رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

وفيه نظر : لمنع الضعف أوّلا ، لكونه موثقا ، وهو حجة كما قرّر في محله مستقصى ، وعلى تقديره فهو مجبور بعمل الأصحاب. والاجتزاء بأذان الغير لعلّه لمصادفة نية السامع للجماعة ، فكأنه أذّن لها ، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.

ويعضد المختار عموم ما دلّ على تأكّد استحباب الأذان والإقامة في صلاة الجماعة ، والمتبادر منهما ما وقع في حال نية الجماعة لا قبلها ، ومع ذلك فالاستيناف أحوط وأولى.

( وأما كيفيته : )

( فـ ) اعلم أنه ( لا ) يجوز أن ( يؤذّن لفريضة إلاّ بعد دخول وقتها ) إجماعا ، وللتأسّي والنصوص ، والأصل ، لوضعه للإعلام بدخول وقت الصلاة والحثّ عليها ( ويقدّم في الصبح رخصة ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (١) ، كالمعتبر (٢) ، وقريب منه الذكرى في موضع (٣) ، حيث لم ينقل فيه خلافا ، وكذا المحقق الثاني في شرح القواعد (٤).

للصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة ، بل ادّعى العماني تواترها (٥) ، ففي الصحيح : إن لنا مؤذّنا يؤذّن بليل ، فقال : « أما إنّ ذلك لينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، وأمّا السنّة فإنه ينادى مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلاّ الركعتان » (٦).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٦٢.

(٢) المعتبر ٢ : ١٣٨.

(٣) الذكرى : ١٦٩.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ١٧٤.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٨٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ٨ ح ٧.

٨١

وروي : أنه كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤذّنان ، أحدهما ابن أمّ مكتوم ، وكان يؤذّن قبل الصبح (١).

إلاّ أن في الصحيح : عن الأذان قبل الفجر ، فقال : « إذا كان في جماعة فلا ، وإذا كان وحده فلا بأس » (٢).

ولكنه شاذ غير معروف القائل ، لأن الأصحاب ما بين مجوّز على الإطلاق ( لكن ) مع الحكم باستحباب أن ( يعيده بعد دخوله ) كما كان يؤذّن بلال بعد ابن أمّ مكتوم ، وروي : أنه أذّن قبل الفجر فأمر بإعادته (٣) ، مع أن للوقت أذانا ، والأصل عدم سقوطه بسابقه.

وبين مانع كذلك ، كالمرتضى والحلي (٤) ، وحكي عن الإسكافي والجعفي والحلبي (٥) ، للأصل ، وأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلالا بالإعادة إذا أذّن قبله ، ونهيه له عن الأذان حتى يستبين له الفجر (٦).

والأصل معارض لما مر من النصوص. والإعادة نقول بها. ونهي بلال ـ إن ثبت ـ لما عرفت من أن ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن قبله.

نعم ، في جملة من النصوص المروية في البحار عن كتاب زيد النرسي ما يدل على المنع (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٣ ، الوسائل ٥ : ٣٨٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٦ ، مستطرفات السرائر : ٩٣ / ١ ، الوسائل ٥ : ٣٩٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ٨ ح ٦.

(٣) درر اللئالي ١ : ١٤٤ ، المستدرك ٤ : ٢٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٧ ح ٣.

(٤) المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٠ ، الحلي في السرائر ١ : ٢١٠.

(٥) حكاه عنهم في الذكرى : ١٧٥ ، وهو في الكافي : ١٢١.

(٦) درر اللئالي ١ : ١٤١ ، المستدرك ٤ : ٢٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٧ ح ٤.

(٧) بحار الأنوار ٨١ : ١٧١ / ٧٥ ، الأصول الستة عشر : ٥٤.

٨٢

لكنها ـ مع عدم وضوح سندها ـ لا تقاوم الأخبار التي قدمناها من وجوه شتى ، فكان طرحها متعيّنا ، وإن كان ترك التأذين لعله أحوط وأولى ، لئلاّ يغترّ العوام المعتمدون في دخول الوقت على الأذان ، بل العلماء المجوّزون لذلك حيث لا يمكن تحصيل العلم به ، تبعا لجملة من النصوص.

وليس في أذان ابن أمّ مكتوم قبل الفجر منافاة لذلك ، بعد إعلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين بوقت أذانه ، كما قال الصدوق : وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤذّنان ، أحدهما بلال ، والآخر ابن أمّ مكتوم ، وكان ابن أمّ مكتوم أعمى ، وكان يؤذّن قبل الصبح ، وكان بلال يؤذّن بعد الصبح ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن ابن أمّ مكتوم يؤذّن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال » (١).

نعم ، لو فرض عدم الاغترار بذلك جاز التقديم بلا إشكال ، ولعله مراد الأصحاب وإن أطلقت الجواز عباراتهم في الباب ، عدا الشهيد في الذكرى ، فقال : وينبغي أن يجعل ضابطا في هذا التقديم ليعتمد عليه الناس (٢). وكذا غيره (٣).

