رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

إلى الكسل والنوم ، وأضافه إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها ، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولّد منه وهو التوسيع في المطعم والشبع ، فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات (١).

( والعبث ) بشي‌ء من أعضائه ، فقد رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا يعبث في الصلاة فقال : « لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه » (٢).

وفي بعض النصوص : أنه يقطع الصلاة (٣). وحمل على ما إذا بلغ الكثرة المبطلة ، جمعا.

( ونفخ موضع السجود ، والتنخّم ، والبصاق ) وخصوصا إلى القبلة واليمين وبين يديه.

( وفرقعة الأصابع ) ونقضها لتصوت.

( والتأوّه بحرف ) واحد ، وأصله قول : أوه ، عند التوجّع والشكاية ، والمراد به هنا النطق به على وجه لا يظهر منه حرفان.

( ومدافعة الأخبثين ) البول والغائط.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك عدا الالتفات ، فقيل بتحريمه (٤) ، وهو ضعيف.

والنصوص بالجميع مستفيضة ، ففي الصحيح : « إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك ، فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ، ولا تحدث نفسك ، ولا تتثاءب ولا تتمطّ‌

__________________

(١) نهاية ابن الأثير ١ : ٢٠٤.

(٢) الجعفريات : ٣٦ ، المستدرك ٥ : ٤١٧ أبواب قواطع الصلاة بـ ١١ ح ٣ وفيه بتفاوت.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٨ / ١٥٧٥ ، الوسائل ٧ : ٢٦٢ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٢ ح ٩.

(٤) راجع ص : ٢٧٦.

٣٠١

ولا تكفّر ، فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلتثم ، ولا تحتفز (١) ، ولا تفرج (٢) كما يتفرج البعير ، ولا تقع على قدميك ، ولا تفترش ذراعيك ، ولا تفرقع أصابعك ، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا ، فإنها من خلال النفاق ، فإن الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى ، يعني سكر النوم ، وقال للمنافقين ( وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِيلاً ) » (٣).

وفي آخر : « لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ، وهو بمنزلة من هو في ثيابه » (٤).

والمراد نفي الفضيلة ، للإجماع على الصحة.

ويستفاد من الأوّل كراهة فعل ما يشعر بترك الخشوع والإقبال إلى الصلاة مطلقا ، كما عليه الأصحاب ، ويستفاد من نصوص أخر أيضا ، وفيها الصحاح وغيرها (٥).

( و ) منها يظهر وجه كراهة ( لبس الخفّ ) حال كونه ( ضيّقا ) لما فيه من سلب الخشوع والمنع من التمكن من السجود.

( ويجوز للمصلّي تسميت العاطس ) وهو الدعاء له عند العطاس بنحو‌

__________________

(١) أي : لا تتضامّ في سجودك بل تتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر ، وهكذا عكس المرأة ، فإنّها تحتفز في سجودها ولا تتخوّى .. ، وقولهم : « هو محتفز » أي مستعجل متوفر غير متمكّن في جلوسه ، كأنه يريد القيام. مجمع البحرين ٤ : ١٦.

(٢) في « ش » و « م » والوسائل : وتفرج.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٩ / ١ ، الوسائل ٥ : ٤٦٣ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ٥. والآية في النساء : ١٤٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٣٣ / ١٣٧٢ ، المحاسن : ٨٣ / ١٥ ، الوسائل ٧ : ٢٥١ أبواب قواطع الصلاة بـ ٨ ح ٢. وفيها : « حاقنة » بدل « حاقب ». والحاقن : الذي به البول ، والحاقب : الذي به الغائط ، كما فسرّا بهما في رواية معاني الأخبار : ٢٣٧ ، ونهاية ابن الأثير ١ : ٤١٦.

(٥) انظر الوسائل ٧ أبواب قواطع الصلاة بـ ١١ ، ١٢ ، ١٤ ، ومستدرك الوسائل ٤ : ٨٦ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ٥ ، ٦ ، ٧.

٣٠٢

قوله : يرحمك الله ، إذا كان مؤمنا ، بلا خلاف إلاّ من المعتبر ، فقد تردّد فيه (١). ولا وجه له بعد ثبوت كونه دعاء بنصّ جماعة من أهل اللغة (٢) ، فيشمله عموم ما دلّ على جوازه في الصلاة ، كما يأتي ، مضافا إلى عموم ما دلّ على جواز التسميت ، بل استحبابه مطلقا (٣) ، مع أنه رجع عنه بعده إلى الجواز كما عليه الأصحاب ، وجعله مقتضى المذهب.

نعم ، روت العامة عن معاوية بن حكم أنه قال : صلّيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون على أفخاذهم ، فعلمت أنهم يصمّتوني ، فلمّا صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس ، إنما هي التكبيرة وقراءة القرآن » (٤).

وفيه ـ مع ضعف سنده ـ : عدم وضوح دلالته ، باحتمال رجوع الإنكار فيه إلى قوله الثاني ، أو إلى إنكارهم ، كما بينته في الشرح.

