رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

خلاف أجده إلاّ من المبسوط والخلاف ، فقال : إنه إن كبّر المأموم بتكبيرة واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنيا صحّت صلاته (١). وفي الذكرى وغيره : لم نقف على مأخذه (٢). مع أنه استدلّ له في الخلاف بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير وانعقاد الصلاة به من غير تفصيل بين أن يكبّر قائما أو يأتي به منحنيا ، فمن ادّعى البطلان احتاج إلى دليل.

قلت : قد عرفته ، وبعبارة أخرى : كلّ عبادة خالفت كيفيتها المتلقّاة من الشرع زيادة ونقصانا أو هيئة فالأصل بطلانها مطلقا ، إلى أن يقوم دليل على الصحة ، للتأسّي الواجب في العبادة التوقيفية بحسب القاعدة الأصولية ، مضافا إلى الرواية في الصلاة الموجبة له ، وهي مشهورة (٣) ، هذا.

وفي الصحيح : « إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه ، فقد أدرك الركعة » (٤).

ونحوه في الدلالة على اعتبار القيام في التكبيرة ولو في الجملة الموثق : عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال : « يعيد الصلاة ، ولا صلاة بغير افتتاح » وعن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام وافتتح الصلاة وهو قائم ، ثمَّ ذكر ، قال : يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد ، وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام [ فنسي ] (٥) حتى افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعليه أن [ يقطع‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٥ ، الخلاف ١ : ٣٤١.

(٢) الذكرى : ١٧٨ ، وانظر المدارك ٣ : ٣٢٢.

(٣) وهي منقولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومتنها : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي ».

انظر عوالي اللئالي ١ : ١٩٧ / ٨ ، وصحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، وسنن الدار قطني ١ : ٣٤٦ / ١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٢ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥٢ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ / ١٦٧٩ ، الوسائل ٨ : ٣٨٢ أبواب صلاة الجماعة بـ ٤٥ ح ١.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

١٢١

صلاته ] (١) ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ، ولا يعتدّ بافتتاحه وهو قاعد » (٢).

( وللمصلّي الخيرة في تعيينها ) أي تكبيرة الإحرام ( من ) أيّ التكبيرات ( السبع ) التي يستحب التوجّه بها ـ كما سيأتي في مندوبات الصلاة (٣) ـ بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (٤) ، بل ظاهر المنتهى والذكرى إجماع الأصحاب عليه (٥) ، لإطلاق النصوص باستحباب السبع (٦) ، من دون تصريح فيها بجعل أيّها تكبيرة الإحرام ، مع أنها واحدة إجماعا فتوى ورواية.

نعم في الرضوي : « واعلم أن السابعة هي الفريضة ، وهي تكبيرة الافتتاح ، وبها تحريم الصلاة » (٧).

قيل : وقد يظهر من المراسم والكافي والغنية أنها متعيّنة (٨) ، كما في ظاهر الرواية.

وهي قاصرة السند عن الصحة ولو كانت معتبرة ، وفتوى الجماعة بها غير صريحة ، مع أنها معارضة بجملة من النصوص الصحيحة الدالّة على أنها الاولى ـ مضافا إلى الإجماعات المتقدمة على التخيير المنافي للتعيين ـ منها :

__________________

(١) في « ح » : يفتتح الصلاة ، وفي « م » و « لـ » : يفتتح لصلاته ، وفي « ش » : يفتتح لصلواته ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٦ ، الوسائل ٦ : ١٤ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٢ ح ٧.

(٣) في ص ٢٥٧.

(٤) كما في المفاتيح ١ : ١٢٧.

(٥) المنتهى ١ : ٢٦٨ ، الذكرى : ١٧٩.

(٦) الوسائل ٦ : ٢٠ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٧.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٥.

(٨) قال به في كشف اللثام ١ : ٢١٤ ، وهو في المراسم : ٧٠ ، والكافي في الفقه : ١٤٢ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٩.

١٢٢

ما دلّ على تعليل استحباب السبع بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح الصلاة والحسين عليه‌السلام إلى جانبه يعالج التكبير فلا يحيره ، فلم يزل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبّر ويعالجه عليه‌السلام حتى أكمل سبعا فأحار عليه‌السلام في السابعة (١).

وهو ظاهر ـ بل صريح ـ في أن الأولى هي التي افتتح بها الصلاة ، والافتتاح لا يطلق حقيقة إلاّ على تكبيرة الإحرام.

وبهذا التقريب يظهر وجه دلالة الصحيح : « إذا افتتحت فارفع كفّيك ثمَّ ابسطهما بسطا ، ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات » (٢) الحديث.

وقريب منه آخر : قلت له : الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح وهذه أصحّ من تلك سندا ، وأكثر عددا (٣).

ومقتضى الجمع بينهما التخيير كما ذكروه ، مع أفضلية جعلها الأخيرة ، كما عن المبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره ، وعليه الشهيدان في الذكرى والروضة وروض الجنان والمحقق الثاني (٤) ، ونسبه بعض إلى الشيخ والمتأخرين (٥) ، خروجا عن شبهة القول بالتعيين ، كما عمّن مرّ من الجماعة ، والتفاتا إلى صراحة الرضوية بأنّها السابعة ، وأقلّها الاستحباب. ولا كذلك الصحاح المتقدمة ، إذ غايتها الدلالة على الجواز ، لا الرجحان وجوبا أو‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٧ / ٢٤٣ ، علل الشرائع : ٣٣١ / ١ ، الوسائل ٦ : ٢٠ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٧ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٠ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ / ٢٤٤ ، الوسائل ٦ : ٢٤ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٨ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٦ / ١٠٠١ ، التهذيب ٢ : ١٤٥ / ٥٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ / ١٣٣١ ، الوسائل ٦ : ١٤ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٢ ح ٨.

