رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨

وللنص : خرج بي دمل وكنت أسجد على جانب ، فرآني أبو عبد الله عليه « السلام فقال : « ما هذا؟ » قلت : لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل ، فإنما أسجد منحرفا ، فقال لي : « لا تفعل ذلك احفر حفيرة ، واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض » (١).

ونحوه الرضوي : « فإن كان في جبهتك دمل لا تقدر على السجود فاحفر حفيرة ، فإذا سجدت جعلت الدمل فيها » (٢). وقريب منهما المروي في تفسير علي بن إبراهيم (٣).

وقصور السند أو ضعفه مجبور بما مر من القاعدة ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

ولم يذكر جماعة منهم خلافا في المسألة ، مشعرين بعدم خلاف فيها ، كما صرّح به في المدارك ، فقال : هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء (٤).

وفيه نظر ، فقد خالف فيها الشيخ في المبسوط والنهاية فلم يوجب الحفيرة ، بل قال بجوازها بعد الأمر بالسجود على أحد جانبيه (٥). وظاهره التخيير بينهما ، كما عن جامع المقاصد (٦) أيضا ، وعن ابن حمزة عكس المختار ، فأوجب السجود على أحد الجبينين ، ومع عدم التمكن فالحفيرة (٧).

لكن مستندهما ـ سيّما الأخير ـ غير واضح ، سيّما في مقابلة ما قدّمناه من النصوص المعتضدة بالقاعدة وفتوى المشهور ، فلا إشكال فيه. ومع ذلك فهو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٣ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٦ / ٣١٧ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب السجود بـ ١٢ ح ١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٤ ، المستدرك ٤ : ٤٥٩ أبواب السجود بـ ١٠ ح ١.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٠ ، الوسائل ٦ : ٣٦٠ أبواب السجود بـ ١٢ ح ٣.

(٤) المدارك ٣ : ٤١٦.

(٥) المبسوط ١ : ١١٤ ، النهاية : ٨٢.

(٦) جامع المقاصد ٢ : ٣٠٣.

(٧) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠١ ، وقال في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٤٢ : ولعلّه ذكره في الواسطة.

٢٢١

أحوط ، لجوازه عند الشيخ أيضا ، وأما ابن حمزة فهو نادر بلا شبهة.

( ولو تعذر ) ذلك إمّا لعدم إمكان النقل ، أو لاستيعابه الجبهة ، أو نحو ذلك ( سجد على أحد الجبينين ) بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (١) ، وفي المدارك أنه قول علمائنا وأكثر العامة (٢) ، وظاهره الإجماع عليه.

للمعتبرين ، أحدهما الرضوي ، ففيه بعد ما مر : « وإن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن ، فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر ، فإن تعذر فاسجد على ظهر كفّيك ، فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك ، يقول الله تعالى ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (٣) » (٤).

وقريب منه المروي في التفسير المتقدم (٥) ، وفيه : قلت للصادق عليه‌السلام : رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها ، قال : « يسجد ما بين طرف شعره ، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن ، وإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر ، وإن لم يقدر فعلى ذقنه » الحديث.

وظاهرهما اعتبار الترتيب بين الجبينين ، كما عن الصدوقين (٦) ، وهو أحوط.

خلافا لظاهر الأكثر ، وصريح جمع (٧) ، فالتخيير بينهما ، للأصل ، وقصور‌

__________________

(١) كما في الذخيرة : ٢٨٦.

(٢) المدارك ٣ : ٤١٧.

(٣) الاسراء : ١٠٧.

(٤) راجع ص : ٢٢١.

(٥) في ص : ٢٢١.

(٦) والد الصدوق في المقنع : ٢٦ ، الصدوق في الفقيه ١ : ١٧٥.

(٧) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٠٤ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤١٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٨٦.

٢٢٢

النص سندا عن تخصيصه. ويمكن دفعه لو لا الشهرة ، وعدم دلالة الروايتين على وجوب الترتيب صريحا ، ولكن مراعاته مهما أمكن أولى.

( وإلاّ ) يقدر من السجود على أحد الجبينين ( فـ ) ليسجد ( على ذقنه ) بلا خلاف إلاّ من الصدوقين ، فعلى ظهر كفه ، وإلاّ فعلى ذقنه ، لما مر من الرضوي.

وهو ـ مع شذوذه وندرته ، بل وانعقاد الإجماع على خلافه ، كما صرّح به في المدارك (١) ـ غريب لا معنى له ، معارض بما مرّ من الخبر المروي في التفسير المتقدم ، وفي آخر : فيمن لا يقدر على السجود على الجبهة : « يضع ذقنه على الأرض ، إنّ الله تعالى يقول( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) » (٢).

