شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

فأما الوجوه الثلاثة الأول فالباب في تثنيتها الهمزة كقولك : قرّاءان ، ووضّاءان ، ورداءان وكساءان وعلباءان ، وحرباءان.

وتجوز فيها الواو ، وإنما كان الهمز الوجه ؛ لأنه الظاهر في الكلام وهي أكثر في كلام العرب في نحو : قراءان ، وكساءان.

وأما من جعلها بالواو فلاستثقالهم الهمزة بين ألفين ؛ لأن الهمزة من مخرج الألف ، فتصير كأنها ثلاث ألفات وبعض هذه الثلاثة أولى في القلب من بعض ، فأضعفها في قلب الهمزة واوا ما كانت الهمزة فيه أصلية ، كقراء ، ورضاء ، وبعده ما كانت الهمزة فيه منقلبة من حرف أصلى كرداء ، وكساء لمشاركته الأول في أن الهمزة غير زائدة ، ولا منقلبة ، من زائدة ، وأما علباء فإن قلب الهمزة فيه إلى الواو أكثر وأحسن ؛ لأن الهمزة فيه منقلبة من حرف زائد فأشبهت ألف التأنيث في حمراء وعشراء.

والذي عند أصحابنا في تثنية الممدود المؤنث قلبها واوا. وما حكوا غير ذلك ، كقولهم : حمراوان وعثراوان. وذكر أبو العباس المبرد أنه إنما قلبوها واوا ؛ لأن الهمزة لما ثقل وقوعها بين ألفين في كلمة ثقيلة بالتأنيث ، وأرادوا قلبها كان الواو أولى بها من الياء ؛ لأن الهمزة في الواحد منقلبة من ألف تأنيث ، وليست الهمزة من علامات التأنيث ، وهي بمنزلة الألف في غضبى وسكرى ، والألف في غضبى ليس قبلها ساكن ، فلم يحتج إلى تغييرها ، فإذا قالوا : حمراء أتوا فيها بألف للمد لا للتأنيث وجعلوا بعدها ألف التأنيث ولا يمكن اللفظ بألفين ، ولا يجوز إسقاط إحداهما ، فقلبوا الألف الثانية إلى الهمزة ؛ لأنها من جنسها فصارت الهمزة في الواحدة وهي ليست من علامات التأنيث ، حرفا ليس من علامة التأنيث وهو الواو ، ولو جعلوها ياء لكانت الياء من علامات التأنيث لأنهم يقولون : أنت تذهبين ، وتقومين ، والياء علم التأنيث فتركوا الياء للواو في التثنية حتى تشاكل الواحد في الحرف الذي ليس من علم التأنيث.

وقال بعضهم : إنما جعلوه واوا ، دون الياء ؛ لأنه لما كره وقوع الهمزة بين ألفين ، وكانت الياء أقرب إلى الألف ، كرهوا أيضا الياء لشبهها بالألف ، فاختاروا الواو البعيدة منها.

وقال بعضهم : اختاروا الواو ؛ لأنها أبين في الصوت من الياء ، فهذا مذهب أصحابنا.

وقد حكى الكسائي أن من العرب من يقول : ردايان ، وكسايان فيجتمع فيه على قوله

١٤١

ثلاث لغات ، ويجيز التثنية بالهمزة في حمراءان وبابه ، وأجاز أيضا حمل باب حمراء على جميع ما يجوز في باب رداء ، فيقول : حمرايان والمعروف ما ذكرته لك عن أصحابنا. وقد حكى الكوفيون أشياء لم يذكرها أصحابنا ، فقالوا : يجوز فيما طال من هذا الممدود حذف الحرفين الأخيرين فاختاروا في قاصعاء ، وخنفساء ، وحاثياء ، ونحو ذلك أن يقال : قاصعان وحاثبان ، وخنفسان وقاصعاوان ، وحاثياوان واستحسنوا في الممدود إذا كان قبل الألف واوا أن يثنوا بالهمزة ، وبالواو ، فقالوا في لأواء ، وجأواء : لأواءان ، ولأواوان.

وأجازوا في سوءاء وهي المرأة القبيحة سوءاوان ، والله أعلم بالصواب.

هذا باب لا تجوز فيه التثنية والجمع بالواو والنون ، والياء والنون

قال أبو سعيد : جملة هذا الباب أن ما كان فيه علامة تثنية ، أو جمع سالم بالواو والنون ، والياء والنون ، لم تجز تثنيته ، ولا جمعه السالم لئلا يجتمع فيه علامتان ، لأنّا لو سمينا رجلا بعشرين ، أو مسلمون أو مسلمين أو مائتين أو اثنين لم يجز أن نقول إذا ثنينا : عشرونان ، ولا مائتانان ولا اثنانان ؛ لأن هذا لو فعل لاجتمع في الاسم الواحد رفعان ونصبان وقد مضى نحو هذا.

قال سيبويه : وإنما أوقعت العرب الاثنين ، في الكلام ، يعني في اسم اليوم على حد قولك : اليوم يومان ، واليوم خمسة عشر من الشهر ، والذين جاءوا بها فقالوا : أثناء إنما جاءوا بها على حد الاثن ، كأنهم كسروه على أفعال ، كما قالوا : ابن ، وأبناء.

قال : وقد بلغني أن بعض العرب يقول : اليوم الثّنيّ.

قال أبو سعيد : نسختي التي قرأت منها على ابن السراج وهو فعول ، مثل قولنا الثدي ، وما أشبه ذلك ، وفي كتاب أبي بكر مبرمان : الثّنيّ ، على لفظ التصغير وهو على ما في نسخته ، كأنه قال : أيام الاثنين.

ويحتمل أن يكون على لفظ التصغير كأنه قال : يوم الاثنين.

وإذا كان الجمع بالألف ، والتاء ، جازت التثنية ، كرجل اسمه : أذرعات ، أو تمرات ، نقول أذرعاتان ، وتمراتان ؛ لأنه لا يجتمع فيه إعرابان ، فإن جمعت قلت : تمرات ، وأذرعات ؛ لأنك تحذف التاء كما تفعل ذلك بالهاء ، إذا قلت : تمرة ، وتمرات ، فإذا حذفتها ، حذفت معها الألف ، ثم تزيد علامة الجمع ألفا ، وتاء.

١٤٢

هذا باب تثنية «الأسماء» المبهمة التي أواخرها معتلة

قال سيبويه : وتلك الأسماء" ذا" و" تا" و" التي" و" الذي" فإذا ثنيت ذلك حذفت الحرف الأخير ، ولم تحرك كما حركت الياء في قاض ، إذا قلت القاضيان ؛ لأن هذه الياء تتحرك في النصب ، إذا قلت : رأيت قاضيا ، والقاضي.

والياء في" التي والذي" لا تتحرك ، إذا قلت : رأيت التي والذي ؛ لأنها مبنية ، لا تدخلها الحركة بوجه.