(٤) المبسوط ١ : ١٠٤ ، الاقتصاد : ٢٦١ ، مصباح المتهجد : ٣٣ ، الذكرى : ١٧٩ ، الروضة ١ : ٢٨١ ، روض الجنان : ٢٦٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٣٩.

(٥) الناسب هو الشيخ البهائي في الاثنا عشرية الصلاتية : ٣٩.

١٢٣

استحبابا كما يتوهم ، ولأجله يقال بعكس ما في الرضوية (١) ، مع أنه لا قائل به من معتبري الطائفة ، مع رجحان ما فيها بأنه أبعد من عروض المبطل وقرب الإمام من لحوق لاحق به ، فهو أولى.

( وسننها ) ومستحباتها أمور :

منها ( النطق بها على وزن « أفعل » من غير مدّ ) أي إشباع حركتي الهمزة والباء أو إحداهما ، لا بحيث يؤدّي إلى زيادة ألف ، وإلاّ فهو مبطل ، كما في السرائر والدروس وعن المبسوط في أكبار ، قالوا : لأن أكبار جمع كبر ، وهو الطبل (٢) ، وتبعهم جماعة من الأصحاب ، وإن اختلفوا في إطلاق المنع ، كما هو ظاهرهم ، أو تقييده بقصد الجمع ، كما في المنتهى والتحرير والمعتبر على ما نقل (٣) ، أو تردد في غير صورة القصد ، كالشهيد في الذكرى (٤).

والأصح الأوّل ، وفاقا للشهيد الثاني وسبطه (٥) وغيرهما (٦) أيضا ، لخروجه بذلك عن المنقول.

( و ) منها ( إسماع الإمام من خلفه ) من المأمومين إيّاها ، بلا خلاف يعرف على الظاهر ، المصرح به في المنتهى (٧) ، قالوا : ليقتدوا به فيها ، لعدم الاعتداد بتكبيرهم قبله.

__________________

(١) انظر الوافي ٨ : ٦٣٨ ، والحدائق ٨ : ٢١ ، وحكاه فيه عن البهائي في حواشي الاثنا عشرية وعن السيد نعمة الله الجزائري.

(٢) السرائر ١ : ٢١٦ ، الدروس ١ : ١٦٧ ، المبسوط ١ : ١٠٢.

(٣) نقله عنهم في كشف اللثام ١ : ٢١٤ ، وهو في المنتهى ١ : ٢٦٨ ، والتحرير ١ : ٣٧ ، والمعتبر ٢ : ١٥٦.

(٤) الذكرى : ١٧٩.

(٥) الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٠ ، وسبطه في المدارك ٣ : ٣٢٣.

(٦) انظر الحدائق ٨ : ٣٥.

(٧) المنتهى ١ : ٢٦٩.

١٢٤

أقول : مضافا إلى عموم ما دلّ على استحباب إسماع الإمام من خلفه كلّ ما يقول (١) ، وهو وإن دلّ على استحباب إسماعه إيّاهم التكبيرات الست أيضا ، إلاّ أن به تفوت الحكمة المتقدمة في كلام الجماعة ، مع أن هنا جملة من النصوص الدالة على استحباب الإسرار بها ، ففي الصحيح : « إذا كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها وتسرّ ستا » (٢) ونحوه غيره (٣).

وليس فيها الدلالة على استحباب الجهر بتكبيرة الإحرام ولا إسماعها من خلفه كما زعم.

هذا إذا لم يفتقر إسماع الجميع إلى العلوّ المفرط ، ولو افتقر اقتصر على الوسط.

واحترز بالإمام عن غيره ، فإن المأموم يسرّ بها كالباقي الأذكار. ويتخيّر المنفرد ، للإطلاق.

وقيل باستحباب رفع الصوت بها مطلقا (٤).

ومستنده غير واضح ، عدا إطلاق بعض النصوص بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكبّر واحدة ويجهر بها ويسرّ ستا (٥).

لكنه بيان للفعل الذي لا عموم فيه ، فيحتمل وقوعه جماعة ، كما هو الغالب في صلواته صلوات الله وسلامه عليه ، فتأمّل (٦).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة بـ ٥٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٧ / ١١٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٣ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ١٢ ح ١.

(٣) الخصال : ٣٤٧ / ١٨ ، الوسائل ٦ : ٣٣ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ١٢ ح ٣.

(٤) قال به الجعفي على ما حكاه عنه في الذكرى : ١٧٩.

(٥) عيون الأخبار ١ : ٢١٧ / ١٨ ، الخصال ٢ : ٣٤٧ / ١٦ ، الوسائل ٦ : ٣٣ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ١٢ ح ٢.

