رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

الثاني ، وبه صرح فخر المحققين (١).

ويعضد الثاني ـ زيادة عليه ـ عموم دليل تحريم إبطال العمل ، مع اختصاص ما دلّ على جوازه هنا بالصورة الاولى.

والأمر بالإعادة في الرواية في هذه الصورة محمول على الندب ، بدلالة المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٢).

ونحوه آخر ، بزيادة التعليل بقوله : « فإنما الأذان سنّة » (٣).

وفي الخبر : رجل ينسى الأذان والإقامة حتى يكبّر ، قال : « يمضي على صلاته ولا يعيد » (٤). ونحوه غيره (٥).

خلافا للنهاية والسرائر ، فقالا بالعكس : يرجع إذا لم يركع مع تعمّد الإخلال ، ويمضي مع النسيان (٦).

وللمبسوط ، فأطلق الرجوع ما لم يركع (٧).

وحجة القولين غير واضحة ، مع مخالفتهما الأصل المتقدّم في العمد ، مضافا إلى مخالفتهما الصحيح المعتضد بفتوى الأكثر.

__________________

(١) في إيضاح الفوائد ١ : ٩٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ / ١١٣١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ / ١١٣٠ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧٩ / ١١٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١٢١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٩ / ١١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ / ١١٢٢ ، الوسائل ٥ : ٤٣٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ٨.

(٦) النهاية : ٦٥ ، السرائر ١ : ٢٠٩.

(٧) المبسوط ١ : ٩٥.

٦١

نعم يمكن الاستدلال ـ لما في النهاية لصورة النسيان ـ بالمستفيضة المتقدمة ، الدالة على عدم الإعادة فيها ، وحيث لا إعادة حرم ، للأصل المتقدم بتحريم إبطال العمل.

ولصورة العمد بالخبر : عن رجل نسي أن يؤذّن ويقيم حتى كبّر ودخل في الصلاة ، قال : « إن كان دخل المسجد ومن نيّته أن يؤذّن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف » (١).

فإن مفهومه عدم الإمضاء في الصلاة إذا لم يكن من نيّته الأذان ، وهو عام شامل لصورة العمد.

وفي الجميع نظر ، لضعف هذا الخبر سندا ، بل ويحتمل دلالة ، فتدبّر.

وعدم دلالة المستفيضة إلاّ على عدم لزوم الرجوع لا حرمته ، واستفادتها من الأصل المتقدم حسن ، إن لم تكن الصحيحة السابقة ـ الصريحة في الرخصة ، لا أقلّ منها ـ موجودة ، وأما معها فيجب تخصيص الأصل بها ، سيّما مع اعتضادها بالشهرة ، وبأخبار أخر محتملة الموافقة لها في الدلالة على الرخصة ، منها الصحيح : في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة ، قال : « إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليقم ، وإن كان قد قرأ فليتمّ صلاته » (٢).

والحسن : عن الرجل يستفتح الصلاة ثمَّ يذكر أنه لم يقم ، قال : « فإن ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ يقيم‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٩ / ١١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ / ١١٢٢ ، الوسائل ٥ : ٤٣٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٨ / ١١٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ / ١١٢٦ ، وليس فيه « وليقم » ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ٤.

٦٢

ويصلّي ، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ على صلاته » (١).

قال في الذكرى ـ بعد نقلهما ـ : أشار بالصلاة على النبي أوّلا وبالسلام في هذه الرواية إلى قطع الصلاة ، فيمكن أن يكون السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاطعا لها ، ويكون المراد بالصلاة هناك السلام ، وأن يراد الجمع بين الصلاة والسلام ، فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع ، لأنه قد روي أن التسليم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخر الصلاة ليس بانصراف (٢).

ويمكن أن يراد القطع بما ينافي الصلاة إما استدبار أو كلام ، ويكون التسليم على النبي مبيحا لذلك (٣).

وظاهره ـ كما ترى ـ القطع بموافقة هاتين الروايتين الصحيحة في الدلالة على الرخصة ، كما هو أيضا ظاهر جماعة (٤) ، وأجابوا عن منافاتهما لها ـ من حيث الدلالة على المضي وعدم الرجوع إن شرع في القراءة ـ بجواز أن يكون الوجه أن الرجوع قبل القراءة آكد منه بعدها.

ولعل إذعانهم بدلالتهما على ما في الصحيحة ـ من جواز القطع ـ إنما هو للجمع بين الأدلّة ، وإلاّ فلا دلالة لهما عليه ظاهرا ، لقوة احتمال أن يكون المراد الإتيان بالصلاة على النبي أو السلام ثمَّ الإقامة ثمَّ إتمام الصلاة من دون قطع.

ولا استبعاد فيه بعد ورود جملة من النصوص بمعناه ، ففي الخبر : قلت‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٨ / ١١٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ / ١١٢٩ ، الوسائل ٥ : ٤٣٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٤ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ / ١٢٩٢ ، مستطرفات السرائر : ٩٧ / ١٦ ، الوسائل ٦ : ٤٢٦ أبواب التسليم بـ ٤ ح ٢.

