رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

قال : « ما أحسنها ، واخفض الصوت بها » (١) قيل : مع أصالة الجواز وكونه دعاء (٢).

وفي الجميع نظر : أما الأوّل فلابتنائه على كون « ما أحسنها » بصيغة التعجب ، مع أنه يحتمل أن يكون جملة منفية ، بل لعلّه المتعين ، لاستلزام الأول الاستحباب ولا يقول به ، مع مخالفته الإجماع قطعا ، ومع ذلك فليس للأمر بخفض الصوت على تقديره وجه قطعا.

وأما على التقدير الثاني فهو خبر ومن كلام الراوي ، ويكون الوجه فيه حينئذ التقية.

ثمَّ على تقدير دلالتها على الجواز خالصة مما مرّ من الاعتراض فهو محمول عليها ، كما صرّح به جماعة (٣) ، ويفهم من الصحيح : أقول : آمين ، إذا قال الإمام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ فقال : « هم اليهود والنصارى » (٤) فإنّ عدوله عليه‌السلام عن الجواب إلى تفسيره الآية قرينة على ذلك واضحة.

وربما جعل مرجع الضمير في الجواب إلى قائليه ، فيكون حينئذ جوابا مطابقا للسؤال جدّا ، وعليه فلا شهادة فيه على التقية.

لكنه على هذا التقدير ـ بل على التقدير الأوّل أيضا ، كالصحيح السابق بالتقريب المتقدم ـ ظاهر في المنع جدّا ، كما اعترف به جمع ، ومنهم صاحب‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٥ / ٢٧٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٧ ، الوسائل ٦ : ٦٨ أبواب القراءة في الصلاة بـ ١٧ ح ٥.

(٢) قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٣٠.

(٣) منهم الشيخ في التهذيب ٢ : ٧٥ ، والاستبصار ١ : ٣١٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٧ ، وصاحبا المدارك ٣ : ٣٧٤ ، والذخيرة : ٢٧٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٥ / ٢٧٨ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ / ١١٨٨ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب القراءة في الصلاة بـ ١٧ ح ٢.

١٨١

المدارك قائلا لذلك : إن الأجود التحريم ، لكن منع عن الإبطال قائلا : إن النهي إنما يفسد العبادة إذا توجّه إليها أو إلى جزء منها أو إلى شرط لها ، وهو هنا إنما توجه إلى أمر خارج عن العبادة فلا يقتضي فسادها (١).

وفيه : أنه إحداث قول ثالث على الظاهر ، المصرّح به في الذخيرة (٢) وغيرها (٣).

ويضعّفه مضافا إلى ذلك شمول كثير من الإجماعات المنقولة للإبطال أيضا ، كالانتصار والخلاف والتحرير والنهاية والمنتهى (٤) وغيرها (٥).

ومع ذلك يدفعه قاعدة العبادة التوقيفية المقتضية لإخلاء العبادة عمّا هو منهي عنه في الشريعة ، وقضائها لو أتى به فيها تحصيلا للبراءة اليقينية.

وأما الأخيران فبعد تسليمهما يندفعان بما مضى من الأدلة ، هذا.

مع أن جماعة منعوا عن أجزاء أوّلهما في العبادة ، وآخرين بل الأكثرين منعوا عن كون التأمين دعاء. ومن أراد تحقيق ذلك فعليه بمراجعة الشرح.

( الثانية : والضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف ) إجماعا ، كما في صريح الأمالي والانتصار وظاهر التهذيب والاستبصار والتحرير والتذكرة والنهاية (٦) ، وفي التبيان ومجمع البيان والشرائع نسب إلى رواية الأصحاب (٧) مشعرين بدعوى الإجماع أيضا ، وهي مستفيضة وإن لم‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ٣٧٣.

(٢) الذخيرة : ٢٧٧.

(٣) كما في شرح المفاتيح للبهبهاني ( المخطوط ).

(٤) الانتصار : ٤٢ ، الخلاف ١ : ٣٣٢ ، التحرير ١ : ٣٩ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٦٥ ، المنتهى ١ : ٢٨١.

(٥) كالغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٨٥٨ ، ونهج الحق : ٤٢٤.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٢ ، الانتصار : ٤٤ ، التهذيب ٢ : ٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ ، التحرير ١ : ٣٩ ، التذكرة ١ : ١١٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٦٨.

(٧) التبيان ١٠ : ٣٧١ ، مجمع البيان ٥ : ٥٠٧ ، الشرائع ١ : ٨٣.

١٨٢

يقف على شي‌ء منها من المتأخّرين جماعة (١) ، منها الرضوي : « ولا تقرأ في الفريضة الضحى وألم نشرح ، وكذا ألم تر كيف ولإيلاف ـ إلى أن قال ـ : لأنه روي أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذلك ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة » (٢).

ومنها : مروي الصدوق في الهداية مرسلا عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنه قال : « وموسّع عليك أيّ سورة قرأت في فرائضك إلاّ أربع ، وهي : الضحى وألم نشرح في ركعة ، لأنهما جميعا سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف ، لأنهما سورة واحدة ، ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة فريضة » (٣).