( وفصولهما على أشهر الروايات ) والأقوال ، بل المجمع عليه بين الأصحاب ، على الظاهر ، المستفاد من كثير من العبارات ( خمسة وثلاثون فصلا ، الأذان ثمانية عشر فصلا ) التكبير أربع ، ثمَّ الشهادة بالتوحيد ، ثمَّ بالرسالة ، ثمَّ قول : حيّ على الصلاة ، ثمَّ حيّ على الفلاح ، ثمَّ حيّ على خير العمل ، ثمَّ التكبير ، ثمَّ التهليل ، كل فصل مرتان.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٣ ـ ١٩٤ ، الوسائل ٥ : ٣٨٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ٨ ح ٢.

(٢) الذكرى : ١٦٩.

(٣) انظر جامع المقاصد ٢ : ١٧٤ ، والمدارك ٣ : ٢٧٩.

٨٣

( والإقامة سبعة عشر فصلا ) بنقص تكبيرتين من الأربع ، وإبدالهما بـ « قد قامت الصلاة » مرتين ، بعد حيّ على خير العمل ، وحذف تهليلة من آخرها.

( و ) على هذا فـ ( كله ) أي كل من الأذان والإقامة ( مثنى ) مثنى ( عدا التكبير في أوّل الأذان ، فإنه أربع ، والتهليل في آخر الإقامة ، فإنه مرة ) واحدة.

ففي الموثق كالصحيح : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا ، فعدّ ذلك بيده واحدا واحدا ، الأذان ثمانية عشر حرفا ، والإقامة سبعة عشر حرفا » (١).

وهو وإن كان مجملا غير مبيّن لفصولهما بالنحو المشهور ، إلاّ أنه غير ضائر بعد ثبوت البيان من الإجماع ، إذ لا قائل بما دلّ عليه من فصولهما معا ، وكونها خمسة وثلاثين ، والأذان ثمانية عشر ، والإقامة سبعة عشر ، مع تغيير الفصول عما عليه المشهور.

مضافا إلى ثبوت بيان فصول الأذان من نصوص أخر معتبرة ، ففي الحسن وغيره ، الواردين فيه إنه : « الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أنّ محمدا رسول الله ، أشهد أنّ محمدا رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلاّ الله إلاّ الله لا إله إلاّ الله » (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٢ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ / ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ / ١١٣٢ ، الوسائل ٥ : ٤١٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٠ ، ٦١ / ٢١١ ، ٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٦ / ١١٣٥ ، ١١٣٦ ، الوسائل ٥ : ٤١٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩ ح ٦ ، ٩.

٨٤

وفي الصحيح : « تفتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين » (١).

مع أنّه لم أجد لهذه النصوص معارضا عدا النصوص الدالّة على تثنية التكبير في أوّله (٢) ، وهي وإن كانت معتبرة مستفيضة ، متضمنة للصحيح والحسن وغيرهما ، إلاّ أنها شاذّة لا قائل بها ، بل على خلافها الإجماع في صريح الخلاف والناصرية والغنية والمنتهى (٣) ، وظاهر غيرها من كلمة كثير من أصحابنا (٤).

مع أنها غير صريحة في المخالفة ، لأنها ما بين مصرّح في بيان الفصول بتثنية التكبير ، وهو يحتمل كون المقصود إفهام السائل التلفّظ به ، لا بيان تمام عدده ، كما ذكره شيخ الطائفة (٥).

وهو وإن بعد في الغاية ـ كما ذكره جماعة (٦) ـ إلاّ أنه أولى من طرحه ، أو حمله على الجواز مع كون الفضل في الأربع ، كما يستفاد من النهاية (٧) وغيره (٨) ، أو على كون التكبيرتين الأوليين للإعلام ، كما يستفاد من غيرهما (٩) ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٦١ / ٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٣٧ ، الوسائل ٥ : ٤١٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٤١٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩.

(٣) الخلاف ١ : ٢٧٨ ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٧ ، المنتهى ١ : ٢٥٤.

(٤) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ١٣٩ ، والشهيد في الذكرى : ١٦٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ١٩١ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٧٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٦١.

(٦) منهم : صاحب المدارك ٣ : ٢٨١ ، وصاحب المنتقى ١ : ٥٠٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٥٤.

(٧) النهاية : ٦٨.

(٨) انظر مجمع الفائدة ٢ : ١٧٠ ، والمنتقى ١ : ٥٠٥ ، والمفاتيح ١ : ١١٧ ، والبحار ٨١ : ١٠٩.

(٩) انظر كشف اللثام ١ : ٢٠٧.