وقالوا في المؤنث في موضع ذا خمس لغات ، فإذا ثني لم يستعمل إلا بعضها ، قالوا للمرأة ذي وذه يا هذا و" تي" و" ته" وتا ، فإذا ثنوا قالوا" تان" فلا يثنوا" ذه" ولا" ذي" لأنهم لو ثنوا على الذال لأشبه المذكر.

وكان يجوز أن يكون على لغة من يقول تا فيحذف الألف لاجتماع الساكنين ، ويثبت ألف التثنية ، ويجوز أن يكون على لغة من يقول ته فيحذف الهاء ؛ لأن الهاء عوض من الياء في" تي" وقد ذكرناه في غير هذا الموضع محكما.

وقال الكوفيون : إن الياء في الذي والألف في ذا وما جري مجراهما من المبهمات ، دخلت تكثيرا للاسم وأنهم حذفوها في التثنية ، لقيام حرف التثنية مقامها في التكثير ، وهذا غلط ؛ لأنهم قد صغروها ؛ لأنهم قالوا : ذيّا والّذيّا ، ولا يجوز أن يصغر على أنه اسم إلا برد الذاهب منه إليه.

فإن قال قائل : فأنتم إذا سميتم رجلا بقد أو هل أو بحرف من الحروف ثم صغرتموه رددتم إليه في التصغير ما لم يكن له.

قيل له : إذا سمينا بقد فقد نقلنا" قد" من الحرف إلى الاسم ، فإذا صغرنا ، فإنما نصغره ، على أنه اسم ، فحلينا له حرفا توجبه الاسمية إذا صغرناه ، ونحن وإنما نصغر" ذا" و" الّذي" وهما على معناهما الذي وضعا له ، فهذا فرق واضح بينهما. فافهم إن شاء الله تعالى.

هذا باب جمع الاسم الذي آخره هاء التأنيث

قال أبو سعيد : لا خلاف بين أصحابنا ، أن الرجل إذا سمي باسم آخره هاء التأنيث ، ثم أردت جمعه ، جمعته بالتاء ، واستدلوا على ذلك ، بقول العرب : رجل ربعة ،

١٤٣

ورجال ربعات ، وبقولهم : طلحة الطّلحات. قال الشاعر :

رحم الله أعظما دفنوها

بسجستان طلحة الطّلحات (١)

وتقول العرب : ما أكثر الهبيرات ، يريدون جمع هبيرة ، ولم يسمع رجال ربعون ولا طلحة الطلحين ـ ولم يسمع ما أكثر الهبيرين ، ولا جمع شيء من ذلك بالواو والنون.

وأجاز الكسائي والفراء جمع ذلك بالواو والنون.

فإذا جمع بالواو والنون ، سكنوا اللام من (طلحة) لأنهم يقدرون جمع طلح ، فلا يحركون اللام.

وكان أبو الحسن بن كيسان يذهب إلى جواز ذلك ويحرك اللام.

فيقول الطلحون فيفتحها كما فتحوا" أرضون" حملا على أرضات لو جمع بالألف والتاء ؛ لأنه بمنزلة ثمرات ، والقول الصحيح ما قاله أصحابنا ؛ لأنه قول العرب الذي لم يسمع منهم غيره ؛ ولأنه القياس ؛ لأن" طلحة" فيه هاء التأنيث. والواو والنون (علامة) التذكير ، ولا يجتمع في اسم واحد علامتان متضادتان.

ومما احتج به ابن كيسان أن التاء تسقط في الطلحات ، فمن أجل سقوطها وبقاء الاسم بغير تائه جاز جمعها بالواو والنون. وهذا لا يلزم ؛ لأن التاء مقدرة ، وإنما دخلت علامة الجمع على التاء التي كانت في الواحد ؛ لأن تاء الجمع عوض منها ، لئلا يجتمع تاءان فصار بمنزلة ما يسقط لاجتماع الساكنين وهو مقدر.

وإذا جمعت بالألف والتاء ما كان في آخره ألف تأنيث مقصورة ، فإنك تقلب ألف التأنيث ياء فتقول في حبلى حبليات وفي حبارى حباريات ، وفي جمزى جمزيات.

فإن قال قائل : فأنتم تقولون : إنما حذفنا التاء في طلحات وتمرات ، لئلا يجمع بين علامتي تأنيث لو جمعناه" تمرتات" فقد جمعتم بين الألف التي في حبلى والتاء التي في الجمع.

قيل له : ليس سبيل الألف سبيل التاء ؛ لأن الألف لا تثبت على لفظ التأنيث ، وإنما تنقلب ياء ، وليست الياء للتأنيث ، فإذا قلنا : حبليات لم نجمع بين لفظي تأنيث ، والتاء في" تمرتان" لو قلناها هي علامة للتأنيث فلم يجز الجمع بينهما.

__________________

(١) ابن يعيش : ١ / ٤٧ ، الخزانة : ٣ / ٣٩٢.

١٤٤

وهو الدليل على أن التاء هي علامة التأنيث ، وأن الهاء بدل منها في الوقوف للفرق بين الاسم والفعل ، والواحد والجمع ، إذ إن علامة التأنيث في الفعل تاء لا غير في الوقف والوصل ، وكذلك في جمع مسلمات وما أشبه ذلك ، وأيضا فإن التاء دخولها على بناء صحيح للمذكر ، ودخول ألف التأنيث على بناء لو نزعت عنه لم يكن له معنى ، ألا ترى أنّا لو قلنا في حبلى : حبل لم يكن له معنى.

وإذا قلنا في مسلمة : مسلم كان للمذكر فصار ألف التأنيث بمنزلة حرف من نفس الاسم مخالف للعلامة الداخلة على الاسم بكماله.

وإذا جمعت المقصور بالواو والنون حذفت الألف لاجتماع الساكنين وبقّيت ما قبله على الفتح فقلت في موسى وعيسى ، وحبلى : موسون وعيسون ، وحبلون لا يجوز غير ذلك عند أصحابنا وهو القياس وكلام العرب. فأما كلام العرب فقولهم : (المصطفون) و (الأعلون) ، ورأيت المصطفين الأعلين.

وأما القياس ، فلأن الحرف الثابت في الواحد ليس لنا حذفه من الكلمة إلا لضرورة عند اجتماع ساكنين وهو مقدر كقولنا : " قاضون" و" رامون". فلو قلنا : (عيسون) و (موسون) لكنا نقدر حذف الألف فيهما من قبل دخول علامة الجمع ، ولو جاز هذا لجاز أن نقول في حبلى (حبلات) وفي سكرى (سكرات) ، وليس أحد يقول هذا فوجب أن علامة الجمع إنما تدخل على (عيسى) و (موسى) والألف فيهما ، ثم تسقط الألف ، لاجتماع الساكنين ، ويبقى ما قبلها مفتوحا.

فإن قال قائل : إنما تحذف هذه الألف تشبيها بحذف هاء التأنيث ، قيل له : لو جاز ذلك لجاز أن تقول : حبلات ، وقد ذكرنا السبب في حذف هاء التأنيث.

وأما الممدود فإنك تقلب الهمزة واوا فيه إذا كانت (المدّة) للتأنيث ، كما قلبت في التثنية ، فتقول في حمراء : حمراوات ، وفي (ورقاء) : ورقاوات كما قالوا : خضراوات.

