رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

سبحان الله سبحا ن الله أجزأك ، والتسبيحة الواحدة تجزي للمعتلّ والمريض والمستعجل » (١).

واعلم أن القول بتعيّن التسبيح في كلّ من الركوع والسجود هو المشهور بين الأصحاب ، بل في الانتصار والخلاف والغنية (٢) الإجماع عليه.

( وقيل : يجزي مطلق الذكر فيه وفي السجود ) والقائل : الشيخ في المبسوط والجمل والحلّي (٣) ، نافيا الخلاف عنه ، وتبعهما أكثر المتأخرين ، للأصل ، والصحاح : يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أكبر؟ قال : « نعم ، كلّ هذا ذكر الله » (٤).

مضافا إلى التأيّد بالحسنين أو الصحيحين المتقدمين ، المتضمّنين لقوله عليه‌السلام : « يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسّلا » (٥) وقدرهن أعم من أن يكون من التسبيحة الكبرى أو مطلق الذكر فيهما.

مع أنّ عموم ما في الصحاح ممّا هو كالتعليل لإجزاء الذكر المخصوص فيها يدفع توهم جوازه خاصة بعد التسبيح ، كما عن الجامع والنهاية (٦).

وهذا القول في غاية المتانة ، لصراحة هذه الصحاح ، واعتضادها بالأصل ، والشهرة المتأخّرة ، وحكاية نفي الخلاف المتقدمة ، مع سلامتها عن معارضة الصحاح المتقدمة وغيرها من المعتبرة ، المتضمنة لبيان ما يجزي من‌

__________________

(١) الهداية : ٣٢ ، المستدرك ٤ : ٤٢٤ أبواب الركوع بـ ٤ ح ٤.

(٢) الانتصار : ٤٥ ، الخلاف ١ : ٣٤٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

(٣) المبسوط ١ : ١١١ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٦٠ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٢٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٠٧ أبواب الركوع بـ ٧.

(٥) راجع ص : ١٩٨ ، ١٩٩.

(٦) الجامع للشرائع : ٨٣ ، النهاية : ٨١.

٢٠١

التسبيح في الركوع والسجود ، إذ هو أعم من الأمر به والحكم بلزومه.

وأما ما تضمن الأمر به كالخبر : لمّا نزلت ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اجعلوها في ركوعكم » فلمّا نزلت : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اجعلوها في سجودكم » (١) أو أنه « من لم يسبّح فلا صلاة له » كالخبر (٢).

فمع ضعف سندهما ليسا نصّين في الوجوب ، فيحتملان الحمل على الفضيلة جمعا بين الأدلة ، وحذرا من إطراح الصحاح الصريحة ، فإن العمل بظاهر الأمر يوجب إطراحها بالكلية ، ولا كذلك لو حمل على الفضيلة ، فإنّ معه لا يطرح شي‌ء من أخبار المسألة ، هذا.

والمستفاد منها بعد ضمّ بعضها مع بعض أنّ الأصل في ذكري الركوع والسجود هو التسبيح ، وأن غيره من الأذكار مجز عنه ، ويمكن أن ينزل على هذا كلمة كلّ من عيّن التسبيح بإرادتهم كونه الأصل ، وإن ذكر بعضهم أنه لا صلاة لمن لا يسبّح ، لاحتمال إرادته نفي الصلاة مع عدم التسبيح وبدله ، ألا ترى إلى الصدوق أنه قال في الأمالي : إنه من دين الإمامية الإقرار بأن القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات ـ إلى أن قال ـ : ومن لم يسبّح فلا صلاة له إلاّ أن يهلّل أو يكبّر أو يصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدد التسبيح ، فإنّ ذلك يجزيه (٣).

وعلى هذا فلا خلاف والحمد لله تعالى. ولكن عدم العدول عن التسبيح أولى ، خروجا عن شبهة الخلاف المشهور تحققه بين أصحابنا ، وإن كان القول‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٦ / ذ. ح ٩٣٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٣ / ١٢٧٣ ، علل الشرائع : ٣٣٣ / ٦ ، الوسائل ٦ : ٣٢٧ أبواب الركوع بـ ٢١ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٠ / ٣٠٠ ، الوسائل ٦ : ٣٠٠ أبواب الركوع بـ ٤ ح ٥.

(٣) أمالي الصدوق : ٥١٢.

٢٠٢

بكفاية مطلق الذكر لعلّه أقوى.

وعليه فهل يكفي مطلقه ولو مقدار تسبيحة صغرى ، ككلمة لا إله إلاّ الله وحدها ، كما هو ظاهر إطلاق الصحاح وأكثر الفتاوى ، أم يتعيّن منه مقدار ثلاث صغريات أو واحدة كبرى ، كما هو ظاهر كلام الصدوق المتقدم ، والحسنين المتضمنين لإجزاء الثلاث الصغريات أو قدرها (١)؟

وجهان ، ولعلّ الثاني أظهر وأولى ، حملا لمطلق النصوص على مقيّدها.

