السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨
المساجد إلاّ المسجد الحرام ، وصلاة في مسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره ، وأفضل من هذا كله صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلاّ الله عز وجل يطلب بها وجه الله تعالى. يا أبا ذر ، إن الصلاة النافلة تفضل في السر على العلانية كفضل الفريضة على النافلة » (١).
وقال في الذخيرة ـ بعد نقل جملة من هذه الأدلّة ـ : وفي الكل ضعف ، والقول الأخير حسن (٢).
وأشار به إلى ما حكاه عن الشهيد الثاني أنه رجّح في بعض فوائده رجحان فعلها في المسجد أيضا كالفريضة ، قال بعد الاستحسان : وقد مرّ أخبار كثيرة دالّة عليه في المسألة المتقدمة ، كصحيحة ابن أبي عمير (٣) ، وصحيحة معاوية ابن عمار (٤) ، ورواية هارون بن خارجة (٥) ، ورواية عبد الله بن يحيى الكاهلي (٦) ، ورواية أبي حمزة (٧) ، ورواية نجم بن حطيم (٨) ، ورواية الأصبغ (٩) والعمومات
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٥٣٩ ، الوسائل ٥ : ٢٩٦ أبواب أحكام المساجد بـ ٦٩ ح ٧.
(٢) الذخيرة : ٢٤٨.
(٣) الكافي ٣ : ٣٧٠ / ١٤ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ / ٧٢٣ ، الوسائل ٥ : ٢٢٥ أبواب أحكام المساجد بـ ٢١ ح ١.
(٤) التهذيب ٦ : ١٤ / ٣٠ ، كامل الزيارات : ٢١ ، الوسائل ٥ : ٢٨٠ أبواب أحكام المساجد بـ ٥٧ ح ٦.
(٥) الكافي ٣ : ٤٩٠ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ / ٦٨٨ ، الوسائل ٥ : ٢٥٢ أبواب أحكام المساجد بـ ٤٤ ح ٣.
(٦) الكافي ٣ : ٤٩١ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥١ / ٦٨٩ ، الوسائل ٥ : ٢٦١ أبواب أحكام المساجد بـ ٤٥ ح ١.
(٧) التهذيب ٣ : ٢٥٤ / ٧٠٠ ، الوسائل ٥ : ٢٥٤ أبواب أحكام المساجد بـ ٤٤ ح ٦.
(٨) التهذيب ٦ : ٣٢ / ٦٠ ، كامل الزيارات : ٢٨ ، الوسائل ٥ : ٢٥٦ أبواب أحكام المساجد بـ ٤٤ ح ١٤.
(٩) التهذيب ٦ : ٣٢ / ٦١ ، كامل الزيارات : ٢٨ ، الوسائل ٥ : ٢٥٧ أبواب أحكام المساجد بـ ٤٤ ح ١٥.
الكثيرة ، وقد مرّ ـ عند شرح قول المصنف : وكلّما قرب من الفجر كان أفضل ـ خبر صحيح (١) دلّ على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصلّي صلاة الليل في المسجد (٢).
أقول : ولعلّه ظاهر الكافي لأبي الصلاح ، حيث قال في فصل صلاة الجمعة منه : يستحب لكل مسلم تقديم دخول المسجد لصلاة النوافل بعد الغسل وتغيير الثياب ومسّ النساء والطيب وقصّ الشارب والأظافير ، فإن اختلّ شرط من شروط الجمعة المذكورة سقط فرضها ، وكان حضور مسجد الجامع لصلاة النوافل وفرضي الظهر والعصر مندوبا إليه (٣) (٤).
وعن السرائر : أن صلاة نافلة الليل خاصة في البيت أفضل (٥).
ولعله للنصوص الدالة على أن أمير المؤمنين عليهالسلام : اتخذ مسجدا في داره ، فكان إذا أراد أن يصلّي في آخر الليل أخذ معه صبيّا لا يحتشم منه ، ثمَّ يذهب إلى ذلك البيت فيصلّي (٦).
وللشهيد الثاني (٧) وغيره (٨) قول آخر ، فقال : ولو رجا بصلاة النافلة في الملإ اقتداء الناس به ورغبتهم في الخير ، وأمن على نفسه الرياء ونحوه مما يفسد العبادة لم يبعد زوال الكراهة ، كما في الصدقة المندوبة ، ويؤيّده ما رواه
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٣٣٤ / ١٣٧٧ ، الوسائل ٤ : ٢٦٩ أبواب المواقيت بـ ٥٣ ح ١.
(٢) الذخيرة : ٢٤٨.
(٣) الكافي في الفقه : ١٥٢.
(٤) في « ش » زيادة : وفي الخلاف ( ج ١ ص ٤٣٩ ) : لا يجوز أن تصلّي الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار ، وأما النافلة فلا بأس بها جوف الكعبة ، بل هو مرغّب فيه ، إلى آخر ما قال.
(٥) السرائر ١ : ٢٦٤.
(٦) قرب الإسناد : ١٦١ / ٥٨٦ ، الوسائل ٥ : ٢٩٥ أبواب أحكام المساجد بـ ٦٩ ح ٣.
(٧) روض الجنان : ٢٣٤.
(٨) انظر المدارك ٤ : ٤٠٧.