وهل يجب على العاطس الرّد؟ قيل : الأظهر لا ، لأنه لا يسمّى تحيّة (٥).

وفيه نظر ، مع أنه روى الصدوق في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن أبي جعفر ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام أنه قال : « إذا عطس أحدكم (٦) فسمّتوه قولوا : يرحمكم الله ، وهو يقول : يغفر الله تعالى لكم ويرحمكم ، قال الله تعالى عزّ وجلّ ( إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٦٣.

(٢) منهم : الفيروزآبادي في القاموس ١ : ١٥٦ ، والطريحي في مجمع البحرين ٢ : ٢٠٦ ، وابن الأثير في النهاية ٢ : ٣٩٧.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ٨٦ أبواب أحكام العشرة بـ ٥٧.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ / ٣٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٤ / ٩٣٠ بتفاوت فيهما.

(٥) قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٥ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٧٢.

(٦) في « لـ » و « م » و « ح » : أخوكم.

٣٠٣

رُدُّوها )(١).

وكما يجوز بل يستحب التسميت يجوز له إذا عطس أن يحمد الله ويصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره ، للعمومات ، وفي المنتهى أنه مذهب أهل البيت عليهم‌السلام (٢).

( و ) يجوز له ( ردّ السلام ) أيضا على المسلّم ، بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (٣) ، وهو الحجة بعد العمومات من الكتاب والسنة المستفيضة (٤).

مضافا إلى خصوص المعتبرة ، منها الصحيح : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو في الصلاة ، فقلت : السلام عليك ، فقال : « السلام عليك » فقلت : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلما انصرف قلت : أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ فقال : « نعم ، مثل ما قيل له » (٥).

والموثق : عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة ، فقال : « يردّ بقوله : سلام عليكم ، ولا يقول : عليكم السلام » (٦).

ويستفاد منه وجوب كون الرد بـ ( مثل قوله : سلام عليكم ) وإطلاقه كالعبارة يشمل ما إذا سلّم به أم بغيره من صيغ السلام الأربع المشهورة.

وهو مشكل ، بل ضعيف ، لتصريح الصحيحة المتقدمة بخلافه ، مع‌

__________________

(١) الخصال : ٦٣٣ / ١٠ ، الوسائل ١٢ : ٨٨ أبواب أحكام العشرة بـ ٥٨ ح ٣. والآية في النساء : ٨٦.

(٢) المنتهى ١ : ٣١٣.

(٣) كالمنتهى ١ : ٣١٣ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٥٥ ، والمدارك ٣ : ٤٧٣.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٥٧ أبواب أحكام العشرة بـ ٣٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٩ / ١٣٤٩ ، الوسائل ٧ : ٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٦ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٦ / ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٨ / ١٣٤٨ ، الوسائل ٧ : ٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٦ ح ٢.

٣٠٤

اعتضادها بالعمومات ، مضافا إلى الأصل.

ويستفاد منها وجوب كون الردّ بالمثل ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، وفي ظاهر المدارك وغيره وصريح المرتضى والخلاف أن عليه إجماع الأصحاب (١) ، وهو حجة أخرى بعد الصحيح المعتضد بالموثق السابق ولو في الجملة ، ولو لا دلالته على تعين الصيغة المذكورة فيه للردّ لكان كالصحيح حجة. مع احتمال أن يقال في توجيه تعيينه إياها غلبة حصول السلام بها وندرة السلام بعليكم السلام ، بل عدمه ، وفي بعض الأخبار أنه تحية الأموات (٢). وعلى هذا فالأمر فيه بالصيغة المزبورة إنما هو لمراعاة المماثلة ، ويشير إلى هذا التوجيه كلام الشيخ في الخلاف (٣) ، كما لا يخفى على من راجعه وتدبّره.

خلافا للحلي والفاضل في المختلف ، فجوّزا الرد بالمخالف ، ولو بقوله : عليكم السلام ، خصوصا مع تسليم المسلّم به (٤) ، لعموم الآية (٥) ، واستضعافا للرواية بناء على أنها من الآحاد.

وفيه : أنها من الآحاد المعمول بها ، فيتعين العمل وتخصيص العموم بها.

ثمَّ ليس في العبارة ككثير إلاّ جواز الردّ دون وجوبه (٦). وبالوجوب صرّح الفاضل وجماعة (٧) ، ومنهم الشهيد رحمه‌الله ، قال : والظاهر أن الأصحاب‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤٧٤ ، والروض : ٣٣٩ ، الانتصار : ٤٧ ، الخلاف ١ : ٣٨٨ ، وانظر المعتبر ٢ : ٢٦٣.

(٢) سنن أبي داود ٤ : ٣٥٣ / ٥٢٠٩.

(٣) الخلاف ١ : ٣٨٨.

(٤) الحلي في السرائر ١ : ٢٣٦ ، المختلف : ١٠٢.

(٥) لنساء : ٨٦.

(٦) انظر المنتهى ١ : ٣١٣ ، والتنقيح ١ : ٢٢٠ ، وروض الجنان : ٣٣٨.

