رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

( و ) أمّا ( الذي تجب عليه ) حضور الجمعة فهو ( كلّ مكلف ذكر حرّ سليم من المرض والعرج والعمى ) حال كونه ( غير همّ (١) ولا مسافر ) ولا بعيد عنها بفرسخين أو بأزيد منهما على الخلاف الآتي.

فلا تجب على الصبي مطلقا وإن صحّت من المميز تمرينا وأجزأته عن ظهره كذلك.

ولا على المجنون حال جنونه.

ولا على المرأة مطلقا (٢).

ولا على الخنثى إذا كان مشكلا على قول.

ولا على العبد مطلقا ، أذن له السيّد أم لا ، قنّا كان أو مدبّرا أو مكاتبا ، أدّى شيئا أم لا ، إلاّ إذا هايأه المولى فاتّفق الجمعة في نوبته فتجب الجمعة على قول (٣).

ولا على المريض مطلقا ولو لم يشقّ عليه الحضور في ظاهر إطلاق النص (٤) والفتوى ، وإن قيل بوجوب الحضور مع عدم المشقة التي لا تتحمل عادة إلاّ مع خوف زيادة المرض فلا تجب الجمعة (٥).

ولا على الأعرج إذا كان مقعدا قطعا لا مطلقا وفاقا لجماعة (٦) وإن أطلق‌

__________________

(١) بالكسر : الشيخ الفاني ـ المصباح المنير : ٦٤١.

(٢) أي : ولو أذن لها زوجها ( منه رحمه الله ).

(٣) انظر المبسوط ١ : ١٤٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٨ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٩ / ٦٩ ، المعتبر ٢ : ٢٧٤ ، الوسائل ٧ : ٢٩٩ أبواب صلاة الجمعة بـ ١ ح ١٤.

(٥) كما قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٤.

(٦) منهم المحقق الأول في المعتبر ٢ : ٢٩٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد : ١٣٢ ، الشهيد الأول في الذكرى : ٢٣٤ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٨٧.

٣٤١

آخرون (١) ، لعدم دليل عليه يعتدّ به عدا رواية مرسلة (٢) لا جابر لها ، عدا دعوى المنتهى إجماعنا على اشتراط عدم العرج مطلقا (٣) ، لكنها كالرواية تحتمل الانصراف إلى المتبادر منه وهو الذي ذكرناه ، ويشعر به سياق عبارة المنتهى ، مع أنه في التذكرة قيّده بالبالغ حدّ الإقعاد وادّعى عليه إجماعنا (٤) ، وفيها وفي نهاية الإحكام (٥) أنه إن لم يبلغه فالوجه السقوط مع المشقة والعدم بدونها.

ولا على الأعمى مطلقا كالمريض ، وقيل فيه أيضا ما مضى (٦).

ولا على الشيخ الكبير العاجز عن الحضور أو الشاق عليه مشقة لا تتحمل عادة.

ولا على المسافر سفرا يجب عليه التقصير لا مطلقا.

ولا على البعيد بفرسخين أو أزيد.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده إلاّ ما مرّ فيه الخلاف ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة وإن اختلفت في دعواه في الجميع كالمنتهى وغيره (٧) ، أو في البعض خاصة كالفاضل في التذكرة فقد ادّعاه في الحرّية وانتفاء الشيخوخة وما عرفته (٨) ، كالشهيدين في الذكرى وروض الجنان (٩) في الحرّية‌

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٤٣ ، ابن البراج في المهذّب ١ : ١٠٠ ، المحقق في الشرائع ١ : ٩٦ ، ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٩٠.

(٢) العروس : ٥٦ ، المستدرك ٦ : ٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ١ ح ١.

(٣) المنتهى ١ : ٣٢٣.

(٤) التذكرة ١ : ١٥٣.

(٥) نهاية الاحكام ٢ : ٤٣.

(٦) نقله عن الشهيد الثاني في الحدائق ١٠ : ١٥٠ ولكنه في الروضة البهية ١ : ٣٠٣ ، والمسالك ١ : ٣٤ قال بالسقوط عن الأعمى مطلقا.

(٧) المنتهى ١ : ٣٢٣ ، وانظر المعتبر ٢ : ٢٨٩.

(٨) التذكرة ١ : ١٥٣.

(٩) الذكرى : ٢٣٣ ، روض الجنان : ٢٨٧.

٣٤٢

خاصة وإن كان ظاهرهما كغيرهما انعقاد إجماعنا على الجميع ، وهو الحجّة فيه.

مضافا إلى السنّة المستفيضة ، ففي الصحيح : « وضعها عن تسعة : عن الصغير ، والكبير ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمريض ، والأعمى ، ومن كان على رأس فرسخين » (١).

ونحوه في بعض خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام المروية في الفقيه (٢). قيل : وروي مكان المجنون الأعرج (٣).

وفيه : « إلاّ خمسة : المريض ، والمملوك ، والمسافر ، والمرأة ، والصبي » (٤).