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « لا بأس أن تحدّث أخاك ( إذا تعين بالعمل ) (١) إذا رجوت أن ينفعه ويحثه ، وإذا سألك هل قمت الليلة أو صمت فحدّثه بذلك إن كنت فعلته ، قل : رزق الله تعالى ذلك ، ولا تقل : لا ، فإن ذلك كذب » (٢).
ثمَّ إن إطلاق العبارة ـ كغيرها من الفتوى والرواية ـ يقتضي عدم الفرق في استحباب المكتوبة في المسجد بين ما لو كان المصلّي رجلا أو امرأة.
وفي الفقيه : وروي أن خير مساجد النساء البيوت ، وصلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها ، وصلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في صحن دارها ، وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها (٣).
ولم أقف على مفت بها من الأصحاب عدا قليل. ولكن في الذخيرة نسبها إلى الأصحاب ، فقال : وأما النساء فذكر الأصحاب أن المستحب لهنّ أن لا يحضرن المساجد ، لكون ذلك أقرب إلى الاستتار المطلوب منهن ، وعن أبي عبد الله عليهالسلام : « خير مساجد نسائكم البيوت » (٤) رواه الشيخ عن يونس بن ظبيان (٥).
أقول : رواه في التهذيب في أوائل باب فضل المساجد.
( وتكره الصلاة في ) بيت ( الحمام ) دون المسلخ وسطحه ( و ) في ( بيوت الغائط ) أي المواضع المعدّة له ( ومبارك الإبل ، ومساكن النمل ، و )
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في المصادر.
(٢) كتاب العلاء بن رزين ( الأصول الستة عشر ) : ١٥٤ ، المستدرك ١ : ١١٥ أبواب مقدمة العبادات بـ ١٤ ح ٣.
(٣) الفقيه ١ : ٢٤٤ / ١٠٨٨ ، الوسائل ٥ : ٢٣٧ أبواب أحكام المساجد بـ ٣٠ ح ٣.
(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٢ / ٦٩٤ ، الوسائل ٥ : ٢٣٧ أبواب أحكام المساجد بـ ٣٠ ح ٤.
(٥) الذخيرة : ٢٤٦.
في ( مرابط الخيل والبغال والحمير ، وبطون الأودية ) ومجرى المياه ( و ) في ( أرض السبخة والثلج ، إذا لم تتمكّن الجبهة من السجود ) عليهما كمال التمكّن.
للنهي عن جميع ذلك في النصوص المستفيضة (١) المحمولة على الكراهة بلا خلاف إلاّ من الحلبي ، فقال : لا يحلّ للمصلّي الوقوف في معاطن الإبل ، ومرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ، ومرابض الغنم ، وبيوت النار ، والمزابل ، ومذابح الأنعام ، والحمامات ، وعلى البسط المصوّرة ، وفي البيت المصور ، قال : ولنا في فسادها في هذه المحالّ نظر (٢). انتهى.
وهو شاذ ، كقول المقنعة : لا يجوز في بيوت الغائط والسبخة (٣). وكذا الصدوق في العلل في الأخير (٤).
بل على خلافهم الإجماع ، على الظاهر ، المحكي في الخلاف في بيت الحمام ومعاطن الإبل (٥). وعن الغنية في الجميع عدا بطون الأودية والثلج (٦).
وهو الحجة الصارفة للنهي إلى الكراهة ، مضافا إلى شهادة سياق جملة منها بناء على تضمنها النهي عنها فيما ليست بحرام فيه إجماعا ، ولا يجوز استعماله في المعنى الحقيقي والمجازي على الأشهر الأقوى.
مع كونها وجه جمع بينها وبين جملة من المعتبرة المصرّحة بالجواز في بيت الحمام ومعاطن الإبل ، ففي الصحيح : عن الصلاة في بيت الحمام ،
__________________
(١) راجع الوسائل ٥ : أبواب مكان المصلي بـ ١٧ ، ٢٠ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣١ ، ٣٤.
(٢) الكافي في الفقه : ١٤١.
(٣) المقنعة : ١٥١.
(٤) علل الشرائع : ٣٢٦.
(٥) الخلاف ١ : ٤٩٨ ، ٥١٩.
(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.
فقال : « إذا كان موضعا نظيفا فلا بأس » (١) ونحوه الموثق (٢).
وفي مثله : عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم ، فقال : « إن نضحته بالماء وكان يابسا فلا بأس » (٣) هذا.
وربما حمل كلام المفيد على إرادته من : لا يجوز ، الكراهة ، كما شاع استعماله فيها في عبائره ، ولا بأس به.
وعليه فلا خلاف إلاّ من التقي ، ولا ريب في ندرته وضعف قوله.
وأضعف منه تردّده في الفساد ، مع كونه مقتضى النهي المتعلق في النصوص بالصلاة التي هي من العبادات.
وأما ما يقال : من عدم نهي في بطون الأودية ، فمحل مناقشة ، ففي المروي في الفقيه في جملة المناهي المنقولة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه « نهى أن يصلّي الرجل في المقابر ، والطرق ، والأرحية ، والأودية ، ومرابض الإبل ، وعلى ظهر الكعبة » (٤).
ويستفاد من هذه الرواية ، حيث تضمنت النهي عنها في مرابض الإبل التي هي مطلق مباركها ، صحة ما في العبارة ـ وعليه الفقهاء ، كما في السرائر والتحرير والمنتهى (٥) ـ من تعميم معاطن الإبل الوارد في النصوص إلى مطلق المبارك ، مع اختصاصها عند أكثر أهل اللغة بمبرك (٦) الإبل حول الماء لتشرب
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٥٦ / ٧٢٧ ، الوسائل ٥ : ١٧٦ أبواب مكان المصلي بـ ٣٤ ح ١.