وإن كان ذلك اسم رجل جمعته بالواو والنون وقلبت الهمزة واوا أيضا ، فقلت : ورقاوون وحمراوون ورأيت ورقاوين وحمراوين.

وذكر أن المازني كان يجيز في ورقاوون الهمزة ، لانضمام الواو وهذا سهو ؛ لأن انضامها لواو الجمع بعدها ، فهو بمنزلة ضمة الواو للإعراب ، أو لالتقاء الساكنين كقولك : (هذه دلوك) ، و (هؤلاء مصطفو البلد) ولا يجوز فيه الهمز. وتقول في زكرياء :

١٤٥

زكرياوون بمنزلة ورقاوون ، وفيمن قصر زكريّون بمنزلة عيسون وموسون وفيه لغات ليس هذا موضع ذكرها.

هذا باب جمع الرجال والنساء

اعلم أن هذا الباب يشتمل على جميع الأسماء المعارف الأعلام ، والباب فيها أن كل اسم سميت به مذكرا يعقل ولم يكن في آخره هاء جاز جمعه بالواو والنون على السلامة ، وجاز تكسيره ، وسواء كان الاسم قبل ذلك مما يجمع بالواو والنون أو لا يجمع ، وكذلك إن سميت به مؤنثا جاز جمعه بالألف والتاء على السلامة ، وجاز تكسيره ، ويذهب سيبويه : إذا كسّر شيء من ذلك وكانت العرب قد كسّرته اسما قبل التسمية على وجه من الوجوه وإن لم يكن ذلك بالقياس المطرد ، فإنه يكسره على ذلك الوجه ، ولا يعدل عنه ، وإن كان لا يعرف تكسيره في الأسماء قبل التسمية به حملوه على نظائره. وقد ذكرنا جمع ما كان من ذلك في آخره الهاء بما أغنى عن إعادته.

فمن ذلك إذا سميت رجلا بزيد أو عمرو أو بكر ثم جمعته على السلامة قلت : الزيدون والعمرون والبكرون ، وإن كسرت قلت : (أزياد) في أدنى العدد و (زيود) في الكثير ، وقلت في عمرو وبكر في أدنى العدد (الأعمر) و (الأبكر) وفي الكثير العمور والبكور.

وأدنى العدد أن تقول : ثلاثة أعمر وعشرة أعمر وإن سميته ب (بشر) أو (برد) أو (حجر) قلت في أدنى العدد ثلاثة أبراد ، وعشرة أبشار ، وتسعة أحجار ، وينبغي أن يقال في الكثير بشور ، وبرود ، وحجارة.

وقال الشاعر وهو زيد الخير :

ألا أبلغ الأقياس قيس بن نوفل

وقيس بن أهبان وقيس بن جابر (١)

وقال :

رأيت سعودا من سعود كثيرة

فلم أر سعدا مثل سعد بن مالك (٢)

__________________

(١) البيت في الكتاب ٣ / ٣٩٦ ، والمخصص ١٧ / ٨١ اللسان : (قيس).

(٢) البيت لطرفة في ديوانه ٩٩ ، والكتاب ٣ / ٣٩٦ ، والمقتضب : ٢ / ٢٢٢.

١٤٦

وقال الفرزدق :

وشيّد لي زرارة باذخات

وعمرو الخير إذ ذكر العمور (١)

وقال آخر :

رأيت الصدع من كعب فكانوا

من الشّنآن قد صاروا كعابا (٢)

يعني أنهم قبيلة ، أبوهم كعب ، فهم كعب واحد إذا كانوا متآلفين ، فإذا تفرقوا ، وعادى بعضهم بعضا صار كل فرقة منهم تنسب إلى كعب ، وهي تخالف الأخرى فكأنهم كعاب جماعة.

وقالوا في قوم من العرب اسم كل واحد منهم جندب : أبو الجنادب.

وإذا سميت امرأة ب (دعد) فجمعت قلت : دعدات ، لأنك لما أدخلت الألف والتاء صار بمنزلة" تمرات" و" جفنات" في جمع (تمرة) و (جفنة).

وإن لم يكن في الواحد الهاء ؛ لأن الجمع يسقط الهاء ، وذلك كقولهم : " أرضات" وإن لم يكن في أرض هاء ؛ لأن الجمع لما كان بالألف والتاء صار كجمع (فعلة) ، وإن جمعت (جملا) بالألف والتاء جاز أن تقول : (جملات) و (جملات) ، و (جملات) بمنزلة جمع (ظلمة). وتقول في هند : (هندات) و (هندات) و (هندات) بمنزلة جمع كسرة إذا جمعت على هذه الوجوه ، وإن كسّرت كما كسّرت" بردا" و" بشرا" قلت : (أهناد) و (أجمال) في الجمع القليل وتقول في الكثير : (هنود) ، كما تقول : (الجذوع).

قال جرير :

أخالد قد علقتك بعد هند

فشيّبني الخوالد والهنود (٣)

وإن سميت امرأة ب" قدم" فجمعت بالألف والتاء ، قلت : قدمات ، ولا يجوز تسكين الدال فيها ، وإن كسرت فالذي يوجبه مذهب سيبويه أن تقول أقدام في القليل والكثير ؛ لأن العرب قد جمعت" قدما" قبل التسمية على أقدام في القليل والكثير. وإن سميت رجلا ب (أحمر) ثم جمعته ، فإن شئت قلت : (أحمرون) على السلامة ، وإن شئت

__________________

(١) البيت في المخصص ١٧ / ٨١ ، والمقتضب : ٢ / ٢٢٢ ، واللسان (عمر).

(٢) أبيات سيبويه : ٢ / ٢٥٩ ، واللسان : (كعب).

(٣) البيت في الكتاب : ٣ / ٣٩٨ ، والمقتضب : ١ / ٢٢٣ ، واللسان : (هند).

١٤٧

قلت : (أحامر) على التكسير ، وكلا هذين الجمعين لم يكن جائزا في أحمر قبل التسمية لأن (أحمر) وبابه لا يجوز فيه أحمرون ، ولا أحامر إذا كانت صفة وإنما يجمع على" حمر" ونظيره (بيض) و (شهب) وما أشبه ذلك ، فإذا سميت به فحكم الاسم الذي على (أفعل) يخالف حكم الصفة التي على (أفعل) والاسم جمعه (أفاعل) مثل الأرانب والأباطح والأرامل والأباهر.

وإن سميت امرأة ب (أحمر) قلت في السلامة (أحمرات) وفي التكسير (أحامر) وقد قالت العرب : (الأجارب) و" الأشاعر" ، كأنهم جعلوا كل واحد منهم" أجرب" ، على أنه اسم أبيه ، ثم جمعوه ، كما قالوا : (أرنب) ، و (أرانب).