وضعف السند منجبر بالعمل ، وإطلاق الأمر بالسجود على الذقن بعد العجز عن الجبهة مقيّد بما مرّ من النص والإجماع.

( ولو عجز ) عن جميع ذلك ( أومأ ) واضعا جبهته على ما يصح السجود عليه ، كما مرّ (٣).

( و ) الرابع ( الذكر فيه ) مطلقا ( أو التسبيح ) منه خاصة ، على الخلاف المتقدم في الركوع (٤) ، فإن السجود ( كالركوع ) في أمثال هذه المباحث ، لاتحاد الدليل مطلقا.

( و ) الخامس ( الطمأنينة بقدر الذكر الواجب ).

( و ) السادس ( رفع الرأس ).

( و ) السابع ( أن يكون مطمئنا عقيب ) السجدة ( الأولى ) بإجماعنا‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤١٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٤ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٨٦ / ٣١٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٠ أبواب السجود بـ ١٢ ح ٢.

(٣) في ص : ٢١٨.

(٤) راجع ص : ١٩٧ ـ ٢٠٠.

٢٢٣

في الجميع على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (١) ، وللنصوص (٢) ، والتأسي.

وقول الخلاف بركنية الطمأنينة كما في الركوع (٣) شاذّ ، وإن ادّعى الإجماع عليه. ويكفي في الطمأنينة بعد الرفع مسمّاها اتفاقا.

( وسننه : التكبير للأولى ) حال كونه ( قائما ، والهويّ بعد إكماله ) كما في الصحاح وغيرها.

والقول بوجوب أصل التكبير شاذّ ، كالقول باستحباب البدأة به قائما والانتهاء به مع مستقرّه ساجدا ، وقد مرّ الكلام في الأول (٤).

وأما الثاني فعن المعتبر دعوى كون المختار فيه اختيار الأصحاب (٥) ، وفي المنتهى وعن التذكرة أن عليه فتوى علمائنا (٦) ، وظاهرهما دعوى الإجماع عليه.

وهو الحجة ، مضافا إلى ظواهر الصحاح السليمة عما يصلح للمعارضة ، عدا الخبر : « كان علي بن الحسين عليهما‌السلام إذا هوى ساجدا انكبّ وهو يكبّر » (٧) وفيه ضعف من وجوه شتى.

وأن يكون ( سابقا بيديه ) إلى الأرض قبل ركبتيه إجماعا ، كما في‌

__________________

(١) كالتذكرة ١ : ١٢١ ، والمنتهى ١ : ٢٨٨ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٠١ ، والمدارك ٣ : ٤١٠.

(٢) منها ما ورد في الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ١ ، ١٠ ، ١١.

(٣) الخلاف ١ : ٣٥١ ، ٣٥٩.

(٤) راجع ص : ٢٠٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٢١٠.

(٦) المنتهى ١ : ٢٨٨ ، التذكرة ١ : ١٢١.

(٧) الكافي ٣ : ٣٣٦ / ٥ ، الوسائل ٦ : ٣٨٣ أبواب السجود بـ ٢٤ ح ٢.

٢٢٤

الخلاف والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام (١) ، وللنصوص (٢) وفيها الصحيح وغيره.

وزاد الصدوق في الأمالي فقال : إنه واجب (٣) ، مدّعيا في ظاهر كلامه الإجماع عليه. وهو شاذّ ضعيف كدعواه ، مدفوعان بالأصل ، والصحيح : « بأيّ ذلك بدأ فهو مقبول » (٤) والموثق : « لا بأس إذا صلّى الرجل أن يضع ركبتيه إلى الأرض قبل يديه » (٥).

وفي الذكرى : يستحب أن تكونا معا ، وروي السبق باليمنى ، وهو اختيار الجعفي (٦).

( وأن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه ) بل قيل بوجوبه ، كما مرّ (٧).

( وأن يرغم بأنفه ) على المشهور ، بل المجمع عليه ، كما في المدارك وغيره (٨). وعن الصدوق القول بوجوبه (٩) ، كما في الموثق وغيره : « لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه » (١٠).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥٤ ، المنتهى ١ : ٢٨٨ ، التذكرة ١ : ١٢١ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٩٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب السجود بـ ١.

(٣) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٠ / ١٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ / ١٢١٩ ، الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب السجود بـ ١ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٨ / ٢٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ / ١٢١٨ ، الوسائل ٦ : ٣٣٨ أبواب السجود بـ ١ ح ٥.

