شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

قال : " ومثل أدنفت أصبحنا وأمسينا وأفجرنا شبّهوه بهذه التي تكون في الأحيان ، كأن معناه دخلت في وقت الدّنف ، كما دخلت في وقت السّحر.

قال : " ومثل ذلك : نعم الله بك عينا ، وأنعم الله بك عينا"

فهذا من باب فعلت وأفعلت بمعنى واحد. ويقال : إن قوما من الفقهاء كانوا يكرهون استعمال هذه اللفظة ، وهي نعم الله بك عينا ؛ لأنه لا يستعمل في الله (عزوجل) نعم الله. وللقائل أن يقول : الباء في بك بمنزلة التعدي ، ألا ترى أنك تقول : ذهب الله به وأذهبه ، ومعناهما واحد.

وزلته من مكانه وأزلته ، وتقول : غفلت ، أي صرت غافلا ، وأغفلت إذا خبّرت بأنك تركت شيئا ، ووصلت غفلتك إليه.

وقد يقال : أغفلت الإنسان إذا وجدته غافلا ، كما يقال : أجبنته إذا وجدته جبانا ، وعلى ذلك يحمل قوله عز وجل : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا)(١) ، أي وجدناه غافلا. وغفلت عنه بمعنى أغفلت.

ومثل ذلك : لطف له وألطف غيره ، ولطف به كغفل عنه ، وألطفه كأغفله. ولطف له بمعنى تلطّف به ورفق به.

ويقال : بصر الرجل فهو بصير ، إذا خبّرت عن وجود بصره وصحته لا على معنى وقوع الرؤية منه ؛ لأنه قد يقال بصير لمن غمّض عينه ولم ير شيئا لصحة بصره ، فإذا قلت : أبصر ، أخبرت بوقوع رؤيته على الشيء.

وتقول : وهم يهم ، وأوهم يوهم ، ووهم يوهم.

فأما وهم يوهم فهو الغلط في الشيء ، تقول : وهمت في الحساب أوهم وهما ، إذا غلطت فيه ، ووهمت إلى الشيء إذا ذهب قلبي إليه أهم وهما ، وأوهمت الشيء أوهمه إيهاما إذا تركته كلّه.

قال : " وقد يجيء فعّلت وأفعلت في معنى واحد مشتركين ، كما جاء فيما صيّرته فاعلا ، وذلك : وعزت إليه وأوعزت ، وخبّرت وأخبرت ، وسمّيت وأسميت".

فقد اشتركا في هذا كما اشتركا في باب نقل الفاعل إلى المفعول في قولك : غرّمته وأغرمته ، وفرّحته وأفرحته ، وليس هذا من ذلك.

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية : ٢٨.

٤٤١

" وقد يجيئان مفترقين" من معنى واحد ، فيكون لكل واحد منهما غير معنى الآخر.

كقولك : أذّنت وأذنت ، وكقولك : علّمته وأعلمته ، فعلّمت أدّبت ، وأعلمت آذنت ، وآذنت أعلمت وأذّنت ، إذا ناديت للصلاة.

النداء والتصويب بإعلام. وبعض العرب يجري أذّنت وآذنت مجرى سمّيت وأسميت. ويقول : أمرضته إذا جعلته مريضا ، ومرّضته إذا قمت عليه ووليته ، ومثله أقذيت عينه ، أي طرحت فيها القذى وجعلتها قذيّة ، وقذّيتها : نظفتها.

وقد قيل في قول الله عزوجل : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ)(١) : أذهب الفزع عنها على معنى مرّضته ، أي أزلت مرضه.

وتقول : أكثر الله فينا مثلك وكثّر. فأما أكثر فمعناه أدخل الله فينا مثلك كثيرا. وأما كثّر فمعناه جعل القليل كثيرا.

وكذلك أقللت وقلّلت. فأما أقللت فمعناه جئت بقليل ، وكذلك أوتحت ، أي جئت بوتح قليل ، وقلّلت ، أي جعلت الكثير قليلا ، وهو في معنى صيّرت.

وقد يقال : أقللت وأكثرت في معنى قلّلت وكثّرت.

قال : " وتقول : أصبحنا وأمسينا وأسحرنا ، وذلك إذا صرت في حين صبح ومساء وسحر. وقد مضى نحو ذلك".

" وأما صبّحنا ومسّينا وسحّرنا فمعناه أتينا صباحا ومساء وسحرا ، ومثله بيّتناه أتيناه بياتا".

قال : " وما بني على يفعّل ، يشجّع ويجبّن ويقوّى ، أي يرمى بذلك".

ومعناه أنه يذكر به وينسب إليه كما تقول : يفسّق ويضلّل.

ومثله : قد شيّع الرجل ، أي قد رمى بذلك" والمشيّع : الشجاع ، كأنه نسب إلى الشجاعة وقيلت فيه.

ويقال : أغلقت وغلّقت الأبواب حين أكثروا العمل ، وسترى ذلك في باب فعّلت ، وإن قلت : أغلقت الأبواب كان عربيّا جيدا ، وقال الفرزدق :

__________________

(١) سورة النبأ ، الآية : ٢٣.

٤٤٢

ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها

حتّى أتيت أبا عمرو عمّار (١)

قال أبو سعيد : اعلم أن اللفظ يدلّ به على التكثير ، فهو تشديد عن الفعل في الفعل ، وإن كان قد يقع التشديد لغير التكثير ، كقولنا : حرّكته ، ولا تريد كثيرا. فما يدل على التكثير أنك تقول : أغلقت الباب الواحد ، ولا تقول : (غلّقته ، وتقول : غلّقت الأبواب ، وتقول : ذبحت الشاة ، ولا تقول : ذبّحتها ، وتقول : ذبّحت الغنم.

وأما سائر الأفعال فليس فيها دليل على أحدهما ، وقد يقع للقليل والكثير ، فمن أجل ذلك يجوز أن تستعملها للكثير ، فتريد بها ما تريد بالمشدّد ، ومن أجل ذلك صار أغلق أبوابا بمعنى أغلّق أبوابا ، وقوله : وأفتحها بمعنى أفتّحها.

وقد أعاد سيبويه هذا البيت بعينه في الباب الذي يلي هذا شاهدا في أن أفتحها في معنى أفتّحها ، وفي هذا الموضع أغلق في معنى أغلّق.

وقد استعملوا أنزل ونزل في معنى واحد ، وقد يستعمل نزل في معنى الكثير. فأما أنزل ونزل بمعنى واحد غير التكثير فقوله عزوجل : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ)(٢) ، وقال عزوجل : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً)(٣) ، فهذا لغير التكثير ؛ لأن آية واحدة لا يقع فيها تكثير الإنزال.

وكان أبو عمرو يختار التخفيف في كل موضع ليس فيه دلالة من الخط على التثقيل إلا في موضعين : أحدهما قوله عزوجل : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(٤) اختار التثقيل في هذا ؛ لأنه تنزيل بعد تنزيل ، فصار من باب التكثير.