ولا تنافي بينهما واقعا وإن توهّم ظاهرا ، لأن الهمّ والأعمى والأعرج كأنهم مرضى ، والمجنون بحكم الصبي ، والإعراض عن البعيد لأن المقصود حصر المعدود في المسافة التي يجب فيها الحضور ، ولعلّه لذا لم يعبّر الماتن عن هذا الشرط بما ذكرناه ، بل قال ( وتسقط عنه ) الجمعة ( لو كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين ) وما اعتبره من الزيادة عليهما هو الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (٥) ، كالخلاف والغنية كما حكاه بعض الأجلة (٦) ، وفيه الحجّة ، مضافا إلى العموم والمعتبرة كالصحيحين :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ / ١٧ ، الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ١ ح ١ ، في غير « ح » : على فرسخين.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٥ / ١٢٦٢ ، الوسائل ٧ : ٢٩٧ أبواب صلاة الجمعة بـ ١ ح ٦.

(٣) قال به الشيخ الفقيه أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمّي في كتاب العروس : ٥٦.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٨ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٩ / ٦٩ ، الوسائل ٧ : ٢٩٩ أبواب صلاة الجمعة بـ ١ ح ١٤.

(٥) المنتهى ١ : ٣٢٣.

(٦) الخلاف ١ : ٥٩٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، وحكاه عنهما الفاضل الهندي في كشف

٣٤٣

« تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين » (١).

ونحوهما المروي في العلل والعيون : « إنما وجبت الجمعة على من كان منها على فرسخين لا أكثر من ذلك ، لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا ، أو بريد ذاهبا وجائيا ، والبريد أربعة فراسخ ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير ، وذلك أنه يجي‌ء فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر » (٢).

خلافا للصدوق وابن حمزة (٣) فأسقطاها عمّن على رأس فرسخين ، للصحيحة المتقدمة (٤). وأجيب عنها بالحمل على من زاد بقليل ، لامتناع الحصول على نفس الفرسخين حقيقة (٥). وحملت في المختلف على السهو (٦). والأوّل أقرب.

وهنا قولان آخران يحتملان ـ كالصحيح المستدل به عليهما ـ الحمل على ما اخترناه (٧).

__________________

اللثام ١ : ٢٥٣.

(١) الأول :

الكافي ٣ : ٤١٩ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ / ٦٤٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ / ١٦٢٠ ، الوسائل ٧ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجمعة بـ ٤ ح ٥.

الثاني :

الكافي ٣ : ٤١٩ / ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ / ٦٤١ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ / ١٦١٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجمعة بـ ٤ ح ٦.

(٢) علل الشرائع : ٢٦٦ / ٩ ، عيون الأخبار ٢ : ١١١ / ١ ، الوسائل ٧ : ٣٠٨ أبواب صلاة الجمعة بـ ٤ ح ٤.

(٣) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٦٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٠٣.

(٤) في ص ٣٤٣ الرقم (١).

(٥) كما في جامع المقاصد ٢ : ٣٨٧ ، المدارك ٤ : ٥٢.

(٦) المختلف : ١٠٧.

(٧) قد أشار إليهما وإلى الصحيح المستدل به لهما في الذكرى : ٢٣٤ ، وكذا في المدارك ٤ : ٥٦.

٣٤٤

وظاهر العبارة كغيرها عدم سقوط الجمعة عمّن اجتمعت فيه الشرائط المتقدمة فيه مطلقا مع أنّ في الصحيح : « لا بأس أن تدع الجمعة في المطر » (١).

وفي التذكرة : لا خلاف فيه ، والوحل كذلك ، للمشاركة في المعنى (٢).

وفي الذكرى : وفي معناه الوحل والحرّ الشديد والبرد الشديد إذا خاف الضرر معهما ، وفي معناه من عنده مريض يخاف فوته بخروجه إليها أو تضرره به ، ومن كان له خبز يخاف احتراقه ، وشبه ذلك (٣).

وفي المنتهى : السقوط مع المطر المانع والوحل الذي يشقّ معه المشي وأنه قول أكثر أهل العلم ، قال : لو مرض له قريب وخاف موته جاز له الاعتناء به وترك الجمعة ، ولو لم يكن قريبا وكان معنيّا به (٤) جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره مقامه ، ولو كان عليه دين يمنعه من الحضور وهو غير متمكن سقطت عنه الجمعة ، ولو تمكّن لم يكن عذرا (٥).

وعن الإسكافي : من كان في حقّ لزمه القيام بها ، كجهاز ميت أو تعليل والد أو من يجب حقه ، ولا يسعه التأخير عنها (٦).

وهو مشكل إن استلزم القيام بها والحال هذه الضرر أو المشقة التي لا تتحمل مثلها عادة ، لعموم نفيهما في الشريعة المرجح على عموم التكليفات طرّا اتفاقا واعتبارا. ومنه يظهر الوجه في إلحاق بعض ما مرّ بشرط البلوغ إلى‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢٢١ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ / ٦٤٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤١ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٣ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ١٥٣.

(٣) الذكرى : ٢٣٤.

(٤) من الإخوان المحبوبين له ( منه رحمه الله ).

(٥) المنتهى ١ : ٣٢٣.

(٦) نقله عنه في المختلف : ١٠٨.

٣٤٥

هذا الحدّ ، ويمكن فهمه من العبارة بجعل العنوان فيها كلّ مكلف ، ولا تكليف معه.

( ولو حضر أحد هؤلاء ) المدلول عليهم بالقيود المذكورة في العبارة ـ من الأعمى والمسافر والمريض والأعرج والهمّ والبعيد (١) ـ محلا أقيم فيه الجمعة ( وجبت عليه ، عدا الصبي والمجنون والمرأة ).