وفي المجمع : وروى العياشي عن أبي العباس عن أحدهما عليهما‌السلام : « ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة » قال : وروي أن ابيّ بن كعب لم يفصّل بينهما في مصحفه (٤).

ونقل خالي العلاّمة ـ أدام الله تعالى ظلاله (٥) ـ عن كتاب القراءات لأحمد ابن محمد بن [ سيّار ] (٦) أنه روى البرقي ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي العباس ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، ومحمد بن علي بن محبوب ، عن أبي جميلة ، عنه عليه‌السلام ، قال : « الضحى وألم نشرح سورة واحدة » (٧).

__________________

(١) كما ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٦٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٤٤ ، وصاحبا المدارك ٣ : ٣٧٧ ، والذخيرة : ٢٧٩.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٢ ، المستدرك ٤ : ١٦٤ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٧ ح ٣.

(٣) الهداية : ٣١ ، بتفاوت.

(٤) مجمع البيان ٥ : ٥٤٤ ، الوسائل ٦ : ٥٥ أبواب القراءة في الصلاة بـ ١٠ ح ٦ ، ٧.

(٥) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٦) في النسخ : سنان ، والظاهر أنه سهو كما يظهر من شرح المفاتيح وكتب الرجال ، فإن المذكور فيها أحمد بن محمد بن سيّار أبو عبد الله السيّاري ، له كتاب التنزيل والتحريف يعرف بكتاب القراءات.

(٧) التنزيل والتحريف : ٦٨ ـ أ ، المستدرك ٤ : ١٦٣ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٧ ح ١.

١٨٣

والبرقي ، عن القاسم بن عروة ، عن شجرة أخي بشير النبال ، عنه عليه‌السلام أن : « ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة » (١). ومحمد بن علي بن محبوب ، عن أبي جميلة مثله (٢).

وضعف الأسانيد مجبور بالفتاوى والإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة.

مضافا إلى التأيّد بالصحيح : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام [ الفجر ] فقرأ الضحى وأ لم نشرح في ركعة (٣).

والخبر : « لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى وأ لم نشرح ، وسورة الفيل ولإيلاف » (٤).

وحيث إن الجماعة المتأخّرة لم يقفوا إلاّ عليهما اعترضوهما بعدم الدلالة على الوحدة فأنكروها ، ولكن اعترف بعضهم ـ كشيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان ـ بدلالتهما على وجوب قراءتهما معا في الركعة الواحدة ، فقال ـ بعد الاعتراض عليهما بأنه لا إشعار فيهما بذلك ، وإنّما يدلاّن على وجوب قراءتهما معا ، وهو أعم من المدّعى ، بل الأخير واضح في كونهما سورتين ، لأن الاستثناء حقيقة في المتّصل ، غاية ما في الباب كونهما مستثنيين من القران المحرم أو المكروه ، ويؤيّده الإجماع على وضعهما في المصحف سورتين ـ ما صورته : والأمر في ذلك سهل ، فإن الغرض من ذلك على التقديرين وجوب قراءتهما في الركعة الواحدة ، وهو حاصل (٥).

__________________

(١) (٢) التنزيل والتحريف : ٧١ ـ أ ، المستدرك ٤ : ١٦٣ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٢ / ٢٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ / ١١٨٢ ، الوسائل ٦ : ٥٤ أبواب القراءة في الصلاة بـ ١٠ ح ١. وما بين المعقوفين من المصادر.

(٤) مجمع البيان ٥ : ٥٤٤ ، المعتبر ٢ : ١٨٨ ، الوسائل ٦ : ٥٥ أبواب القراءة في الصلاة بـ ١٠ ح ٥.

(٥) روض الجنان : ٢٦٩.

١٨٤

وقريب منه المحقق الثاني ، إلاّ أنه زاد فبيّن وجه الدلالة على وجوب قراءتهما في الركعة الواحدة (١).

وعليه فلا ثمرة مهمة للنزاع في المسألة ، فإن المقصود الأهم من دعوى الاتحاد المنع عن الانفراد بإحدى السور الأربع في ركعة واحدة من الفريضة على القول بوجوب سورة كاملة ، وهو ثابت من الخبرين باعتراف هذين المحققين ، وإن كان بعض ما ذكراه لا يخلو عن نظر.

نعم ، ظاهر المعتبر (٢) وبعض من تأخّر (٣) التأمل في المنع ، واحتمال جواز إفراد بعض السور ، كما في المرسل كالصحيح : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقرأ في الأولى الضحى وفي الثانية ألم نشرح (٤).

وفيه أنه ـ بعد تسليم سنده ـ محمول على التقية ، أو النافلة كما ذكره شيخ الطائفة (٥).

( وهل تعاد البسملة بينهما؟ قيل : لا ) والقائل الشيخ (٦) وغيره (٧) ( وهو ) عند الماتن ( أشبه ) لاقتضاء الوحدة ذلك. وفيه نظر.