والموضع الآخر : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) فاختار التثقيل في ينزل حتى يشاكل نزل ؛ لأن المعنى واحد. فالأول للتكثير ، وهذا للمطابقة ، وليس فيها تكثير.

وقد يجوز أن يكون بيّن في معنى أبان ، ويجوز أن يكون للتكثير.

هذا باب دخول فعّلت على فعلت لا يشركه في ذلك أفعلت

قال سيبويه : " تقول : كسرتها وقطعتها ، فإذا أردت كثرة العمل قلت : كسّرتها

__________________

(١) انظر المخصص : ١ / ١٠٧.

(٢) سورة محمد ، الآية : ٢٠.

(٣) سورة الأنعام ، الآية : ٣٧.

(٤) سورة الحجر ، الآية : ٢١.

٤٤٣

وقطّعتها ، ومما يدلّك على ذلك قولهم : علّطت البعير ، وإبل معلّطة ، وبعير معلوط ، ولا يقال : معلّط ؛ لأن الإبل كثير ، فقد تكرر فيه العلاط ، وعلى هذا شاة مذبوح ، وغنم مذبّحة ، وباب مغلق وأبواب مغلّقة. وجرحت الرجل إذا جرحته مرة أو أكثر ، و" جرّحته" إذا أكثرت الجراحات في جسده.

وقالوا : ظلّ يفرّسها السّبع ويؤكّلها إذا أكثر ذلك فيها. وقالوا : موّتت وقوّمت إذا أردت جماعة الإبل أنها ماتت وقامت. وقالوا : ولدت الشاة وولّدت الغنم ؛ لأنها كثيرة.

وقالوا : يجوّل ويطوّف ، يكثر الجولان والطّوف.

قال : " واعلم أن التخفيف في هذا كله جائز عربي ، إلا أن فعّلت إدخالها هاهنا لتبيّن الكثير ، وقد يدخل في هذا التخفيف ، كما أن الركبة والجلسة معناهما في الركوب والجلوس ، ولكن بيّنوا بها الضّرب ، كما أن هذا بناء خاص للتكثير"

يريد أن التخفيف قد يجوز أن يراد به القليل والكثير ، فإذا شدّدت دللت به على الكثير ، وقد مضى هذا ، كما أن الركوب والجلوس قد يقع لقليل الفعل وكثيره ولجميع صنوفه ، فإذا قلت : الركبة والجلسة على هيئته وحاله. وإذا قلت : الركبة والجلسة دل على مرة واحدة ، والجلوس قد يجوز أن يراد به المرة ، ويجوز أن يراد به الهيئة التي تقع عليها الجلسة ، فصار اختصاص الجلسة والجلسة بشيء خاص كاختصاص يطوّف ويجوّل بشيء خاص ، وصار الركوب والجلوس بمنزلة يجوّل ويطوّف في أنه يصلح للأمرين.

قال : " وكما أن الصوف والريح قد يكون فيه معنى صوفة وريحة".

يريد أنك إذا قلت : شممت ريحا فيجوز أن تريد معنى الرائحة ، كأنه جعل الرائحة للواحدة والريح للجنس ، فهذا في الاستعمال ، قال الله عزوجل : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ)(١) ، فعبّر عنها بالريح وهي للكثير ، فأما الرائحة فأكثر ما تستعمل فيما يفوح في دفعة واحدة ثم أنشد :

ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها

ثم قال : " وفتحت أحسن في هذا ، كما أن قعدة في ذلك أحسن"

يريد أن اللفظ الخاص الموضوع لمعنى أكشف لذلك المعنى من أن يأتي مبهما.

__________________

(١) سورة النبأ ، الآية : ١٢.

٤٤٤

وقد قال الله عزوجل : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ)(١). وقال : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(٢) فهذا وجه فعلت وفعّلت مبيّنا في هذه الأبواب ، وهكذا صفته ثم ذكر :

" باب ما طاوع الذي فعله على فعل يكون على انفعل وافتعل" والباب فيه انفعل ، وافتعل قليل.

تقول : كسّرته فانكسر ، وحطمته ، فانحطم ، وحسرته فانحسر ، ودفعته فاندفع. ومعنى قولنا مطاوعة أن المفعول به لم يمتنع مما رامه الفاعل ، ألا ترى أنك تقول فيما امتنع مما رمته دفعته فلم يندفع ، وكسّرته فلم ينكسر ؛ أي أوردت أسباب الكسر فلم تؤثر.

وتقول : شويه فانشوى ، وبعضهم يقول : فاشتوى ، بمعنى شويته فانشوى. وقد تقول : اشتويته بمعنى شويته ؛ أي اتخذته مشويّا ، وكذلك اطبّخت في معنى طبخت ؛ أي اتخذت طبيخا.

" وتقول : غممته فاغتمّ ، وانغمّ عربية ، وصرفته فانصرف".

وأما أفعلت الشيء فمطاوعه هو الفعل الذي دخل عليه أفعلت ، كقولك : " أدخلته فدخل وأخرجته فخرج.

غير أن الأصل في قولك : قطعته فانقطع ، قطعت الأصل وانقطع فرعه المطاوع. وقوله : أدخلته فدخل ، الأصل دخل ، وقولك : أدخلته أي صيّرته داخلا.

" وربما استغني عن انفعل في هذا الباب فلم يستعمل ، وذلك قولهم : طردته فذهب ، ولا يقولون : انطرد ، ولا فاطّرد" ، استغنوا عنه كما استغنوا بترك عن ودع.

ونظير هذا من المطاوعة فعّل تفعّل ، كقولك : كسّرته فتكسّر ، وعشيّته فتعشى ، وغدّيته فتغدّى ، وفي فاعلته فتفاعل كقولك : ناولته فتناول ، وفتحت التاء ؛ لأن معناه معنى الافتعال والانفعال.

يعني تاء تفاعل فتحت ؛ لأنها أول فعل ماض سمي فاعله ، وإن كانت زائدة للمطاوعة كالافتعال والانفعال ، وليست بألف وصل ، دخولها لسكون لما بعدها.

" ونظير ذلك في بنات الأربعة على مثال تفعلل ، نحو : دحرجته فتدحرج ، وقلقلته فتقلقل ، ومعددته فتمعدد ، وصعررته فتصعرر".

__________________

(١) سورة ص ، الآية : ٥٠.

(٢) سورة القمر ، الآية : ١٢.

٤٤٥

ومعنى معددته حملته على الخشونة والصّلابة ، قال الشاعر :

ربّيته حتى إذا تمعددا

وآض نهدا كالحصان أجردا

كان جزائي بالعصا أن أجلدا (١)

ومعنى صعررته دورته.

قال : " وأما تقيّس وتنزر وتتمّم فإنما يجري على نحو كسّرته ، كأنه قال : تمّم فتتمّم ، وقيّس فتقيس ، ونزر فتنزر".

ومعنى قيّس نسب إلى نزار ، وتقيّس انتسب إلى قيس ، وتتمّم انتسب إلى تميم ، وتنزر انتسب إلى نزار. قال ذو الرمة :

إذا ما تمضّرنا فما الناس غيرنا

ونضعف إضعافا ولم نتمضّر (٢)

أي انتسبنا إلى مضر.

