رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

طهراه » (١).

وفيه إشعار بالجواز ، لكنه ليس بظاهر ، ومع ذلك مكاتبة تحتمل التقية.

واحترز بقوله : بالعادة ، عما أكل أو لبس نادرا ، أو في مقام الضرورة ، كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يطرّد أكلها ولبسها عادة فإنه يجوز السجود عليها ، لدخولها فيما أنبتت الأرض مع عدم شمول الاستثناء لها ، لانصرافه بحكم التبادر والغلبة إلى المأكول والملبوس العاديّين ، لكونهما من الأفراد المتبادرة.

وفي مثل الزنجبيل والزعفران والدارجيني ونحوها وجهان ، أقربهما المنع ، لاعتياد أكلها ظاهرا.

أما مثل عود الصندل وأصل الخطمي وما ماثلهما فالظاهر الجواز ، لعدم صدق الاعتياد.

ولو اعتيد أكله أو لبسه شائعا في قطر دون آخر فإشكال ، كما لو كان له حالتان يؤكل ويلبس في إحداهما شائعا دون الأخرى ، والأحوط المنع.

ثمَّ إن الأظهر أنه لا يشترط في المأكول والملبوس فعليّة الانتفاع بهما فيهما ، بل يكفي القوة القريبة منه ، للصدق العرفي ، فإن مثل الحنطة والشعير والقطن والكتان يصدق عليها كونها مأكولة وملبوسة عادة ، مع توقفهما على أفعال كثيرة كالطحن ، والخبز ، والطبخ ، والإخراج من القشر ، ثمَّ الحلج ، ثمَّ الندف ثمَّ الغزل ، ثمَّ الحياكة ، ثمَّ الخياطة.

خلافا للفاضل في المنتهى والتذكرة والتحرير ونهاية الإحكام (٢) ، فيما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٠ / ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٥٨ أبواب ما يسجد عليه بـ ١٠ ح ١.

(٢) المنتهى ١ : ٢٥١ ، التذكرة ١ : ٩٢ ، التحرير ١ : ٣٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٦٢.

٤١

حكي ، فجوّز السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن ، معلّلا له في الأول : بكونهما حينئذ غير مأكولين عادة ، وفي الثاني : بأنّ القشر حائل بين المأكول والجبهة.

والمناقشة فيهما ـ بعد ما عرفت من صدق كونهما مأكولين عادة ـ واضحة ، مع أن في بعض الصحاح المتقدمة التصريح بالنهي عن السجود على الطعام (١) ، وهو شامل للحنطة والشعير قبل الطحن قطعا ، لغة وعرفا وشرعا.

وفي المرتضوي المروي في الخصال : « ولا يسجد الرجل على كدس (٢) حنطة ، ولا شعير ، ولا على لون ممّا يؤكل ، ولا يسجد على الخبز » (٣).

وله أيضا في النهاية فجوّز السجود على القطن والكتان قبل الغزل والنسج ، وتوقّف بعد الغزل (٤).

وضعفه ظاهر ممّا مر ، نعم في الصادقي المروي عن تحف العقول : « كل شي‌ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ، ولا السجود ، إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا ، فإذا صار مغزولا فلا تجوز الصلاة عليه إلاّ في حال الضرورة » (٥) وهو ظاهر فيما ذكره ، إلاّ أن في الاستناد إليه ـ لقصور سنده ـ مناقشة.

( وفي ) جواز السجود على ( الكتان والقطن روايتان ، أشهرهما المنع ) وهو أظهرهما ، بل عليه عامة متأخّري أصحابنا ، بل وقدمائهم أيضا ، عدا‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٩.

(٢) الكدس ـ وزان قفل ـ : ما يجمع من الطعام في البيدر. مصباح المنير : ٥٢٧.

(٣) الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٤٤ أبواب ما يسجد عليه بـ ١ ح ٤.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٣٦٢.

(٥) تحف العقول : ٢٥٢ ، الوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب ما يسجد عليه بـ ١ ح ١١.

٤٢

المرتضى في بعض رسائله (١) ، مع انه قد أفتى بالمنع أيضا في جملة من كتبه ، مدعيا في بعضها الإجماع عليه (٢) ، كالشيخ في الخلاف (٣) ، والفاضل في المختلف (٤) ، وهو ظاهر كل من ادعى الإجماع على اعتبار الأرضية أو ما ينبت منها ، ما لم يكن مأكولا وملبوسا.

وهو حجة أخرى ، معاضدة للرواية ، مع صحة أكثرها واستفاضتها عموما وخصوصا ، وقد مضى شطر منها (٥) ، ومنها ـ زيادة عليه ـ الرضوي : « كل شي‌ء يكون غذاء الإنسان في المطعم والمشرب والثمر والكثر (٦) ، فلا تجوز الصلاة عليه ، ولا على ثياب القطن ، والكتان ، والصوف ، والشعر ، والوبر ، وعلى الجلد ، إلاّ على شي‌ء لا يصلح للّبس فقط وهو مما يخرج من الأرض ، إلاّ أن يكون حال ضرورة » (٧).

