رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

وناهيك هذه الإجماعات على نفي الوجوب العيني ، مع عدم ظهور قائل به إلى زمان صاحب المدارك (١) ونحوه (٢). وما يحكى عن المفيد والحلبي والكراجكي (٣) من أنّ ظاهرهم الوجوب العيني غير واضح ، بل محل مناقشة ليس هنا محل ذكرها ، مع أنّ المحكي عن الأول التصريح بالاشتراط في كتاب الإرشاد (٤) ، مع تصريحه بالاشتراط في صلاة العيدين وأنّ شروطها شروط الجمعة (٥) ، وعن الثاني القول بالوجوب التخييري كما في المختلف (٦) ، بل في البيان حكى عنه القول بالحرمة (٧).

وبالجملة : اشتراط الإمام أو من نصبه في الوجوب العيني ممّا لا شبهة فيه ، وإنما الإشكال في الوجوب التخييري ، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام فيه.

( الثاني : العدد ) إجماعا فتوى ونصّا.

( وفي أقلّه روايتان أشهرهما ) على الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر (٨) أنه ( خمسة ، الإمام أحدهم ).

__________________

(١) المدارك ٤ : ٨.

(٢) من القائلين بالوجوب العيني في زمان الغيبة : والد الشيخ البهائي ، والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني وابنه الشيخ محمد ( حكاه عنهم في الحدائق ٩ : ٣٨٧ ، ٣٨٩ ) والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٠٨ ، والمجلسيان في روضة المتقين ٢ : ٥٧٤ ، والبحار ٨٦ : ١٤٦ ، وصاحب الحدائق ٩ : ٣٥٥ ، ٣٧٨.

(٣) حكي عنهم في المدارك ٤ : ٢٣ ، ٢٤.

(٤) الإرشاد ٢ : ٣٤٢.

(٥) المقنعة : ١٩٤.

(٦) المختلف : ١٠٨.

(٧) البيان : ١٨٨.

(٨) منها : الذكرى : ٢٣١ ، ونقل عن إرشاد الجعفرية في مفتاح الكرامة ٣ : ١٠٠.

٣٢١

ففي الصحيح : « يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا ، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم » (١).

والجملة الخبرية تفيد الوجوب الظاهر في العيني منه لا التخييري. ولا إشعار في قوله في الذيل : « فلا جمعة لهم » بأن المراد بها إثبات الصحة المطلقة المجامعة للوجوب العيني والتخييري ، فلا دلالة لها على الأول ، لابتنائه على تساوي الصحة بالنسبة إلى الفردين ، وهو ممنوع ، بل هي تلازم الأوّل حيث لا مانع منه كما نحن فيه ، فتدبّر.

وفي آخر : « لا يكون الجمعة والخطبة وصلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط ، الإمام وأربعة » (٢) ومفهومه ثبوتها على الخمسة ، ولفظة « على » ظاهرة في الوجوب العيني كالأمر بل أظهر منه.

وفي الموثق : « فإن كان لهم من يخطب به جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر » (٣) والتقريب فيه كالأول ، بل أظهر ، لفقد ما يوهم الإشعار فيه بالخلاف.

هذا مضافا إلى الاتفاق فتوى ونصّا على صحة الجمعة إذا كانوا خمسة فتجب ، لعموم ما دلّ على وجوب الجمعة الصحيحة من الكتاب والسنّة المتواترة ، خرج منها ما إذا لم يكونوا خمسة بالإجماع والرواية ، وبقي الباقي تحتها مندرجة ، فتأمل.

والرواية الثانية : الصحيح : « إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦١٠ ، الوسائل ٧ : ٣٠٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ / ٦٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦١٢ ، الوسائل ٧ : ٣٠٣ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٨ / ٦٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٤ ، الوسائل ٧ : ٣٠٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢ ح ٦.

٣٢٢

جماعة » (١).

وأظهر منها الصحيحة المتقدمة (٢) ، لتصريحها بأنها لا تجب على أقل من السبعة.

ونحوها الصحيح المروي في الفقيه ، وفيها : على من تجب الجمعة؟ قال : « على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم » (٣).

وظاهره كون السبعة شرطا للوجوب العيني والخمسة للتخييري ، كما هو خيرة الشيخ والقاضي وابن زهرة (٤) فيما حكي عنهم ، وبه حملوا الوجوب في الروايات السابقة على التخييري.

مضافا إلى الموثق كالصحيح بأبان : « أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه » (٥).

وقريب منه الصحيح في صلاة العيدين : « إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة » (٦).

وإليه ذهب جماعة من فضلاء متأخري المتأخرين (٧).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٤٥ / ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ / ١٦٠٧ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب صلاة أبواب صلاة الجمعة بـ ٢ ح ١٠.

(٢) في ص ٣٢٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢١٨ ، الوسائل ٧ : ٣٠٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢ ح ٤.

(٤) الشيخ في الخلاف ١ : ٥٩٨ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٠٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦٠٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠٣ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٣٣١ / ١٤٨٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠٣ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢ ح ٣.

(٧) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠ ، وصاحب الحدائق ١٠ : ٧٥.

٣٢٣

وهو مشكل أوّلا بفقد التكافؤ ، لاشتهار تلك واعتضادها بإطلاقات الكتاب والسنّة والاحتياط في الشريعة دون هذه.

وثانيا بإمكان الجواب عن الصحيحة الأولى : بأنّ دلالتها بالمفهوم ، وتلك بالمنطوق ، وهو مقدّم عليه على المشهور.

وعن الثانية : بتضمنها لزوم حضور السبعة المعدودة فيها ، ولم يقل به أكثر القائلين بهذه الرواية ، بل ربما كان مخالفا للإجماع ، وخروج بعض الحديث عن الحجية وإن لم يقدح في حجية باقية إلاّ أنه معتبر في مقام التعارض فيوجب مرجوحية ما اشتمل عليه.

وعن الثالثة : بأن قوله : « ولا جمعة لأقلّ من خمسة » إلى آخره يحتمل كونه من الفقيه كما صرّح به بعض الأفاضل حاكيا الجزم به عن بعضهم (١) ، ومع هذا الاحتمال يرتفع الاستدلال إلاّ من حيث مفهوم العدد في قوله « سبعة » وهو مع غاية ضعفه هنا يجاب عنه بما أجيب به عن سابقتها.

وعن الموثقة : بعدم معلومية متعلق الإجزاء فيها هل هو وجوب الجمعة عينا فيصير مفاد العبارة : يجزي في عينية وجوبها سبعة أو خمسة؟ أو وجوبها تخييرا؟ أو صحتها مطلقة؟ ولا يتم الاستدلال بها على الأوّل بل هي عليه بالدلالة على الخلاف أشبه. وعلى الثاني مخالفة للإجماع ، لانعقاده على كون الوجوب مع السبعة عينيا لا تخييريا. وعلى الثالث لا كلام فيها ، للاتفاق على صحة الجمعة على التقديرين.

وتقدير العيني بالنسبة إلى السبعة والتخييري بالنسبة إلى الخمسة موجب للتفكيك المتوقف على الدليل ، وهو مفقود ، اللهم إلاّ أن يجعل لفظة « أو » الموجودة فيها ، إذ لا وقع لها إلاّ على تقديره. وفيه نظر ، لاحتمال كون الترديد‌

__________________

(١) انظر مفتاح الكرامة ٣ : ٧٦ و١٠٢.

٣٢٤

فيها لغير ذلك ، وهو التنبيه على كفاية أحد العددين في الوجوب العيني حيث حصل وعدم انحصاره في السبعة كما يتوهم من قوله « سبعة » لو ترك قوله بعده : « أو خمسة » وإنما لم يكتف بقوله « خمسة » المفيد للمرام من غير احتياج إلى ترديد رافع للوهم في المقام ، لندرة تحقق مصر لا يكون فيه سبعة ، كما أشار إليه الفاضل في بعض كتبه (١).

وبمثل هذا يجاب عن الصحيحة الأخيرة ، مع أن الحكم المشروط فيها بالعدد هو الوجوب العيني بمقتضى الصيغة والنسبة إلى عدد السبعة ، فليكن بالنسبة إلى الخمسة كذلك. مع احتمال كون الترديد فيها من الراوي كما يشعر به تأخير عدد السبعة عن عدد الخمسة ، لاستلزام الحكم فيها ثبوته في السبعة بطريق أولى.

وبالجملة : قول الأكثر لعلّه أقوى ، ومع ذلك هو أحوط وأولى.

واعلم : أن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة ، بلا خلاف فيه بيننا أجده ، وجعله الشيخ قضية المذهب بعد أن قال : لا نصّ لأصحابنا فيه ، قال : دليلنا أنه قد دخل في صلاة الجمعة وانعقدت بطريقة معلومة فلا يجوز إبطالها إلاّ بيقين (٢). ومقتضاه الصحة ولو انفضّ العدد بمجرد التلبس بالتكبيرة كما هو المشهور.

خلافا لمحتمل نهاية الإحكام والتذكرة (٣) ، فاشترط إتمامهم ركعة ، لمفهوم : « من أدرك ركعة ».

ويضعف : بأن الباقي بعد الانفضاض مدرك لركعة بل للكل ، وإنما‌

__________________

(١) انظر المنتهى ١ : ٣١٨.

(٢) راجع الخلاف ١ : ٦٠٠.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٢٣ ، التذكرة ١ : ١٤٧.

٣٢٥

لا يكون مدركا لو اشترط في الإدراك بقاء العدد وهو أوّل المسألة.

واحتمل في الأوّل آخر وهو الاكتفاء بركوعهم ، لكونه حقيقة إدراك ركعة. وفيه وفي التذكرة ثالثا ، وهو العدول إلى الظهر إذا انفضّ العدد قبل إدراك الركعة ، لانعقادها صحيحة فجاز العدول كما يعدل عن اللاحقة إلى السابقة.