(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٤ / ١٥٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٥ ، الوسائل ٥ : ١٧٧ أبواب مكان المصلي بـ ٣٤ ح ٢.
(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٥ أبواب مكان المصلي بـ ١٧ ح ٤.
(٤) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ٥ : ١٥٨ أبواب مكان المصلي بـ ٢٥ ح ٢.
(٥) السرائر ١ : ٢٦٦ ، التحرير ١ : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٤٥.
(٦) في النسخ المخطوطة : بمنزل.
علاً بعد نهل (١). مع إشعار تعليل المنع الوارد في النبوي : « بأنها جن خلقت من الجن » (٢) به.
وقريب منه الصحيح : عن الصلاة في مرابض الغنم ، فقال : « صلّ فيها ولا تصلّ في أعطان الإبل ، إلاّ أن تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشّه بالماء وصلّ » (٣) فتدبّر. مع أن المحكي عن العين والمقاييس (٤) ما يوافق هذا.
( وبين المقابر ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي ظاهر المنتهى وعن الغنية الإجماع عليه (٥).
للنهي عنه في النصوص المستفيضة (٦) المحمول على الكراهة ، جمعا بينها وبين غيرها من المعتبرة ، ففي الصحيحين : عن الصلاة بين القبور ، قال : « لا بأس » (٧).
خلافا للمحكي عن الديلمي ، فأفسد أخذا بظاهر النهي (٨).
__________________
(١) راجع المصباح المنير : ٤١٦ ، ونهاية ابن الأثير ٣ : ٢٥٨ ، ومجمع البحرين ٦ : ٢٨٢.
(٢) سنن البيهقي ٢ : ٤٤٩.
(٣) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٥ ، الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٥ ، الوسائل ٥ : ١٤٥ أبواب مكان المصلي بـ ١٧ ح ٢.
(٤) العين ٢ : ١٤ ، معجم مقاييس اللغة ٤ : ٣٥٢.
(٥) المنتهى ١ : ٢٤٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.
(٦) الوسائل ٥ : ١٥٨ أبواب مكان المصلي بـ ٢٥.
(٧) الأول :
الفقيه ١ : ١٥٨ / ٧٣٧ ، قرب الإسناد : ١٩٧ / ٧٤٩ ، الوسائل ٥ : ١٥٨ أبواب مكان المصلي بـ ٢٥ ح ١.
الثاني :
التهذيب ٢ : ٣٧٤ / ١٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٥ ، الوسائل ٥ : ١٥٩ أبواب مكان المصلي بـ ٢٥ ح ٤.
(٨) المراسم : ٦٥.
وفيه نظر ، لضعف سند المشتمل عليه عدا الموثّق : عن الرجل يصلّي بين القبور ، قال : « لا يجوز ذلك ، إلاّ أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن يمينه ، وعشرة أذرع عن يساره ، ثمَّ يصلّي إن شاء » (١).
وهو معارض بما هو أصحّ منه سندا وأشهر بين الأصحاب ، ولذلك لا يمكن أن يقيّد به إطلاقهما ، بأن يحملا على أنه لا بأس مع التباعد بعشرة أذرع ، كما في الموثق.
وللصدوق والمفيد والحلبي ، فلم يجوّزوا الصلاة إليها (٢). قيل (٣) : للموثق : « لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتّخذ القبر قبلة » (٤).
والصحيح : قلت له : الصلاة بين القبور ، قال : « صلّ بين خلالها ، ولا تتّخذ شيئا منها قبلة » (٥) ونحوهما غيرهما (٦).
وقوّاه بعض المعاصرين ، قال : لأن الصحيحين السابقين النافيين للبأس عامّان وهذان خاصان فليقدما عليهما (٧).
وهو حسن ، لو لا رجحان الصحيحين على هذين سندا ، واشتهار
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٩٠ / ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٢٧ / ٨٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٣ ، الوسائل ٥ : ١٥٩ أبواب مكان المصلي بـ ٢٥ ح ٥.
(٢) الصدوق في الفقيه ١ : ١٥٦ ، المفيد في المقنعة : ١٥١ ، نقله عن الحلبي الشهيد الثاني في الروض : ٢٢٨.
(٣) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٧.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٨ / ٨٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٤ ، الوسائل ٥ : ١٥٩ أبواب مكان المصلي بـ ٢٥ ح ٣.
(٥) علل الشرائع : ٣٥٨ / ١ ، الوسائل ٥ : ١٦١ أبواب مكان المصلي بـ ٢٦ ح ٥.
(٦) كامل الزيارات : ٢٤٥ ، الوسائل ١٤ : ٥١٩ أبواب المزار وما يناسبه بـ ٦٩ ح ٦.
(٧) الحدائق ٧ : ٢٢٦.
عمومهما بين الأصحاب اشتهارا كاد أن يكون إجماعا ، بل إجماع من المتأخرين حقيقة ، وقد مرّ نقله عن الغنية صريحا والمنتهى ظاهرا.
مع قصور هذين دلالة ، فإن التوجه إلى القبر أعم من اتّخاذه قبلة ، كما أن البأس المفهوم من أوّلهما أعم من التحريم ، فلا يصلح شيء منهما لإثباته جدّا.
