شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

وقال الآخر :

علم القبائل من معدّ وغيرها

أن الجواد محمد بن عطارد (١)

وقال آخر :

ولسنا إذا عدّ الحصى بأقلّة

وإنّ معدّ اليوم مود ذليلها (٢)

وقال زهير :

تمدّ عليهم من يمين وأشمل

بحور له من عهد عاد وتبّعا (٣)

فلم يصرف" عاد" و" تبع" لأنه جعلهما قبيلتين ومثله :

لو شهد عاد في زمان عاد

لابتزّها مبارك الجلاد (٤)

قال : وتقول هؤلاء ثقيف قسي ، فتجعله اسم الحي وتجعل" أين" وصفا كما تقول : كل ذاهب.

كأنه جعل الأولاد هم" ثقيف" وجعلهم حيّا ، ووصفهم بأبي ، فهو يشبه قولك : كل ذهاب في حمل ذاهب وهو واحد على لفظ كل لا على معناه.

وقال الشاعر في وصف الحي بواحد.

بحي نميري عليه مهابة

جميع إذا كان اللئام جنادعا (٥)

وقال :

سادوا البلاد فأصبحوا في آدم

بلغوا بها بيض الوجوه فحولا (٦)

فهذا جعل آدم (قبيلة) لأنه قال : بلغوا بها بيض الوجوه فحولا ... فأنث ، وجمع ، فصرف آدم للضرورة.

__________________

(١) المقتضب : ٣ / ٣٦٣.

(٢) المقتضب : ٣ / ٣٦٣.

(٣) اللسان : (عود).

(٤) شواهد سيبويه : ٣ / ٢٥١.

(٥) البيت في الكتاب ٣ / ٥٥٢ ، والمخصص ١٧ / ٤٢.

(٦) البيت بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٥٢ ، والمخصص ١٧ / ٤٢.

٢١

قال : وقال بعضهم بنو عبد القيس" لأنه أب".

كان الكثير في كلامهم" عبد القيس" من غير أن يستعمل فيه" بنو" ، ويجوز كما ذكرنا في بني معد.

قال : وأما" ثمود" و" سبأ" فهما مرة للقبيلتين ومرة للحيين وكثرتهما سواء.

قال عزوجل : (وَعاداً وَثَمُودَ)(١).

وقال : (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ)(٢).

وقال : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)(٣).

وقال : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)(٤).

وقال : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ)(٥).

وقال : (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)(٦).

وكان أبو عمرو لا يصرف" سبأ" يجعله اسما للقبيلة.

وقال الشاعر :

من سبأ الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما (٧)

وقال في الصرف.

أضحت ينفّرها الولدان من سبأ

كأنّهم تحت دفّيها دحاريج (٨)

ولو لا أن الوجهين في الصرف ومنع الصرف مشهوران في الكلام وقد أتت بهما القراءة ما كان في صرف" سبأ" في الشعر حجة ، إذ كان للشاعر أن يصرف ما لا ينصرف.

__________________

(١) الفرقان ، الآية : ٣٨.

(٢) هود ، الآية : ٦٠.

(٣) الإسراء ، الآية : ٥٩.

(٤) فصلت ، الآية : ١٧.

(٥) سبأ ، الآية : ١٥.

(٦) النمل ، الآية : ٢٢.

(٧) البيت في الكتاب ٣ / ٢٥٣ ، والمخصص ١٧ / ٤٣ اللسان : (سبأ).

(٨) البيت للنابغة الجعدي في الكتاب ٣ / ٢٥٣ ، وفي ديوانه ١٢ ، واللسان (دحرج).

٢٢

هذا باب ما لم يقع إلا اسما للقبيلة

كما أن عمان لم يقع إلا اسما لمؤنث وكان التأنيث هو الغالب عليها.

قال سيبويه : وذلك مجوس ويهود.

قال أبو سعيد : اعلم أن يهود ومجوس اسمان لجماعة أهل هاتين الملتين كما أن قريش اسم لجماعة القبيلة الذين هم ولد النضر بن كنانة ، ولم يجعلا اسمين لمذكرين ، كما أن" عمان" اسم مؤنث وضع على الناحية المعروفة بعمان ، فلا يصرف (مجوس) و (يهود) لاجتماع التأنيث والتعريف فيها ، كما أن" عماد" لا يصرف للتأنيث والتعريف.

قال امرؤ القيس :

أحار ترى بريقا هبّ وهنا

كنار مجوس تستعر استعارا (١)

وقال الأنصاري يرد على عباس بن مرداس وكان قد مدح بني قريظه وهم يهود فمدح الأنصاري المسلمين ، فقال :

أولئك أولى من يهود بمدحة

إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب (٢)

ولو سميت رجلا ب (مجوس) أو (يهود) أو عمان لم تصرفه ، لاجتماع التأنيث ، والتعريف فيهما ، كما أنك لو سميته ب" عقرب" أو" عناق" لم تصرفه.

اعلم أن" مجوس" و" يهود" قد يأتيان على وجه آخر ؛ وهو أن تجعلها جمعا ليهودي ومجوسي فتجعلهما من الجموع التي بينها وبين واحدها ياء النسبة كقولهم زنجي وزنج ، ورومي وروم ، وأعرابي وأعراب. فزنجي واحد ، وزنج جمع ، و" أعرابي" واحد و" أعراب" جمع ، وكذلك" يهودي" واحد و" يهود" جمع فهذا مصروف وهو نكرة وتدخله الألف واللام للتعريف فيقال" اليهود" و" المجوس" كما يقال : " الأعراب" و" الزّنج" و" الرّوم".

وهذا الجمع الذي بينه وبين واحده الياء كالجمع الذي بينه وبين واحده الهاء كقولنا : " تمرة" و" تمر" و" شعيرة" و" شعير" وقد مضى الكلام في نحوه.

وأما نصارى : فهو عند سيبويه جمع نصران للمذكر ونصرانة للمؤنث ، والغالب في

__________________

(١) البيت في ديوانه ١٤٧ ، والكتاب ٣ / ٢٥٤ ، والمخصص ١٧ / ٤٤ ، واللسان : (ملط).

(٢) البيت في الكتاب ٣ / ٢٥٤ ، والمخصص ١٧ / ٤٤ ، واللسان : (هود).