وعلى المشهور هل المعتبر تلبّس الجميع بالتكبيرة. أو يكفي تلبّس الإمام خاصة؟ قولان ، مقتضى ما تقدّم من الدليل : الثاني.

( الثالث : الخطبتان ) بإجماعنا وأكثر أهل العلم على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (١) ، للتأسي والمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيحين (٢) وغيرهما (٣) : « إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام ».

ونحوها الموثق المروي في المعتبر عن جامع البزنطي (٤) بزيادة قوله : « لا جمعة إلاّ بخطبة » ونقص قوله : « فهي صلاة » إلى آخره.

قيل : وفي العامة قول بالاجتزاء بخطبة (٥) ، ويوهمه الكافي للحلبي (٦). وآخر بعدم الاشتراط (٧). ولا ريب في ضعفهما.

( ويجب في ) الخطبة ( الأولى حمد الله ) سبحانه ، بلا خلاف ،

__________________

(١) منهم : الشيخ في الخلاف ١ : ٦١٤ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٥٠ ، والشهيد في الذكرى : ٢٣٥.

(٢) التهذيب ٣ : ١٢ / ٤٢ ، الوسائل ٧ : ٣١٣ أبواب صلاة الجمعة بـ ٦ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٩ / ١٢٢٨ ، المقنع : ٤٥ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة ١٤ ح ٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٨٣ ، الوسائل ٧ : ٣١٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ٦ ح ٩.

(٥) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٤٩.

(٦) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٧) نقله عن الحسن في المغني والشرح الكبير ٢ : ١٥٠.

٣٢٦

بلفظه ، للاحتياط ، والتأسي ، وعن ظاهر التذكرة الإجماع عليه (١) ، وللأمر به في الموثق الآتي.

وفي تعيين « الحمد لله » كما هو صريح جماعة (٢) ، أو إجزاء « الحمد للرحمن » أو « لربّ العالمين » إشكال. والأحوط : الأوّل. خلافا لنهاية الإحكام فقرّب إجزاء « الحمد للرحمن » (٣).

ويجب فيها أيضا الصلاة على الرسول وآله ، وفاقا للأكثر ، بل في ظاهر الخلاف وعن التذكرة (٤) الإجماع عليه ، وهو الحجّة ، مضافا إلى الاحتياط. دون الصحيح المتضمن للأمر بها (٥) ، لتضمنه كثيرا من المستحبات الموجب لوهن دلالته على الوجوب جدّا ، سيّما مع خلوّ الموثق الآتي عنها هنا. ولعلّه لذا لم يوجبها الماتن هنا وفاقا للحلّي والمرتضى (٦) رحمهما الله ، مضافا إلى الأصل ، لكنه مخصّص بما مرّ من الإجماع المعتضد بعمل أكثر الأصحاب ، وبه يقيّد الموثق ويصرف عن ظاهره أيضا.

وتتعيّن بلفظها ، لما مضى.

( والثناء على الله تعالى ) بما هو أهله ، وفاقا للمرتضى والخلاف (٧) ، للموثق الآتي. لكن يحتمل اتحاده مع الحمد كما هو ظاهر الخلاف ، ولا ريب أن الإتيان به أحوط.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٥٠.

(٢) منهم الشهيد الأول في ذكري : ٢٣٦ ، والبيان : ١٨٩ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٩٤.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٣٣.

(٤) الخلاف ١ : ٦١٦ ، التذكرة ١ : ١٥٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢٢ / ٦ ، الوسائل ٧ : ٣٤٢ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٥ ح ١.

(٦) الحلّي في السرائر ١ : ٢٩٥ ، نقله عن مصباح المرتضى في المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٧) حكاه عن مصباح المرتضى في المعتبر ٢ : ٢٨٤ ، الخلاف ١ : ٦١٦.

٣٢٧

( والوصية بتقوى الله ) سبحانه ، وفاقا للأكثر ، وفي ظاهر الخلاف الإجماع عليه (١) ، للموثق الآتي.

خلافا للمرتضى (٢) رحمه‌الله فلم يذكرها في شي‌ء من الخطبتين. وهو ضعيف.

ولا يتعيّن لفظها ولا لفظ الوعظ بلا خلاف أجده ، وبعدم التعيّن صرّح جماعة (٣) ، ومنهم الفاضل في النهاية ، وفيها : لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها ، لأنه يتواصى به المنكرون للمعاد ، بل لا بدّ من الحمل على إطاعة الله تعالى والمنع عن المعاصي (٤).

وذكر جماعة (٥) أنه يكفي المسمى كاتقوا الله وأطيعوه وأمثالهما ، ولعلّه للإطلاق.

( وقراءة سور خفيفة ) كما عن المبسوط والجمل والعقود والمراسم والوسيلة والسرائر والجامع وبه صرّح الماتن في الشرائع وجماعة (٦) ، للموثق ، وفيه : « ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف ، ويتردّى ببرد يمنية أو عدنية ، ويخطب وهو قائم يحمد الله تعالى‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦١٦.