(٦) الذكرى : ٢٠٢.

(٧) في ص : ٢١٦.

(٨) المدارك ٣ : ٤١١ ، كما في المعتبر ٢ : ٢١٢ ، والمنتهى ١ : ٢٨٩.

(٩) كما في الهداية : ٣٢ ، والفقيه ١ : ٢٠٥.

(١٠) الكافي ٣ : ٣٣٣ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩٨ / ١٢٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ / ١٢٢٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب السجود بـ ٤ ح ٤ ، ٧.

٢٢٥

ويحتملان ـ ككلامه ـ تأكّد الاستحباب لا الوجوب ، لانتفائه بالأصل ، وظاهر النصوص : إن « السجود على سبعة أعظم » (١) وصريح الخبر : « إنما السجود على الجبهة ، وليس على الأنف سجود » (٢).

والإرغام : إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب ، لكن ظاهر الأصحاب حصوله هنا بما يصيب الأنف ، واستحبابه هو المستفاد من الموثق وغيره.

وظاهر إطلاقهما إجزاء إصابة الأنف المسجد بأيّ جزء اتّفق.

خلافا للمرتضى ، فعيّن الجزء الأعلى منه (٣) ، ولم نقف على مأخذه ، مع احتمال إرادته بذلك الإجزاء لا التعيين.

( و ) أن ( يدعو قبل التسبيح ) بالمأثور أو غيره ، للنصوص ، منها : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدعو وأنا ساجد؟ فقال : « نعم ، فادع للدنيا والآخرة ، فإنه ربّ الدنيا والآخرة » (٤).

( والزيادة على التسبيحة الواحدة ) الكبرى إلى السبع أو ما يتّسع له الصدر ، كما مرّ في الركوع (٥).

( والتكبيرات الثلاث ) التي منها التكبير للرفع من السجدة الأولى قاعدا معتدلا ، ثمَّ التكبير للسجدة الثانية معتدلا أيضا ، ثمَّ التكبير لها بعد رفعه ، كما في الصحيح الفعلي المشهور (٦).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب السجود بـ ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٨ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ / ١٢٢٠ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب السجود بـ ٤ ح ١.

(٣) كما في جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضى ٣ ) : ٣٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٣ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٩٩ / ١٢٠٧ ، الوسائل ٦ : ٣٧١ أبواب السجود بـ ١٧ ح ٢.

(٥) راجع ص : ٢٠٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣١١ / ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ / ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ / ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ١.

٢٢٦

( والدعاء بين السجدتين ) بقوله : أستغفر الله ربي وأتوب إليه ، كما فيه أيضا ، وفي المنتهى دعوى الإجماع عليه (١) ، وفي آخر : « قل بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني » (٢) الدعاء. إلى آخره ، وفي الرضوي : « اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني فإني لما أنزلت إليّ من خير فقير » (٣).

( والقعود ) بينهما ( متوركا ) بأن يجلس على وركه الأيسر ، ويخرج رجليه جميعا من تحته ، ويجعل رجله اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، ويفضي بمقعدته إلى الأرض ، كما في الصحيحين (٤) ، وظاهرهما تفسيره بما قلناه ، وفاقا للشيخ ومن تبعه من متأخري أصحابنا (٥).

خلافا للإسكافي والمرتضى (٦) ، فقالا بقولين مع تخالفهما لم نجد لشي‌ء منهما مستندا ، هذا وقول المرتضى قريب مما قلناه ، إلاّ أنه زاد : وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل القبلة بركبتيه معا.

( والطمأنينة عقيب رفع الرأس من ) السجدة ( الثانية ) وتسمّى بجلسة الاستراحة. وفضلها مجمع عليه بين الأصحاب ، وفي بعض الأخبار أنها من توقير الصلاة وتركها من الجفاء ، وفي بعضها الأمر به ، كالموثق : « إذا رفعت‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٩٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢١ / ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ / ٢٩٥ ، الوسائل ٦ : ٣٣٩ أبواب السجود بـ ٢ ح ١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٧.

(٤) الأول : تقدم ذكره في الهامش (٦) من الصفحة المتقدّمة.

الثاني : الكافي ٣ : ٣٣٤ / ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ٣.

(٥) الشيخ في الخلاف ١ : ٣٦٣ ، والمبسوط ١ : ١١٥ ، وانظر المعتبر ٢ : ٢١٤ ، والمنتهى ١ : ٢٩٠ ، والشهيد في الذكرى : ٢٠٢ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٠٧.