أما وجوبها على من عدا هذه الثلاثة بعد الحضور فهو المشهور على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض (٢) ، وعن ظاهر الغنية دعوى الإجماع عليه مطلقا (٣) ، كما هو ظاهر الإيضاح والمحقّق الثاني لكن فيمن عدا العبد والمسافر (٤) ، والمنتهى في المريض خاصة وصريحة في الأعرج (٥) ، وصريح التذكرة في المريض والمحبوس لعذر المطر أو الخوف (٦) ، وفي المدارك نفي الخلاف عنه في البعيد (٧).

ولعلّه للعموم ، واختصاص ما دلّ على وضعها عنهم من النصوص ـ بعد ضمّ بعضها إلى بعض ـ بإفادة وضع لزوم الحضور إليها لا مطلقا ، وإلاّ لما جاز لهم فعلها عن الظهر ، وهو باطل إجماعا كما هو ظاهر المدارك في الجميع (٨) ،

__________________

(١) في « ش » : والعبد.

(٢) انظر المدارك ٤ : ٥٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ١٢٤ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٨٨.

(٥) المنتهى ١ : ٣٢٣.

(٦) التذكرة ١ : ١٤٧.

(٧) في « ح » : العبد. ولم نعثر على نفي الخلاف في المدارك.

(٨) المدارك ٤ : ٥٥.

٣٤٦

والمنتهى في العبد والبعيد والمسافر (١) ، والذكرى في الأخير (٢).

هذا مضافا إلى الخبر المنجبر بعمل الأكثر وفيه : « إنّ الله عز وجل فرض الجمعة على جميع المؤمنين والمؤمنات ، ورخّص للمرأة والمسافر والعبد أن لا يأتوها ، فلمّا حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأوّل فمن أجل ذلك أجزأ عنهم » (٣).

وبما ذكر يذبّ عن النصوص الدالّة على كون الظهر فريضة المسافر (٤) ، بحملها على صورة عدم الحضور إلى مقام الجمعة كما هو الغالب المتبادر من إطلاقاتها.

خلافا لظاهر المبسوط والمنقول عن ابن حمزة والفاضل (٥) في العبد والمسافر ، فلا تجب عليهما وإن جاز لهما فعلهما ، لما مرّ مع الجواب عنه.

ويتأكد في الأخير ، لورود النصر باستحبابها له ، ففي الموثق المروي عن ثواب الأعمال والأمالي : « أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبة فيها وحبّا لها أعطاه الله تعالى أجر مائة جمعة » (٦).

وهو صريح في عدم وجوب الظهر معينة في حقّه ، بناء على أن فعلها ولو مستحبة يسقط فرض الظهر إجماعا ، كما صرّح به في المدارك وغيره (٧). فهو دليل‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٢) الذكرى : ٢٣٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٨ ، الوسائل ٧ : ٣٣٧ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٨ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ١٦١ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٧٣ ح ٦ ، ٧ ، ٨ ، وج ٧ : ٣٠٢ أبواب صلاة الجمعة بـ ١ ح ٢٩.

(٥) المبسوط ١ : ١٤٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٠٣ ، الفاضل في المنتهى ١ : ٣٢٢.

(٦) ثواب الأعمال : ٦٣ ، أمالي الصدوق : ١٩ / ٥ ، الوسائل ٧ : ٣٣٩ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٩ ح ٢.

(٧) المدارك ٤ : ٧٩ ، وانظر روض الجنان : ٢٩٢.

٣٤٧

على الحمل الذي قدّمناه في أخبار المسافر ، أو حملها على أن الظهر فريضة تخييرا بينها وبين الجمعة حيث يحضرها ، لكنه مبني على كون المراد بالوجوب في عبارة الأصحاب والنص الوجوب التخييري ، دفعا لتوهم احتمال وجوب الترك ، وهو خلاف الظاهر ، بل عن صريح التهذيب والكافي والغنية والسرائر ونهاية الإحكام (١) التصريح بالوجوب العيني ، وعليه فيتعيّن الحمل الأول.

وحيث وجبت عليهم انعقدت بهم أيضا ، بلا خلاف ظاهر فيمن عدا العبد والمسافر ، بل في المدارك دعوى الاتفاق عليه في البعيد والمريض والأعمى والمحبوس بعذر المطر ونحوه حاكيا له عن جماعة (٢) ، ولعلّ منهم فخر الدين في الإيضاح والمحقّق الثاني في شرح القواعد والفاضل في التذكرة (٣) ، لكنه لم يدّعه إلاّ في المريض والمحبوس بالعذر خاصة.

وأمّا فيهما فقولان ، أظهرهما نعم وفاقا للأكثر ، للعموم ، وظاهر الخبر المتقدم ، مع نقل الإجماع عليه عن الغنية (٤) ، وضعف ما يقال في توجيه المنع.

وأمّا عدم الوجوب على الصبي والمجنون فلا خلاف فيه ، كما لا خلاف في عدم الانعقاد بهما وبالمرأة ، بل عن التذكرة وفي المدارك والذخيرة وغيرهما (٥) التصريح بالاتفاق عليه فيها ، ويعضده الأصل مع اختصاص النصوص الدالة على اعتبار العدد بحكم التبادر وغيره بغيرهم.

