كان يستعمل إذا قالوا لست بمدرك ما مضى ، وأما الصابئون ، فالذي قال سيبويه على أنه على التقديم والتأخير كأنه قال : إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والصّابئون والنّصارى كذلك. وفيه وجه آخر نحو هذا غير خارج عن مذهبه ، وهو أنّ يجعل من آمن بالله واليوم الآخر إلى آخر الآية للصابئين والنصارى خبرا وتضمر مثل الذي ظهر للذين آمنوا والذين هادوا ؛ لأنه يجوز أن تقول : زيد وعمرو قائم ، تجعل قائم خبرا لأيهما شئت.
وفي رفع الصابئون غير هذين الوجهين ، مما كرهنا الإطالة بذكره ، وفي قوله :
وإلا فاعلموا أنا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق (١) |
وجهان أحدهما التقديم والتأخير الذي ذكره سيبويه ، والثاني أنّا نضمر لأن خبرا محذوفا يدل عليه ما بعده ونجعل بغاة خبر أنتم ، كأنه قال : وإلا فاعلموا أنّا بغاة وأنتم بغاة ، وحذف خبر الأول اكتفاء بخبر الثاني. وقد حمله بعض أصحابنا على الغلط كأنه شبه (نا) في (أنّا) ب (نا) الذي هو ضمير الرفع في نحو قلنا : وذهبنا. فتوهم (نا) مرفوعا في أنّا لإشباهه (نا) في (قلنا) ولست أحب هذا الوجه.
هذا باب كم
" اعلم أن ل (كم) موضعين : أحدهما الاستفهام وهو الحرف المستفهم به بمنزلة كيف وأين.
والموضع الآخر : يكون فيه معناها معنى (ربّ).
وقد تكون في الموضعين اسما فاعلا ، ومفعولا ، وظرفا ، ويبنى عليها إلا أنّها لا تتصرف تصرفّ يوم وليلة ، كما أن حيث وأين لا يتصرفان تصرف تحتك ، وخلفك ، وهما موضعان بمنزلتهما ، غير أنها حروف لم تتمكن في الكلام ، إنما لها مواضع تلزمها في الكلام ، ومثل ذلك ـ في الكلام ـ كثير ، وقد ذكر فيما مضى وستراه فيما يستقبل إن شاء الله.
أما (كم) في الاستفهام إذا عملت فيما بعدها فهي بمنزلة اسم متصرف في الكلام منون ، قد عمل فيما بعده لأنه ليس من صفته ، ولا محمولا على ما حمل عليه ، وذلك الاسم عشرون وما أشبهها نحو ثلاثين وأربعين.
__________________
(١) البيت سبق تخريجه