وإن سميت رجلا ب (ورقاء) أو ما جرى مجراه فجمعته بالواو والنون قلت : ورقاوون وإن سميت بها امرأة ، وجمعتها جمع السلامة ، قلت : (ورقاوات) وإن جمعتها جمع التكسير في الرجل والمرأة قلت : (وراق) كما قلت في" صلفاء" : (صلاف) وفي خبراء (خبار).

وإن سميت رجلا أو امرأة ب (مسلم) أو ب (خالد) ولم تجمعهما جمع السلامة قلت فيهما : (خوالد) و (مسالم) كما تقول في قادم الرحل أو الضرع وآخره : (القوادم) و (الأواخر).

وجمع التكسير يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وما يعقل وما لا يعقل ، ألا تراهم قالوا : غلام ، وغلمان ، كما قالوا : غراب وغربان ، وقالوا : صبيّ وصبيان كما قالوا : قضيب وقضبان.

ومما يقوي (خوالد) جمع رجل اسم (خالد) أنهم يقولون في الصفة : فارس وفوارس ، وإذا كان هذا في الصفة فهو في الاسم أجدر.

والقياس أن يقال في فاعل فواعل ؛ لأنه على أربعة أحرف ، وعلامة الجمع تنتظم فيه على طريق واحد انتظام علامة التصغير ؛ لأنك تقول : (خويلد) وخويتم فتدخل ياء التصغير ثالثة ، ويكسر ما بعدها وكذلك تدخل ألف الجمع ثالثة ويكسر ما بعدها.

وإن سميت رجلا ب (شفة) أو (أمة) قلت : (آم) في الثلاثة إلى العشرة ، وفي الكثير : (إماء). ويجوز (إموان) قال الشاعر :

١٤٨

أمّا الإماء فلا يدعونني ولدا

إذا ترامى بنو الإموان بالعار (١)

وتقول في شفة : شفاه لا يجوز غير ذلك ، وإنما جاز في أمة إذا سميت بها رجلا أو امرأة الوجوه التي ذكرت ؛ لأن العرب تجمعها على هذه الوجوه ، وهو اسم قبل التسمية بها شيء بعينه ، فاستعملناه بعد التسمية ما استعملته العرب قبلها إذا لم تتغير الاسمية فيها.

ولم يقل في (شفة) إلا شفاه في الجمع القليل والكثير ؛ لأن العرب لم تستعمل غير الشفاه قبل التسمية ، ولا يقال فيها (شفات) ولا (إمات) ؛ لأن العرب تجتنب ذلك فيها قبل التسمية. ولو سميت رجلا ب" تمرة" أو" قصعة" قلت : تمرات ، وقصعات وإن كسرته قلت : تمار وقصاع.

وإن سميت رجلا أو امرأة ب (عبلة) ، قلت في التكثير : العبلات وفتحت الباء ، وقد كان قبل التسمية يقال : امرأة عبلة ، ونساء عبلات ؛ لأنها كانت صفة ، فلما سميت بها صارت بمنزلة تمرة وتمرات.

ولا يجوز أن تقول في جمع رجل اسمه تمرة : " تمر" لأن" تمرا" اسم للجنس وليس بجمع مكسر.

ولو سميت رجلا أو امرأة ب (سنة) لكنت بالخيار إن شئت قلت : سنوات ، وإن شئت قلت : سنون لا تعدو جمعهم إياها قبل ذلك ، وهم يجمعون" السنة" ، قبل التسمية على هذين الوجهين.

ولو سميته (ثبة) لقلت ثبات وثبون.

وإن شئت كسرت الثاء ، وكذلك نظائر ثبة وإن سميته ب (شية) أو (ظبة) لم تجاوز شيات وظبات ؛ لأن العرب لم تجمعه قبل التسمية إلا هكذا ، وإن سميته ب (ابن) فجمعت بالواو والنون قلت : (بنون) وإن كسرت قلت : (أبناء).

وإن سميت امرأة ب (أم) ثم جمعت جاز : أمهات وأمّات ؛ لأن العرب قد جمعتها على هذين الوجهين.

ولو سميت رجلا ب (امرئ) لقلت : امرؤون في السلامة ، وإن سميت به امرأة قلت : (امرأت).

__________________

(١) البيت في ديوانه ٥٤ ، والكتاب ٣ / ٤٠٢ ، والمخصص ١٧ / ٨١ ، واللسان : (أما).

١٤٩

وإن كسرت قلت : (أمراء) كما قلت : (أبناء) و (أسماء) و (أستاه).

ولو سميت ب (شاة) لم تجمع بالتاء ، ولم تقل إلا (شياه) ؛ لأن هذا الاسم قد جمعته العرب مكسر على (شاه) ، ولم يجمعوه بجمع السلامة بل لا يحتمل ذلك ؛ لأن إذا حذفت الهاء بقي الاسم على حرفين الثاني منهما من حروف المد ، واللين ، ولا يجوز مثل ذلك إلا أن يكون بعدها هاء ، فإن قال قائل : فقد قالوا" شاه" أو" شويّ" ؛ لأن الشاه والشّويّ جمعان للشاه ، قيل له : هما اسمان للجميع يجريان مجرى الواحد ، فإذا سمينا به احتجنا أن نكسره على ما يوجهه اللفظ ، ويرد الحرف الذاهب ، وأصله" شوهه" يجمع على شياه.

وإن سميت رجلا ب (ضرب) قلت : (ضربون) و (ضروب) بمنزلة (عمرو) وعمور ، وقد جمعت العرب المصادر من قبل التسمية بها فقالوا : " أمراض" و" أشغال" و" عقول" و" ألباب" ، فإذا صار اسما فهو أجدر أن يجمع بتكسير.

قال الشاعر :

كانت نجائب منذر ومحرّق

أمّاتهنّ وطرقهنّ فحيلا (١)

ولو سميت به رجلا لقلت : (أمّون) ، وإن كسرته فالقياس أن تقول : " إمام".

وإن سميته ب (أب) قلت : (أبوان) في التثنية لا تجاوز ذلك يعني لا تقل : (أبان).

وإن سميت رجلا ب (اسم) فجمعت جمع السلامة لم تحذف ألف الوصل وقلت : (أسمون). وإن كسرت قلت أسماء.

وكان القياس في (ابن) أن يقال : (إبنون) ، غير أنهم جمعوه قبل التسمية على" بنين" ، وحذفوا الألف لكثرة استعمالهم إياه ، وتركوا الباء كمنين وهنين.

ولو سميت رجلا ب (ربة) في لغة من خفف فقال : ربة رجل ، قلت : " ربات" ، و (ربون) وربون أيضا ، وإنما جاز في ربة هذه الوجوه ؛ لأنها لم تجمع قبل التسمية ، فلما سمي بها وجمع حمل على نظائره الكثيرة ، ومما كثر في هذا الباب من النواقص أن يجيء بالألف والتاء والواو والنون نحو ثبات وثبون وكرات وكرون وعزات وعزون.

وإن سميته ب (برة) وكسّرت قلت : برى ؛ لأن العرب قد كسرته على ذلك ، وإن جاء مثل برة مما لم تكسره العرب لم تجمعه إلا بالألف والتاء والواو والنون ؛ لأن هذا

__________________

(١) البيت للراعي النميري في ديوانه ١٢٧ ، وابن يعيش : ١٠ / ٤ ، واللسان : (أمه) ، (حرق).