قال : " وكذلك كل شيء على زنة فعللته ، عدد حروفه أربعة ما خلا أفعلت ، فإنه لم يلحق ببنات الأربعة".

يريد أن كل شيء من الفعل كان ماضيه على أربعة أحرف يجوز أن تزاد في أوله التاء ما خلا أفعلت ، فإنه لا تزاد فيه التاء. والذي تزاد فيه التاء ثلاثة أبنية : فعللت وما كان ملحقا به فعللت ، كقولك : دحرجت مرهفت وعذلجت ، تقول فيه : تسرهف وتعذلج ، وفاعلت كقولك : عالجته فتعالج ، وفعّلت كقولك : كسّرته فتكسّر ، ولا تقع زيادة في باب أفعلت ، لا تقول : أكرمته فتأكرم ، ولا يجوز ذلك فاعرفه.

هذا باب ما جاء فعل منه على غير فعلت

قال سيبويه : " وذلك نحو : جنّ وسلّ وزكم وورد" ، ومعنى ورد : حمّ ، وكذلك وعك ، ومورود وموعوك ومحموم بمعنى واحد.

وقال على هذا : مجنون ومسلول ومحموم ومورود ، وإنما جاءت هذه الحروف على جننت وسللت ، وإن لم يستعمل في الكلام".

كما أن رجلا أقطع جاء على قطع ، وكما يقال : أعور من عور ، ولا يستعمل قطع ،

__________________

(١) انظر المنصف : ٣ / ٢٠ ، وكتاب الاشتقاق ص : ٣١.

(٢) البيت في ديوانه ص : ٢٣٦ ، وانظر المخصص : ١٤ / ١٧٦.

٤٤٦

استغني عنه بقطع ، وقال بعضهم : رجل محبوب ، وكان حقه أن يقال في فعله : حببته فهو محبوب.

وقال بعضهم : حببته. قال الشاعر :

فو الله لو لا تمره ما حببته

ولا كان أدنى من عبيد ومشرق (١)

وذكر أن بعض القراء قرأ : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ)(٢) ، وذكر غير سيبويه أن هذه الأشياء ليست من أفعال الآدميين قد جاءت على مفعول ، وفعله فيما لم يسمّ فاعله إذا نسب الفعل إلى الله عزوجل كان على أفعل ، فيقال : أجنّة الله ، وأسلّه وأزكه وأورده ، أي فعل الله به ذلك.

هذا باب دخول الزيادة في فعلت للمعاني

" اعلم أنك إذا قلت فاعلته فقد كان من غيرك إليك مثل ما كان منك إليه حين قلت فاعلته ، ومثل ذلك : ضاربته وفارقته ، وعازّني وعازرته وخاصمته"

كذلك سائر ما يكون الفعل منه بين اثنين كقاتلته وشاتمته وما أشبه ذلك. فإذا غلب أحدهما كان فعله على فعل يفعل وإن كان المستعمل في الأصل على يفعل.

قال سيبويه : واعلم أن يفعل من هذا الباب على مثال يخرج ، تقول : خاصمني فخصمته أخصمه ، وتقول : غالبني فغلبته أغلبه ، وشاتمني فشتمته أشتمه".

إلا أن يكون فيه من الحروف ما يلزم فيه يفعل أو يفعل فيجري عليه ، فمن ذلك ما لامه أو عينه ياء ، أو فاؤه واو ، فإنه يجيء على فعل يفعل ؛ لأن ذلك يلزم فيه في الأصل قياسا لا ينكسر ، فتقول : بايعني فبعته أبيعه ، وراماني فرميته أرميه ، وواعدني فوعدته أعده ، وواخذني فوخذته أخذه." وعازّني فعززته أعزّه".

قال : " وليس في كل شيء يكون هذا ، ألا ترى أنك لا تقول : نازعني فنزعته ، استغني عنها بغلبته وأشباه ذلك"

ومما جاء من هذا الباب قولك : طاولته فطلته ، وتقول : طال زيد عمرا إذا غالبه في الطول فغلبه ، ويكون الفعل متعديا ، فإن لم ترد هذا لم يتعد فعله ، وكان على فعل ،

__________________

(١) انظر ابن يعيش : ٧ / ١٣٨ ، وخزانة الأدب : ٤ / ١٢٢ ، والخصائص : ٢ / ٢٢٠ ، وشواهد المغنى : ٢ / ٧٨٠ ، والمرصفي في رغبة الآمل : ٤ / ٤ ، واللسان (حبب).

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ٣١.

٤٤٧

كقولك : طال يطول فهو طويل ، قال الشاعر :

إنّ الفرزدق صخرة عادية

طالت فلا تسطيعها الأوعالا (١)

يعني طالت الأوعال ، على معنى غلبتها في الطول ، فهذا الباب في فاعلت.

قال سيبويه : " وقد يجيء فاعلت لا تريد به عمل اثنين ، ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعلت ، كقولك : ناولته وعاقبته وعافاه الله وسافرت وظاهرت"

ومعنى ظاهرت عليه ، أي أضعفت عليه لباسه ، كقولك : ظاهر عليه درعين وثوبين ، أي جعل أحدهما ظهارة والآخر بطانة ، ومن هذا قولهم : تظاهرت نعم الله عليه ، وظاهرت كتبه إليه أي تابعت بعضها لبعض فصار بعضها أظهر لبعض ، فصارت هذه الأفعال كسائر الأبنية التي ترد فيما يتعدى من الأفعال كقولك : أكرمته وما أشبه ذلك.

" وقالوا : ضاعفت وضعّفت ، وناعمته ونعّمته ، كما قالوا : عاقبته ، وتقول : تعاطينا تعطّينا ، فيكون تعاطيه من اثنين"

وكأنك قلت : عاطيته الكأس ، أي أعطاني كأسا فأعطيته مثلها ، فإذا قلت : تعطّينا فقد أردت التكثير في هذا المعنى.

قال : " ولا يجوز أن يكون معملا في مفعول ولا يتعدى الفعل إلى منسوب ، ففي تفاعلنا يلفظ بالمعنى الذي كان في فاعلته ، وذلك قولك : تضاربنا وتقاتلنا"

قال أبو سعيد : اعلم أن فاعلته يجوز أن يكون من فعل متعدّ إلى مفعول ثان غير الذي يفعل بك مثل فعلك ، ويجوز أن لا يكون متعديا إلى غيرك ، والذي لا يكون متعديا أكثر ، كقولك : ضاربت زيدا أو شاتمته ، وليس بعد زيد مفعول آخر ، فإذا قلت تضاربنا وتشاتمنا فقد ذكرت فعل كل واحد منكما بالآخر ولا مفعول غيركما ، وهو الذي أراد سيبويه أنه لا يكون معملا في مفعول.