٨٥

فإنّ في ذلك خروجا عن الأخبار المعتمدة المجمع عليها ، وهو غير جائز ، وإن شهد لصحة الأخير الخبر المروي في علل الفضل : عن مولانا الرضا عليه‌السلام أنه قال : « علّة تربيع التكبير في أوله إن أوّل الأذان إنما يبدأ غفلة ، وليس قبله كلام ينبّه المستمع له ، فجعل الأوليان تنبيها على الأذان » (١).

لعدم معارضته للأدلّة القاطعة ، بل لا يبعد دعوى ظهوره في موافقتها ، كما لا يخفى.

وبين دال على أن الأذان مثنى مثنى ، كالصحيحين (٢) وغيرهما (٣) ، وهو يحتمل القصد إلى بيان أغلب فصولهما ، ولا بعد فيه ، ألا ترى إلى الرضوي : « أن الأذان ثماني عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة » وذكر فيه صورة الأذان والإقامة بالتفصيل ، بكون التكبير في أوّلهما أربعا ، والباقي مثنى مثنى ، إلاّ التهليل في آخر الإقامة ، فإنه واحدة ، ثمَّ بعد تمام الذكر التفصيلي لهما قال : « الأذان والإقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك » (٤).

وهو حجّة أخرى على كون التكبير في أوّل الأذان أربعا ، كما أنّه حجّة على وحدة التهليل في آخر الإقامة ، فيكون مبيّنا ـ بالنسبة إليه ـ لإجمال الرواية السابقة (٥) ، مضافا إلى ثبوت بيانه أيضا بأدلّة أخر ، كالإجماع الظاهر المحكي‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٥ / ٩١٥ ، علل الشرائع : ٢٥٩ / ٩ ، الوسائل ٥ : ٤١٨ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩ ح ١٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) الأول : الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٤١ ، الوسائل ٥ : ٤١٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩ ح ٤.

الثاني : التهذيب ٢ : ٦١ / ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٣٨ ، الوسائل ٥ : ٤١٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩ ح ٧.

(٣) علل الشرائع : ٣٣٧ / ١ ، الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٦ ح ٢.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٦ ، ٩٧ ، المستدرك ٤ : ٤٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٨ ح ٢.

(٥) في ص : ٨٤.

٨٦

في صريح الناصرية والغنية والمنتهى (١) ، وظاهر غيرها (٢) ، والأخبار الأخر ، منها الصحيح : « إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله » (٣).

ومنها الخبر المروي عن دعائم الإسلام : « الأذان والإقامة مثنى مثنى ، وتفرد الشهادة في آخر الإقامة بقول : لا إله إلاّ الله ، مرة واحدة » (٤).

وأمّا النصوص الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى كالأذان (٥) ، فالجواب عنها كما تقدم الآن ، ومن جملته شذوذها ، لعدم قائل بها حتى الإسكافي (٦) ، ومن حكي عنه الخلاف في المبسوط والخلاف (٧) ، لتفصيل الأوّل بين الإقامة منفردة عن الأذان فالتهليل فيها مثنى مثنى ، ومعه فمرّة واحدة ، ومصير الثاني إلى كون فصولها كالأذان حتى في التكبير أربعا أوّلهما مع زيادة : قد قامت الصلاة ، فيها مرّتين.

وليس في شي‌ء من تلك النصوص دلالة على شي‌ء من هذين القولين ، كما لا دلالة لغيرها عليهما أيضا.

ومنه ـ زيادة على ما مر ـ يظهر ضعفهما ، وضعف ما حكي في المبسوط‌

__________________

(١) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٧ ، المنتهى ١ : ٢٥٤.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ١٤٠ ، الشهيد في الذكرى : ١٦٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ١٩١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ / ١١١٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٤ ح ١.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٤٤ ، المستدرك ٤ : ٤١ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٨ ح ٤.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٢١ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩ ، ٢٠.

(٦) كما نقله عنه في المختلف : ٩٠.

(٧) المبسوط ١ : ٩٩ ، الخلاف ١ : ٩١.

٨٧

والخلاف من القول بتربيع التكبير في آخرهما (١).

ثمَّ إن كل ذا مع الاختيار ، ويجوز إفراد فصولهما عند الحاجة والاستعجال ، كما ذكره جماعة من الأصحاب (٢) ، للصحيح : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبّر واحدة واحدة؟

فقال : « لا بأس به إذا كنت مستعجلا » (٣).

وفي المرسل : « لأن أقيم مثنى مثنى أحبّ إليّ من أن أؤذّن وأقيم واحدا واحدا » (٤).

وفي الخبر : « الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، والأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة واحدة » (٥).

وفي آخر : « يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر » (٦).

( والترتيب ) بينهما وبين فصول كل منهما ( شرط ) في صحتهما بالإجماع ، والنصوص. فإن تعمّد خلافه أثم إن قصد شرعيته ، وإلاّ بطل فقط ، كما إذا سها أو جهل فأخلّ ، ويأتي بما يحصل معه الترتيب حينئذ.

