رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

فيحتمل كونه المراد من الدعاء في الخبر ، أو الأعم منه ومن غيره.

ثمَّ لو سلّم الدلالة فمبناها الأمر الظاهر في الوجوب المحتمل هو كالموثق : « ليس له أن يدعه متعمدا » (١) للحمل على الاستحباب ، فيتعين ، للإجماعات المتقدمة حتى الذي في المنتهى ، فإنه قال : اتّفق علماؤنا على استحباب القنوت في كل ثانية من كل فريضة ونافلة (٢). ولا ينافيه نسبة الخلاف بعد ذلك إلى الصدوق ، لمعلومية نسبه ، وعدم القدح في انعقاد الإجماع بخروجه ، فتأمّل.

هذا مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : « إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت ، وإذا كانت التقية فلا تقنت » (٣) ونحوه آخر لكن في قنوت الفجر (٤).

وفي الموثق الوارد في صلاة الجمعة : « أما الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى ـ إلى أن قال ـ : ومن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع ، وإن شاء لم يقنت ، وذلك إذا صلّى وحده » (٥).

وبالجملة بهذه الأدلة ـ المعتضدة بعضها ببعض ، والأصل ، والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل لعلها إجماع في الحقيقة ـ يتوجه صرف الأمر في الآية ونحوه عن ظاهره إلى الاستحباب. وكذا ما ( بحكمه ) (٦) من قوله عليه‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣١٥ / ١٢٨٥ ، الوسائل ٦ : ٢٨٦ أبواب القنوت بـ ١٥ ح ٣.

(٢) المنتهى ١ : ٢٩٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٩١ / ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ / ١٢٨١ ، الوسائل ٦ : ٢٦٩ أبواب القنوت بـ ٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦١ / ٦٣٤ ، الوسائل ٦ : ٢٦٩ أبواب القنوت بـ ٤ ذيل حديث ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٤٥ / ٦٦٥ ، الوسائل ٦ : ٢٧٢ أبواب القنوت بـ ٥ ح ٨.

(٦) في « م » : يحكونه.

٢٦١

السلام الوارد في الخبر ، بل الصحيح : « من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » (١) يحتمل الصرف إليه أيضا ، بأن يراد من المنفي الكمال لا الصحة ، أو يقيّد نفي الصحة بمن كان تركه القنوت رغبة عنه ، وهم العامة. ولعل هذا أقرب ، كما يدلّ عليه التقييد بقوله : « رغبة عنه » وفيه حينئذ دلالة على الاستحباب وجواز الترك من غير رغبة ، ويشهد له حصر صدره محلّ القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة ، لمخالفته الإجماع ، إذ لا قائل به حتى الصدوق والعماني.

ويحتمل أن يكون مراد الصدوق من المتعمّد في الكتابين متعمّد الترك للرغبة عنه ، لا مطلق متعمّد الترك ، وربما أشعر به تقييد البطلان بالتعمّد ، فتدبّر ، وحينئذ فمخالفته فيهما غير معلومة وكذا في الفقيه (٢) ، بل سياق كلامه فيه ظاهر في الاستحباب.

فانحصر المخالف في العماني. ولا ريب في شذوذه وضعفه ، سيّما على النقل الثاني (٣) ، وإن دلّ عليه المروي بطرق متعددة فيها الصحيح والموثق : عن القنوت في الصلوات الخمس ، فقال : « اقنت فيهنّ جميعا » قال : وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام بعد ذلك ، فقال لي : « أما ما جهرت فيه فلا تشك » (٤).

لوروده مورد التقية ، كما يظهر من الموثق : عن القنوت ، فقال : « فيما يجهر فيه بالقراءة » قال : فقلت : إني سألت أباك عن ذلك فقال لي : في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٩ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٩٠ / ٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ / ١٢٧٦ ، الوسائل ٦ : ٢٦٣ أبواب القنوت بـ ١ ح ١١ وص ٢٦٥ بـ ٢ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٧.

(٣) راجع ص : ٢٦٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٩ / ١ ، التهذيب ٢ : ٨٩ / ٣٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ / ١٢٧٢ ، الوسائل ٦ : ٢٦٢ أبواب القنوت بـ ١ ح ٧.

٢٦٢

الخمس كلّها ، فقال : « رحم الله تعالى أبي ، إن أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق ، ثمَّ أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقية » (١).

ومحله بعد القراءة ( قبل الركوع ) إجماعا ، كما في الخلاف والمنتهى ونهج الحق (٢) وغيرها (٣) ، وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : « القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع » (٤).

وأما الخبر الدال على التخيير بينه وبين بعد الركوع (٥) ـ فمع ضعف سنده وعدم مكافأته لمعارضة من وجوه عديدة ـ شاذّ ضعيف ، لا يمكن القول به ولا الميل إليه ، وإن حكي عن الماتن في المعتبر (٦) ، واستحسنه بعض من تأخّر عنه (٧).

