شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

هذا باب ما يتغير في الإضافة إلى الاسم إذا جعلته اسم رجل أو امرأة

وما لا يتغير إذا كان اسم رجل أو امرأة

قال سيبويه : أما ما لا يتغير ف (أب) و (أخ) و (نحوهما) تقول : هذا (أبوك) و (أخوك) كإضافتهما قبل أن يكونا اسمين.

كما قلت في التثنية : (أبوان) ، وكذلك إذا سميت رجلا ب (فم) ثم أضفته تقول :

هذا (فمك) ، والذين قالوا : (فوك) قبل التسمية لم يضيفوا (فما) المفرد وإنما تكلموا ب (فوك) على حد قولك : (ذو مال) ، وليس بمنقول عن (فم).

وإذا سميت رجلا ب (ذو) قلت : (ذوا) ، فإذا أضفته لم تقل : (ذوك) وإنما تقول : (ذواك) كما قلت : (فمك).

وأما ما يتغير في الإضافة فهو (لدى) و (إلى) و (على) إذا سميت بهن رجالا أو نساء. تقول في رجل اسمه (على) أو (لدى) أو (إلى) : هذا (لداك) و (علاك) و (إلاك) ، وقد كان قبل التسمية يقال : (لديك) و (إليك) و (عليك) ، وإنما قلبوها في الإضافة إلى (مكنيّ) عند سيبويه ، فرقا بينها وبين الأسماء المتمكنة إذا قلت : (هواك) و (عصاك) و (رحاك) كما فرّقوا بين (عنّى) و (منىّ) وأخواتها وبين (هني) و (يدي) و (دمي) ، فزادوا فيها نونا وغيروها ، ولم يزيدوا في (يدي) و (دمي).

ثم قوّى هذا سيبويه بأن قال :

حدثنا الخليل أن ناسا من العرب يقولون : (علاك) و (لداك) و (إلاك) ، وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف.

يعني (علاي) و (علاه).

واعترض بعض النحويين على ما قاله سيبويه فقال : رأينا ما لا يتمكن من هذه الظروف لم يفرق بينها وبين المتمكن كقولهم : (عندك) و (قبلك) ، و (بعدك) وكانت إضافته إلى الظاهر والمكني بمنزلة واحدة.

فقال المجيب عن سيبويه : رأينا حروف العلة ينقلب بعضها إلى بعض أكثر من انقلاب غيرها ، بل يطرد فيها من الانقلاب ما لا يطرد في غيرها. وقال بعض النحويين : إنما قلبوا في هذا الحروف الألف ياء في الإضافة إلى المكني ؛ لأنّا رأينا الإضافة لازمة لهذه

١٦١

الحروف ، كما رأينا اسم الفاعل لازما للفعل ، ورأينا اسم الفاعل قد يتغير له الفعل ، إذا اتصل به كقولك : (غزا) و (رمى) ، ثم نقول : (غزوت) و (رميت) فتنقلب الألف ياء أو واوا ، واختاروا الياء في هذا دون الواو ؛ لأن في الكنايات كياء المتكلم ، فلو قلبوها واوا ، فقالوا (علوك) و (علوه) ، لقالوا في المتكلم : (علوي) فيجتمع واو وياء الأول منهما ساكن فتنقلب الواو ياء فاختاروا حرفا لا ينقلب ، وهو الياء ؛ ولأنها أيضا أخف من الواو ، وحملوا على (عليك) ، و (لديك) ، مررت بكليهما ، ورأيت كليهما ، وهم يقولون في الظاهر مررت بكلا (أخويك) ورأيت كلا (أخويك) فحملوا كلا لما اتصل بالمكني على (عليهما) و (لديهما) ، في حال النصب والجر ، وقالوا في حال الرفع جاء (أخواك) كلاهما شبهوا (كليهما) للزوم الإضافة ب (عليهما) لما اجتمعا في لزوم الإضافة ، وإنما حملوه في الجر والنصب على (عليك) دون الرفع ؛ لأن (عليك) قد يقع في موقع مجرور أو منصوب ولا يقع في موضع مرفوع كقولك (من عليه) ، و (من لديه) وهذا (عليه) و (لديه) ، فهما ظرفان يقعان في موضع الجر والنصب ، ولا سبيل إلى الرفع فيهما فحمل" كلا" عليها في الحالين اللتين يكونان لهما. وليست الألف في" كلا" ألف تثنية.

وقد استقصينا هذا في موضعه في بعض أبواب التصريف في آخره.

هذا باب إضافة المنقوص إلى الياء التي هي علامة المجرور المضمر

قال أبو سعيد : اعلم أن ياء المتكلم يكسر ما قبلها ، إلا أن يكون ألفا أو ياء متحركا ما قبلها ، فأما كسرها لما قبلها فنحو (غلامي) و (ثومي) ، وأما الألف فقولك : (براي) و (هداي) و (أعشاي) وأما الياء فنحو (غلاميّ) و (قاضيّ) و (ضاربيّ).

قال سيبويه : ومن العرب من يقول : (بشريّ) و (هديّ).

قال أبو ذؤيب :

سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (١)

وإنما قلبوا الألف ياء ؛ لأن الألف خفيّة ، فأرادوا التّبيين ، كما يقول بعض العرب : (أفعي) مكان (أفعى) ، وإنما لم يحركوا الألف والياء التي قبلها حركة ؛ لأن الألف لا يمكن

__________________

(١) البيت في ابن يعيش : ٣ / ٣٣ ، والدرر اللوامع : ٢ / ٦٨ ، وأمالي بن الشجري : ١ / ٢٨١ ، وديوان الهذليين : ١ / ٢.

١٦٢

تحريكها ، إلا بأن تقلب فكرهوا قلبها وحركوا ياء الإضافة ؛ لأنها متحركة في الأصل ، وجعلوها كالكاف وبقّوا (الألف) على لفظها فصار (هواي) و (عصاي) ك (هواك) و (عصاك).

وأما الياء المكسور ما قبلها فإنّا إن حركناها لياء الإضافة بعدها حركناها بالكسر ، وهي تسكن في موضع الكسر كقولك : مررت ب (قاضيك) ، و (راميك) ، فوجب أيضا تسكينها في الإضافة ؛ لأنها حال كسر ، ووجب إدغامها في الياء بعدها كقولك : هذا (قاضيّ) ، وهؤلاء (جواريّ) ، وكذلك لو كان في آخر الاسم (واو) مضموم ما قبلها ، لوجب قبلها ياء وإدغامها في الياء كقولك : هؤلاء (مسلميّ) و (صالحيّ) ولم يجز تحريكها بالكسر استثقالا للكسر عليها كما يستثقل على الياء ، ألا ترى أنا نقول : (زيد يغزو القوم) فتحذف الواو ولا تكسرها لالتقاء الساكنين فلما ثقلت الكسرة عليها وجب أن يقال : (مسلموي) و (صالحوي) فتجتمع الواو والياء والأول منهما ساكن فتنقلب الواو ياء ، ويكسر ما قبلها لتسلم الياء كما يضم المكسور في الجمع لتسلم الواو كقولك : (قاضون) وما أشبه ذلك.

وأما المفتوح فقولك : رأيت (غلاميّ) و (مسلميّ) وما أشبه ذلك ؛ لأنك تسقط النون للإضافة فتبقي ياء التثنية ساكنة وبعدها ياء الإضافة فتدغم استثقالا للكسرة عليها.