( والسنة ) أي المستحب ( فيه ) أي الأذان بالمعنى الأعم الشامل‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٩ ، الخلاف ١ : ٩٠.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ١٤٠ ، والعلامة في النهاية ١ : ٤١٢ وصاحب المدارك ٣ : ٢٨١.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٤٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢١ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ / ١١٤٢ ، الوسائل ٥ : ٤٢٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٠ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ / ١١٤٣ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢١ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢٢٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ / ١١٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٢٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢١ ح ٥. طاق طاق أي : من غير تكرار. مجمع البحرين ٥ : ٢١٠.

٨٨

للإقامة ( الوقوف على فصوله ) بترك الإعراب من أواخرها ، إجماعا ، على الظاهر ، المحكي عن المعتبر والتذكرة وفي الخلاف وروض الجنان والمنتهى (١) ، وغيرها (٢) ، للنص بأنهما : « مجزومان » (٣) وفي آخر : « موقوفان » (٤).

وفي الصحيح « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (٥).

وجعله الحلبي من شروطهما كما حكي (٦) ، وهو ظاهر النصوص ، إلاّ أنه محمول على الاستحباب ، للأصل المعتضد بالشهرة والإجماع المنقول.

وأن يكون ( متأنّيا في الأذان ) بإطالة الوقوف على أواخر الفصول ( حادرا في الإقامة ) أي : مسرعا فيها بتقصير الوقوف على كل فصل ، لا تركه ، لكراهة إعرابهما لما مضى ، بلا خلاف يعرف ، كما عن التذكرة وفي المنتهى (٧) ، للصحيح المتقدم بأن « الإقامة حدر » ونحوه آخر (٨) ، وفي الخبر : « الأذان ترتيل ، والإقامة حدر » (٩).

( والفصل بينهما ) أي بين الأذان والإقامة ( بركعتين ، أو جلسة ، أو

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٤١ ، التذكرة ١ : ١٠٥ ، الخلاف ١ : ٢٨٢ ، روض الجنان : ٢٤٤. المنتهى ١ : ٢٥٦.

(٢) كجامع المقاصد ٢ : ١٨٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٥ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٥ ح ٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٣ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٥ ح ٢ ، الحدر : الإسراع من غير تأن وترتيل ـ مجمع البحرين ٣ : ٢٦٠.

(٦) الكافي في الفقه : ١٢١.

(٧) التذكرة ١ : ١٠٥ ، المنتهى ١ : ٢٥٦.

(٨) الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٥ ح ٣.

(٩) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٦٥ / ٢٣٢ ، الوسائل ٥ : ٤٢٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٤ ح ٣.

٨٩

سجدة ، أو خطوة ، خلا المغرب ، فإنه لا يفصل بين أذانيها إلاّ بخطوة ، أو سكتة ، أو تسبيحة ) على المشهور بين الأصحاب ، بل عن المعتبر والتذكرة وفي المنتهى (١) وغيره (٢) الإجماع عليه ، والمعتبرة به ـ مع ذلك ـ مستفيضة ، ففي الصحيح : « افرق بين الأذان والإقامة بجلوس ، أو ركعتين » (٣).

وهذه الرواية مطلقة كالفتاوى باستحباب الفصل بالركعتين ولو كانتا من غير الرواتب وفي وقت الفرائض ، لكن ظاهر جملة من النصوص التخصيص بالرواتب في أوقاتها ، كما عن بعض (٤) ، ففي الصحيح : « القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصليها » (٥).

وفي آخر في حديث أذان الصبح قال : « السنّة أن ينادى مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلاّ الركعتان » (٦).

وفي الخبر : « يؤذّن للظهر على ستّ ركعات ، ويؤذّن للعصر على ستّ ركعات » (٧).

وفي آخر مروي عن دعائم الإسلام ، عن مولانا الباقر عليه‌السلام ، قال : « ولا بدّ من فصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو بغير ذلك ، وأقلّ ما يجزي في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمسّ فيها الأرض‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٤٢ ، التذكرة ١ : ١٠٦ ، المنتهى ١ : ٢٥٦.

(٢) كالذكرى : ١٧٥ ، وجامع المقاصد ٢ : ١٨٥ ، والكفاية : ١٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ٢.

(٤) انظر الحدائق ٧ : ٤١٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٧ ، الوسائل ٥ : ٤٤٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٩ ح ٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٨٦ / ١١٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٤٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٩ ح ٥.

٩٠

بيده » (١).

ويستفاد منها علة سقوط الفصل بالركعتين في المغرب بين الأذانين ، ولا يبعد أن يكون ذلك مراد الأصحاب أيضا ، كما يرشد إليه استثناؤهم المغرب ـ كالروايات ـ مع احتمال إحالتهم له على الوضوح من الخارج ، من حرمة النافلة في وقت الفريضة ، فهو أحوط ، حتى أنه لا يصلى من الراتبة بينهما إذا خرج وقتها ، وفي الخبر : « لا بدّ من قعود بين الأذان والإقامة » (٢).