١٥٠

هو الكثير.

وإذا سميت بصفة مما يختلف جمع الاسم والصفة فيه جمعته جمع نظائره من الأسماء ولم تجره على ما جمعوه حين كان صفة ، إلا أن يكون جمعوه جمع الأسماء ، فتجريه على ذلك كرجل سميته ب (سعيد) أو (شريف) تقول في أدنى العدد : ثلاثة أشرفة ، وأسعدة ، وتقول في الكثير : سعدان وشرفان وسعد وشرف ؛ لأن هذا هو الكثير في الأسماء في جمع هذا البناء. تقول : رغيف وأرغفة ، وجريب وأجربة ، وقالوا : رغفان وجربان ، وقالوا : قضب الرّيحان في جمع قضيب ، وقالوا : الرغف في جمع رغيف ، قال الشاعر :

إن الشواء والنشيل والرغف

والقينة الحسناء والكأس الأنف

للضاربين الهام والخيل قطف (١)

وقالوا : سبيل ، وسبل ، وأميل ، وأمل ، فهذا هو الكثير فيه.

وربما قالوا : الأفعلاء ، في الأسماء نحو الأنصباء ، والأخمساء ، وليس بالكثير ، فلو سميت رجلا ب (نصيب) أو (خمين) لقلت (أنصباء) و (أخمساء) ؛ لأن العرب قد جمعته وهو صفة على ذلك ، وهو من جمع بعض الأسماء كنصيب وأنصباء فلم يغير.

وأما والد وصاحب ، فإنهما لا يجمعان ونحوهما كما يجمع قادم الناقة ، يعني الخلف المقدم من ضرعها ؛ لأن هذا وإن تكلم به كما يتكلم بالأسماء ، فإن أصله الصفة ، وله مؤنث.

قال أبو سعيد : ذكر سيبويه" والدا" و" صاحبا" قبل التسمية بهما ، فأرى أن" صاحبا" إذا جمعناه لم نقل فيه : (صواحب) وكذلك (والد) لا نقول فيه" أوالد" ؛ لأن هذين صفتان من حيث يقال : والد ووالدة وصاحب وصاحبة.

وإذا كانت الصفة على" فاعل" للمذكر لم يجمع على فواعل وإنما يقال فيه : فاعلون وهذان الاسمان قد كثرا فجريا مجرى الأسماء ، فلم يجب لهما بذلك أن يقال : (صواحب) ، و (أوالد) إذ كان يقال في مؤنثهم : صاحبة ووالدة.

__________________

(١) الأبيات من مشطور الرجز وهي بلا نسبة في شواهد سيبويه : ٣ / ٤٠٣ ، والمخصص ١٧ / ٨٥ واللسان : (نشل) و (رغف).

١٥١

ولو سمينا رجلا ب (صاحب) لقلنا في الكثير : " صواحب". وأما (والد) فقال الجرمي : إذا سمينا به لم نقل إلا (والدون) ، فإن سمينا به مؤنثا لم نقل إلا والدات.

وإن سمينا ب (والدة) قلنا والدات ؛ لأن العرب تنكبت (١) في جمع ذلك التكسير في التسمية ، فقالوا : والد ، ووالدون ، ووالدة ووالدات ، ولم يقولوا أوالد في الوالدة ، وإن كانوا يقولون : قاتلة وقواتل وجالسة وجوالس ؛ لأن الأصل (ووالد) ويلزم قلب إحدى الواوين فاقتصروا فيه على السلامة.

ولو سميت رجلا ب (فعال) نحو جلال لقلت : " أجلة" على حد قوله : أجربة ، فإذا جاوزت قلت : جلان كقولك : جربان وغلمان. واعلم أن العرب تجمع" شجاعا" على خمسة أوجه منها ثلاثة من جمع الأسماء وهي : شجعان مثل قولنا : " زقاق" و" زقان". وشجعان ، مثل غراب وغربان. وشجعة مثل غلام وغلمة. فإذا سميت رجلا ب (شجاع) جاز أن تجمعه على هذه الوجوه الثلاثة ، وقد يجمع شجاع على شجاع ، وشجعاء نحو كريم وكرام ، وكرماء ، وظريف وظراف وظرفاء.

فإذا سميت ب (شجاع) لم يجز جمعه على هذين الوجهين ، ربما جمعت العرب الاسم الذي أصله صفة على لفظ الصفة ، كأنهم يذهبون به إلى أنه صفة غلبت كما سموا بما فيه الألف واللام بعد التسمية ، كالحسن والعباس والحارث ، كأنهم قدروا فيه الصفة وغلبت. وقد ذكر هذا في موضعه.

قالوا في بني الأشقر : " الأشاقر" على ما توجبه الاسمية وقالوا : (الشّقر) و (الشّقران) على الوصف.

ولو جمع إنسان (الحارث) على ما توجبه الصفة فقال : (الحرّاث) لجاز ؛ لأنه صفة غلبت.

ومن قال : (الحوارث) فعلى ما ذكرنا من جمع الأسماء.

ولو سميت رجلا ب (فعلية) ثم كسّرته قلت : " فعائل" لا غير ، وقد جمعت العرب (فعلية) على (فعل) في الأسماء وليس بقياس مطرد ، قالوا : (سفينة) و (سفن) ، و (صحيفة) و (صحف) وليس بالكثير ، فإن سميت رجلا ب (سفينة) أو (صحيفة) جاز جمعه على

__________________

(١) تجنبت.

١٥٢

" سفن" و" صحف".

وإذ سميت رجلا ب (عجوز) ، وكسّرت قلت فيه : (العجز) ، ولم تقل : " العجائز" ، وكذلك لو سميته ب (قلوص) قلت فيه : (القلص) ولم تقل : (القلائص) ، وإنما جمعت العرب" قلوصا" و" عجوزا" على قلائص و (عجائز) ؛ لأنهما مؤنثان. وإذا سميت بهما رجلا زال التأنيث وصار بمنزلة (عمود) و (عمّد) و (زبور وزبر).

وسألته عن" أب" فقال : إن ألحقت به النون والزيادة التي قبلها قلت : (أبون) ، وكذلك (أخ) تقول : (أخون) ، ولا يغير البناء إلا أن تحدث العرب شيئا ، كما تقول : " دمون" ، ولا يغير بناء الأب عن حال الحرفين إلا أن تحدث العرب شيئا كما بنوه على غير بناء الحرفين. وقال الشاعر :

فلمّا تبيّنّ أصواتنا

بكين وفدّيننا بالأبينا (١)

أنشدناه من نثق به وزعم أنه جاهلي ، وإن شئت قلت : آباء وآخاء. قال : وأما عثمان ونحوه فإنك تعتبره بالتصغير ، فما كان مما في آخره ألف ونون زائدتان ، وكانت العرب تصغره بقلب الألف كسرت وقلبت الألف ياء ، وإن شئت جمعت جمع السلامة.