والقول الثاني للحلّي (٨) وكثير من المتأخّرين (٩) ، لثبوتها بينهما تواترا ،

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٢٦٢.

(٢) المعتبر ٢ : ١٨٨.

(٣) كالعلاّمة في المختلف : ٩٣ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٩١ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٢ / ٢٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٤ ، الوسائل ٦ : ٥٤ أبواب القراءة في الصلاة بـ ١٠ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٨.

(٦) في التبيان ١٠ : ٣٧١ ، والاستبصار ١ : ٣١٧.

(٧) كما في الجامع للشرائع : ٨١ ، والشرائع ١ : ٨٣.

(٨) السرائر ١ : ٢٢١.

(٩) كالعلاّمة في التحرير ١ : ٣٩ ونهاية الإحكام ١ : ٤٦٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٠٤

١٨٥

وكتبتها في المصاحف إجماعا. وهو أحوط ، لأن بالإعادة بينهما تصح الصلاة بلا خلاف ، كما في السرائر.

ولكن في تعيّنه نظر ، فعن المجمع أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (١) ، وكذا عن التبيان (٢) ، وفي الرضوي : « فإذا قرأت بعض هذه السور فاقرأ والضحى وألم نشرح ولا تفصل بينهما ، وكذلك ألم تر كيف ولإيلاف » (٣) ومرّ عن ابيّ عدم فصله بينهما بها في مصحفه (٤).

وأحوط مما مرّ عدم قراءة شي‌ء من هذه السور.

( الثالثة : يجزي بدل الحمد في ) الركعات ( الأواخر ) من الرباعية والثلاثية ( تسبيحات أربع ، وصورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ) للصحيح ـ كما قالوا ـ : ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : « أن تقول : سبحان الله » (٥) إلى آخر ما في المتن.

وهو خيرة المفيد (٦) وكثير من المتأخرين (٧).

وهو حسن لو صح السند. وفيه منع ، فإنّ فيه محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، وفي الأوّل كلام مشهور (٨).

__________________

، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٦٣.

(١) مجمع البيان ٥ : ٥٠٧.

(٢) التبيان ١٠ : ٣٧١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٣.

(٤) في ص : ١٧١٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٩ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٨ / ٣٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ / ١١٩٨ ، الوسائل ٦ : ١٠٩ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٤٢ ح ٥.

(٦) المقنعة : ١١٣.

(٧) منهم العلامة في التذكرة ١ : ١١٦ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٥٦ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦١.

(٨) قال في المدارك ٣ : ٣٨٠ وهو مشترك بين جماعة منهم الضعيف ولا قرينة على تعيينه. وربما

١٨٦

ومع ذلك الدلالة ليست بذلك الوضوح ، لاحتمال أن يكون بيانا لإجزاء ما يقال لا العدد.

مع أنه معارض بما دلّ على الزائد من النصوص لراويه وغيره ، ومنها ما أشار إليه بقوله ( وروي ) في الفقيه والسرائر (١) صحيحا أنها ( تسع ) بتكريرها كما في المتن ثلاثا مع حذف التكبير في كل منها ، كما هو خيرة والد الصدوق (٢) ، بل هو أيضا في الفقيه (٣) ، والحلبي كما قيل (٤).

وفيه نظر ، إذ لم يظهر من الفقيه ما يوجب قوله به إلاّ روايته للرواية كذلك في بحث الجماعة ، لكنه رواها في باب كيفية الصلاة بزيادة التكبيرات الثلاث (٥) ، كما هو القول الأخير.

وأما الحلبي فالذي يظهر منه ـ على ما نقله في المنتهى (٦) ـ أنه قائل بثلاث تسبيحات ، كما في بعض النصوص (٧).

فانحصر القائل المعلوم قوله بهذه الرواية في الأول. نعم ، حكى في المعتبر والذكرى والتذكرة عن حريز بن عبد الله من القدماء (٨).

__________________

ظهر من كلام الكشّي أن محمد بن إسماعيل هذا يعرف بالبندقي وأنه نيسابوري فيكون مجهولا ..

(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٥٨ ، مستطرفات السرائر : ٧١ / ٢ ، الوسائل ٦ : ١٢٢ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٥١ ح ١.

(٢) كما حكاه عنه في المختلف : ٩٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٦.

(٤) كما في المختلف : ٩٢.

(٥) انظر الفقيه ١ : ٢٠٩.

(٦) المنتهى ١ : ٢٧٥ ، وهو في الكافي في الفقه : ١١٧.

(٧) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ / ١٢٠٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٤ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٥١ ح ٧.

(٨) المعتبر ٢ : ١٨٩ ، الذكرى : ١٨٨ ، التذكرة ١ : ١١٦.

١٨٧

وهذه الرواية وإن صحّت سندا ، إلاّ أنها مضطربة متنا ، لما عرفت من اختلاف نسختها في الفقيه ، وكذا في السرائر بعين ذلك ، فقد رواها في باب كيفية الصلاة متضمنة للتسع كما رويت في الفقيه في باب الجماعة (١) ، وفي آخر الكتاب فيما استطرفه من كتاب حريز بن عبد الله بنحو ما في الفقيه في باب كيفية الصلاة (٢).