وإطلاقه ـ كأكثر الأخبار المتقدمة ، وصريح بعضها ـ استحباب الفصل بالجلوس بينهما مطلقا ، حتى في المغرب ، كما عن النهاية والحلي (٣) ، لكنهما قيّداه بالخفيف والسريع.

ويعضدها ـ زيادة على ذلك ـ الخبر : « من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله تعالى » (٤).

والمروي عن مجالس الشيخ : قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من السنة الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء ، ليس بين الأذان والإقامة سبحة ، ومن السنة أن يتنفّل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر » (٥) فتأمّل.

والمروي عن فلاح السائل للسيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس رضي‌الله‌عنه عن [ الحسن بن ] (٦) معاوية بن وهب ، عن أبيه ، قال :

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٤٥ ، المستدرك ٤ : ٣٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ١.

(٣) النهاية : ٦٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٢١٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٥١ ، الوسائل ٥ : ٣٩٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ١٠.

(٥) مجالس الشيخ : ٧٠٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ١٣.

(٦) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٩١

دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وقت المغرب ، فإذا هو قد أذّن وجلس ، فسمعته يدعو (١) الحديث.

وظاهره ـ كإطلاق البواقي ـ يدفع التقييد بالخفيف كما ذكراه ، ولعلّهما أخذاه من مراعاة ما دلّ على ضيق وقت المغرب ، ولا بأس به. بل الأحوط ترك الجلوس مطلقا ، للمرسل : « بين كل أذانين قعدة إلاّ المغرب ، فإنّ بينهما نفسا » (٢) ولعلّ المراد به السكتة.

وضعف السند مجبور بالشهرة ، وما عرفته من الإجماعات المحكية ، وبذلك يترجّح على الأخبار المزبورة.

مع أن الصريح منها غير واضحة الأسانيد ، ومعتبرتها مطلقة قابلة للتقييد ، ومع ذلك فهي بإطلاقها شاذّة غير معروفة القائل ، لما عرفت من تقييد النهاية والسرائر (٣) بما ليس فيها.

مع أن ظاهر الحلّي تخصيص استحباب الجلسة وباقي الأمور المتقدمة بالمفرد دون الجامع ، فاستحب له الفصل بالركعتين (٤).

وذكر جماعة عدم وقوفهم على نصّ يدل على استحباب الخطوة والسجود ، وإنما نسبوه إلى الأصحاب (٥) ، مشعرين بدعوى الإجماع ، مع أنه روي في فلاح السائل : عن الصادق عليه‌السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌

__________________

(١) فلاح السائل : ٢٢٨ ، المستدرك ٤ : ٣١ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٩٨ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ٧.

(٣) راجع ص ٩١.

(٤) السرائر ١ : ٢١٣.

(٥) منهم الشهيد الأول في الذكرى : ١٧٥ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٨٧ ، والسبزواري في الكفاية : ١٧.

٩٢

السلام يقول لأصحابه : من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده : ربّ لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا يقول الله تعالى : ملائكتي ، وعزّتي وجلالي لأجعلنّ محبته في قلوب عبادي المؤمنين ، وهيبته في قلوب المنافقين » (١).

وروي فيه أيضا عنه عليه‌السلام أنه : « من أذّن ثمَّ سجد فقال : لا إله إلاّ أنت ، ربّي سجدت لك خاضعا خاشعا غفر الله تعالى ذنوبه » (٢).

وفي الرضوي : « وإن أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعله ، فإنّ فيه فضلا كثيرا ، وإنما ذلك على الإمام ، وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ، ثمَّ يقول : بالله أستفتح .. » (٣) وذكر الدعاء.

وفي الموثق : « إذا قمت إلى الصلاة الفريضة فأذّن وأقم ، وافصل بين الأذان والإقامة بقعود ، أو بكلام ، أو بتسبيح » قال : وسألته : وكم الذي يجزي بين الأذان والإقامة من القول؟ قال : « الحمد لله » (٤).

وفي الصحيح : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام أذّن وأقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس (٥).

ويستفاد منه كون الفصل به للاستحباب ، كما فهمه الأصحاب مما مر من الأخبار الظاهرة في الوجوب.

( ويكره الكلام في خلالهما ) وتتأكّد في الإقامة ، بلا خلاف أجده إلاّ من القاضي ، فكرهه في الإقامة خاصة (٦) ، مشعرا بعدمها في الأذان ، وقريب‌

__________________

(١) فلاح السائل : ١٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ١٤.

(٢) فلاح السائل : ١٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ١٥.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٧ ، المستدرك ٤ : ٣٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٧٧ ، التهذيب ٢ : ٤٩ / ١٦٢ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ ، ٣٩٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ٤ ، ١١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٣٨ ، الوسائل ٥ : ٣٩٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ١١ ح ٩.

(٦) المهذّب ١ : ٩٠.