وقوله ( إلاّ في الجمعة ) استثناء من الحكم بالقبلية لا الندبية ، بدلالة قوله ( فإنه ) أي القنوت في صلاة الجمعة مستحب في ركعتيها معا ( في الأولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعده ) على الأشهر الأقوى ، وفي الخلاف الإجماع عليه (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٩ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٩١ / ٣٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ / ١٢٨٢ ، الوسائل ٦ : ٢٦٣ أبواب القنوت بـ ١ ح ١٠.

(٢) الخلاف ١ : ٣٢٨ ، المنتهى ١ : ٢٩٩ ، نهج الحق : ٤٣٧.

(٣) كالتذكرة ١ : ١٢٨ ، والذكرى : ١٨٣ ، والمفاتيح ١ : ١٤٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٠ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٨٩ / ٣٣٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ / ١٢٧١ ، الوسائل ٦ : ٢٦٦ أبواب القنوت بـ ٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٢ / ٣٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٣ ، الوسائل ٦ : ٢٦٧ أبواب القنوت بـ ٣ ح ٤.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٤٢.

(٧) الشهيد الثاني في الروضة البهية ١ : ٢٨٤.

(٨) الخلاف ١ : ٦٣١.

٢٦٣

وهو الحجة ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (١) وفيها الصحيح والموثقان وغيرها.

خلافا للصدوق في الفقيه حاكيا له عن مشايخه ، وللحلّي (٢) ، فساويا بينها وبين غيرها في وحدته ومحله ، لعموم الصحاح المتقدمة. وهو مخصّص بهذه المستفيضة ، المعتضدة مع كثرتها بالإجماع المنقول ، والشهرة العظيمة ، والصحاح الآتية الدالة على ثبوته في الركعة الاولى ، ومخالفته العامة العمياء ، كما يستفاد من الصحيح : عن القنوت يوم الجمعة ، فقال له : « في الركعة الثانية » فقال له : قد حدّثنا بعض أصحابنا أنك قلت في الأولى ، فقال : « في الأخيرة » وكان عنده أناس كثير فلما رأى غفلة منهم قال : « يا أبا محمد ، في الاولى والأخيرة » قلت : جعلت فداك ، قبل الركوع أو بعده؟ قال : « كل القنوت قبل الركوع إلاّ في الجمعة ، فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع » (٣).

وللمفيد وجماعة (٤) ، فكالصدوق في الوحدة ، وجعلوا الركعة الأولى محله ، لظواهر الصحاح المستفيضة ، منها : « إذا كان إماما قنت في الركعة الاولى ، وإن كان يصلّي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع » (٥).

وفيه : أنها ليست صريحة في النفي عن الثانية ، بل ولا ظاهرة ، لقوة احتمال ورودها لبيان القنوت المخصوص بالجمعة ، فلا ينافي استحبابه فيها في‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٧٠ أبواب القنوت بـ ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٢٩.

(٣) التهذيب ٣ : ١٧ / ٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ / ١٦٠٦ ، الوسائل ٦ : ٢٧٣ أبواب القنوت بـ ٥ ح ١٢.

(٤) المفيد في المقنعة : ١٦٤ ، وانظر المختلف : ١٠٦ ، والمدارك ٣ : ٤٤٧.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢٧ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٦ / ٥٩ ، الوسائل ٦ : ٢٧٠ أبواب القنوت بـ ٥ ح ١.

٢٦٤

الركعة الثانية.

ولو سلّم الظهور وجب إرجاعه إلى المشهور بما ذكرناه من الاحتمال ، جمعا بين النصوص ، وحذرا من إطراح المعتبرة المستفيضة الصريحة المعتضدة مع ذلك بالشهرة والإجماع المنقول.

ثمَّ على المختار من تعدّد القنوت : هل هو ثابت على الإطلاق؟ كما هو ظاهر الأكثر ، ومنهم الخلاف مدّعيا عليه الوفاق (١) ، ويعضده إطلاق جملة من المستفيضة ، ومنها الصحيحة المتقدمة.

أم يختصّ ذلك بالإمام؟ كما عن النهاية والمراسم والمعتبر والتذكرة والهداية والمبسوط والكافي والمهذب والوسيلة والإصباح والجامع (٢) ، وإن لم ينفهما ما خلا الأربعة الأول عن غيره ، قيل : والمنفي نصّ المعتبر والتذكرة ، وظاهر الأولين (٣).

وجهان ، للأول : ما مرّ.

وللثاني : ظواهر جملة من المعتبرة ، ومنها الصحيحة المتقدمة سندا للمفيد ، وفي أخرى : « إنّ على الإمام في الجمعة قنوتين » (٤).

وفي الموثق عن القنوت في الجمعة ، قال : « أما الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع ، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه عن الركوع » (٥).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٣١.

(٢) النهاية : ١٠٦ ، المراسم : ٧٧ ، المعتبر ٢ : ٢٤٤ ، التذكرة ١ : ١٢٨ ، الهداية : ٣٤ ، المبسوط ١ : ١٥١ ، الكافي : ١٥١ ، المهذّب ١ : ١٠٣ ، الوسيلة : ١٠٤ ، الجامع للشرائع : ٩٧.