والصادقي المروي عن الخصال : « لا تسجد إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، إلاّ المأكول ، والقطن ، والكتان » (٨). إلى غير ذلك من النصوص (٩).

وأما الرواية الثانية فهي وإن كانت مستفيضة (١٠) ، إلاّ أنها بحسب السند‌

__________________

(١) جوابات المسائل الموصليات الثانية ( رسائل الشريف المرتضى ١ ) : ١٧٤.

(٢) كالانتصار : ٣٨.

(٣) الخلاف ١ : ٣٥٧.

(٤) المختلف : ٨٦.

(٥) راجع ص ٣٩ ، ٤٢.

(٦) الكثر : جمّار النخل أو طلعها. القاموس المحيط ٢ : ١٢٩.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٠٢ ، المستدرك ٤ : ٦ ، ٧ أبواب ما يسجد عليه بـ ١ ، ٣ ح ٣ ، ١.

(٨) الخصال : ٦٠٣ / ٩ ، الوسائل ٥ : ٣٤٤ أبواب ما يسجد عليه بـ ١ ح ٣.

(٩) الوسائل ٥ : ٣٤٣ أبواب ما يسجد عليه بـ ١.

(١٠) انظر الوسائل ٥ : ٣٤٨ أبواب ما يسجد عليه بـ ٢ ح ٦ ، ٧.

٤٣

قاصرة ، بل جملة منها ضعيفة ، ومع ذلك نادرة غير مكافئة لشي‌ء مما قدمناه من الأدلة ، موافقة للعامة ، فلتكن مطرحة ، أو محمولة على الضرورة ، أو التقية ، وان استدعى في بعضها الجواب عن السجود من غير تقية ، إذ لا يلزم الإمام عليه‌السلام إلاّ الجواب بما فيه مصلحة السائل من التقية أو غيرها ، وإن ألحّ عليه في سؤال الحكم من غير تقية.

وأما الجمع بينها وبين الأخبار المانعة بحملها على الكراهة ، كما استحسنه في المعتبر (١) ، وتبعه بعض من تبعه (٢) ، فضعيف في الغاية ، لكونه فرع التكافؤ ، بل ورجحان الأخبار المرخّصة ، مع أن الأمر بالعكس ، كما عرفته.

مع أن المنع في جملة من الأخبار المانعة لا يمكن صرفه إلى الكراهة ، لتعلّقه بجملة مما لا يجوز السجود عليه ويحرم بإجماع الطائفة بعبارة واحدة ، واستعمال اللفظة الواحدة في معنييه الحقيقي والمجازي في استعمال واحد مرغوب عنه عند المحققين ، كما تقرّر في محلّه ، فتأمّل.

وبالجملة : القول بالجواز ضعيف في الغاية ، كتردّد الماتن هنا فيما يستفاد من ظاهر العبارة ، وفي الشرائع (٣) ، ونحوه الفاضل في التحرير (٤) ، والصيمري في شرح الشرائع ، حيث اقتصروا على نقل الروايتين أو القولين ، مع نسبة المنع إلى المشهور من غير ترجيح في البين. بل المقطوع به المنع ( إلاّ مع الضرورة ) بفقد ما يصح السجود عليه ، أو عدم التمكّن منه لتقية ونحوها ، فيصحّ السجود عليه حينئذ اتفاقا ، فتوى ونصّا ، ومنه ـ زيادة على ما تقدم (٥) ـ

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١١٩.

(٢) احتمله في المدارك ٣ : ٢٤٨ ، واختاره المحدث الكاشاني في الوافي ٨ : ٧٤٢.

(٣) الشرائع ١ : ٧٣.

(٤) التحرير ١ : ٣٤.

(٥) في ص ٤٢ ، ٤٣.

٤٤

الصحيح : عن الرجل يسجد على المسح والبساط ، فقال : لا بأس إذا كان في حال التقية » (١) ونحوه الموثق (٢).

والرضوي : « وإن كانت الأرض حارّة تخاف على جبهتك أن تحترق ، أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حية أو شوكة أو شيئا يؤذيك ، فلا بأس أن تسجد على كمّك ، إذا كان من قطن أو كتان » (٣).

وقريب منه كثير من النصوص الدالة على جواز السجود عليهما في شدة الحرّ والرمضاء (٤).

مضافا إلى الأدلّة الآتية الدالّة على جواز السجود على ما لا يصح عليه في حال الاختيار في حال الضرورة ، منطوقا في بعض ، وفحوى في أخرى (٥).

( ولا ) يجوز أن ( يسجد على شي‌ء من بدنه ) اختيارا ، إذا ليس أرضا ولا ما ينبت منها.