ومع اختلاف النسخة يشكل التمسك بالرواية ، سيّما وأن احتمال السقوط أرجح من احتمال الزيادة ، مع مرجوحيته أيضا بوجودها في كثير من روايات المسألة ، ومنها : الصحيحة الأولى (٣) التي هي أيضا لراوي هذه الصحيحة بعينه.

ومنها : النصوص المعلّلة لشرعية التسبيح في الأواخر : « بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله سبحانه ، فدهش وقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر » (٤).

ومنها : « إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب ، وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأوليين (٥) » (٦).

وقريب منها في الدلالة على اعتبار التكبير بعض الصحاح الواردة فيما‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢١٩ ، وفيه زيادة : والله أكبر.

(٢) مستطرفات السرائر : ٧١ / ٢ ، وليس فيه التكبير.

(٣) المتقدمة في ص ١٨٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٢ / ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٢٢ / ١ ، الوسائل ٦ : ١٢٣ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٥١ ح ٣.

(٥) في المصدر ونسخة « م » و « ش » : الأخيرتين ، والظاهر أنه خطأ.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٧٥ / ٨٠٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٦ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٥١ ح ١٣.

١٨٨

تقرأ في الركعتين الأخيرتين أنه : « إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء » (١).

فبملاحظة مجموع هذه الأخبار بل وغيرها مما سيأتي يترجّح احتمال السقوط ، ويتعين القول بزيادة التكبير ، وتكون الرواية حينئذ دليلا للقول بالاثنتي عشرة تسبيحة.

( وقيل : ) إنها ( عشر ) بزيادة التكبير في المرة الثالثة ، والقائل السيدان في المصباح والجمل والغنية ، والشيخ في المصباح والمبسوط والجمل وعمل يوم وليلة ، والديلمي والحلي والقاضي (٢) ، وحجتهم غير واضحة عدا ما يتوهم من بعض (٣) أنها الرواية بالتسع المتقدمة ، وليس فيها ما يتوهم منه ذلك إلاّ قوله عليه‌السلام بعد إتمام العدد : « ثمَّ تكبّر وتركع » والظاهر أن المراد به تكبير الركوع ، ومع التنزّل فلا أقل من احتماله ، ومعه لا يمكن الاستدلال.

( وقيل : ) إنها ( اثنتا عشرة ) والقائل العماني والشيخ في ظاهر النهاية ومختصر المصباح والاقتصاد والقاضي في ظاهر المهذب والفاضل في التلخيص كما حكي (٤).

( وهو أحوط ) للصحيحة المتقدمة ، بناء على ما مرّ من رجحان ما فيها من النسخة بزيادة التكبير في كل مرة (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٧٣ / ٧ ، الوسائل ٦ : ١٠٩ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٤٢ ح ٦.

(٢) حكاه عن مصباح السيد في المعتبر ٢ : ١٨٩ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٧ ، مصباح المتهجد : ٤٤ ، المبسوط ١ : ١٠٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨١ ، وعمل يوم وليلة ( الرسائل العشر ) : ١٤٦ ، الديلمي في المراسم : ٧٢ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٣٠ ، القاضي في المهذّب ١ : ٩١.

(٣) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٥٦.

(٤) حكاه عن العماني في المختلف : ٩٢ ، النهاية : ٧٦ ، وحكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام ١ : ٢١٩ ، الاقتصاد : ٢٦١ ، المهذّب ١ : ٣٧١ ، وحكاه عن التلخيص في كشف اللثام ١ : ٢١٩.

(٥) راجع ص ١٨٧ ، ١٨٨.

١٨٩

وهي ظاهرة في الوجوب ، لمكان الأمر الذي هو في الوجوب حقيقة. وحمله على الندب بقرينة الصحيحة الأولى (١) حسن ، لو سلمت عما مر فيها من المناقشة ، وليست عنها بسالمة ، سيما ضعف الدلالة ، لما عرفته.

مع أن الراوي لها حريز عن زرارة ، وقد روى عنه أيضا الرواية المعارضة الآمرة بالتسع أو الاثني عشر على اختلاف النسخة ، وهو ظاهر في أن المراد من الإجزاء في روايته الاولى ما ذكرنا ، وإلاّ لتناقضت رواياته ، فتأمّل جدّا.

ومع التنزّل وتسليم ظهور الإجزاء بحسب المقدار فلا ريب أنه ليس أظهر من ظهور الأمر في الوجوب ، وكما يحتمل الجمع بحمله على الاستحباب كذا يحتمل الجمع بحمل ما يجزئ على نفس القول لا المقدار ، فالترجيح لا بد له من دليل ، وهو غير واضح للحمل الأوّل ، بل وجوب تحصيل البراءة اليقينية يعاضد الثاني.

مضافا إلى الرضوي : « تقرأ فاتحة الكتاب وسورة في الركعتين الأوليين ، وفي الركعتين الأخراوين الحمد وحده ، وإلاّ فسبّح فيهما ثلاثا ثلاثا ، تقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرّات » (٢).