ويقولون في المرفوع المثنى : هذان (غلاماي) ، و (صاحباي) ولا يستعملون فيها لغة من يقول : (بشريّ) و (هديّ) و (عصيّ) كراهة أن يلتبس المرفوع بالمنصوب والمجرور.

وإذا جمعت ما آخره ياء مكسور ما قبلها بالواو والنون ، والياء والنون ، حذفت الياء التي هي آخره ، كقولك : (قاضون) و (رامون) و (رأيت) (قاضين) ، و (رامين) ، وأصل ذلك : (قاضيون) ، و (راميون) ، و (قاضيين) و (راميين) فوجب تسكين الياء ؛ لأنها مضمومة أو مكسورة وقبلها كسرة ثم يجتمع ساكنان وهي واو الجمع أو ياء الجمع وهي تسقط ثم يضم المكسور الذي قبلها في حال الرفع لتسلم الواو ذلك : (قاضون) و (رامون). ولم يذكر إذا كان قبل ياء الإضافة واو متحرك ما قبلها ؛ لأنه لا يقع في آخر اسم واو متحرك ما قبلها.

وإن كان جمع سالم ك (مسلمين) و (مصطفون) ثم أضيف فاجتمع الواو والياء وجب قلب الواو ياء فلذلك لم يذكر الواو.

١٦٣

وقد دخل في الباب الذي يتلوه وهو باب إضافة كل اسم آخره ياء.

هذا باب التصغير

اعلم أن التصغير يجيء على وجوه ، منها تقليل ما يجوز أن يتوهم كثيرا ، أو تحقير ما يجوز أن يتوهّم عظيما ، أو تقريب ما يجوز أن يتوهم بعيدا ، فأما التقليل فقولك : (عندي دراهم) ، فيجوز أن تكون كثيرة ، وإن صغرت قلت : (عندي دريهمات) فيعلم أنها قليلة ، وأما ما يجوز أن يتوهم أنه عظيم فقولك : ب (كليب) و (رجيل) في كلب ورجل لئلا يتوهم أنه كبير عظيم.

وأما التقريب فقولك : (جئتك قبل شهر رمضان) ، فيجوز أن يتوهم أن مجيئك قبل شهر رمضان بشهر ، أو شهرين أو أكثر ، فإذا قلت : (جئتك قبيل شهر رمضان) علم أنه قبله بقليل ، وكذلك بعد يجوز أن يكون بعد الشيء بكثير ، ويجوز أن يكون بقليل ، فإذا قلت : (بعيد) شهر رمضان علم أنه بعده بقليل.

واعلم أن التصغير ما يزاد فيه يدل على صفته في القلة والصغر والقرب والتحقير ، فتغني علامة التصغير عن الصفة ، وذلك كقولك : مررت بكلب فيمكن أن يكون كبيرا أو صغيرا فإذا أردت البيان ، قلت : مررت ب (كلب) كبيرا وب (كلب) صغير ، فإذا قلت : مررت (بكليب) ، أغنى التصغير عن قولك : كلب صغير ، وقال بعض النحويين : قد يكون التصغير لتعظيم الأمر.

وأنشدوا :

وكلّ أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفرّ منها الأنامل (١)

فقالوا : دويهية يريدون بها تعظيم الداهية ، وأنشدوا أيضا :

فويق جبيل سامق الرّأس

لم تكن لتبلغه حتّى تكلّ وتعملا (٢)

فقالوا : قد صغر جبيلا ثم قال : سامق الرأس وهو العالي فدل على أنه للتعظيم.

وقالوا : قد يقول الرجل للرجل : أيا (أخيّ) إذا أرادوا المبالغة ويا (صديّقي) كذلك ،

__________________

(١) البيت في ابن يعيش : ٥ / ١١٤ ، وخزانة الأدب للبغدادي : ٢ / ٥٦١ ، وابن الشجري : ١ / ٢٥ ـ ٢ / ٤٩ ـ ١٣١ ، والدرر اللوامع : ٢ / ٢٢٨.

(٢) البيت في ابن يعيش : ٥ / ١١٤ ، أمالي الشجري : ١ / ٢٥.

١٦٤

وليس الأمر كما ظنوا فيما احتجوا به.

أما دويهية فإن الشاعر أراد بها الصغر ، وأن حتف الإنسان قد يكون بصغير الأمر الذي لا يأبه له ولا يترقب ، وأما فوق (جبيل) سامق الرأس ، فإنما أراد دقيق الرأس وإن كان طويلا فصغره لدقته ، وأنه إذا كان كذلك فهو أشد لصعوده. وأما (أخي) و (صدّيقي) فإنما يراد به لطف المنزلة ، واللطيف من المنازل في الصداقة والأخوة ، إنما يمدح فيه أنه يصل بلطافة ما بينهما إلى ما لا يصل إليه العظيم فهو من باب التصغير والتلطف لا من باب التعظيم.

قال سيبويه : اعلم أن التصغير إنما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة على (فعيل) و (فعيعل) و (فعيعيل) ، فأما (فعيل) فهو تصغير كل ما كان على ثلاثة أحرف من أي بناء كان كقولك : (فلس) و (فليس) ، و (جمل) ، و (جميل) و (قفل) و (قفيل) ، وكذلك سائر الأبنية الثلاثية.

وأما (فعيعل) فهو تصغير كل بناء كان على أربعة أحرف من أي بناء كقولك في (جعفر) : (جعيفر) ، وفي (مطرف) : (مطيرف) ، وفي غلام : (غليّم) ، وفي سيطر : (سييطر) ، وفي علبط : (عليبط) ولا يختلف في ذلك شيء مما هو على أربعة أحرف.

وأما (فعيعيل) فهو على وجهين ، أحدهما أن يكون تصغير شيء على خمسة أحرف ، والرابع منها واو أو ألف أو ياء ، فالواو قولك : (صندوق) و (صنيديق) ، و (قربوس) و (قريبيس) ، و (كردوس) و (كريديس) والألف قولك : (مصباح) و (مصيبيح) ، و (كرباس) و (كريبيس) ، وأما الياء ف (قنديل) و (قنيديل) ولا تبالي اختلاف الأبنية في ذلك.

والوجه الثاني أن تصغر شيئا على خمسة أحرف وليس رابعها واوا ولا ياء ولا ألفا فتحتاج أن تحذف منها حرفا فتصغره كما تصغر ما كان على أربعة أحرف ثم تعوض من المحذوف ياء كقولك في تصغير : (سفرجل) (سفيرج) ، وفي (فرزدق) (فريزد) ، وإن شئت قلت : (سفيريج) و (فريزيد) فتعوض.

قال أبو سعيد : ما ذكره سيبويه في أصل الباب : أن التصغير في الباب على ثلاثة أمثلة ، (فعيل) ، و (فعيعل) ، و (فعيعيل) ، ولو ضم إلى هذا وجها رابعا لكان يشتمل على التصغير كله ، وذلك (أفيععال) ، نحو قولنا : (أجمال) و (أجيمال) ، و (أنعام) ، و (أنيعام)

١٦٥

وسائر ما كان على (أفعال) من الجمع ، وأما (فعيلان) و (فعيلاء) و (فعيلى) ، وما كان في آخره هاء التأنيث ، فصدور هذه الأشياء من الثلاثة التي ذكرها ، وإنما النقص في (أفيعال) ، فإن قيل لم وجب ضم أول المصغر؟

قيل له : لأنّا إذا صغرنا فلا بد من تغيير المكبر عن لفظه بعلامة تلزم ، للدلالة على التصغير وأن الضم أولى بذلك ؛ لأنهم قد جعلوا الفتحة للجمع في قولهم : (مساجد) ، و (ضوارب) و (قناديل) وما أشبه ذلك ، فلم يبق إلا الكسر والضم ، واختاروا الضم ؛ لأن الياء علامة التصغير ، ويقع بعد الياء حرف مكسور ، فيما زاد على ثلاثة أحرف كقولهم : (عقيرب) و (عتيّق) ، فلو كسروا أوله لاجتمعت كسرتان وياء فعدلوا عنها لثقل ذلك إلى ما يقاوم الياء والكسرة مما يخالفهما.