( فإن منعه الحر ) أو البرد أو نحوهما من السجود عليهما ولم يتمكن من دفع المانع ولو بالتبريد مثلا ( سجد على ثوبه ) مطلقا ، فإن لم يتمكن منه سجد على ظهر كفّه ، بلا خلاف ، للضرورة المبيحة لكلّ محظور ، وللنصوص المستفيضة ، بل المتواترة ولو معنى ، وقد مضى شطر منها ، وسيأتي جملة أخرى (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٦ / ٨٣١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٣٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ / ١٢٤٤ ، الوسائل ٥ : ٣٤٩ أبواب ما يسجد عليه بـ ٣ ح ١ ، ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٧ / ١٢٤٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ / ١٢٤٥ ، الوسائل ٥ : ٣٤٩ أبواب ما يسجد عليه بـ ٣ ح ٣.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٤ ، المستدرك ٤ : ٧ أبواب ما يسجد عليه بـ ٣ ح ١.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٥٠ أبواب ما يسجد عليه بـ ٤.

(٥) انظر ص : ٤٧.

(٦) في ص : ٤٦ ، ٤٧.

٤٥

وأما الترتيب بين الثوب والكفّ بتقديم الأول على الثاني ، فقد ذكره جماعة من الأصحاب من غير نقل خلاف (١) ، وربما يشعر به الخبران ، في أحدهما : قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي ، كيف أصنع؟ قال : « تسجد على بعض ثوبك » قلت له : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : « اسجد على ظهر كفّك فإنها أحد المساجد » (٢).

وفي الثاني المروي عن علل الصدوق : عن الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق ، فيبقى عريانا في سراويل ، ولا يجد ما يسجد عليه ، يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه ، قال : « يسجد على ظهر كفه فإنها أحد المساجد » (٣).

ولا دلالة فيهما على اعتبار الترتيب ، بل ولا إشعار أيضا ، فيشكل إثباته بهما ، بل وبالقاعدة إذا كان الثوب من غير القطن والكتان من نحو الشعر والصوف ، لعدم الفرق بينهما وبين الكفّ في عدم جواز السجود عليها اختيارا ، واشتراك الضرورة المبيحة له عليها اضطرارا.

نعم ، لو كان من القطن والكتان أمكن القول بأولويّة تقديمهما على اليد ، بناء على الفرق بينها وبينهما في حالة الاختيار ، بالإجماع على العدم فيها حينئذ والخلاف فيهما نصا وفتوى ، فتقديمهما عليها لعلّه أولى ، فتأمّل جدّا.

( ويجوز السجود على الثلج والقير وغيره ) من المعادن ونحوها ( مع

__________________

(١) منهم الشيخ في النهاية : ١٠٢ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٧٣ ، والعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٣٦٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٦ / ١٢٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ / ١٢٤٩ ، الوسائل ٥ : ٣٥١ أبواب ما يسجد عليه بـ ٤ ح ٥.

(٣) علل الشرائع : ٣٤٠ / ١ ، الوسائل ٥ : ٣٥١ أبواب ما يسجد عليه بـ ٤ ح ٦.

٤٦

عدم الأرض وما ينبت منها ، فإن لم يكن ) شي‌ء من ذلك موجودا ( فعلى ) ظهر ( كفّه ) لعين ما مضى.

مضافا إلى النصوص الأخر المستفيضة ، ففي الخبر : « إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه ، وإن لم يمكنك فسوّه واسجد عليه » (١).

وفي الصحيح : عن الصلاة في السفينة ـ إلى أن قال ـ : « يصلّي على القير والقفر ويسجد عليه » (٢).

وفي آخر : عن السجود على القفر والقير ، فقال : « لا بأس به » (٣).

ويستفاد منه كغيره جواز السجود على القير مطلقا ، ولكنها حملت على الضرورة ، أو التقية ، جمعا بينها وبين الأدلّة المانعة من الإجماعات المحكية (٤) ، والنصوص المستفيضة المانعة عن السجود عليه عموما وخصوصا (٥).

والجمع بينها ـ بحمل المانعة على الكراهة إن لم ينعقد الإجماع على الحرمة ـ لا وجه له ، لكثرة الأدلّة المانعة ، ومخالفتها العامة ، وموافقتها الخاصة ، فتكون هذه الروايات بالإضافة إليها مرجوحة لا يمكن الالتفات إليها بالكلية.

( ولا بأس بـ ) السجود على ( القرطاس ) بلا خلاف فيه في الجملة ، بل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٠ / ١٤ ، الفقيه ١ : ١٦٩ / ٧٩٨ ، التهذيب ٢ : ٣١٠ / ١٢٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٣ ، الوسائل ٥ : ١٦٤ أبواب مكان المصلي بـ ٢٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٥ / ٨٩٥ ، الوسائل ٥ : ٣٥٤ أبواب ما يسجد عليه بـ ٦ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ / ١٢٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ / ١٢٥٥ ، الوسائل ٥ : ٣٥٤ أبواب ما يسجد عليه بـ ٦ ح ٤.

(٤) انظر البحار ٨٢ : ١٥٦ ، والحدائق ٧ : ٢٥٦.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٤٣ أبواب ما يسجد عليه بـ ١ ، وص ٣٥٣ بـ ٦ من تلك الأبواب ح ١ ، ٣.