(٢) على ما حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٩٧ ، والمسالك ١ : ٣٤ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٩٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٤٩.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ٣٣.

(٥) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ١٥١ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٣٣ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٩٥.

(٦) المبسوط ١ : ١٤٧ ، الرسائل العشر : ١٩٠ ، المراسم : ٧٧ ، الوسيلة : ٤٠٣ ، السرائر ١ : ٢٩٥ ، الجامع للشرائع : ٩٤ ، الشرائع ١ : ٩٥ ، وانظر نهاية الإحكام ٢ : ٣٣ ، ٣٥ ، والتذكرة ١ : ١٥٠ ، واللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٩٧.

٣٢٨

ويثني عليه ، ثمَّ يوصي بتقوى الله تعالى ، ويقرأ سورة من القرآن خفيفة ، ثمَّ يجلس ، ثمَّ يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلّي على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات » الخبر (١).

ولا ضعف فيه كما قيل (٢) ، بل هو من الموثق الذي هو حجّة سيّما مع عمل الجماعة. ودلالته واضحة ، لمكان الأمر الظاهر في الوجوب ، ولا صارف عنه حتّى ممّا فيه من لفظة « ينبغي » الظاهرة في الاستحباب ، بناء على ظهور رجوعها إلى ما عدا الأحكام الواردة في الخطبة كما لا يخفى على من تدبّره. هذا مضافا إلى الاحتياط والأمر بها في هذه الخطبة في الصحيح السابق ، وإن كان في الاستناد به لذلك مناقشة ، لما عرفته.

خلافا للحلبي فلم يذكرها (٣) ، مشعرا بعدم الوجوب. وهو ، مع عدم وضوح مستنده سوى الأصل المخصّص بما مرّ إن قلنا بجريانه في مثل ما نحن فيه ، وإلاّ فلا أصل له من أصله ، شاذ.

وللخلاف وجماعة (٤) فاكتفوا بآية تامة الفائدة ، للأصل ، وضعف الموثق بما مر. وفيهما ما مرّ.

وفي الخبر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول على المنبر : « وَنادَوْا يا مالِكُ » (٥). وفيه ضعف سندا ودلالة ومقاومة لما مرّ جدا.

نعم ، في الصحيح السابق الاجتزاء بها في الخطبة الثانية ، وبه استدل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢١ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤٢ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٥ ح ٢.

(٢) المختلف : ١٠٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٩٦ ، كشف اللثام ١ : ٢٤٩.

(٣) انظر الكافي في الفقه : ١٥١.

(٤) الخلاف ١ : ٦١٦ ، وانظر المنتهى ١ : ٣٢٦ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٩٥.

(٥) انظر صحيح مسلم ٢ : ٥٩٤ / ٤٩.

٣٢٩

على الاجتزاء بها مطلقا حتى في الخطبة الأولى بناء على عدم القائل بالفرق بينهما.

وفيه ـ بعد ما مرّ ـ تضمنه الأمر بالسورة في الاولى ، وهو حقيقة في الوجوب ، وكلّ من قال بوجوبها فيها قال في الأخيرة بوجوبها أو عدم وجوب شي‌ء من القرآن فيها. وبعبارة أخرى : كلّ من قال بكفاية الآية في الأخيرة قال بها في الاولى.

فلا يمكن الاستناد إليه لإثبات شي‌ء من القولين إلاّ بعد حمل الصدر أو الذيل على الاستحباب. ولا ترجيح هنا ، إذ كما يمكن حمل الأول عليه فيوافق القول بكفاية الآية ، كذا يمكن العكس فيوافق القول بعدم وجوب شي‌ء من القرآن في الثانية ، كما هو ظاهر الماتن هنا وفي المعتبر (١) وجماعة (٢) ، ولهم : الموثقة السابقة المعتضدة بالأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة عدا الصحيحة ، وهي لما عرفت غير صالحة للحجية ، نعم لو كان القراءة في الثانية متعينة كما هو المشهور أمكن ترجيح الأول ، فتدبّر.

وللاقتصاد والإصباح والمهذّب والجامع (٣) ، فأوجبوا السورة لكن بين الخطبتين ، ومستنده غير واضح ، نعم ، في الصحيح : « يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ، ولا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر ، ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله احد ، ثمَّ يقوم فيفتتح خطبته ثمَّ ينزل‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٢) منهم : الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ١٧٢ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٠٠ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٤.

(٣) الاقتصاد : ٢٦٧ ، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام ١ : ٢٤٩ ، المهذّب ١ : ١٠٣ ، الجامع للشرائع : ٩٤.

٣٣٠

ويصلّي بالناس » (١). ودلالته على ما ذكروه ضعيفة بل لا دلالة له.

( و ) يجب ( في ) الخطبة ( الثانية ) بعض ما مرّ في الاولى من ( حمد الله تعالى والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين عليهم‌السلام ) لعين ما مضى ، مع عدم خلاف ظاهر في وجوب الصلاة هنا.

( و ) يجب هنا زيادة على ذلك ( الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ) للموثق السابق. ولا يجب غيره ، للأصل.