وأما الوجوب عليها مع الحضور ففيه قولان.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١ ، الكافي في الفقه : ١٥١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، السرائر ١ : ٢٩٠ ، نهاية الإحكام ٢ : ٩.

(٢) مدارك الأحكام ٤ : ٥٥.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ١٢٠ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٨٨ ، التذكرة ١ : ١٤٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٥) التذكرة ١ : ١٤٧ ، ١٥٣ ، المدارك ٤ : ٥٥ ، الذخيرة : ٣٠٠ ، وانظر روض الجنان : ٢٨٧.

٣٤٨

للأوّل ـ كما عن التهذيب والمقنعة والنهاية والكافي والإشارة والتحرير والمنتهى (١) ـ الخبر المتقدم وغيره.

وللثاني ـ كما عن ظاهر المبسوط (٢) ، وعزاه في الذكرى إلى الأشهر (٣) ـ الأصل وضعف الخبر.

ولعلّه أقرب ، لاختصاص الجابر للضعف بغير محل البحث ، مع إطلاق الصحيح بالكراهة الغير المجامعة للوجوب : « إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها ، وإن صلّت في المسجد أربعا نقصت صلاتها ، لتصلّ في بيتها أربعا أفضل » (٤) فتأمل.

وهو صريح في الجواز. وقد حكى في المدارك القول بالمنع عن المعتبر (٥) ، وهو خلاف ظاهر الأصحاب ، بل قيل : لا خلاف في جواز صلاتهن الجمعة إذا أمن الافتتان والافتضاح وأذن لهنّ من عليهن استيذانه ، وإذا صلّين كانت أحد الواجبين تخييرا (٦).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١ ، المقنعة : ١٦٤ ، النهاية : ١٠٣ ، الكافي في الفقه : ١٥١ ، إشارة السبق : ٩٧ ، التحرير ١ : ٤٤ ، المنتهى ١ : ٣٢١.

(٢) المبسوط ١ : ١٤٣.

(٣) الذكرى : ٢٣٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤١ / ٦٤٤ ، الوسائل ٧ : ٣٤٠ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٢ ح ١.

(٥) المدارك ٤ : ٥٥.

(٦) كشف اللثام ١ : ٢٥٤.

٣٤٩

( وأمّا اللواحق فسبع : )

( الأولى : إذا زالت الشمس وهو ) أي المصلّي المدلول عليه بالمقام ( حاضر ) مستجمع لشرائط الوجوب عليه ( حرم عليه ) قبل فعلها ( السفر ) إلى غير جهتها ، إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في التذكرة والمنتهى (١) ( لتعيّن الجمعة ) وتحقق الأمر بها ، وهو موجب لتفويتها المحرّم قطعا فيكون حراما أيضا.

وفيه نظر ، بل العمدة هو الإجماع المعتضد بظواهر جملة من النصوص ، منها المرتضوي المروي في نهج البلاغة : « لا تسافر يوم الجمعة حتى تشهد الصلاة إلاّ فاصلا (٢) في سبيل الله أو في أمر تعذر به » (٣).

ولا خلاف فيما فيه من الاستثناء ، ويعضده إباحة الضرورات للمحظورات المتفق عليها نصّا وفتوى واعتبارا.

وأمّا في سفر البعيد إلى جهة الجمعة أو عن الجمعة إلى أخرى فوجهان ، واحتمل في الذكرى ثالثا مفصّلا بين ما لو كانت قبل محل الترخص كموضع يرى الجدار أو يسمع الأذان فيجوز إن أمكن الفرض ، وما لو كانت في محلّه فلا (٤).

( ويكره بعد الفجر ) إجماعا كما في التذكرة والمنتهى (٥) ، وفي الأوّل الإجماع على عدم كراهيته ليلا ، ولا ريب فيه ، للأصل ، كما لا ريب في الأوّل ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٤٤ ، المنتهى ١ : ٣٣٦.

(٢) أي : خارجا ذاهبا. وفي النسخ المخطوطة والوسائل : ناضلا.

(٣) نهج البلاغة ( محمد عبده ) ٣ : ١٤١ / ٦٩ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب صلاة الجمعة بـ ٥٢ ح ٦.

(٤) الذكرى : ٢٣٣.

(٥) التذكرة ١ : ١٤٤ ، المنتهى ١ : ٣٣٦.

٣٥٠

للإجماع المعتضد بإطلاق المنع في جملة من الروايات ، مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن.

( الثانية : يستحب الإصغاء إلى الخطبة ) واستماعها. ولا يجب ، وفاقا للمبسوط وجماعة (١) ، للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة ، عدا ما استدلّ به على الوجوب من انتفاء الفائدة بدونه ، والآية الآمرة بالإنصات والاستماع للقرآن (٢) ، بناء على ما ذكروا في التفسير من ورودها في الخطبة ، وسمّيت قرآنا لاشتمالها عليه (٣) ، وعموم المعتبرة بأنها صلاة حتى ينزل الإمام (٤).

وشي‌ء من ذلك لا يصلح للخروج عن الأصل ، لمنع حصر الفائدة في الإصغاء خصوصا غير الوعظ ، ومعارضة التفسير المتقدم بما عن تفسير العيّاشي (٥) من أنها في الصلاة المكتوبة (٦).