(٣) الذكرى : ١٧٤.

(٤) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢١٠ ، صاحب المدارك ٣ : ٢٧٤ ، ٢٧٥.

٦٣

لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك ، كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أنى لم أقم ، فكيف أصنع؟ قال : « اسكت موضع قراءتك وقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، ثمَّ امض في قراءتك وصلاتك وقد تمّت صلاتك » (١). وقريب منه الرضوي (٢).

وعلى هذا الاحتمال تخرج الروايتان عن حيّز الاعتضاد ، ويبقى الكلام في جواز العلم بهما على هذا لاحتمال وما شابههما.

واستشكله الشهيد رحمه‌الله في الذكرى ، فقال : ويشكل بأنه كلام ليس من الصلاة ولا من الأذكار (٣).

وأجيب عنه (٤) باحتمال كون هذا مستثنى ، ولا بعد فيه بعد ورود النص به ، سيّما مع وجود النظائر المتفق عليها ، كغسل دم الرعاف ، وقتل الحية ، وإرضاع الصبي في الصلاة ، مع خروجها عنها اتفاقا ، فلا يبعد كون ما نحن فيه كذلك أيضا.

وهو حسن إن لم تشذّ الرواية الدالّة عليه ، وإلاّ ـ كما هو الظاهر ـ فلا. سيّما مع قصور الصريح منها كالرضوي وسابقة سندا ، والصحيح وما بعده دلالة ، لقوة احتمال ظهورهما فيما فهمه منها القوم جدّا ، نظرا إلى قوله عليه‌السلام : « فليتم على صلاته » فيما إذا شرع في القراءة ، الظاهر في أنه لا يتم عليها قبل الشروع فيها ، ولا يكون ذلك إلاّ بإبطالها ظاهرا.

هذا ، مع قصور الجميع عن مقاومة مستند المشهور جدّا.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٨ / ١١٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ / ١١٢٨ ، الوسائل ٥ : ٤٣٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ٦.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٦ ، المستدرك ٤ : ٤٧ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٤ ح ١.

(٣) الذكرى : ١٧٤.

(٤) الحدائق ٧ : ٣٧١.

٦٤

وهنا رواية صحيحة ظاهرها جواز الرجوع إلى الإقامة ما لم يفرغ من صلاته ولو بعد الركوع (١).

ولكنها مطلقة محتملة للتقييد بما قبلها ، كما أجاب به عنها جمع ، ومنهم الفاضل في المختلف ، مدّعيا الإجماع على عدم جواز الرجوع بعد الركوع (٢) ، مع أن ظاهر الشيخ في التهذيبين العمل بإطلاقها ، حيث حملها على الاستحباب (٣).

ولعله لمجرد الجمع بين الأخبار من غير أن يقصد به الفتوى ، ولكنها ظاهر بعض متأخّر متأخّري الأصحاب (٤). وهو شاذ.

وهنا أقوال (٥) أخر شاذّة لا جدوى في التعرض لنقلها ولا فائدة مهمة.

ثمَّ إن ظاهر العبارة ونحوها ـ كالصحيحة الاولى (٦) ـ اختصاص جواز الرجوع بما إذا نسي الأذان والإقامة معا. والأصحّ جوازه للإقامة خاصة أيضا ، وفاقا لجماعة (٧) ، للصحيح والحسن المتقدمين (٨) ، مضافا إلى الصحيح الأخير بالتقريب الذي قدمناه في الجمع. وعدمه للأذان وحده ، لعدم الدليل عليه ، لاختصاص النصوص جملة بنسيانهما معا أو الإقامة خاصة ، والأصل حرمة إبطال العمل كما عرفته ، مضافا إلى دعوى الإجماع عليه في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٩ / ١١١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ / ١١٢٥ ، الوسائل ٥ : ٤٣٣ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٨ ح ٣.

(٢) المختلف : ٨٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣.

(٤) كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١١٩.

(٥) في « م » : أخبار.

(٦) المتقدمة في ص ٦٠.

(٧) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٦١ والشهيد في الدروس ١ : ١٦٥ والنفلية : ١٨.

(٨) في ص : ٦٢ ، ٦٣.

٦٥

الإيضاح (١).

خلافاً لثاني المحققين في الأول فلا (٢) ، وثاني الشهيدين في الثاني ، فنعم (٣). وما أبعد ما بينهما.

ثمَّ إن الفاضلين في الشرائع والتحرير اقتصرا على نسيان المنفرد (٤) ، ولعله لاكتفاء الجامع بأذان غيره ، مع بعد نسيان الجميع ، أو للتنبيه بالأدنى على الأعلى ، كما في الإيضاح (٥).

( وأما ما ) يجوز أن ( يؤذّن له ) من الصلوات ( فالصلوات الخمس ) اليومية ومنها الجمعة ( لا غير ) إجماعا من المسلمين والعلماء ، كما في المعتبر والمنتهى والذكرى (٦) ، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني قال : اتفاقا (٧).