وقال بعض النحويين : لما كان المكبر على أبنية هي في الأصل غير محتاجة إلى إحداث علامة تدل على التكبير ؛ لأن العلامات يجلبها تغيير الكلام عن أصوله.

وكان التصغير حادثا في المصغر لما بيّناه من نيابة عن الصفة احتيج له إلى علامة فشبه ذلك بما لم يسم فاعله من الفعل ؛ لأن الذي يسمى فاعله على الأصل وهو على أبنية مختلفة كقولك : (ضرب) و (علم) و (ظرف) ، فإذا جعل لما لم يسم فاعله ، ألزموه بناء واحدا وألزموا الضمة أوله فقالوا : (ضرب) و (علم) و (ظرف) في هذا المكان فالمكبر كالفعل الذي سمي فاعله ، والمصغر كالفعل الذي لم يسم فاعله. وقال بعض النحويين : الضم يجعل علامة لشيئين كقولك : (نحن) ؛ لأنه اسم المتكلم وغيره فضم من أجل ذلك ، وما لم يسم فاعله يدل على فاعل محذوف ومفعول مذكور ، والتصغير يدل على الاسم المكبر ، وعلى صفة له محذوفة ؛ لأنا إذا قلنا : " كليب" ، كأنا قلنا : (كلب صغير).

واعلم أن التصغير في ما جاوز ثلاثة أحرف كالجمع إلا أن علامة التصغير تلزم طريقة واحدة والجمع له مذاهب وضروب ، فإذا جمع الشيء وهو على أربعة أحرف فبقيت حروفه في الجمع فهو بمنزلة التصغير إلا أن علامة الجمع فتح أوله وألف ثالثة تقع موقع ياء التصغير ، تقول في درهم : (دريهم) وفي مغتسل : (مغيسل) ، كما تقول في الجمع (دراهم) و (مغاسل) ، وتقول في مصباح (مصيبيح) كما تقول في الجمع : (مصابيح) و (صنيديق) ك (صناديق) لا خلاف بينهما إلا فيما ذكرت ذلك من الفتح والضم والألف والياء.

١٦٦

هذا باب تصغير ما كان على خمسة أحرف ولم يكن رابعه شيئا مما

كان رابع ما ذكرنا

يعني ولم يكن رابعه واوا ولا ياء ولا ألفا كقولك : (فرزدق) ، و (سفرجل) و (قبعثرى) و (جحمرش) و (صهصلق) فتحقر العرب هذه الأسماء" سفيرج" و" فريزد" و" قبيعث" و" صهيصل" ، وإنما حملهم على حذف حرف منها ، أنهم إذا جمعوا ثقل أن يأتوا بالحروف كلها ، مع ثقل الجمع ، وأنه جمع لا ينصرف وإن انصرف دخله التنوين ، فيصير النصف الثاني من الاسم أكثر من الأول وحق الصدر أن يكون أقوى من الأخير ، وهم إذا صغروا الثلاثي وقعت ياء التصغير ثالثا وقبلها حرفان وبعدها حرف ك (كليب) و (فليس) ، وإذا صغروا الرباعي وقعت ياء التصغير في الوسط ؛ لأنه ثلاثة أحرف لا يمكن قسمتها بنصفين ، فجعلوا القسم الأوفر في الصدر ، فعلمنا أن الصدر أولى بالتقوية ، فلما جمعوا وصغروا وقد وجب وقوع ألف الجمع وياء التصغير ثالثة كرهوا أن يتموا الحروف فيكون القسم الأخير أكثر من الأول فحذفوا حرفا منهما ، وكان أولى الحروف بالحذف الأخير إذا كانت الحروف كلها أصلية ؛ لأن الذي أوجب الحذف هو الأخير ، وذلك أن الحرفين اللذين في الصدر مضيا على القياس المطرد في تصغير الثلاثي والرباعي والحرف الذي بعد ياء التصغير هو في الثلاثي أيضا والحرف الرابع في الرباعي والخامس هو الذي لا نظير له فيما تقدم من التصغير فكان أولى بالحذف.

وحكى سيبويه عن بعض النحويين : (سفيرجل) وفي الجمع : (سفارجل) فقال الخليل : لو كنت محقرا هذه الأسماء ولا أحذف منها شيئا كما قال بعض النحويين لسكنت الذي قبل الأخير فقلت : (سفيرجل) بتسكين الجيم حتى يصير بوزن (دنينير) ؛ لأن قبل الآخر الياء الساكنة حتى تصير الجيم مثل الياء.

هذا باب تصغير المضاعف الذي قد أدغم أحد الحرفين منه في الآخر

قال سيبويه : وذلك (مدقّ) ، و (أصمّ) ، إذا صغرته قلت : " مديقّ" و" أصيمّ" ، كما تقول في الجمع : (مداقّ) و (أصام) ؛ لأن هذه الياء في التصغير بمنزلة الألف وإن نقص مدها عن مد الألف بانفتاح ما قبلها ؛ لأن الياء الساكنة فيها (مد) ، وإن فتح ما قبلها.

١٦٧

ألا ترى أن الشاعر إذا قال قصيدة قبل آخرها ياء ساكنة قبلها فتحة كانت مردفة فلزمه أن يأتي بها في جميع القصيدة كقول الشاعر :

ومهمهين قذفين مرتين

ظهراهما مثل ظهور التّرسين (١)

هذا باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف

ولحقته الزيادة للتأنيث صارت عدته مع الزيادة أربعة أحرف

قال سيبويه : وذلك نحو" حبلى" و" بشرى" و" أخرى" فتقول : (حبيلي) و (بشيري) و (أخيري) ، وإنما تثبت ألف التأنيث ؛ لأن الكلمة مع الألف أربعة أحرف ، ولا يحذف في التصغير من الأربعة شيء ، وفتحوا الحرف الذي بعد ياء التصغير ؛ لأن ألف التأنيث يفتح ما قبلها فصارت : (حبيلي) بمنزلة (حبيلة) ، ولو كانت الألف لغير التأنيث انقلبت ياء ؛ لأنك تكسر ما بعد ياء التصغير ، كما تكسره في الرباعي من الأسماء ، كقولك : (جعيفر) و (عقيرب) ، فتنقلب الألف ياء كقولك في مرمى : (مريم) وفي أرطى : (أريط) وفي معزى : (معيز) ، ولم يقلبوا في (حبيلي) و (بشيري) ؛ لأن ألف التأنيث كهاء التأنيث بفتح ما قبلها. وقد تجيء أسماء في آخرها ألف التأنيث للعرب فيها مذهبان : منهم من يجعل الألف للتأنيث فيجريها على حكم (حبلى) ومنهم من يجعلها لغير التأنيث فيجريها على حكم الألف التي ينكسر ما قبلها وتنقلب ياء وذلك : (علقى) و (ذفرى) ، و (تترى) ، منهم من ينون هذه الأسماء فتكون الألف لغير التأنيث ؛ لأن الألف التي للتأنيث لا يدخلها تنوين فتقول : (عليق) و (ذفير) و (تتير) ، ومنهم من يقول : هذه (علقى) و (ذفرى) و (تترى) فلا ينون فتقول في تصغيره : هذه (عليقى) و (ذفيرى) و (تتيرى) يا فتى بغير تنوين ، وإذا كانت الألف خامسة للتأنيث أو لغير التأنيث وهي مقصورة قبلها أربعة أحرف أصول حذفتها ، فأما التي للتأنيث فقولك في (قرقرى) (قريقر) ، وأما التي لغير التأنيث فقولهم في (حبركى) : (حبيرك) ، وإنما حذفوا هذه الألف ؛ لأن المصغر إذا كان على خمسة أحرف ، ولم يكن الحرف