(٦) وجهه واضح ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يقتصر على الفرائض ، وجماعته الغالبة إنما هي فيها ، وأما المندوبات والنوافل فغير نادرة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل كثيرة لازمة بعضها عليه ،

١٢٥

( و ) منها ( أن يرفع بها ) وبسائر التكبيرات المستحبة ( المصلّي يديه محاذيا وجهه ) إلى شحمتي أذنيه أو منكبيه أو نحره ، على اختلاف الأقوال ـ كالنصوص ـ بعد اتفاقها على كراهة أن يتجاوز بهما الرأس والأذنين. والأوّل أشهر ، وفي الخلاف الإجماع عليه وعلى أصل الحكم (١) ، بل نفى عنه الخلاف بين علماء الإسلام جماعة من الأصحاب (٢) ، وجعله في الأمالي من متفردات الإمامية (٣).

ولعله كذلك ، إذ لم يخالف فيه إلاّ المرتضى ، حيث أوجب الرفع ، مدّعيا الإجماع عليه (٤).

وهو شاذّ ، وإجماعه لا يبلغ قوّة المعارضة لتلك الإجماعات المستفيضة ، المعتضدة بفتوى الطائفة. وبها تصرف الآية (٥) والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٦) ـ على تقدير دلالتها على الوجوب ـ إلى الاستحباب جمعا ، مع ظهور جملة من النصوص بحسب السياق وغيره فيه ، مضافا إلى خصوص الصحيح : « على الإمام أن يرفع يده في الصلاة ، وليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة » (٧).

__________________

واستحباب التوجّه بسبع تكبيرات غير مختصة بالفرائض. منه رحمه الله.

(١) الخلاف ١ : ٣٢٠.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ١٥٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٦٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٤٠.

(٣) أمالي الصدوق : ٥١١.

(٤) كما في الانتصار : ٤٤.

(٥) الكوثر : ٢.

(٦) الوسائل ٦ : ٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٩.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٨٧ / ١١٥٣ ، قرب الإسناد : ٢٠٨ / ٨٠٨ بتفاوت يسير ، الوسائل ٦ : ٢٧ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٩ ح ٧.

١٢٦

وهو نصّ في عدم وجوب الرفع مطلقا على غير الإمام ، وظاهر في وجوبه عليه ، وصرف الظاهر إلى النص لازم ، حيث لا يمكن الجمع بينهما بإبقاء كل منهما على حاله ، كما هنا ، للإجماع على عدم الفرق بين الإمام وغيره مطلقا ، وهو هنا أن تحمل الظاهرة في الوجوب على تأكّد الاستحباب. ومن أراد زيادة التحقيق فعليه بمراجعة شرح المفاتيح.

وينبغي أن يكون يداه مضمومتي الأصابع كلها ، كما عليه الأكثر ، ومنهم الخلاف ، مدعيا عليه الإجماع (١) ، أو ما عدا الإبهام ، كما عليه الإسكافي والمرتضى (٢).

وأن يستقبل القبلة ببطنهما ، للصحيحين (٣).

وأن يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبيرة وانتهاؤه مع انتهائها ، على المشهور ، بل عن المعتبر وفي المنتهى أنه قول علمائنا (٤) ، وقيل : فيه قولان آخران ، يبتدئ بالتكبير حال إرسالهما ، كما في أحدهما ، أو يبتدئ بالتكبير عند انتهاء الرفع فيكبّر عند تمام الرفع ثمَّ يرسلهما (٥).

ويشهد لهذا القول نحو الصحيح : « إذا افتتحت فارفع يديك ثمَّ ابسطهما بسطا ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات » (٦). فتدبّر.

وللأوّل نحو الصحيحين رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام : يرفع يديه حيال‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٢١.

(٢) حكاه عنهما في المعتبر ٢ : ١٥٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٦ / ٢٤٠ ، الوسائل ٦ : ٢٧ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٩ ح ٦. ولم نعثر على الصحيح الآخر.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٠٠ ، المنتهى ١ : ٢٨٥.

(٥) كما في الحدائق ٨ : ٤٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٠ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ / ٢٤٤ ، الوسائل ٦ : ٢٤ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٨ ح ١.

١٢٧

وجهه حين استفتح (١) والعمل بهما أظهر.

وأما دليل القول الآخر فلم يظهر.

( الثالث : القيام )

( وهو ) في الفرائض ( ركن مع القدرة ) عليه ، تبطل الصلاة بالإخلال به مطلقا ، بإجماع العلماء ، كما عن المعتبر وفي المنتهى (٢) وغيره (٣).

وهو الحجة ، مضافا إلى الإجماعات الأخر ، المحكيّة حدّ الاستفاضة ، والكتاب (٤) ، والسنة المستفيضة ـ بل المتواترة ـ بوجوبه (٥) ، المستلزم لركنيته ، بناء على أن الإخلال به مع القدرة عليه يوجب عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فيبقى تحت عهدة التكليف إلى أن يتحقق الامتثال به ، هذا. وفي الصحيحين : « من لم يقم صلبه فلا صلاة له » (٦).

وهل الأصل فيه الركنية مطلقا ، إلاّ في المواضع التي لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقيصته بالدليل الخارجي؟

أو ما كان منه في تكبيرة الإحرام وقبل الركوع متصلا به خاصة؟

أو أنه تابع لما وقع فيه ، فركن إذا كان المتبوع ركنا ، وشرط إذا كان شرطا ، وواجب إذا كان واجبا ، ومستحب إذا كان مستحبا؟

__________________

(١) الأول : التهذيب ٢ : ٦٦ / ٢٣٦ ، الوسائل ٦ : ٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٩ ح ٣.