(٧) الفاضل في القواعد ١ : ٣٦ ، وانظر التذكرة ١ : ١٣١ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٥٥ ، والمدارك ٣ :

٣٠٥

أرادوا بيان شرعيته ، ويبقى الوجوب معلوما من القواعد الشرعية (١). انتهى. وهو حسن.

ويجب إسماع الردّ تحقيقا أو تقديرا ، كما في غير الصلاة ، على الأشهر الأقوى ، عملا بعموم ما دلّ عليه ، وحملا للصحيح والموثق ـ الدالّين على الأمر بإخفائه ، كما في الأول (٢) ، أو على الإتيان به فيما بينه وبين نفسه ، كما في الثاني (٣) ـ على التقية ، كما بيّنته في الشرح مع جملة ما يتعلق بالمقام وسابقة ، من أبحاث شريفة ومسائل مهمة ، يضيق عن نشرها هذه التعليقة.

( و ) يجوز له ( الدعاء في أحوال الصلاة ) قائما وقاعدا وراكعا وساجدا ومتشهدا بالعربية وإن كان غير مأثور ، إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (٤) ، وللمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر ، ففي الصحيح : عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي ربه؟ قال : « نعم » (٥).

وهل يجوز بغير العربية؟ قيل : نعم (٦). وقيل : لا (٧). ولعلّه الأقوى ،

__________________

٤٧٣.

(١) الذكرى : ٢١٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٦٦ ، الوسائل ٧ : ٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٦ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ / ١٣٦٥ ، الوسائل ٧ : ٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٦ ح ٤.

(٤) كالانتصار : ٤٧ ، والمنتهى ١ : ٣١٤ ، والمدارك ٣ : ٤٧٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٦ / ١٣٣٧ ، الوسائل ٧ : ٢٦٣ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٣ ح ١.

(٦) قال به الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٢٢.

(٧) وقال الصدوق في الفقيه ١ : ٢٠٨ وذكر شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه عن سعد بن عبد الله إنه كان يقول : لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسيّة. وقال في جامع المقاصد ٢ : ٣٢٢ ونقل الأصحاب عن سعد بن عبد الله من فقهائنا عدم جوازه مع القدرة وهو المتّجه. إلاّ أن الشهرة بين الأصحاب ـ حتّى أنّه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد المذكور

٣٠٦

اقتصارا في الكلام المنهي عنه في الصلاة على المتيقن حصول الرخصة فيه منه نصّا وفتوى ، وليس إلاّ العربية.

ومنه يظهر وجه اشتراط كون الدعاء ( بسؤال المباح ) دينا ودنيا ( دون المحرم ) مع انه متفق عليه ظاهرا ، فلو دعا به بطل الصلاة بلا خلاف أجده ، وعن التذكرة الإجماع عليه (١) ، وإن اختلفوا في إطلاق الحكم أو تقييده بصورة العلم بتحريم المدعوّ به. والأصح الأوّل ، لعموم الدليل ، والجهل ليس بعذر مطلقا ، خصوصا في الصحة والبطلان.

وتنظّر فيه شيخنا في روض الجنان ، قال : من عدم وصفه بالنهي وتفريطه بترك التعلم ، ثمَّ حكى عن الذكرى ترجيح عدم الصحة. قال : وقطع المصنف بعدم عذره ، ثمَّ قال : ولا يعذر جاهل كون الحرام مبطلا ، لتكليفه بترك الحرام وجهله تقصير منه ، وكذا الكلام في سائر منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافيات (٢). انتهى.

أقول : وظاهره الفرق بين الجهل بكون الحرام مبطلا فلا يعذر ، والجهل بحرمة المدعوّ به. وفيه نظر ، وسؤال وجه الفرق متّجه. فتدبّر.

__________________

مانعة من المصير إليه.

(١) التذكرة ١ : ١٣٢.

(٢) روض الجنان : ٣٣٨.

٣٠٧

( المقصد الثاني : )

( في ) بيان ( بقية الصلوات ) المعدودة في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب.

( وهي ) قسمان ( واجبة ومندوبة. فالواجبات ) كثيرة.

( منها : ) صلاة ( الجمعة ) على من اجتمعت فيه شرائطها الآتية ، بالكتاب والسنّة المتواترة وإجماع الأمة.

( وهي ركعتان ) كالصبح ( يسقط معهما الظهر ) بالنص والإجماع.

( ووقتها ما بين الزوال ) زوال الشمس ( حتى يصير ظلّ كل شي‌ء مثله ) على المشهور بين الأصحاب.

خلافا للمحكي في الخلاف عن المرتضى في أوّله فجوّز فعلها عند قيام الشمس (١). وهو شاذّ ، بل في الخلاف وروض الجنان وشرح القواعد للمحقّق الثاني (٢) على خلافه الإجماع ، وهو الحجّة عليه ، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.