( و ) الرابع والخامس ( رفع الرأس ) منه ( والطمأنينة في الانتصاب ) إجماعا على الظاهر المستفيض النقل في جملة من العبائر (٢) ، وللتأسي ، والنصوص ، منها : « إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك ، فإنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه » (٣).

ونحوه الرضوي (٤) لكن من دون زيادة : « فإنه لا صلاة ».

وظاهر إطلاقها الركنية ، كما عليه الشيخ في الخلاف ، مدعيا عليه الوفاق (٥) ، ويعضده القاعدة في نحو العبادة التوقيفية ، إلاّ أن المشهور خلافه ، بل لا يكاد يعرف فيه مخالف سواه ، ولعله شاذّ ، وسيأتي الكلام فيه في بحث الخلل الواقع في الصلاة (٦).

ولا فرق في إطلاق النص والفتوى بين صلاتي الفريضة والنافلة ، خلافا للفاضل في النهاية ، فقال : لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع والسجود في‌

__________________

(١) راجع ص ١٩٧ ، ١٩٨.

(٢) كما نقله في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، والتذكرة ١ : ١١٩ ، وجامع المقاصد ٢ : ٢٨٨ ، والمفاتيح ١ : ١٣٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٠ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٧٨ / ٢٩٠ ، الوسائل ٦ : ٣٢١ أبواب الركوع بـ ١٦ ح ٢.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٢ ، المستدرك ٤ : ٤٣١ أبواب الركوع بـ ١٢ ح ١.

(٥) الخلاف ١ : ٣٥١.

(٦) في ج ٤ ص : ١٠٧.

٢٠٣

صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته ، لأنه ليس ركنا في الفرض وكذا في النفل (١).

وهو كما ترى ، مع أنه شاذّ لا يرى له موافق من الأصحاب.

ويكفي في هذه الطمأنينة مسمّاها اتفاقا.

( و ) من ( السنة فيه : أن يكبّر له ) قائما قبل الهوي ( رافعا يديه ، محاذيا بهما وجهه ) كغيره من التكبيرات ( ثمَّ يركع بعد إرسالهما ، و) أن ( يضعهما على ) عيني ( ركبتيه ) حالة الذكر أجمع ، مالئا كفيه منهما.

( مفرّجات الأصابع ، رادّا ركبتيه إلى خلفه ، مسوّيا ظهره ) بحيث لو صبّت عليه فطرة ماء لم تزل لاستوائه ( مادّا عنقه ) مستحضرا فيه : آمنت بك ولو ضربت عنقي.

( داعيا أمام التسبيح ) بالمأثور.

( مسبّحا ثلاثا كبرى ) أي : سبحان ربي العظيم وبحمده ( فما زاد ) فقد عدّ لمولانا الصادق عليه‌السلام في الركوع والسجود ستّون تسبيحة ، كما في الصحيح (٢) ، وفي الخبر : دخلنا عليه عليه‌السلام وعنده قوم وقد كنّا صلّينا ، فعددنا له في ركوعه وسجوده : سبحان ربي العظيم وبحمده أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرّة (٣).

وفي الموثق : « ومن كان يقوى على أن يطوّل الركوع والسجود فليطوّل ما استطاع ، يكون ذلك في تحميد الله تعالى وتسبيحه وتمجيده والدعاء والتضرع » (٤) الحديث.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٤٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٩ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩٩ / ١٢٠٥ ، الوسائل ٦ : ٣٠٤ أبواب الركوع بـ ٦ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٩ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٠ / ١٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٥ / ١٢١٤ ، الوسائل ٦ : ٣٠٤ أبواب الركوع بـ ٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٧ ، الوسائل ٦ : ٣٠٥ أبواب الركوع بـ ٦ ح ٤.

٢٠٤

إلاّ أن يكون إماما ، فلا يزيد على الثلاث إلاّ مع حبّ المأمومين الإطالة.

وظاهر الأكثر الاقتصار على السبع ، للخبر (١) ، وفيه ضعف سندا ودلالة ، وفي آخر على التسع (٢).

( قائلا بعد انتصابه : سمع الله لمن حمده ، داعيا بعده ) بالمأثور.

كلّ ذلك للنصوص ، ففي الصحيح المتضمن لفعل مولانا الصادق عليه‌السلام تعليما لحمّاد : ثمَّ رفع يديه حيال وجهه وقال : « الله أكبر » وهو قائم ، ثمَّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه ، ثمَّ سوّى ظهره حتى لو صبّ عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه وغمض عينيه ثمَّ سبح ثلاثا ، فقال : « سبحان ربي العظيم وبحمده » (٣) الحديث.