٩٣

منه الفاضل في المنتهى ، فقال : ولا يستحب الكلام في أثناء الأذان ـ إلى أن قال ـ : ويكره في الإقامة بغير خلاف بين أهل العلم (١).

وفي الكفاية : ويكره الكلام في أثناء الإقامة ، والمشهور استحباب ترك الكلام في خلال الأذان ، ومستنده غير واضح (٢).

أقول : بل ظاهر النصوص عدم البأس به ، ففي الصحيح : أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال : « لا بأس » قلت : في الإقامة؟ قال : « لا » (٣).

وفيه : أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال : « لا بأس » (٤). ونحوه الموثق (٥).

قال الشهيد الثاني وغيره ـ بعد نقل الصحيح الأوّل ـ : ولا ينافي الكراهة في الأذان ، لأن الجواز أعم ، ونفي البأس يشعر به ، وقطع توالي العبادة بالأجنبي يفوّت إقبال القلب عليها (٦).

وهو كما ترى ، لكن لا بأس به بعد شهرة الكراهة ، بناء على جواز المسامحة في أدلّتها.

وظاهر الصحيح الأول وغيره تحريم التكلم في الإقامة ، كما عن المفيد والمرتضى (٧) وغيرهما (٨) ، إلاّ أنه محمول على الكراهة ، جمعا بينها وبين‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٥٦.

(٢) الكفاية : ١٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ / ١١١٠ ، الوسائل ٥ : ٣٩٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٤ ، الوسائل ٥ : ٣٩٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ١١.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٣ ، الوسائل ٥ : ٣٩٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ٦.

(٦) الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٤٤ ، وانظر جامع المقاصد ٢ : ١٨٩.

(٧) المفيد في المقنعة : ٩٨ ، حكي عن جمل المرتضى في شرحه للقاضي : ٧٩ ، وفي المختلف : ٨٨ ، ولكنّا لم نجده في النسختين المطبوعتين من الجمل عندنا.

(٨) انظر النهاية : ٦٦ ، والتهذيب ٢ : ٥٥.

٩٤

الصحاح المستفيضة وغيرها ، ففي الصحيح : عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال : « نعم » (١).

ونحوه آخر ، لكن بزيادة قوله عليه‌السلام : « فإذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، فقد حرم الكلام على أهل المسجد ، إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدم يا فلان » (٢).

ونحوه في الزيادة الموثق : « إذا أقام المؤذّن فقد حرم الكلام ، إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام » (٣).

وظاهرهما ـ كغيرهما ـ تحريم الكلام بعد قول المؤذّن : قد قامت الصلاة ، إلاّ ما يتعلق بالصلاة ، من تقديم إمام أو تسوية صفّ أو نحو ذلك ، كما عليه الشيخان والمرتضى والإسكافي (٤).

خلافاً لعامّة المتأخرين إلاّ النادر (٥) ، فقطعوا بالكراهة ، للمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح وغيره المرويان في مستطرفات السرائر : أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال : « لا بأس » (٦).

ويعضده إطلاق الصحيح السابق ، بل عمومه الناشي عن ترك‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٥ / ١٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٥ / ١٩٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١١٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٤) المفيد في المقنعة : ٩٨ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٩٩ ، وحكاه عن المرتضى في المختلف : ٩٠ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٩٠.

(٥) وهو الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١١٨.

(٦) مستطرفات السرائر : ٩٤ / ٤ ، ٥ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ١٠ ، ١٣.

٩٥

الاستفصال عن كون المقيم مفردا أو جامعا ، متكلّما قبل قد قامت الصلاة أو بعده ، لما يتعلق بالصلاة أم غيره.

ونحوه الخبر : عن الرجل يتكلم في أذانه وإقامته؟ فقال : « لا بأس » (١).

وأظهر منه آخر بحسب الدلالة والسند : « لا بأس بأن يتكلم الرجل وهو يقيم للصلاة ، أو بعد ما يقيم إن شاء » (٢).

والجمع بينها وبين الأخبار السابقة وإن أمكن ، بتقييد هذه بقبل قول : قد قامت الصلاة ، أو بعده مع كون الكلام لما يتعلق بها ، إلاّ أنه فرع التكافؤ المفقود هنا جدّا ، لندرة القائل بالمنع ، ومخالفته الأصل المقطوع به ، المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا. فالكراهة الشديدة أقوى ، وإن كان الترك حينئذ ـ بل مطلقا ـ أحوط وأولى.

ولو تكلم أعادها مطلقا ، كما ذكره جماعة (٣) ، ونسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافة (٤) ، للصحيح : « لا تتكلم إذا أقمت الصلاة ، فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة » (٥).

ولو تكلم في خلال الأذان لم يعده ، عامدا كان أو ناسيا ، إلاّ أن يتطاول بحيث يخرج عن الموالاة ، ومثله السكوت الطويل.