٢٣

الاستعمال النسبة. قالوا : نصراني ونصرانية ، والأصل : نصران ونصرانة ... مثل ندمان وندمانة ، فإذا جمع رد إلى الأصل فيقال نصارى كما يقال ندامى.

قال الشاعر :

فكلتاهما خرت وأسجد رأسها

كم سجدت نصرانة لم تختف (١)

فجاء نصارى على هذا ، وإن كان غير مستعمل في الكلام كما جاء (مذاكير) و (ملامح) في جمع ذكر ولمحة ، وليس بجمع لهما في الحقيقة.

وتقديره إنهما جمع (مذكر) و (ملمح) وإن كان غير مستعملين.

وقال غير سيبويه : نصارى جمع نصريّ ونصريّة ، كما أن (مهارى) من الإبل جمع مهريّ ومهريّة.

وأنشد سيبويه : في أن (نصارى) جمع نكرة ليس مثل (يهود) و (مجوس) في التعريف قول الشاعر :

صدّت كما صدّ عمّا لا يحل له

ساقي نصارى قبيل الفصح صوّام (٢)

فوصف نصارى بصوّام وهو نكرة.

هذا باب أسماء السور

قال سيبويه : تقول : هذه هود كما ترى إذا أردت أن تحذف سورة من قولك : هذه سورة هود فيصير هذا كقولك : هذه تميم.

قال أبو سعيد : اعلم أن أسماء السور تأتي على ضربين.

أحدهما : أن تحذف السورة ، وتقدر إضافتها إلى الاسم المبقى فيحذف المضاف ، ويقام المضاف إليه مقامه.

والآخر : أن يكون اللفظ المبقى هو اسم السورة ، ولا تقدر إضافة ، فإذا كانت الإضافة مقدرة فالاسم المبقى يجري في الصرف ومنعه على ما يستحقه في نفسه.

وإذا جعل اسما للسورة فهو بمنزلة امرأة سميت بذلك الاسم فأما (يونس)

__________________

(١) البيت في المخصص ١٧ / ٤٤.

(٢) البيت في الكتاب ٣ / ٢٥٥ ،.

٢٤

و (يوسف) و (إبراهيم) فسواء جعلتها اسما للسورة أو قدرت الإضافة فإنه لا ينصرف ؛ لأن هذه الأسماء في أنفسها لا تنصرف.

وأما (هود) و (نوح) فإن قدرت فيهما الإضافة فهما منصرفان كقولك :

هذه هود ، وقرأت هودا ، ونظرت في هود ؛ لأنك تريد هذه سورة هود وقرأت سورة هود ، والدليل على صحة هذا التقدير من الإضافة أنك تقول هذه الرحمن ، وقرأت الرحمن ، ولا يجوز أن يكون هذا الاسم اسما للسورة ، لأنه لا يسمى به غير الله عزوجل.

وإنما معناه هذه سورة الرحمن ، وإذا جعلتهما اسمين للسورة فهما لا ينصرفان على مذهب سيبويه ومن وافقه ممن يقول إن المرأة إذا سميت بزيد لم تصرف.

ومنهم من يقول : إنها كهند تصرف ولا تصرف.

فهو يجيز في (نوح) و (هود) إذا كانا اسمين للسورتين أن يصرف ولا يصرف ، وممن قال به أيضا أبو العباس المبرد وكان الزجاج يقول : إنها لا تصرف وكان من مذهبه أن هندا لا يجوز صرفها ولا صرف شيء من المؤنث سمي باسم على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن كان ذلك الاسم مذكرا أو مؤنثا ولا يصرف دعدا ولا جملا ولا تعما.

وأما (حم) فغير مصروف ، جعلتها اسما للسورة ، أو قدرت الإضافة لأنها معرفة ، أجريت مجرى الأسماء الأعجمية ، نحو (هابيل) و (قابيل) وليس له نظير في أسماء العرب ؛ لأنه" فاعيل" وليس في أبنيتهم.

قال الكميت :

وعدنا لكم في آل حم آية

تأوّلها منا تقيّ ومعرب (١)

وقال :

أو كتبا بيّنّ من حاميا

قد علمت أبناء إبراهيما (٢)

__________________

(١) المقتضب : ١ / ٢٣٨ و ٣ / ٣٥٦ ، واللسان : (عرب).

(٢) المقتضب : ١ / ٢٣٨.

٢٥

وقال الآخر :

يذكرني حا ميم والرمح شاجر

فهلا تلا حا ميم قبل التّقدّم (١)

وكذلك (طا سين) و (يا سين) إذا جعلت اسما جرت مجرى (حم) فإن أردت الحكاية جعلته وقفا على حاله ؛ لأنها حروف مقطعة مبنية.

ويحكى أن بعضهم قرأ (ياسين) والقرآن ، " وقاف" ، والقرآن ، فجعل ياسين اسما غير منصرف ، وقدر : اذكر ياسين ، وجعل" قاف" ، اسما للسورة ولم يصرف ، وكذلك إذا فتح" صاد".

ويجوز أن يكون" ياسين"" وقاف"" وصاد" أسماء غير متمكنة بنيت على الفتح كما قالوا : (أين) " وكيف".

قال : " وأما (طسم) فإن جعلته أسماء ، لم يكن بد من أن تحرك النون ، وتصير الميم كأنك وصلتها إلى طس ، فجعلتها اسما بمنزلة (دراب جرد) ، و (بعلبك) وإن حكيت تركت السواكن على حالها"

يريد أنك تجعل (طس) اسما ، وتجعل (ميم) اسما آخر ، فيصير بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدا ، ك (حضر موت) ، فتقول هذه طا سين ميم ، وقرأت طا سين ميم ، ونظرت في طا سين ميم.

وإن شئت تركتها سواكن.

قال : " فأما (كهيعص) و (المر) فلا يكن إلا حكاية ، فإن جعلتها بمنزلة (طا سين) لم يجز ؛ لأنهم لم يجعلوا (طا سين) ك (حضر موت) ، ولكنهم جعلوها بمنزلة (هابيل) و (قابيل) و (هاروت).