(٦) حكاه عنهما في الذكرى : ٢٠٢ ، وعن مصباح المرتضى في المنتهى ١ : ٢٩٠.

٢٢٧

رأسك من السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثمَّ قم » (١).

وظاهره الوجوب ، كما عليه المرتضى (٢) ، مدعيا الإجماع عليه ، مستدلاّ به وبالاحتياط ، ويعضده التأسّي ، لفعلهم عليهم‌السلام لها ، كما في جملة من النصوص ، ففي الصحيح : رأيته ـ يعني الصادق عليه‌السلام ـ إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئنّ (٣).

ونحوه الخبر : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئنّ ثمَّ يقوم ، فقيل له : يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل ، فقال عليه‌السلام : « إنما يفعل ذلك أهل الجفاء » (٤).

خلافا للأكثر ، بل عامّة من تأخّر ، فلا يجب ، وادّعى الفاضل في نهج الحق الإجماع عليه (٥) ، وهو الحجة ، بعد الأصل المعتضد بالشهرة ، وبعض المعتبرة المصرّحة بأنّ أبا جعفر عليه‌السلام وأبا عبد الله عليه‌السلام إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا (٦) ، مع إشعار سياق كثير من نصوص الفضيلة بها مجرّدة عن الوجوب ، كما لا يخفى على من تدبّرها ، ولكن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٢ / ٣٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ / ١٢٢٩ ، الوسائل ٦ : ٣٤٦ أبواب السجود بـ ٥ ح ٣.

(٢) الانتصار : ٤٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٢ / ٣٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ / ١٢٢٨ ، الوسائل ٦ : ٣٤٦ أبواب السجود بـ ٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٤ / ١٢٧٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب السجود بـ ٥ ح ٥.

(٥) نهج الحق : ٤٢٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ / ١٢٣١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٦ أبواب السجود بـ ٥ ح ٢.

٢٢٨

مع ذلك فالوجوب أحوط وأولى.

( والدعاء ) عند القيام من السجود إلى الركعة الأخرى بقوله : اللهم ربي بحولك وقوّتك أقوم وأقعد ، وإن شاء قال : وأركع وأسجد ، كما في الصحيحين (١) ، وفي آخرين : « بحول الله أقوم وأقعد » كما في أحدهما (٢) والحسن (٣) ، وفي الثاني : « بحولك وقوّتك أقوم وأقعد » (٤). وفي الصحيح : « إذا جلست في الركعتين الأوليين فتشهّدت ثمَّ قمت فقل : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد » (٥).

( ثمَّ يقوم معتمدا على يديه سابقا برفع ركبتيه ) للنصوص (٦) ، وفيها الصحيح وغيره ، وفي المنتهى وعن التذكرة إجماعنا عليه (٧) ، كما هو ظاهر المدارك وغيره (٨).

( ويكره الإقعاء بين السجدتين ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي الخلاف الإجماع عليه (٩) ، للنهي عنه في المعتبر ، ففي الصحيح :

__________________

(١) الأول : التهذيب ٢ : ٨٦ / ٣٢٠ ، الوسائل ٦ : ٣٦١ أبواب السجود بـ ١٣ ح ١.

الثاني : مستطرفات السرائر : ٩٦ / ١٤ ، الوسائل ٦ : ٣٦٢ أبواب السجود بـ ١٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢١ ، الوسائل ٦ : ٣٦١ أبواب السجود بـ ١٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٨ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٨٩ / ٣٢٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٢ أبواب السجود بـ ١٣ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٨ / ٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ / ١٢٦٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦١ أبواب السجود بـ ١٣ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٨ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ / ٣٢٦ ، الوسائل ٦ : ٣٦١ أبواب السجود بـ ١٣ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٨ / ٢٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٢٥ / ١٢١٥ ، الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب السجود بـ ١ ح ١ وأيضا : كتاب زيد النرسي : ٥٢ ، المستدرك ٤ : ٤٤٥ أبواب السجود بـ ١ ح ٢.

(٧) المنتهى ١ : ٢٩١ ، التذكرة ١ : ١٢٢.

(٨) المدارك ٣ : ٤١٥ ، وانظر المعتبر ٢ : ٢١٦ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٠٨.

(٩) الخلاف ١ : ٣٦١.

٢٢٩

« لا تقع بين السجدتين كإقعاء الكلب » (١). وقريب منه الموثق (٢).

خلافا للمرتضى وغيره (٣) ، فلا يكره ، لنفي البأس عنه في الصحيحين (٤) ، وحمل على نفي التحريم جمعا ، ومسامحة في أدلّة الكراهة والسنن.