__________________

(١) البيتان من مشطور الرجز ، وهما في ابن يعيش : ٤ / ١٥٥ ، ١٥٦ ، والخزانة : ٣ / ٣٧٤ ، الكتاب : ٣ / ٦٢٢ ، والمخصص ٩ / ٧.

١٦٨

الرابع حرف مد ولين حذف منها حرف ، والحرف الأخير زائد فهو أولى بالحذف في المؤنث ، وفي غير المؤنث مما ذكرنا ، هو أولى بالحذف لأنه زائد.

فإن قال قائل : فلم لا تحذفون الألف الممدودة للتأنيث وهاء التأنيث إذا كان قبلها أربعة أحرف كقولهم في (خنفساء): " خنيفساء" وفي (سلهبة): " سليهبة".؟

قيل له : هاء التأنيث والألف الممدودة متحركتان فصار لهما بالحركة مزيّة وصار مع الألف كاسم ضم إلى اسم ومثلهما ياء النسبة والألف والنون الزائدتان ، كقولنا في زعفران : (زعيفران) وفي سلهبة : (سليهبة) والمقصورة هي حرف ميّت للسكون الذي يلزمها فحذفت ؛ لأنها لم تشبه الاسم الذي يضم إلى اسم.

هذا باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف

ولحقته ألف التأنيث بعد ألف فصار مع الألفين خمسة أحرف

قال سيبويه : وهو ما كان ألف التأنيث فيه ممدودة ، وباب ذلك أن تصغر الصدر ، ثم تزيد فيه الألف الممدودة كأنها كالهاء لاشتراكهما في الحركة وذلك قولك في (حمراء) و (صفراء) و (طرفاء) : (حميراء) ، و (صغيراء) و (طريفاء). ومثله (فعلان) الذي له (فعلى) الألف والنون فيه كألفي (حمراء) فتقول في (غضبان) : (غضيبان) وفي (سكران) (سكيران) ؛ لأنه يجري مجرى (حمراء) و (صفراء) وعدة حروفهما ، ونظم الحركات فيهما سواء.

فإن جاء بعد ذلك ما كان فيه ألف ونون قبلها ثلاثة أحرف غير (فعلان) الذي له (فعلى) ، فإنك تعتبر جمعه ، فإن كانت الألف منه تنقلب ياء في الجمع قلبتها في التصغير ، وإن كانت لا تنقلب لم تقلبها ياء ، وذلك في قولك في (سرحان): (سريحين) ، وفي (ضبعان) : (ضبيعين) وفي (حومان) : (حويمين) وفي (سلطان): (سليطين) وفي (فرزان) (فريزين) ؛ لأنك تقول في الجمع (سراحين) ، و (ضباعين) ، و (حوامين) و (سلاطين) ، وتقول : (فرازين) ومن قال : (فرازنة) فهو أيضا يقول : (فريزين) ؛ لأن الهاء في فرازنة بدل من الياء في فرازين ، كما أنهم يقولون : (جحجاح) و (جحاجحة) و (زنديق) و (زنادقة).

وهو في التصغير : (جحيجيح) و (زنيديق) ؛ لأن الهاء في الجمع بدل من الياء ،

١٦٩

وتقول في ما لم تقلب في جمعه الألف ياء : (عثمان) و (عثيمان) وسعدان و (سعيدان) وما أشبه ذلك. لأنهم يقولون : (عثمان) و (عثمانون) وسعدان و (سعدانون) ، وتقول في تصغير عريان : (عريّان) ؛ لأنك تقول في جمعه : (عراة) و (عريانون). فإن جاء شيء من هذا الباب في آخره ألف ونون ، ولم تدر كيف تجمعه العرب ، لم تقلب الألف ياء في التصغير كقولك : (مروان) و (مريّان) و (رعيان) و (رعيّان) ، والفرق بين ما قلب فيه الألف ياء وبين ما لم تقلب أن الذي تقلب فيه الألف ياء يجعلون النون فيه للإلحاق ، والذين لا يقلبون الألف فيه ياء يجعلونهما بمنزلة ألفي التأنيث فجعلوا (سرحان) ملحقا ب (سربال) وكرباس) ، وجعلوا النون فيه بمنزلة الألف ، فكما يقال : (سريبيل) وـ كريبيس) ، وجب أن يقال : (سريحين) وكذلك (ضبعان) و (فرزان) ، وجعلوا (سلطان) النون فيه ملحقة بسين (قرطاس) ، فمن حيث قالوا : (قريطس) قالوا : (سليطين).

فإن قال قائل : وأنتم تقولون في تصغير (ورشان) : (وريشين) وفي (حومان) : (حويمين) ، وليس في الكلام حرف أصلي ملحق به نون (ورشان) ؛ لأنه ليس في الكلام (فعلال) بفتح العين.

فالجواب عن ذلك أنهم ألحقوا الجمع والتصغير بجمع ما فيه الحرف الأصيل وتصغيره ، ولم يلحقوا به الواحد ، فكأن (وراشين) و (ورشين) ملحقين ب (سرابيل) و (سريبيل).

ولو سميت رجلا ب (سرحان) أو غيره مما ذكرنا لم يتغير بتصغيره وجمعه وقلت في رجل اسمه (سرحان) : (سريحين) وفي رجل اسمه" معزى" : (معيز) ولم تقل : (سريحان) ولا (معيزى) ، و (سرحان) اسم رجل ، و (معزى) لا ينصرفان في التكبير ، وإذا صغرتهما انصرفا ؛ لأن الذي منع من الصرف لفظ الألف والنون في آخر (سرحان) ، ولفظ الألف في آخر (معزى) ، وإذا صغرت انقلبت الألف ياء فانصرف ، وقد تقدم هذا في موضعه.

ومما يشبه (سرحان) و (سريحين) قولهم في (علباء) و (حرباء) : (عليبي) و (حريبّي) ؛ لأنه في الأصل (علياي) و (حرباي) ملحقين ب (سربال) و (كرباس) ، فهو بمنزلة حرف أصلي ، وتقول في الجمع : (علابيّ) و (حرابيّ) ، وتقول في (سقّاء) : (سقيقيّ) وفي (قلاء) : (مقيليّ) ؛ لأن (سقاء) (فعّال) ، و (مقلاء) : (مفعال) تقول : (جميميل) و (معيطير) ، وقد

١٧٠

يجيء من الممدود ما للعرب فيه مذهبان.