وما كان من ذلك تصغر العرب الصدر منه وتبقى الألف والنون لم يجز في جمعه التكسير ، وجمعته جمع السلامة بالواو والنون ، فأما ما صغرته العرب وقلبت الألف فيه ياء فنحو (سرحان) و (ضبعان) و (سلطان). إذا سميت بشيء من ذلك رجلا جاز أن تجمعه جمع السلامة ، فتقول : (سلطانون) و (ضبعانون) ، و (سرحانون) ، وجاز أن تكسره فتقول : (ضباعين) و (سلاطين) و (سراحين) ، فإن سميته ب (عثمان) ، أو (غضبان) ، أو نحو ذلك قلت في جمعه : (عثمانون) ، و (غضبانون) ؛ لأنه يقال في تصغيره (عثيمان) و (غضيبان) ، وكذلك تقول في جمع (عربان) و (سعدان) و (مروان) عربانون وسعدانون ومروانون.

وإذا ورد شيء من ذلك ، ولا يعرف هل تقلب الألف العرب ياء في التصغير أم لا ، حملته على باب (غضبان) و (عثمان) ؛ لأنه الأكثر.

وإن كان فعلان جمعا لم يكن سبيله سبيل الواحد ؛ لأن (فعلانا) في الجمع ربّما كسّر فقيل : فعالين كقولهم : مصران ومصارين ، ويقال في التصغير (مصيران) ؛ لأن الألف

__________________

(١) البيت في المقتضب : ٢ / ١٧٤ ، ابن يعيش : ٣ / ٣٧ ، والخزانة : ٢ / ٢٧٦

١٥٣

للجمع ، وإذا كانت ألف حادثة للجمع لم تغير في التصغير ، كقولهم : أجمال وأجيمال. وعلى هذا لو سميت رجلا ب (مصران) أو ب (أنعام) أو ب (أقوال) ، ثم صغرته لقلت : (مصيران) و (أنيعام) و (أقيّال) ، ولم تلتفت إلى قولهم في الجمع (مصارين) و (أناعيم) و (أقاويل).

واعلم أن بعض ما ذكرنا خولف فيه سيبويه ، وأنا أسوق الخلاف فيه ، فمن ذلك قوله في رجل سمي ب (عدة) : أنه يجوز فيه عدات وعدون ، وقد خالف الجرمي والمبرد. لأن (عدة) قد جمعت على (عدات) ، ولم تجمع على" عدون" من قبل التسمية ، ومن مذهبه أن لا يتجاوز بعد التسمية الجمع الذي كانت تجمعه العرب.

ووجه آخر أن الساقط من (عدة) فاء الفعل ، وإنما يكثر جمع هذه النواقص بالواو والنون في ما سقط لامه لا في ما سقط فاؤه.

ولم يجئ هذا الجمع في ما سقط فاؤه إلا في حرف واحد شاذ وهو قولهم : (لدون) ، وذكر سيبويه في رجل اسمه (ظبة) أنه لا يجوز فيه غير (ظبات) ، ولم يجز فيه" ظبين" و" ظبون".

وقد خولف في هذا ، وأنشد النحويون فيه قول الشاعر :

تعاور أيمانهم بينهم

كؤوس المنايا بحدّ الظّبينا (١)

وفي رجل وامرأة اسمه" سنة" إن شئت قلت : " سنوات" ، وإن شئت قلت : (سنون) ، وقد أجاز ابن كيسان" سنات" و" سنون" بالفتح فجعل" سنات" قياسا على" بنات" ، وسنون قياسا على (بنون) وهذا باطل ؛ لأن جمعهما بناء على بنين وابنة على بنات من الشاذ ولا يقاس على شاذ.

ولا قوله قياس مطّرد فيستعمله من يرى القياس على ما جمعته العرب ، وإن لم تجمعه ولا هو مسموع فيتّبع.

وكان يجيز في" شفة" أيضا" شفات" ، وأجاز ابن كيسان في رجل اسمه (ابن) أن يجمع على (ابنون) ، فقال أصحابنا : العرب تجمع (ابنا) في جمع السلامة على بنين وفي جمع التكسير على (أبناء) فلا نتجاوز هذين ، ولا نقول في من اسمه (اسم) و (است) :

__________________

(١) البيت بلا نسبة في اللسان : (ظبا)

١٥٤

(اسمون) و (استون) ؛ لأن العرب لم تجمع هذين جمع السلامة فنتبع مذهبهم في جمع السلامة.

وقال سيبويه : إذا سميت ب (أب) قلت في التثنية : (أبوان) ، وقلت في الجمع السالم : (أبون) ، وفي المكسر : (آباء) ، وكذلك في (أخ) ".

وأما أبو عمر الجرمي فكان لا يرى فيه الجمع السالم إلا في ضرورة ، والبيت الذي أنشده سيبويه :

وفدّيننا بالأبينا

عنده ضرورة

ومذهب سيبويه : أن القياس هو" الأبون" ، وأن نقصان الحرف الذاهب من الأب ليس يوجب أن يختلف في الجمع السالم ذلك الحرف ؛ لأنّا نقول : في رجل اسمه" يد" و" دم" : " يدون" و" دمون" بل عنده أن قولهم : (أبوان) و (أخوان) ، إنما نقوله اتباعا للعرب لا على القياس ، وهو معنى قوله : إلا أن تحدث العرب شيئا كما بنوه على غير بناء الحرفين فاعرفه إن شاء الله تعالى.

هذا باب يجمع الاسم فيه إن كان لمذكر أو لمؤنث بالتاء

قال سيبويه : وذلك إذا سميت رجلا ب" بنت" أو (هنت) ، تقول في" بنت" : (بنات) وفي" أخت" : (أخوات) وفي" هنت" : (هنات).

وذلك أن هذه التاء التي في (بنت) و (أخت) و (هنت) ، إنما هي في الأصل للتأنيث ثم جعلت للإلحاق ، فإذا جمعت أو صغرت جعلوا حكمها كحكم هاء التأنيث فأسقطوها ، ثم جمعوا بالألف والتاء.

ولم يذكر سيبويه غير هذا الجمع ، وهو قول النحويين إلا بعض المتأخرين وهو (ابن كيسان) ، أجاز فيه التكسير فيقول في (بنت) : (أبناء) وفي (أخت) : (آخاء) وهو قول تفرد به.

وإن سميت رجلا ب (ذيت) وفيه ثلاث لغات (ذيت) و (ذيت) و (ذيت) وأصلها : (ذيّة) ، فمن شدد جمع بالألف والتاء مع التشديد فقال : (ذيّات) ، ومن خفف فالذي ذكره الجرمي : (ذيات) مخففا ومثله فقال مثل : (شيات) و (ديات).

١٥٥

وزعم ابن كيسان أنه يقال : (ذيّات) بالتشديد مثل (كي) إذا سمينا به شددنا الياء ، فإذا جمعناه قلنا : (كيات) وهو وجه من القياس.