وإن قلت : أجعلها بمنزلة" طا سين ميم" لم يجز ؛ لأنك وصلت (ميما) إلى (طسين) ولا يجوز أن تصل خمسة أحرف فتجعلهن اسما واحدا.

وإن قلت : أجعل (الكاف) و (الهاء) اسما ، ثم أجعل (الياء) ، و (العين) اسما ، فإذا صارا اسمين ضممت أحدهما إلى الآخر ، فجعلتهما كاسم واحد لم يجز ذلك ؛ لأنه لم يجيء مثل : (حضر موت) في كلام العرب موصولا بمثله ، وهذا أبعد ؛ لأنك تريد أن

__________________

(١) البيت في المقتضب ١ / ٢٣٨ ، والخصائص ٢ / ٢٨١ ، واللسان (حمم).

٢٦

تصله بالصاد. فإن قلت : أجعله على حاله وأجعله بمنزلة (إسماعيل) لم يجز ؛ لأن (إسماعيل) قد جاء عدة حروفه على عدة حروف أكثر العربية نحو : (إشهياب) و (كهيعص) ليس على عدة حروفه شيء ، ولا يجوز فيه شيء إلا الحكاية.

قال أبو سعيد : طوّل سيبويه هذا الفصل ؛ لأنه أورد وجوها من الشبه على ما ذهب إليه في حكاية (كهيعص) و (المر) ، وذلك أن أصل ما بني عليه الكلام أن الاسمين إذا جعلا اسما واحدا فكل واحد منهما موجود مثله في الأسماء المفردة ، ثم يضم أحدهما إلى الآخر.

فمن أجل ذلك أجاز في (طسم) أن يكونا اسمين جعلا اسما واحدا مثل (هابيل) ، وأضافه إلى (ميم) ، وهو اسم يوجد مثله في المفردات ، ولا يمكن مثل ذلك في (كهيعص) و (المر) ...

وإذا جعل الاسمان اسما واحدا لم يجز أن يضم إليهما شيء آخر ، فيصير الجميع اسما واحدا ؛ لأنه لم يوجد مثل (حضر موت) في كلام العرب موصولا بغيره ، فقال سيبويه : لم يجعلوا (طس) ك (حضر موت) فيضموا إليها (ميم) ، لئلا يقول قائل : إن الاسمين جعلا اسما واحدا ثم ضم إليهما شيء آخر ، وكأن قائلا قال : اجعلوا الكاف والهاء اسما ، ثم اجعلوا الياء والعين اسما ، ثم ضموها إلى الأول ، فيصير الجميع كاسم واحد ، ثم صلوه بالصاد ، فقال : لم أر مثل (حضر موت) يضم إليه مثله في كلامهم ، وهذا أبعد ؛ لأنه يضم إليهما الصاد بعد ذلك ، ثم احتج على من جعله بمنزلة (إسماعيل) فقال : لأن ل (إسماعيل) نظيرا في أسماء العرب المفردة في عدة الحروف وهو (إشهيات) و (كهيعص) ليس كذلك.

وذكر أبو العباس المبرد أن يونس كان يجيز (كهيعص) مفتوح كله ، وتفريقه : (كاف) (ها) (يا) (عين) (صاد) ، والصاد مضمومة ، ويجعل (صاد) مضموما إلى (كاف) كما يضم الاسم ، ويجعل الباقي حشوا لا يعتد به.

وإذا جعلت" نون" اسما للسورة فهي عند سيبويه تجري مجرى (هند) لأن" نون" مؤنث فهي مؤنث ، سميت بمؤنث.

واستدل سيبويه على أن (حم) ليس من كلام العرب إن العرب لا تدري ما حم.

قال سيبويه : " وإن قلت إن حروفه لا تشبه لفظ حروف الأعجمي فإنه قد يجيء هكذا وهو أعجمي ، قالوا : (قابوس) ، ونحوه من الأسماء ؛ لأن" حا" من كلامهم و" ميم"

٢٧

من كلامهم ، يعني من كلام العجم ، كما أنها من كلام العرب ، وكذلك القاف ، والألف ، والياء ، والواو ، والسين ولغات الأمم تشترك في أكثر الحروف فاعرف ذلك إن شاء الله.

وإن أردت أن تجعل (اقتربت) اسما قطعت الألف ووقفت عليها بالباء ، فقلت : هذه إقتربه ، فإذا وصلت جعلتها تاء ولم تصرف فقلت : هذه إقتربة يا فتى.

وكذلك (تبّت) تقول : هذه تبه في الوقف ، فإذا وصلت قلت : هذه تبة يا هذا.

ويجوز أن تحكيها فتقول : هذه (اقتربت) وهذه (تبت) بالتاء في الوقف كما تقول : هذه" إنّ" إذا أردت الحكاية.

هذا باب تسمية الحروف والكلم التي تستعمل

وليست ظروفا ولا أسماء غير ظروف ، ولا أفعالا

قال سيبويه : " والعرب تختلف فيها ، يؤنثها بعض ، ويذكرها بعض ، كما أن اللسان تذكر وتؤنث ، وزعم ذلك يونس.

وأنشد قول الراجز :

كافا وميمين وسينا طاسا (١)

فذكر ، ولم يقل" طاسة"

وقال الراعي :

كما بيّنت كاف تلوح وميما (٢)

فقال : (بينت) ، فأنث.

قال أبو سعيد : المعتمد بهذا الباب الكلام على الحروف إذا جعلت أسماء ، وجعلها أسماء على ضربين : أحدهما أن تخبّر عنها في نفسها ، والآخر أن يسمى بها رجل أو امرأة أو غير ذلك.

فأما إن خبّر عنها وجعلت أسماء ففي ذلك مذهبان :

__________________

(١) البيت بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٦٠ ، والمخصص ١٧ / ٤٩ ، والمقتضب : ٤ / ٤٠.

(٢) البيت في الكتاب ٣ / ٢٦٠ ، والمقتضب : ١ / ٢٣٧ ، وابن يعيش : ٦ / ٢٩ ، واللسان : (كوف).

٢٨

أحدهما : التأنيث على تأويل (كلمة) ، والتذكير على تأويل (حرف) وعلى ذلك جملة حروف التهجي ، ويدخل في ذلك الحروف التي هي أدوات نحو" إن" و" ليت" و" لو" وما أشبه ذلك.