وعن تفسير علي بن إبراهيم : أنها في صلاة الإمام الذي يأتم به (٧).

وعن التبيان أنّ فيها أقوالا ، الأوّل : أنها في صلاة الإمام ، فعلى المقتدي به الإنصات. والثاني : في الصلاة فإنهم كانوا يتكلّمون فيها فنسخ. والثالث : أنها في خطبة الإمام. والرابع : أنها في الصلاة والخطبة. قال الشيخ : وأقواها الأول ، لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن إلاّ حال قراءة الإمام في‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٦ ، وانظر المعتبر ٢ : ٢٩٤ ، والقواعد ١ : ٣٧ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٨٤.

(٢) الأعراف : ٢٠٤.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٥١٥.

(٤) راجع ص ٣٢٦. بناء على أنّ الإصغاء لقراءة الإمام واجب على المأمومين في الصلاة فكذا ما هو بمنزلته. منه رحمه الله.

(٥) في « ش » و « م » : ابن عباس.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ٤٤ / ١٣١.

(٧) تفسير القمي ١ : ٢٥٤.

٣٥١

الصلاة ، فإنّ على المأموم الإنصات لذلك والاستماع له ، فأما خارج الصلاة فلا خلاف أنه لا يجب الإنصات والاستماع ، وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه في حال الصلاة وغيرها ، وذلك على وجه الاستحباب (١).

ونحوه في نفي الخلاف عن [ عدم ] (٢) وجوب الإنصات خارج الصلاة عن فقه القرآن للراوندي (٣). وهو دليل آخر على الاستحباب.

هذا مع أخصّية هذا الدليل عن المدّعى كالسابق (٤) ، وضعف عموم المعتبرة بما سبق إليه الإشارة (٥).

( وقيل : يجب ) والقائل الشيخ في النهاية وأكثر الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جمع (٦). ولعلّه الأظهر ، لما مرّ من الأدلة مع ضعف ما قيل في الجواب عنها ، إذ لا وجه لمنع الحصر بعد عدم تصور فائدة غير الإصغاء ، والأخصية باختصاصها بالوعظ مدفوعة بعدم القائل بالفرق بين أجزاء الخطبة ، مع احتمال استلزام لزوم الإصغاء إليه لزومه بالإضافة إلى الباقي ولو من باب المقدمة ، سيّما على القول بعدم لزوم الترتيب بين أجزائها ، فتأمل.

وبنحو هذا يجاب عن أخصية الدليل الثاني ، ومعارضة مبناه بمثله حسن إلاّ أن غايتها القدح في البناء ، وهو لا يستلزم عدم إمكان الاستدلال بالآية بوجه آخر وهو الإطلاق الشامل لمحل النزاع. ودفعه بنفي الخلاف المتقدم المنقول‌

__________________

(١) التبيان ٥ : ٦٧.

(٢) أضفناه من المصدر ولاقتضاء المعنى.

(٣) فقه القرآن ١ : ١٤١.

(٤) لاختصاصه بوجوب إنصات القراءة من الخطبة لا جميعها. منه رحمه الله.

(٥) في ص ٣٣٥ ، ٣٣٦.

(٦) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٤٠١ ، والمحقق السبزواري في كفاية الأحكام : ٢١.

٣٥٢

حسن إن لم يكن في محل النزاع موهونا والحال أنه موهون ، كيف لا والمخالف موجود ، وهو كاف في وهنه وإن كان واحدا فضلا عن أن يكون مشهورا.

وتضعيف المعتبرة بما سبق إليه الإشارة قد عرفت ضعفه.

وبهذه الأدلة يضعّف الأصل سيّما بعد اعتضادها بالاحتياط والنصوص الناهية عن الكلام ، بناء على ظهور أن وجه النهي فيها إنما هو وجوب الإصغاء ، ولذا كان حكمهما متلازما فتوى كما أشار إليه بقوله ( وكذا الخلاف في تحريم الكلام معها ) فكل من أوجب الإصغاء حكم بالتحريم هنا ، ومن قال بالكراهة فيه قال باستحباب الإصغاء ، ففي المرسل : « لا كلام والإمام يخطب ، ولا التفات إلاّ كما يحلّ في الصلاة ، وإنما جعلت الجمعة ركعتين » (١) إلى آخر ما مرّ إليه الإشارة في بحث اشتراط الطهارة.

ونحوه بعينه الرضوي والمرتضوي المروي عن دعائم الإسلام (٢) ، لكن بدون قوله : « وإنما جعلت » إلى آخره.

وأظهر منه الآخر المروي عنه أيضا أنه عليه‌السلام قال : « يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم ويصغون إليه » (٣).

والصادقي المروي عنه : « إذا قام الإمام يخطب وجب على الناس الصمت » (٤). وهو نصّ في الوجوب.

وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة والاعتضاد بالأدلة المتقدمة ، مضافا إلى الإجماع المنقول في الخلاف هنا (٥) ، فتأمل.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٩ / ١٢٢٨ ، المقنع : ٤٥ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٤ ح ٢.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ١٨٢ ، المستدرك ٦ : ٢٢ ، أبواب صلاة الجمعة بـ ١٢ ح ٣.