٤٧

عليه الإجماع في ظاهر جماعة (١) ، وصريح المسالك والروضة (٢) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها : عن القراطيس والكواغذ المكتوبة هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب : « يجوز » (٣).

وعمومه من وجهين ، كإطلاق البواقي وكلام الأصحاب ، على الظاهر ـ المصرح به في كلام جماعة (٤) ـ يقتضي عدم الفرق في القرطاس بين القطن وغيره حتى الإبريسم.

خلافا للفاضل في جملة من كتبه (٥) ، وغيره (٦) ، فاعتبروا كونه مأخوذا من غير الإبريسم ، لأنّه ليس بأرض ولا من نباتها.

وهو تقييد للنص وكلام الأصحاب من غير دليل ، عدا مراعاة الجمع بينه وبين ما مضى من الأدلّة على اعتبار كون ما يسجد عليه أرضا أو ما أنبته (٧) بحملها على ظاهرها ، وإرجاع إطلاق النص والفتاوى هنا إليها ، بتقييده بما إذا كان من نبات الأرض لا مطلقا. ولا دليل عليه ، مع عدم إمكانه ، من حيث اشتمال القرطاس على النورة المستحيلة ، فلا فرد له آخر يبقى بعد التقييد أو التخصيص ، بل لا بد من طرحه ، أو العمل به بإطلاقه ، والأوّل باطل اتفاقا ، فتوى ونصا ، فتعين الثاني.

__________________

(١) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٦٥ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٢٣ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٤٩.

(٢) المسالك ١ : ٢٦ ، الروضة البهيّة ١ : ٢٢٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٦ / ٨٣٠ ، التهذيب ٢ : ٣٠٩ / ١٢٥٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ / ١٢٥٧ ، الوسائل ٥ : ٣٥٥ أبواب ما يسجد عليه بـ ٧ ح ٢.

(٤) منهم الشهيد في الذكرى : ١٦٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٦٤.

(٥) كالتذكرة ١ : ٩٢ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٦٢.

(٦) كالشهيد في الذكرى : ١٦٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٦٤.

(٧) راجع ص : ٣٩.

٤٨

ولا يتوجه حينئذ أن يجعل إطلاق النص هنا مقيّدا لما مضى بالنسبة إلى النورة خاصة ، ويعكس بالنسبة إلى غيرها ، لأن هذا تخريج بحت لا يمكن المصير إليه قطعا ، لعدم شاهد عليه أصلا.

ثمَّ إن كل ذا على تقدير صدق كونه من نبات الأرض عرفا إن اتخذ منه ، وعدم خروجه واستحالته بصيرورته قرطاسا إلى حقيقة أخرى ، وإلاّ فلا إشكال في كون إطلاق النص والفتوى هنا مقيّدا للأدلّة المانعة عن السجود على ما ليس بأرض ولا نباتها ، فإن التعارض بينهما حينئذ تعارض العموم والخصوص مطلقا لا من وجه ، والجمع بينهما لا يكون إلاّ بتخصيص العام بالخاص قطعا.

مع أن على قولهم ، لو شك في جنس المتّخذ منه ـ كما هو الأغلب ـ لم يصح السجود عليه ، للشك في حصول شرط الصحة ، وبهذا ينسدّ باب السجود عليه غالبا ، وهو غير مسموع في مقابل النص وعمل الأصحاب.

وبالجملة فما ذكروه من التقييد ضعيف.

وأضعف منه توقّف الشهيد في أصل السجود عليه مطلقا ، حيث قال : وفي النفس من القرطاس شي‌ء ، من حيث اشتماله على النورة المستحيلة عن اسم الأرض بالإحراق ، قال : إلاّ أن نقول : الغالب جوهر القرطاس ، أو نقول : جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض (١).

فإن هذا الإيراد متوجّه لو لا خروج القرطاس بالنص الصحيح وعمل الأصحاب.

وما دفع به الإشكال غير واضح ، فإن أغلبيّة المسوّغ لا تكفي مع امتزاجه بغيره وانبثاث أجزائهما بحيث لا يتميّز. وكون جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض في غاية الضعف.

__________________

(١) الذكرى : ١٦٠.

٤٩

( ويكره منه ما فيه كتابة ) بلا خلاف ، للصحيح : عليه أنه السلام كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة (١).

والكراهة فيه مراد بها المعنى الاصطلاحي بالإجماع والصحيح الماضي (٢).

هذا إن لاقى الجبهة ما يقع عليه اسم السجود خاليا من الكتابة ، وإلاّ فلم يجز ، كما أنه لا يكره إذا كانت الكتابة من طين ونحوه مما يصح السجود عليه ، لأنه فرد نادر لا ينصرف إليه إطلاق النص والفتوى.

( ويراعى فيه أن يكون مملوكا ) للمصلّي ولو منفعة ( أو مأذونا فيه ) كما مضى (٣) ( خاليا من النجاسة ) إجماعا محققا ، ومحكيا في كلام جماعة ، كالغنية والمعتبر والمنتهى والمختلف والتذكرة والذكرى وروض الجنان وشرح القواعد للمحقق الثاني (٤) ، وغيرهم (٥).