وهو الحجة ، مضافا إلى أصالة عدم الشرعية ، واختصاص ما دلّ على ثبوتها باليومية.

وفي الخبر الوارد في العيدين : « ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكنه ينادى : الصلاة ، ثلاث مرّات » (٨).

وهو صريح في نفيهما فيهما ، ويتم المطلوب بعدم القائل بالفرق.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٩٧.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ١٩٩.

(٣) المسالك ١ : ٢٧.

(٤) الشرائع ١ : ٧٥ ، التحرير ١ : ٣٦.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٩٧.

(٦) المعتبر ٢ : ١٣٥ ، المنتهى ١ : ٢٦٠ ، الذكرى : ١٧٣ ، وفي « م » : التذكرة ( ١ : ١٠٦ ) بدل : الذكرى.

(٧) جامع المقاصد ٢ : ١٦٩.

(٨) الفقيه ١ : ٣٢٢ / ١٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٢٩٠ / ٨٧٣ ، الوسائل ٧ : ٤٢٨ أبواب صلاة العيد بـ ٧ ح ١.

٦٦

وظاهره استحباب النداء بالصلاة ثلاث مرّات ، كما أفتى به جمع من الأصحاب (١) ، وإن اختلفوا في الاقتصار على مورده أو التعدية إلى غير اليومية مطلقا ، حتى النوافل. ولا بأس بهذا ـ إن لم يحتمل التحريم ـ مسامحة.

ولا فرق في استحبابهما لليومية بين أن تكون ( أداءً وقضاءً ) وإن كان استحبابهما في الأداء آكد ، كما عن التذكرة وروض الجنان (٢) ، وادعى الأوّل الإجماع عليه.

ويستحبان ( استحبابا ) مؤكّدا ، سيّما الإقامة مطلقا ( للرجال والنساء ، المنفرد ) منهما ( والجامع ) بل التأكّد فيه أقوى.

كل ذلك على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر ، للأصل ، والصحاح المستفيضة وغيرها (٣) ، الظاهرة ـ بل الصريحة ـ في استحباب الأذان مطلقا. ويلحق به الإقامة كذلك ، لعدم القائل بالفرق بينهما كذلك على الظاهر ، المصرّح به في المختلف (٤). وأذعن له جماعة (٥). فالقول باستحبابه في كل موضع ووجوبها كذلك خرق للإجماع المركب ، هذا مضافا إلى بعض المعتبرة الآتية ، الظاهر في استحباب الإقامة أيضا بالتقريب الذي سيأتي إليه الإشارة (٦).

وفي الصحيح المروي عن علل الصدوق : « والأذان والإقامة في جميع‌

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٧٤ ، والعلامة في القواعد ١ : ٣٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٦٩.

(٢) التذكرة ١ : ١٠٦ ، روض الجنان : ٢٣٩.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٨١ ، ٣٨٨ أبواب الأذان والإقامة بـ ٤ ، ٧.

(٤) المختلف : ٨٨.

(٥) منهم صاحب المدارك ٣ : ٢٥٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٥٢.

(٦) في ص : ٦٩.

٦٧

الصلوات أفضل » (١).

وفي الرضوي : « أنهما من السنن اللازمة ، وليستا بفريضة ، وليس على النساء أذان ولا إقامة ، وينبغي لهنّ إذا استقبلن القبلة أن يقلن : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمدا رسول الله » (٢).

( وقيل : ) والقائل الشيخان (٣) وجماعة من القدماء (٤) ، أنهما ( يجبان في ) صلاة ( الجماعة ) إما مطلقا ، أو على الرجال خاصّة ، على اختلاف تعابيرهم ، للخبر : « إن صلّيت جماعة لم يجز إلاّ أذان وإقامة ، وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلاّ الفجر والمغرب ، فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم ، من أجل أنه لا تقصر فيهما كما تقصر في سائر الصلوات » (٥).

وهو ـ مع ضعف سنده ، وعدم مكافأته لما تقدم ـ قاصر الدلالة ، لأن الإجزاء كما يجوز أن يراد به الإجزاء في الصحّة كذا يجوز أن يراد به الإجزاء في الفضيلة ، وهو إن كان خلاف الظاهر ، لكن به تخرج الرواية عن الصراحة.

بل لا يبعد دعوى ظهوره من هذه الرواية ، بملاحظة ذيلها المعبّر عن عدم الإجزاء المفهوم من قوله : « وإن كنت وحدك ـ إلى قوله ـ : يجزئك إقامة إلاّ الفجر والمغرب » بقوله فيهما : « فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم » ولفظة « ينبغي » ظاهرة في الاستحباب.

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٣٧ / ١ ، الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٦ ح ٢.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٨. المستدرك ٤ : ٣٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٣ ح ٤ وب ٢٣ ح ٢.

(٣) المفيد في المقنعة : ٩٧ ، الطوسي في النهاية : ٦٤.