فإذا سميت بشيء من ذلك مذكرا صرفته ، وإن سميت به مؤنثا وقد جعلته في تأويل كلمة أوسطها ساكن صرفها من يصرف (هندا) ومنع صرفها من منع صرف (هند) كامرأة سميتها ب (ليت) أو (إنّ) وما أشبه ذلك.

وإن تأولتها تأويل الحرف ، وسميت بها مؤنثا ، كان الكلام فيها ، كالكلام في امرأة سميت بزيد.

وإن خبّرت عنها في نفسها ، ففيها مذهبان : إن شئت حكيتها على حالها قبل التسمية ، فقلت : هذه" ليت" و" ليت" تنصب الأسماء وترفع الأخبار ، و" إنّ" تنصب الأسماء ، وإن شئت أعربتها ، فقلت" ليت" تنصب الأسماء ، وترفع الأخبار. فمن تركها على حالها حكاها ، كما يحكي في قولك ، : (دعني من ثمرتان) أي دعني من هذه اللفظة.

وكذلك إذا قال" ليت" تنصب فكأنه قال" هذه الصيغة تنصب وما كان من ذلك على حرفين : الثاني ياء ، أو واو ، أو ألف ، إذا حكيت لم تغير ، فقلت : (لو فيها معنى الشرط) ، و (أو للشك) و (في للدعاء) فلم تغير منها شيئا.

وإن جعلتها اسما في إخبارك عنها زدت عليها فصيرتها ثلاثيّا ؛ لأنه ليس في الأسماء اسم على حرفين ، والثاني منهما ياء ، أو واو ، أو ألف ؛ لأن ذلك يجحف بالاسم ؛ لأن التنوين يدخله بحق الاسمية.

والتنوين يوجب حذف الحرف الثاني منه فيبقى الاسم على حرف واحد ، مثال ذلك : أنّا إذا جعلنا (لو) اسما ولم نزد فيه شيئا ، ولم نحك اللفظ الذي لها في الأصل أعربناها ، فإذا أعربناها تحركت الواو وقبلها فتحة ، فقلبت ألفا ، فتصير (لا) ، ثم يدخلها التنوين بحق الصرف فتصير (لا) يا هذا ، فيبقى حرف واحد وهو اللام ، والتنوين غير معتدّ به.

وإذا سمينا ب (أو) ، أو ب (كي) لزمها ذلك فقلت : (أا) و (كا) وإذا سميت ب (في) ، ولم تحك ، ولم تزد فيها شيئا ، وجب أن تقول : (ف) يا هذا ، كما نقول : قاض يا هذا ، فلما كان فيها هذا الإجحاف لو لم يزد فيها شيء زادوا ما يخرجه عن حد

٢٩

الإجحاف فجعلوا ما كان ثانيه واوا يزاد فيه مثلها فشدد.

وكذلك الياء كقولك في : (لو) : (لوّ) وفي (كي) (كيّ) وفي (في) (فيّ). وما كان الحرف الثاني منه ألفا زادوا بعدها همزة فيقال : في (لا) : (لأ) وفي (ما) : (ماء).

وقال الشاعر :

علقت لوّا تردّده

إن لوّا ذاك أعيانا (١)

وقال :

ليت شعري وأين منّي ليت

إنّ ليتا وإن لوّا عناء (٢)

فإن قال قائل : فما قولكم في امرأة ، سميت بشيء من هذه الحروف على مذهب من لا يصرف ، هل يلزم التشديد والزيادة أم لا؟ فالجواب : إن التشديد والزيادة لازمان.

فإن قال : فلم زدتم ، وليس فيه تنوين ، ومن قولكم : إن الزيادة وجبت ؛ لأن التنوين يذهب الحرف ، فيكون إجحافا.

فالجواب أن المرأة إذا سميت بذلك يجوز أن تنكر فيدخلها التنوين ولا يجوز أن يكون الاسم يتغير في التنكير عن لفظه ولنيته في التعريف ، واستشهد سيبويه في أن هذه الحروف تؤنث بقول الشاعر :

ليت شعري مسافر بن أبي عمرو

وليت يقولها المحزون

فأنّث يقولها.

وقد أنشدنا قول النمر :

علقت لوّا تردّده

فذكّره وقال : (أعيانا) فذكر أيضا.

وينشد (مسافر بن أبي عمرو) بالرفع والنصب ، فمن رفع فتقديرها : ليت شعري خبر مسافر بن أبي عمرو ، فحذف خبر وأقام مسافر مقامه في الإعراب. ومن نصب نصبه بشعري ، وحذف الخبر.

__________________

(١) البيت لنمر بن ثولب في المخصص ١٧ / ٥٠ ، والمذكر والمؤنث ١ / ٥١٣ ، والمقتضب ١ / ٢٣٥.

(٢) البيت لأبي زيد الطائي في ديوانه ٢٤ ، وابن يعيش ٦ / ٣٠ ، وخزانة الأدب ٦ / ٢٧٥.

٣٠

قال سيبويه : " وسألت الخليل عن رجل سمي ب (أن) مفتوحة فقال : لا أكسر ؛ لأن (أنّ) غير (إنّ) ".

وإنما ذكر هذا ؛ لأن (أن) في الكلام لا تقع مبتدأة قبل التسمية ، وإنما تقع المكسورة مبتدأة ، فذكر ذلك لئلا يظن الظان أنها إذا سمي بها رجل كسرت مبتدأة.

وإنما سبيل (أن) سبيل اسم ، وسبيل (إن) سبيل فعل.

فإذا سمينا بواحد منهما رجلا لم يقع الآخر موقعه بعد التسمية ، كما أنّا نقول : هذا ضارب زيدا ، وهذا يضرب زيدا ، ومعناهما واحد ، وأحد اللفظين ينوب عن الآخر في الكلام ، وإذا سمينا رجلا ب (يضرب) لم يقع موقعه (ضارب) وبعض العرب يهمز في مثل (لو) ، فيجعل الزيادة المحتاج إلى اجتلابها همزة ، فيقول : (لوء).

وما جرى مجرى هذه الحروف من الأسماء غير المتمكنة فحكمه حكم الحروف نحو : (هو) و (هي).