وقد يجوز أن يكون الفعل متعديا إلى مفعولين في الأصل ، فيؤتى بمفعول آخر في قولك : فتفاعلنا ، وذلك قولك : عاطيت زيدا الكأس ونازعته المال ، فإذا جعلت الفعل لنا قلت : تعاطينا الكأس وتنازعنا المال ، قال الشاعر :

فلمّا تنازعنا الحديث وأسمحت

هصرت بغصن ذي شماريخ ميّال (٢)

وقال الأعشى :

__________________

(١) قال الأعلم في هامش سيبويه : ٢ / ٣٥٦ ، وانظر آمال الشجري : ١ / ١٩٤ ، والمنصف : ٣ / ٤١.

(٢) قائله امرؤ القيس في ديوانه ٣٢.

٤٤٨

نازعتهم قضب الرّيحان متّكئا

وقهوة مزّة راووقها خضل (١)

وقال عمر بن أبي ربيعة :

ولمّا تفاوضنا الحديث وأسفرت

وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا (٢)

وقد يجيء تفاعلوا وافتعلوا في معنى واحد ، كقولك : تضاربوا واضطربوا ، وتقاتلوا واقتتلوا ، وتجاوروا واجتوروا ، وتلاقوا والتقوا ، وقد يجيء تفاعلت على غير معنى فاعلته فتفاعلنا ، كما جاء عاقبته ونحوها وأنت لا تريد بها الفعل من اثنين ، وذلك قولك : تقاربت من ذلك وتراءيت له ، وتقاضيته وتماريت في ذلك" أي شككت" وتعاطيت منه أمرا قبيحا ، وقد يجيء تفاعلت ليريك أنه في حال ليس فيها ، من ذلك قوله : تغافلت وتعاميت وتعاشيت وتعارجت" إذا رأيت من نفس ما ليس فيك. من ذلك قال الشاعر :

إذا تخازرت وما بي من خزر

ثمّ كسرت العين من غير عور

ألفيتني ألوي بعيد المستمر

أحمل ما حمّلت من خير وشر (٣)

ومعنى تخازرت صغّرت عيني ، وما كانت عينه صغيرة. ويقال : تذاءبت الرياح إذا جاءت من كل ناحية.

هذا باب استفعلت

قال سيبويه : " تقول استجدته ، أي أصبته جيدا ، واستكرمته أي أصبته كريما ، واستعظمته أي أصبته عظيما ، واستسمنته أي أصبته سمينا. وقد يجيء على غير هذا المعنى ، كما جاء تذاءبت وعاقبت"

قال أبو سعيد : اعلم أن أصل استفعلت الشيء في معنى طلبته واستدعيته ، وهو الأكثر ، وما خرج عن هذا فهو يحفظ وليس بالباب ، وأنا أسوقه إليك على ما قال سيبويه ، ويكون أيضا استفعلته على معنى أصبته ، وهو كالباب فيه ، ولذلك قال سيبويه : " وقد يجيء على غير هذا المعنى كما جاء تذاءبت الريح وعاقبت" ، وليس بالباب ، وقد مضى الكلام فيه ، وتقول : استلأم إذا لبس اللأمة ، واستخلف لأهله ، كما تقول : أخلف

__________________

(١) انظر المخصص : ١٤ / ١٧٩.

(٢) انظر رواية الديوان ص : ١٧١ ، والمخصص : ١٤ / ١٧٩ ، والكامل : ٢ / ٢٠٣.

(٣) انظر ديوان العجاج ص : ٣١٩ ، ومجالس ثعلب : ١ / ٩.

٤٤٩

والمعنى واحد. وتقول : استعطيت ، أي طلبت العطيّة ، واستعتبته ، أي طلبت إليه العتبى ، وهي الرّضا من العتب ، " واستفهمت ، أي طلبت أن يفهمني ، وكذلك استجرت واستثرت واستخرجته ، أي لم أزل أطلب إليه حتى خرج. وقد يقولون : اخترجته شبهوه بافتعلت وانتزعته".

وذكر أبو بكر مبرمان عن أصحابه الذين أخذ منهم التفسير أن استخرجته طلبت خروجه وقتا بعد وقت ، واخترجته أخرجته دفعة ، كما قالوا : انتزعته.

" وقالوا : قرّ في مكانه واستقرّ ، وقالوا : جلب الجرح وأجلب" والمعنى واحد.

قال سيبويه : وأما استحقّه فإنه يقول : طلب حقه ، واستخفّه : طلب خفّته ، واستعمله : طلب إليه العمل ، واستعجلت زيدا إذا طلبت عجلته ، فإذا قلت : استعجلت غير متعدّ إلى مفعول فمعناه طلبت ذلك من نفسي وكلّفتها إياه. والباب في استفعلت الشيء أن يكون للطلب أو الإصابة ، كقولك : استجدته ، وما عدا ذلك فإنه يحفظ حفظا ، كقولك : " علا قرنه واستعلاه ، وقرّ في المكان واستقرّ ، ومنه في التحول من حال إلى حال : استنوق الجمل ، إذا تخلّق بأخلاق الناقة ، واستتيست الشاة إذا أشبّهت بالتيس.

قال : " وإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه في أمر حتى يضاف إليه ويكون من أهله فإنك تقول : تفعّل ، وذلك تشجّع وتبصّر وتحلّم وتجلّد وتمرّأ ، وتقديرها تمرّع ، أي صار ذا مروءة ، وقال حاتم طيّيء :

تحلّم عن الأدنين واستبق ودّهم

ولن تستطيع الحلم حتى تحلّما (١)

وليس هذا بمنزلة تجاهل ؛ لأن هذا يطلب أن يصير حليما.

وتجاهل يري من نفسه غير الذي هو ، وقد مضى ذلك.

" وقد تجيء تقيّس وتنزر وتعرّب على هذا".

يعني أنه يقال للرجل : تقيّس إذا دخل في قيس حتى يضاف إليه ، ويكون من أهله ، وكذلك تنزر إذا دخل في نسب نزار.

وقد دخل استفعل هاهنا ، قالوا : تعظم واستعظم ، وتكبّر واستكبر ، كما شارك تفاعلت تفعّلت الذي ليس في هذا المعنى ، ولكنه استثبات ، وذلك قولهم :

__________________

(١) انظر ملحق ديوانه ص : ٣١٢ ، ديوان حاتم الطائي ص : ٨١.

٤٥٠

تيقّنت واستيقنت ، وتبيّنت واستبنت ، وتثبّتّ واستثبتّ ، ومثل ذلك ، يعني تحلّم ، تقعّدته ، أي ريّئته عن حاجته وعفته ، ومثله تهيّبتني البلاد ، وتكأدني ذلك الأمر" معناه هابني أهل البلاد ، وتكأدني معناه شقّ عليّ ، من قولهم للمكان الشّاقّ المصعد كؤود وكأداء.