(٤) منهم السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٩ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦ والقاضي في المهذب ١ : ٨٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٩١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ / ١١٠٥ ، الوسائل ٥ : ٣٨٨ أبواب الأذان والإقامة بـ ٧ ح ١.

٦٨

مضافا إلى تعيّن إرادته منها هنا بملاحظة ما دلّ من الصحاح المستفيضة وغيرها (١) على استحباب الأذان ، وهو أحد ما يتعلق به لفظة « ينبغي » فتكون بالإضافة إلى الإقامة للاستحباب أيضا ، لوحدة السياق فتأمّل ، وحيث ثبت أن المراد بالإجزاء في ذيلها الاستحباب فكذا في الصدر ، لوحدة السياق. هذا.

مع أنه معارض ـ زيادة على إطلاق جملة من الصحاح ـ بخصوص جملة من النصوص ، منها : الصحيح المروي عن قرب الإسناد ، عن علي بن رئاب : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : تحضرني الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد ، أتجزينا إقامة بغير أذان؟ قال : « نعم » (٢).

والخبر : « إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة » (٣).

وقصور سنده ودلالتهما ـ بالأخصّية من المدعى ـ مجبور بالشهرة وعدم القائل بالفرق أصلا.

( ويتأكد الاستحباب ) فيهما ( فيما يجهر فيه ) بالقراءة ، كالصبح والعشاءين ( وآكده الغداة والمغرب ) للمعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح والموثق وغيرها ، ففي الصحيح : « تجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة والمغرب » (٤).

وفيه : « إن أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان وإقامة ، ويفتتح‌

__________________

(١) راجع ص ٦٧.

(٢) قرب الإسناد : ١٦٣ / ٥٩٦ ، الوسائل ٥ : ٣٨٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ٥ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٤ ، الوسائل ٥ : ٣٨٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ٥ ح ٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٥١ / ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ / ١١٠٧ ، الوسائل ٥ : ٣٨٧ أبواب الأذان والإقامة بـ ٦ ح ٤.

٦٩

النهار بأذان وإقامة » (١).

وفيه : « ولا بد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة ، في الحضر والسفر ، لأنه لا تقصير فيهما في حضر ولا سفر ، وتجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والإقامة والأذان في جميع الصلوات أفضل » (٢).

وصريحه ـ كظاهر البواقي ـ مساواة العشاء للظهرين في استحباب الأذان ، فما في المتن والشرائع (٣) ، وعبائر كثير (٤) ـ من تأكّده في العشاء ـ غير ظاهر الوجه ، عدا ما وجّه به في المعتبر والمنتهى : من أن الجهر دليل اعتناء الشارع بالتنبيه والإعلام ، وشرعهما لذلك (٥).

وفي الاستناد إليه ـ سيّما في مقابلة النصوص ـ إشكال ، إلاّ أن المقام مقام الاستحباب لا بأس فيه بمتابعة الأصحاب.

وهذه النصوص وإن أفادت الوجوب في الصلاتين لكنها محمولة على تأكّد الاستحباب ، جمعا بينها وبين الصحاح المستفيضة وغيرها ، وهي ما بين مطلقة للاستحباب ، كما مر (٦) ، والصحيح : « أنه عليه‌السلام كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذّن » (٧).

والصحيح : « يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان » (٨).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٥ ، الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٦ ح ١ وفيهما كما في « م » زيادة : « وتجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان ».

(٢) علل الشرائع : ٣٣٧ / ١ ، الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٦ ح ٢.

(٣) الشرائع ١ : ٧٤.

(٤) كما في روض الجنان : ٢٣٩ ، والذخيرة : ٢٥٢.

(٥) المعتبر ٢ : ١٣٥ ، المنتهى ١ : ٢٦٠.

(٦) في ص : ٦٧.

(٧) التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٥ ، الوسائل ٥ : ٣٨٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ٥ ح ٦.

(٨) التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٦ ، الوسائل ٥ : ٣٨٤ أبواب الأذان والإقامة بـ ٥ ح ٤.

٧٠

ومصرّح به في المغرب ، كالصحيح : عن الإقامة بغير أذان في المغرب ، فقال : « ليس به بأس ، وما أحبّ أن يعتاد » (١).

ولا قائل بالفرق بينها وبين الغداة ، فالقول بوجوبهما فيهما ـ كما عن العماني والمرتضى والإسكافي (٢) ـ ضعيف.

وأضعف منه مصير الأوّل إلى شرطيّتهما فيهما ، وبطلانهما بدونهما ، إذ لا أثر لذلك في النصوص المتقدمة وغيرها أصلا.

( وقاضي الفرائض الخمس ) اليومية ( يؤذّن ) ويقيم ( لأوّل ) صلاة من ( ورده ، ثمَّ يقيم لكل صلاة واحدة ) بلا خلاف ، للصحيحين (٣) ، والرضوي (٤) ، وغيرهما (٥).