بعض يذهب إلى أن المدّة للتأنيث فيجريه مجرى المؤنث الممدود.

وبعض يذهب إلى أنه لغير التأنيث فتصغيره على حسب ذلك قولهم : (غرغاء) منهم من يقول : هؤلاء" غوغاء" فلا ينونه ويجعله بمنزلة (عوراء) فإذا صغر قال : (غويغاء) ، كما يقولون : (عويراء) و (حميراء) ؛ لأن الألف للتأنيث ، ومنهم من يقول : هؤلاء (غوغاء) فيجعله" فعلال" بمنزلة (قضقاض) وأصله (غوغاو) ، وتنقلب الواو همزة ، ويصرفه كما يصرف (قضقاضا) ونحوه.

وفي (قوّباء) لغتان : من العرب منهم من يقول : (قوباء) فيفتح الواو والألف للتأنيث في هذه اللغة لا غير ، فيقول في تصغيره : (قويباء) ، ومنهم من يقول : (قوياء) فيسكن الواو ويصرفه والهمزة لغير التأنيث منقلبة من ياء ملحق ب (قرطاس) كان أصله : (قوياي) بمنزلة (قرطاس) و (فسطاط) ، فإذا صغر قال : (قويبي) كما يقول : (قريطيس).

وقال سيبويه : " وأما" ظربان" فتحقيره" ظريبان" ، كأنك كرسته على" ظرباء" ، ولم تكسّره على" ظربان".

ألا ترى أنك تقول : " ظرابيّ" كما تقول : " سلفاء" و" صلافيّ" ، ولو جاء شيء من" صلفاء" كانت الهمزة للتأنيث لا يكون من باب (علباء) ، و (حرباء) ، ولم تكسره على" ظربان" ، ألا ترى أن النون قد ذهبت فلم تشبه ب" سريال" حيث لم تثبت في الجمع كما تثبت لام" سريال" وما أشبه ذلك".

يريد أن (ظربان) لا يجوز أن يكون ملحقا ؛ لأنه ليس في الكلام" فعلال" فلما جمعته العرب على (ظرابيّ) علمنا أنهم لم يجعلوا الجمع ملحقا كما لم يجعلوا الواحد ملحقا بواحد ، وقد عرفتك أنهم جعلوا جمع" ورشان" وتصغيره ملحقين بجمع" سريال" وتصغيره فوجب أن يقال : (ظريبان) وكان جمعهم إياه على (ظرابيّ) ؛ لأنهم جعلوا النون كالبدل من ألف ، وقد مضى هذا في موضعه فاعرفه إن شاء الله تعالى.

هذا باب تحقير ما كان على أربعة أحرف

فلحقته ألف التأنيث بعد ألف أو لحقته ألف ونون

قد تقدم أن ما لحق الاسم في آخره من ألف ونون أو ألف ممدودة للتأنيث أو ياء

١٧١

النسبة فإن التصغير يقع على الصدر كأنه لا زائد في آخره ، ثم يلحق بعد التصغير الزائد كقولك في : " خنفساء" : (خنيفساء) وفي (عنصلاء) ، و (قرملاء): " عنيصلا" و" قريملا" كما تقول في (عثمان) و (سعدان): " عثيمان" و" سعيدان" ، وفي" مهريّ" و" كرسي" : (مهيريّ) و (كريسييّ) ؛ لأن هذه الألف الممدودة للتأنيث لما لحقتها الحركة صارت بمنزلة الهاء.

وخالفت (قرقرى) و (قهقرى) وما أشبه ذلك ، وكذلك الألف والنون في (عصريان) و (عنفوان) لتحركها وتقول في (أقحوانة) و (عنظوانة) : (أقيحيانة) و (عنيظيانة) ، كأنك حقرت (عنظوانا) و (أقحوانا). وإذا حقرت (عنظوانا) و (أقحوانا) فكأنك حقرت (عنظوة) و (أقحوة) ، لأنك تجري الألف والنون مجرى هاء التأنيث ، فتصغر ما قبل هاء التأنيث فيصير : (عنيظيّ) و (أقيحيّ) ، ثم تدخل الألف والنون فيصير : (عنيظيان) و (أقيحيان) ، وتقول في" أسطوانة" إذا صغرتها : (أسيطينة) لقولهم : (أساطين) كما قلت : (سريحين) حيث قالوا : (سراحين) فلما كسّروا الاسم بحذف الزيادة وثبات النون حقرته عليه وقد مضي الكلام في الفرق بين (سريحين) و (عثيمان) بما أغنى عن إعادته.

هذا باب ما يحقر على تكسيرك إياه

لو كسرته للجمع على القياس لا على المكسر للجمع على غيره

قال سيبويه : وذلك قولك في (خاتم) : (خويتم) ، وفي (طابق) : (طويبق) و (دانق) : (دوينق).

والذين قالوا : (دوانيق) و (خواتيم) و (طوابيق) ، إنما جعلوه تكسير" فاعال" وإن لم يكن في كلامهم كما قالوا : (ملامح) ، والمستعمل في الكلام (لمحة) ولا يقال : (مليحة) غير أنهم قد قالوا : (خاتام) حدثنا بذلك أبو الخطاب وسمعنا من يقول ممن يوثق به : (خويتم) ، وإذا جمع قال : (خواتيم).

قال أبو سعيد : اعلم أن (دانقا) و (خاتما) و (طابقا) قياس الجمع فيه أن يكون على (خواتم) و (دوانق) و (طوابق) ؛ لأنك إذا جمعت جئت بألف الجمع ثالثة ، فتقع بعد ألف (خاتم) و (طابق) و (دانق) فتنقلب الألف فيهن واوا كما نقول في (فارس): " فوارس" ، وتكسر ما بعد ألف الجمع ، وهو النون في (دانق) ، والباء في (طابق) ، والتاء في (خاتم) ، ولم يكن في الواحد بعد هذه الحروف ألف ولا ياء ولا واو. فلم تحتج إلى الياء التي في

١٧٢

(خواتيم) و (طوابيق) و (دوانيق) ، فلما تكلمت العرب بذلك صار بمنزلة جمع على غير الواحد وهو نحو قولهم : (لمحة) و (ملامح) و (حسن) و (محاسن) و (شبه) و (مشابه) ، وهذه الجموع ليست بمجموع هذه الأسماء على ما يوجبه القياس.

فقدر النحويون أنها جمع (ملمحة) و" محسن" و" مشبه" ، وإن كانوا لم يستعملوا هذه الألفاظ في الواحد.

وكذلك قدروا أن (دوانيق) جمع (داناق) و (خواتيم) جمع (خاتام) و (طوابيق) جمع (طاباق) وإن لم تكن تستعمل ذلك ، غير أنه قد جاء" خاتام" عن بعض العرب ، وحكاه سيبويه عن أبي الخطاب وروي فيه شعر وهو :

فقل لذات الجورب المشتّق

أخذت خاتامي بغير حقّ (١)

وحي (داناق) من يحث لا يعمل عليه ، فقال سيبويه : فلو صغرنا هذه الأسماء على ما يوجبه القياس لقلنا : (خويتم) و (دوينق) و (طريق) على ما يوجبه قياس الجمع لا على هذا الجمع الشاذ ، وهذا معنى قوله : لا على التكسير للجمع على غيره أي على القياس.