وهو عند الفقهاء : أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبه ، وبه صرّح جمع (٥) ، مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، لكن في بعض النصوص المانعة التقييد بإقعاء الكلب ، كما عرفته.

نعم في الصحيح وغيره : « لا تلثم ، ولا تحتفز ـ إلى أن قال ـ : ولا تقع على قدميك ، ولا تفترش ذراعيك » (٦).

وفي آخر : « إيّاك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ، ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد » (٧).

وهذه النصوص ظاهرة في كراهة الإقعاء بالمعنى الذي ذكروه ، وإطلاقها يشمل حال الجلوس مطلقا من غير اختصاص بما بين السجدتين ، كما في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ / ١٢٢٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب السجود بـ ٦ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠١ / ١٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ / ١٢٢٥ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب السجود بـ ٦ ح ١.

(٣) حكاه عن المرتضى في المعتبر ٢ : ٢١٨ ، والمنتهى ١ : ٢٩٠ ، وكما في المبسوط ١ : ١١٣.

(٤) الأول : التهذيب ٢ : ٣٠١ / ١٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ / ١٢٢٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب السجود بـ ٦ ح ٣.

الثاني : مستطرفات السرائر : ٧٣ / ٩ ، الوسائل ٦ : ٣٤٩ أبواب السجود بـ ٦ ح ٧.

(٥) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٢١٨ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٩١ ، والبهبهاني في حاشية المدارك ( المدارك ) : ١٧٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٦ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ / ٣٠٩ ، الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب السجود بـ ٣ ح ٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣٣٤ / ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ٣.

٢٣٠

العبارة وكثير من عبائر الجماعة (١) ، وبالإطلاق أيضا صرّح جماعة ، ومنهم الشيخ في الخلاف (٢) ، مع دعواه الإجماع.

__________________

(١) منهم العلاّمة في الإرشاد ١ : ٢٥٥ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٨١.

(٢) الخلاف ١ : ٣٦٠.

٢٣١

( السابع : التشهد )

( وهو واجب ) بإجماعنا ، بل الضرورة من مذهبنا وأخبارنا ( في كل ) صلاة ( ثنائية مرة ) بعدها ( وفي ) الصلاة ( الثلاثية والرباعية مرّتين ) مرّة آخرهما واخرى بعد ثانيتهما.

وأما الخبر : « إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد الله تعالى أجزأه » (١) فمحمول إما على التقية ، كما ذكره شيخ الطائفة (٢) ، أو على أن المراد بيان ما يستحب فيه ، أي أدنى ما يستحب فيه ذلك ، ففي الحسن : « التشهّد في الركعتين الأوليين الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته وارفع درجته » (٣).

وفي الخبر : عن التشهد ، فقال : « لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا ، إنما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله تعالى أجزأ عنك » (٤). فتدبّر.

( وكل تشهّد يشتمل على ) واجبات ( خمسة : الجلوس بقدره ) الواجب ، للتأسّي والأمر به في خصوص الصلاة ، مضافا إلى الإجماع ، ففي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٦ ، الوسائل ٦ : ٣٩٩ أبواب التشهد بـ ٥ ح ٢.

(٢) كما في التهذيب ٢ : ٣٢٠ ، والاستبصار ١ : ٣٤٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٢ / ٣٤٤ ، الوسائل ٦ : ٣٩٣ أبواب التشهد بـ ٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ / ١٢٨٨ ، الوسائل ٦ : ٣٩٩ أبواب التشهد بـ ٥ ح ٣.

٢٣٢

المنتهى : أنه قول كل من أوجب التشهد (١) ، وفي جملة من النصوص إيماء إليه أيضا ، مع الأمر به في بعضها (٢).

( والطمأنينة ) (٣).

( والشهادتان ) مطلقا ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي الخلاف وغيره ، وعن الغنية والتذكرة والذكرى الإجماع عليه (٤).

للمعتبرة المستفيضة ، منها : عن أدنى ما يجزي من التشهد ، قال : « الشهادتان » (٥). ونحوه الرضوي (٦).

خلافا للمحكي عن المقنع ، فأدنى ما يجزي في التشهد الشهادتان ، أو قول : بسم الله وبالله (٧).

وعن صاحب الفاخر (٨) ، فيجزي شهادة واحدة في التشهد‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٩٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩١ أبواب التشهد بـ ١ ، وص ٤٠٥ بـ ٩ من تلك الأبواب.

(٣) أضفناها من المختصر المطبوع.