(٣) دعائم الإسلام ١ : ١٨٣ ، المستدرك ٦ : ٢٢ ، أبواب صلاة الجمعة بـ ١٢ ح ٥.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٨٢ ، المستدرك ٦ : ٢٢ ، أبواب صلاة الجمعة بـ ١٢ ح ٢.

(٥) الخلاف ١ : ٦٢٥.

٣٥٣

وفحوى الصحيحة المانعة عن الصلاة حال الخطبة (١) ، فإن المنع عنها يستلزم المنع عن نحو الكلام بطريق أولى.

نعم ربما يؤيد الكراهة وقوع التعبير عن المنع بلفظها في بعض النصوص المروي عن قرب الإسناد (٢) ، وب « لا ينبغي » في الصحيح (٣) ، لكنهما محمولان على التحريم جمعا ، مع ضعف الرواية الأولى بأبي البختري جدّا.

ثمَّ إنّ وجوب الإصغاء هل يختص بالعدد أم يعمّ الحاضرين ، وكذا تحريم الكلام هل يختص بهم أم يعمّهم والإمام؟

وجهان ، بل قولان. ظاهر الأدلة : الثاني في المقامين. خلافا للتذكرة فيهما ، وفيها : إن الخلاف إنما هو في القريب السامع ، أما البعيد والأصمّ فإن شاءا سكتا وإن شاءا قرءا وإن شاءا ذكرا (٤).

واعلم أنّ وجوب الإصغاء وترك الكلام تعبدي لا شرطي ، فلا يفسد الخطبة ولا الصلاة بالإخلال بهما إجماعا ، كما عن التحرير ونهاية الإحكام وغيرهما (٥).

( الثالثة : الأذان الثاني للجمعة ) وهو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت ، سواء كان بين يدي الخطيب أم على المنارة أم غيرهما ( بدعة ) لتأدّي الوظيفة بالأول ، فيكون هو المأمور به وما سواه بدعة ، لأنه لم يفعل في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في عهد الأوّلين ، وإنما أحدثه عثمان أو‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢١٤ / ٨٣٨ ، الوسائل ٧ : ٤١٧ أبواب صلاة الجمعة بـ ٥٨ ح ٢.

(٢) قرب الإسناد : ١٥٠ / ٥٤٤ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٤ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢١ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٣ ، الوسائل ٧ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٤ ح ١.

(٤) التذكرة ١ : ١٥٢.

(٥) التحرير ١ : ٤٤ ، نهاية الإحكام ٢ : ٣٨ ، وانظر جامع المقاصد ٢ : ٤٠٢.

٣٥٤

معاوية على اختلاف النقلة ، وإذا لم يكن مشروعا أوّلا فتوظيفه ثانيا على الوجه المخصوص يكون بدعة وإحداثا في الدين ما ليس منه فيكون محرّما.

وللخبر : « الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة » (١).

فإنّ المشهور أنّ المراد بالثالث فيه هو الثاني المفروض ، وإنّما سمّي ثالثا ـ كما عن بعض الأصحاب أيضا ـ (٢) لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرّع للصلاة أذانا وإقامة ، فالأذان الثاني يكون بالنسبة إليهما ثالثا ، وسمّيناه ثانيا لوقوعه بعد الأول وما بعده يكون إقامة ، صرّح بذلك الماتن في المعتبر وغيره (٣).

ولكن احتمل كون المراد بالثالث فيه أذان العصر ، ولذا قيل بالمنع عنه ، وهو ضعيف. وإلى هذا القول ذهب الحلّي (٤) وجمهور المتأخرين.

( وقيل : ) إنه ( مكروه ) والقائل الشيخ في المبسوط واختاره الماتن في المعتبر (٥) ، للأصل ، وضعف الخبر ، وعموم البدعة فيه للحرام وغيره ، وحسن الذكر والدعاء إلى المعروف وتكريرهما ، قال الماتن : لكن من حيث لم يفعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يأمر به كان أحق بوصف الكراهة.

ويدفع الأصل بما مرّ. ويجبر ضعف الخبر بعمل الأكثر. ويمنع عموم البدعة لغير الحرام لظهورها بحكم التبادر فيه ، وفي الصحيح : « ألا وإنّ كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢١ / ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩ / ٦٧ ، الوسائل ٧ : ٤٠٠ أبواب صلاة الجمعة بـ ٤٩ ح ١ ، ٢.

(٢) كابن فهد في المهذّب البارع ١ : ٤١٠.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٩٦ ، وانظر الشرائع ١ : ٩٧.

(٤) السرائر ١ : ٣٠٤.

(٥) المبسوط ١ : ١٤٩ ، المعتبر ٢ : ٢٩٦.

(٦) الفقيه ٢ : ٨٧ / ٣٩٤ ، التهذيب ٣ : ٦٩ / ٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٦٧ / ١٨٠٧ ، الوسائل ٨ : ٤٥ أبواب نافلة شهر رمضان بـ ١٠ ح ١.

٣٥٥

وحسن الذكر والتكرير مسلّم إن لم يقصد به التوظيف على الوجه المخصوص ، وإلاّ كما هو محل البحث فممنوع.