إذا سمينا بواحد منهما أو أخبرنا عن اللفظ ، فجعلناه اسما في الإخبار ، فتقول : (هو) ، وتقول : (هي).

وإن سمينا مؤنثا ب (هي) فمنزلتها منزلة (هند) ، إن شئنا صرفنا وإن شئنا لم نصرف ؛ لأنها مؤنث ، سميت بها مؤنثة.

وإن سمينا مؤنثا ب (هو) لم نصرف على قول من لا يصرف امرأة سميت ب (زيد) لأنه مذكر سميت به مؤنثة.

وكان سيبويه يذهب في الحروف التي ذكرنا ك (لو) و (في) و (ليت) وما أشبه ذلك ، وفي حروف المعجم أنها تؤنث وتذكر ، ولم يجعل أحد الأمرين أولى من الآخر.

وكان أبو العباس المبرد (فيما ذكر أبو بكر مبرمان عنه) يذهب إلى أن (ليت) وما جرى مجراها من الحروف مذكرات ، وأن قوله : (وليت يقولها المحزون) ، إنما أنّث على تأويل الكلمة والقول : هو الأول.

ولو سميت رجلا" ذو" فإن سيبويه يذهب إلى أن يقال : هذا ذوا ، ورأيت ذوا ، و (مررت بذوا) بمنزلة عصا ، ورحى ، ويذكر أن أصله" فعل" في البنية ، ويستدل على ذلك بقولهم : هاتان ذواتا مال ، كما يقال أبوان وأب فعل.

وكان الخليل يقول : هذا ذوّ ، فيجعله" فعل" بتسكين العين ، وكان الزجاج يذهب

٣١

مذهب الخليل.

ومن حجة الخليل أن الحركة غير محكوم بها إلا بثبت ، ولم يقم الدليل على أن العين متحركة ، وذكر من يحتج له أن الاسم إذا حذف لامه ثم ثنّي ، فرد إليه اللام حركت العين وإن كان أصل بنيتها السكون.

كقولهم :

يديان بالمعروف عند محرّف

قد يمنعانك أن تضام وتضهدا (١)

و (يد) عندهم" فعل" في الأصل ، ولكنها لما حذفت لام الفعل ، فوقع الإعراب على الدال ، ثم ردوا المحذوف ، لم يسلموا الدال الحركة.

قال : وسألته عن رجل اسمه (فو) فقال : العرب قد كفتنا أمرها لما أفردوها ، قالوا ، (فم) ، فأبدلوا الميم مكان الواو ، فلولا ذلك لقالوا (فوه) ؛ لأن الأصل في فم : (فوه) ؛ لأنهم يقولون : أفواه ، كما قالوا : (سوط) و (أسواط) ، فمذهبه : إذا سمي ب" فو" أن يقال : " فم" لا غير. وكان الزجاج يجيز (فم) و (فوه) على مذهب سواط وأسواط ، وحوض وأحواض.

قال سيبويه : وأما (البا) و (التا) و (الثا) و (اليا) و (الحا) و (الخا) و (الرا) و (الطا) و (الظا) و (الفا) ، فإذا صرن أسماء مددن ، كما مدّت" لا" ، إلا أنهن إذا كن أسماء فهن يجرين مجرى رجل ونحوه ، ويكن نكرة بغير الألف واللام ، ودخول الألف واللام فيهن يدلك على أنهن نكرة ، إذا لم يكن فيهن ألف ولام ، وأجريت هذه الحروف مجرى ابن مخاض (٢) وابن لبون (٣).

وأجريت الحروف الأول مجرى سام أبرص (٤) وأم حبين (٥) ونحوهما ، ألا ترى أن الألف واللام لا يدخلان فيهن.

قال أبو سعيد : اعلم أن حروف التهجي إذا أردت التهجي مبنيات ؛ لأنهن حكاية

__________________

(١) البيت بلا نسبة في المخصص ١٧ / ٥٢ ، والمقتضب ١ / ٦٤ ، وابن يعيش ٤ / ١٥١.

(٢) تعريف جنس ، يعني ولد الناقة ، انظر اللسان (مخض).

(٣) ولد الناقة إذا طعن في الثالثة ، انظر اللسان (لبن).

(٤) الوزغ الصغير الرأس الطويل الذنب.

(٥) دويسة على شكل الحرباء ، عريضة الصدر عظيمة البطن ، انظر اللسان (لبن).

٣٢

الحروف التي في الكلمة ، والحروف في الكلمة إذا قطعت كل حرف منها مبني ؛ لأن الإعراب إنما يقع على الاسم بكماله ، فإذا قصدنا إلى كل حرف منها بيناه. وهذه الحروف التي ذكرناها من (الباء) إلى (الفاء) إذا بيناها فكل واحد منها على حرفين ؛ الثاني منهما ألف فهي بمنزلة" لا" و" ما" إذا احتجنا إلى جعلها أسماء وتدخلها الألف واللام ، فتتعرف وتخرج منها فتنكر.

وما مضى من الحروف نحو (ليت) و (لو) لا تدخلها ألف ولام ، فجعل سيبويه حروف التهجي نكرات ، إلا أن تدخل عليها الألف واللام ، فجرين مجرى ابن مخاض وابن لبون في التنكير ، وجعل (لو) و (ليت) معارف ، فجرين مجرى سام أبرص وأم حبين ؛ لأنهن مشتركات في الامتناع من دخول الألف واللام ، والفرق بينهما أن الباء قد توجد في الأسماء كثيرة فيكون حكمها وموضعها في كل واحد من الأسماء على خلاف حكمها في الآخر.

كقولنا : (بكر) و (ضرب) و (حبر) ، وغير ذلك من الأسماء والأفعال والحروف ، فلما كثرت مواضعها واختلفت سار كل واحد منها نكرة.

وأما (ليت) و (لو) وما أشبه ذلك فهن لوازم في موضع واحد ومعنى واحد ، وما استعمل منها في أكثر من موضع فليس ذلك بالشائع الكثير ومواضعه تتقارب ، فتصير كالمعنى الواحد.

ومثل ذلك أسماء العدد ، إذا عددت ، فقلت : (واحد) (اثنان) (ثلاثة) (أربعة) بنيتها ؛ لأنك لست تخبر عنها بخبر تأتي به ، وإنما تجعله في العبارة عن كل واحد من الجمع الذي تحدده ، كالعبارة عن كل واحد من حروف الكلمة إذا قطعتها.