(٣) كشف اللثام ١ : ٢٣٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ ، الوسائل ٦ : ٢٧١ أبواب القنوت بـ ٥ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٤٥ / ٦٦٥ ، الوسائل ٦ : ٢٧٢ أبواب القنوت بـ ٥ ح ٨.

٢٦٥

وإرجاعها إلى الأول ممكن ، بل قريب بعد ملاحظة الصحيحة الأولى ، الشاهد سياقها بأن المراد من الإمام فيها من يقابل المنفرد ومن يصلّي أربعا لا المأموم أيضا ، مضافا إلى بعد أن يقنت الإمام ويسكت من خلفه.

( ولو نسي القنوت ) قبل الركوع ( قضاه بعد الركوع ) بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في المنتهى والمدارك والذخيرة (١) ، للمعتبرة وفيها الصحيح والموثق (٢).

وأما الصحيح : عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع ، أيقنت؟ قال : « لا » (٣) ونحوه المرسل ، أو الصحيح الوارد في الوتر (٤).

فمحمول على نفي اللزوم ، أو التقية ، قال في الفقيه بعد نقل الأخير : إنما منع عليه‌السلام من ذلك في الوتر والغداة لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع ، وإنما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأن جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (٥).

وظاهر العبارة كغيرها فعله بنية القضاء ولعلّه لفوات المحل. خلافا للمنتهى فتردّد فيه (٦). ولعلّه لذلك ولخلوّ المعتبرة عن التعرّض لها.

وفيه نظر ، ولعلّه لذا جعل الأول بعد التردّد أظهر.

وتظهر الثمرة على القول بوجوب التعرض للأداء والقضاء في النية ، وإلاّ كما هو الأقوى فلا ثمرة ، ولعلّه السرّ في عدم التعرض لهما في شي‌ء من المعتبرة.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٠٠ ، المدارك ٣ : ٤٤٨ ، الذخيرة : ٢٩٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٨٧ أبواب القنوت بـ ١٨.

(٣) التهذيب ٢ : ١٦١ / ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ / ١٣٠٠ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب القنوت بـ ١٨ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٣١٢ / ١٤٢١ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب القنوت بـ ١٨ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ٣١٣.

(٦) المنتهى ١ : ٣٠٠.

٢٦٦

وذكر الشيخان في المقنعة والنهاية (١) ـ ونسبه في روض الجنان إلى الشيخ والأصحاب كافة (٢) ـ : أنه لو لم يذكر القنوت حتى ركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ ، قيل (٣) : للصحيح : في الرجل إذا سها في القنوت : « قنت بعد ما ينصرف وهو جالس » (٤).

قال شيخنا في روض الجنان : ولا دلالة فيه على كون الذكر بعد ركوع الثالثة ، فلو قيل بشموله ما بعد الدخول في سجود الثانية أمكن (٥). انتهى.

وهو حسن ، سيّما مع التصريح به في الرضوي : « فإن ذكرته بعد ما سجدت فاقنت بعد التسليم » (٦).

ولو لم يذكره حتى انصرف من محلّه قضاه في الطريق مستقبل القبلة ، وفاقا للمحقق الثاني والشهيد الثاني (٧) ، للنص ، وفيه : « إني لأكره للرجل أن يرغب عن سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يدعها » (٨).

وفي التحرير : ولو نسيه حتى ركع في الثالثة ففي قضائه بعد الصلاة قولان (٩).

وظاهره وجود قول بالمنع ، وهو للشيخ في المبسوط ، على ما حكاه عنه‌

__________________

(١) المقنعة : ١٣٩ ، النهاية : ٩٠.

(٢) روض الجنان : ٢٨٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٤٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٠ / ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ / ١٢٩٨ ، الوسائل ٦ : ٢٨٧ أبواب القنوت بـ ١٦ ح ٢.

(٥) روض الجنان : ٢٨٣.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٨ ، ١١٩ ، المستدرك ٤ : ٤١٢ أبواب القنوت بـ ١٢ ح ١.

(٧) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٣٣ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٨٣.

(٨) الكافي ٣ : ٣٤٠ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣١٥ / ١٢٨٣ ، الوسائل ٦ : ٢٨٦ أبواب القنوت بـ ١٦ ح ١.

(٩) التحرير ١ : ٤٢.

٢٦٧

في المنتهى واختاره (١). ولعلّ مستنده الخبر : عن رجل نسي القنوت في المكتوبة ، قال : « لا إعادة عليه » (٢). والمعاد فيه مجمل يحتمل كونه الصلاة كما يحتمل القنوت ، مع احتمال تعلّق النفي فيه باللزوم دون الشرعية والثبوت ، ومع ذلك فإطلاق الإعادة على إعادة القنوت لعدم الإتيان به بعيد ، ولعلّه لذا لم يستدل به في المنتهى بعد أن نقل المنع عن المبسوط واختاره ، بل استدل عليه بنحو الصحيح : عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع ، قال : « يقنت بعد الركوع ، فإن لم يذكر فلا شي‌ء عليه » (٣) ثمَّ استدل على الثبوت بما قدّمناه من نحو الصحيح.