هذا مع أن الحلّي قال بعد نقل نسبة الشيخ هذا القول إلى المرتضى : ولعلّ شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة ، فإن الموجود في مصنّفات السيّد موافق للمشهور ، من عدم جواز إيقاعها قبل تحقق الزوال (٣). وهو كما ترى صريح في موافقة السيّد للأصحاب ، فلا خلاف ولا إشكال هنا.

وإنما الإشكال في التحديد بالمثل ، فإنه وإن كان مشهورا ، بل عن‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٢٠.

(٢) الخلاف ١ : ٦٢٠ ، روض الجنان : ٢٨٤ ، جامع المقاصد ١ : ١٢٩.

(٣) انظر السرائر ١ : ٢٩٦.

٣٠٨

المنتهى أنه مذهب علمائنا أجمع (١) ، إلاّ أن مستنده من النص غير واضح. بل ظاهر النصوص المعتبرة المستفيضة خلافه ، وهو : التحديد بما دونه وأنه عند الزوال وأنه من الأمور المضيّقة كما في الصحاح وغيرها ، منها : « إنّ من الأمور أمورا مضيّقة وأمورا موسّعة ، وإنّ الوقت وقتان ، والصلاة ممّا فيه السعة ، فربما عجّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربما أخّر ، إلاّ صلاة الجمعة فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق ، إنما لها وقت واحد حين تزول الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام » (٢) ونحوه غيره (٣).

وفي آخر : « فإنّ وقتها حين تزول الشمس » (٤).

وحكي القول بمضمونها عن جماعة من القدماء كابن زهرة والحلبي وابن حمزة والجعفي (٥) ، وإن اختلفت عبارتهم في التأدية ، فقيل (٦) : نص الأوّلان على فواتها إذا مضى من الزوال مقدار الأذان والخطبتين والركعتين ، وفي الغنية الإجماع عليه ، والثاني على وجوب أن يخطب قبل الزوال ليوقع الصلاة أوّله ، والثالث على أن وقتها ساعة من النهار.

قيل (٧) : ونحو ابن حمزة محتمل عبارة المهذّب والإصباح والمقنعة ، فإنّ فيها : إنّ وقت صلاة الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس (٨) ، لما جاء عنهم‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣١٨.

(٢) التهذيب ٣ : ١٣ / ٤٦ ، الوسائل ٧ : ٣١٦ أبواب صلاة الجمعة بـ ٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٤ / ٢ ، الوسائل ٧ : ٣١٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ٨ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٣ / ٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٢ / ١٥٧٧ ، الوسائل ٧ : ٣١٧ أبواب صلاة الجمعة بـ ٨ ح ٧.

(٥) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، الحلبي في الكافي : ١٥١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٠٤ ، نقله عن الجعفي في الذكرى : ٢٣٥.

(٦) كشف اللثام ١ : ٢٤٢.

(٧) كشف اللثام ١ : ٢٤٢.

(٨) المقنعة : ٢٧.

٣٠٩

عليهم‌السلام : « إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخطب في الفي‌ء الأوّل ، فإذا زالت نزل عليه جبرئيل فقال : يا محمد قد زالت الشمس فصلّ بالناس فلا يلبث أن يصلّي بالناس » (١).

وفي الأوّلين : إن الإمام يأخذ في الخطبة قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت ، فإذا زالت صلّى (٢).

ولا ينافي قولهم أخبار التحديد بالساعة (٣) ، وإن ضعّفه بها جماعة (٤) ، لإجمال الساعة فيها ، واحتمالها الساعة التي توقع فيها الصلاة وحدها أو مع الخطبة ، مع قصور أسانيدها ، بل ضعفها ، فلا يمكن المصير بها إلى ما عليه الجعفي إن أراد من الساعة ما يتوهم منها.

ويعضد مختارهم ما يقال من إجماع المسلمين على المبادرة بها حين الزوال ، وهو دليل التضيق ، وإلاّ لوقع التأخير أحيانا. وبه يعارض إجماع المنتهى ، مع عدم صراحته في دعواه ، ووهنه بمصير هؤلاء الأعاظم من القدماء على خلافه ، مع أنه لم يحك القول به منهم إلاّ عن ظاهر المبسوط (٥) ، فتأمّل.

وللحلي قول بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر ، لتحقق البدلية ، وأصالة البقاء (٦). واختاره الشهيد رحمه‌الله في جملة من كتبه (٧).

وهو ضعيف في الغاية ، فإنّ فيه إطراحا للأدلة المتقدمة وسيّما الأخبار‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٢ / ٤٢ ، الوسائل ٧ : ٣١٦ أبواب صلاة الجمعة بـ ٨ ح ٤.

(٢) المهذّب ١ : ١٠٣ ، حكي عن الإصباح في كشف اللثام ١ : ٢٤٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٣١٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ٨.

(٤) منهم صاحب المدارك ٤ : ١٣ ، وصاحب الذخيرة : ٢٩٨.

(٥) كشف اللثام ١ : ٢٤١ ، وانظر المبسوط ١ : ١٤٧.

(٦) راجع السرائر ١ : ٣٠١.

(٧) كما في الدروس ١ : ١٨٨ ، البيان : ١٨٦.