وقد استدل على ذلك بأنه سمع من العرب من يقول (خويتيم) فإذا جمع قال : (خواتيم) فدل ذلك على أن الجمع ل" خاتام" وأنه شاذ. وقوى ذلك أيضا بما ذكر عن يونس ، أن العرب تقول : (خواتيم) و (طوابق) و (دوانق) على (فواعل) كما قالوا : (تابل) و (توابل).

ثم قال : ولو قلت : (خويتيم) و (دوينيق) على قياس (خواتيم) و (دوانيق) وتركت القياس فيه من أجل ذلك لوجب أن تقول في (أثفية) : (أثيفية) ؛ لأن العرب قد قالت : " أثاف" ، وكذلك ، في (معطاء) : (معيط) ؛ لأن العرب قد قالت : (معاط) ، وفي (مهرية) : (مهيرية) كقولهم : (مهارى) حين حذفوا إحدى الياءين ، والذي يقال في تصغيره (أثيفيّة) ، و (معيلي) و (مهيريّة) على ما يوجبه القياس ، ولم يعمل في التصغير على الجمع ؛ لأن الذي لحق الجمع في بعضه شاذ. وفي بعضه وهو (أثاف) و (مهارى)

__________________

(١) البيتان في المقتضب ٢ / ٢٥٨ ابن يعيش : ٥ / ٥٣ ، واللسان (ختم).

١٧٣

تخفيف ، لكثرة استعمالهم الجمع ، وهم إلى تخفيفه أحوج ، ثم قوى سيبويه الشذوذ في (طوابيق) و (دوانيق) بأن قال : قد جاء مثل هذا الشذوذ في التصغير من قول بعض العرب قال في تصغير (صفير) : (صفيّير) وفي درهم" دريهيم" كأنه حقر" درهاما" و" صفيارا" وليس ذا في كل شيء إلا أن تسمع شيئا فتتبع العرب فيه كما قالوا في تصغير (رجل) : (رويجل) فحقروه على راجل وإنما يريدون الرجل.

هذا باب ما يحذف في التحقير من بنات الثلاثة من الزيادات

لأنك لو كسرتها للجمع لحذفتها

قال سيبويه :

وذلك قولك في (مغتلم) : (مغيلم) كما قلت : (مغالم) فحذفت حين كسرت الجمع ، وإن شئت قلت : (مغيليم) فألحقت الهاء عوضا مما حذفت كما قال بعضهم : (مغاليم). وكذلك (جوالق) ، إن شئت قلت : (جويلق) وإن شئت قلت : (جويليق) كما قالوا : (جواليق) فالعوض من قول يونس والخليل.

قال أبو سعيد : قد تقدم القول إن الاسم إذا كان على خمسة أحرف أصول فصغرناه حذفنا الحرف الأخير منه فإن كان في الخمسة زائد ، فالزائد أولى بالحذف أين كان. وإذا كان في الخمسة حرفان زائدان فقد يستويان في الحذف فيكون المصغّر مخيرا في حذف أيهما شاء ، وقد يكون أحدهما أولى بالحذف من الآخر. وسترى ذلك من مواضعه.

فمن ذلك (مغتلم) الميم والتاء زائدتان ؛ لأنه من (الغلمة) غير أن الميم أقوى من التاء وألزم من جهات : فمنها أن هذه التاء لا تكون في اسم إلا ومعها الميم زائدة ، وقد تكون الميم زائدة بلا تاء ، ألا ترى أنك تقول : (مكرم) و (مفلح) ، وفيه ميم زائدة ، ولا تكون التاء زائدة إلا مع الميم فصارت الميم أولى إذ لو حذفنا الميم أبقيت التاء بلا ميم وذلك غير موجود.

وجهة ثانية : أن الميم تدخل لمعنى فاعل أو مفعول والتاء داخلة لغير معنى محتمل ، فكأن الزائد لغير معنى أولى بالحذف لئلا يسقط الدال على المعنى ، ولنا في غيره فسحة.

وجهة ثالثة : أن الميم أول والأوائل أقوى من الأوساط ، والأوساط أقوى من

١٧٤

الأواخر ، وعلى هذا إذا صغرت كل ما كان على (مفتعل) تكون التاء أولى بالحذف ، وإن صغرت شيئا على (منفعل) فالنون أولى بالحذف كتكسيرك (منطلقا) و (منكسرا) تقول فيه (مطيليق) و (مكيسير) والعلة في حذف النون دون الميم ، كالعلة في حذف التاء ، وإذا صغرت (مدّكرا) قلت : (مذيكر) ؛ لأن (مدكرا) (مفتعل) من" دكر" والدال الثانية هي تاء (مفتعل) فوجب حذفها ، والدال الأولى أصلها ذال فعادت إلى الذال.

وإذا حقرت (مزدان) وهو (مفتعل) من زان يزين ، وقد انقلبت التاء دالا حذفت الدال ، فبقي" مزان" فقلت : (مزيّن) ، وإذا حقرت : (مختارا) حذفت التاء فبقي (مخار) فقلت : (مخيّر) ، وإن شئت عوضت في ذلك كله فقلت : (مذيكير) و (مزيين) و (مخيير). وكذلك في الجمع تقول في جمع (منطلق) و (مدكر) و (مزدان) و (مختار) : (مطالق) و (مذاكر) و (مزاين) و (مخاير) وإن عوضت قلت : (مطاليق) و (مزايين) و (مخايير) ، وإذا صغرت (المقدم) و (المؤخر) قلت : (مقيدم) و (مؤيخر) ؛ لأن إحدى الدالين زائدة ، وموقعها موقع التاء من (مغتلم) فهي أولى بالحذف من الميم ، وإن شئت عوضت فقلت : (مقيديم) و (مؤيخير) ، كما قالوا : (مقاوم) و (مقاويم) ، ولا يجوز أن تدع الدال مشدّدة والميم مبقّاة فتقول : (مقيدّم) كما لا تقول في الجمع : (مقادم) ؛ لأنهم يحذفون من الأصل إذا كان على خمسة أحرف حرفا فكيف يقرون ما هو زائد. وقد مضى الكلام في نحوه ، وتقول في (محمّر): " محيمر" و" محيمير" ، وكذلك في جمعه : (محامر) و (محامير) ، وتقول في (محمار) : (محيمير) ، لأنك إذا حذفت إحدى الراءين بقيت ألف (محمار) رابعة في خمسة أحرف.

وتقول في تحقير (حمارّة): " حميرّة" ، كأنك حقرت (حمرّة) ؛ لأنك لو كسرت (حمارة) للجمع قلت : (حمار) ؛ لأن في (حمارة) زائدين الألف ، وإحدى الراءين فحذفت الألف ؛ لأن موقعها موقع ما لا يكون إلا زائدا وموقع الراء المزيدة موقع ما يكون أصليّا ، ألا ترى أنك تقول : (دابّة) و (دوابّ) ، و (مدقّ) ، و (مداقّ) ، فالألف زائدة ، والباءان والقافان أصليتان ، ولم تقل (حمائر) كما لا تقول : (سفارجل). وقد مضي الكلام في حذف ما كان على خمسة أحرف ، إلا أن يكون الرابع من حروف المد واللين ، وأنا أقدم أصلا فيما يحذف أحد زائديه ليسهل الباب فيه ويدل عليه.

اعلم أنه إذا كان الزائد في خمسة أحرف ولم يكن أحدهما رابعا حرف مد ولين

١٧٥

وجب حذف أحدهما ، وفي بعض ذلك أنت مخير في حذف أيهما شئت ، وفي بعضه أحد الزائدين أولى بالحذف.