أقول : وفي الاستناد للمنع بما مرّ نظر ، إذ ظاهره نفي لزوم القضاء ولو على طريق تأكّد الاستحباب ، وهو لا ينافي ثبوت أصله في الجملة ، فالجمع بينه وبين ما قدّمناه بهذا غير بعيد ، سيّما على القول بجواز التسامح في أدلّة السنن ، كما هو التحقيق ، أو بحمل الصحيح المانع على ما إذا لم يذكر أصلا ولو بعد الصلاة ، وهذان الحملان أقرب من طرح الصحيح المثبت ، المعتضد بقاعدة التسامح ، وفتوى جمع (٤) ، وفحوى النص (٥) والرضوي (٦) المثبتين لقضائه مستقبل القبلة في الطريق.

( الثالث : ) أن يكون ( نظره ) حال كونه ( قائما إلى موضع سجوده ) بلا‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٠٠ ، وهو في المبسوط ١ : ١١٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦١ / ٦٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ / ١٢٩٩ ، الوسائل ٦ : ٢٨٥ أبواب القنوت بـ ١٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٦٠ / ٦٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ / ١٢٩٦ ، الوسائل ٦ : ٢٨٧ أبواب القنوت بـ ١٨ ح ١.

(٤) راجع ص ٢٦٦ ، ٢٦٧.

(٥) المتقدم في ص ٢٦٧ الرقم ٨.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٩ ، المستدرك ٤ : ٤١٢ أبواب القنوت بـ ١١ ح ١.

٢٦٨

خلاف ، للصحاح (١).

( وقانتا إلى باطن كفّيه ) على المشهور ، قيل (٢) : جمعا بين الخبرين الناهي أحدهما عن النظر في الصلاة إلى السماء (٣) ، وثانيهما عن التغميض فيها (٤).

( وراكعا إلى ما بين رجليه ) على المشهور ، للصحيح (٥) والرضوي (٦) الآمرين به.

خلافا للنهاية ، فيستحب التغميض فيه (٧) ، كما في الصحيح الفعلي (٨) ، وتبعه الحلّي (٩).

وربما يجمع بينهما بالتخيير ، كما هو ظاهر المنتهى (١٠). ويضعّف بفقد التكافؤ المشترط فيه ، لرجحان الأوّل بالتعدد ، والشهرة ، وقوة الدلالة ، مضافا إلى إطلاق النهي عن التغميض في الرواية السابقة.

( وساجدا إلى طرف أنفه ، ومتشهدا ) وجالسا بين السجدتين ، بل قيل : مطلقا (١١) ( إلى حجره ) للرضوي : « ويكون نظرك في حال سجودك إلى طرف‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥١٠ أبواب القيام بـ ١٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٤٦ ، والمنتهى ١ : ٣٠١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٠ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ / ٧٨٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ / ١٥٤٥ ، الوسائل ٥ : ٥١٠ أبواب القيام بـ ١٦ ح ١ ، ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٤ / ١٢٨٠ ، الوسائل ٧ : ٢٤٩ أبواب قواطع الصلاة بـ ٦ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٩ / ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع بـ ١ ح ١.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٦ ، المستدرك ٤ : ٤٣٥ أبواب الركوع بـ ١٥ ح ٢.

(٧) النهاية : ٧١.

(٨) الكافي ٣ : ٣١١ / ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ / ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ / ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ١.

(٩) انظر السرائر ١ : ٢٢٥.

(١٠) المنتهى ١ : ٣٠١.

(١١) كما قال به ابن البراج في المهذّب ١ : ٩٣.

٢٦٩

أنفك ، وبين السجدتين في حجرك ، وكذلك وقت التشهد » (١).

وعلّل الجميع مع ذلك بكونه أبلغ في الخضوع والإقبال المطلوبين في الصلاة.

( الرابع : وضع اليدين قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه ) كما في الصحيحين المشهورين الواردين في كيفية الصلاة قولا وفعلا (٢) ( وقانتا تلقاء وجهه ) كما في الصحيح : « وترفع يديك في الوتر حيال وجهك » (٣) ولا قائل بالفرق.

مضافا إلى إطلاق الخبر المروي عن معاني الأخبار : « الرغبة أن تستقبل براحتيك السماء وتستقبل بهما وجهك » (٤).

ويستفاد منه ما ذكره الأصحاب ـ كما في المعتبر والذكرى وغيرهما (٥) ـ من استحباب كونهما مبسوطتين يحاذي ببطونهما السماء وظهورهما الأرض.