٣١٠

منها ، ويخصّص بها أصالة البقاء وقاعدة البدلية إن سلّمنا ، وإلاّ فلا تخلوان عن مناقشة ، سيّما الأخيرة ، فإنها فرع وجود لفظ دالّ عليها أو على المنزلة في النصوص ، ولم أر منها ما يشير إليها بالكلية ، نعم ربما أشعر بعض النصوص بأن بناء الضيق على الفضيلة ، ففي الصحيح : عن وقت الظهر ، فقال : « بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ يوم الجمعة أو في السفر ، فإنّ وقتها حين تزول الشمس » (١).

وروى الشيخ في المصباح عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الجمعة ، فقال : « وقتها إذا زالت الشمس فصلّ ركعتين قبل الفريضة ، وإن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين حتى تصلّيهما بعد الفريضة » (٢).

وفي الصحيح : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك » (٣) فتدبر.

وبالجملة : المسألة محل إشكال ، ولا ريب أن الاحتياط يقتضي المبادرة إلى فعلها عند تحقق الزوال.

( وتسقط ) الجمعة ( بالفوات وتقضى ظهرا ) إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (٤) ، وللمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : عمّن‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٣ / ٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٢ / ١٥٧٧ ، الوسائل ٧ : ٣١٧ أبواب صلاة الجمعة بـ ٨ ح ٧ ، ولا ريب أن كون وقت الفريضة في السفر حين الزوال ليس على الضيق بل على الفضيلة ، لسقوط النافلة ، فلتكن الجمعة كذلك ، لتقدم نافلتها على الزوال. منه رحمه الله.

(٢) مصباح المجتهد : ٣٢٣ ، الوسائل ٧ : ٣١٩ أبواب صلاة الجمعة بـ ٨ ح ١٧. لا ريب أن فعل الركعتين بعد الزوال ينافي الضيق المستفاد من تلك الأخبار ، وقريب منه الوجه في الصحيح الآتي ( منه رحمه الله ).

(٣) التهذيب ٣ : ١٢ / ٤٢ ، الوسائل ٧ : ٣١٦ أبواب صلاة الجمعة بـ ٨ ح ٤.

(٤) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٣ ،

٣١١

لم يدرك الخطبة يوم الجمعة ، قال : « يصلّيها ركعتين ، فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا » (١).

وفي آخر : « فإن أدركته وهو يتشهد فصلّ أربعا » (٢).

وفي ثالث : « من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة » (٣).

ويستفاد منه حصول الفوات بعدم إدراك ركعة كما عليه الشهيدان وجماعة (٤) ، ويعضده عموم مفهوم : « من أدرك من الوقت ركعة فكأنّما أدرك الوقت » (٥).

خلافا للمحكي عن الشيخ وجماعة (٦) فما لم يتلبس بالتكبير ، ومعه فلا فوت ، لاستصحاب الصحة ، وحرمة إبطال العمل في الشريعة. وهما بعد تسليمهما اجتهاد في مقابلة المعتبرة المعتضدة بالاتفاق على العمل بها فيما عدا الجمعة.

والمراد بالقضاء في العبارة مطلق الأداء الشامل للأداء والقضاء بالمعنى‌

__________________

وصاحب المدارك ٤ : ١٤ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٩٨.

(١) الكافي ٣ : ٤٢٧ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ / ١٦٢٢ ، الوسائل ٧ : ٣٤٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٦ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٤ / ٦٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٦ ح ٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٦١ / ٣٤٦ ، الوسائل ٧ : ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٦ ح ٦.

(٤) الشهيد الأول في الدروس ١ : ١٨٨ ، والبيان : ١٨٧ ، والذكرى : ٢٣٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٣ ، وروض الجنان : ٢٨٤ ، العلامة في المختلف : ١٠٨ ، صاحب المدارك ٤ : ١٤.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٣ / ١٦١ ، سنن الترمذي ١ : ١٩ / ٥٢٣ وفي الجميع : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ، في « م » زيادة : كله.

(٦) الشيخ في المبسوط ١ : ١٤٨ ، وانظر الشرائع ١ : ٩٤ ، والمسالك ١ : ٣٤ ، وكشف اللثام ١ : ٢٥٢.

٣١٢

المصطلح ، فلا يرد أن القضاء تابع لأصله ، والجمعة ركعتان فكيف تقضى أربعا.

( ولو لم يدرك ) المأموم ( الخطبتين أجزأته الصلاة ، وكذا لو أدرك مع الإمام الركوع ) خاصة ( ولو في ) الركعة ( الثانية ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر (١) ، وللمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة ، ومنها الصحيح : « إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى » (٢) ونحوه الخبر (٣).

وفي آخر : « إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة ، فإن فاتته فليصلّ أربعا » (٤).