خلافا للأكثر ، فأوجبوا جملة ما في الأولى حتى الوعظ والقراءة أيضا ، ومستندهم من النص غير واضح ، عدا الصحيحة المتقدمة المتضمنة لجملة من الأمور المستحبة ، ودلالتها على الوجوب لذلك كما عرفت غير واضحة.

نعم ، عن ظاهر الفاضلين دعوى الإجماع على اعتبار ما عدا القراءة في الخطبة (٢) ، وهو ظاهر الخلاف أيضا (٣) ، بل زاد فادّعاه على الأمور الأربعة جملة ، فيكون هذا هو الحجة المقيّدة لإطلاق الموثقة.

وعليه فيشكل الأمر في القراءة هل هي السورة الخفيفة أو يكفي آية تامة الفائدة ، وحيث قد أوجبنا السورة في الأولى لزمنا إيجابها في الثانية أيضا ، لعدم القائل بالفرق بين الخطبتين بوجوب السورة في الاولى وكفاية الآية في الثانية وإن قيل بالفرق بينهما من وجه آخر ، هذا مضافا إلى الاحتياط. إلاّ أن الاكتفاء بالآية التامة الفائدة ممكن ، لما مرّ ، مع احتمال فهم ظهور دعوى الإجماع عليه من الخلاف ، بل ظاهره كفاية مطلق شي‌ء من القرآن الصادق على نحو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢٤ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ / ٦٤٨ ، الوسائل ٧ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٥ ح ٣.

(٢) حكاه عنهما في المدارك ٤ : ٣٢ ، وانظر التذكرة ١ : ١٥٠ ، والمنتهى ١ : ٣٢٦.

(٣) الخلاف ١ : ٦١٧.

٣٣١

( مُدْهامَّتانِ ) (١) لكن نزّله المتأخرون على الآية التامة الفائدة ، ويمكن تنزيله على ما ذكره في أكثر كتبه من السورة الخفيفة.

ويتحصّل ممّا ذكرنا أنه يجب في الخطبتين أمور أربعة : الحمد ، والصلاة ، والوعظ ، والقراءة ، كما هو المشهور بين الطائفة. والأحوط زيادة الاستغفار للمؤمنين كما في العبارة والموثقة ، وإن كان في وجوبه نظر ، لدعوى الشيخ الإجماع في الخلاف على كون الأربعة أقلّ ما يجب في الخطبة وأنه إذا أتى بها تجزيه بلا خلاف ، وأطلقها بحيث تشمل الثانية ، فيحمل الأمر به في الموثقة على الاستحباب.

وفي المقام أقوال متشتتة ليس في نقلها كثير فائدة.

والمشهور وجوب الترتيب بين الأمور الأربعة ، وعربيتها ، إلاّ إذا لم يفهمها العدد المنعقد بهم الجمعة ولم يمكنهم التعلّم فبغيرها ، واحتمل بعض وجوبها مطلقا (٢) ، وآخر سقوط الجمعة حينئذ من أصلها (٣).

( ويجب تقديمهما على الصلاة ) بالنص (٤) والإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (٥) ، وفي المنتهى لا نعرف فيه مخالفا (٦).

نعم ، عن الصدوق في العلل والعيون والهداية (٧) الفتوى بتأخيرهما ، معلّلا بأنّ الخطبتين مكان الركعتين الأخراوين.

__________________

(١) الرحمن : ٦٤.

(٢) الحدائق ١٠ : ٩٤.

(٣) المدارك ٤ : ٣٥.

(٤) انظر الوسائل ٧ : ٣١٣ أبواب صلاة الجمعة بـ ٦ ح ٧ ، وص ٣٣٠ بـ ١٤ ح ١ ، ٣ ، ص ٣٣٢ بـ ١٥ ح ١ ، ٢ ، ٤.

(٥) كشف اللثام ١ : ٢٤٩.

(٦) المنتهى ١ : ٣٢٧.

(٧) علل الشرائع : ٣٥٥ ، العيون ٢ : ١١٠ ، الهداية : ٤٥.

٣٣٢

وهو اجتهاد في مقابلة النص وإن روى في الفقيه ما يوافقه فقال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان » الخبر (١). لإرساله واحتماله التصحيف ، أو أن المراد يوم الجمعة في العيد.

وقد صرّح الأصحاب ببطلان الصلاة مع التأخير ، قالوا : لانتفاء شرطها. وقاعدة العبادة التوقيفية والتأسي تقتضيه وإن كان استفادته من النصوص مشكلة.

( و ) يجب ( أن يكون الخطيب قائما ) حال الخطبة ( مع القدرة ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الخلاف والتذكرة وشرح القواعد للمحقّق الثاني وروض الجنان (٢) ، للتأسي ، والنصوص (٣) ، مضافا إلى المعتبرة المتقدم إليها الإشارة وفيها : « إنّها صلاة حتى ينزل الإمام » (٤) وعموم التشبيه أو المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام حتى وجوب الطمأنينة كما عن التذكرة (٥).