وذكر أبو عمر الجرميّ : أنا لو سمّينا رجلا أو امرأة ب (هنة) لقلنا : (هنتات) ، وكذلك إن كان اسمه (منة). والعرب تقول : (هنات) و (منات) قبل التسمية ، فذكر أن هذا شيء لا يعول عليه لأنه خارج من القياس.

ولقائل أن يقول : إن سيبويه ومن بعده من أصحابه لزموا الشذوذ في جمع ما يسمى به ، ولم يخرجوا عنه إلى غيره ، وليست (هنت) كذلك لأنها لم تتمكن كتمكن (بنت) و (أخت) ؛ لأن (بنتا) و (أختا) يقال فيهما : (بنت) و (أخت) في الوصل والوقف وليس كذلك (هنت) ، لأن الوقف عليها (هنه) والوصل (هنات) فإذا سمّوا به أجروه على ما يوجبه القياس (والذي يوجبه القياس) هنتات.

هذا باب ما يكسر مما كسر للجمع وما لا يكسر

قال أبو سعيد : هذا الباب يذكر فيه من سمي بجمع من الرجال أو غيرهم من الأعلام كيف يجمع ذلك الجمع. والباب في ذلك أن ما كان منه ثالثة ألف ، وبعد الألف حرفان أو ثلاثة أحرف مشددة فلا يجوز تكسيره نحو (مساجد) ومفاتيح ودوابّ وما أشبه ذلك ، فإذا سمينا رجلا بشيء من ذلك ، ثم جمعناه ألحقنا واوا ونونا ، وإن سميت امرأة وما جري مجراها ألحقنا ألفا وتاء ، فقلنا في رجل اسمه (مساجد) أو (مفاتيح) : (مساجدون) ، و (مفاتيحون) ، وفي المرأة (مساجدات) و (مفاتيحات) ، وقد جمعت العرب (شراحيل) : (شراحيلون) ، وقالوا في (حضاجر) : (حضاجرات) ، وفي سراويل ومجراها مجرى الجمع سراويلات. وتقول العرب : ناقة مفاتيح وأينق مفاتيحات. وقال أبو عمر الجرمي : سألت أبا عبيد عن معنى (ناقة مفاتيح) فقال : إذا كانت مخصبة في كثرة الشحم واللبن.

وإنما لم يكسر هذا ؛ لأنّا لو كسرناه لردنا التكسير إلى مثل لفظه.

ألا ترى أنّا إذا كسرنا (عذافر) قلنا : عذافر ؛ لأنا نحذف الألف فيبقى (عذفر) فتدخله ألف الجمع ثالثة ويفتح أوله ، وكذلك (جوالق) لو جمعنا حذفنا الألف فبقي (جولق) فجمعناه على (جوالق) وعوضنا من المحذوف الياء فصار (جواليق) ، وإذا سمينا ب (أعدال) و (أنمار) ، قلنا : (أعاديل) و (أنامير) ، كما قالوا : (أقاويل) و (أبابيت) و (أناعيم)

١٥٦

في (أقوال) و (أبيات) و (أنعام).

وإن سمينا ب (أجربة) قلنا : (أجارب) كما قالوا في (الأسقية) (أساق) ، وإذا سميناه ب (أعبد) قلنا : (أعابد) ، كما قالوا : (أوطب) و (أواطب) و (أيد) و (أياد).

وإذا سميناه ب (ظلم) أو (ثقب) وجب أن نقول (ظلمان) و (ثقبان) لأن الباب في فعل إذا كان واحدا هذا لقولنا : (نغر) و (نغران) و (خزز) و (خزّان). ونحن إذا سمينا بالجمع فقد صاروا حدا ، ألا ترى أنا نصغره تصغير الواحد فنقول : فيمن اسمه" ظلم" أو" قرب" : (ظليم) و (قريب).

وإذا سمينا ب (قرب) أو ما جري مجراه ، فجمعناه جمع التكسير قلنا : (أقراب) ، كما نقول في عنب : (أعناب) وفي (معى) : (أمعاء).

قال : " وإذا سميت رجلا ب (فعول) جاز أن تكسره فتقول : (فعائل) لأن (فعولا) قد يكون الواحد على مثاله ك (الأتي) و (السّدوس) ، ولو لم يكن واحدا لم يكن بأبعد من (فعول) من (أفعال) من (إفعال) ".

قال أبو سعيد : ذهب سيبويه إلى أن" فعولا" قد يكون في الواحد ، ثم أتى ب (الأتيّ) و (السّدوس) و (الأتيّ) هو السيل ، والأصل (أتوى) وقلبنا الواو ياء ، ثم قال : " ولو لم يكن له نظير في الواحد لكان أيضا يجمع على أقرب الأبنية إليه".

وهو" فعول" كما أن (أفعالا) قد جمعوه هو جمع حين قالوا : (أنعام) ، و (أناعيم) و (أبيات) و (أبابيت) ، كما يجمع الواحد الذي على (إفعال) كقولهم : (إنكال) و (أناكيل) و (إحلاب) و (أحاليب) فمحل (فعول) الذي هو (جمع) من (فعول) الذي هو واحد ك (محل) (أفعال) الذي هو جمع من (إفعال) الذي هو واحد ، وهذا معنى قوله : لم يكن بأبعد من (فعول) يعني لم يكن (فعول) بأبعد من (فعول) كما لم يكن (أفعال) بأبعد من (إفعال) ، ثم جمعه على فعائل ، وكذلك رأيت قوما من النحويين سلكوا هذا الطريق.

والصحيح عندي أن" فعولا" إذا سمينا به رجلا ثم جمعناه للتكسير أن تقول : (فعل) ؛ لأنه يصير مذكرا ، وفعول إذا كان مذكرا ، فالباب فيه (فعل) ك (عمود) و (عمد) ، و (صبور) و (صبر). وسياق كلام سيبويه عقب ذكره (فعول) إذا سمي به.

قال : ويكون مصدرا والمصدر واحد ك (القعود) و (الرّكوب) ، ولو كسرته اسم رجل لكان تكسيره كتكسير الواحد الذي في بنائه نحو (فعول) إذا قلت (فعائل) ،

١٥٧

ف (فعول) بمنزلة (فعال) إذا كان جمعا نحو (جمال) إذا سميت بها رجلا لأنها على مثال (جراب).

فكلام سيبويه أنه يقال في (فعال) و (فعول) : (فعائل) ، والوجه أن يكون على (فعل) ؛ لأنه قد صار واحدا مذكرا كما تقال : (حمار) و (حمر) ، و (جراب) و (جرب) ، وقد جعله هو أيضا على مثال (جراب) وأما قول الشاعر :

وقرّبن بالزّرق الجمائل بعد ما

تقوّب عن غربان أوكارها الخطر (١)

فالجمائل جمع (جمالة) في معنى (الجمال) ، وإن كان الجمال جمع (جمل) أيضا فالجمالة مؤنثة لأنها جمع مكسر قبل التسمية بها ، فلأجل التأنيث قال : " جمائل".

ولو سميت رجلا ب (تمرة) لقلت في التكسير : " تمار" ، كما تقول : (قصاع) وجفان.

