ، ويوغر ويوحر أكثر ، وولي يلي ، ووثق يثق ، وومق يمق ، وورث يرث"

وقد كثر في المعتل من هذا الباب فعل يفعل على قلته في الصحيح. والسبب في ذلك كراهتهم الجمع بين ياء وواو لو قالوا : ولي يولي ، ووثق يوثق ، فحللوه على بناء تسقط فيه الواو ، وما كان من الياء فإنه لا تسقط منه الياء ، لوقوعها بين ياء وكسرة ، كقولهم يئس ييئس ، وييس ييس ويسر ييسر من الميسر ، ويمن ييمن من اليمن ؛ لأن الياء أخف من الواو ؛ لأنهم يفرون من الواو إلى الياء ، ولا يفرون من الياء إلى الواو ، فلما كانت الياء أخف سلّموه إذ كانت فاء الفعل.

ومن العرب من يجري الياء مجرى الواو وهو قليل ، فيقول : يئس يئس ، والأصل فيه ييئس ، فسقطت الثانية منه لوقوعها بين ياء وكسرة كسقوط الواو في يعد ويزن.

هذا باب افتراق فعلت وأفعلت

قال سيبويه : " تقول : دخل وخرج وجلس ، فإذا خبّرت أن غيره صيره إلى شيء من هذا قلت : أدخله وأخرجه وأجلسه ، وتقول : فزع وأفزعته ، وخاف وأخفته ، وجال وأجلته. فأكثر ما يكون إذا أردت أن غيره أدخله في ذلك يبنى الفعل منه على أفعلت ، ومن ذلك أيضا مكث وأمكثه. وقد يجيء الشيء على فعّلت فيشرك أفعلت ، كما أنهما قد يشتركان في غير هذا. وذلك قولك : فرح وفرّحته ، وإن شئت قلت أفرحته ، وغرم وغرمته وأغرمته إن شئت ، كما تقول فزّعته وأفزعته ، وقالوا : ملح وملّحته ، وسمعنا من العرب من يقول : أملحته ، كما تقول : أفزعته. وقالوا : ظرف وظرّفته ، ونبل ونبّلته ، ولا يستنكر أفعلت فيهما ، ولكن هذا أكثر ، واستغني به. ومثل أفرحته وفرّحته أنزلت ونزّلته ، قال الله عزوجل : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً)(١) ، وكثّرهم وأكثرهم. ويدخل في ذلك عرف زيد أمره وعرّفت زيدا أمره".

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ٣٧.

٤٣٥

قال أبو سعيد : اعلم أن هذا الباب يسمى باب نقل الفعل عن فاعله وتصييره مفعولا ، وذلك أن الفعل الثلاثي إذا أردت أن تجعل الفاعل فيه مفعولا جئت بفاعل أدخلته في ذلك الفعل ، فيصير مفعولا ، وعلامة نقل الفعل أن تزيد همزة في أوله ، أو تشدّد عين الفعل ، وزيادة الهمزة في أوله أكثر وأعمّ ، فإن كان الفعل غير متعد تعدى إلى واحد ، كقولك : ذهب زيد ، وأذهب عمرو زيدا ، وجلس زيد ، وأجلس عمرو زيدا. وإن كان الفعل متعديا إلى مفعول صار بالنقل متعديا إلى مفعولين ؛ لأن فاعله يصير مفعولا ، كقولك : لبس الثوب ، وألبست زيدا الثوب ، ودخل زيد الدار ، وأدخل عمرو زيدا الدار. وإن كان متعديا إلى مفعولين تعدى بالنقل إلى ثلاثة ، ولا يكون أكثر من ذلك ، وذلك قولك : علم عمرا خارجا ، ثم تقول : أعلم الله زيدا عمرا خارجا ، وقد يجوز أن يكون الفعل يصير فاعله مفعولا على غير لفظ النقل الذي ذكرته لك ، وذلك قولك : زاد مالك ، وزاد الله مالك ، وشحا فوك ، وشحا عمرو فا زيد. وقد يجوز أن يدخل أفعل وفعّل على غير وجه النقل ، وسنبيّن لك تصرّف وجوه ذلك من كلام سيبويه إن شاء الله.