قالوا : ولو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته وصلاة من علم بذلك من المأمومين ، ويعلم وجهه ممّا سبق.

وفي وجوب الاستنابة مع الضرورة إشكال كما عن التذكرة (٦) ، وعن نهاية الإحكام الأولى أن يستنيب غيره. ولو لم يفعل وخطب قاعدا أو مضطجعا جاز كالصلاة (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٣ ، الوسائل ٧ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٥ ح ٣.

(٢) الخلاف ١ : ٦١٥ ، التذكرة ١ : ١٥١ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٩٨ ، روض الجنان : ٢٨٥.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٦.

(٤) راجع ص : ٣٢٦.

(٥) التذكرة ١ : ١٥١.

(٦) التذكرة ١ : ١٥١.

(٧) نهاية الإحكام ٢ : ٣٦.

٣٣٣

( وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردّد ) للفاضلين هنا وفي المعتبر والمنتهى (١) : من التأسي بالنبي والأئمة عليهم‌السلام ، وخصوص المعتبرة المستفيضة الآمرة به (٢). ومن أنه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق فيه معنى الوجوب ، وإنّ فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أنه للاستراحة وليس فيه معنى التعبد ، ولأنّا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه فلا يجب المتابعة.

نعم ( أحوطه الوجوب ) تحصيلا للبراءة اليقينية ، سيّما مع عدم ظهور قائل بالاستحباب صريحا بين الطائفة وإن احتمله عبارة المهذّب والنهاية (٣) المعبّرة عنه بـ : ينبغي ، الظاهر فيه.

والأظهر الوجوب ، كما هو الأشهر على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جمع (٤) ، بل لعلّه عليه عامة من تأخر ، لما مرّ ، مع ضعف وجوه الاستحباب بابتناء بعضها على منع وجوب التأسي في العبادات ، وهو ضعيف كما قرّر في محلّه ، وضعف آخر منها بعدم نصّ عليه ، بل هو استنباط محض لا يجوز الاستناد إليه ، ومع ذلك شي‌ء منها لا يصلح لصرف الأوامر عن ظواهرها إلى الاستحباب.

والأولى السكوت في حالة الجلوس ، للنهي عن التكلم حالته في الصحيح (٥). وأن يكون بقدر قراءة التوحيد كما في آخر (٦).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٨٥ ، المنتهى ١ : ٣٢٧.

(٢) الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٦ ، وص ٣٤٢ بـ ٢٥ ح ٣ ، ٥.

(٣) المهذّب ١ : ١٠٣ ، النهاية : ١٠٥.

(٤) كصاحب الحدائق ١٠ : ٨٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٤ ، الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٦ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٤ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ / ٦٤٨ ، الوسائل ٧ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٥ ح ٣.

٣٣٤

وذكر جماعة أنه لو عجز عن القيام في الخطبتين فصل بينهما بسكتة (١) ، ولا يبعد. وفي التذكرة احتمال الفصل بينهما بالاضطجاع (٢) ، وهو ضعيف.

( ولا يشترط فيهما الطهارة ) وفاقا للحلّي (٣) ، وعليه الفاضل في القواعد وغيره (٤) ، للأصل ، مع عدم وضوح المخرج عنه ، سوى التأسي ، والاحتياط ، وعموم التشبيه في المعتبرة المتقدمة بأنها صلاة حتى ينزل الإمام.

ولا حجة في شي‌ء منها ، لضعف الأوّل بما مرّ. وفيه ما سبق.

والثاني : بمعارضته بالأصل. وفيه : أنه عام بالنسبة إلى ما دلّ على لزوم الاحتياط في نحو العبادات من استصحاب شغل الذمة المستدعي للبراءة اليقينية ، وهو خاص فليقدّم.

والثالث : باحتمال عود الضمير إلى الجمعة ، ويعارض القرب الوحدة. « وحتى » غاية للخطبتين. سلّمنا لكن ليس المراد الحقيقة الشرعية إجماعا بل المشابهة ، ويكفي فيها بعض الوجوه ، وحمله على اشتراط الطهارة ليس بأولى من الحمل على الثواب والحرمة.

وفيه : ظهور السياق في رجوع الضمير إلى الخطبة ، ولا يعارضه الوحدة ، لتوسط الضمير بين اسمين فيجوز مراعاة أيّهما كان في المطابقة ، وجعل « حتى » غاية للخطبة بعيد غايته.

مع أن هذا الاحتمال على تقدير تسليمه لا يجري إلاّ في الصحيح من تلك المعتبرة ، وأمّا المرسل منها المروي في الفقيه والمقنع (٥) فلا يحتمله ، لتثنية‌

__________________

(١) كما في نهاية الإحكام ٢ : ٣٦ ، وكشف اللثام ١ : ٢٥٠.

(٢) التذكرة ١ : ١٥١.

(٣) السرائر ١ : ٢٩١.

(٤) القواعد ١ : ٣٧ ، وانظر المعتبر ٢ : ٢٨٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٩ / ١٢٢٨ ، المقنع : ٤٥ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٤ ح ٢.