هذا باب جمع الأسماء المضافة

إذا جمعت اسما مضافا إلى شيء وكان الذي أضيف إليه كل واحد منهم غير الذي أضيف إليه الآخر فلا خلاف في جمع الأول والثاني كرجال وجماعة لكل واحد منهم ابن يقال له (زيد).

فجمعهم : هؤلاء (آباء الزيدين) لا خلاف في ذلك بين النحويين.

وإذا كان الذي أضيف إليه كل واحد منهم هو الذي أضيف إليه الآخر فلا خلاف أيضا في توحيده كقولنا : (عبد الله) ، و (عبيد الله) و (عباد الله) و (عبدو الله) في الجمع على تقدير (عبدون).

وإذا كان الاسم المضاف كنية ، والاسم الثاني ليس باسم معروف فالاختيار عند سيبويه أن يوحّد ولا يجمع ، فيقال في أبي زيد : هؤلاء آباء زيد. وذكر أنه قول يونس. وأنه أحسن من (آباء الزيدين) ، وهذا يدل أن (آباء الزيدين) قد قيل ، وذكر قوم من النحويين هذا القول يعني (آباء الزيدين) ونسبوه إلى يونس ، والذي حكى سيبويه عنه ما ذكرته لك.

وإنما اختار سيبويه توحيد الاسم المضاف إليه لأنه ليس لشيء بعينه مجموع.

__________________

(١) البيت لذي الرمة في ديوانه ٢٠٩ ، وابن يعيش : ٥ / ٧٦.

١٥٨

وذكر أن هذا مثل قولهم : (بنات لبون) ؛ لأنهم أرادوا به السن المضاف إلى هذه الصفة.

وكذلك (أبناء عم) و (بنو عم) و (أبناء خالة) و (بنو خالة) كأنه قال : هما أبناء هذا الاسم أضيف كل واحد منهما إلى هذه القرابة ، وكذلك (آباء زيد) كأنه قال (آباء) هذا الاسم.

هذا باب من الجمع بالواو والنون وتكسير الاسم

قال سيبويه : " سألت الخليل عن قولهم : (الأشعرون) ، فقال : إنما ألحقوا الواو والنون كما كسروا فقالوا : (الأشاعر) و (الأشاعث) و (المسامعة) ، فكما كسّروا" مسمعا" و (الأشعث) حين أرادوا بني مسمع وبني الأشعث ألحقوا الواو والنون ، وكذلك الأعجمون"

قال أبو سعيد : كان القياس في الأشعرون أن يقال : (الأشعريّون) ، لأنه جمع (أشعريّ) ولا يقال للواحد" أشعر" وإنما هو" بنو أشعر" ينسب إليه ، الواحد (أشعري) ، والجمع (أشعرون) جعل كل واحد منهم (أشعر) فسماه باسم أبيه ثم جمعه وهذا ليس بقياس. وإنما يتبع فيما قالوا ، وشبهوه بقولهم : " الأشاعر" ، و (الأشاعث) و (المسامعة). لأن الأشاعث هو جمع (الأشعث) والمسامعة جمع (مسمع).

قال أبو سعيد : وهذا أسوغ وأقيس من الأشعريين ؛ لأن هذا كان أصله (أشعثيّ) و (مسمعيّ) فلما جمعنا جمع التكسير صار بمنزلة اسم على ستة أحرف إذا كسّرناه حذفنا اثنين منها و (الأعجمون) ، بمنزلة (الأشعرون).

ويجوز أن يكون (الأعجمون) على غير وجه النسبة كأنه (أفعل) من (العجمة) وأجري مجرى الأسماء ، ولم يذهب به مذهب (الأعجميّ) فيكون بمنزلة (الأشعرين) ، وقد قال بعضهم : (النّميرون) على ذلك التأويل ، وليس بقياس مطرد.

قال : " وسألت الخليل عن قولهم : (مقتويّ) و (مقتوين) ، فقال : هما بمنزلة (الأشعريّ) و (ألأشعرين) ، فإن قلت : لم لم يقولوا : (مقتون) فإن شئت قلت : جاءوا به على الأصل ، كما قالوا : (مقاتوه) حدثنا بذلك أبو الخطاب عن العرب ، وليس كل العرب تعرف هذه الكلمة (يعني مقاتوه) وإن شئت قلت هو بمنزلة (مذروين) من حيث لم يكن له واحد يفرد".

١٥٩

قال أبو سعيد : اعلم أن (مقتوين) شاذ من وجهين ، وذلك أن الواحد (مقتويّ) منسوب إلى" مقتا" وهو (مفعل) من (القتو) والقتو : الخدمة و (المقتويّ) الخادم ، والنسب إلى مقتا (مقتويّ) كما يقال في (ملهى) (ملهوي) فإذا جمع على لفظه وجب أن يقال : (مقتويّون) كما يقال في تميميّ : (تميمّيون) ، وإذا جمع على حذف ياء النسبة كما قالوا في (الأشعري) : (الأشعرون) وجب أن يقال" مقتون" لأنا إذا حذفنا ياء النسبة بقي (مقتو) ونقلب الواو ألفا فيصير (مقتا) وإذا جمع لزم فيه" مقتون" كما يقال في (مصطفى) : (مصطفون) فأحد وجهي شذوذه إثبات الواو فيه قبل ياء الجمع ، والآخر حذف ياء النسبة وإثبات الواو فيه أنهم جعلوها صحيحة غير معتلة فجاءوا بها على الأصل كما قالوا : (مقاتوه) ، وكان حق هذا أن يقال : (مقاتيه) ولم يجئ واو طرفا ، وقبلها كسره ، وإن كان بعدها هاء التأنيث إلا هذا الحرف.

وحكي أيضا عن أبي عبيدة حرف آخر وهو قولهم : " سواسرة" في معنى (سواسية) يقال : قوم (سواسية) إذا كانوا (مستوين) في الشر.

قال الشاعر :

صغيرهم وشيخهم سواء

سواسية كأسنان الحمار (١)

قال : وأما (النصارى) فإنه جماع (نصري) و (نصران) ، أما الخليل فذكر أنه جمع (نصرى) كقولهم : (مهرى) و (مهارى) و (بختىّ) و (بخاتى) حذف إحدى الياءين من (مهريّ) و (بختىّ) فصار : (مهاري) و (مهاري) ، وقلب الياء ألفا كما قالوا : (صحارى) وألزموه الألف.

والذي اختاره سيبويه أنه جمع (نصران) لأنه جاء في الشعر في المؤنث (نصرانة).

وأنشد قول أبي الأخزر الحمّانيّ :

فكلتاهما خرّت وأسجد رأسها

كما سجدت نصرانة لم تحنّف (٢)

وإذا كان المؤنث (نصرانة) فالمذكر (نصران) بمنزلة (ندمان) و (ندمانة) وجمعه (ندامى) فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) البيت في المخصص ٦ / ٢٠٥ ، واللسان : (سوا).

(٢) شواهد سيبويه : ٣ / ٢٥٦ ـ ٣ / ٤١١ ، واللسان : (نصر).

١٦٠