وأرى النزاع هنا لفظيا كما صرّح به بعض الأصحاب (١) ، للاتفاق على حرمة التشريع وحسن الذكر الخالي عنه ، وإن أطلقت العبارات بالمنع أو الكراهة ، لكن سياقها ظاهر في التفصيل وأن المقصود بالمنع صورة التشريع وبالجواز غيرها.

ثمَّ إن تفسير الثاني بما مرّ خيرة ثاني المحقّقين والشهيدين (٢) ، واحتمل الأول تفسيره بما لم يقع بين يدي الخطيب ، سواء وقع أوّلا أو ثانيا ، لأنه الثاني باعتبار الإحداث. وحكاه الثاني عن بعض الأصحاب مضعّفا له كالأوّل بأن كيفية الأذان الواقع في عهده غير شرط في شرعيته إجماعا ، إذ لو وقع قبل صعود الخطيب إلى المنبر أو خطب على الأرض ولم يصعد منبرا لم يخرج بذلك عن الشرعية ، وإنما المحدث ما فعل ثانيا كيف كان.

وقيل في تفسيره غير ذلك (٣).

( الرابعة : يحرم البيع بعد النداء ) للجمعة إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (٤) ، وللآية الكريمة ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (٥).

والمرسلة : « كان بالمدينة إذا أذّن يوم الجمعة نادى مناد : حرم البيع » (٦).

__________________

(١) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٥٥.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٤٢٥ ، روض الجنان : ٢٩٥.

(٣) انظر : مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٧٦.

(٤) منهم العلامة في التذكرة ١ : ١٥٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣١٤ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٢٢.

(٥) الجمعة : ٩.

(٦) الفقيه ١ : ١٩٥ / ٩١٤ ، الوسائل ٧ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجمعة بـ ٥٣ ح ٤.

٣٥٦

وظاهرها كالآية والعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة توقف التحريم على الأذان ، ومقتضاه عدمه قبله مطلقا ولو زالت الشمس ، وبه صرّح جماعة ومنهم الفاضل في النهاية والمنتهى (١) مدّعيا عليه إجماعنا ، مع أنه في الإرشاد رتّبه على الزوال (٢) ، واختاره في روض الجنان ، قال : لأنه السبب الموجب للصلاة ، والنداء إعلام بدخول الوقت ، فالعبرة به ، فلو تأخر الأذان عن أول الوقت لم يؤثر في التحريم السابق ، لوجود العلّة ووجوب السعي المترتب على دخول الوقت وإن كان في الآية مترتبا على الأذان ، إذ لو فرض عدم الأذان لم يسقط وجوب السعي ، فإنّ المندوب لا يكون شرطا للواجب (٣).

ولا يخلو عن نظر ، سيّما في مقابلة الإجماع المنقول المعتضد بعمل الأكثر.

وفي اختصاص الحكم (٤) بالبيع أو عمومه لأنواع المعاوضات بل مطلق الشواغل قولان.

من الأصل ، واختصاص دليل المنع من الكتاب والسنّة به.

ومن إشعار ما هو كالتعليل في الأول بالعموم ، مع إمكان دعوى قطعية المناط بالاعتبار في المنع عن البيع ، وهو خوف الاشتغال عن الصلاة الحاصل في محل النزاع. لكن هذا إنما يتوجه على تقدير اختصاص المنع عن البيع بصورة حصول الاشتغال به لا مطلقا ، لكن الدليل مطلق كالفتاوي ، مع تصريح بعضهم بالمنع عنه مطلقا كالمحقّق الثاني (٥) ، لكن يمكن الجواب عنه‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٥٣ ، المنتهى ١ : ٣٣٠.

(٢) الإرشاد ١ : ٢٥٨.

(٣) روض الجنان : ٢٩٥.

(٤) في « ش » : المنع.

(٥) راجع جامع المقاصد ٢ : ٤٢٨.

٣٥٧

بانصراف الإطلاق إلى الصورة الأولى ، لكونها الغالب دون غيرها.

ثمَّ إنّ الحكم بالتحريم لمن توجّه إليه الخطاب بالجمعة واضح ، وفي غيره الواقع طرف المعاوضة وجهان ، بل قولان : من الأصل ، واختصاص المانع بحكم التبادر بالأوّل. ومن إعانته على الإثم المحرّمة كتابا وسنّة ، وهذا أجود حيثما تحصل ، وإلاّ فالجواز.

( و ) اعلم أنه ( لو باع انعقد ) البيع وصحّ وإن أثم ، وفاقا للأكثر ، بل عليه عامة من تأخر ، لعدم اقتضاء النهي في المعاملات الفساد. وقيل : لا ينعقد (١) ، تضعيفا للدليل.

والتحقيق في الأصول.

( الخامسة : إذا لم يكن الإمام عليه‌السلام موجودا ) أي كان غائبا عنّا كزماننا هذا ( وأمكن الاجتماع والخطبتان استحبت الجمعة ) (٢) وكانت أفضل الفردين الواجبين ، وفاقا للأكثر ، قيل : لعموم الأوامر بالجمعة من الكتاب والسنّة ، ومقتضاها الوجوب ، وهو أعم من العيني والتخييري ، ولمّا انتفى الأوّل بالإجماع تعيّن الثاني (٣).

وللمعتبرة ، منها الصحيح : حثّنا أبو عبد الله عليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك فقال : « [ لا ] إنما عنيت عندكم » (٤).