وفي آخر « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثمَّ اركع وقل : ربّ لك ركعت ، ولك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكّلت ، وأنت ربي ، خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعصبي وعظامي وما أقلّته قدماي ، غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر ، سبحان ربي العظيم وبحمده ، ثلاث مرّات في ترسّل ، وصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلّع (٤) بأطراف أصابعك [ عين الركبة وفرّج أصابعك ] (٥). إذا وضعتها على ركبتيك ( إلى أن قال : وأحبّ إليّ أن تمكّن كفيك من ركبتيك‌

__________________

(١) المتقدم في ص ١٩٩.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٦ ، المستدرك ٤ : ٤٢٣ أبواب الركوع بـ ٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣١١ / ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ / ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ / ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ١.

(٤) في « م » و « لـ » والوسائل : بلّغ بالمعجمة ، وفي التهذيب : تلقم.

(٥) أضفناها من المصادر.

٢٠٥

فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرّج بينهما ) (١) وأقم صلبك ، ومدّ عنقك ، وليكن نظرك إلى ما بين قدميك ثمَّ قل : سمع الله لمن حمده ـ وأنت منتصب قائم ـ الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة ، الحمد (٢) لله ربّ العالمين ، تجهر بها صوتك ، ثمَّ ترفع يديك بالتكبير وتخرّ ساجدا » (٣).

ولا يجب شي‌ء من ذلك على المشهور ، بل لا خلاف فيه أجده إلاّ من العماني والديلمي في التكبير فأوجباه (٤). وللمرتضى ، فأوجب رفع اليدين فيه وفي كل تكبير (٥). وقد مضى ضعف الثاني (٦).

وأما الأوّل فيضعّفه شذوذه أوّلا ، ودعوى الذكرى استقرار الإجماع على خلافه (٧) ثانيا ، وتصريح جملة من النصوص بعدم الوجوب ، منها الموثق : عن أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة ، قال : « تكبيرة واحدة » (٨).

والمروي في علل الفضل : أن التكبير المفروض في الصلاة ليس إلاّ واحدة (٩) وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل والأصل.

فيصرف بها ظاهر الأمر ، مع وروده في ضمن كثير من الأوامر المستحبة‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليست موجودة في مصادر هذا الصحيح ، والظاهر وقوع الخلط بينه وبين الصحيح الآخر ، وهو في الكافي ٣ : ٣٣٤ / ١ ، والتهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٨ ، والوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ٣.

(٢) كلمة الحمد ليست في الكافي والوسائل و « م ».

(٣) الكافي ٣ : ٣١٩ / ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٩ ، الوسائل ٦ : ٢٩٥ أبواب الركوع بـ ١ ح ١.

(٤) نقله عن العماني في المختلف : ٩٦ ، الديلمي في المراسم : ٦٩.

(٥) الانتصار : ٤٤.

(٦) راجع ص : ١٢٦.

(٧) الذكرى : ١٩٨.

(٨) التهذيب ٢ : ٦٦ / ٢٣٨ ، الوسائل ٦ : ١٠ أبواب تكبيرة الإحرام بـ ١ ح ٥.

(٩) الذي عثرنا عليه في علل الفضل هكذا : « فإن قال : فلم جعل في الاستفتاح سبع تكبيرات؟

قيل : لأن الفرض منها واحد وسائرها سنة .. » علل الشرائع : ٢٦١.

٢٠٦

إجماعا ، وهو موجب للتزلزل في الظهور جدّا.

( ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه ) كما ذكره الجماعة (١) ، وفاقا للمبسوط (٢) ، ومستنده غير معلوم ، نعم في الموثق : في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه ، قال : « إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس ، وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك ، وإن أدخل يدا واحدة ولم يدخل الأخرى فلا بأس » (٣).

وهو غير مطابق لما ذكروه ، لعدم اختصاصه بالركوع ونفيه البأس إذا كان عليه مئزر أو سراويل ، كما عن الإسكافي (٤).

وعن الحلبي إطلاق الكراهة ، ملحقا الكمّين بالثياب (٥).

ويدفعه الصحيح : عن الرجل يصلّي ولا يخرج يديه عن ثوبه ، قال : « إن أخرج يديه فحسن ، وإن لم يخرج فلا بأس » (٦).

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٨٥ ، والعلامة في الإرشاد ١ : ٢٥٥ ، والشهيد الأوّل في الذكرى : ١٩٨.

(٢) المبسوط ١ : ١١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٥ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ / ١٤٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ / ١٤٩٤ ، الوسائل ٤ : ٤٣٢ أبواب لباس المصلي بـ ٤٠ ح ٤.

(٤) على ما نقله عنه في الذكرى : ١٩٨.

(٥) الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٦) الفقيه ١ : ١٧٤ / ٨٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ / ١٤٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩١ / ١٤٩١ ، الوسائل ٤ : ٤٣١ أبواب لباس المصلي بـ ٤٠ ح ١.

٢٠٧

( السادس : السجود )

( ويجب في كل ركعة ) من فريضة أو نافلة ( سجدتان ) بالنص والإجماع ، بل الضرورة من الدين.

( وهما ) معا ( ركن في الصلاة ) تبطل بالإخلال بهما إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في المعتبر والتذكرة والمنتهى (١) وغيرها (٢) ، ولصحيح : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (٣) ونحوه غيره (٤).