ولظواهر المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : عن البول يكون على السطح وفي المكان الذي يصلّى فيه ، فقال : « إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر » (٦).

وقريب منه الصحيح المتقدم المتضمن للسؤال عن السجود على الجصّ الموقد عليه النار وعظام الموتى ، والجواب عنه بقوله : « إن الماء والنار قد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٢ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ / ١٢٥٦ ، الوسائل ٥ : ٣٥٦ أبواب ما يسجد عليه بـ ٧ ح ٣.

(٢) رجع ص ٤٧.

(٣) في ص ٥ ، ٦.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، المعتبر ٢ : ١٢١ ، المنتهى ١ : ٢٤٢ ، المختلف : ٨٣ ، التذكرة ١ : ٨٧ ، الذكرى : ١٦٠ ، روض الجنان : ٢٢١ ، جامع المقاصد ٢ : ١٢٦.

(٥) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٥.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات بـ ٢٩ ح ١.

٥٠

طهّراه » (١).

وقريب منهما النصوص الدالة على اشتراط جعل الكنيف مسجدا بتطهيره بالتراب (٢) ، والنبوي : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » (٣).

وأما المعتبرة ـ الواردة بجواز الصلاة في الأمكنة التي أصابها البول والمني إذا كانت يابسة (٤) ـ فغير واضحة المعارضة ، بعد قوة احتمال اختصاصها بإرادة ما عدا موضع الجبهة ، كما فهمه الأصحاب الذين لم يشترطوا طهارة ما عدا موضعها إذا لم تتعدّ النجاسة ، حيث استدلوا بها في تلك المسألة (٥).

وفيها أيضا ضعف دلالة من وجه آخر ، ليس لذكره كثير فائدة.

وأما ما ينقل عن الراوندي وصاحب الوسيلة : من المخالفة في المسألة (٦) ، فغير معلومة ، كما بيّنته في شرح المفاتيح بما لا مزيد عليه.

__________________

(١) راجع ص : ٤٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٠٩ أبواب أحكام المساجد بـ ١١.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٩١ ، الوسائل ٥ : ٢٢٩ أبواب أحكام المساجد بـ ٢٤ ح ٢.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات بـ ٢٩.

(٥) راجع ص ١٨ ، ١٩.

(٦) حكاه عنهما في المعتبر ١ : ٤٤٦.

٥١

( السابعة : )

( في الأذان والإقامة )

( والنظر ) هنا يقع ( في ) أمور أربعة ( المؤذّن ، وما يؤذّن له ، وكيفية الأذان ، ولواحقه ).

( أما المؤذّن فيعتبر فيه ) لصحة أذانه والاعتداد به ( العقل ) حال الأذان ، ( و ) كذا ( الإسلام ) إجماعا ، على الظاهر ، المصرّح به في المعتبر والتذكرة والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني والذكرى وروض الجنان (١) ، لكن في الأخير خاصّة (٢).

وهو الحجة ، مضافا إلى الموثقة الآتية (٣).

وأنه عبادة توقيفية يجب الاقتصار فيها على المتيقن ثبوته من الشريعة ، وليس إلاّ إذا كان المؤذّن متّصفا بهذين الوصفين.

ولأنه أمين وضامن ، كما في النصوص من طرق الخاصة والعامة ، منها : « المؤذّن مؤتمن ، والإمام ضامن » (٤) ومنها في المؤذّنين : « إنهم الامناء » (٥).

والكافر والمجنون لا أمانة لهما ، مع كون عبارة الأخير مسلوبة العبرة ، فكأنه ما صدر منه أذان أصلا. وفي حكمه الصبي الغير المميز.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٢٥ ، التذكرة ١ : ١٠٧ ، المنتهى ١ : ٢٥٧ ، جامع المقاصد ٢ : ١٥٧ ، الذكرى : ١٧٢ ، روض الجنان : ٢٤٢.

(٢) أي : ادّعى الإجماع في روض الجنان على اعتبار الإسلام خاصة.

(٣) في ص ٥٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٢ / ١١٢١ ، الوسائل ٥ : ٣٧٨ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣ ح ٢ ، ورواه في سنن أبي داود ١ : ١٤٣ / ٥١٧ ، ومسند أحمد ٢ : ٣٧٨ ، وسنن الترمذي ١ : ١٣٣ / ٢٠٧.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٩ / ٨٩٨ ، الوسائل ٥ : ٣٧٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣ ح ٦.

٥٢

وفي اشتراط الإيمان قولان ، ظاهر الأكثر لا ، للنصوص الظاهرة في جواز الاعتماد على أذان هؤلاء ، منها الصحيح : « صلّ الجمعة بأذان هؤلاء ، فإنهم أشدّ شي‌ء مواظبة على الوقت » (١).

وفي الخبر : « إذا نقص المؤذّن الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه » (٢).