( ولو جمع بين الأذان والإقامة لكلّ فريضة كان أفضل ) على المشهور بين الأصحاب ، بل لا خلاف فيه ممن يعتدّ به ، وفي الناصرية والخلاف عليه الإجماع (٦).

وهو الحجة ، مضافا إلى إطلاقات أكثر السنّة الواردة باستحباب الأذان والإقامة في الصلاة ، بل عموم بعضها ، وهو الصحيح المتقدم المتضمن لقوله‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥١ / ١٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ / ١١٠٨ ، الوسائل ٥ : ٣٨٧ أبواب الأذان والإقامة بـ ٦ ح ٦.

(٢) نقله عن العماني والإسكافي في المختلف : ٨٧ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٩.

(٣) الأول : الكافي ٣ : ٢٩١ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ / ٣٤٠ ، الوسائل ٥ : ٤٤٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٧ ح ١.

الثاني : التهذيب ٣ : ١٥٩ / ٣٤٢ ، الوسائل ٨ : ٢٥٤ أبواب قضاء الصلاة بـ ١ ح ٣.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٥ ، المستدرك ٤ : ٥١ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٩ ح ١.

(٥) مسند أحمد ١ : ٣٧٥ ، سنن ابن ماجه ٢ : ١٠٢٢ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٢ / ١٩٠٥ وفيهما بتفاوت ، سنن الترمذي ١ : ١١٥ / ١٧٩.

(٦) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٢ ، الخلاف ١ : ٢٨٢.

٧١

عليه‌السلام : « والإقامة والأذان في جميع الصلوات أفضل » (١) (٢).

ويعضده عموم الصحيح : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » (٣).

والموثق : عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : « نعم » (٤).

بل استدل بهما جماعة (٥) ، ولكن تنظّر فيهما آخرون بضعف السند ، وقصور الدلالة (٦).

ولعلّه في الأوّل من حيث إن المتبادر من قوله : « كما فاتته » أي بجملة أجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها ، دون الأمور الخارجية عنها.

وفي الثاني من حيث عدم الدلالة على تعدّد الصلاة المعادة ، بل ظاهره كونها واحدة ، وهي خارجة عن مفروض المسألة.

قيل (٧) : وهذا الوجه جار في الرواية الاولى. والثانية مع ذلك معارضة بمثلها سندا ، وفيه : كتبت إليه : رجل يجب عليه إعادة الصلاة ، أيعيدها بأذان وإقامة؟ فكتب : « يعيدها بإقامة » (٨).

ويمكن الذب عن الجميع بانجبار قصور السند بالعمل ، مع اختصاصه‌

__________________

(١) راجع ص : ٧٠.

(٢) خرج عنه المجمع على عدم شرعيتهما فيه ، كالنوافل وغيرها مما مضى وبقي الباقي. منه رحمه الله.

(٣) لم نعثر على صحيحة بهذا اللفظ ، بل هو موجود في عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ / ١٤٣ ، نعم ، ورد بلفظ : « يقضي ما فاته كما فاته » في صحيحة زرارة وفي سندها إبراهيم بن هاشم كما سيشير إليه الشارح. انظر الوسائل ٨ : ٢٦٨ أبواب قضاء الصلوات بـ ٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٦٧ / ٣٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٧٠ أبواب قضاء الصلاة بـ ٨ ح ٢.

(٥) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٦٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٧١.

(٦) كصاحبي المدارك ٣ : ٢٦٢ ، والحدائق ٧ : ٣٧٣.

(٧) انظر الحدائق ٧ : ٣٧٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٨٢ / ١١٢٤ ، الوسائل ٥ : ٤٤٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٧ ح ٢.

٧٢

بالأخير ، وإلاّ فالأوّل صحيح ، أو حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم.

ومنع اختصاص الكيفية المشبّه بها بالأمور الداخلة بعد الاتفاق على الاستدلال بالرواية على إثبات الأمور الخارجة عن الصلاة ـ مما هو شرط فيها ، كالطهارة عن الحدث والخبث ، والاستقبال ، وستر العورة ، ونحو ذلك ـ في الفائتة أيضا ، فتأمّل جدّا.

والرواية الثانية عامة في الصلاة المعادة لا مطلقة ، لترك الاستفصال في مقام جواب السؤال المفيد للعموم في المقال.

ومنه يظهر ما في دعوى ظهورها في الواحدة ، فإنها فاسدة ، كدعوى ظهور الصحيحة فيها أيضا ، وذلك لنظير ما عرفت ، وهو استدلال الأصحاب بها لإثبات كثير مما يعتبر في الحاضرة في الفائتة ، من دون تخصيص لها بالواحدة أو المتعدّدة.

والرواية المعارضة ـ مع قصور سندها وعدم جابر لها ـ متروكة الظاهر ، لدلالتها على استحباب الإقامة خاصّة مطلقا حتى في الأول من ورده ، ولا قائل به من الأصحاب ، ومع ذلك لا يعترض بها ما قابلها من الرواية المنجبرة بالعمومات والإجماعات المحكية والشهرة العظيمة.