(٤) الخلاف ١ : ٣٧٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، التذكرة ١ : ١٢٥ ، الذكرى : ٢٠٤ ، وانظر جامع المقاصد ٢ : ٣١٩ ، ومجمع الفائدة ٢ : ٢٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٧ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٥ ، الوسائل ٦ : ٣٩٨ أبواب التشهد بـ ٤ ح ٦.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١١ ، المستدرك ٥ : ١٠ أبواب التشهد بـ ٣ ح ١.

(٧) انظر المقنع : ٢٩ ، وحكاه عنه في الذكرى : ٢٠٤.

(٨) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان ( سليم ) أبو الفضل الجعفي الكوفي المعروف بالصابوني ، كان زيديا ثمَّ استبصر وعاد إلى القول بالإمامة ، وكان من أفاضل قدماء أصحابنا وأعلام فقهائنا من أصحاب كتب الفتوى ، ومن كبار الطبقة السابعة ممن أدرك الغيبتين ، الصغرى والكبرى ، وكان عارفا بالسير والأخبار والنجوم. وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الهادي عليه‌السلام ، يروي عنه أبو القاسم جعفر بن محمد بن موسى بن قولويه بلا واسطة والشيخ والنجاشي بواسطتين ، وله كتب كثيرة ، منها : كتاب : الفاخر في الفقه ، وهو كتاب كبير يشتمل على الأصول والفروع والخطب وغيرها ، وكتاب تفسير معاني القرآن ، وكتاب التوحيد

٢٣٣

الأول (١).

وهما ـ مع شذوذهما وضعفهما بما قدمناه ـ لم أعرف مستندهما ، نعم في الصحيح : ما يجزي من التشهد في الركعتين الأوليين؟ قال : « أن تقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له » قال : قلت : فما يجزي من التشهد في الركعتين الأخيرتين؟ قال : « الشهادتان » (٢).

وفي الخبر : « إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنه قال : بسم الله فقط فقد جازت صلاته وإن لم يذكر شيئا من التشهّد أعاد الصلاة » (٣).

وفي آخر مروي عن قرب الإسناد : عن رجل ترك التشهّد حتى سلّم ، قال : « إن ذكر قبل أن يسلّم فليتشهّد وعليه سجدتا السهو ، وإن ذكر أنه قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أو بسم الله ، أجزأه في صلاته ، وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير حتى يسلّم أعاد الصلاة » (٤).

وهذه النصوص ـ مع قصور الأخيرين منها سندا ، وعدم انطباقهما كما هو على شي‌ء من القولين كما ترى ـ لا تقاوم شيئا مما قدّمناه ، سيّما مع تضمّن الأخيرين ما يخالف الإجماع قطعا ، من فساد الصلاة ولزوم إعادتها بترك التشهّد‌

__________________

والإيمان ، وكتاب التحبير وغيرها. راجع رجال النجاشي : ٣٧٤ / ١٠٢٢ ، رجال الشيخ الطوسي : ٤٢٢ / ٨ ، الفهرست : ١٩٢ / ٨٧٧ ، معالم العلماء : ١٣٥ / ٩٢٢ ، رجال بحر العلوم ٣ : ١٩٩ / ٢٠٥ ، الكنى والألقاب ٢ : ٣٦٣ ، الذريعة ١٦ : ٩٢.

(١) نقله عنه الشهيد في الذكرى : ٢٠٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٠ / ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٤ ، الوسائل ٦ : ٣٩٦ أبواب التشهد بـ ٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٩ / ١٣٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ / ١٢٩٣ ، الوسائل ٦ : ٤٠٣ أبواب التشهد بـ ٧ ح ٧.

(٤) قرب الإسناد : ١٩٥ / ٧٤١ ، الوسائل ٦ : ٤٠٤ أبواب التشهد بـ ٧ ح ٨.

٢٣٤

شكّا أو نسيانا.

( والصلاة على النبي وآله ) عليهم‌السلام مطلقا ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي الخلاف وعن الغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى (١) الإجماع عليه.

وهو الحجة ، مضافا إلى قوله سبحانه ( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٢) لإفادته الوجوب ، وليس في غير الصلاة إجماعا ، كما في الناصرية والخلاف وعن المعتبر والمنتهى (٣) ، فليكن واجبا فيها خاصة ، وتقييده بهذا أولى من حمله على الاستحباب مطلقا.

والنصوص المستفيضة ، منها ـ زيادة على ما يأتي إليه الإشارة ـ الصحيح : « إن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تمام الصلاة ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤).

ومنها : « من صلّى ولم يصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له » (٥) الخبر.