قال سيبويه : وأما قوله : تنقّصته وتنقّصني فكأنه الأخذ من الشيء الأول فالأول. وأما تفهّم وتبصّر وتأمّل فاستثبات بمنزلة تيقّن ، وقد يشركه استفعل ، نحو : استثبت. وأما يتجرّعه ويتحسّاه ويتفوّقه فهو يتنقّصه ؛ لأنه يأخذ منه شيئا بعد شيء ، وليس من معالجتك الشيء بمرة واحدة ، ولكنه في مهلة. وأما تعقّله فنحو : تقعّده ، لأنه يريد أن يختله عن أمر يعوقه عنه ، ويتملّقه نحو ذلك ؛ لأنه إنما يديره عن شيء. وقالوا : تظلّمني ، أي ظلمني مالي ، فبناه على تفعّل ، كما قالوا : جزته وجاوزته ، وهو يريد شيئا" ، قال الشاعر.

تظلّمني حقّي كذا ولوى يدي

لوى يده الله الذي هو قاتله (١)

" وقلته وأقلته ، ولقت وألقت ، وهو إذا لطخته بالطين ، وألقت الدواة ولقتها. وأما تهّيبه فإنه حصر ليس فيه معنى شيء مما ذكرنا ، كما أنك تقول : استعليته لا تريد إلى معنى علوته"

يريد أن معنى تهيّبه في معنى هابه ، ولم يبن على تفعّل لزيادة معنى في فعل ، كما أن استعليته لم يزد معناه على علوته ، ومعنى قوله : " فإنه حصر" ، يريد أن الهيبة حصلت للإنسان عن الإقدام.

" وأما تخوفه فهو أن يوقع أمرا يقع بك ، فلا تأمنه في حالك التي تكلمت فيها. وأما خافه فقد يكون وهو لا يتوقّع منه في تلك الحال شيئا"

قال أبو سعيد : فرّق سيبويه بين تخوّف وخاف ، ولم يفرّق بين تهيّب وهاب.

قال سيبويه : " وأما تخوّنته الأيام فهو تنقّصته ، وليس في تخوّنته من هذه المعاني شيء ، كما لم يكن استنهيته في نهيته".

يريد أنه ليس في تخوّفته معنى خفته المطلق ، كما لم يكن في نهيته معنى استنهيته ؛

__________________

(١) انظر المخصص : ١٤ / ١٨٢ ، وخزانة الأدب للعيني : ١ / ٩٨ ، وابن الأنباري ص : ١٩١ ، أبي حاتم السجستاني ص : ١٢٨ ، وأبي الطيب اللغوي : ١ / ٤٧٥ ، وشرح الملوكي ص : ٧٧ ، معجم الشعراء ص : ١٨٩ ، واللسان (ظلم).

٤٥١

لأن استنهيته إنما هو معاودته في النهي ، ونهيته هو النهي مطلقا ، وقد بين هو الفصل بين تخوّفته وخفته.

" وأما يتسمّع ويتحفّظ فهو يتبصّر" ، قال : " وهذه الأشياء نحو يتجرّع ويتفوّق لأنها في مهلة".

يعني أنه ليس يسمع في مرة واحدة ، وإنما هو شيء يتصل ، ومعنى يتفّوّق أنه يتشرّبه بعد شيء ، وهو مأخوذ من الفراق.

ومثل ذلك تخيّره ، كأنه تمهّل في اختياره.

وأما التغمّج والتعمّق والتدخّل فنحو من هذا ؛ لأنه عمل بعد عمل في مهلة" والتغمّج الشرب ، والتعمّق التشديد.

وأما تنجّز حوائجه واستنجز فهو بمنزلة تيقّن واستيقن في شركة استفعلت في الاستثبات ، والتقعّد والتحجّز والتنقّص ، وهذا النحو كله في مهلة وعمل.

قد بيّن وجوه تفعّل الذي ليس فيه مهلة.

هذا باب موضع افتعلت

تقول : اشتوى القوم ، أي اتخذوا شواء ، وأما شويت فكقولك : أنضجت ، وكذلك اختبز وخبز ، واطّبخ وطبخ ، واذّبح وذبح. فأما ذبح فمنزلة قوله : قتله ، وأما اذّبح فتقول : اتخذ ذبيحة ، وقد يبنى على افتعل ما لا يراد به شيء من ذلك ، كما بنوا على أفعلت وغيره من الأبنية ، وذلك افتقر واشتدّ ، فقالوا هذا كما قالوا : استلمت ، فبنوه على افتعل ، كما بنوا على أفعل.

يريد أنهم يبنون على افتعل ما لا يراد به إلا معنى فعل لا زيادة فيه ، ولا يستعمل إلا بالزيادة ، كقولهم : افتقر فهو فقير ، ولا يستعمل فقر. وقالوا : اشتد الأمر فهو شديد ، ولا يستعمل بغير الزيادة في هذا المعنى. وقالوا : استلم الحجر ، ولم يقولوا : أسلمه ، ولا سلّمه. ومثل هذا في أفعل قولهم : أفلح الرجل وما أشبهه ولا يستعمل بغير الزيادة.

قال سيبويه : " وأما كسب فإنه أصاب ، واكتسب فهو التصرّف والطلب والاجتهاد بمنزلة الاضطراب".

قال أبو سعيد : فرّق سيبويه بين كسب واكتسب ، وقال غيره : لا فرق بينهما ، قال

٤٥٢

الله عزوجل : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)(١) ، والمعنى واحد.

قال سيبويه : " وأما قولك : حبسته فبمنزلة قولك : ضبطته ، واحتبسته بمنزلة اتخذته حبيسا ، كأنه بمنزلة شوى واشتوى. وقالوا : ادّخلوا وادّلجوا وتدخّلوا وتولّجوا" والمعنى دخلوا ، قال الشاعر :

رأيت القوافي يتّلجن موالجا

تضايق عنها أن تولّجها الإبر (٢)

" وقالوا : قرأت واقترأت ، يريدون شيئا واحدا ، كما قالوا : علاه واستعلاه وخطف واختطف. وأما انتزع فإنما هو خطفة ، كقولك : استلب ، وأما نزع فهو تحويلك إياه وإن كان على نحو الاستلاب ، وكذلك قلع واقتلع وجذب واجتذب. وأمّا اصطبّ الماء فبمنزلة اشتوه ، كأنه يقول : اتّخذه لنفسك ، وكذلك اكتل واتّزن.

وقد يجيء على وزنته وكلته فاكتل واتّزن".

وقد أنشد سيبويه آخر الباب عقيب ما أمللته : وقال رؤبة :

يعرضن إعراضا لدين المفتن (٣)

وليس بشاهد لما تقدّمه ، فقال بعض أصحابنا : يريد أن الفتن والفتون واحد ، فقال : فتن وأفتن ، فجاء هذا كما جاء قلع واقتلع ، وجذب واجتذب.

هذا باب افعوعلت وما هو على مثاله مما لم تذكره

" قالوا : خشن ، وقالوا : اخشوشن ، وسألت الخليل فقال : كأنهم أرادوا المبالغة والتوكيد ، كما أنه إذا قال : اعشوشبت الأرض فإنما يريد أن يجعل ذلك عاما كثيرا قد بالغ ، وكذلك احلولى ، وربما بني عليه الفعل فلم يفارقه ، كما أنه قد يجيء الشيء على أفعلت وافتعلت ونحو ذلك لا يفارقه بمعنى ، ولا يستعمل في الكلام إلا على زيادة.