وحكي في المعتبر القول بالعكس (٦) ، لظواهر جملة من الأخبار (٧). وهو نادر ، كقول المقنعة باستحباب الرفع حيال الصدر (٨). فالمشهور أولى ، سيّما في مقابلة المفيد رحمه‌الله ، لعدم ظهور دليل عليه أصلا ، مع ظهور الصحيحة المشهورة بخلافه ، كما عرفتها.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٦ ، المستدرك ٤ : ٤٥٤ أبواب السجود بـ ٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ / ٨ و٣٣٤ / ١ ، الفقيه ١ : ١٩٦ / ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ / ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٣٠٩ / ١٤١٠ ، التهذيب ٢ : ١٣١ / ٥٠٤ ، الوسائل ٦ : ٢٨٢ أبواب القنوت بـ ١٢ ح ١.

(٤) معاني الأخبار : ٣٦٩ / ٢ ، الوسائل ٧ : ٥٠ أبواب الدعاء بـ ١٣ ح ٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٤٧ ، الذكرى : ١٨٤ ، وانظر الحدائق ٨ : ٣٨٥.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٤٧.

(٧) مثل ما ورد في قرب الإسناد : ٤٥ / ١٤٦.

(٨) المقنعة : ١٢٤.

٢٧٠

والأخبار الظاهرة في القول الآخر مطلقة تقبل التقييد بما عدا الصلاة ، للرواية المشهورة. وهو أولى من الجمع بينهما بالتخيير ، وإن قاله في المعتبر ، لكونه فرع التكافؤ المفقود هنا ، لاشتهار الرواية دون الأخبار المقابلة.

( وساجدا بحذاء أذنيه ) كما في أحد الصحيحين المشهورين ، وفي الآخر : « ولا تلزق كفيك بركبتيك ، ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك ، ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ، ولكن تحرّفهما عن ذلك شيئا » والعمل بكل منهما حسن.

( ومتشهدا على فخذيه ) مبسوطة الأصابع مضمومة ، على المشهور ، كما في الذخيرة (١) ، وفي روض الجنان : تفرّد ابن الجنيد بأنه يشير بالسبابة في تعظيم الله عز وجل كما تفعله العامة (٢).

( الخامس : التعقيب ) وهو تفعيل من العقب ، قال الجوهري : التعقيب في الصلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة (٣).

وفضله عظيم ، وثوابه جسيم ، والنصوص به مستفيضة بل متواترة ، منها في تفسير قوله سبحانه ( فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) (٤) : « إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك » (٥).

ومنها : « من عقّب في صلاته فهو في صلاة » (٦).

ومنها : « الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفّلا » (٧).

__________________

(١) الذخيرة : ٢٩٥.

(٢) روض الجنان : ٢٨٣.

(٣) راجع الصحاح ١ : ١٨٦.

(٤) الإنشراح : ٧.

(٥) مجمع البيان ٥ : ٥٠٩.

(٦) نقله الجوهري في الصحاح ١ : ١٨٦ ، والطريحي في مجمع البحرين ٢ : ١٢٦.

(٧) الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٢ ، الوسائل ٦ : ٤٣٧ أبواب التعقيب بـ ٥ ح ١.

٢٧١

ومنها : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » (١).

ويتأدّى بمطلق الدعاء المحلّل ، ولكن المنقول عنهم عليهم‌السلام أفضل.

( ولا حصر له ، وأفضله تسبيح الزهراء عليها‌السلام ) للنصوص ، منها : « ما عبد الله بشي‌ء من التحميد أفضل منه » (٢).

ومنها : « هو دبر كل صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة » (٣) و: « من سبّحه قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله تعالى له ، ويبدأ بالتكبير » (٤).

وإنما نسب إليها عليها‌السلام لأنها السبب في تشريعه كما في النص (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٤ / ٣٩١ ، الوسائل ٦ : ٤٢٩ أبواب التعقيب بـ ١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٨ ، الوسائل ٦ : ٤٤٣ أبواب التعقيب بـ ٩ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٩ ، الوسائل ٦ : ٤٤٣ أبواب التعقيب بـ ٩ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٥ ، الوسائل ٦ : ٤٣٩ أبواب التعقيب بـ ٧ ح ١.

(٥) علل الشرائع : ٣٦٦ / ١ ، الوسائل ٦ : ٤٤٦ أبواب التعقيب بـ ١١ ح ٢ ، ٣.

٢٧٢

( خاتمة : )

في التروك

اعلم أنه ( يقطع الصلاة ) ويبطلها أمور :

منها : كل ( ما يبطل الطهارة ) وينقضها من الأحداث مطلقا ( ولو كان ) صدوره ( سهوا ) عن كونه في الصلاة ، أو من غير اختيار ، على الأظهر الأشهر ، بل عن الناصرية ونهج الحق والتذكرة وأمالي الصدوق : الإجماع عليه (١) ، وكذا في روض الجنان وشرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (٢) رحمه‌الله لكن فيما إذا كانت الطهارة المنتقضة مائيّة ، ونفي عنه الخلاف في التهذيب (٣) ، وعن نهاية الإحكام الإجماع عليه فيما لو صدر من غير اختيار (٤).