٣٣٥

الضمير فيه بقوله : « فهما صلاة » والأصل في المشابهة الشركة في جميع وجوه الشبه حيث لا يكون لبعضها على بعض رجحان بالشيوع والتبادر والغلبة كما في مفروض المسألة ، وكفاية بعض الوجوه في صحة التشبيه حسن حيث يعلم ولم يلزم إجمال ، وأما معه كما فيما نحن فيه فلا.

فإذا الوجوب أظهر ، وفاقا للمبسوط والخلاف وابن حمزة (١) ، وعليه من المتأخرين جماعة (٢).

وظاهر الأدلة اعتبار الطهارة عن الحدث والخبث مطلقا ، وكونها شرطا في الخطبتين ، بل الصلاة أيضا كما مضى.

( وفي جواز إيقاعهما ) أي الخطبتين خاصة ( قبل الزوال روايتان ، أشهرهما الجواز ) ففي الصحيح : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول ، فيقول جبرئيل عليه‌السلام : يا محمّد قد زالت الشمس فانزل فصلّ » (٣).

وعليه جماعة من القدماء ومنهم الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع (٤) ، وهو حجة أخرى بعد الرواية.

مضافا إلى النصوص الموقتة لصلاة الجمعة أو الظهر يومها بأول الزوال وهي كثيرة (٥). وتأويل الصلاة بها وما في حكمها أعني الخطبة لكونها بدلا من الركعتين خلاف الظاهر ، كتأويل الخطبة في الرواية بالتأهب لها كما عن‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٧ ، الخلاف ١ : ٦١٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٠٣.

(٢) منهم : العلامة في المنتهى ١ : ٣٢٧ ، وولده في الإيضاح ١ : ١٢٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٤.

(٣) التهذيب ٣ : ١٢ / ٤٢ ، الوسائل ٧ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجمعة بـ ١٥ ح ١.

(٤) الخلاف ١ : ٦٢٠.

(٥) الوسائل ٧ : ٣١٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ٨.

٣٣٦

التذكرة (١) ، وتأويل الظلّ الأول بأول الفي‌ء كما في المنتهى (٢) ، وتأويله بما قبل المثل من الفي‌ء ، والزوال عن المثل كما في المختلف (٣) ، مع أن الأخير يستلزم إيقاع الصلاة بعد خروج وقتها عنده إلاّ أن يؤوّل الزوال بالقريب منه.

والرواية الثانية ما دلّ على أن الخطبة بعد الأذان كآية ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (٤) ففي الصحيح : عن الجمعة ، فقال : « بأذان وإقامة ، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب » الخبر (٥).

لكنه مضمر ، إلاّ أن يجبر بموافقته الكتاب. لكن في دلالته كالرواية قصور ، لابتنائها على كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال ، وهو ممنوع كما قيل (٦). ولا يخلو عن نظر. فتصح الدلالة ويحصل الجبر ، مضافا إلى حصوله بالشهرة المتأخرة المقطوعة ، والمطلقة المحكية في صريح روض الجنان وظاهر الذكرى والتذكرة (٧).

فلا يخلو القول بهذه الرواية عن قرب ، سيّما مع تأيدها بالنصوص الدالة على أنّ الخطبتين بدل من الركعتين أو صلاة فلا تقدّمان على وقتها ، وبالاحتياط لظهور الاتفاق على جوازهما بعد الزوال.

ويذبّ عن الرواية السابقة بأحد الوجوه المتقدم إليها الإشارة جمعا ، أو يقال : المراد بها أنه عليه‌السلام كان إذا أراد تطويل الخطبة للإنذار والإبشار‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٥١.

(٢) المنتهى ١ : ٣٢٥.

(٣) المختلف : ١٠٤.

(٤) الجمعة : ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢٤ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ / ٦٤٨ ، الوسائل ٧ : ٣١٣ أبواب صلاة الجمعة بـ ٦ ح ٧.

(٦) قال به السبزواري في الذخيرة : ٣١٢.

(٧) روض الجنان : ٢٩٣ ، الذكرى : ٢٣٦ ، التذكرة ١ : ١٥١.

٣٣٧

والتبليغ والتذكير كان يشرع فيها قبل الزوال ولم ينوها خطبة الصلاة ، حتى لو زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة ، ثمَّ ينزل فيصلّي وقد زالت بقدر شراك.

ولا بعد في توقيت الصلاة بأول الزوال مع وجوب تأخير مقدماتها عنه فهو من الشيوع بمكان ، وخصوصا الخطبة التي هي كجزء منها ، مع أن جواز الخطبة بعد الزوال مجمع عليه ، وهو ينافي ظواهر الإطلاقات فلا بدّ من تأويلها ، وهو كما يحصل بما يوافق الاستدلال كذا يحصل بما ينافيه وهو ما ذكرنا.