والأصح اشتراطه ، وفاقا لجماعة (٣) ، لما مر من القاعدة ، ولبطلان عبادة المخالف ، كما في النصوص الكثيرة (٤) ، وخصوص النبوي : « يؤذّن لكم خياركم » (٥) خرج منه المجمع على جوازه ، فبقي الباقي.

وللموثق : عن الأذان ، هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال : « لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف ، فإن علم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ، ولا يقتدى به » (٦). والمراد بالعارف الإمامي ، كما يستفاد من تتبّع النصوص.

وفي الصحيح : « إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه ، وقد بقي على الإمام آية أو آيتان ، فخشي إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٩ / ٨٩٩ ، التهذيب ٢ : ٢٨٤ / ١١٣٦ ، الوسائل ٥ : ٣٧٨ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٠ ح ١.

(٣) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٤٣ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٦٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٦.

(٤) الوسائل ١ : ١١٨ أبواب مقدمة العبادات بـ ٢٩.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٨٠ ، الوسائل ٥ : ٤١٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٦ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٦ ح ١.

٥٣

الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، وليدخل في الصلاة » (١).

وفي الخبر : « أذّن خلف من قرأت خلفه » (٢).

ولا يعارضها الخبران السابقان (٣) ، وإن صحّ أوّلهما ، وانجبر بالشهرة ثانيهما (٤) ، لقصور دلالتهما ، فالأوّل باحتمال أن يكون المراد جواز الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت ، حيث لا يمكن العلم بدخوله ، بناء على حصول الظن منه به ، لا ترك الأذان بسماع أذانه ، فتأمّل.

والثاني باحتمال اختصاص المؤذّن فيه بالمؤمن المنقص لبعض الفصول سهوا لا مطلقا.

( ولا يعتبر فيه البلوغ ) ولا الحرية ( فالصبي ) المميز يجوز أن ( يؤذّن و ) كذا ( العبد ) إجماعا ، على الظاهر ، المصرّح به في المنتهى والتذكرة فيهما معا (٥) ، وفي الخلاف والمعتبر والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني في الأوّل خاصّة (٦).

وهو الحجة ، مضافا إلى العموم في الأخير ، مضافا إلى فحوى ما دلّ على جواز إمامته (٧) ، كما يأتي إن شاء الله تعالى ، وخصوص المعتبرة المستفيضة في الأول ، وفيها الصحيح وغيره : « لا بأس أن يؤذن الذي لم يحتلم » (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ / ١١١٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٥٦ / ١٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٤٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٤ ح ٢.

(٣) المتقدم في ص : ٥٢.

(٤) في « لـ » وهامش « ش » و « ح » زيادة : مع أنه روي مضمونه صحيحا أيضا.

(٥) المنتهى ١ : ٢٥٧ ، التذكرة ١ : ١٠٧.

(٦) الخلاف ١ : ٢٨١ ، المعتبر ٢ : ١٢٥ ، الذكرى : ١٧٢ ، جامع المقاصد ٢ : ١٧٥.

(٧) الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة بـ ١٦.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٤٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٢ ح ١.

٥٤

وبها ـ مضافا إلى الإجماع ـ يخصّ ما دلّ على اعتبار أمانة المؤذّن ، وحديث : « يؤذّن لكم خياركم » (١).

( و ) يشترط المذكورة أيضا في الاعتداد عند الأكثر ، إلا أن ( تؤذّن المرأة للنساء ) أو المحارم ( خاصة ) لظاهر الموثق السابق : « لا يؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف » (٢) وإن لم يبق على عمومه ، لجواز أذان الصبي ، وأذانها لهنّ وللمحارم إذا لم يسمعها الأجانب ، فإن العام المخصّص حجّة في الباقي.

قيل : ولأنها إن أسرّت لم يسمعوا ، ولا اعتداد بما لا يسمع ، وإن جهرت كان أذانا منهيا عنه ، فيفسد للنهي ، فكيف يعتدّ به (٣).

ويضعف ـ بعد تسليم النهي ـ بأنه عن كيفيته ، وهو لا يقتضي فساده.

وأيضا : فلا يتمّ فيما إذا جهرت وهي لا تعلم بسماع الأجانب ، فاتفق أن سمعوه.

وأيضا : فاشتراط السماع في الاعتداد ممنوع ، وإلاّ لم يكره للجماعة الثانية ما لم تتفرق الاولى ، كذا قيل (٤).

وفي جميعه نظر ، ما عدا الوجه الثاني ، فإنه حسن ، إلاّ أنه يحتمل خروج ما فرض فيه عن محلّ النزاع.

خلافا للمبسوط ، فأطلق اعتداد الرجال بأذانها (٥).

قيل : إن أراد الاعتداد مع الإسرار فهو بعيد ، لأن المقصود بالأذان‌

__________________

(١) المتقدم في ص ٥٢ ، ٥٣.

(٢) راجع ص ٥٣.

(٣) قال به المحقق في المعتبر ٢ : ١٢٧ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٥٧ ، والتذكرة ١ : ١٠٧ ، والمختلف : ٨٨.