( و ) من الكلام المكروه ( الترجيع ) كما عليه معظم المتأخّرين ، بل‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١٣ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٥ / ١٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١٥ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ١٠.

(٣) منهم الشهيد في الدروس ١ : ١٦٥ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٩٦ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٤٢٨.

(٤) روض الجنان : ٢٤٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٥ / ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١٢ ، الوسائل ٥ : ٣٩٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ٣.

٩٦

عامتهم عدا نادر (١) ، وفي المنتهى وعن التذكرة أنه مذهب علمائنا (٢).

وهو الحجة ، مضافا إلى الإجماع في الخلاف على أنه غير مسنون (٣) ، فيكره لأمور : قلة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان ، وإخلاله بنظامه ، وفصله بأجنبيّ بين أجزائه ، وكونه شبه ابتداع.

وقال أبو حنيفة : إنه بدعة (٤) ، وعن التذكرة : هو جيّد (٥) ، وفي السرائر وعن ابن حمزة أنه لا يجوز (٦).

وهو حسن إن قصد شرعيّته ، كما صرّح به جماعة من المحققين (٧) ، وإلاّ فالكراهة متعيّن ، للأصل ، مع عدم دليل على التحريم حينئذ ، عدا ما قيل : من أن الأذان سنة متلقّاة من الشارع كسائر العبادات ، فتكون الزيادة فيه تشريعا محرّما ، كما تحرم زيادة : أن محمدا وآله خير البرية ، فإن ذلك وإن كان من أحكام الإيمان إلاّ أنه ليس من فصول الأذان (٨).

وهو كما ترى ، فإن التشريع لا يكون إلاّ إذا اعتقد شرعيّته من غير جهة أصلا.

ومنه يظهر جواز زيادة : أنّ محمدا وآله ـ إلى آخره ـ وكذا عليا وليّ الله ، مع عدم قصد الشرعية في خصوص الأذان ، وإلاّ فيحرم قطعا. ولا أظنّهما من‌

__________________

(١) وهو صاحب المدارك ٣ : ٢٩٠.

(٢) المنتهى ١ : ٢٥٤ ، التذكرة ١ : ١٠٥.

(٣) الخلاف ١ : ٢٨٨.

(٤) حكاه عنه في التذكرة ١ : ١٠٧.

(٥) التذكرة ١ : ١٠٥.

(٦) السرائر ١ : ٢١٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٩٢.

(٧) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٨٨ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٩٠ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٥٧ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٤١٧.

(٨) المدارك ٣ : ٢٩٠.

٩٧

الكلام المكروه أيضا ، للأصل ، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم التبادر ، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة (١).

وقد استثنى المتأخّرون ـ تبعا للشيخ (٢) ـ من كراهة الترجيع ما أشار إليه بقوله ( إلاّ للإشعار ) والتنبيه ، كما في الخبر : « لو أنّ مؤذّنا أعاد في الشهادة أو في حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرّتين والثلاث أو أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » (٣).

وضعف السند مجبور بالشهرة ، بل الاتفاق ، كما في صريح المختلف (٤) ، وظاهر غيره (٥).

وفيه دلالة على الكراهة بالمفهوم حيث لا يقصد الإشعار ، لكن لا تصريح فيه بلفظ الترجيع ، ولا معناه المشهور من تكرار الشهادتين مرّتين أخريين ، كما في الخلاف وعن الجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى ونهاية الإحكام (٦) ، وعن المبسوط والمهذب وفي الدروس : أنه تكرير التكبير والشهادتين في أول الأذان (٧) ، وعن جماعة من أهل اللغة : أنه تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما (٨).

__________________

(١) الاحتجاج : ١٥٨ ، بحار الأنوار ٨١ : ١١٢.

(٢) راجع النهاية : ٦٧ ، والمبسوط ١ : ٩٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٨ / ٣٤ ، التهذيب ٣ : ٦٣ / ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٤٩ ، الوسائل ٥ : ٤٢٨ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٣ ح ١.

(٤) المختلف : ٨٩.

(٥) انظر جامع المقاصد ٢ : ١٨٨.

(٦) الخلاف ١ : ٢٨٨ ، الجامع للشرائع : ٧١ ، التحرير ١ : ٣٥ ، التذكرة ١ : ١٠٥ ، المنتهى ١ : ٢٥٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٤١٤.

(٧) المبسوط ١ : ٩٥ ، المهذّب ١ : ٨٩ ، الدروس ١ : ١٦٢.

(٨) منهم ابن الأثير في النهاية ٢ : ٢٠٢ ، والمطرزي في المغرب ١ : ٢٠٣ ، والفيروزآبادي في القاموس ٣ : ٢٩.

٩٨

نعم فسّره في الذكرى بتكرار الفصل زيادة على الموظّف (١). وهو يوافق ما في الخبر ، وقريب منه الرضوي : « ليس فيهما ـ أي في الأذان والإقامة ـ ترجيع ولا ترديد ولا الصلاة خير من النوم » (٢). فتأمّل.