فمن ذلك أن يكون أحد الزائدين أوّلا إما ميما ، أو همزة ، أو ياء ، فالزائد الذي ليس بأوّل أولى بالحذف كقولك في (مغتسل) ، و (منطلق) ، و (محمّر) ، و (مقدّم): " مغيسل" و" مطيلق" و" محيمر" و" مقيدم".

تقول في (ألندد) (١) و (أرندج) و (يلندد) و (يرندج)." أليدّ" و" بليدّ" و" أريدج" و" يريدج" ، فتحذف النون ، ويبقى الحرف الأول وإنما كان كذلك ؛ لأن الأوائل أقوى من الأعجاز وأمكن ؛ ولأنها تدخل للمعاني ؛ لأن الميم تدخل للفاعل والمفعول والهمزة والياء يدخلان في أول الفعل المضارع للمتكلم والغائب كقولك : (أذهب) ، و (يذهب).

ومنه أن يدخل أحد الزائدين للإلحاق فيصير بمنزلة الأصلي ثم يدخل بعد ذلك الزائد الثاني (فيكون بالحذف) أولى كقولك في تصغير (عفنجج) : (عفينجج) ؛ لأن النون تقدّر دخولها على (عفنجج) بعد إلحاقه ب (جعفر) فصارت النون في دخولها على (عفجج) بمنزلة زائد دخل على أصلي.

وفي بعض ذلك خلاف وأنا أذكره إن شاء الله تعالى.

قال سيبويه : تقول في" مغدودن" : (مغيدين) إن حذفت الدال الآخرة كأنك حقرت" مغدونا" ، وإن حذفت الدال الأولى فهي بمنزلة (جوالق) كأنك حقرت (مغودنا).

ومعنى ذلك : لأن إحدى الدالين زائدة يجوز أن تكون الأولى أو الثانية ، فإن جعلناها الثانية وحذفناها وقعت الواو رابعة ، فيما هو على خمسة أحرف قلت : (مغيدين) وإن حذفت الأولى بقي (مغودن) فوجب أن تقول : (مغيدين) ؛ لأن الواو زائدة وهي أولى بالحذف من الميم وصار بمنزلة (جوالق) تحذف الألف ؛ لأنها ثالثة وهي أولى بالحذف من الواو.

وإذا حقرت" خفيددا" قلت : (خفيدد) و (خفيديد) إذا عوضت والياء أولى بالحذف من أحد الدالين ؛ لأنها موضع الألف من (عذافر) و (جوالق) والدال للإلحاق

__________________

(١) ألندد : شديد الخصومة مثل الألد.

١٧٦

فيصير بمنزلة (قردد) ثم تدخل عليها ياء فألحقتها بالخمسة.

وإذا حقرت" غدودنا" قلت : (غديدن) وكانت الواو أولى بالحذف لوقوعها ذلك الموقع ؛ لأن الدال من الحروف الأصلية فلها قوة في التبقية ، وتقول في" قطوطى" : (قطيط) ، و (قطيطيّ) لأنه بمنزلة" غدودن"

قال أبو سعيد : جعله سيبويه (فعوعلا) مثل (عثوثل). وكان أبو العباس المبرد يقول : أن تجعله على (فعلعل) أقيس ؛ لأن (فعلعلا) في الكلام أكثر من (فعوعل) كقولك : (صمحمح) و (مكمك) ، وقول سيبويه في (قطوطي) أولى ؛ لأن (القطوطي) هو البطيء في مشيته ، ويقال له (قطا يقطو) إذا مشي مثل مشي (القطاة) و (القبج) وما أشبه ذلك.

قال المتنخل :

كالحجل القواطي (١)

وذكر أنه يقال : (اقطوطا) و (أقطوطا) هو (افعوعل) لا غير ؛ لأنه ليس في الكلام (افعاعل) فلما كان (أفعوعل) كان جعل (قطوطا) (فعوعلا) أولى لأنه منه.

وإذا حقرت (مقعنسسا) حذفت النون وإحدى السينين وقلت : (مقيعس) وقال أبو العباس المبرد : تصغيره (قعيسس) ؛ لأنه ملحقه ب (محرنجم).

وقول سيبويه : أجود لأن إحدى السينين وإن كانت للإلحاق فهي زائدة إلا أن لها قوة الإلحاق وللميم قوتان إحداهما أنها أول والأخرى أنها لمعنى فهي أولى بالترقية.

فإذا حقرت (معلوطا) قلت : (معيليط) لا غير ؛ لأن الواوين زائدتان ، فتحذف إحداهما ، وتبقي الاسم على خمسة أحرف والرابع من حروف المد واللين فلا يحذف.

وإذا حقرت (عطوّدا) قلت : (عطيّد) و (عطييّد) والأصل (عطيود) و (عطيويد) وفي جمعه (عطاود) و (عطاويد) ، كأن سيبويه أسقط الواو الأولى من الواوين ؛ لأنها مخالفة ، وهي في موضع ألف (عذافر) وياء (حفيد) ، وياء (سميدع) ، وواو (فدوكس) ، وكأنه ألحق أولا ببنات الأربعة فقيل" عطود" ثم زيدت عليه واو ثالثة ساكنة فصار (عطوّدا) كما قيل : (عدبّس) و (عجنس) فثقل بزيادة حرف أدخل على ذوات الأربعة.

وإن أبو العباس المبرد يقول : (عطيود) ؛ لأنه لم يحذف إحدى الواوين وذكر أن

__________________

(١) انظر أشعار الهذليين : ٣ / ١٢٦٦ ـ ١٢٦٧.

١٧٧

الواو الثانية لما كانت زائدة وهي رابعة صارت بمنزلة (مسرول) وسيبويه يقول في (مسرول) : (مسيريل) فجعل الواو الزائدة المتحركة بمنزلة الواو الساكنة ولم يحذفها ، والقول ما قال سيبويه للأصل الذي قدمته.

وإذا حقرت (عثولا) وما جري مجراه ، مما ثالثه واو ولامه مشددة ، على هذا البناء قلت فيه (عثيّل) و (عثيّل) ، وفي الجمع (عثاول) و (عثاويل) و (عثول) أصله من (عثل) ألحق ب (جردحل) وبنائه من ذوات الخمسة فإذا حقرته كان مذهب سيبويه أن حذف إحدى اللامين أولى من حذف الواو فيبقى (عثول) فيقال : (عثيّل) وأصله" عثيول".

قال : لأنهم جاءوا بهذه الواو لتلحق بنات الثلاثة بالأربعة فصارت عندهم ك (شين) (قرشب) وصارت اللام بمنزلة الزائدة في (قرشب) فحذفتها كما حذفت الياء حين قالوا : (قراشب) فحذفوا ما هو بمنزلة الياء وأثبتوا ما هو بمنزلة الشين وكذلك قول العرب وقول الخليل.

وقال أبو العباس وحكاه عن المازني أيضا أنه يقال : (عثيل) بحذف الواو ؛ لأنها زائدة كما أن اللام زائدة. ومن أكبر حجة لسيبويه حكايته أن ذلك قول العرب ولا يجوز خلافها.

قال : وإذا حقرت" ألندد" أو" يلندد" ومعناهما واحد حذفت النون ... وهو الشديد في الخصومة.