قال سيبويه : " فأما طردته فنّحيته ، وأطردته جعلته طريدا"

يعني أن أطردته ليس بنقل لطردته ، " وطردت الكلاب الصيد ، أي جعلت تنحيّه. ويقال : طلعت أي بدوت وطلعت الشمس أي بدت ، وأطلعت عليهم أي هجمت عليهم ، وشرقت الشمس بدت وأشرقت : أضاءت ، وأسرع : عجل ، وأبطأ : احتبس. وأما سرع وبطؤ فكأنهما غريزة كقولهم : خفّ وثقل ، ولا تنفذهما إلى شيء ، كما تقول : طوّلت الأمر وعجّلته. يعني أن أسرع وأبطأ لا يتعديان ، وإن كانا على أفعل ، ثم فضّل بينهما وبين سرع وبطؤ وإن كان ذلك كله لا يتعدى بأن قال : " سرع وبطؤ كأنهما غريزة" ، أي صار طبعه الإسراع والإبطاء ، وفي أسرع وأبطأ ليس بطبع. وقوله : " ولا تنفذهما إلى شيء" يعني لا يتعدى أسرع وأبطأ ، كما يتعدى طوّلت الأمر وعجّلته.

" ويقولون : فتن الرجل وفتنته ، وحزن وحزنته ، ورجع ورجعته ، وزعم الخليل أنك حيث قلت فتنته وحزنته لم ترد أن تقول : جعلته حزينا ، وجعلته فاتنا ، كما أنك حين قلت أدخلته وجعلته داخلا ، ولكنك أردت أن تقول : جعلت فيه حزنا وفتنة فقلت : فتنته ، كما قلت : كحلته جعلت فيه كحلا ، ودهنته جعلت فيه دهنا"

قال أبو سعيد : مذهب سيبويه أن أفعلته الذي للنقل معناه جعلته فاعلا للفعل الذي كان له ، أي صيّرته فاعلا ، وفعلته أي جعلت فيه ذلك الفعل. فإذا قلت : أدخلته أي جعلته

٤٣٦

داخلا. وإذا قلت ضربته أي جعلت فيه ضربا ، وإذا قلت : بنيته جعلت فيه بناء ، وإذا قلت : أبنيت زيدا الدار معناه جعلته بانيا لها ، وكذلك قالوا : فتنت الرجل وأفتنته ، فمن قال فتنته أراد جعلت فيه فتنة ، ومن قال أفتنته أي جعلته فاتنا. يقال : فتن الرجل فهو فاتن ، ويسمّي سيبويه النقل الذي قدمنا ذكره التغيير ، ولذلك قال في فتنته وكحلته وحزنته :

" لم ترد بفعلته هاهنا تغيير قوله حزن وفتن" ، يعني نقله على ما ذكرته لك.

" ولو أردت ذلك لقلت أحزنته وأفتنته ، وفتن من فتنته كحزن من حزنته. ومثله شتر الرجل وشترت عينه ، فإذا أردت تغيير شتر لم تقل إلا أشترته ، كما تقول : فزع وأفزعته ، وإذا قال : شترت عينه لم يعرض لشتر الرجل ، وإنما جاء ببناء على حدة ، كأنه قال : جعلت فيه شترا ، كما أنك إذا قلت : طردته وأطردته فهما مختلفان ، ومثل ذلك : عورت عينه وعرتها ليس بتغيير عورت عينه. وقد قالوا حين أرادوا التغيير والنّقل : أعورت عينه ، ومثل ذلك : سودت وسدت غيرى ، أي سودته ، " وقال نصيب :

سودت فلم أملك سوادي وتحته

قميص من القوهيّ بيض بنائقه (١)

وقال بعضهم : سدت يريد فعلت"

تحصيل هذا أنه يقال : اسواددت واسوددت وسودت وسدت بمعنى واحد ، وذلك كله غير متعد ، يقال من سدت : ساد يسود في معنى اسودّ يسودّ ، فإذا أردت المتعدي جاز أن تقول : سدته وسوّدته ، فأما سدته فجعلت فيه سوادا ، وأما سوّدته فجعلته أسود.

" وقالوا : عوّرته ، كما قالوا : فرّحته ، وقالوا : جبرت يده وجبرتها ، وركضت الدابة وركضتها ، ونزحت الرّكيّة ونزحتها ، وسار الدابة وسرتها. وقالوا : رجس الرجل ورجسته ، ونقص الدرهم ونقصته" وبعض العرب يقولون : رجس ، " وغاض الماء وغضته"

وقد ذكرنا نحو هذا ، والمتعدى منه ليس على طريق النقل والتغيير لما لا يتعدى ، ولكن على معنى جعلت ذلك الفعل فيه.

قال : " وقد جاء فعّلته إذا أردت أن تجعله مفعلا ، وذلك : فطّرته فأفطر ، وبشّرته فأبشر ، وهذا النحو قليل".

__________________

(١) البيت لنصيب بن رباح ، البيت في ديوانه ص ١١٠ ، وانظر سيبويه : ٢ / ٢٣٤ ، والمخصص : ١٤ / ١٦٨.