الثاني : التهذيب ٢ : ٦٦ / ٢٤٠ ، الوسائل ٦ : ٢٧ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ٩ ح ٦.

(٢) المعتبر ٢ : ١٥٨ ، المنتهى ١ : ٢٦٤.

(٣) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٠٠ ، وصاحب كشف اللثام ١ : ٢١٠.

(٤) البقرة : ٢٣٨.

(٥) الوسائل ٥ : ٦٨٩ أبواب القيام بـ ١.

(٦) الأول : الفقيه ١ : ١٩٧ / ٩١٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٨ أبواب القيام بـ ٢ ح ١.

الثاني : الكافي ٣ : ٣٢٠ / ٤ ، المحاسن : ٨٠ / ٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٩ أبواب القيام بـ ٢ ح ٢.

١٢٨

أقوال ، لم يظهر للعبد ثمرة في اختلافها ، بعد اتفاقهم على عدم ضرر في نقصانه بنسيان القراءة وأبعاضها ، وبزيادته في غير المحل سهوا ، وبطلان الصلاة بالإخلال بما كان منه في تكبيرة الإحرام وقبل الركوع مطلقا.

نعم ، اتفاقهم على البطلان في المقامين كاشف عن ركنيّته فيهما ، وثمرتها فساد الصلاة لو أتى بهما من غير قيام.

ومنه ينقدح وجه النظر فيما قيل من أنه لو لا الإجماع المدّعى على الركنية لأمكن القدح فيها ، لأن زيادته ونقصانه لا يبطلان إلاّ مع اقترانه بالركوع ، ومعه يستغنى عن القيام ، لأن الركوع كاف في البطلان (١).

لمنع الحصر في قوله : إلاّ مع اقترانه بالركوع ، أوّلا ، لما عرفت من البطلان بالإخلال به في التكبير أيضا. وتوجّه النظر إلى قوله : والركوع كاف في البطلان ، ثانيا ، لدلالته على التلازم بين ترك القيام قبل الركوع وتركه. وهو ممنوع ، لتخلّف ترك القيام من تركه فيما لو أتى به عن جلوس ، لأنه ركوع حقيقة عرفا ، ولا وجه لفساد الصلاة حينئذ إلاّ ترك القيام جدّا.

وكيف كان ، لا شبهة ولا خلاف في ركنيته في المقامين ، إلاّ من المبسوط في القيام حال التكبير ، وهو شاذ ، وقد تقدم الكلام فيه في التكبير (٢).

واعلم أن حدّه الانتصاب عرفا ، ويتحقق بنصب فقار الظهر ، كما هو ظاهر الصحيحين المتقدمين (٣) ، فلا يخلّ به الإطراق وإن كان الأولى تركه ، للمرسل : « النحر : الاعتدال في القيام ، أن يقيم صلبه ونحره » (٤).

ويشترط فيه الاستقرار ، لأنه معتبر في مفهومه ، وفي الخبر : « يكفّ عن‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية ١ : ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٢) راجع ص ١٢٠ ، ١٢١.

(٣) في ص ١٢٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٦ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ / ٣٠٩ ، الوسائل ٥ : ٤٨٩ أبواب القيام بـ ٢ ح ٣.

١٢٩

القراءة حال مشيه » (١).

والأظهر الأشهر ـ بل عليه عامة من تأخر ، إلاّ من ندر (٢) ـ وجوب الاستقلال مع الاختيار ، بمعنى عدم الاعتماد على شي‌ء بحيث لو رفع السناد لسقط ، للتأسي ، وللصحيح « [ لا تمسك ] (٣) بخمرك (٤) وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار إلاّ أن تكون مريضا » (٥).

وقريب منه الخبر المروي عن قرب الإسناد : عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط ، فقال : « لا » (٦).

هذا ، مضافا إلى أن المتبادر من القيام ـ المأمور به كتابا وسنة ـ إنما هو الخالي عن السناد ، بل ربما كان حقيقة فيه مجازا في غيره ، كما يفهم من فخر المحققين في الإيضاح ، حيث قال ـ بعد نقل الرواية المعارضة في الجواب عنها ـ : ولا يعمل بها ، لقوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٧) والقيام الاستقلال (٨). ونحو المحقق الثاني (٩).

ويظهر من قوله : ولا يعمل بها شذوذها ، كما يفهم من عبارة الصيمري في شرح الشرائع أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٦ / ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ / ١١٦٥ ، الوسائل ٦ : ٩٨ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٣٤ ح ١.

(٢) انظر ص ١٣١.

(٣) في النسخ : لا تستند ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) الخمر بالتحريك : ما واراك من خزف أو جبل أو شجر. مجمع البحرين ٣ : ٢٩٣.

(٥) التهذيب ٣ : ١٧٦ / ٣٩٤ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب القيام بـ ١٠ ح ٢.

(٦) قرب الإسناد : ١٧١ / ٦٢٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨٧ أبواب القيام بـ ١ ح ٢٠.

(٧) البقرة : ٢٣٨.

(٨) إيضاح الفوائد ١ : ٩٩.

(٩) جامع المقاصد ٢ : ٢٠٢.