يريد أن افعوعل ربما جاء من لفظه ومعناه الفعل بغير زيادة ، كقولهم : حلا واحلولى ، وخلق الشيء واخلولق ، وربما جاء بالزيادة ولا يستعمل بحذفها ، كقولهم : اذلولى ، وذكرا أفعالا فيها زيادات ولم تستعمل إلا بها ، كقولهم : " اقطرّ النبت واقطارّ إذا

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.

(٢) انظر المخصص : ١٤ / ١٨٣ ، وشرح التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٩٠ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ١٦٣ ، واللسان (ولج).

(٣) انظر سيبويه : ٢ / ٢٤١.

٤٥٣

ولّي وأخذ يجف ، وابهارّ الليل ، إذا اشتدت ظلمته وتوسّط ، وهو مأخوذ من البهرة ، وبهرة الشيء وسطه ، وكذلك : " ابهارّ القمر إذا كثر ضوؤه" ، وكذلك" ارعويت" لم يستعمل إلا بالزيادة ، " واجلوّذ إذا جدّبه السير ، واعلوّطه إذا لاركبه بغير سرج ، " واعرّوريت الفلوّ إذا ركبته عريا" ، ومما استعمل بالزيادة" اقشعرّ واشمأزّ واسحنكك اسودّ" ، ولم يستعمل إلا بالزيادة ، يقال : شعر سحكوك إذا اسودّ ، وهو فعلول ، وإحدى الكافين زائدة ، قال الشاعر :

واستنوكت وللشّباب نوك

وقد يشيب الشّعر السّحكوك (١)

قال سيبويه : " وأرادوا بافعنلل أن يبلغوا به بناء احرنجم ، كما أنهم أرادوا بصعررت بناء دحرجت".

قال أبو سعيد : يريد أنهم ألحقوا قعنسس واسحنكك باحرنجم بزيادة سين على اقعنسس ، وكاف على اسحنكك ، كما ألحقوا صعررت بدحرجت ، بإحدى راءيّ صعررت ، فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

هذا باب ما لا يجوز فيه فعلته (٢)

هذا باب مصادر ما لحقته الزوائد من الفعل من بنات الثلاثة

قال سيبويه : " فالمصدر على أفعلت إفعالا أبدا ، وذلك قولك : أعطت إعطاء وأخرجت إخراجا. وأما افتعلت فمصدره افتعالا ، وألفه موصولة ، كما كانت موصولة في الفعل ، وكذلك ما كان على مثاله. ولزوم الوصل هاهنا كلزوم القطع في أعطيت ، وذلك قولك : احتبست احتباسا ، وانطلقت انطلاقا"

وجملة الأمر أن ما كان من الفعل في أول ماضيه ألف وصل فمصدره أن يزاد قبل آخره ألف ، ويؤتى بحروفه مع ألف الوصل ، وذلك تسعة أبنية : ثلاثة منها خماسية وستة سداسية. فأما الخماسية فافتعلت افتعالا ، نحو : احتبست احتباسا ، وانفعلت انفعالا ، نحو : انطلقت انطلاقا ، وافعللت افعلالا ، نحو : احمررت احمرارا. وأما السداسية فاستفعلت استفعالا ، كقولك : استخرجت استخراجا ، وافعاللت افعيلالا ،

__________________

(١) انظر المخصص : ١٤ / ١٨٤.

(٢) أسقط أبو سعيد هذا الباب ، وكأنه رأى أنه ليس في حاجة إلى شرح. انظر سيبويه : ٢ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

٤٥٤

كقولك : اشهاببت اشهيبابا ، وافعنللت افعنلالا ، كقولك : اقعنسست اقعنساسا واحرنجمت احرنجاما ، وافعولت افعوّالا ، كقولك : اجلوذت اجلوّاذا ، وافعوعلت افعيعالا ، كقولك : اغدودنت اغديدانا ، وافعلّلت افعلالا ، كقولك : اقشعررت اقشعرارا. قال سيبويه :

" وأما فعّلت فالمصدر منه التفعيل ، جعلوا التاء التي في أوله بدلا من العين الزائدة في فعّلت ، وجعلوا الياء بمنزلة ألف الإفعال ، فغيّروا أوله كما غيروا آخره ، وذلك قولك : كسّرته تكسيرا ، وعذّبته تعذيبا. وقد قال قوم : كلّمته كلّاما وحمّلته حمّالا ، أرادوا أن يجيئوا به على الإفعال فكسّروا أوله"

قال أبو سعيد : من قال كلّمته كلّاما فهو نحو : أفعل إفعالا ؛ لأن إفعالا على حروف أفعل ، وقد زيد في آخره ألف وكسر أوله ، فكذلك كلّام وحمّال قد زيد قبل آخره ألف وكسر أوله ، وأتي بحروف الفعل على جملتها.

وأما مصدر تفعّلت فإنه التفعّل ، جاءوا به بجميع ما في تفعّل وضموا العين لأنه ليس في الكلام اسم على تفعّل.

ولم يزيدوا ياء ولا ألفا قبل آخره ؛ لأنهم جعلوا زيادة التاء في أوله وتشديد عين الفعل منه عوضا مما يزاد ، وذلك قولك : تكلّمت تكلّما ، وتقوّلت تقوّلا.

قال : " وأما الذين قالوا : كذّابا ، فإنهم قالوا : تحّملت تحمّالا ، أرادوا أن يدخلوا الألف كما أدخلوها في أفعلت واستفعلت"

يعني أنهم أتوا بحروف الفعل بأسرها وزادوا قبل آخرها ألفا ، وكسروا أولها كما يفعلون ذلك في مصدر أفعلت واستفعلت ، وإنما يزيدون في المصدر ما لم يكن في الفعل ، لأن المصدر اسم ، والأسماء أخف من الأفعال وأحمل للزيادة".

" وأما فاعلت فإن المصدر منه الذي لا ينكسر أبدا مفاعلة ، جعلوا الميم عوضا من الألف التي بعد أول حرف منه ، والهاء عوض من الألف التي قبل آخر حرف ، وذلك : جالسته مجالسة وقاعدته مقاعدة وشاربته مشاربة ، وجاء كالمفعول ؛ لأن المصدر مفعول".

قال أبو سعيد : كلام سيبويه في هذا مختلّ ، وقد أنكر ، وذلك أنه جعل الميم عوضا من الألف التي بعد أول حرف منه ، وذلك غلط ، لأن الألف التي بعد أول حرف هي موجودة في مفاعلة ، ألا ترى أنك تقول : قاتلت ، وبعد القاف ألف زائدة ، وتقول : مقاتلة

٤٥٥

في المصدر ، وبعد القاف ألف زائدة ، فالألف موجودة في المصدر والفعل ، فكيف تكون الميم عوضا من الألف ، والألف لم تذهب.