ومن هنا يظهر فساد ما عليه بعض العامة : من أفضلية ترك الأذان في الصلاة الثانية فما فوقها من ورده (١).

وأضعف منه قول بعض متأخّري الطائفة : من عدم المشروعية ، لعدم ثبوت التعبّد به على هذا الوجه (٢) ، وذلك فإن التعبد ثابت بما قدّمناه من الأدلّة.

( و ) يستحب أن ( يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان واحد

__________________

(١) انظر المغني والشرح الكبير لابني قدامة ١ : ٤٤٥.

(٢) انظر المدارك ٣ : ٢٦٣.

٧٣

وإقامتين ) ونسبه في المنتهى إلى علمائنا ، قال : لأن يوم الجمعة يجمع فيه بين الصلاتين ويسقط ما بينهما من النوافل فيكتفي فيهما بأذان واحد (١).

أقول : وعلى هذا لا يختص سقوط الأذان للثانية بصلاة العصر يوم الجمعة ، بل يجزي في كل صلاتين جمع بينهما ، فإنه لا ينبغي أن يؤذّن للثانية إجماعا ، على الظاهر ، المصرّح به في الخلاف (٢). وبالحكم على العموم أيضا صرّح الفاضل في المنتهى (٣) ، وغيره من أصحابنا (٤) ، مستدلّين عليه بالصحيح : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان [ واحد ] وإقامتين » (٥) ونحوه آخر (٦).

والخبر : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام الظهر والعصر عند ما زالت الشمس بأذان وإقامتين (٧). ونحوها النبوي العامي (٨).

وإنما خص الماتن ظهري يوم الجمعة بالذكر ـ مع اشتراكهما لكل صلاتي فريضة جمع بينهما في سقوط الأذان لثانيتهما ـ لاختصاصهما باستحباب الجمع بينهما ، بناء على ما سيأتي في سنن الجمعة : من أن منها تقديم نوافلها على الزوال (٩) ، فلم يكن حينئذ بينهما نافلة أصلا ، وحيث لا نافلة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٦١.

(٢) الخلاف ١ : ٢٨٤.

(٣) المنتهى ١ : ٢٦١.

(٤) نهاية الشيخ : ١٠٧ ، الروضة البهيّة ١ : ٢٤٤.

(٥) التهذيب ٣ : ١٨ / ٦٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤٥ أبواب الأذان والإقامة بـ ٣٦ ح ٢. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٦ ، الوسائل ٤ : ٢٢٠ أبواب المواقيت بـ ٣٢ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٣ / ١٠٤٨ ، الوسائل ٤ : ٢١٩ أبواب المواقيت بـ ٣١ ح ٢.

(٨) سنن النسائي ٢ : ١٦.

(٩) انظر ص ٣٦٨.

٧٤

صدق الجمع ، كما في الموثق : سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : « الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع ، فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع » (١).

وفي الخبر : سمعته عليه‌السلام يقول : « إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع » (٢).

وبما ذكرنا ـ من الفرق بين ظهري الجمعة وغيرها ـ صرّح المفيد (٣) وغيره أيضا (٤) ، فقال في باب غسل ليلة الجمعة : والفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل قد ثبتت السنة به ، إلاّ في يوم الجمعة ، فإن الجمع بينهما أفضل وهو السنة.

ثمَّ إن ما في الموثق وغيره ـ من تحديد الجمع بأن لا يصلّى بينهما نافلة ـ قد صرّح به الحلّي (٥).

قيل : ويستفاد ذلك من الذكرى أيضا (٦) ، لكن لا يخفى أنه يعتبر مع ذلك صدق الجمع عرفا ، بحيث لا يقع بينهما فصل يعتدّ به ، ولا يتخلّل عوارض خارجة عن الأمور المرتبطة بالصلاة.

ويستفاد من بعض الأصحاب أن مناط الاعتبار في الجمع حصولهما في وقت فضيلة إحداهما ، وهو على إطلاقه مشكل (٧) ، كاحتمال تحقق التفريق‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٤ ، الوسائل ٤ : ٢٢٤ أبواب المواقيت بـ ٣٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٣ / ١٠٥٠ ، الوسائل ٤ : ٢٢٤ أبواب المواقيت بـ ٣٣ ح ٢.

(٣) المقنعة : ١٦٥.

(٤) كصاحب الحدائق ٧ : ٣٧٨.

(٥) السرائر ١ : ٣٠٤.

(٦) الذكرى : ١٧٤ ، وانظر الذخيرة : ٢٥٢.

(٧) قال به السبزواري أيضا في الذخيرة : ٢٥٢ ، ٢٥٣.

٧٥

بالتعقيب مطلقا. نعم لو طال بحيث صدق معه الوصف أمكن.