مع معارضتهما ـ زيادة على ما مر ـ بالنصوص الكثيرة الدالة على جواز الصلاة خلف قبر الإمام عليهالسلام ، بل استحبابها ، كما يستفاد من بعضها بالنسبة إلى الحسين عليهالسلام : منها : الصحيح المروي في التهذيب : عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهمالسلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، أو يقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب عليهالسلام ـ وقرأت التوقيع ، ومنه نسخت ـ : « أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع خدّه الأيمن على القبر ، وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الامام ، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ، لأن الإمام لا يتقدّم ، ويصلّي عن يمينه وشماله » (١).
ومنها : ما أسنده ابن قولويه في مزاره عن هشام : أن مولانا الصادق عليهالسلام سئل : هل يزار والدك؟ قال : « نعم ، ويصلّى عنده » وقال : « يصلّى خلفه ولا يتقدم عليه » (٢).
وما أسنده عن محمد البصري ، عنه ، عن أبيه عليهالسلام ، في حديث
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٢٨ / ٨٩٨ ، علل الشرائع : ٤٩٠ ، الوسائل ٥ : ١٦٠ أبواب مكان المصلي بـ ٢٦ ح ١ ، ٢.
(٢) كامل الزيارات : ١٢٣ ، ٢٤٦ ، الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب مكان المصلي بـ ٢٦ ح ٧.
زيارة الحسين عليهالسلام ، قال : « من صلّى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله تعالى لقي الله يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشى له كل شيء يراه » (١).
وما أسنده عن الحسن بن عطية ، عنه عليهالسلام قال : « إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد الله عليهالسلام تجعله بين يديك ثمَّ تصلّي ما بدا لك » (٢).
وهي ـ مع كثرتها ، وصحّة بعضها ، واعتضادها بالشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماع المتقدمة ، والأخبار المتقدمة ـ واضحة الدلالة ، سيما الرواية الأخيرة ، فإن جعل القبر بين يديه في غاية الظهور في وقوعه في القبلة.
ولذا إن المعاصر اعترف بدلالة هذه الأخبار على الجواز ، وجعلها مستثناة من الأخبار المانعة قائلا : إنه لا حرمة في الصلاة إلى قبور الأئمة عليهمالسلام مستندا إلى الروايات المزبورة (٣).
وهو إحداث قول ثالث ، لم يقل به القائلون بالحرمة سيما المفيد ، فإنه بعد المنع قال : وقد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام. والأصل ما قدمناه (٤).
وأعجب من ذلك أنه قال بالكراهة إلى قبورهم عليهمالسلام مطلقا ، مع أن بعض الروايات صرّحت بالاستحباب خلف قبر أبي عبد الله عليهالسلام.
واعلم أنه يستفاد من الصحيحة : المنع من الصلاة بين يدي الإمام (٥) ،
__________________
(١) كامل الزيارات : ١٢٢ ، الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب مكان المصلي بـ ٢٦ ح ٦.
(٢) كامل الزيارات : ٢٤٥ ، الكافي ٤ : ٥٧٨ / ٤ ، الوسائل ١٤ : ٥١٧ أبواب المزار وما يناسبه بـ ٦٩ ح ١.
(٣) الحدائق ٧ : ٢٢٦.
(٤) انظر المقنعة : ١٥٢.
(٥) راجع ص : ٢٨.
وظاهر الإطلاقات ، وصريح جماعة الكراهة (١) ، بل لم أجد قائلا به عدا جماعة من متأخّري المتأخّرين (٢).
وهو غير بعيد إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ، لصحتها ، واعتضادها بغيرها مما مضى ، لكنه قاصر السند ، والأوّل أجاب عنه الماتن في المعتبر ـ انتصارا للمفيد في المنع عن الصلاة إلى القبر (٣) ـ بضعفة ، وشذوذه ، واضطراب لفظه (٤).
قيل : ولعلّ الضعف لأن الشيخ رحمهالله رواه عن محمد بن أحمد بن داود عن الحميري ، ولم يبيّن طريقه إليه ، ورواه صاحب الاحتجاج مرسلا ، والاضطراب لأنها في التهذيب كما سمعت ، وفي الاحتجاج : « ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ، ولا عن يمينه ، ولا عن يساره ، لأن الإمام لا يتقدّم ولا يساوى » (٥) ولأنه في التهذيب : مكتوب إلى الفقيه ، وفي الاحتجاج : إلى صاحب الأمر عليهالسلام ، والحق أنه ليس شيء منهما من الاضطراب في شيء. انتهى (٦).
وهو حسن ، ولم يجب عن شبهة ضعف السند في التهذيب مؤذنا بالإذعان له.
وفيه نظر ، فإن الشيخ رحمهالله وإن لم يبيّن طريقه في كتاب الحديث ، لكن قال في الفهرست في ترجمته : أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة ،
__________________
(١) انظر المنتهى ١ : ٢٤٥ ، والدروس ٢ : ٢٣ ، ومجمع الفائدة ٢ : ١٤٠.
(٢) انظر الحبل المتين : ١٥٩ ، والبحار ٨٠ : ٣١٥ ، والحدائق ٧ : ٢٢٠.
(٣) المقنعة : ١٥١.
(٤) المعتبر ٢ : ١١٥.