وأما قوله : " جاء كالمفعول" ، يعني مجالسة ، لفظ كلفظ مجالس وهو المفعول من جالسته ، والجيد في هذا ما وجدته في نسخة أبي بكر مبرمان ، وهو أن هذه المصادر جاءت مخالفة للأصل كفعلت ، وذلك أن فعلت يجيء مصدره مخالفا لما يوجبه قياس الفعل ، وتزاد في أوله الميم ، كما يقال : ضربه مضربا ، وشربته مشربا ، وقد تزاد فيه مع الميم الهاء ، كما يقال المرحمة ، وألزموا الهاء في هذا لما ذكره من تعويض الألف التي قبل آخر المصدر.

قال سيبويه : " وأما الذين يقولون : تحملت تحمّالا فإنهم يقولون : قاتلت قيتالا ، فيوفرون الحروف ويجيئون به على مثال إفعال ، وعلى مثال قولهم : كلّمته كلّاما ، وقالوا : ماريته مراء ، وقاتلته قتالا"

قال أبو سعيد : يريد أنهم يأتون بحروف فاعل موفّرة ويزيدون الألف قبل آخرها ويكسرون أول المصدر ، فإذا كسروه انقلبت الألف ياء لانكسار ما قبلها فيصير فيعالا ، وقد يحذفون هذه الياء لكثرة هذا المصدر في كلامهم ، ويكتفون بالكسرة ، فيقولون : قتالا ومراء ، واللازم عند سيبويه في مصدر فاعلت المفاعلة ، وقد يدعون الفعال والفعال في مصدره ويدعون مفاعلة ، قالوا : جالسته مجالسة ، وقاعدته مقاعدة ، ولم يسمع جلاسا ولا جيلاسا ، ولا قعادا ولا قيعادا.

قال سيبويه : وأما تفاعلت فالمصدر التّفاعل ، كما أن التفعّل مصدر تفعلت ؛ لأن الزنة وعدّة الحروف واحدة ، وتفاعلت من فاعلت بمنزلة تفعّلت من فعّلت ، وضموا العين لئلا يشبه الجمع ، ولم يفتحوا لأنه ليس في الكلام تفاعل في الأسماء".

هذا باب ما جاء المصدر فيه من غير الفعل لأن المعنى واحد

وفي بعض النسخ على غير الفعل (١). قال سيبويه :

" وذلك قولك : اجتوروا وتجاوروا اجتوارا ؛ لأن معنى اجتوروا وتجاوروا واحد ، ومثل ذلك : انكسر كسرا ، وكسر انكسارا" ، وكذلك كل فعلين في معنى واحد أو يرجعان إلى معنى واحد إذا ذكرت أحدهما جاز أن تأتي بمصدر الآخر فتجعله في

__________________

(١) هذه الرواية موافقة لسيبويه ٢ / ٢٤٤.

٤٥٦

موضع مصدره ، فمن ذلك : قول الله عزوجل : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)(١) " ، ومصدر تبتّل تبتّلا ، وتبتيلا مصدر بتّل ، فكأنه قال : بتّل ، ومنه (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(٢) ، لأنه إذا أنبتهم فقد نبتوا ، ونباتا مصدر نبت ، فكأنه قال نبتم نباتا.

وزعموا أن في قراءة عبد الله بن مسعود : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً)(٣) لأن معنى أنزل ونزول واحد ، وقال القطامي :

وخير الأمر ما استقبلت منه

وليس بأن تتبّعه اتّباعا

لأن تتبّعت واتّبعت في المعنى واحد. قال رؤبة :

وقد تطوّيت انطواء الحضب

لأن معنى تطوّيت وانطويت واحد.

والحضب : الحية. وقد يجيء المصدر على خلاف حروف الفعل إذا كان الفعلان متساويين في المعنى ، كقولك : أدعه تركا شديدا ؛ لأن معنى يدع ويترك واحد ، ورضته إذلالا شديدا وتذليلا حسنا ، وذلّلته رياضة جيدة ، كما قال :

فصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا

ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال (٤)

هذا باب ما لحقته هاء التأنيث عوضا لما ذهب

" وذلك قولك : أقمته إقامة ، واستعنته استعانة ، وأريته إراءة" مثل إراعة ، وإن شئت لم تعوّض وتركت الحروف على الأصل ، قال الله عزوجل : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ)(٥) "

قال أبو سعيد : اعلم أن الأصل في هذا الباب هو أن يكون الفعل على أفعل وعين الفعل منه واو أو ياء فإنهما يعتلان وتلقى حركتهما على ما قبلهما وتقلب كل واحدة منهما ألفا في الماضي وياء في المستقبل ، كقولك : أقام يقيم ، وألان يلين ، والأصل أقوم يقوم ، وألين يلين ، فألقيت حركة الياء والواو على ما قبلهما ، وقلبتهما ألفا بعد الفتحة وياء بعد الكسرة ، ثم يعلّ المصدر لإعلال الفعل ، فتقول : إقامة وإلانة ، وكان الأصل إقواما

__________________

(١) سورة المزمل ، الآية : ٨.

(٢) سورة نوح ، الآية : ١٧.

(٣) سورة الفرقان ، الآية : ٢٥.

(٤) قاله امرؤ القيس في ديوانه ٣٢ ، وانظر المخصص : ١٤ / ١٨٧.

(٥) سورة النور ، الآية : ٣٧.

٤٥٧

وإليانا ، كما تقول : أكرم يكرم إكراما ، غير أنك لمّا أعللت الواو والياء في الفعل أعللتهما في المصدر ، فألقيت حركتهما على ما قبلهما فسكنتا وبعدهما ألف إفعال وهي الألف التي في الإقوام والإليان قبل الميم والنون فاجتمع ساكنان : أحدهما عين الفعل المعتلة ، والآخر ألف إفعال ، فأسقط أحدهما وجعلت هاء التأنيث عوضا من الحرف الذاهب فقالوا : إقامة وإلانة.

وكذلك يعمل في استفعل ومصدره كقولك : استعان يستعين استعانة ، واستلان يستلين استلانة ، والأصل استعون يستعون استعوانا ، واستلين يستلين استليانا ، فاختلف النحويون في الذاهب من الحرفين لاجتماع الساكنين ، فقال الخليل وسيبويه : الذاهب هو الساكن الثاني ؛ لأن الساكن الثاني زائد والأول أصلي ، وإسقاط الزائد أولى. وقال الأخفش والفراء : الذاهب هو الأول ؛ لأن حق اجتماع الساكنين أن يسقط الأول منهما ، وقد أحكمنا الاحتجاج لهذا في التصريف.