ونحوه الخبر المروي عن العيون عن مولانا الرضا عليه‌السلام أنه سبّح في الأخيرتين بالاثنتي عشرة (٣).

لكن قيل : في بعض النسخ تسع (٤). ولعلّه بعيد ، لظهور الرواية في‌

__________________

(١) المتقدمة في ١٨٦.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٥ ، المستدرك ٤ : ٢٠٢ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٣١ ذيل حديث ١.

(٣) العيون ٢ : ١٨٠ / ٥ ، الوسائل ٦ : ١١٠ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٤٢ ح ٨.

(٤) كما قال به المجلسي في البحار ٨٢ : ٨٨.

١٩٠

مداومته عليه‌السلام على ذلك ، ولو كان تسعا لكان على ترك هذا المستحب الذي لا خلاف في استحبابه ، ومداومة الإمامية عليه جيلا بعد جيل وحديثا بعد قديم مداوما ، وهو بعيد جدّا ، مع أن الظاهر مع بعض الروايات المتقدمة في ترجيح النسخة وغيرها اعتبار كون التسبيح بمقدار القراءة وهو لا يتحقق بالأربع بالضرورة.

وبالجملة المسألة محل إشكال ، والاحتياط فيها بما مرّ مطلوب على كل حال. وفيها أقوال أخر نادرة ليس في التعرض لذكرها كثير فائدة.

( الرابعة : لو قرأ في النافلة إحدى العزائم ) الأربع المنهي عنها في الفريضة جاز ولو عمدا ، بلا خلاف أجده فتوى ورواية ، خاصة وعامة ، وقد تقدّمت إليها الإشارة (١).

وحيث قرأها أو استمع إلى ما يوجب السجود منها ( سجد عند ذكره ) وجوبا على الأشهر الأقوى ، للعموم ، وخصوص الأمر به فيما مرّ من النصوص. وبه يخصّ ما دلّ على المنع عن الزيادة في الصلاة من القاعدة ، مع إشعار بعض النصوص المعاضدة لها باختصاصه بالمكتوبة.

وقيل : إن سجد جاز وإن لم يسجد جاز (٢) ، ولعلّه للخبر الآتي. وهو ـ لضعف سنده ، وعدم مقاومته لسابقه ، مع عدم جابر له فيما نحن فيه ـ يمتنع العمل به.

( ثمَّ ) إنه بعد ما يسجد ( يقوم فيتم ) ما بقي من السورة من غير إعادة الفاتحة إذا لم يكن السجود في آخر السورة ( ويركع ، ولو كان السجود في آخرها

__________________

(١) راجع ص ١٥٤ ، ١٥٥.

(٢) نقله كذلك في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٨ عن الخلاف ، ولكن مورد الكلام في الخلاف هو قراءة غير العزائم من السور التي فيها سجدة غير واجبة. انظر الخلاف ١ : ٤٣٠.

١٩١

قام ) بعد سجدة العزيمة ( وقرأ الحمد استحبابا ليركع عن قراءة ) كما في الصحيح (١) وغيره (٢).

ولكن ليس فيهما التعليل ، ولا التصريح بالاستحباب ، بل ظاهرهما الوجوب ، كما هو ظاهر الشيخ في كتابي الحديث (٣) وغيره (٤). لكن حمله الأصحاب على الاستحباب ، للأصل ، والخبر : « إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها » (٥) ولا يخلو عن نظر. ولا ريب أن الوجوب أحوط.

ثمَّ إن ظاهر الأكثر والصحيح وما بعده الاقتصار على إعادة الحمد خاصة. وعن المبسوط : وسورة أخرى أو آية (٦) ، ولم أعرف مستنده.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ / ١١٨٩ ، الوسائل ٦ : ١٠٢ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٣٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩١ ، الوسائل ٦ : ١٠٢ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٣٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٩.

(٤) كصاحب المدارك ٣ : ٣٨٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ / ١١٩٠ ، الوسائل ٦ : ١٠٢ أبواب القراءة في الصلاة بـ ٣٧ ح ٣.

(٦) المبسوط ١ : ١١٤.

١٩٢

( الخامس : الركوع )

( وهو واجب في كل ركعة ) من الفرائض والنوافل ( مرّة ) واحدة بالضرورة من الدين ، والأخبار المتواترة عن سيد المرسلين والأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ( إلاّ في ) صلاة الآيات ك ( الكسوف ) والخسوف ( والزلازل ) فيجب في كل ركعة خمس مرّات ، بالنص والإجماع ، كما سيأتي في بحثها إن شاء الله تعالى (١).

( وهو ) مع ذلك ( ركن في الصلاة ) تبطل بتركه فيها مطلقا ، ولو في الأخيرتين من الرباعية إجماعا إلاّ من المبسوط ، ففيه : أنها لا تبطل بتركه فيهما سهوا إن ذكره بعد السجود ، بل يسقط السجود ويركع ثمَّ يسجد (٢).