(٥) الاحتجاج : ٤٩٠ ، الوسائل ٥ : ١٦٠ أبواب مكان المصلي بـ ٢٦ ح ٢.
(٦) انظر كشف اللثام ١ : ١٩٨.
منهم محمد بن محمد بن النعمان ، والحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون كلهم (١).
وهو ظاهر في صحة طريقه إليه مطلقا ، ولذا نصّ بصحته جماعة من أصحابنا (٢).
نعم ، رواية الطبرسي ضعيفة ، فلا يمكن الاستناد إليها للمنع عن الصلاة محاذيا للإمام عليهالسلام ، سيّما مع تصريح الصحيحة بجوازها.
مضافا إلى نصوص كثيرة بجوازها في زيارة الحسين عليهالسلام وغيره من الأئمة عليهمالسلام (٣) بل صرّح بعضها بأنها أفضل من الصلاة خلفه عليهالسلام (٤) ، مع أنه لا قائل بالمنع أجده بين الأصحاب عدا نادر من متأخري المتأخرين ، وظاهرهم الإطباق على خلافه ، ولكنه أحوط.
( إلاّ مع حائل ) أو بعد عشرة أذرع ، فيرتفع المنع مطلقا ، للموثق المصرّح به في الثاني (٥).
وأما ارتفاعه مع الأول فهو وإن لم نجد عليه من النص أثرا ، إلاّ أن معه يخرج عن مفهوم ألفاظ النصوص والفتاوى ، وإلاّ لزمت الكراهة وإن حالت جدران.
مع أنه لا خلاف في زوال المنع في المقامين ، وإن اختلفت العبارات في
__________________
(١) الفهرست : ١٣٦ / ٥٩٢.
(٢) منهم صاحب المدارك ٣ : ٢٣٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٤٥ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٢٢٠.
(٣) الوسائل ١٤ : ٥١٧ أبواب المزار وما يناسبه بـ ٦٩.
(٤) بحار الأنوار ٩٨ : ١٨٦ ( ضمن حديث طويل ) ، كامل الزيارات : ٢٤٠ ، المستدرك ١٠ : ٣٢٧ أبواب المزار وما يناسبه بـ ٥٢ ح ٣.
(٥) راجع ص : ٢٧.
التعبير عنهما بالإطلاق ، كما هنا وفي الجامع في الأول (١) ، وفي الشرائع (٢) وغيره (٣) في الثاني.
أو تعميم الأوّل لكل حائل ولو عنزة ، كما في الشرائع والقواعد والنهاية ، وزيد فيها : ما أشبهها (٤) ، والمقنعة ، وزيد فيها : قدر لبنة أو ثوب موضوع (٥).
قيل : لعموم نصوص الحيلولة بها (٦). ولم أجده.
وتعميم الثاني للبعد بالمقدار المزبور من كل جانب ، كما في الموثق (٧) ، وعن المقنعة والنزهة (٨) ، أو ما سوى الخلف ، كما عن النهاية والمبسوط والمهذب والوسيلة والجامع والإصباح ونهاية الإحكام والتذكرة (٩).
( وفي بيوت المجوس والنيران والخمور ) على المشهور ، بل لا خلاف فيها بين المتأخرين ، وعن الغنية الإجماع على الثاني (١٠).
وهو الحجة فيه ، كالموثق في الأخير : « لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر » (١١).
__________________
(١) الجامع للشرائع : ٦٨.
(٢) الشرائع ١ : ٧٢.
(٣) راجع المنتهى ١ : ٢٤٥ ، والتحرير ١ : ٣٣ ، والروضة ١ : ٢٢٣.
(٤) الشرائع ١ : ٧٢ ، القواعد ١ : ٢٨ ، النهاية : ٩٩.
(٥) المقنعة : ١٥١.
(٦) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٧.
(٧) المتقدم في ص : ٢٧.
(٨) حكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ١٩٧ ، وهو في النزهة : ٢٦ ، ولم نعثر عليه في المقنعة.
(٩) النهاية : ٩٩ ، المبسوط ١ : ٨٥ ، المهذّب ١ : ٧٦ ، الوسيلة : ٩٠ ، الجامع للشرائع : ٦٨ ، الإصباح ( نقله عنه صاحب كشف اللثام ١ : ١٩٧ ) ، نهاية الإحكام ١ : ٣٤٦ ، التذكرة ١ : ٨٨.
(١٠) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.
(١١) الكافي ٣ : ٣٩٢ / ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٣٧٧ / ١٥٦٨ ، الوسائل ٥ : ١٥٣ أبواب مكان المصلي بـ ٢١ ح ١.
وصريح الخبر أو فحواه في الأول : « لا تصلّ في بيت فيه مجوسي ، ولا بأس أن تصلّي وفيه يهودي أو نصراني » (١).
وربما يشعر بالكراهة فيه النصوص المتضمنة للصحيح الآمرة برشّ بيت المجوسي ثمَّ الصلاة فيه (٢).
خلافا للمحكي عن جماعة كالديلمي والمقنعة والنهاية (٣) ، فمنعوا عن الصلاة فيها أجمع ، بل صرّح الأول بالفساد فيما عدا الثاني. وعن المقنع ، فمنع عنها في الأخير ، لكن قال : روي أنها تجوز (٤) ، وبالمنع صرّح في الفقيه (٥) من دون نقل رواية.