(٤) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٦.

(٥) المبسوط ١ : ٩٧.

٥٥

الإبلاغ ، وعليه دلّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « القه على بلال ، فإنه أندى (١) منك صوتا » (٢). وإن أراد مع الجهر فأبعد ، للنهي عن سماع صوت الأجنبية ، إلاّ أن يقال : إنه ـ من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن ـ مستثنى ، كما استثني الاستفتاء من الرجال ، وتعلّمهن منهم والمحاورات الضرورية (٣).

والأجود في الجواب : عدم دليل على جواز الاعتداد بأذانها ، لاختصاص ما دلّ على جواز الاعتداد بأذان الغير بحكم التبادر وغيره بغير أذانها ، فيكون بالأصل مدفوعا ، مضافا إلى ما قدّمناه للمشهور دليلا من الموثقة وغيرها.

( ويستحب أن يكون عدلا ) بلا خلاف إلاّ من الإسكافي (٤) ، فأوجبه.

وهو شاذّ ، بل على خلافه الإجماع في صريح المنتهى وظاهر المحقق الثاني والشهيد في الذكرى (٥).

وهو الحجة عليه ، مضافا إلى النصوص المتقدمة في الصبي (٦) ، لعدم تعقل اتصافه بالعدالة بناء على أنها من أوصاف المكلفين.

قيل : ويحتمل أن يريد عدم الاعتداد به في دخول الوقت (٧). وعليه فلا خلاف.

__________________

(١) أي أرفع وأعلى ، وقيل : أحسن وأعذب ، وقيل : أبعد ، النهاية لابن الأثير ٥ : ٣٧.

(٢) سنن البيهقي ١ : ٣٩٠ ، ٣٩١ ، سنن أبي داود ١ : ١٤١ / ٥١٢.

(٣) قال به الشهيد في الذكرى : ١٧٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٩٠ ، والذكرى : ١٧٢.

(٥) المنتهى ١ : ٢٥٧ ، جامع المقاصد ٢ : ١٧٦ ، الذكرى : ١٧٢.

(٦) في ص ٥٤.

(٧) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٦.

٥٦

( صيّتا ) شديد الصوت كما عن جماعة من اللغويين (١) (٢) ، لما مرّ من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « القه على بلال ، فإنه أندى منك صوتا » (٣). ولغيره من النصوص ، وفيها الصحيح وغيره (٤). ولأن إبلاغه أبلغ ، والمنتفعين بصوته أكثر.

مبصرا ، ليتمكن من معرفة الوقت.

( بصيرا بالأوقات ) التي يؤذّن لها.

ولا خلاف في جواز أذان غيرهما ، فإن ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) ، والجاهل بالأوقات ليس أسوأ حالا من الأعمى ، لكنهما إنما يجوز لهما أن يؤذّنا إذا سدّدا ، ولا يعتمد على أذانهما في دخول الوقت.

نعم ، إذا علم الوقت وأذنّا اكتفي بأذانهما ، للأصل ، والعمومات.

( متطهرا ) من الحدثين ، إجماعا ، على الظاهر ، المصرّح به في المعتبر والمنتهى والتذكرة (٦) ، وغيرها (٧).

وهو الحجّة ، مضافا إلى النبوي المشهور : « حقّ وسنّة أن لا يؤذّن أحد إلاّ وهو طاهر » (٨).

وظاهره عدم الوجوب ، كما في المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح‌

__________________

(١) انظر الصحاح ١ : ٢٥٧ ، ولسان العرب ٢ : ٥٧.

(٢) في هامش « ش » و « لـ » : ولا خلاف فيه أيضا كما صرح به في المنتهى ١ : ٢٥٨.

(٣) راجع ص ٥٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٠٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٦.

(٥) انظر الوسائل ٥ : ٣٨٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ٨ ح ٢ ، ٣.

(٦) المعتبر ٢ : ١٢٧ ، المنتهى ١ : ٢٥٧ ، التذكرة ١ : ١٠٧.

(٧) راجع الخلاف ١ : ٢٨٠ ، وجامع المقاصد ٢ : ١٧٦ ، وكشف اللثام ١ : ٢٠٦.

(٨) سنن البيهقي ١ : ٣٩٧.

٥٧

وغيرها (١).

وفيها الدلالة على لزومه في الإقامة ، كما عليه جماعة (٢) ، لسلامتها عن المعارض بالكلية ، عدا الأصل ، ويجب تخصيصه بها ، فما عليه الأكثر من الاستحباب فيها أيضا غير ظاهر الوجه.

( قائما ) إجماعا ، كما في الكتب المتقدمة ، ونهاية الإحكام للعلاّمة (٣) ، وللنص المحمول على الاستحباب (٤) ، للمعتبرة المستفيضة بجواز الترك ، وفيها أيضا الصحاح وغيرها (٥).

وظاهرها اللزوم في الإقامة أيضا ، كما هو ظاهر المفيد والنهاية (٦) ، وتبعهما جماعة (٧).