وأما الصحيح : « الجمعة لا تكون إلاّ لمن أدرك الخطبتين » (٥) فمع شذوذه يحتمل الحمل على التقية ، لكونه مذهب جماعة من العامة (٦) وإن وافقنا أكثرهم. أو على أن المراد نفي حقيقة الجمعة فإنّ حقيقتها ركعتان مع ما ناب عن الأخيرتين ، فمن لم يدركهما لم يدرك الجمعة حقيقة وإن أجزأه ما أدركه ، وهو معنى ما مضى من المعتبرة. وحمله الشيخ على نفي الكمال والفضيلة (٧).

__________________

(١) كالخلاف ١ : ٦٢٢ ، والمدارك ٤ : ١٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٤ / ٦٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٦ ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٧٠ / ١٢٣٢ ، الوسائل ٧ : ٣٤٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٧ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٣ ، الوسائل ٧ : ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٦ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٤ ، الوسائل ٧ : ٣٤٦ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٦ ح ٧.

(٦) حكاه ابن قدامة في المغني ٢ : ١٥٨ ، عن عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، ومكحول.

(٧) انظر الاستبصار ١ : ٤٢٢ ذيل الحديث ١٦٢٤.

٣١٣

( ويدرك الجمعة ) أيضا ( بإدراك الإمام راكعا على الأشهر ) الأظهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي الخلاف عليه الإجماع (١) ، وهو الحجّة.

مضافا إلى أن إدراك الركعة مع الإمام موجب لإدراك الجمعة كما مرّ في المعتبرة ، وهو يحصل بإدراك الإمام راكعا كما في الصحاح الصراح المستفيضة ، منها : « إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة » (٢).

خلافا للمحكي عن المقنعة والنهاية والقاضي (٣) ، فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيرة الركوع ، للصحيح : « إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة » (٤).

وفي لفظ آخر : « لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام » (٥).

وفي ثالث : « إذا أدركت التكبير قبل أن يركع فقد أدركت الصلاة » (٦).

وهو مع قصوره عن المقاومة لسابقته غير صريح ، لاحتماله الحمل على الكراهة. وهو أولى من حمل تلك على التقية ، كما اتّفق لبعض الأجلّة معتذرا‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٢٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٢ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٥٤ / ١١٤٩ ، التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥٣ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ / ١٦٨٠ ، الوسائل ٨ : ٣٨٢ أبواب صلاة الجماعة بـ ٤٥ ح ٢.

(٣) لم نعثر عليه في المقنعة وحكاه عنها في الذخيرة : ٣١١ ، النهاية : ١٠٥ ، ١١٤ ، المهذّب ١ : ٨٢ ، ١٠٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٤ / ١٦٧٦ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة بـ ٤٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ / ١٦٧٧ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة بـ ٤٤ ح ٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥١ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ / ١٦٧٨ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة بـ ٤٤ ح ١.

٣١٤

بموافقتها العامة ، لرجحانها على هذا الصحيح بالاستفاضة والصراحة والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة كما عرفت من الخلاف نقله ، وقريب منه في السرائر والذكرى (١) ، حيث عزياه إلى باقي الفقهاء من عدا الشيخ كما في الأوّل ، وإلى المتأخرين كافة كما في الثاني ، وزاد في الأول فادّعى تواتر الأخبار به.

وبنحوه يجاب عن الصحيح الآخر الوارد في المقام : « إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة ، وإن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر » (٢). مع احتماله الحمل على أن المراد بعد الفراغ منه أي الرفع ، أو الفراغ من الركعة المعروفة التي إنما تتم بتمام السجدتين.

وعلى المختار : المعتبر اجتماعهما في حدّ الراكع. وهل يقدح في ذلك أخذ الإمام في الرفع مع عدم مجاوزته حدّ الراكع؟ فيه وجهان.

وعن التذكرة : اعتباره ذكر المأموم قبل رفع الإمام رأسه (٣) ، ومستنده غير واضح كما صرّح به جماعة (٤) ، نعم قيل : في الاحتجاج عن الحميري ، عن مولانا الصاحب عليه‌السلام أنه : « إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة » (٥) ولا ريب أنه أحوط.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٨٥ ، الذكرى : ٢٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٧ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ / ١٦٢٢ ، الوسائل ٧ : ٣٤٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢٦ ح ٣.

(٣) التذكرة ١ : ١٤٨.

(٤) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٤٠٩ ، صاحب المدارك ٤ : ٢٠ ، السبزواري في الذخيرة : ٣١١.

(٥) الاحتجاج : ٤٨٨ ، الوسائل ٨ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة بـ ٤٥ ح ٥.

٣١٥

( ثمَّ النظر في شروطها ، ومن تجب عليه ، ولواحقها ، وسننها ).

( والشروط خمسة : )

( الأول : السلطان العادل ) أي المعصوم عليه‌السلام أو من نصبه ، إجماعا منّا كما حكاه جماعة مستفيضا بل متواترا (١) ، بل قد قيل : قد أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه لا رادّ له في الأصحاب ، وهو الحجّة.