وهذه الأقوال ـ مع ندرتها الآن ـ حجّتها ضعيفة ، عدا الموثق في الأخير ، فإنه بحسب السند معتبر. لكنه معارض بالرواية المرسلة في المقنع ، المنجبرة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة ، فتترجّح عليه ، مضافا إلى اعتضادها بالأصل والعمومات.
فالقول بالمنع ضعيف ، ولا سيّما في بيوت النيران ، لعدم ورود نص فيها بالكلية.
وإنما علّل المنع فيها بأن الصلاة فيا تشبّها بعبّادها. وهو كما ترى لا يفيد المنع قطعا ، بل الكراهة أيضا ، كما هو ظاهر صاحبي المدارك والذخيرة (٦) ، بل
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٧٧ / ١٥٧١ ، الوسائل ٥ : ١٤٤ أبواب مكان المصلي بـ ١٦ ح ١.
(٢) الوسائل ٥ : ١٤٠ أبواب مكان المصلي بـ ١٤.
(٣) الديلمي في المراسم : ٦٥ ، المقنعة : ١٥١ ، النهاية : ١٠٠.
(٤) المقنع : ٢٥.
(٥) الفقيه ١ : ١٥٩.
(٦) المدارك ٣ : ٢٣٢ ، الذخيرة : ٢٤٥.
صريحهما ، حيث إنهما بعد تضعيف التعليل احتملا اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران ، لأنها ليست موضع رحمة ، فلا تصلح لعبادة الله سبحانه ، بل قطع به في المدارك.
وذكر جماعة (١) أن المراد ببيوت النيران المواضع المعدّة لإضرامها فيها ، كالأتون والفرن (٢) ، لا ما وجد فيه نار مع عدم إعداده لها ، كالمسكن إذا أوقدت فيه وإن كثر.
( وفي جوادّ الطرق ) أي العظمى منها ، وهي التي يكثر سلوكها ، كما ذكره جماعة (٣) ، للنهي عنها في الصحيحين (٤) وغيرهما (٥). وأخذ بظاهره الصدوق والشيخان (٦) فيما حكي عنهم.
خلافا للسرائر (٧) ، وعامة المتأخّرين ، فحملوه على الكراهة ، جمعا بينها وبين الأصل والعمومات ، المؤيّدين بالمعتبرين ، أحدهما الصحيح : « لا بأس أن تصلّي بين الظواهر ، وهي جوادّ الطرق ، ويكره أن تصلّي في الجواد » (٨) وفي
__________________
(١) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٢٩.
(٢) الأتون بالتشديد : الموقد ، وهو للحمّام والجصّاصة. المصباح المنير : ٣ ، تهذيب اللغة ١٤ : ٣٢٥.
والفرن : الذي يخبز عليه الفرني ، وهو خبز غليظ نسب إلى موضعه ، وهو غير التنور. الصحاح ٦ : ٢١٧٦.
(٣) منهم صاحب المدارك ٣ : ٢٣٣ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٢٠٩.
(٤) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٥ ، ٢٢١ / ٨٦٩ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب مكان المصلي بـ ١٩ ح ٢ ، ٥.
(٥) الوسائل ٥ : أبواب مكان المصلي بـ ١٩ الأحاديث ٦ ، ٨ ، ٩ ، ١٠.
(٦) الصدوق في الفقيه ١ : ١٥٦ ، المفيد في المقنعة : ١٥١ ، الطوسي في النهاية : ١٠٠.
(٧) السرائر ١ : ٢٦٦.
(٨) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٧٥ / ١٥٦٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب مكان المصلي بـ ١٩ ح ١.
غيره : « لا ينبغي » (١) لظهورهما في الكراهة. ولا بأس به ، سيّما مع دعوى المنتهى في ظاهر كلامه : أن عليه إجماعنا (٢).
ويستفاد من جملة من النصوص (٣) ، وفيها الموثق ، كراهة الصلاة في مطلق الطرق الموطوءة ، وبه صرّح جماعة (٤). ولا بأس به أيضا ، للمسامحة ، سيّما مع اعتبار سند الموثقة (٥). لكنها معارضة بالنصوص المتضمنة لنفي البأس عن الصلاة في الظواهر التي بين الجواد ، وفيها الصحيح وغيره (٦) ، وهو الأوفق بفتوى الأكثر ، إلاّ أن عموم الكراهة ولو مختلفة المراتب طريق الجمع ، وأنسب بباب الكراهة ، بناء على المسامحة.
هذا كله في الطرق النافذة ، وأما المرفوعة فلعلّها كذلك مع إذن أربابها ، وإلاّ فيحرم قطعا.
( وأن يكون بين يديه نار مضرمة ) مشتعلة ، بل مطلقا ( أو مصحف مفتوح ، أو حائط ينزّ من بالوعة ) البول والغائط ، بلا خلاف إلاّ من الحلبي (٧) ، فحرم مع التردّد في الفساد ، أخذا بظاهر النهي في النصوص المحمول عند الأكثر ـ بل عامّة من تأخّر ـ على الكراهة ، جمعا بينها وبين الأصل والعمومات.
وخصوص بعض النصوص المصرّحة بالجواز في الأول ، إما مطلقا ، كالمرسل : « لا بأس أن يصلّي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ، إن
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٨ ، الفقيه ١ : ١٥٦ / ٧٢٨ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب مكان المصلي بـ ١٩ ح ٣.