وكذا بزيادتهما مطلقا ، للقاعدة المستندة إلى الاعتبار ، والأخبار ، منها ـ زيادة على ما مرّ في النهي عن قراءة العزيمة في الفريضة (٥) ـ الصحيح : « إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا » (٦). والموثق القريب منه : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (٧).

خلافا للشيخ في جملة من كتبه ، فجعلهما ركنين في الأوليين وثالثة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٠٦ ، التذكرة ١ : ١١٠ ، المنتهى ١ : ٢٨٦.

(٢) كنهاية الإحكام ١ : ٤٨٧ ، والمفاتيح ١ : ١٤١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع بـ ١٠ ح ٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١ ، الوسائل ٦ : ٩١ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٢٩ ح ٥.

(٥) راجع ص ١٥٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٨ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ١٩ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ١٩ ح ٢.

٢٠٨

المغرب خاصة (١). وسيأتي الكلام معه في بحث الخلل الواقع في الصلاة إن شاء الله تعالى (٢).

ولا تبطل بالإخلال بإحداهما ولا زيادتها سهوا مطلقا ، على الأشهر الأقوى ، بل في التذكرة والذكرى الإجماع عليه في الصورة الأولى (٣) ، للمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام ، فذكر وهو قائم أنه لم يسجد ، قال : « فليسجد ما لم يركع ، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلّم ثمَّ يسجدها ، فإنها قضاء » (٤) ونحوه آخر (٥) والموثق (٦) وغيره (٧).

وفي الموثق : « لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » (٨).

وفي آخر : « والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة » (٩).

خلافا للمحكي عن الكليني وظاهر العماني (١٠) ، فتبطل بالإخلال مطلقا ، للخبر : في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، فقال : « إذا ذكرها قبل ركوعه‌

__________________

(١) انظر المبسوط ١ : ١٢٠ ، والتهذيب ٢ : ١٥٤.

(٢) راجع ج ٤ ص : ١٠١ ، ١٠٢.

(٣) التذكرة ١ : ١٣٨ ، الذكرى : ٢٠٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦١ ، الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب السجود بـ ١٤ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب السجود بـ ١٤ ذيل الحديث ٤.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦٢ ، الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب السجود بـ ١٤ ح ٢.

(٧) قرب الإسناد : ١٩٤ / ٧٣٣ ، الوسائل ٦ : ٣٦٧ أبواب السجود بـ ١٤ ح ٨.

(٨) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١٠ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ أبواب الركوع بـ ١٤ ح ٢.

(٩) التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١١ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ أبواب الركوع بـ ١٤ ح ٣.

(١٠) الكليني في الكافي ٣ : ٣٦١ ، وحكاه عن العماني في المختلف : ١٣١.

٢٠٩

سجدها وبنى على صلاته ، ثمَّ يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأوليين والأخيرتين سواء » (١).

وهو ـ مع ضعف سنده بالإرسال وغيره ، ومعارضته بما تقدم مما هو أرجح سندا وعددا وعملا ـ غير صريح بل ولا ظاهر في المخالفة ، لاحتمال السجدة المنسية فيها السجدتين لا الواحدة ، بقرينة تعريفها باللام المفيدة للجنسية ، قال الشيخ : ولأجل هذا قال : « ونسيان السجدة في الأوليين والأخيرتين سواء » يعني في السجدتين معا (٢). وكيف كان فيتعين حمله على ذلك جمعا ، وإرجاعا له إلى الراجح.

وللمحكي عن الأوّل والسيد في الجمل والحلبيين والحلّي (٣) ، فتبطل بالزيادة ، للقاعدة وما بعدها من المعتبرة ، وهو في غاية القوة لو لا الموثقان المتقدمان الظاهر ان في عدم البطلان بها ، بل الثاني صريح فيه ، لاعتضادهما بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا ، بل هو إجماع في الحقيقة.

مضافا إلى فحوى ما دلّ على عدمه بالإخلال بواحدة من الفتوى والرواية ، فتدبّر وتأمّل.

وللشيخ في ظاهر التهذيب ومحتمل الاستبصار (٤) ، فوافق العماني في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٤ / ٦٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦٣ ، الوسائل ٦ : ٣٦٦ أبواب السجود بـ ١٤ ح ٥.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٥٩.

(٣) الكليني في الكافي ٣ : ٣٦١ ، ولم نجده في النسختين المطبوعتين من جمل السيد ، ولكنه موجود في متن الجمل المطبوع في ضمن شرحه للقاضي : ١٠٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١١٩ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٥ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٥٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩.

٢١٠

البطلان بالإخلال بالواحدة إذا كانت من الأوليين ، والأصحاب إذا كانت من الأخيرتين ، للصحيح : « إذا تركت السجدة في الركعة الأولى فلم تدر واحدة أو ثنتين استقبلت حتى يصحّ لك ثنتان ، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد ان تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود » (١).