مضافا إلى الأصل والقاعدة في العبادة التوقيفية من وجوب الاقتصار فيها على القدر الثابت منها في الشريعة ، وليس هنا إلاّ الجمعة بهذا الشرط وباقي الشروط الآتية. ونفيه بأصالة البراءة إنما يتّجه على القول بكونها أسامي للأعم من الصحيحة والفاسدة. وأمّا على القول بأنها أسامي للصحيحة خاصة كما هو الأقرب فلا ، إذ لا دليل على الصحة بدونه لا من إجماع ولا من كتاب ولا سنّة ، لمكان الخلاف لو لم نقل بانعقاد الإجماع على الاشتراط ، وغاية الأخيرين الدلالة على وجوب الجمعة ، ولا كلام فيه ، بل هو من ضروريات الدين ، وإنما الكلام في أن الجمعة المؤدّاة بدون هذا الشرط جمعة صحيحة أم فاسدة ، ولا ريب أن المأمور به فيهما إنما هو الصحيحة منها خاصة ، ولا إشارة فيهما إلى صحتها من دونه بالكلية.

مع أن في جملة من النصوص وغيرها دلالة واضحة على الاشتراط وإن اختلفت بحسب الظهور والصراحة ، ففي النبوي المشهور المنجبر بالعمل : « أربع إلى الولاة : الفي‌ء ، والحدود ، والصدقات ، والجمعة » (٢).

__________________

(١) منهم : الشيخ في الخلاف ١ : ٦٢٦ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٢٧٩ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٤٤ ، ونهاية الإحكام ٢ : ١٣ ، والشهيدان في الذكرى : ٢٣٠ ، والروض : ٢٨٥ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٧١.

(٢) انظر بدائع الصنائع ١ : ٢٦١.

٣١٦

وفي آخر : « إن الجمعة والحكومة لإمام المسلمين » (١).

وفي الصحيفة السجّادية : « اللهم إنّ هذا المقام مقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها ، قد ابتزّوها وأنت المقدّر لذلك ـ إلى قوله عليه‌السلام ـ : حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين ، يرون حكمك مبدّلا وكتابك منبوذا ـ إلى قوله عليه‌السلام ـ : وعجّل الفرج والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم » (٢).

وفي الموثّق : عن الصلاة يوم الجمعة ، فقال : « أما مع الإمام فركعتان ، وأمّا لمن صلّى وحده فهي أربع ركعات وإن صلّوا جماعة » (٣).

وهو ظاهر بل صريح في ان المراد بإمام الجمعة إمام الأصل لا إمام الجماعة ، وإلاّ فصلاة الأربع ركعات جماعة يستلزمه ، فلا معنى لقوله : « أمّا مع الإمام فركعتان » مضافا إلى أن المتبادر من لفظ الإمام حيث يطلق ولم يضف إلى الجماعة إنما هو المعصوم عليه‌السلام.

ومن هنا يصحّ الاستدلال على الاشتراط بالمعتبرة الدالة على اعتبار الإمام في الجمعة بقول مطلق وفيها الصحيح والموثق وغيرهما ، كما اتفق لجماعة من أصحابنا ومنهم الفاضل في المنتهى (٤).

وأما ما يجاب عنه : بأنه لا ينافي عدم الاشتراط ، لأنه يشترط في إمام‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتب الحديث ، نعم ورد مؤدّاه عن عليّ عليه‌السلام في الجعفريات : ٤٣ ، والدعائم ١ : ١٨٢ ، وعنهما في مستدرك الوسائل ٦ : ١٣ أبواب صلاة الجمعة بـ ٥ ح ٢ ، ٤.

(٢) الصحيفة السجادية : الدعاء ٤٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢١ / ٤ ، التهذيب ٣ : ١٩ / ٧٠ وفيهما زيادة سيشير إليها المصنّف ، الوسائل ٧ : ٣١٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ٦ ح ٨. وقد ورد في الفقيه ١ : ٢٦٩ / ١٢٣٠ بدون : « وإن صلّوا جماعة ».

(٤) المنتهى ١ : ٣١٧.

٣١٧

الجمعة كونه يحسن الخطبتين ويتمكن منهما لعدم الخوف والتقية بخلاف إمام الجماعة (١).

فضعيف غايته ، لأن لفظ الإمام المطلق حقيقة إمّا فيمن هو المتبادر منه عند الإطلاق ، أو من يعمّه وإمام الجماعة ، لا سبيل في الرواية إلى الثاني ، لما عرفت ، فتعيّن الأول. وما ذكره إنما يتوجه لو كان للإمام معنى آخر خاص ، وهو إمام الجماعة بقيد أنه يحسن الخطبة ويتمكن من الجمعة من غير خوف وتقية ، وهذا المعنى لا أثر له في الاستعمالات والإطلاقات بالكلية ، بل لم أر أحدا احتمله.

نعم ، روي هذا الموثق بنحو آخر بزيادة بين قوله : « أربع ركعات » وقوله : « وإن صلّوا جماعة » وهي هذه : « يعني إذا كان إمام يخطب ، فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن صلّوا جماعة » (٢) فيكشف عن أن المراد بالإمام المطلق من فسّر به فيه ، وهو أعم من إمام الأصل.