خلافا للأكثر ، فكما مر. نعم في بعض الأخبار الرخصة في الإقامة وهو ماش إلى الصلاة (٨) ، وعن المقنع : وإن كنت إماما فلا تؤذّن إلاّ من قيام (٩).

ويستحب قيامه ( على ) موضع ( مرتفع ) بلا خلاف إلاّ من المبسوط ، فقال : لا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض (١٠).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩١ أبواب الأذان والإقامة بـ ٩.

(٢) منهم الحلي في السرائر ١ : ٢١١ ، العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٢٣ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٦.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٤٢٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٧ / ١٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١٢٠ ، الوسائل ٥ : ٤٠٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٣ ح ١١.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٠١ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٣.

(٦) المفيد في المقنعة : ١٠١ ، النهاية : ٦٦.

(٧) منهم صاحب الحدائق ٧ : ٣٤١ ، والقاضي في المهذب ١ : ٨٩ أوجبه في صلاة الجماعة.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٨٢ / ١١٢٥ ، الوسائل ٥ : ٤٠٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٣ ح ٩.

(٩) المقنع : ٢٧ ، المستدرك ٤ : ٣٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٢ ح ٣.

(١٠) المبسوط ١ : ٩٦.

٥٨

والظاهر أن مراده المساواة في الإجزاء أو الاستحباب ، وإلاّ فإنه قال : ويستحب أن يكون المؤذّن على موضع مرتفع (١). وكيف كان فهو على تقدير المخالفة شاذ بل على خلافه في التذكرة ونهاية الإحكام الإجماع (٢).

وهو الحجة ، مضافا إلى الخبر ـ بل هو في المحاسن صحيح ، كما قيل (٣) ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنه كان يقول إذا دخل الوقت : يا بلال ، اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان » (٤).

مع أنه أبلغ في الإبلاغ المقصود من شرعيته.

( مستقبل القبلة ) إجماعا ، محققا ومحكيا (٥). والكلام في وجوبه في الإقامة وعدمه كما تقدم في سابقة فتوى ودليلا.

ويتأكّد في الشهادتين ، للصحيح : عن الرجل يؤذّن وهو يمشي ، قال : « نعم ، إذا كان في التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس » (٦).

( رافعا ) به ( صوته ) للصحاح المستفيضة ، منها ـ زيادة على ما مر ـ : عن الأذان ، فقال : « اجهر بصوتك ، وإذا أقمت فدون ذلك » (٧).

ومنها : « كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر ، وكان أجرك في ذلك أعظم » (٨).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٨.

(٢) التذكرة ١ : ١٠٧ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٢٤.

(٣) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٦.

(٤) المحاسن : ٤٨ / ٦٧ ، ورواه في الكافي ٣ : ٣٠٧ / ٣١ ، والتهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٦ ، والوسائل ٥ : ٤١١ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٦ ح ٧.

(٥) كما في نهاية الإحكام ١ : ٤٢٣ ، والحدائق ٧ : ٣٤٤.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٧٨ ، التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٦ ، الوسائل ٥ : ٤٠٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٣ ح ٧.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٧٦ ، الوسائل ٥ : ٤٠٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٦ ح ١.

(٨) الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧٥ ، الوسائل ٥ : ٤١٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٦ ح ٢.

٥٩

ومنها : « إذا أذّنت فلا تخفينّ صوتك ، فإن الله تعالى يأجرك مدّ صوتك فيه » (١).

( وتسرّ به المرأة ) عن الأجانب ، لأن صوتها عورة ، يجب سترة أو يستحب.

وظاهر العبارة استحباب السرّ أو وجوبه مطلقا (٢) ، ولا وجه له على التقدير الأخير. ولا بأس به على الأول ، لأنه أنسب بالحياء المطلوب منها ، كما يرشد إليه من النصوص ما مرّ في استحباب أن لا تحضر المساجد ، وأن صلاتها في بيتها أفضل منها فيه (٣).

( ويكره الالتفات به يمينا وشمالا ) لمنافاته الاستقبال المأمور به ، كما مضى ، خلافا لبعض العامة العمياء (٤).

( ولو أخلّ بالأذان والإقامة ساهيا ) (٥) ( وصلّى تداركهما ) استحبابا ( ما لم يركع واستقبل صلاته. ولو تعمد ) الإخلال بهما ( لم ) يجز أن ( يرجع ) على الأظهر الأشهر ، بل لعله عليه عامة من تأخر ، للصحيح : « إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك (٦).

وفيه الدلالة على حكمي النسيان والعمد منطوقا في الأول ، ومفهوما في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٥ ، الوسائل ٥ : ٤١٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٦ ح ٥.

(٢) أي : ولو عن المحارم.

(٣) راجع ص ٢٣.

(٤) انظر المغني والشرح الكبير لا بني قدامة ١ : ٤٧٢.

(٥) في المختصر المطبوع : ناسيا.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٧٨ / ١١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ / ١١٢٧ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ٣.

٦٠