وفيه ـ مع إجماله كما بيّنته في الشرح ـ قصور عن مقاومة ما مر ، لاعتضاده بعد الكثرة بالأصل والشهرة العظيمة ، مضافا إلى صريح بعض الأخبار المنجبر ضعفه بها : عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها ، فقال : « إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلاّ مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة وليس عليك سهو » (٢) فتأمل (٣).

مع أن ظاهره اختصاص الحكم بالبطلان بتركها بالركعة الاولى وعدمه فيما عداها ، كما يحكى عن والد الصدوق والإسكافي (٤).

نعم ربما يعضده تظافر الأخبار بأنه لا سهو في الأوليين ، وأنه لا بدّ من سلامتهما (٥) ، لكنها محمولة على الشك في الأعداد خاصة ، جمعا بين الأدلّة.

( وواجباته ) أمور ( سبعة )

الأول : ( السجود على الأعضاء السبعة ) يعني ( الجبهة ، والكفّين ، والركبتين ، وإبهامي الرجلين ) بلا خلاف فيه بيننا أجده إلاّ من المرتضى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٩ / ٣ ( وفيه صدر الحديث ) ، التهذيب ٢ : ١٥٤ / ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ / ١٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب السجود بـ ١٤ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ / ١٣٦٥ ، الوسائل ٦ : ٣٦٦ أبواب السجود بـ ١٤ ح ٦.

(٣) وجهه : تضمّنه لما لا يقول به الأصحاب من الاعتداد بالشك بعد التجاوز عن المحلّ ، ومن نفي سجدتي السهو عن تارك السجدة الواحدة ، مع أن ظاهرهم الإجماع على خلافه. منه رحمه الله.

(٤) حكاه عنهما في المختلف : ١٣١.

(٥) انظر الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ١.

٢١١

والحلّي ، فجعلا عوض الكفّين المفصل عند الزندين (١). وهما شاذّان ، بل على خلافهما الإجماع في الخلاف والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني وعن التذكرة (٢) ، وهو الحجة.

مضافا إلى النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين ، وترغم بأنفك إرغاما ، فأمّا الفرض فهذه السبعة ، وأما الإرغام بالأنف فسنّة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣) ونحوه آخر ، مبدّلا فيه اليدين بالكفين (٤).

ومن جماعة من القدماء ، فجعلوا عوض الإبهامين أصابع الرجلين ، كما في كلام جملة منهم (٥) ، أو أطرافهما ، كما في كلام آخرين (٦).

وفيه ما في سابقة ، مع عدم وضوح مستندهما عدا ما يحكى من القاضي في شرح الجمل (٧) ، من نقله الإجماع على الأول في ظاهر كلامه ، وما ورد في بعض الأخبار من لفظ الرجلين ، أو أطراف أصابعهما (٨).

والأوّل ـ مع عدم صراحته بل ولا ظهوره ، كما لا يخفى على المراجع‌

__________________

(١) المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٢ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٢٥.

(٢) الخلاف ١ : ١٢٣ ، الذكرى : ٢٠١ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٠٠ ، التذكرة ١ : ١٢٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٩ / ١٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ / ١٢٢٤ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب السجود بـ ٤ ح ٢.

(٤) الخصال : ٣٤٩ / ٢٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب السجود بـ ٤ ذيل الحديث ٢.

(٥) كالشيخ في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٩٤.

(٦) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، الحلبي في الكافي : ١١٩ ، الشيخ في المبسوط ١ : ١١٢.

(٧) شرح جمل العلم والعمل : ٩٠.

(٨) هناك خبران ورد أحدهما بلفظ الرجلين كما في قرب الإسناد : ٢٢ / ٧٤ ، الوسائل ٦ : ٣٤٥ أبواب السجود بـ ٤ ح ٨. والثاني ورد بلفظ أطراف أصابعهما كما في عوالي اللئالي ١ : ١٩٦ / ٥ ، المستدرك ٤ : ٤٥٥ أبواب السجود بـ ٤ ح ٣.

٢١٢

لكلامه ـ موهون بمصير الأكثر ، بل الكل على خلافه ، ومعارض بأجود منه.

والثاني ـ مع عدم سلامة سنده ـ مطلق ، والصحيحان المتقدمان مقيّدان ، فيجب حمله عليهما جمعا.

ويكفي فيما عدا الجبهة المسمّى ، على الأشهر الأقوى ، بل في المدارك والذخيرة أنه لا نعرف فيه خلافا (١) ، مع أنه تردّد في المنتهى في كفايته في الكفّين ، قال : والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل (٢).

وهو كما ترى ، فإنّ ما دلّ عليها فيها يدلّ عليها هنا بالفحوى ، مؤيدا بإطلاق الأمر ، والخبر المروي عن تفسير العياشي عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أنه سأله المعتصم عن [ السارق ] (٣) من أيّ موضع يجب أن يقطع؟

فقال : « إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف » قال : وما الحجة في ذلك؟ قال : « قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السجود على سبعة أعضاء : الوجه ، واليدين ، والركبتين ، والرجلين ، فإذا قطعت اليدين دون المرفق لم يبق له يد يسجد عليها » (٤) الخبر.