وذكر سيبويه أنه يقال : واحد ، اثنان ؛ فتشم الواحد الضّم وإن كان مبنيا ، لأنه متمكن في الأصل.

وما كان متمكنا إذا صار في موضع غير متمكن ، جعل له فضيلة على ما لم يكن متمكنا قط.

قال : " وزعم من يوثق به أنه سمع من العرب : " ثلاثة اربعة ، فطرح همزة أربعة على الهاء من ثلاثة ، ولم يحولها تاء مع التحريك ، ومثل ذلك قوله :

به خرجت من عند زياد كالخرف

٣٣

تخطّ رجلاي بخطّ مختلف

تكتبان في الطريق أم الف (١)

فألقى حركة (ألف) على الميم من (لام) وكانت ساكنة ففتحها ولبست هذه الحركة حركة يعتد بها ، وإنما هي تخفيف الهمزة بإلقاء حركتها على ما قبلها ، ومن أجل ذلك قالوا : " ثلاثة اربعة" لأنها ساكنة. وإنما استعيرت الهاء لحركة الهمزة ، وذكر عن الأخفش أنه كان لا يشم في واحد ، واثنان.

وذكر أبو العباس ونسبه إلى المازني أنه لا تحرك الهاء من ثلاثة بإلقاء حركة الهمزة عليها من (أربعة) "

قال أبو سعيد : وهذا إن كان صحيحا عنه فهو بيّن الفساد ؛ لأن سيبويه قد حكى عن العرب ثلاثة اربعة وأنشد :

يكتبان في الطريق لام الف

وقد ألقى حركة الهمزة على ما قبلها.

قال سيبويه : " وأما زاي ففيها لغتان : فمنهم من يجعلها في التهجي ك (كي) فيقول : (زي) ، ومنهم من يقول : (زاي) فيجعلها بمنزلة (واو) "

قال أبو سعيد : أما من قال : (زي) فهو إذا جعلها اسما شدّد ، فقال (زيّ) وإذا جعلها حرفا قال : (زي) على حرفين مثل (كي) وأما (زاي) فلا تتغير صيغته ، وأما (أم) و (من) و (إن) و (مذ) في لغة من جر و (أن) و (عن) إذا لم تكن ظرفا و (لم) ، ونحوهن إذا كن أسماء لم تتغير ؛ لأنها تشبه الأسماء ك (بد) و (دم) ، تقول في رجل سمّيناه (من) : هذا من ، و (لم) و (مذ) ولا تزيد فيها شيئا ؛ لأن في الأسماء المتمكنة ما يكون على حرفين ك (بد) و (دم).

وما كان على ثلاثة أحرف فهو أولى أن لا يزاد فيه نحو (نعم) و (أجل) وكذلك الفعل الذي لا يتمكن نحو نعم وبئس.

__________________

(١) الرجز لأبي النجم العجلي في الكتاب ٣ / ٢٦٦ ، والمقتضب ١ / ٢٣٧ ، والخصائص ٣ / ٢٩٧ ، والمخصص ١٧ / ٥٣ ، والخزانة ١ / ١٠٣.

٣٤

هذا باب تسميتك الحروف بالظروف وغيرها من الأسماء

قال سيبويه : " اعلم أنك إذا سميت كلمة ب (خلف) أو (فوق) أو (تحت) لم تصرفها ؛ لأنها مذكرات"

وجملة هذا أن الظروف وغيرها فيها مذكر ومؤنث ، وقد يجوز أن نذهب بكل كلمة منها إلى معنى التأنيث ، بأن تتأول بأنها (كلمة) وإلى معنى التذكير ، بأن تتأول أنها (حرف) ، فإن ذهبت إلى أنها (كلمة) ، سميتها باسم مذكر على أكثر من ثلاثة أحرف أو ثلاثة أحرف أوسطها متحرك لم تصرف ، كما لم تصرف امرأة سميتها بذلك ، وإن سميتها بشيء مذكر على ثلاثة أحرف ، وأوسطها ساكن ، وقد جعلتها كلمة ، فحكمها كحكم امرأة سميتها بزيد ، فلا تعرفها على مذهب سيبويه ، وما كان على حرفين فهو بمنزلة ثلاثة أحرف وأوسطها ساكن. فمن المذكر (تحت) و (خلف) و (قبل) و (بعد) و (أين) و (كيف).

و (ثم) و (هنا) و (حيث) و (كل) و (أي) و (منذ) و (مذ) و (قط) و (قط) و (عند) و (لدى) و (لدن) وجميع ما ليس عليه دلالة للتأنيث بعلامة أو بفعل له مؤنث.

من الظروف المؤنثة (قدام) و (وراء) لأنه يقال في تصغيرهما قديمة ووريئة ، مثل : وريعة.

ومنهم من يقول : وريّة مثل" جرية" ، فلما أدخلوا الهاء في هذين الحرفين ، ولم يدخلوا في (تحيت) و (خليف) و (دوين) و (قبيل) و (بعيد) علمنا أن ما دخل عليه الهاء مؤنث والباقي مذكر. فإن قال قائل : وكيف جاز دخول الهاء في التصغير على ما هو أكثر من ثلاثة أحرف؟

قيل له : المؤنث قد يدل فعلها على التأنيث ، وإن لم تصغر ، ولم تكن فيها علامة التأنيث ، كقولنا : لسبت (١) العقرب ، وطارت العقاب ، والظروف لا يخبر عنها بأفعال تدل على التأنيث ، فلمّا لم يدخلوا عليها الهاء في التصغير لم يكن على تأنيثها دلالة ، فإن خبّرنا عن (خلف) و (فوق) وسائر ما ذكرنا من المذكر ، وقد جعلناها كلمات لم نصرفها على قول سيبويه.

__________________

(١) لسبته الحية والعقرب ، أي لدغته. انظر اللسان (لسب).

٣٥

وعلى قول عيسى بن عمر ما كان أوسطه ساكن وهو على ثلاثة أحرف جاز فيه الصرف وترك الصرف كهند.