وهو الحجة ، مضافا إلى شرطية الطهارة في الصلاة ، وبطلانها بالفعل الكثير إجماعا ، والنصوص المستفيضة القريبة من التواتر ، بل المتواترة كما صرّح به بعض الأجلّة (٥) ، فلا يضر قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها ، سيّما مع اعتبار أسانيد جملة منها ، واعتضادها بالشهرة العظيمة الجابرة لما عداها ، وهي قريبة من الإجماع بل إجماع حقيقة ، كما عرفته من النقلة له. سيّما فيما إذا كانت الطهارة المنتقضة طهارة مائيّة ، إذ المخالف فيها ليس إلاّ المرتضى في المصباح والشيخ في المبسوط والخلاف (٦) ، حيث قالا بالتطهير والبناء ، كما‌

__________________

(١) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٩ ، نهج الحق : ٤٣١ ، التذكرة ١ : ١٣٠ ، أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٢) روض الجنان : ٣٢٩ ، شرح الإرشاد ( مجمع الفائدة والبرهان ٣ ) : ٤٨.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٥.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٥١٣.

(٥) الحرّ العاملي في الوسائل ٧ : ٢٣٧.

(٦) حكاه عن المرتضى في المعتبر ٢ : ٢٥٠ ، المبسوط ١ : ١١٧ ، الخلاف ١ : ٤٠٩.

٢٧٣

يفهم من عبارتهما حيث قالا : ومن سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك فلأصحابنا فيه روايتان ، إحداهما وهي الأحوط أنه تبطل الصلاة.

وفي لفظ الاحتياط دلالة على ذلك ، لكنه غير صريح فيه ، بل ولا ظاهر ، كما بيّنته في الشرح ، ويعضده تصريح الخلاف بعد ذلك بأن الرواية الأولى التي احتاط بها أوّلا هي المعمول عليها عنده والمفتي بها (١) ، فلعلّ السيد كان كذلك أيضا ، سيّما مع دعواه كالشيخ الإجماع عليها.

فعلى هذا لا مخالف في الطهارة المائية ، ويكون الحكم فيها مجمعا عليه ، كما عرفته من شرحي الإرشاد وغيرهما.

وأما ما في الذخيرة : من أنّ دعوى الإجماع هنا وهم (٢). فلعلّه وهم ، ولو سلّم ظهور خلاف الشيخ والمرتضى ، لمعلومية نسبهما وعدم القدح في الإجماع بخروجهما وأمثالهما من معلومي النسب عندنا ، بل عند العامة العمياء أيضا ، كما قرّر مرارا.

وحيث كانت المسألة بهذه المثابة فلا حاجة بنا إلى نقل أدلّة قولهما وما أورد من المناقشات على أدلّتنا ، مع ضعفها في حدّ ذاتها أجمع ، وقوة احتمال ورود أخبارهما ـ مع قصور سند بعضها وضعف دلالتها ـ مورد التقية جدّا ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٣) ، فقد حكي القول بمضمونها في الناصرية والخلاف عن الشافعي في أحد قوليه ، ومالك وابي حنيفة (٤).

وبهذا يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة الدالّة جملة منها على التطهر والبناء في المتيمم خاصّة ، كالصحيحين : قلت : رجل دخل في‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤١٢.

(٢) الذخيرة : ٣٥١.

(٣) الحر العاملي في الوسائل ٧ : ٢٣٧.

(٤) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٩ ، الخلاف ١ : ٤١٠.

٢٧٤

الصلاة وهو متيمّم ، فصلّى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب الماء ، قال : « يخرج ويتوضّأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم » (١).

والدالة جملة أخرى منها عليهما في المحدث قبل التشهد مطلقا ، كالصحيح : في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد ، قال : « ينصرف ويتوضّأ ، فإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فتشهّد ثمَّ يسلّم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » (٢) ونحوه الموثقان (٣).

مضافا إلى ضعف دلالة الأخبار الأوّلة باحتمال أن يكون المراد بالصلاة في قوله : « يبني على ما مضى من صلاته » هي الصلاة التي صلاّها بالتيمم تامة قبل هذه الصلاة التي أحدث فيها ، ومرجعه إلى أنّ هذه الصلاة قد بطلت بالحدث ، وأنه يخرج ويتوضّأ من هذا الماء الموجود ، ولا يعيد ما صلاّها بهذا التيمم وإن كان في الوقت ، ويكون قوله عليه‌السلام في آخر الكلام : « التي صلّى بالتيمم » قرينة على هذا المعنى.

ومن هنا ظهر ضعف القول بها كما عن الشيخين وغيرهما (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٨ / ٢١٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٤ / ٥٩٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٧ / ٥٨٠ ، الوسائل ٧ : ٢٣٦ أبواب قواطع الصلاة بـ ١ ح ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٧ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ / ١٣٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ / ١٢٩١ ، الوسائل ٦ : ٤١٠ أبواب التشهد بـ ١٣ ح ١.

(٣) الأول :

التهذيب ٢ : ٣١٨ / ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ / ١٢٩٠ ، الوسائل ٦ : ٤١٠ أبواب التشهد بـ ١٣ ح ٢.