وهو صريح في عدم وجوب السجود على الأصابع.

وكذا فيها ، على الأشهر الأقوى ، للإطلاق ، والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا مسّ شي‌ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه » (٥) ونحوه آخران ، والموثق ، والخبران (٦).

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤٤٠ ، الذخيرة : ٢٨٦.

(٢) المنتهى ١ : ٢٩٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ح » و « لـ » و « ش » : المازني ، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٣١٩ / ١٠٩ ، المستدرك ٤ : ٤٥٤ أبواب السجود بـ ٤ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٦ / ٨٣٣ ، التهذيب ٢ : ٨٥ / ٣١٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب السجود بـ ٩ ح ١.

(٦) الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب السجود بـ ٩.

٢١٣

خلافا للصدوق والحلّي والشهيد في الدروس وموضع من الذكرى (١) ، فأوجبوا مقدار الدرهم ، قال في الأخير : لتصريح الخبر وكثير من الأصحاب به ، فيحمل المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيد.

وهو أعرف بما قال ، إذ لم نقف على الخبر ولا الكثير من الأصحاب.

وفي المدارك : ولعلّ مستنده ما رواه زرارة في الحسن ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة » (٢). والإجزاء إنّما يستعمل في أقل الواجب (٣).

ولم أعرف وجه دلالته أصلا ، بل هو بالدلالة على خلافه أشبه وأخرى ، كما اعترف به أخيرا ، فقال : ومقتضاها الاكتفاء بقدر طرف الأنملة وهو دون الدرهم ، والأجود حملها على الاستحباب.

وفي الصحيح : عن المرأة تطول قصّتها ، فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطّيه الشعر ، هل يجوز ذلك؟ قال : « لا ، حتى تضع جبهتها على الأرض » (٤).

وظاهره إيجاب تمام الجبهة كما يحكى عن الإسكافي (٥) ، مع أن جماعة اعترفوا بعدم قائل به (٦). ولعلّه لذا استدل به على القول بالدرهم ، ولا دلالة فيه‌

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ٢٦ ، الحلي في السرائر : ٢٢٥ ، الدروس ١ : ١٨٠ ، الذكرى : ٢٠١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٣ / ١ ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب السجود بـ ٩ ح ٥.

(٣) المدارك ٣ : ٤٠٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٣ / ١٢٧٦ ، قرب الإسناد : ٢٢٤ / ٨٧٤ ، الوسائل ٥ : ٣٦٣ أبواب ما يسجد عليه بـ ١٤ ح ٥.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ٢٠١.

(٦) منهم صاحب المدارك ٣ : ٤٠٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٨٦ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٢٨٢.

٢١٤

على اعتباره. والحمل عليه بعد عدم الاكتفاء بما حصل من الجبهة على الأرض ليس أولى من حمل ما وقع على ما دون المسمّى والأمر بوضع المسمى.

مع أن ظاهره اعتبار جميع الجبهة ، ولم يوجبه أحد ، فليحمل على الاستحباب جمعا ، ولصريح الموثقة : « الجبهة إلى الأنف أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك ، والسجود عليه كله أفضل » (١).

( و ) الثاني ( وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ) مما مرّ في المقدمة السادسة مع دليله (٢).

( و ) الثالث ( أن ) ينحني بحيث ( لا يكون موضع السجود عاليا ) من الموقف ( بما يزيد عن ) قدر ( لبنة ) بكسر اللام فسكون الباء ، أو فتحها فكسرها ، بإجماعنا الظاهر ، المحكي في كثير من العبائر (٣) ، وللمرسل المروي في الكافي : « إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس » (٤) : ونحوه الخبر (٥) ، بل الحسن ، لكن فيه : « بدنك » بدل رجليك بالباء ثمَّ النون ، وربما يوجد في بعض النسخ بياءين مثنّاتين من تحت ، فلا يفيد العلوّ على الموقف ، فالاستدلال به لذلك مشكل وإن اتفق لجمع (٦).

وربما يشكل من وجه آخر يجري أيضا في المرسل لو لا الجبر بالإجماع ، وهو أن غايتهما ثبوت البأس مع العلوّ زيادة عن اللبنة ، وهو كما يحتمل التحريم يحتمل الكراهة ، لكن الإجماع جابر معيّن للأوّل.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٨ / ١١٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ / ١٢٢١ ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب السجود بـ ٩ ح ٣.

(٢) راجع ص : ٣٩ ـ ٥٢.

(٣) كما في المنتهى ١ : ٢٨٨ ، والذكرى : ١٦٠ ، والمدارك ٣ : ٤٠٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٣ / ذيل الحديث ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب السجود بـ ١١ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٣ / ١٢٧١ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب السجود بـ ١١ ح ١.