(٢) المنتهى ١ : ٢٤٧.
(٣) الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب مكان المصلي بـ ١٩ ح ٣ ، ٦.
(٤) منهم العلامة في التحرير ١ : ٣٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٥.
(٥) التهذيب ٢ : ٢٢١ / ٨٧٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٨ أبواب مكان المصلي بـ ١٩ ح ٦.
(٦) الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب مكان المصلي بـ ١٩.
(٧) لم نعثر عليه في الكافي ونقل عنه في المختلف : ٨٥.
الذي يصلّي له أقرب إليه من الذي بين يديه » (١).
أو لمن لم يكن من أولاده عبدة الأصنام والنيران ، كما في المرسل الآخر المروي في الاحتجاج ، وفيه : « ولا يجوز ذلك لمن كان من عبدة الأوثان والنيران » (٢).
ولكنه ـ مع ضعف سنده ـ شاذّ غير معروف القائل ، ويمكن حمله على تفاوت مراتب الكراهة.
والخبر المروي عن قرب الإسناد في الثاني : عن الرجل هل يصلح له أن ينظر في خاتمه كأنه يريد قراءته ، أو في مصحف ، أو في كتاب في القبلة؟ فقال : « ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها » (٣).
وضعف الأسانيد مجبور بالشهرة ، بل الإجماع.
ويستفاد من هذه الرواية إلحاق كل مكتوب ومنقوش ، كما ذكره جماعة (٤) ، معلّلين بحصول التشاغل المرغوب عنه في الصلاة.
( ولا بأس بالبيع والكنائس ومرابض الغنم ) أن يصلّى فيها ، على المشهور ، لنفي البأس عنها في النصوص المستفيضة (٥) ، وفيها الصحاح وغيرها ، وفي ظاهر المنتهى الإجماع عليه في الأوّلين (٦).
خلافا للمحكي عن المراسم والمهذب والغنية والسرائر والإصباح
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٦٢ / ٧٦٤ ، التهذيب ٢ : ٢٢٦ / ٨٩٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩٦ / ١٥١٢ ، المقنع : ٢٥ ، علل الشرائع : ٣٤٢ / ١ ، الوسائل ٥ : ١٦٧ أبواب مكان المصلي بـ ٣٠ ح ٤.
(٢) الاحتجاج : ٤٨٠ ، الوسائل ٥ : ١٦٨ أبواب مكان المصلي بـ ٣٠ ح ٥.
(٣) قرب الإسناد : ١٩٠ / ٧١٥ ، الوسائل ٥ : ١٦٣ أبواب مكان المصلي بـ ٢٧ ح ٢.
(٤) منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٣٤٨ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٣٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٥.
(٥) الوسائل ٥ : ١٣٨ أبواب مكان المصلي بـ ١٣.
(٦) المنتهى ١ : ٢٤٦.
والإشارة والنزهة (١) ، فكرهوها فيهما ، وهو خيرة الدروس أيضا (٢).
ولم أظفر بمستند لهم سوى توهّم النجاسة. والتشبّه بأهلها ، وعن الغنية الإجماع عليه (٣). ولا بأس به مسامحة في أدلّة السنن.
وفي الصحيح : « رشّ وصلّ » (٤). وظاهره استحباب الرشّ ، وبه صرّح في المنتهى (٥).
وللحلبي في الأخير ، فحرّم متردّدا في الفساد (٦) ، كما حكي عنه في التحرير والمنتهى (٧) ، للموثق : عن الصلاة في أعطان الإبل ومرابض البقر والغنم ، فقال : « إن نحته بالماء وكان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها ، وأما مرابط الخيل والبغال فلا » (٨).
وهو معارض بما هو أكثر عددا ، وأصحّ سندا ، واعتضادا بفتوى الفقهاء والأصل والعموم المتقدمين مرارا.
( وقيل : يكره ) الصلاة ( إلى باب مفتوح ، أو إنسان مواجه ) والقائل الحلبي ، كما حكاه عنه الأصحاب (٩) ، مؤذنين بعدم الوقوف له على مستند ، إلاّ
__________________
(١) المراسم : ٦٥ ، المهذّب ١ : ٧٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، السرائر ١ : ٢٧٠ ، وحكاه عن الإصباح في كشف اللثام ١ : ١٩٦ ، إشارة السبق : ٨٨ ، نزهة الناظر : ٢٦.
(٢) الدروس ١ : ١٥٤.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٥ ، الوسائل ٥ : ١٣٨ أبواب مكان المصلي بـ ١٣ ح ٢.
(٥) المنتهى ١ : ٢٤٦.
(٦) راجع الكافي في الفقه : ١٤١.
(٧) التحرير ١ : ٣٣ ، المنتهى ١ : ٢٤٦.
(٨) التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٦ بتفاوت يسير ، الوسائل ٥ : ١٤٥ أبواب مكان المصلي بـ ١٧ ح ٤.
(٩) كما في المعتبر ٢ : ١١٦ ، والتذكرة ١ : ٨٨.
أن بعضهم (١) استدل له في الأوّل : باستفاضة الأخبار باستحباب السترة ممّن يمرّ بين يديه ولو بعود ، أو عنزة ، أو قصبة ، أو قلنسوة ، أو كومة من تراب (٢).