١٣٠

وفيه إشعار بدعوى الإجماع على الخلاف ، وبه صرّح في المختلف ، فقال ـ بعد الاستدلال للقول بالعدم بالأصل مجيبا عنه ـ : الأصل معارض بالإجماع الدال على وجوب الاستقلال في القيام (١).

ومنه يظهر ضعف القول المزبور المحكي عن الحلبي (٢) ، وقوّاه جماعة من متأخّري المتأخّرين (٣) ، للنصوص ، منها الصحيح : عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلّي ، أو يضع يده على حائط وهو قائم ، من غير مرض ولا علة؟ فقال : « لا بأس » (٤) وبمعناه الموثق (٥) وغيره (٦) ، لكن فيهما التكأة بدل الاستناد ، وللأصل.

ويجاب عنه بما مرّ.

وعن النصوص ـ مع قصور سند أكثرها ، بل ضعف بعضها ـ بعدم مقاومتها لما قدّمناه من الأدلّة جدّا ، فلتطرح ، أو تحمل على ما لا اعتماد فيه جمعا ، أو التقية ، كما أجاب به عنها فخر المحققين معربا عن كونها مذهب العامة (٧).

فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه ، سيّما وأن راوي الموثقة بعينه قد روى الرواية الثانية المتقدمة (٨) المانعة ، وما بعدها ضعيفة السند لا جابر لها‌

__________________

(١) المختلف : ١٠٠.

(٢) راجع الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٣ : ٣٢٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٢١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٦١ ، والكفاية : ١٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤٥ ، التهذيب ٢ : ٣٢٦ / ١٣٣٩ ، قرب الإسناد : ٢٠٤ / ٧٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩٩ ، أبواب القيام بـ ١٠ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٧ / ١٣٤١ ، قرب الاسناد : ١٧١ / ٦٢٦ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب القيام بـ ١٠ ح ٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٢٧ / ١٣٤٠ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب القيام بـ ١٠ ح ٣.

(٧) راجع إيضاح الفوائد ١ : ٩٩.

(٨) في ص ١٣٠.

١٣١

بالكلية ، فلم يبق إلاّ الصحيحة ، ولا ريب أنها قاصرة عن مقاومة أدلّة المشهور من وجوه عديدة ، فيجب طرحها ، أو تأويلها بما عرفته.

هذا مع الاختيار.

( ولو تعذر الاستقلال اعتمد ) على ما مرّ في النصوص ونحوه قولا واحدا ، ولم يسقط عنه القيام عندنا ، للنصوص بأن « الميسور لا يسقط بالمعسور » (١) وللشافعي قول بسقوطه عنه (٢).

وإن عجز عن الانتصاب قام منحنيا ولو إلى حد الراكع ، لما مرّ.

( ولو عجز عن ) القيام في ( البعض أتى بالممكن ) منه في الباقي ، بلا خلاف ، لذلك ، فيقوم عند التكبيرة ويستمر قائما إلى أن يعجز فيجلس.

وإذا قدر على القيام زمانا لا يسع القراءة والركوع معا ، ففي أولوية القيام قارئا ثمَّ الركوع جالسا ، كما عن نهاية الإحكام (٣) ، أو لزوم الجلوس ابتداء ثمَّ القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع ـ حتى يركع عن قيام ـ كما عن النهاية والمبسوط والسرائر والمهذب والوسيلة والجامع (٤) ، وجهان.

للأول : أنه حال القراءة غير عاجز عما يجب عليه ، فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا.

وللثاني : أن الركوع عن قيام لركنيته أهم من إدراك القراءة قائما ، مع ورود النصوص بأن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام تحتسب له صلاة‌

__________________

(١) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

(٢) حكاه عنه في التذكرة ١ : ١٠٩ ، وحكاه في المجموع ( شرح المهذب ٤ ) : ٣١٣ عن إمام الحرمين والغزالي.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٤٣٩.

(٤) النهاية : ١٢٩ ، المبسوط ١ : ١٠٠ ، السرائر ١ : ٣٤٨ ، المهذّب ١ : ١١١ ، الوسيلة : ١١٤ ، الجامع للشرائع : ٧٩.

١٣٢

القائم (١).

لكنها محتملة للاختصاص بالجالس في النوافل اختيارا ، كاحتمال المهذب وما بعده من الكتب تجدّده القدرة ، كما في المسألة الآتية.

ولو عجز عن الركوع والسجود أصلا دون القيام لم يسقط عنه بسقوطهما ، باتفاقنا ، كما في صريح المنتهى (٢) ، وظاهر غيره (٣) ، لأن كلا منهما واجب بحياله ، فلا يسقط بتعذّر غيره.

وإن تعارض القيام والسجود والركوع ـ بأن يكون إذا قام لم يمكنه الجلوس للسجود ولا الانحناء للركوع ـ ففي لزوم الجلوس والإتيان بهما ، أم القيام والاكتفاء عنهما بالإيماء احتمالان ، تردّد بينهما المحقق الثاني (٤) وغيره (٥).

ومنه يظهر ما في دعوى جماعة كون الثاني متفقا عليه (٦).