(٦) منهم العلاّمة في المنتهى ١ : ٢٨٨ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٠٧ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٢٨٤.

٢١٥

مضافا إلى أن الانحناء بهذا القدر غير معلوم كونه سجودا مأمورا به شرعا ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن ، وهو ما لا يزيد عن اللبنة جدّا.

بل الأحوط التساوي بين المسجد والموقف بحيث لا يزيد بقدرها أيضا. بل ربما قيل بوجوبه (١) ، للصحيح : عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من مقامه ، قال : « لا ، وليكن مستويا » (٢) وهو محمول على الندب جمعا ، ولظاهر الصحيح : « إني أحبّ أنّ أضع وجهي في موضع قدمي » (٣).

ويلحق الانخفاض بالارتفاع عند جماعة (٤) ، للموثق : في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض ، فقال : « إن كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض ، وإن كان أكثر من ذلك فلا » (٥).

وقيل بجواز الانخفاض مطلقا ، وحكي عن الفاضل في النهاية (٦) ، قيل : ونقل في التذكرة الإجماع عليه (٧).

ويدل عليه بعده صدق السجود معه ، فيحصل الامتثال ، فيمكن حمل الموثق على الاستحباب.

ومنهم من ألحق بالجبهة بقية المساجد (٨). ولا ريب أنه أحوط ، وإن كان مستنده بعد لم يظهر.

__________________

(١) قال به ابن الجنيد على ما نقله عنه في الذكرى : ٢٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٣ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٨٥ / ٣١٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٧ أبواب السجود بـ ١٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٥ / ٣١٦ ، الوسائل ٦ : ٣٥٧ أبواب السجود بـ ١٠ ح ٢.

(٤) منهم الشهيد الأول في البيان : ١٦٨ ، الشهيد الثاني في الروض : ٢٧٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٠٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤١١ / ١٣ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ / ٩٤٩ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب السجود بـ ١١ ح ٢.

(٦) نهاية الإحكام ١ : ٤٨٨ ، وقال به السبزواري في الذخيرة : ٢٨٥.

(٧) التذكرة ١ : ١٢١.

(٨) كالشهيد في الذكرى : ٢٠٢.

٢١٦

ولو وقعت الجبهة على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه تخيّر بين رفعها وجرّها إلى موضع الجواز ، لعدم تحقق السجود على ذلك القدر.

وأما لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه مع كونه مساويا للموقف أو مخالفا بقدر المجزي لم يجز رفعها ، حذرا من تعدّد السجود ، بل يجرّها إلى موضع الجواز ، وفي الصحيح : « عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته على الأرض ، فقال : « يحرّك جبهته فينحّي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه » (١).

والخبر المخالف له (٢) ضعيف الإسناد فلا يعبأ به ، مع معارضته بأجود منه بحسب السند ، والاعتضاد بالأصل.

وأما النصوص في المنع عن المرتفع وجوازه فهي مطلقة (٣) ، إلاّ أن حملها على التفصيل المتقدم طريق الجمع بينها ، والجامع الدليل المتقدم المعتضد بفتوى الأكثر ، بل قيل (٤) : لا خلاف فيه يعرف إلاّ من صاحبي المدارك والذخيرة ، حيث عملا بإطلاق الخبر المانع ، لصحته وضعف مقابله (٥).

ولكن الأحوط ما ذكراه ، لا لما ذكراه من صحة الخبر المانع (٦) ، فإنّ فيها كلاما مشهورا ، من حيث تضمّن سنده محمد بن إسماعيل عن الفضل بن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٢ / ١٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ / ١٢٤٠ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب السجود بـ ٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٠ / ١٢٦٠ ، الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب السجود بـ ٨ ح ٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب السجود بـ ٨ ح ١ ، ٢ ، ٤.

(٤) الحدائق ٨ : ٢٨٧.

(٥) المدارك ٣ : ٤٠٨ ، الذخيرة : ٢٨٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٣ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ / ١٢٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ / ١٢٣٨ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب السجود بـ ٨ ح ١.

٢١٧

شاذان ، والأوّل مجهول على المشهور ، وإن عدوّا السند الذي هو فيه صحيحا أو قريبا منه ، بل لتوقف ما مرّ من دليل الجواز في صورته على عدم صدق السجود على الانحناء المفروض فيها ، وكونه حقيقة في الانحناء إلى الوضع على ما يساوي الموقف فصاعدا إلى قدر اللبنة ، وهو مشكل.

وإثباته بما دلّ على المنع عن الوضع على الزائد عنها غير ممكن ، لأن غايته المنع ، ويمكن أن يكون وجهه فوات بعض واجبات السجود لا نفسه ، نعم ذلك حسن حيث لا يصدق السجود معه عرفا ، وأما معه فمشكل. ولا ريب أن الأحوط حينئذ عدم الرفع ، وكذا الموضع الذي يشك في الصدق وعدمه ، مع احتمال جواز الرفع هنا ، كصورة عدم الصدق قطعا ، ولكن الأحوط عدم الرفع مطلقا ، خروجا عن شبهة الخلاف نصّا وفتوى.