ولو فسّر الركن بأنه ما تبطل الصلاة بتركه بالكلية لم يكن منافيا لذلك ، لأن الآتي بالركوع بعد السجود لم يتركه في جميع الصلاة ، ولعلّه لذا صرّح بعدم الخلاف في الركنية من غير استثناء للشيخ جماعة (٣) ، أو لشذوذه ومعلومية نسبه ، أو لنفيه في الحقيقة ركنية السجود ، بمعنى عدم بطلان الصلاة بزيادته لا ركنية الركوع.

فلا خلاف فيها إلاّ ما يحكى من المبسوط أنه حكى قولا من بعض الأصحاب بأنّ من نسي سجدتين من ركعة أيّة ركعة كانت حتى ركع فيما بعدها أسقط الركوع واكتفى بالسجدتين بعده ، وجعل الركعة الثانية أوّلة ، والثالثة‌

__________________

(١) في ج ٤ ص : ١٦ و١٧.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٩.

(٣) منهم : العلاّمة في المنتهى ١ : ٢٨١ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٠٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٣.

١٩٣

ثانية ، والرابعة ثالثة (١).

قيل : وأفتى به ابن سعيد في الركعتين الأخيرتين خاصة (٢).

وفي الصحيح : عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ، فقال : « يقضي ذلك بعينه » قال : أيعيد الصلاة؟ قال : « لا » (٣). ويحتمل على بقاء المحل.

( والواجب فيه خمسة ) أشياء :

الأوّل ( الانحناء ) بـ ( قدر ما ) يمكن أن ( تصل معه كفّاه إلى ركبتيه ) إجماعا ممن عدا أبي حنيفة ، كما حكاه جماعة (٤) حدّ الاستفاضة ، للتأسّي ، والمعتبرة ، منها الصحيح : « فإذا وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحبّ إليّ أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينهما » (٥).

ويستفاد منه ومن غيره كفاية الانحناء بمقدار إمكان بلوغ رؤوس الأصابع إلى الركبتين ، وأن الزائد مستحب ، وبه صرّح بعض (٦) ، بل عن خالي العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في البحار أنه مذهب الأكثر (٧).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٠.

(٢) الجامع للشرائع : ٨٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٠ / ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ / ١٣٥٠ ، الوسائل ٦ : ٣١٤ أبواب الركوع بـ ١١ ح ١.

(٤) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ١٩٣ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٨١ ، والتذكرة ١ : ١١٨ ، والشهيد في الذكرى : ١٩٧ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ / ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ٣.

(٦) كصاحب الحدائق ٨ : ٢٣٨.

(٧) البحار ٨١ : ١٩٠ ونسبه فيه إلى المشهور.

١٩٤

خلافا لجماعة ، فأوجبوا الزيادة (١). وهو أحوط ، لظهور عبائر الأكثر فيه ، ومنهم جملة من نقلة الإجماع ، كالفاضلين في المعتبر والتذكرة (٢).

ولكن في تعينه نظر ، لظهور النص المعتبر في خلافه ، مع سلامته عن المعارض عدا شبهة دعوى الإجماع ، ويحتمل تعلقها بالتحديد المشترك بين التحديدين ، وهو ملاقاة اليدين الركبتين إما بالبلوغ أو الوضع ، فأما خصوصه فلعلّه من اجتهاد الناقل.

مع أن ظاهر عبائر جملة آخرين من نقلة الإجماع هو ما ذكرنا ، وإن كان يأباه سياق عبارتهم في الاستدلال عليه ، كما يأبى سياق عبارة النقلة السابقين في الاستدلال ما يستفاد من ظاهر عبارتهم أيضا ، وهذا من أوضح الشواهد على ما ذكرنا من أن المقصود من دعوى الإجماع إنما هو إثبات القدر المشترك ردّا على أبي حنيفة في قوله بكفاية أقلّ ما يقع عليه اسم الانحناء.

وإنما عبرنا بإمكان الوصول لعدم وجوبه إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (٣).

وهل يشترط في الانحناء قصد الركوع ، حتى لو انحنى لا له ثمَّ ركع بقصده لم يكن زاد ركوعا ، أم لا؟ وجهان ، ظاهر جماعة الأول (٤) ، بل قيل : لا خلاف فيه (٥).

__________________

(١) منهم الشهيد الأول في البيان : ١٦٤ ، والشهيد الثاني في الروض : ٢٧١ ، والروضة ١ : ٢٧٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٤.

(٢) المعتبر ٢ : ١٩٣ ، التذكرة ١ : ١١٨.

(٣) كما في الذكرى : ١٩٧ ، وانظر الحدائق ٨ : ٢٣٧.

(٤) منهم العلاّمة في نهاية الاحكام ١ : ٤٨١ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٧٦ ، والذكرى : ١٩٧ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٢٤١.

(٥) الحدائق ٨ : ٢٤١.

١٩٥

ولهم الخبر : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يصلّي قائما وإلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها ، فانحطّ عليه‌السلام وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثمَّ عاد إلى صلاته (١).

وقريب منه إطلاق نحو الموثق : « لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلّي أو ترضعه وهي تتشهّد » (٢).