وقريب منه في الضعف دعوى بعضهم ظهور الإجماع عليه من المنتهى (٧) ، فإنه وإن أشعر عبارته بذلك في بادئ النظر ، حيث قال : لو أمكنه القيام وعجز عن الركوع قائما أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام بل يصلي قائما ويومئ للركوع ثمَّ يجلس ويومئ للسجود وعليه علماؤنا (٨). إلاّ أن سياق احتجاجه فيما بعد يشعر باختصاص الاتفاق المدّعى بصورة العجز عنهما أصلا‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٨ أبواب القيام بـ ٩.

(٢) المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٣) انظر كشف اللثام ١ : ٢١٠ ، والحدائق ٨ : ٦٦.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٢٠٤.

(٥) انظر كشف اللثام ١ : ٢١٠.

(٦) منهم السبزواري في الذخيرة : ٢٦١ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٦٧.

(٧) انظر الحدائق ٨ : ٦٦.

(٨) المنتهى ١ : ٢٦٥.

١٣٣

ولو جالسا ، مع أن قوله : ثمَّ يجلس ويومئ للسجود ، ظاهر ـ بل صريح ـ فيما ذكرنا. فتأمّل جدّا.

( ولو عجز ) عن القيام ( أصلا ) أي في جميع الصلاة بجميع حالاته منتصبا ومنحنيا ومستقلا ومعتمدا ( صلّى قاعدا ) إجماعا ، فتوى ونصا ، ( و ) لكن ( في حدّ ذلك ) أي العجز المسوّغ ( قولان ، أصحهما ) وأشهرهما ، بل عليه عامة متأخّري أصحابنا ( مراعاة التمكن ) وعدمه العاديّين ، الموكول معرفتهما إلى نفسه ، فإن ( الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ).

وفي الصحيح : « إن الرجل ليوعك (١) ويحرج (٢) ولكنه أعلم بنفسه ، ولكن إذا قوي فليقم » (٣).

وفي آخرين : عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ويدع الصلاة من قيام ، فقال : « بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، وهو أعلم بما يطيقه » (٤) كما في أحدهما ، وفي الثاني ـ بعد قوله : بصيرة ـ : « ذلك إليه ، هو أعلم بنفسه » (٥).

ولو كان للعجز حدّ معين لبيّن ولم يجعل راجعا إلى العلم بنفسه ، الذي هو عبارة عن القدرة على القيام وعدمها عادة.

خلافا للمحكي عن المفيد في بعض كتبه ، فحدّه بأن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة (٦) ، للخبر : « المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي بقدر صلاته إلى أن يفرغ قائما » (٧).

__________________

(١) أي يحمّ ، الوعك : الحمّى وقيل : ألمها ـ مجمع البحرين ٥ : ٢٩٨.

(٢) في « ش » والكافي : ويخرج ، وفي « ح » وموضع من التهذيب : ويجرح.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٠ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ / ٦٧٣ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب القيام بـ ٦ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٩ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب القيام بـ ٦ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ١١٨ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٧ / ٣٩٩ ، الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب القيام بـ ٦ ح ١.

(٦) المقنعة : ٢١٥.

(٧) التهذيب ٣ : ١٧٨ / ٤٠٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب القيام بـ ٦ ح ٤.

١٣٤

وفيه ضعف سندا ، بل ودلالة ، لابتنائها على أن المراد به بيان مقدار العجز المجوّز للقعود ، وأنه إذا عجز عن المشي مقدار صلاته قائما فله أن يقعد فيها. مع أنه يحتمل أن يكون المراد به أنه من قدر على المشي مصلّيا ولم يقدر على القيام مستقرّا فحكمه الصلاة ماشيا دون الصلاة جالسا. وقد فهم هذا منه بعض أصحابنا (١) ، فاستدل به على لزوم تقديم الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا.

وفي الاستدلال نظر.

هذا مضافا إلى مخالفته الاعتبار ، فإن المصلّي قد يتمكن من القيام بمقدار الصلاة ولا يتمكن من المشي بمقدار زمانها ، وبالعكس. فينبغي طرحه ، أو حمله على أن المراد به الكناية عن العجز عن القيام ، لتلازم العجزين والقدرتين غالبا ، كما نبّه عليه الشهيد في الذكرى (٢) ، فلا مخالفة فيه لمذهب المشهور أصلا.

( ولو وجد القاعد خفا نهض متما ) (٣) للقراءة بعد النهوض إن تمكن منه قبلها أو في أثنائها. وإن تمكن منه بعدها نهض مطمئنا ، على الأحوط ، وقيل : لا يجب (٤).

ولا خلاف بيننا في أصل لزوم النهوض مع التمكن منه ، على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (٥) ، وفي ظاهر المنتهى دعوى إجماعنا عليه (٦) ، لارتفاع العذر المانع.

__________________

(١) انظر البحار ٨١ : ٣٣٥.

(٢) الذكرى : ١٨٠.

(٣) في النافع : خفّة نهض قائما حتما.

(٤) انظر الحدائق ٨ : ٧٤.

(٥) كالحدائق ٨ : ٧٣.

(٦) المنتهى ١ : ٢٦٥.

١٣٥

ولا يجب استئناف الصلاة كما قال به بعض العامة (١) ، لأصالتي الصحة والبراءة.

( ولو عجز عن القعود ) مطلقا ولو مستندا ( صلّى مضطجعا ) بالنص والإجماع ، على الجانب الأيمن إن أمكن ، وفاقا للمعظم ، فإن لم يمكنه فالأيسر ، كما عن الجامع والسرائر (٢).