الثاني :

الكافي ٣ : ٣٤٦ / ١ ، الوسائل ٦ : ٤١٢ أبواب التشهد بـ ١٣ ح ٤.

(٤) المفيد في المقنعة : ٦١ ، الطوسي في النهاية : ٤٨ ، والمبسوط ١ : ١١٧ ، وانظر المعتبر ١ : ٤٠٧ ، والمدارك ٣ : ٤٥٩.

٢٧٥

وأضعف منه القول بالأخيرة ، لندرته وعدم اشتهاره بين الفقهاء ، وإن كان ظاهر الصدوق في الفقيه (١) ، وبعض متأخّري المتأخّرين (٢) ، مقوّيا لعموم الحكم فيها لصورتي العمد والنسيان بعد أن ادّعى ظهوره من عبارة الفقيه والروايات.

وهو غريب ، فإنّ الحكم بالبطلان في الصورة الأولى كاد أن يكون ضروري المذهب ، بل الدين جدّا ، وقد استفاض بل تواتر نقل الإجماع عليه أيضا.

( و ) منها ( الالتفات ) عن القبلة ( دبرا ) وإلى الخلف ، بلا خلاف فيه في الجملة ، للصحاح المستفيضة ، منها : « لا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك » (٣).

وبمعناه غيره من الأخبار ، ففي بعضها : « إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد » (٤).

وفي آخر : « إذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا » (٥).

وإطلاقها وإن شمل البطلان مع الالتفات يمينا وشمالا فما دونهما ، كما عن فخر المحققين (٦) ، وما إليه بعض المتأخّرين (٧). إلاّ أنه مقيّد بجملة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٣.

(٢) المجلسي في البحار ٨١ : ٢٨٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٠ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ / ٧٨٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ / ١٥٤٥ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة بـ ٩ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٩ / ١٠٥٧ ، الوسائل ٤ : ٣١٣ أبواب القبلة بـ ٩ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ١٨٤ / ٧٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦٨ / ١٤٠١ ، الوسائل ٨ : ٢٠٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٦ ح ٢.

(٦) قال في الذكرى : ٢١٧ وكان بعض مشايخنا المعاصرين يرى أنّ الالتفات بالوجه يقطع الصلاة. وقال في الحدائق ٩ : ٣٤ : والظاهر أنه فخر المحققين ابن العلاّمة كما نقله غير واحد من الأصحاب.

(٧) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٦٢.

٢٧٦

من المعتبرة الناصّة بأنّ الالتفات يقطع الصلاة إذا كان إلى خلفه ، كما يأتي (١) ، أو إذا كان بكله ، كما في الصحيح (٢) ، وفي آخر : « أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا » (٣).

وقريب منه المروي في الخصال ، عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال : « الالتفات الفاحش يقطع الصلاة » (٤).

والمتبادر من الالتفات الفاحش هو ما كان إلى الخلف ، فاشتراطه وما بمعناه يدل بمفهومه على عدم البطلان بغيره ، كما هو المشهور على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (٥).

وتقييد المطلقات بهذه النصوص متعيّن ، لاعتبار أسانيد جملة منها ، وانجبار باقيها بالشهرة المحققة والمحكية.

مضافا إلى التأيّد بنصوص أخر ، كالصحيح : عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق ، أو أصابه شي‌ء ، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسّه؟ قال : « إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس ، وإن كان في مؤخّره فلا يلتفت ، فإنه لا يصلح » (٦).

__________________

(١) في ص : ٢٧٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٩ / ٧٨٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ / ١٥٤٣ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٥ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ / ١٣٢٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣ ح ٢.

(٤) الخصال : ٦٢٢ ( ضمن حديث طويل ) ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣ ح ٧.

(٥) كالمفاتيح ١ : ١٧٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٣٣ / ١٣٧٤ ، قرب الإسناد : ١٩١ / ٧١٦ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣ ح ٤.

٢٧٧

والخبر : عن الالتفات في الصلاة ، أيقطع الصلاة؟ قال : « لا ، وما أحبّ أن يفعل » (١).

والمروي في عقاب الأعمال والمحاسن عن مولانا الصادق عليه‌السلام : قال : « إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله تعالى عليه بوجهه ، ولا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرّات ، فإذا التفت ثلاث مرّات أعرض عنه » (٢). ونحوه المروي عن قرب الإسناد (٣).

وهي صريحة في عدم البطلان بالالتفات إلى ما عدا الخلف أو مطلقا ، خرج منه ما كان إلى الخلف إجماعا ، فتوى ونصّا ، وبقي الباقي.

ولو لا احتمال أن يكون المراد بالالتفات في الصحيح وما بعده الالتفات بالعين خاصة وفي غيرهما الالتفات بالقلب لا بالجارحة لكانت حجة ، لانجبار الأسانيد بالشهرة.