وقد أجاز سيبويه ألا تدخل الهاء عوضا ، واحتج بقوله عزوجل : (وَأَقامَ الصَّلاةَ ،) ولم يفصل بين ما كان مضافا وغير مضاف ، وذكر الفراء أن الهاء لا تسقط إلا مما كان مضافا ، فالإضافة عوض منها ، وأنشد :

إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا

وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا (١)

وذكر أن الأصل : عدة الأمر والهاء سقطت للإضافة وأن ذلك لا يجوز في غير الإضافة ، وقال خالد بن كلثوم : عد الأمر ، جمع عدوة ، والعدوة : الناحية والجانب من قوله عزوجل : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى)(٢) وإنما أراد الشاعر نواحي الأمر وجوانبه ، فأجاز سيبويه أقمته إقاما ولم يجزه الفراء. وأما قوله : " أريته إراءة" فليس من هذا الباب ؛ لأنه لم يعتل عين الفعل فيه ، ولكنه دخله النقص لتليين الهمزة ، فعوّض الهاء والأصل أرأيته إرءاء ، كما تقول : أرعيته إرعاعا ، فخفّفت الهمزة في المصدر كما خففت في الفعل بأن ألقيت حركتها على الراء وأسقطت فجعلت الهاء عوضا من ذلك ، وإذا كان الفعل على انفعل وافتعل وعين الفعل واو أو ياء فإنه لا يسقط من مصدره شيء ؛ لأنه لا يلتقي فيه ساكنان ، ولا تلزمه الهاء ؛ لأنه لم يسقط منه شيء تكون الهاء عوضا منه ،

__________________

(١) انظر الخصائص : ٣ / ١٧١ ، والمخصص : ١٤ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وانظر شرح شواهد الشافية ص : ٦٥.

(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٤٢.

٤٥٨

وذلك قولك : انقاد انقيادا ، وانحاز انحيازا ، واكتال اكتيالا ، واختار اختيارا.

قال سيبويه : " وأما عزّيت تعزية ونحوها فلا يجوز الحذف فيه ولا فيما أشبهه ، لأنهم لا يجيئون بالياء في شيء من بنات الياء والواو مما هما في موضع اللام ، وقد يجيء في الأول نحو : الإحواذ والاستحواذ ونحوه"

يريد أن ما كان على فعل فمصدره التفعيل أو تفعلة في الصحيح ، كقولك : كرّمته تكرمة وتكريما ، وعظّمته تعظمة وتعظيما ، والباب فيه تفعيل ، فإذا كان لام الفعل منه معتلا ألزموه تفعلة كتكرمة كراهة أن يقع الإعراب على الياء ، وأرادوا أن تعرب الهاء ، وتكون الياء مفتوحة أبدا ، كقولك : عزيته تعزية ، وسويته تسوية ، ولم يقولوا عزّيته تعزيّا ، وهذا تعزيّك ، وعجبت من تعزيك ؛ لأن لهم عنه مندوحة باستعمالهم الوجه الآخر.

وفرق سيبويه بين هذا وبين (إقام الصلاة) ، فلم يجز في هذا حذف الهاء ، كما أجاز في (إقام الصلاة) بأن قال : " إنه قد جاء في باب إقام الصلاة المصدر على الأصل بغير هاء ، كقولهم : الإحواذ والاستحواذ ، ولم يقولوا في هذا الباب بإسقاط الهاء".

قال أبو سعيد : وقد جاء في الشعر ، قال الراجز :

بات ينزي حوضة تنزيّا

كما تنزي شهلة صبيّا (١)

قال سيبويه : " ولا يجوز حذف الهاء في تجزئة وتهنئة ، وتقديرهما تجرعة وتهنعة ؛ لأنهم ألحقوا الهاء بأختيها من بنات الياء والواو كما ألحقوا حين قالوا : أريت وأقمت"

قال أبو العباس المبرد : الذي قاله في تفعلة مصدر فعلت من الهمز جيد بالغ ، والإتمام على تفعيل كغير المعتل أجود وأكثر عن أبي زيد وجميع النحويين ، تقول : هنأته تهنيئا وتهنئة ، وخطّأته تخطيئا وتخطئة.

قال أبو سعيد : الذي عنده أن سيبويه لم يرد ما قاله أبو العباس من الإتيان بالمصدر على التمام ، وإنما أراد أنه لا يجوز حذف الهاء من الناقص من تفعلة كما جاز في (إقام الصلاة) ، لا تقول : جزأته تجزئا (ولا هنّأته) تهنئا ، والدليل على ذلك أن سيبويه قال في باب المفعول الذي يتعداه فعله إلى مفعولين : " ونبّئت تنبيئا" ، ولو كان ذلك لا يجوز عنده ما استعمله.

__________________

(١) بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٠٢ ، والمنصف ٢ / ١٩٥ ، وشرح الشافية ١ / ١٦٥ ، واللسان (نزا).

٤٥٩

هذا باب ما تكثّر فيه المصدر من فعلت فتلحق الزوائد وتبنيه

ببناء آخر كما أنك قلت في فعلت حين كثّرت الفعل

" وذلك قولك في الهدر : التّهدار ، وفي اللّعب : التّلعاب ، وفي الرّدّ : التّرداد ، وفي الصّفق : التّصفاق ، وفي الجولان : التّجوال والتّقتال والتّسيار ، وليس شيء من هذا مصدر فعّلت ، ولكن لمّا أردت التكثير بنيت المصدر على هذا كما بنيت فعلت على فعّلت"

قال أبو سعيد : اعلم أن سيبويه يجعل التّفعال تكثيرا للمصدر الذي هو للفعل الثلاثي فيصير التّهدار بمنزلة قولك : التهدر الكثير ، والتّلعاب بمنزلة قولك : اللّعب الكثير.

وكان الفراء وغيره من الكوفيين يجعلون التّفعال بمنزلة التفعيل ، والألف عوضا من الياء ، ويجعلون ألف التّكرار والترّداد بمنزلة ياء تكرير وترديد ، والقول ما قاله سيبويه ؛ لأنه يقال : التّلعاب ، ولا يقال : التّلعب. قال سيبويه :

" وأما التّبيان فليس على شيء من الفعل لحقته الزيادة ، ولكنه بني هذا البناء فلحقته الزيادة ، كما لحقت الرئمان (١) ، وهي من الثلاثة وليس من باب التّفعال ، لو كان أصلها من ذلك فتحوا التاء ، فإنما هي من بيّنت ، كالغارة من أغرت والنّبات من أنبت".

يريد أن التّبيان ليس بمصدر لبيّنت ، وإنما مصدره التّبين والتّبيان اسم جعل موضع المصدر ، وكذلك مصدر أغرت إغارة ، وتجعل غارة مكان إغارة ، ومصدر أنبت إنبات ، ويستعمل النبات موضع الإنبات.

قال سيبويه : " ونظيرها التّلقاء يريد اللّقيان ، قال الراعي :

أمّلت خيرك هل تدنو مواعده

فاليوم قصّر عن تلقائك الأمل (٢) "

يريد عن لقائك ، والمصادر كلها على تفعال بفتح التاء ، وإنما يجيء تفعال في الأسماء ، وليس بالكثير ، وقد ذكر بعض أهل اللغة منها ستة عشر حرفا لا يكاد يوجد غيرها ، منها : التّبيان والتلقاء ، ومرّ تهوام الليل وتبراك وتعشار وتربعاع مواضع ، وتمساح :

__________________

(١) الرئمان : العطف والمحبة.

(٢) انظر البيت في ديوانه ص : ١٠٧ ، وأدب الكاتب ص : ٦٢٨ ، وسيبويه : ٢ / ٣٤٥.

٤٦٠