وعن المعتبر وفي الخلاف والمنتهى : دعوى إجماعنا على تعيّن الأيمن (٣) ، وهو الحجة فيه ، مضافا إلى الخبرين مطلقا ، أحدهما الموثق : « يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده ، وينام على جنبه الأيمن ، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء ، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء » (٤). ونحوه الثاني المرسل (٥).

والمروي عن دعائم الإسلام : « فإن لم يستطع أن يصلّي جالسا صلّى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة ، فإن لم يستطع أن يصلّي على جنبه الأيمن صلّى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة يومئ إيماء » (٦).

لكن ظاهرة تعيّن الاستلقاء بعد اليمين ، كما هو ظاهر جماعة (٧). ويدفعه ـ مضافا إلى قصور سند الرواية ـ عدم مقاومتها للخبرين ، سيّما المرسلة ، لتصريحها بالأيسر بعد الأيمن ثمَّ الاستلقاء.

__________________

(١) كأبي حنيفة كما في المجموع ٤ : ٣٢١.

(٢) الجامع للشرائع : ٧٩ ، السرائر ١ : ٣٤٩.

(٣) المعتبر ٢ : ١٦٠ ، الخلاف ١ : ٤٢٠ ، المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٤) التهذيب ٣ : ١٧٥ / ٣٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٨٣ أبواب القيام بـ ١ ح ١٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٦ / ١٠٣٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٥ أبواب القيام بـ ١ ح ١٥.

(٦) دعائم الإسلام ١ : ١٩٨ ، المستدرك ٤ : ١١٦ أبواب القيام بـ ١ ح ٥.

(٧) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٢٩ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، والعلامة في التحرير ١ : ٣٦.

١٣٦

وأما الموثقة فهي وإن لم تصرّح بذلك ، إلاّ أنها صرّحت بالجواز كيفما قدر بعد العجز عن الأيمن ، ومن جملته الصلاة على الأيسر ، وحيث جازت تعيّنت ، لعدم قائل بالتخيير بينهما وبين الصلاة مستلقيا ، هذا. وفي قوله : « ويستقبل بوجهه القبلة » إيماء بإرادة الأيسر ، فتدبّر.

هذا ، مضافا إلى اعتضادهما بإطلاق ما دلّ على وجوب الصلاة مضطجعا بعد العجز عنها قاعدا ، وهو يشمل الاضطجاع على الأيسر ، ولذا قيل بالتخيير بينه وبين الأيمن ، كما هو ظاهر إطلاق العبارة وغيرها (١) ، وحكي التصريح به عن الفاضل في النهاية والتذكرة (٢).

وهو ضعيف ، لضعف دلالة الإطلاق بعد تبادر الأيمن منه خاصة ، ومع ذلك فهو مقيد به بما مرّ من النصوص المقيدة ، مضافا إلى حكاية الإجماعين المتقدمة إليهما الإشارة (٣).

ويجب أن يكون حينئذ مستقبل القبلة بمقاديم بدنه كالملحّد ، لما مرّ من الموثق (٤).

( موميا ) للركوع والسجود بالرأس مع رفع ما يسجد عليه مع الإمكان ، وإلاّ فبالعينين ، جاعلا ركوعه تغميضهما ورفعه فتحهما ، وكذلك سجوده ، على المشهور هنا وفي الاستلقاء.

والنصوص مختلفة في ذلك ، فبين مطلقة للإيماء ، كما في بعضها (٥) ،

__________________

(١) الشرائع ١ : ٨١.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٤٤٠ ، التذكرة ١ : ١١٠ ، وقد حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٢١١.

(٣) في ص ١٣٦.

(٤) في ص ١٣٦.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٠ / ٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨٢ أبواب القيام بـ ١ ح ٤.

١٣٧

ومقيّدة له بالرأس ، كما في كثير منها (١) ، وفيها الصحيح وغيره ، ومقيّدة له بالعينين كما في آخر منها (٢) ، وموردها الاستلقاء ومورد سابقها الاضطجاع.

ولعل وجه ما ذكروه من التفصيل هو الجمع بينها بحمل المطلق منها على مقيّدها ، وتقييد المقيّد بالرأس بصورة إمكانه ، والمقيد بالعين بصورة عدمه ، كما هو الغالب في مورد القيدين.

ووجه الجمع هو الأصول ، فإن الإيماء بالرأس أقرب منه بالعين إلى الركوع الأصلي المأمور به ، بل لعلّه جزؤه ، والميسور لا يسقط بالمعسور. وهو حسن ، ومع ذلك أحوط.

ويجب جعل السجود أخفض من الركوع قطعا لو أومأ برأسه واحتياطا لو أومأ بعينه ، بل عن ظاهر جماعة تعينه (٣) ، ولعلّ وجهه مراعاة الفرق بينهما مهما أمكن ، ولا ريب أنه أولى.

( وكذا لو عجز ) عن الصلاة مضطجعا وجب عليه أن ( يصلّي مستلقيا ) على قفاه ، مستقبل القبلة بباطن قدميه كالمحتضر ، مومئا لركوعه وسجوده كما مضى ، بالنص والإجماع.