لكن يحتمل كون التفسير من الراوي ، ومع ذلك فالظاهر أنّ المراد بمن يخطب خصوص الإمام أو نائبه الخاص ، لحصول أقلّ الخطبة الذي هو قول : « الحمد لله والصلاة على محمّد وآله ، يا أيها الناس اتقوا الله » من كل إمام جماعة ، ويبعد غاية البعد وجوده مع عدم تمكنه منه ، وإطلاق النص محمول على الغالب ، وعليه فلا معنى لاشتراطه وأنه مع عدمه يصلي الجمعة أربعا ولو جماعة ، فتأمل.

وفي الصحيح أو القريب منه المروي في العلل : « إنما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين ، وإذا كان بغير إمام ركعتين وركعتين ، لأن‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٧ : ٣١٤ أبواب صلاة الجمعة بـ ٦ ذيل الحديث ٨.

(٢) انظر الوسائل ٧ : ٣١٠ أبواب صلاة الجمعة بـ ٥ ح ٣.

٣١٨

الناس يتخطّون إلى الجمعة من بعد ، فأحبّ الله عزّ وجل أن يخفّف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه ، ولأن الإمام يحبسهم للخطبة وهم ينتظرون للصلاة ومن انتظر للصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام ، ولأن الصلاة مع الإمام أتم وأكمل ، لعلمه وفقهه وفضله وعدله ، ولأنّ الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتان ، ولم تقصر لمكان الخطبتين » (١).

وفيه وجوه من الدلالة :

منها : ظهوره في لزوم اتصاف إمام الجمعة بأوصاف لا يشترط ما عدا العدالة منها في إمام الجماعة بلا شبهة.

ومنها جعل الجمعة كالعيد ، ويشترط فيه الإمام إجماعا كما يأتي إن شاء الله تعالى ، فكذا الجمعة.

ومنها : دلالته على وجوب تخطي الناس إليها من بعد ، ولا يكون ذلك إلاّ بكونها منصب شخص معيّن يجب تخطّيهم إليه لأدائها ، ولا معنى لذلك ولا وجه لو كان إمامها مطلق إمام الجماعة كما لا يخفى على من تدبّره.

وبهذا الوجه يمكن الاستدلال على الاشتراط بالصحاح الدالة على وجوب شهود الجمعة على جميع المكلّفين إلاّ من كان على رأس فرسخين (٢).

ومنها : إطلاق الإمام فيه المنصرف ـ كما عرفت ـ إلى المعصوم عليه‌السلام ، مع وقوع التصريح به فيه في موضع آخر منه فقال : « إنما جعلت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عام ، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم عن المعصية وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفات » الحديث.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٦٤ / ٩ ، العيون ٢ : ١٠٩ ، الوسائل ٧ : ٣١٢ أبواب صلاة الجمعة بـ ٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ٧ : ٣٠٧ أبواب صلاة الجمعة بـ ٤.

٣١٩

وفي القوي المروي صحيحا أيضا ـ كما قيل (١) ـ : « تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم : الإمام ، وقاضيه ، والمدّعي حقا ، والمدّعى عليه ، والشاهدان ، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام » (٢).

وهو نصّ في الاشتراط. وعدم القول بتعيين السبعة بأعيانهم بالإجماع غير قادح ، لدلالته بمعونته على أن المقصود منه بيان أصل وضع الجمعة. هذا مع أن ظاهر الصدوق في الفقيه العمل به (٣) ، كما حكي عنه في الهداية (٤).

وبالجملة : فتتبع أمثال هذه النصوص يوجب الظن القوي بل القطع بشرطية الإمام ، سيّما بعد شهرتها بين علمائنا بحيث لا يكاد يختلج لأحد الشك فيه حتى ادّعوا عليها الإجماعات المتواترة وإن اختلفت عبائرهم في التأدية : فبين من جعل المشروط نفس الجمعة بحيث يظهر منه أنه شرط الصحة ، كالشيخ في الخلاف ، والحلّي في السرائر ، والقاضي ، والفاضل في المنتهى ، والشهيد في الذكرى ، والمحقّق الثاني في شرح القواعد (٥) ورسالته المصنفة في صلاة الجمعة ، وغيرهم. وبين من جعله الوجوب العيني كابن زهرة ، والفاضلين في المعتبر والنهاية والتذكرة ، وشيخنا الشهيد الثاني في الروضة وروض الجنان (٦) وشرح الألفيّة.

__________________

(١) الذخيرة : ٢٩٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ / ١٦٠٨ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب صلاة الجمعة بـ ٢ ح ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٧.

(٤) الهداية : ٣٤.

(٥) الخلاف ١ : ٦٢٦ ، السرائر ١ : ٢٩٣ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٠٠ ، المنتهى ١ : ٣١٧ ، الذكرى : ٢٣١ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٧١.

(٦) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، المعتبر ٢ : ٢٧٩ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٤ ، التذكرة ١ : ١٤٤ ، الروضة ١ : ٣٠١ ، روض الجنان : ٢٩٠.

٣٢٠