ومنها : « إذا صلّى أحدكم ولم يذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة » (٦).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٧٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، المعتبر ٢ : ٢٢٦ ، المنتهى ١ : ٢٩٤ ، التذكرة ١ : ١٢٥ ، الذكرى : ٢٠٤.

(٢) الأحزاب : ٥٦.

(٣) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٩ ، الخلاف ١ : ١٣١ ، المعتبر ٢ : ٢٢٦ ، المنتهى ١ : ٢٩٣.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٩ / ٥١٥ ، الوسائل ٦ : ٤٠٧ أبواب التشهد بـ ١٠ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٩ / ٦٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ / ١٢٩٢ ، الوسائل ٦ : ٤٠٧ أبواب التشهد بـ ١٠ ح ٢.

(٦) الكافي ٢ : ٤٩٥ / ١٩ ، المحاسن : ٩٥ / ٥٣ ، أمالي الصدوق : ٤٦٥ / ١٩ ، الوسائل ٦ : ٤٠٨ أبواب التشهد بـ ١٠ ح ٣.

٢٣٥

ومنها : « من صلّى ولم يصلّ فيها عليّ وعلى آلي لم تقبل منه تلك الصلاة » (١) إلى غير ذلك من النصوص.

قيل (٢) : خلافا للصدوق ، فلم يذكر في شي‌ء من كتبه شيئا من الصلاتين في شي‌ء من التشهدين ، كأبيه في الأوّل ، للأصل ، وظاهر الخبرين الماضيين بإجزاء الشهادتين (٣) ، كالصحاح ، ومنها : « إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم وانصرف أجزأه » (٤).

وفي الجميع نظر ، لضعف الأصل بما مرّ ، وقصور النصوص عن مقاومته ، بل وعن الدلالة على خلافه بعد قوة احتمال ما قيل : من أن الغرض منها بيان ما يجب من التشهّد (٥) ، وإنما يصدق حقيقة على التشهّد ، مع احتمال الحمل على التقية ، وعلى كون ترك الصلاة على محمد وآله للعلم بوجوبها من الكتاب ، أو لعدم اختصاص وجوبها بالتشهّد بل بوقت ذكره عليه‌السلام على القول به ، وهذه الاحتمالات محتملة في كلام الصدوقين أيضا ، فلا خلاف كما يشعر به الإجماعات المحكية ، وما يحكى عن الصدوق في أماليه أنه قال : من دين الإمامية الإقرار بأنه يجزي في التشهد الشهادتان والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

ثمَّ إن مقتضى الأصل وإطلاق الأدلّة الموجبة للصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما عدا الإجماعات المنقولة إنما هو وجوبها في الصلاة مطلقا ولو‌

__________________

(١) متشابه القرآن ٢ : ١٧٠ ، المستدرك ٥ : ١٥ أبواب التشهد بـ ٧ ح ٤.

(٢) كشف اللثام ١ : ٢٣١.

(٣) راجع ص : ٢٣٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٨ ، الوسائل ٦ : ٣٩٧ أبواب التشهد بـ ٤ ح ٢.

(٥) انظر الحدائق ٨ : ٤٤٨.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٢.

٢٣٦

مرّة ، كما عن الإسكافي (١) ، إلاّ أن الإجماعات عيّنتها في التشهدين ، وبها يقيّد الإطلاق ، مضافا إلى انصرافه إلى المعهود من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام والمسلمين في الأعصار والأمصار.

وفي الصحيح الوارد في بدء الأذان والصلاة : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ما جلس للتشهّد أوحى الله تعالى إليه : « يا محمد ، صلّ على نفسك وعلى أهل بيتك ، فقال : صلّى الله عليّ وعلى أهل بيتي » (٢) ويوافقه الحسن المتقدم في أوّل البحث (٣).

( وأقله ) أي التشهد المجزي ( أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، ثمَّ يأتي بالصلاة على النبي وآله ) فيقول : اللهم صلّ على محمّد وآل محمد.

ولا خلاف في إجزاء هذا المقدار ، بل عليه الإجماع في الروضة والمدارك (٤) ، وإنما اختلفوا في وجوب ما زاد عن الشهادتين من قوله : وحده لا شريك له ، وعبده. فقيل : نعم ، كما هو ظاهر المتن وجماعة (٥) ، لوروده في جملة من المعتبرة ، منها ـ زيادة على ما مرّ من الصحيح وغيره (٦) ـ المروي في الخصال : « إذا قال العبد في التشهد الأخير وهو جالس : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب‌

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٢ / ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ / ١ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ١٠.

(٣) راجع ص : ٢٣٢.