٤٣٧

ومعنى ذلك أنه جعل فعّلته نقلا لأفعلت ، والباب أن يكون نقلا لفعلت ، كما يقال : عرف وعرّفته ، ونبل ونبّلته ، وفرح وفرّحته.

قال : " وأما خطّأته فإنما أردت سمّيته مخطئا ، كما أنك حيث قلت : فسّقته وزنّيته ، أي سمّيته بالزّنى والفسق ، كما يقال حيّيته ، أي استقبلته بحياك الله ، كقولك : سقّيته ورعّيته ، أي قلت سقاك الله ورعاك الله".

فالباب فيما نسبته إلى الشيء أن يكون على فعّلت ، كقولك : لحّنته وخطّأته ، وصوّبته وجهّلته ، ومثله ما يدعي به له أو عليه ، كقولك :

" جدّعته وعقّرته ، أي قلت له : جدعك الله وعقرك ، وأفّفت به ، أي قلت له : أفّ. وقالوا : أسقيته في معنى سقّيته ، تعني به الدعاء له. فدخلت أفعلت على فعّلت ، كما تدخل فعّلت عليها.

يريد أن الباب في نقل الفعل وتغييره أفعلت ، وقد استعملوا فيه فعّلت ، كفرّجت وفزّعت ، والباب في الدعاء والتسمية فعّلت ، وقد أدخلوا عليه أفعلت ، فقالوا : سقّيته في معنى دعوت له بالسّقيا. قال ذو الرمة :

وقفت على ربع لميّة ناقتي

فما زلت أبكي حوله وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد ممّا أبثّه

تكلّمني أحجاره وملاعبه (١) "

قال سيبويه : " ويجيء أفعلته على أن تعرضه لأمر وذلك أقتلته ، أي عرّضته للقتل ، ويجيء مثل قبرته وأقبرته ، فقبرته دفنته ، وأقبرته جعلت له قبرا. ويقال : سقيته فشرب ، وأسقيته جعلت له ماء وسقيا.

قال الخليل : سقيته مثل كسوته ، وأسقيته مثل ألبسته.

هذا الصحيح ؛ لأن في بعض النسخ سقيته مثل كسوته ، وأسقيه مثل ألبسته والصواب هذا والأول ؛ لأن كسوته معناه جعلت له كسوة وإن لم يلبسها ، وألبسته إذا جعلته لابسا ، فألبسته مثل سقيته ، وكسوته مثل أسقيته على ما ذكر من الفرق بين سقيته وأسقيته ، وبعض أهل اللغة ذكر أنه لا فرق بينهما ، وأنشد للبيد :

سقى قومي بني مجد وأسقى

نميرا والقبائل من هلال (٢)

__________________

(١) البيت في ديوانه ص : ٣٨ ، والنوادر ص : ٢١٣ ، والمخصص : ١٢ / ١١ ، والدرر اللوامع : ١ / ١٠٩.

(٢) انظر المخصص : ١٤ / ١٦٩.

٤٣٨

قال : " وتقول : أجرب الرجل وانحز وأحال ، أي صار صاحب جرب وحيال ونحاز في ماله". وهذا الباب يجيء على أربعة أوجه : منها أن يكون الرجل صاحب شيء قد صار بتلك الصفة كقولنا : رجل" مشدّ مقطف ومقو" ، أي صاحب إبل قويّة وخيل تقطف وإبل شداد. وعلى هذا يقال : امرأة مطفل أي لها أطفال ، وظبية مشدن مغزل ، أي ولدها غزال وشادن. ومن ذلك يقال : فلان خبيث مخبث ، أي هو خبيث في نفسه ، وله أصحاب خبثاء ، ومنها أن يقال لمن يصادف الشيء على صفة أفعلته ، أي صادفته كذلك ، كقولك : أبخلت الرجل ، أي وجدته بخيلا. وروي أن عمرو بن معد يكرب سأل مجاشع بن مسعود السّلميّ بالبصرة فمدح بني سليم ، فقال : (سألناكم فما أبخلناكم ، وقاتلناكم فما أجبناكم ، وهاجيناكم فما أفحمناكم) ، أي ما وجدناكم بخلاء ولا جبناء ولا مفحمين. ومنها أن يأتي وقت يستحق فيه شيء فيقال لمستحقّه ذلك ، كقولك :

" أصرم النخل وأمضغ وأحصد الزرع وأجزّ النخل وأقطع ، أي قد استحق أن يصرم ويمضغ ويحصد. ويقال في قولهم :

" ألام الرجل ، أي صار صاحب لائمة" ، أي صاحب من يلومه ، فإذا صار له لوّام قيل : مليم ، كما يقال لصاحب الإبل الجربى : مجرب ، ويقال : إنه قيل له : ألام لأنه استحق أن يلام ، فصار بمنزلة قولهم : أصرم النخل.