وفي الثاني : بالخبر المروي في قرب الإسناد : عن الرجل يكون في صلاته ، هل يصلح له أن تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال : « يدرؤها عنه » (٣).
وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهماالسلام : أنه كره أن يصلي الرجل ورجل بين يديه قائم (٤).
والاستدلال الأول غير مفهوم.
والثاني معارض بالأخبار الكثيرة النافية للبأس عن أن تكون المرأة بحذاء المصلّي قائمة وجالسة ومضطجعة (٥) ، إلاّ أن يخصّ البأس المنفي فيها بالحرمة جمعا ، ولكنه فرع التكافؤ المفقود هنا ، إلاّ أن يكون في مقام الكراهة مغتفر.
__________________
(١) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٩.
(٢) الوسائل ٥ : ١٣٦ أبواب مكان المصلي بـ ١٢.
(٣) قرب الإسناد : ٢٠٤ / ٧٨٩ ، المستدرك ٣ : ٣٣٢ أبواب مكان المصلي بـ ٤ ح ١.
(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٥٠ ، المستدرك ٣ : ٣٣٢ أبواب مكان المصلي بـ ٤ ح ٢.
(٥) الوسائل ٥ : ١٢١ أبواب مكان المصلي بـ ٤.
( السادسة : )
( في ) بيان ( ما ) يجوز أن ( يسجد عليه ) وما لا يجوز.
اعلم أنه ( لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ) ولا ما أنبتته ( كالجلود والصوف ) والشعر ( ولا ما يخرج باستحالته عن اسم الأرض كالمعادن ) من نحو الذهب ، والفضة ، والملح ، والعقيق ، ونحو ذلك ، بإجماعنا ، بل الضرورة من مذهبنا ، مضافا إلى النصوص المستفيضة ، بل المتواترة من أخبارنا.
ففي الصحيح وغيره : « لا يجوز السجود إلاّ على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس » (١) الحديث. وقريب منه آخر (٢).
وفي ثالث : أسجد على الزفت ـ أي القير ـ؟ قال : « لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شيء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شيء من ثمار الأرض ، ولا على شيء من الرياش » (٣).
وفي رابع : « لا تصلّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (٤).
وفي الخبر : « لا تسجد على الذهب والفضة » (٥).
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٧٧ / ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٤١ / ١ ، الوسائل ٥ : ٣٤٣ أبواب ما يسجد عليه بـ ١ ح ١.
(٢) الفقيه ١ : ١٧٤ / ٨٢٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٤ ، الوسائل ٥ : ٣٤٤ أبواب ما يسجد عليه بـ ١ ح ٢.
(٣) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ / ١٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ / ١٢٤٢ ، الوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب ما يسجد عليه بـ ٢ ح ١.
(٤) الكافي ٣ : ٣٣٢ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ / ١٢٣١ ، علل الشرائع : ٣٤٢ / ٥ ، الوسائل ٥ : ٣٦٠ أبواب ما يسجد عليه بـ ١٢ ح ١.
(٥) الكافي ٣ : ٣٣٢ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ / ١٢٢٩ ، الوسائل ٥ : ٣٦١ أبواب مكان المصلي
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الآتي إلى جملة منها الإشارة.
( و ) يستفاد منها أنه ( يجوز ) السجود ( على الأرض وما ينبت منها ما لم يكن مأكولا ) ولا ملبوسا ( بالعادة ) مضافا إلى الإجماع عليه ، بل الضرورة.
فلا إشكال في شيء من أحكام المسألة ، وإنما الإشكال في الأراضي المستحيلة بالحرق وغيره عن مسمّى الأرض ، كالجصّ ، والنورة ، والخزف ، فإنّ في جواز السجود عليها قولين.
فالأكثر على الجواز ، بل ربما أشعر عبارة الفاضلين (١) وغيرهما (٢) بالإجماع في الخزف. فإن تمَّ ، وإلاّ فالأحوط ، بل الأظهر المنع ، وفاقا لجمع (٣) ، إما لعدم صدق الأرض عليها ، أو للشك ، فإنه كاف في المنع ، لتعارض استصحاب بقاء الأرضية مع استصحاب بقاء شغل الذمة ، فيتساقطان ، فيبقى الأوامر عن المعارض سليمة ، فتأمّل.
مضافا إلى التصريح به في الرضوي في الآجر ـ يعني المطبوخ ـ كما فيه (٤).
نعم في الصحيح : عن الجصّ توقد عليه النار (٥) وعظام الموتى يجصّص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب بخطّه : « إن الماء والنار قد
__________________
ب ١٢ ح ٢.
(١) المحقق في المعتبر ١ : ٣٧٥ ، العلامة في التذكرة ١ : ٦٢.
(٢) كصاحب المدارك ٣ : ٢٤٤ ، وصاحب الحدائق ٤ : ٣٠١.
(٣) منهم صاحب الذخيرة صريحا في الخزف ( الذخيرة : ٢٤١ ) وصاحب المدارك ( ٢ : ٢٠٢ ) والشهيدان ( في البيان : ١٣٤ والروضة ١ : ٢٢٨ ) في نحو النورة ، وكذا الحلي ( السرائر ١ : ٢٦٨ ). منه رحمه الله.
(٤) فقه الرضا عليهالسلام : ١١٣ ، المستدرك ٤ : ١٠ أبواب ما يسجد عليه بـ ٧ ح ١.
(٥) في « ح » والمصادر : بالعذرة.