ومن العامة من قدّمه على الاضطجاع ، كسعيد بن المسيب وأبي ثور وأصحاب الرأي ، وهم أصحاب أبي حنيفة (٤) ، وفي بعض أخبارنا ما يدل‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : أبواب القيام بـ ١ الأحاديث ٢ ، ١١ ، ١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤١١ / ١٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ / ٦٧١ ، وج ٣ : ١٧٦ / ٣٩٣ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب القيام بـ ١ ح ١٣.

(٣) منهم : ابن سعيد في الجامع : ٧٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢١٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٤) حكاه عنهم في المغني والشرح الكبير ١ : ٨١٥.

١٣٨

عليه (١) ، إلاّ أنه ـ لشذوذه ومخالفته الإجماع والأخبار بل والكتاب (٢) بمعونة التفسير الوارد عن الأئمة الأطياب (٣) ـ مطروح ، أو محمول على التقية.

( ويستحب أن يتربّع القاعد ) حال كونه ( قارئا ، ويثني رجليه ) حال كونه ( راكعا ) كما في الحسن : « كان أبي عليه‌السلام إذا صلّى جالسا تربّع ، وإذا ركع ثنى رجليه » (٤).

ولا يجبان إجماعا ، كما في المنتهى (٥) ، للأصل ، والنصوص ، منها : أيصلّي الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلين؟ فقال : « لا بأس بذلك » (٦).

ومنها : في الصلاة في المحمل : « صلّ متربّعا وممدود الرجلين ، وكيفما أمكنك » (٧).

وفي الخلاف الإجماع على أفضلية التربع (٨). وفي المدارك الإجماع عليها فيه وفي ثني الرجلين (٩).

ثمَّ المعروف من التربّع لغة ـ بل وعرفا ـ جمع القدمين ووضع إحداهما تحت الأخرى. ولكن ذكر جمع من الأصحاب (١٠) من غير نقل خلاف‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١١ / ١٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ / ٦٧١ ، عيون الأخبار ٢ : ٦٧ / ٣١٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ ، ٤٨٦ أبواب القيام بـ ١ ح ١٣ ، ١٨.

(٢) آل عمران : ١٩١ ، النساء : ١٠٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ / ١١ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ / ٦٧٢ ، المحكم والمتشابه : ٢٨ ـ ٢٩ ، الوسائل ٥ : ٤٨١ ، ٤٨٧ أبواب القيام بـ ١ ح ١ ، ٢٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٨ / ١٠٤٩ ، التهذيب ٢ : ١٧١ / ٦٧٩ ، الوسائل ٥ : ٥٠٢ أبواب القيام بـ ١١ ح ٤.

(٥) المنتهى ١ : ٢٦٦.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٨ / ١٠٥٠ ، التهذيب ٢ : ١٧٠ / ٦٧٨ ، الوسائل ٥ : ٥٠٢ أبواب القيام بـ ١١ ح ٣.

(٧) الفقيه ١ : ٢٣٨ / ١٠٥١ ، التهذيب ٣ : ٢٢٨ / ٥٨٤ ، الوسائل ٥ : ٥٠٢ أبواب القيام بـ ١١ ح ٥.

(٨) الخلاف ١ : ٤١٨.

(٩) المدارك ٣ : ٣٣٤.

(١٠) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٠٦ ، والشهيد الثاني في الروض : ٢٥١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢١١.

١٣٩

بل قيل جميعهم (١) ـ أن المراد به هنا نصب الفخذين والساقين ، قيل : وهو القرفصاء (٢) ، وهو الذي ينبغي فضله ، لقربه من القيام ، ولا يأباه ماهية اللفظ ولا صورته ، وإن لم نظفر له بنصّ من أهل اللغة (٣).

والمراد بثني الرجلين فرشهما تحته وقعوده على صدورهما بغير إقعاء.

( وقيل : ) والقائل الشيخ في المبسوط (٤) ( يتورك متشهدا ) وتبعه جماعة من الأصحاب (٥) ، لعموم ما دلّ على استحبابه ، مع عدم ظهور خلاف فيه إلاّ من ظاهر عبارة الماتن ، حيث عزاه إلى القليل ، مشعرا بضعفة ، أو تردّده فيه ، ولم أعرف له وجها عدا عدم ورود نصّ فيه بالخصوص كما في سابقيه ، وهو غير محتاج إليه ، فإنّ العموم كاف.

( الرابع : القراءة )

( وهي ) واجبة بإجماع العلماء كافة إلاّ من شذّ (٦) ، والأصل فيه بعده فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، والنصوص المستفيضة ، كالصحيح : « إن الله عزّ وجلّ فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته » (٧).

__________________

(١) انظر كشف اللثام ١ : ٢١١.

(٢) ضرب من القعود ، وهو أن يجلس على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبي بالثوب تكون يداه مكان الثوب. الصحاح ٣ : ١٠٥١.

(٣) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢١١.

(٤) المبسوط ١ : ١١٥.

(٥) منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٩٣ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٧٨.

(٦) حكي عدم الوجوب عن الحسن بن صالح بن حي وأبي بكر الأصم في المجموع للنووي ٣ : ٣٣٠.

(٧) التهذيب ٢ : ١٤٦ / ٥٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٣ / ١٣٣٥ ، الوسائل ٦ : ٨٧ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٢٧ ح ٢.

١٤٠