( و ) كذا التثويب مكروه ، سواء فسّر ( بقول : الصلاة خير من النوم ) كما هو المشهور ، أو بتكرير الشهادتين دفعتين ، كما عليه الحلي وغيره (٣) ، أو بالإتيان بالحيعلتين مثنى بين الأذان والإقامة كما قيل (٤).

للإجماع على أنه بالمعنى الأوّل غير مسنون ، كما في التهذيبين والخلاف (٥) ، وفيه الإجماع على أنه في العشاء الآخرة بدعة (٦) ، وفي الناصريات : أنه في صلاة الصبح بدعة (٧) ، وفي الانتصار كذلك ، إلاّ أنه قال : إنه مكروه (٨). ويظهر منه أن مراده بالكراهة المنع ، حيث قال : والدليل على صحة ما ذهبنا إليه من كراهيته والمنع منه الإجماع الذي تقدم.

وفي السرائر الإجماع على أنه لا يجوز ، واستدل عليه ـ كالناصرية والخلاف ـ بعده بانتفاء الدليل على شرعيته ، وبالاحتياط ، لأنه لا خلاف في أنه لا ذمّ على تركه ، فإنه إمّا مسنون أو غيره ، مع احتمال كونه بدعة (٩).

__________________

(١) الذكرى : ١٦٩.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٦ ، المستدرك ٤ : ٤٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩ ح ١ ، وفيهما : « تردّد » بدل « ترديد ».

(٣) السرائر ١ : ٢١٢ ، وانظر النهاية : ٦٧.

(٤) قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١١٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ، الخلاف ١ : ٢٨٦ ، ٢٨٧.

(٦) الخلاف ١ : ٢٨٨.

(٧) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٢.

(٨) الانتصار : ٣٩.

(٩) السرائر ١ : ٢١٢.

٩٩

وظاهره التحريم ، كما عليه المشهور على الظاهر ، المصرّح به في المختلف (١). ولا ريب فيه مع قصد الشرعية ، كما في المسألة المتقدمة (٢) ، وإلاّ فما ذكروه من الأدلة على التحريم لا تفيده كلية عدا الإجماع ، وفي شمول دعواه لمحل الفرض إشكال ، بل ظاهر سياق عباراتهم الإجماع على المنع عنه بالنحو الذي يراه جماعة من العامة من كونه سنة (٣) ، فمحصّله الإجماع على عدم كونه سنة ، لا أنه محرّم مطلقا ، ولو مع عدم قصد الشرعية.

وبالجملة : الظاهر أن محل النزاع الذي يدّعى فيه الإجماع إنما هو التثويب الذي يفعل بقصد الاستحباب ، كما عليه العامة ، ولذا أن المحقق الثاني مع تصريحه أوّلا بالتحريم مطلقا قال ـ بعد الاستدلال عليه ونقل معارضه من الأقوال والأخبار ـ : نعم لو قاله معتقدا أنه كلام خارج من الأذان اتّجه القول بالكراهة ، لكن لا يكون بينه وبين غيره من الكلام فرق ، على أن البحث فيه مع من يقول باستحبابه في الأذان وعدّه من الفصول ، فكيف يعقل القول بالكراهة (٤). انتهى.

ولنعم ما أفاد وأجاد ، رحمه الله. ويعضده ما في كتاب زيد النرسي عن مولانا الكاظم عليه‌السلام : « الصلاة خير من النوم بدعة بني أميّة ، وليس ذلك من أصل الأذان ، ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبّه الناس للصلاة أن ينادي بذلك ، ولا يجعله من أصل الأذان ، فإنا لا نراه أذانا » (٥) فتأمّل (٦).

__________________

(١) المختلف : ٨٩.

(٢) راجع ص ٩٧ ، ٩٨.

(٣) انظر نيل الأوطار ٢ : ١٨ ، والمجموع ٣ : ٩٨.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ١٩٠.

(٥) الأصول الستة عشر : ٥٤ ، المستدرك ٤ : ٤٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٩ ح ٢.

(٦) وجهه أنه يحتمل أن يكون المراد بالرخصة في قوله ، الرخصة فيه في غير الأذان ، أي خارجه ، وهو غير بعيد ، ويشهد له ما روي فيه أيضا ( أصل زيد النرسي : ٥٤ ، المستدرك ٤ : ٢٥ ، ٤٤ ) أنه عليه‌السلام سئل عن الأذان قبل طلوع الفجر ، فقال : « لا ، إنما الأذان عند طلوع الفجر أوّل ما يطلع ، قيل : فإن كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة وينبّههم ، قال : فلا يؤذّن ، ولكن ليقل وينادي بالصلاة خير من النوم ، يقولها مرارا ، وإذا طلع الفجر أذّن » فتأمل. منه رحمه الله.

١٠٠