والموثق : « مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله تعالى » قال ، قلت :

__________________

(١) كما قال به الشيخ في الخلاف ١ : ٦٣١.

(٢) في المختصر المطبوع : الجماعة.

(٣) كما في جامع المقاصد ٢ : ٣٧٥.

(٤) المقنعة : ١٦٤ ، التهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٥ ، الوسائل ٧ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجمعة بـ ٥ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناها من المصادر.

٣٥٨

كيف أصنع؟ قال : « صلّوا جماعة » يعني صلاة الجمعة (١).

وفي الجميع نظر ، لمنع أعمية الوجوب المستفاد من الأمر من العيني والتخييري ، لاختصاصه بحكم التبادر بالأوّل دون الثاني ، ولو سلّم فغايتها الدلالة على وجوب الجمعة الصحيحة ، وهي على ما عرفت ما كانت بإذن الإمام مقرونة ، وليست بمفروض المسألة.

ودعوى حصول الإذن للفقيه الجامع لشرائط الفتوى في صلاتها ممنوعة ، لعدم ظهور دليل يدل عليه لا من إجماع لمكان الخلاف ، ولا من رواية لاختصاصها بإفادة الإذن له في خصوص الحكومة والفتوى ، وهما غير الإذن له في صلاة الجمعة وفعلها.

ودعوى الأولوية ممنوعة هنا قطعا ، لظهور أن الإذن في الحكومة والفتيا إنما هو للزوم تعطيل الأحكام وتحيّر الناس في أمور معادهم ومعاشهم وظهور الفساد فيهم واستمراره إن لم يقضوا أو يفتوا ، ولا كذلك الجمعة إذا تركت كما لا يخفى ، هذا.

ومفاد هذا الكلام على تقدير تسليمه إنما هو اختصاص الاستحباب بصورة وجود الفقيه وحرمتها من دونه ، وهو خلاف ما يقتضيه إطلاق العبارة وكلام جماعة بل أكثر المجوّزين كما صرّح به في روض الجنان فقال : ثمَّ على تقديره ـ أي الاستحباب ـ هل يشترط في شرعيتها حينئذ الفقيه الشرعي أم يكفي اجتماع باقي الشرائط والايتمام بإمام يصحّ الاقتداء به في الجماعة؟ أكثر المجوّزين على الثاني ، وهم بين مطلق للشرعية مع إمكان الاجتماع والخطبتين ، وبين مصرّح بعدم اشتراط الفقيه ، وممّن صرح به أبو الصلاح ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٦ ، الوسائل ٧ : ٣١٠ أبواب صلاة الجمعة بـ ٥ ح ٢.

٣٥٩

ونقله عنه المصنف في المختلف ، وصرّح به أيضا الشهيد في الذكرى ، والمستند إطلاق الأوامر من غير تقييد بالإمام أو من نصبه عموما أو خصوصا ، خرج منه ما اجمع عليه ، وهو مع إمكان إذنه وحضوره ، فيبقى الباقي على أصل الوجوب من غير شرط (١).

أقول : ما ذكره من إطلاق الأوامر من غير تقييد ممنوع ، لما عرفت من الأدلة على اشتراط الإذن مطلقا ( و ) ولذا ( منعه ) أي عقد الجمعة في هذه الأزمنة ( قوم ) كالمرتضى والحلّي والديلمي وغيرهم (٢) ، وتبعهم من المتأخرين الفاضل في المنتهى ، وجهاد التحرير كما قيل ، والشهيد في الذكرى (٣).

وفي عبارات كثير من الأصحاب المجوّزين لفعلها زمن الغيبة ما يدلّ عليه ، كعبارة الشهيد رحمه‌الله في الدروس واللمعة والفاضل في النهاية (٤) ، فإنهم عبّروا بأن الفقهاء يجمّعون في حال الغيبة ، ولو كان اشتراط الإذن مختصا بحال الحضور لجاز فعلها في غيرها مطلقا ولو لغير الفقيه ، وحينئذ فلا وجه لتخصيصهم الرخصة به ، فليس ذلك إلاّ لعموم الاشتراط.

وقد بالغ المحقّق الثاني في تعميم الاشتراط فقال : لا نعلم خلافا بين أصحابنا في أنّ اشتراط الجمعة بالإمام أو نائبه لا يختلف فيه الحال بظهور الإمام وغيبته ، وعبارات الأصحاب ناطقة بذلك ، ثمَّ نقل الإجماعات المنقولة على الاشتراط مطلقا عن التذكرة والذكرى وغيرهما ، ثمَّ قال : فلا يشرع فعل‌

__________________

(١) روض الجنان : ٢٩١.

(٢) المرتضى في جوابات المسائل الميافارقيات ( رسائل الشريف المرتضى ١ ) : ٢٧٢ ، الحلّي في السرائر ١ : ٣٠٣ ، الديلمي في المراسم : ٧٧ ، وانظر الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩٠ ، الوسيلة لابن حمزة : ١٠٣.

(٣) المنتهى ١ : ٣١٧ ، التحرير ١ : ١٥٨ ، الذكرى : ٢٣١.

(٤) الدروس ١ : ١٨٦ ، الروضة ١ : ٢٩٩ ، نهاية الأحكام ٢ : ١٤.

٣٦٠