وعليه يحمل إطلاق المفيد استحباب الأذان لعصر يوم الجمعة بعد أن عقّب للأولى (١) ، وإلاّ فإبقاؤه على إطلاقه والحكم بحصول التفريق بمطلق التعقيب مشكل جدّا ، لأنهم يستحبون الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر ، والحكم باستحباب عدم التعقيب بعد صلاة الجمعة بعيد قطعا ، بل غير ممكن ، للتصريح باستحبابه في عبارة المفيد المشار إلى مضمونها.

( ولو صلّى ) قوم ( في مسجد جماعة ثمَّ جاء آخرون ) جاز أن يصلّوا جماعة أيضا ، ولكن ( لم يؤذّنوا ولم يقيموا ما دامت الصفوف باقية ) غير متفرقة ، على المشهور ، للنص : « في رجلين دخلا المسجد وقد صلّى علي عليه‌السلام بالناس ، فقال عليه‌السلام لهما : إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم » (٢).

وضعف السند مجبور بالعمل. وإطلاقه بسقوط الأذان والإقامة مقيّد ببقاء الصفوف ، بالإجماع والنصوص الأخر ، منها الموثق : قلت له : الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم ، أيؤذّن ويقيم؟ قال : « إذا كان دخل ولم يتفرق الصف صلّى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرق الصف أذّن وأقام » (٣). ونحوه غيره (٤).

وهي وإن اختصت بالمنفرد الخارج عن مفروض العبارة وكثير ، إلاّ أنه ملحق به عند جماعة (٥) ، معربين عن عدم الخلاف فيه إلاّ من ابن حمزة (٦) ،

__________________

(١) المقنعة : ١٦٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٥٦ / ١٩١ ، الوسائل ٨ : ٤١٥ أبواب صلاة الجماعة بـ ٦٥ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨١ / ١١٢٠ ، الوسائل ٥ : ٤٣٠ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٥ ح ١.

(٥) منهم الشهيد في الذكرى : ١٧٣ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٧٢ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٥ ، صاحب الحدائق ٧ : ٣٨٩.

(٦) الوسيلة : ١٠٦.

٧٦

وضعّفوه بالنصوص المزبورة ، والأولوية المستفادة من الرواية السابقة ، من حيث دلالتها على سقوط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانية التي يتأكّدان فيها ، بل قيل بوجوبهما فيها (١) ، فلئن يسقطا في المنفرد الذي لا يتأكّدان في حقه كتأكّدهما فيها بطريق أولى.

ومن هنا يظهر وجه تخصيصهم الخلاف بابن حمزة ، حيث خصّ السقوط بالجماعة الثانية ، مع أن عبائر الأكثر مختصة بها ، لزعمهم شمول عبائر الأكثر للمنفرد بالفحوى ، وبه صرّح في روض الجنان ، فقال : إنما خصّ المصنف الثانية بالجماعة لأنه يستفاد منها حكم المنفرد بطريق أولى (٢).

وفيه نظر ، لجواز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الحثّ على الاجتماع ثانيا ، وهي مفقودة في المنفرد.

فانحصر دليل الإلحاق في النصوص ، وأكثرها ضعيفة السند غير معلومة الجابر ، بعد اختصاص عبائر الأكثر بالجماعة الثانية.

والموثقة وإن اعتبر سندها ، إلاّ أنها معارضة بمثلها : في الرجل أدرك الإمام حين سلّم ، قال عليه‌السلام : « عليه أن يؤذّن ويقيم » (٣).

وهو الأوفق بالأصل ، والعمومات ، وظاهر فتوى الأكثر ، فليكن بالترجيح أحقّ.

وحمله على صورة التفرق ـ مع بعده عن السياق ـ لا وجه له بعد فرض رجحانه على الموثّقة السابقة.

__________________

(١) القائل المفيد في المقنعة : ٩٧ ، والشيخ في النهاية : ٦٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٩١.

(٢) روض الجنان : ٢٤١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٨٢ / ٨٣٦ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٥ ح ٥.

٧٧

لكن يمكن أن يقال : إنها معتضدة بباقي الروايات ، وفتوى الجماعة ، مع دعواهم عدم الخلاف إلاّ من ابن حمزة. ويعضدها استدلال جملة ممن اختص عبارته بالجماعة (١) بها وأمثالها ، وهي مختصة بالمنفرد ، كما عرفت ، فلو لا عدم الفرق بينه وبين الجماعة لخلا استدلالهم بها عن الوجه بالكلية.

وعليه فينبغي حمل الموثقة الأخيرة على الرخصة ، والنهي في النصوص الأخيرة على الكراهة ، جمعا بين الأدلّة. وهي ظاهر جماعة منهم الشيخ في ظاهر الخلاف وموضع من المبسوط (٢) ، وظاهره في التهذيب : المنع (٣) ، كالعبارة ونحوها ، واقتصر جماعة على السقوط المطلق المحتمل للأمرين (٤).

ولا ريب أن الترك أحوط ، خروجا عن شبهة القول بالتحريم ، مع معاضدته بما مر من الأخبار ، وصريح آخر : صلّينا الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض بالتسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ، فقال عليه‌السلام : « أحسنت ، ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع » فقلت : فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة ، قال : « يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام » (٥).