فعلى مذهب سيبويه تقول : هذه خلف ، و (فوق) ، و (ثم) و (قط) و (أين) ، وجئته (من خلف) و (من تحت) و (من فوق) وذلك أنها معارف ومؤنثات.

وإن جعلنا هذه الأشياء حروفا ، وقد سميناها بهذه الأسماء المذكرة التي ذكرناها فإنها مصروفة ؛ لأن كل واحد منها مذكر سمي بمذكره.

وأما قدام ، ووراء فسواء جعلناهما اسمين لكلمتين ، أو لحرفين ، فإنهما ينصرفان ؛ لأنهما مؤنثان في أنفسهما ، وهما على أكثر من ثلاثة أحرف. فإن جعلناهما اسمين لمذكرين أو لمؤنثين لم ينصرفا وصارا بمنزلة (عناف) و (عقرب) إذا سمينا بهما رجلين أو امرأتين لم ينصرفا.

وما كان من ذلك مبينا فلك أن تدعه على لفظه ولا تنقله إلى الإعراب كقولك : (ليت غير نافعة) و (لو غير مجدية) وإذا جعلتهما اسما للكلمتين تضم (ليت) و (لو) بغير تنوين وتشدد الواو ولا تصرفه على مذهب سيبويه. وعلى مذهب عيسى بن عمر تقول : ليت ولوّ وليت ولوّ منونة وغير منونة ، وإن قلت (ليت) و (لوّ) غير نافعتين وقد جعلتهما للحرفين صرفتهما بإجماع ، وذكّرت فقلت : غير نافعين.

وتقول : إن الله ينهاكم عن (قيل) و (قال). ومنهم من يقول عن" قيل" و" قال" لمّا جعله اسما.

وأنشد سيبويه :

أصبح الدهر وقد ألوى بهم

غير تقوالك من قيل وقال (١)

والقوافي مجرورة. وقد أنكر المبرد احتجاج سيبويه بجر القوافي على خفض" قيل" ، فذكر أنه يجوز أن تكون ألفا فيه موقوفة وتكون اللام من" قيل" مفتوحة فتقول" من قيل وقال".

وقد رد الزجاج عليه ذلك ، فقال : لا يجوز الخبن في" فاعلان" فإذا قلنا : (قيل وقال) وجعلنا اللام موقوفة فقد صار" فعلان" مكان" فاعلان" وإذا أطلقناها صار

__________________

(١) البيت منسوب لتميم بن مقبل في الكتاب ٣ / ٢٦٨ ، والمخصص ١٧ / ٥٦.

٣٦

" فاعلاتن".

ومن قال : " ينهاكم عن قيل وقال" قال : " لم أسمع به قيلا وقالا".

وفي الحكاية قالوا : " مذ شبّ إلى دبّ" فإن جعلتهما اسمين قلت : منذ شبّ إلى دبّ ، وهذا مثل كأنه قال : مذ وقت الشباب إلى أن دب على العصا من الكبر.

قال سيبويه : " وتقول إذا نظرت إلى الكتاب : (هذا عمرو) وإنما المعنى هذا اسم عمرو ، وذكر عمرو ونحو هذا إلا أنه يجوز على سعة الكلام كما تقول : جاءت القرية وأنت تريد أهل القرية ، وإن شئت قلت : هذه عمرو ؛ أي هذه الكلمة اسم عمرو كما تقول : هذه ألف وأنت تريد هذه الدراهم ألف.

وإن جعلته اسما للكلمة لم تصرف وإن جعلته للحرف صرفته".

قال سيبويه : " وأبو جاد ، وهوّاز وحطّيّ بياء مشددة" كعمرو" في جميع ما ذكرنا ، وحال هذه الأسماء حال عمرو وهي أسماء عربية.

وأما كلمون وسعفص وقربشيات ، فإنهن أعجمية لا ينصرفن ، ولكنهن يقعن مواقع عمرو فيما ذكرنا ، إلا أن قربشيات بمنزلة عرفات وأذرعات"

قال أبو سعيد : فصل سيبويه بين (أبي جاد) و (هواز) و" حطي" فجعلهن عربيات وبين البواقي فجعلهن أعجميات.

وقال أبو العباس المبرد : يجوز أن يكن كلهن أعجميات.

وقال بعض المحتجين لسيبويه : إنه جعلهن عربيات ؛ لأنهن مفهومات المعاني في كلام العرب.

وقد جرى أبو جاد على لفظ لا يجوز إلا أن يكون عربيّا.

تقول : هذا أبو جاد ، ورأيت أبا جاد ، وعجبت من أبي جاد.

قال الشاعر :

أتيت مهاجرين فعلّموني

ثلاثة أحرف متتابعات

وخطوا لي أبا جاد وقالوا

تعلّم صعفصا وقربشيات (١)

__________________

(١) البيتان بلا نسبة في المخصص ١٧ / ٥٦.

٣٧

قال أبو سعيد : والذي يقول : إنهن أعجميات غير مبعّد عندي إن كان يريد بذلك أن الأصل فيها العجمة ؛ لأن هذه الحروف عليها يقع تعليم الخط السرياني.

وهي معارف ، وكذلك جميع ما ذكرناه من الحروف مما لا تدخله الألف واللام وما كان تدخله الألف واللام فإنه يكون معرفة بهما ونكرة عند عدمهما كالألف والباء والتاء.

هذا باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث

كما جاء المذكر معدولا عن حده نحو" فسق" و" لكع" و" عسر" و" زفر" ، وهذا المذكر نظير ذلك المؤنث.

قال أبو سعيد : اعلم أن هذا الباب يشتمل على ما كان من (فعال) مبنيّا وذلك على أربعة أوجه :

أولها وهو الأصل لما فيها : ما كان من (فعال) واقعا موقع الأمر ، كقولهم : (حذار زيدا) أي احذره و (مناع زيدا) أي امنعه.

قال الشاعر :

مناعها من إبل مناعها

ألا ترى الموت لدى أرباعها (١)

وقال أيضا :

تراكها من إبل تراكها

ألا ترى الموت لدى أوراكها (٢)

وقال أبو النجم :

حذار من أرماحنا حذار (٣)

وقال رؤبة :

نظار كي أركبها نظار (٤)

__________________

(١) البيتان من مشطور الرجز ، بلا نسبة في الكتاب ١ / ٢٤٢ ، والمخصص ١٧ / ٦٣ ، والمقتضب ٣ / ٣٦٩ ، وابن يعيش ٤ / ٥١ ، والخزانة ٥ / ١٦١.