( ولو تعذّر الانحناء ) الواجب أتى بالممكن منه و ( رفع ما يسجد عليه ) ليسجد عليه بلا خلاف فيه على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (١) ، وظاهر المعتبر والمنتهى دعوى الإجماع عليه (٢).

وهو الحجة ، مضافا إلى عموم النصوص بعدم سقوط الميسور بالمعسور (٣) ، وخصوص النصوص ، منها ـ مضافا إلى فحوى الموثق الآتي وغيره ـ الخبر : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ، ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال عليه‌السلام : « ليوم برأسه إيماء ، وإن كان له من يرفع له الخمرة فليسجد ، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة » (٤).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٩١ ، الذخيرة : ٢٦٣ ، الحدائق ٨ : ٨١.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٠٨ ، المنتهى ١ : ٢٨٨.

(٣) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٨ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ / ٩٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٧٥ أبواب السجود بـ ٢٠ ح ١.

٢١٨

وفي الحسن أو الصحيح : « لا يصلّي على الدابة فريضة إلاّ مريض يستقبل بوجهه القبلة ويجزيه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء ، ويومئ في النافلة إيماء » (١).

وأما الصحيحان المخالفان لذلك ، كما يأتي ، فشاذّان مطرحان ، أو مؤوّلان بما يأتي.

وإن تعذّر رفع ما يسجد عليه اقتصر على الانحناء ، وإن تعذّر رأسا أومأ برأسه إن أمكن ، وإلاّ فبعينيه مع الإمكان ، وإلاّ فبواحدة.

وهل يجب مع ذلك رفع ما يسجد عليه إلى الجبهة مع الإمكان؟ قولان ، أجودهما الأوّل ، للعموم المتقدم ، مضافا إلى خصوص النصوص ، منها الموثق : عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : « فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد » (٢). ونحوه المرسل في الفقيه (٣).

والمروي في قرب الإسناد : عن المريض الذي لا يستطيع القعود ولا الإيماء ، كيف يصلّي وهو مضطجع؟ قال : « يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه » (٤).

وقيل : لا ، للأصل ، وخلوّ كثير من الأخبار والفتاوى عنه (٥).

ويندفعان بما مر.

ولظاهر الصحيح : عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ، قال :

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠٨ / ٩٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة بـ ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٦ / ٩٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٢ أبواب القيام بـ ١ ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٥ أبواب القيام بـ ١ ح ١٤.

(٤) قرب الإسناد : ٢١٣ / ٨٣٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٧ أبواب القيام بـ ١ ح ٢١.

(٥) انظر المدارك ٣ : ٣٣٣.

٢١٩

يومئ برأسه إيماء ، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ » (١) وبمعناه آخر (٢).

وموردهما وضع الجبهة على الأرض لا العكس ، كما هو محل البحث.

وما يقال في توجيهه : بأن حملهما على ظاهرهما مصادم لوقوع الشهرة على خلافهما فيجب صرفهما وحملهما على وضع الأرض وما يجري مجراها على الجبهة.

فبعيد ، ومع ذلك فغير نافع ، مع إمكان التوجيه بغير ذلك مما لا يخالفان معه الإجماع أيضا ، وقد ذكرناه في الشرح.

وأما الخبر : عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟ فقال : « لا ، إلاّ أن يكون مضطرّا ليس عنده غيرها » (٣) فمع قصور سنده لا يخالف ما ذكرناه من وجوب الرفع ، فإنه إنما يفيد كراهية إمساك المرأة إذا وجد غيرها ، كما عن المقنع (٤) ، وكذا في المقنعة (٥) ، لكن من دون تقييد بالمرأة ، بل أطلق كراهة وضع الجبهة على سجّادة يمسكها غيره أو مروحة ، وهو غير كراهة أصل الرفع ، مع أنها مخالفة للإجماع ، إذ لا خلاف في رجحانه ، مع ظهور الخبر في لزومه ، كما لا يخفى على من تدبّر في سياقه ومفهومه.

( ولو كان بجبهته دمل ) ونحوه مما يمنع الجبهة بأجمعها عن السجود ( احتفر حفيرة ) أو عمل شيئا من طين أو خشب ونحوهما وجوبا ولو من باب المقدمة ( ليقع السليم ) منها ( على الأرض ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٠ / ٥ ، الوسائل ٥ : ٤٨١ أبواب القيام بـ ١ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٦ / ١٠٣٩ ، التهذيب ٢ : ٣١١ / ١٢٦٤ ، الوسائل ٥ : ٣٦٤ أبواب ما يسجد عليه بـ ١٥ ح ١ ، ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ١٧٧ / ٣٩٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٣ أبواب القيام بـ ١ ح ٧.

(٤) المقنع : ٣٦.

(٥) المقنعة : ٣٦.

٢٢٠