لكنه ـ مع ضعف سنده ـ يتوهم منه المنع عن الجماعة الثانية مطلقا ، ولو من غير أذان وإقامة ، كما هو ظاهر الفقيه (٦) ، وتبعه بعض متأخّري المتأخّرين (٧) ، وهو خلاف النص المتقدم والمعروف من مذهب الأصحاب ، بل‌

__________________

(١) كالشيخ في الخلاف ١ : ٥٤٣ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٦٠.

(٢) الخلاف ١ : ٥٤٢ ، المبسوط ١ : ١٥٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٥٥.

(٤) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٤١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٥٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٥ ، التهذيب ٣ : ٥٥ / ١٩٠ ، الوسائل ٨ : ٤١٥ أبواب صلاة الجماعة بـ ٦٥ ح ٢ ، وفي « لـ » : « ولا يبدو لهم إمام ».

(٦) الفقيه ١ : ٢٦٥.

(٧) المحدث الكاشاني في الوافي ٧ : ٦٠٨.

٧٨

لم ينقلوا فيه خلافه.

مع أنه معارض ببعض الأخبار الدالّة على كون السقوط رخصة لا عزيمة ، ففيه : عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم ، فقال : « ليس عليه أن يعيد الأذان ، فليدخل معهم في أذانهم ، فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان » (١).

وهل يختص الحكم بالمسجد ـ كما في ظاهر العبارة ، وصريح جماعة (٢) ـ أو يعمه وغيره؟

وجهان بل قولان ، أجودهما الأول ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن فتوى ورواية. وإطلاق بعضها يحتمل الورود مورد الغالب ، وهو وقوع صلاة الجماعة الأولى ـ التي هي مفروض المسألة ـ في المساجد.

ومنه يظهر الوجه في اشتراط اتحاد الصلاتين ـ الساقط من ثانيتهما الأذان ـ نوعا ، أداء وقضاء ، كما عن صريح النهاية والمبسوط والمهذب (٣). قال المحقق الثاني والشهيد الثاني : وهو متّجه إن كان قد تجدّد دخول وقت الصلاة الأخرى ، أما لو أذّنوا وصلّوا الظهر في وقت فالظاهر أنّ من دخل ليصلّي العصر حينئذ لا يؤذّن ، تمسكا بإطلاق الأخبار (٤).

أقول : وهو غير بعيد ، للشك في غلبة الاتحاد من جميع الوجوه.

( ولو انفضّت ) وتفرقت الصفوف ، بأن لا يبقى منهم ولو واحد ، كما يستفاد من بعض الروايات السابقة (٥) ، وصرّح به جماعة (٦) ، فيكون مبيّنا لباقي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢٩ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٥ ح ١.

(٢) كالشيخ في النهاية : ٦٥ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ١٣٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٦٠.

(٣) النهاية : ١١٨ ، المبسوط ١ : ١٥٢ ، المهذّب ١ : ٧٩.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ١٧٣ ، روض الجنان : ٢٤١.

(٥) راجع ص : ٧٨.

(٦) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٧٣ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٤١ ، والبحراني في الحدائق ٧ : ٣٨٨.

٧٩

الروايات المطلقة ، مع ظهور بعضها فيه ( أذّن الآخرون وأقاموا ) بلا خلاف ، للأصل ، وما مر من النصوص (١).

( ولو أذّن ) وأقام ( بنية الانفراد ثمَّ أراد الاجتماع استحب له الاستيناف ) لهما ، وفاقا للمشهور ، للموثق : في الرجل يؤذّن ويقيم ليصلي وحده ، فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة ، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : « لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (٢).

قال الشهيد في الذكرى : وبها أفتى الأصحاب ، ولم أر لها رادّا سوى الشيخ نجم الدين ، فإنه ضعّف سندها بأنهم فطحية ، وقرّب الاجتزاء بالأذان والإقامة أوّلا (٣).

وفيه إشعار بالإجماع على مضمون الخبر ، كعبارته في الدروس (٤) ، وعبارة المحقق الثاني في شرح القواعد (٥) ، وإن نقل الخلاف عن الفاضل في المنتهى أيضا (٦) ، وموافقة الماتن في الاجتزاء ، وبه صرّح في التحرير أيضا (٧) ، واحتجّا عليه : بأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره مع الانفراد فبأذان نفسه أولى ، ولا معارض له سوى الموثق ، وقد عرفت تضعيفه سندا في المعتبر وكذا في المنتهى (٨).

__________________

(١) في ص : ٧٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٢ أبواب الأذان والإقامة بـ ٢٧ ح ١.

(٣) الذكرى : ١٧٤.

(٤) الدروس ١ : ١٦٤.

(٥) جامع المقاصد ٢ : ١٧٣.

(٦) المنتهى ١ : ٢٦٠.

(٧) التحرير ١ : ٣٤.

(٨) المعتبر ٢ : ١٣٧ ، المنتهى ١ : ٢٦٠.

٨٠