وعليه فلو هوى لسجدة العزيمة أو غيرها في النافلة أو لقتل حية أو لقضاء حاجة ، فلما انتهى إلى حدّ الراكع وأراد أن يجعله ركوعا لم يجزئ ، فإن الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى ، فيجب عليه الانتصاب ثمَّ الهويّ للركوع ، ولا يكون ذلك زيادة ركوع ، صرّح بذلك الشهيد رحمه‌الله في الذكرى (٣) ، وفاقا للتذكرة ونهاية الإحكام (٤) ، وفيها : ولا فرق بين العامد والناسي على إشكال. قيل : من حصول هيئة الركوع ، وعدم اعتبار النية لكل جزء ، كما في المعتبر والمنتهى والتذكرة ، وغايته أنه لا ينوي غيره (٥). وفيه نظر.

( ولو عجز ) عن الانحناء الواجب ( اقتصر على الممكن ) منه ، فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. ( وإلاّ ) يتمكن منه أصلا ولو بالاعتماد على شي‌ء ( أومأ ) برأسه إن أمكن ، وإلاّ فبعينيه ، بلا خلاف ، للنصوص (٦).

( و ) الثاني ( الطمأنينة ) إجماعا ، كما في الناصريات والغنية والمعتبر‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٣ / ١٠٧٩ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٦٩ ، الوسائل ٥ : ٥٠٣ أبواب القيام بـ ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٠ / ١٣٥٥ ، الوسائل ٧ : ٢٨٠ أبواب قواطع الصلاة بـ ٢٤ ح ١.

(٣) الذكرى : ١٩٧.

(٤) التذكرة ١ : ١١٩ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٨٢.

(٥) كشف اللثام ١ : ٢٢٤.

(٦) انظر الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب القيام بـ ١ ح ١١ ، ١٣ ، ١٥.

١٩٦

والمنتهى والتذكرة (١) وغيرها (٢) ، وفي الخلاف الإجماع على ركنيتها (٣) ، وفي المنتهى بعد نقل الركنية عنه : إن عنى بها ما بيّناه فهو في موضع المنع ، على ما سيأتي من عدم إفساد الصلاة بتركه سهوا ، وإن أطلق عليه اسم الركن بمعنى أنه واجب إطلاقا لاسم الكل على الجزء فهو مسلم (٤). انتهى. وهو حسن.

وفسّرها كباقي الأصحاب بالسكون حتى يرجع كل عضو مستقرّه وإن قلّ. قيل (٥) : وهو معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخبر المروي في قرب الإسناد للحميري : « إذا ركع فليتمكّن ركوعه » (٦).

قالوا : ويجب كونها ( بقدر الذكر الواجب ) وظاهرهم الإجماع عليه ، كما في المعتبر والمنتهى (٧) وغيرهما (٨). لكنه نسبه بعض الأفاضل (٩) إلى السرائر وكتب الماتن خاصة ، مشعرا باختصاص هذا التحديد بها. وليس كذلك ، لتصريح باقي الأصحاب أيضا بذلك جدّا ، مع دعوى جملة منهم الإجماع عليه ، كما مضى.

وهو الحجة ، لا ما يقال من توقف الذكر الواجب عليها ، لأنه إنما يتمّ إذا لم يزد في الانحناء على قدر الواجب ، وإلاّ فيمكن الجمع بين مسمّى الطمأنينة‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٣٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، المعتبر ٢ : ١٩٤ المنتهى ١ : ٢٨٢ ، التذكرة ١ : ١١٩.

(٢) كجامع المقاصد ٢ : ٢٨٤ ، والمفاتيح ١ : ١٣٩ ، وكشف اللثام ١ : ٢٢٤.

(٣) الخلاف ١ : ٣٤٨.

(٤) المنتهى ١ : ٢٨٢.

(٥) كشف اللثام ١ : ٢٢٤.

(٦) قرب الإسناد : ٣٦ / ١١٨ ، الوسائل ٤ : ٣٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها بـ ٨ ح ١٤.

(٧) المعتبر ٢ : ١٩٤ ، المنتهى ١ : ٢٨٢.

(٨) كالمفاتيح ١ : ١٣٩.

(٩) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٢٤.

١٩٧

والذكر حين الركوع مع عدمها.

( و ) الثالث ( تسبيحة واحدة كبيرة ، وصورتها : سبحان ربي العظيم وبحمده ، أو : سبحان الله ثلاثا ) وفاقا لجماعة (١) ، للصحاح منها : عن الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال : « ثلاث ، وتجزيه واحدة » (٢) ونحوه آخران (٣) ، لكن بزيادة قوله عليه‌السلام : « تامة » بعد : « واحدة » في أحدهما.

والظاهر أن المراد بالواحدة التامة التسبيحة الكبرى ، وبالثلاث الصغريات ، فإنّ جعل كل منهما في قالب الإجزاء يقتضي كونهما في مرتبة واحدة ، هذا.