ووجه رابع أن يقال : أفعل من الدخول في الشيء ، كقولك : أفجرنا ، أي دخلنا في وقت الفجر ، وأمسينا وأصبحنا وأظهرنا دخلنا في المساء والصباح والظّهر ، ومنه يقال : أشملنا وأجئبنا وأصبينا وأدبرنا وإذا دخلنا في الشمال والجنوب ، والصبّا والدّبور.

ويقال : أشهرنا إذا دخلنا في الشهر ، قال الشاعر :

ما زلت مذ أشهر السّفّار أنظرهم

مثل انتظار المضحّي راعي الإبل (١)

وإنما يستعمل ذلك في الأوقات وما جرى مجراها.

قال : " وتقول لما أصابه : هذا نحز وجرب وحالت الناقة"

يعني أنه ليس يقال للبعير الذي أصابه الجرب في نفسه مجرب ، ولا للذي أصابه النحاز منحز ، إنما يقال : منحوز ، والمنحز صاحبه ، والنّحاز : السّمال ، وفي غير ذلك إذا لم يكن على الوجوه التي ذكرناها لام الرجل صاحبه وصرم النخل وجذّه وقطفه وما أشبه ذلك.

__________________

(١) بلا نسبة في المخصص ١٤ / ١٧٠ ، واللسان (شهر).

٤٣٩

قال سيبويه : " ومثل ذلك : أسمنت وأكرمت فأربط"

يقال ذلك للرجل إذا وجد شيئا نفيسا يرغب فيه أن يتمسك به ، فمعنى أسمنت أي وجدت سمينا ، وأكرمت أي وجدت فرسا كريما أو غير ذلك ، فاربط ، أي اتّخذه.

قال : " فأما أحمدته فوجدته مستحقا للحمد. وقالوا : أراب ، كما قالوا : ألام ، أي صار صاحب ريبة ، كما قالوا : ألام ، أي استحق أن يلام. وأما رابني فتقول : جعل فيّ ريبة ، كما تقول : قطعت النخل ، أي أوصلت إليه القطع"

فأراب غير متعد ، وراب متعد ، لا تقل أرابني ولا أربته ، لأنك لم تفعل به إلا رابة ، وإنما استوجبت الريبة أو صرت صاحب ريبة. وقال بعض أهل اللغة : رابني إذا تبيّنت منه الريبة ، وأراب إذا اتّهم به ولم تتبيّن ، ولذلك قال بعض الشعراء :

أخوك الذي إن ربته قال : إنما

أربت ، وإن عاتبته لان جانبه (١)

فمعناه إن تبيّن منك ريبة قال لم أتبيّن بعد.

ومثل ذلك : أبقّت المرأة ، وأبقّ الرجل إذا كثر أولادهما ، وهو يدخل في باب المجرب والمنجز ، أي لهما أولاد كثير ، وإن جئت بالفعل من ذلك قلت :

بقّت المرأة ولدا ، وبقّت كلاما ، كقولك : نثرت ولدا ونثرت كلاما ، ومثل المجرب المقطف والمعسر والموسر والمقلّ. وأما عسّرته فمعناه ضيّقت عليه ، ويسّرته وسعت عليه. وقد يكون فعلت وأفعلت بمعنى واحد.

كأن كل واحد منهما لغة لقوم ثم تختلط ، فتستعمل اللغتان كقولك :

قلته البيع وأقلته ، وشغله وأشغله ، وصرّ أذنيه وأصرّ إذا أقامهما ، وبكر وأبكر.

وقالوا : بكّر فأدخلوها مع أبكر ، فبكّر أدخل مع أبكر.

كما قالوا : أدنف فبنوه على أفعل ، وهو من الثلاثة ، ولم يقولوا : دنف.

يريد أن الباب من الثلاثة في الأمراض أن يجيء على فعل ، فلم يستعملوا ما يوجبه الباب وهو دنف ، واستعملوا أدنف.

وقالوا : أشكل أمرك ولم يستعملوا غيره ، وقالوا : حرثت الظّهر أي أتعبته ، والظّهر المركوب ، وأحرثت.

__________________

(١) الشاهد في قوله (ربته) ، انظر المخصص : ١٤ / ١٧٠ ، ومعاني القرآن للزجاج : ١ / ٣١ ، والحماسة البصرية : ٢ / ٣٤ ، والقصائد السبع ص : ٤٧١ ، واللسان (أربت).

٤٤٠