(٤) الروضة ١ : ٢٧٦ ، المدارك ٣ : ٤٢٦.

(٥) منهم الشهيد في الدروس ١ : ١٨٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٢.

(٦) في ص : ٢٣٢.

٢٣٧

فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، ثمَّ أحدث حدثا فقد مضت صلاته » (١).

خلافا للأكثر على الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع (٢) ، فلا يجب ، بل يجزي الشهادتان مطلقا ، لإطلاق جملة من النصوص ، ومنها : الرضوي المتقدم وسابقة (٣).

ويضعف بوجوب حمل المطلق على المقيّد.

وهو حسن لو لا اشتمال جملة من المقيّدات على ما لم يجب إجماعا ، واخرى على ترك ما يجب كذلك ، وهو الصلاة على النبي وآله ، كما مضى ، مع قصور سند بعضها.

وأما معه فيشكل ، سيّما بعد اشتهار الإطلاق بين الأصحاب ، حتى أن الشهيد رحمه‌الله في الذكرى عزاه إليهم بصيغة الجمع المفيد للاستغراق ، فقال : وظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا ، فعلى هذا لا يضرّ ترك : وحده لا شريك له ، ولا لفظة : عبده ، وفي رواية أبي بصير : « وأنّ محمدا » بغير لفظة : أشهد (٤).

وهو كما ترى مشعر بالإجماع عليه ، ولكنه في اللمعة والدروس (٥) عبّر بما في المتن ، ولا ريب أنه أحوط ، وإن كان القول بتعيّنه لعلّه لا يخلو عن نظر ، لما مر ، مضافا إلى أن جملة ممّا دلّ على إجزاء الشهادتين الصادقتين على ما عليه الأكثر أوضح دلالة على عدم وجوب الزائد عليهما من دلالة المقيّدات على وجوبه وأظهر ، من حيث التصريح فيها بأنهما أدنى ما يجزي ، بخلافها ، فإنّ‌

__________________

(١) الخصال : ٦٢٩ ( ضمن حديث الأربعمائة ) ، الوسائل ٦ : ٤١٢ أبواب التشهد بـ ١٣ ح ٥.

وفيهما : « تمّت صلاته ».

(٢) انظر جامع المقاصد ٢ : ٣١٨ ، وروض الجنان : ٢٧٨.

(٣) راجع ص : ٢٣٣.

(٤) الذكرى : ٢٠٤.

(٥) اللمعة ( الروضة البهيّة ١ : ٢٧٦ ، الدروس ١ : ١٨٢.

٢٣٨

غايتها الدلالة على الأمر به ورجحانه ، وهو ظاهر في الوجوب ، وأدنى ما يجزي صريح في العدم ، سيّما مع ضمّ بعض النصوص المعبّر عن الشهادتين بلفظهما من دون ذكر للزيادتين أصلا (١) ، فلا يمكن صرف الشهادتين إلى ما يشملهما والزيادتين ، وقصور السند أو ضعفه منجبر بالأصل ، والشهرة بين الأصحاب.

( وسننه : أن يجلس متوركا ) كما في الصحيح : « فإذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرّج بينهما شيئا ، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وأليتاك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى على الأرض ، وإيّاك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ، ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد والدعاء » (٢).

ويستفاد منه تفسيره بما قدمناه ( و ) هو أن ( يخرج رجليه ) من تحته ( ثمَّ يجعل ظاهر اليسرى إلى الأرض ، وظاهر اليمنى إلى باطن اليسرى ) وزيادة ما ذكره المرتضى (٣).

وأن يخطر بباله حال التورك فيه حين يرفع اليمنى ويخفض اليسرى : اللهم أمت الباطل وأقم الحق ، كما في النص (٤).

( والدعاء بعد الواجب ) من التشهد وقبله بما مرّ في بعض النصوص وغيره (٥) ، وأفضله ما تضمنه الموثق الطويل من الأذكار (٦).

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٣٤ أبواب قواطع الصلاة بـ ١ ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٤ / ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة بـ ١ ح ٣.

(٣) راجع ص ٢٢٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢١٠ / ٩٤٥ ، علل الشرائع : ٣٣٦ / ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٩٢ أبواب التشهد بـ ١ ح ٤.

(٥) راجع ص : ٢٣٢ ، ٢٣٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٣ ، الوسائل ٦ : ٣٩٣ أبواب التشهد بـ ٣ ح ٢.

٢٣٩

( و ) أن ( يسمع الإمام من خلفه ) الشهادتين ، كما مرّ في بحث القراءة (١).

__________________

(١) راجع ص : ١٧٩.

٢٤٠