(٢) الرجز لطفيل بن يزيد الغنوي في الكتاب ١ / ٢٤١ ، والمخصص ١٧ / ٦٣ ، والمقتضب ٣ / ٣٦٩ ، وابن يعيش ٤ / ٥٠ ، والإنصاف ٢ / ٥٣٧ ، وشرح شذور الذهب ٩٠.

(٣) البيت في المقتضب ٣ / ٣٧٠ ، والكامل للمبرد ٤ / ٢٠٧ ، والإنصاف ٢ / ٥٣٩ ، وشرح شذور الذهب ٩٠.

(٤) البيت في المقتضب ٣ / ٣٧٠ ، والكامل للمبرد ٤ / ٢٠٧ ، والمخصص ١٧ / ٦٣.

٣٨

ويقال (نزال) أي انزل ، ويقال للضبع (دباب) أي دبّي

وقال الشاعر :

نعاء ابن ليلى للسّماحة والنّدى

وأيدي شمال باردات الأنامل (١)

وقال جرير :

نعاء أبا ليلى لكل طمرّة

وجرداء مثل القوس سمح حجولها (٢)

فالحد في جميع ذا (افعل) وهو معدول عنه ، وكان حقه أن يبنى على السكون ، فاجتمع في آخره ساكنان ، فحرك الأخير المبني على السكون ، والألف التي قبلها ، وحرك بالكسر ؛ لأن الكسر مما يؤنث به ؛ لأن المؤنث في المخاطبة بكسر آخرها في قولك : إنك ذاهبة ، وأنت قائمة ، ويؤنث بالياء في قولك : أنت تقومين ، وهذي أمة الله ، ولم يقل سيبويه إنه كسر لاجتماع الساكنين على ما يوجهه اجتماعها من الكسر ؛ لأنه يذهب إلى أن الساكن الأول إذا كان ألفا فالوجه فتح الساكن الثاني ؛ لأن الألف قبلها فتحة ، وهي أيضا أصل الفتح ، فحملوا الساكن الثاني على ما قبله ، ومن أجل هذا قالوا في (إسحار) إذا كان اسم رجل ورخمناه (يا إسحار) أقبل بفتح الراء ؛ لأن قبلها فتحة الحاء ، والألف بينهما ساكنة ، وهي تؤكد الفتح أيضا ، وحمله على قولهم : (عضّ يا فتى) لفتحة العين ولم يحفل بالضاد الساكنة المدغمة ، فإن قال قائل : فهم يقولون : ردّ وفرّ ، قيل له الحجة في عضّ أقوى من قول من يقول : ردّ أو ردّ ، وفرّ أو فرّ ويقول في عضّ : عض ، فيفصل بينهما ، ويفتح من أجل فتحة العين. ومما يقوي ذلك قولهم : انطلق يا زيد فتفتح القاف ، لانفتاح الطاء ، وإنما حرك القاف لالتقاء الساكنين.

وقول الشاعر :

عجبت لمولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان (٣)

__________________

(١) نعاء : اسم فعل أمر معناه انع. والبيت بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٧٢ ، والإنصاف ٢ / ٥٣٨ ، والمخصص ١٧ / ٦٣.

(٢) البيت في الكتاب ٣ / ٢٧٢ ، والإنصاف ٢ / ٥٣٨ ، والمخصص ١٧ / ٦٣.

(٣) البيت بلا نسبة في الكتاب ٢ / ٢٦٦ ، والخصائص ٢ / ٢٣٣ ، والخزانة ١ / ٣٩٧ ، ومغني اللبيب ١ / ١١٩.

٣٩

ففتح الدال لانفتاح الياء.

والوجه الثاني : ما كان من وصف المؤنث منادى ، أو غير منادى ، فالمنادى قولك : يا خباث ، ويا لكاع ، ويا فساق ، وإنما تريد الخبيثة ، والفاسد واللكعاء.

ومثله للمذكر إذا ناديته معدولا : يا فسق ، ويا لكع ، ويا خبث.

ويقال : " يا جعار" للضبع ، وإنما هو اسم للجاعرة ، ويقال ذلك في النداء وغير النداء للضبع ، ويقال لها أيضا" قثام" ومعناها أنها تقثم كل شيء تجده للأكل وتجرفه.

قال الشاعر :

فللكبراء أكل كيف شاءوا

وللصغراء أخذ واقتثام (١)

وقال النابغة الجعدي :

فقلت لها عيثي جعار وجرّدي

بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره (٢)

ويقال للمنية (حلاق) وهي معدولة عن الحالقة ؛ لأنها تحلق كل شيء وتذهب به.

قال الشاعر :

لحقت حلاق بهم على أكسائهم

ضرب الرقاب ولا يهم المغنم (٣)

و (الأكساء) : المآخير ، واحدها كسء.

وقال الآخر :

ما أرجى بالعيش بعد ندامى

قد أراهم سقوا بكأس أحلاق (٤)

والوجه الثالث : ما كان من المصادر معدولا عن مصدر مؤنث معرفة مبنيا على هذا المثال ، كقول النابغة الذبياني.

أنا اقتسمنا خطتنا بيننا

فحملت برة واحتملت فجار (٥)

ففجار معدولة عن الفجرة.

__________________

(١) البيت بلا نسبة في المخصص ١٧ / ٦٤.

(٢) البيت في المقتضب ٣ / ٣٧٥ ، والكامل ٤٣٠ ، والمخصص ١٧ / ٦٤ ، واللسان (جرر).

(٣) البيت بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٧٣ ، وابن يعيش ٤ / ٥٩ ، والمخصص ١٧ / ٦٤.

(٤) البيت للمهلهل في الكتاب ٣ / ٢٧٣ ، والمقتضب ٣ / ٣٧٣ ، واللسان (حلق).

(٥) البيتان في الكتاب ٣ / ٢٧٣ ، وابن يعيش ٤٠ / ٥٣ ، والخصائص ١٧ / ٦٤.

٤٠