مضافا إلى النصوص المصرّحة بإجزاء الثلاث الصغريات ، كالصحيح : عن أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة ، قال : « ثلاث تسبيحات مترسّلا ، تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله » (٤) ونحوه الموثق (٥) وغيره مما يأتي (٦).

__________________

(١) منهم الصدوقان حكاه عنهما في الذكرى : ١٩٧ ، وهو في المقنع : ٢٨ ، والهداية : ٣٢ ، والشيخ في التهذيب ٢ : ٨٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٧ ، الوسائل ٦ : ٣٠٠ أبواب الركوع بـ ٤ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٣ ، ٢٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٥ ، ١٢٠٦ ، الوسائل ٦ : ٢٩٩ أبواب الركوع بـ ٤ ح ٢ ، ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ / ١٢١٢ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع بـ ٥ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ / ١٢١١ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع بـ ٥ ح ٣.

(٦) وهو المرسل المروي في الهداية الآتي في ص ١٩٩ ، ٢٠٠.

١٩٨

وبه يتضح إجمال الثلاث تسبيحات في الصحاح لو كان ، وكذا في غيرها ، كالحسن ، بل الصحيح ـ كما قيل (١) ـ : « يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا » (٢) ونحوه آخر (٣) وغيره (٤).

وفي قوله عليه‌السلام : « أو قدرهنّ » إشارة إلى جواز التسبيحة الكبرى أيضا ، فإنها بقدر الثلاث جدّا ، مع ظهور جملة من النصوص في جوازها ، منها : « أتدري أيّ شي‌ء حدّ الركوع والسجود؟ » قلت : لا ، قال : « تسبّح في الركوع ثلاث مرّات : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، وفي السجود : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ، ثلاث مرات ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته ، ومن لم يسبّح فلا صلاة له » (٥).

ومنها : عن التسبيح في الركوع ، فقال : « تقول في الركوع : سبحان ربي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربي الأعلى ، الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنة ثلاث ، والفضل في سبع » (٦) وقريب منه غيره (٧).

__________________

(١) قال به في المدارك ٣ : ٣٩١.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٦ ، مستطرفات السرائر : ٩٥ / ١٠ ، الوسائل ٦ : ٣٠٢ أبواب الركوع بـ ٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٩ / ٢٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٨ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع بـ ٥ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٠ / ٢٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢١٠ ، الوسائل ٦ : ٣٠٣ أبواب الركوع بـ ٥ ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٢٩ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ / ١٢١٣ ، الوسائل ٦ : ٣٠١ أبواب الركوع ، ٤ ح ٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ / ١٢٠٤ ، الوسائل ٦ : ٢٩٩ أبواب الركوع بـ ٤ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ٢٠٦ / ذيل الحديث ٩٣٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٣ / ١٢٧٣ ، علل الشرائع : ٣٣٣ / ٦ ، الوسائل ٦ : ٣٢٧ أبواب الركوع بـ ٢١ ح ١.

١٩٩

وقصورهما عن إفادة تمام التسبيحة غير ضائر بعد وجوده في أخبار كثيرة ، منها الرضوي : « فإذا ركعت فمدّ ظهرك ولا تنكس رأسك ، وقل في ركوعك بعد التكبير : اللهم لك ركعت ـ ثمَّ ساق الدعاء إلى أن قال بعد تمامه : « سبحان ربي العظيم وبحمده ـ ثمَّ ساق الكلام في السجود كذلك إلى أن قال ـ : « سبحان ربي الأعلى وبحمد » (١).

وبالجملة بهذه الأخبار بعد ضمّ بعضها مع بعض يتّضح وجه صحة ما في المتن من التخيير بين الثلاث الصغريات وواحدة كبرى ، وضعف القول بوجوبها خاصة ، كما عن النهاية (٢) ، وبإجزاء التسبيح مطلقا ولو واحدة صغرى مطلقا ، كما عن المرتضى (٣) ، وبالتخيير بين ثلاث كبريات ومثلها صغريات مع أفضلية الكبريات ، كما عن الحلبي (٤) ، وبوجوب ثلاث كبريات خاصة ، كما حكاه عن بعض علمائنا في التذكرة (٥) ، هذا ، مع دعوى الفاضل في المنتهى اتفاق كل من قال بتعيين التسبيح على ما هنا (٦) ، مؤذنا بكونه مجمعا عليه بينهم.

كل ذلك مع الاختيار.

( ومع الضرورة تجزي الواحدة الصغرى ) قطعا ، وفي المنتهى الإجماع عليه (٧) ، وفي المرسل المروي عن الهداية : « سبّح في ركوعك ثلاثا ، تقول : سحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرّات ، وفي السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات ، لأن الله تعالى ـ إلى أن قال ـ : فإن قلت : سبحان الله‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٦ ، المستدرك ٤ : ٤٣٥ أبواب الركوع بـ ١٥ ح ٢.

(٢) النهاية : ٨٢.

(٣) الانتصار : ٤٥.

(٤) الكافي في الفقه : ١١٨.

(٥) التذكرة ١ : ١١٩.

(٦) المنتهى ١ : ٢٨٢.

(٧) المنتهى ١ : ٢٨٣.

٢٠٠