وعن الإجماع : بالوهن بمصير المعظم إلى الخلاف مع معارضته بالشهرة المحكية على الخلاف ، ولكن المسألة مع ذلك لا تخلو عن الشبهة ، والاحتياط يقتضي مراعاة الرواية المانعة.

( ويستحب أن يكون الخطيب بليغا ) جامعا بين الفصاحة التي هي عبارة عن خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد وعن كونها غريبة وحشية ، وبين البلاغة التي هي القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من التخويف والإنذار وغيرهما بحيث يبلغ به كنه المطلوب من غير إخلال ولا إملال.

( مواظبا على الصلوات ) محافظا عليها في أوقاتها.

متّصفا بما يأمر به مجانبا ما ينهى عنه.

( متعمّما ) شتاء كان أو صيفا.

( مرتديا ببرد يمنية ) أو عدنية.

( معتمدا في حال الخطبة على شي‌ء ) من قوس أو عصا أو سيف وأمثالها.

( وأن يسلّم ) على الناس ( أوّلا ، ويجلس أمام الخطبة ) على المستراح وهو الدرجة من المنبر فوق التي يقوم عليها للخطبة.

٣٣٨

للنصوص المستفيضة فيما عدا الأوليين (١) ، وأمّا هما فقد علّلا بأنّ لهما أثرا بيّنا في القلوب وللوعظ معهما وقعا في النفوس.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك إلاّ من الخلاف في استحباب السلام فنفاه (٢) ، لأصالة البراءة عمّا لم يثبت التكليف به ولو ندبا في الشريعة.

وهو حسن لو لا المرفوعة الناصّة به (٣) المنجبرة بالشهرة ، مضافا إلى جواز المسامحة في أدلة السنن والكراهة ، وعموم أدلة استحباب التسليم (٤) ، الشامل لمفروض المسألة ، ولذا عن الفاضل في النهاية والتذكرة استحباب التسليم مرتين (٥) ، مرّة إذا دنا من المنبر يسلّم على من عنده ، قال : لاستحباب التسليم على كلّ وارد ، واخرى إذا صعده فانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود استقبل الناس فسلّم عليهم بأجمعهم ، قال : ولا يسقط بالتسليم الأول ، لأنه مختص بالقريب من المنبر والثاني عام.

واعلم أنّ قوله ( ثمَّ يقوم فيخطب جاهرا ) أي رافعا صوته بها ليس ممّا يتعلق به الاستحباب ، لوجوب القيام كما مرّ ، وكذا الإجهار ، للتأسي ، وتحصيلا لفائدة الخطبة من الإبلاغ والإنذار.

( الرابع : الجماعة ، فلا تصح فرادى ) إجماعا فتوى ونصا ، ومنه الصحيح : « فرضها الله تعالى في جماعة » (٦).

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٣٤٩ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٨.

(٢) الخلاف ١ : ٦٢٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٤ / ٦٦٢ ، الوسائل ٧ : ٣٤٩ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٨ ح ١.

(٤) الوسائل ١٢ أبواب أحكام العشرة ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤.

(٥) نهاية الإحكام ٢ : ٤٠ ، التذكرة ١ : ١٥٢.

(٦) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ / ١٧ ، الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ١ ح ١.

٣٣٩

وهي شرط في الابتداء لا الانتهاء اتفاقا.

وتتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالإمام ، فلو أخلّوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخلّ. ويعتبر في انعقاد الجمعة نية العدد المعتبر.

وفي وجوب نية القدوة للإمام هنا نظر ، من حصول الإمامة إذا اقتدي به ، ومن وجوب نية كل واجب. ولا ريب أن الوجوب أحوط ، وهو خيرة الشهيد والمحقق الثاني (١).

( الخامس : أن لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال ) يعني أقلّ من فرسخ إجماعا ( منّا ) (٢) فتوى ونصّا ، ففي الصحيح : « لا يكون جمعة إلاّ فيما بينه وبين ثلاثة أميال » (٣).

ونحوه الموثق : « لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال » (٤).

ولا فرق في ذلك بين المصر والمصرين ، ولا بين حصول فاصل بينهما كدجلة وعدمه عندنا.

قيل : ويعتبر الفرسخ من المسجد إن صلّيت فيه وإلاّ فمن نهاية المصلّين (٥). ويشكل الحكم فيما لو كان بين الإمام والعدد المعتبر وبين الجمعة الأخرى فرسخ فصاعدا ، وبين بعض المأمومين وبينها أقلّ منه ، فعلى ما ذكره القائل لا تصح الجمعة ، ويحتمل بطلان القريب من المصلّين خاصة.

__________________

(١) الشهيد في الذكرى : ٢٣٤ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد : ١٣٥.

(٢) ليست في « ش ».

(٣) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٣ / ٧٩ ، الوسائل ٧ : ٣١٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ٧ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٧٤ / ١٢٥٧ ، التهذيب ٣ : ٢٣ / ٨٠ ، الوسائل ٧ : ٣١٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ٧ ح ٢ ، وفي الجميع : بين الجماعتين بدل الجمعتين.

(٥) كما في جامع المقاصد : ١٣٦.

٣٤٠