قال الطّرماح :

خصم أبرّ على الخصوم ألندد (١)

وهو على وزن" أفنعل" فإذا صغرته لم يكن بد من حذف حرف منها وفيه زائدان الألف والنون وبقي (أليدد) على (أفيعل) ، والدّالان أصلّيتان إحداهما عين والأخرى لام ، وأفعل إذا كان عين الفعل ولامه من جنس واحد أدغم كقولك في (أصم): " أصيمّ" فوجب أن نقول في ألبدد : (أليدّ).

وكان أبو العباس المبرد يقول : الصواب (أليدد) لأنه ملحق فصار بمنزلة (قردد) إذا صغرناه قلنا : (قريدد) ، ولم تدغم" قرددا" ، لأنه ملحق.

__________________

(١) انظر ابن يعيش : ٦ / ١٢١ ، وشواهد سيبويه : ٣ / ٤٣٠ ، واللسان : (لدد).

١٧٨

ولو سميت رجلا ب (ألبب) ثم حقرته لقلت : (أليبّ) ، وكان القياس أن يقال في (أليب): " ألبّ" لأنه (أفعل) من (اللّبّ) و (ألبب) شاذ وإنما قياسه أن يقال : (ألبّ) كما تقول : " أصمّ" و (أحبّ) ، و (ألبّ) كما تقول : (أشدّ) و (أجدّ) فإذا صغرته ردّ إلى الأصل في القياس ؛ لأن العرب لا تتكلم بتصغيره شاذا فيتبع الشذوذ من كلامها فيرد إلى الأصل.

وإذا صغرت (حيوة) اسم رجل قلت : " حييّة" ، و (حيوة) شاذ ؛ لأن الياء والواو إذا اجتمعتا والأول منهما ساكن قلبت الواو ياء فيقال : (حيّة) مكان (حيوه) ، فلما صغرت رددته إلى القياس فصار بمنزلة (صعوة) و (غزوة) في التصغير تقول : (صعيّة) و (غزيّة) ، وليس سلامة الواو في (حيوة) بأقوى من سلامتها في (غزوة).

وإذا حقرت" استبرق" قلت : " أبيرق" وإن شئت" أبيريق" لأن" استبرق" (استفعل) ، والسين والتاء زائدتان ، والهمزة أيضا زائدة ، ولا بد من حذف زائدين منها ، والسين والتاء أولى بالحذف ؛ لأن الهمزة أول ، وقد تقدم الكلام فيه.

وقال أبو إسحاق الزجاج كان أصل" استبرق" (استفعل) مثل" استخرج" ، والألف ألف وصل ، ثم نقل إلى الاسم ، فقطع الألف كما يلزم في مثل ذلك ، فإن قال قائل فلم جعلتم الألف والسين والتاء زوائد؟ قيل له : قد علمنا أن في" استبرق" الآن زائدا لا محالة ؛ لأنه على ستة أحرف أصول فوجب أن يكون فيه حرف زائد ، ولا يخلو أن يكون ذلك الزائد إما الألف وإما السين وإما التاء ؛ لأن باقي الحروف وهي الياء والراء والقاف ليس من حروف الزيادة ؛ فإن جعلنا الهمزة زائدة والسين والتاء أصليتين أو إحداهما أصلية خرج عن قياس كلام العرب ؛ لأن الهمزة لا تدخل أولا زائدة على ذوات الخمسة ولا على ذوات الأربعة فوجب أن تجعل التاء والسين زائدتين ، وإذا جعلناهما زائدتين لم يكن بد من أن تجعل الهمزة زائدة ؛ لأنها دخلت على ذوات الثلاثة أولا ، فحكم عليها بالزيادة فصار على استفعل ، ولما كان (استفعل) من أبنية الأفعال حكم عليها بأنه كان فعلا في الأصل وأنه نقل إلى الاسم.

وتقول في تصغير (ذرحرج) و (جلعلع) و (صمحمح) و (دمكمك) وما جري مجراه مما أعيد فيه عين الفعل ولامه (ذريرح) و (جليلع) ، و (صميمح) و (دميمك) ، وفي جمعه : (ذرارح) و (جلالع) ، وزعم يونس أنهم يقولون : (صمامح) و (دمامك) ، وحذفوا في التصغير اللام الأولى من لامي الفعل ، وهي من (ذرحرح) : الحاء الأولى ، ومن (جلعلع) :

١٧٩

العين الأولى ، ومن (صمحمح) : الحاء الأولى ، ومن (دمكمك) الكاف الأولى ، وإنما حذفوا لام الفعل الأولى ؛ لأنه لا بد من حذف حرف وفيه زائدان : إحدى اللامين وإحدى العينين ، فلو حذفوا الأخير من الكلمة وهو اللام" الثانية بقي آخر الكلمة عين الفعل ، فإذا صغرنا أو جمعنا قلنا في (ذرحرح) : (ذراحر) وفي (جلعلع): " جلاعل" ، وهو : (فعالع) ، وليس ذلك في الكلام. وكذلك التحقير يقال : (ذريحر) و (جليعل) (فعيلع) وليس في الكلام ذلك ، ولو حذفنا الحرف الذي قبل الأخير ، وهو عين الفعل الثانية لقلنا : (ذريحح) ، و (جليعع) ، فيجتمع حرفان من جنس واحد ، وهما لامان فيثقل اجتماعهما. وإذا حذفت اللام الأولى زال ذلك لأنا نقول : (ذرارح) و (جلالع) ، و (ذريرح) و (جليلع) فتفصل ألف الجمع وياء التصغير بينهما ويصير البناء على (فعاعل) ، و (فعيعل) ، وذلك كثير في كلام العرب نحو (سلّم) ، و (سلالم) و (سليليم) على (فعاعل) و (فعلعيل) ، وبيّن سيبويه أن (ذرحرحا) من بنات الثلاثة أن العرب تقول في معناه : (ذرّاح) و (ذرّح).

قال : فضاعف بعضهم الراء والحاء.

ومعنى (جلعلع) فيما ذكر عن الأصمعي أنه (الخنفساء) التي نصفها طين ونصفها من خلق (الخنفساء) ، وأن رجلا كان يكثر أكل الطين فعلى فعطس عطسة فخرج منه (خنفساء) نصفها طين ، فرآها رجل من العرب فقال : خرجت منه (جلعلعة) ، قال : فما أنسى قوله جلعلعة.

وقال صاحب كتاب العين : " (الجلعلع) من الإبل الحديد النفس. والصمحمح الشديد وهو أيضا الأصلح ويقال المحلوق الرأس ، والدمكمك : الصلب الشديد. وإن عوضت في ذلك كله قلت : (ذريريح) و (جليليع) و (دميميك) وصميميح.

وقال سيبويه في تصغير (مرمريس) : (مريريس) ووزن (مرمريس) عنده : (فعفعيل) ؛ لأن أصله من المراسة ؛ لأن (المرمريس) هو الشديد وهو الداهية ، وهو من قولك : رجل (مرس) بالشيء إذا كان معتادا له قويا فيه فإذا حقرته احتجت إلى حذف إحدى الزائدتين إما الميم الثانية ، وإما الراء الثانية ، وبقيت الميم الأولى ؛ لأنّا حذفنا الميم (الثانية) فقلنا : (مريريس) فهو (فعيعيل) كما تقول في (مرّاس) : (مريريس) وفي (جمال) : (جميميل) وتعلم بذلك أنه من ذوات الثلاثة ؛ لأن الحرفين إذا لم يكرّرا ملتقيين في موضع العين ، ولام الفعل بعدهما ، فأحدهما زائد لا محالة.

١٨٠