ثمَّ إنّ إطلاق أكثر النصوص كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة عدم الفرق في البطلان بين صور العمد والسهو والنسيان ، كما عن صريح الغنية والتهذيبين (٤) وظاهر إطلاق الصدوق في الفقيه والمقنع والهداية والأمالي (٥) ، ويعضده القاعدة : من استلزام فوات الشرط الذي هو استقبال القبلة فوات مشروطه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٠ / ٧٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ / ١٥٤٦ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣ ح ٥.

(٢) عقاب الأعمال : ٢٢٩ ، المحاسن : ٨٠ / ٩ ، الوسائل ٧ : ٢٨٨ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣٢ ح ١.

(٣) قرب الإسناد : ١٥٠ / ٥٤٦ ، الوسائل ٧ : ٢٨٨ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣٢ ح ٢.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٥ ، التهذيب ٢ : ١٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٦٨.

(٥) الفقيه ١ : ١٩٨ ، المقنع : ٢٣ ، الهداية : ٣٩ ، الأمالي : ٥١٣.

٢٧٨

خلافا للمحكي عن المبسوط والمراسم والوسيلة والإصباح وغيرها (١) ، فقيدوه بالأولى ، وهو خيرة جماعة من المتأخرين ، ومنهم الفاضل في المنتهى (٢) ، قال : لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رفع عن أمتّي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » (٣).

وهو كما ترى ، فإنّ غايته رفع المؤاخذة لا الصحة.

نعم ، ربما يعضده إطلاق جملة من النصوص الواردة في المأموم المسبوق بركعة أنه يعيدها بعد ما فرغ الإمام وخرج هو مع الناس (٤). وهي ظاهرة في وقوع الالتفات دبرا. بل في بعضها : رجل صلّى الفجر بركعة ثمَّ ذهب وجاء بعد ما أصبح وذكر أنه صلّى ركعة ، قال : « يضيف إليها ركعة » (٥).

لكن في جملة من النصوص تقييد ذلك بعدم الانحراف منها : في رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة ، فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس ثمَّ ذكر أنه فاتته ركعة ، قال : « يعيد ركعة واحدة ، يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة ، فإذا حوّل وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا » (٦).

وفي آخر : « إن كنت في مقامك فأتمّ بركعة ، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة » (٧).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٧ ، المراسم : ٧٠ ، الوسيلة : ٩٧ ، وحكاه عن الإصباح في كشف اللثام ١ : ٢٣٨.

(٢) المنتهى ١ : ٣٠٨ ، روض الجنان : ٣٣٢ ، الحدائق ٩ : ٣٦.

(٣) الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٢ ، الخصال : ٤١٧ / ٩ ، الوسائل ٧ : ٢٩٣ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣٧ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢٠ ، التهذيب ٢ : ٣٤٦ / ١٤٣٦ ، الوسائل ٨ : ١٩٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٣ ح ١ ، ١٢.

(٥) التهذيب ٢ : ١٨٢ / ٧٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٠٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٣ ح ١٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٤٨ / ١٤٤١ ، الوسائل ٨ : ٢٠٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٣ ح ١٢.

(٧) الكافي ٣ : ٣٨٣ / ١١ ، التهذيب ٢ : ١٨٣ / ٧٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٦٧ / ١٤٠٠ ، الوسائل ٨ :

٢٧٩

واعلم أن هذا كله إذا كان الالتفات بالوجه خاصة ، وأما إذا كان بجميع البدن فله شقوق مضى أحكامها في مباحث القبلة.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في البطلان بالالتفات إلى الوراء بين الفريضة والنافلة. لكن في جملة من النصوص الفرق بينهما بتخصيص الحكم بالأولى دون الثانية :

ففي الخبر المروي عن قرب الإسناد ، وكتاب مسائل علي بن جعفر ، عنه ، عن أخيه عليه‌السلام : عن الرجل يلتفت في صلاته ، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال : « إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته ، فيعيد ما صلّى ولا يعتدّ به ، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته » (١).

ونحوه المروي في مستطرفات السرائر ، عن جامع البزنطي ، عن مولانا الرضا عليه‌السلام بزيادة قوله : « ولكن لا يعود » (٢).

وفي جملة من الصحاح إيماء إليه أيضا ، منها : « إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا » (٣).

وقريب منه الصحيحان المعلّلان حظر الالتفات بأن الله عزّ وجلّ يقول لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفريضة ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٤) الآية.

__________________

٢٠٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٦ ح ١.

(١) قرب الإسناد : ٢١٠ / ٨٢٠ ، مسائل على بن جعفر : ٢٤٣ / ٥٧٤ ، مستطرفات السرائر : ٥٣ / ٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٦ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣ ح ٨.

(٢) قرب الإسناد : ٢١٠ / ٨٢٠ ، مسائل على بن جعفر : ٢٤٣ / ٥٧٤ ، مستطرفات السرائر : ٥٣ / ٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٦ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣ ح ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٥ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ / ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ / ١٥٤٧ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٠ / ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ / ١١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة بـ ٩ ح ٣ ، والآية في البقرة : ١٤٤.

٢٨٠