تاريخ مدينة دمشق - ج ٢٢

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٢٢

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٧
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

فسمعته يقول : كيف تقولون في هذا؟ فإنه جاءني كتاب من يزيد بن عبد الله ولي عهدكم (١) يسألني أن يجري عليه مثل ما كان يجري عليه من كان قبلي ، قال : فقال من حضره : أهل ذلك يا أمير المؤمنين ـ أي يجرى عليه مثل ذلك ـ قال : ما تقول يا عراك؟ قال : ما تقول يا عراك (٢)؟ قال : ما أرى يا أمير المؤمنين لأحد إثرة في هذا الفن إلّا من عمل عليه ، وسل هذا الذي جاءك بالكتاب ، فإنه ربما مرّ بنا حاجّا ومعتمرا ، وهو إسماعيل بن عبيد الله ، فقال له عمر : كيف عراك؟ قال : كن مني قريبا ، فولاه إفريقية.

قرأت بخط أبي الحسين الميداني في سماعه من أبي سليمان بن زبر ، أنا أبي ، نا علي بن داود بن يزيد التميمي ، نا عبد الله بن صالح ، حدّثني أبو شريح ، عن سليمان بن حميد :

أنه دخل على عمر بن عبد العزيز فسأله عن ولد أبي بكير ، وعن بني عمه ، فقال : كيف تركتهم؟ فقال : بخير ، يحبون لقاءك ، ويستمتعون الله لك ، أيفعلون ذلك وقد قطعت عنهم ما كان يجرى عليهم؟ قال : نعم ، قال عمر : إن فيّ وفيهم عجبا ، أريد أن أحجرهم عن النار ، وهم ينازعون إليها.

أنبأنا أبو الغنائم بن ميمون الحافظ ، ثم حدّثنا أبو الفضل بن ناصر ، أنا أبو الفضل بن خيرون ، وأبو الحسن بن الطّيّوري ، وأبو الغنائم ـ واللفظ له ـ قالوا : أنا أبو أحمد ـ زاد ابن خيرون : ومحمّد بن الحسن قالا : ـ أنا أحمد بن عبدان ، أنا محمّد بن سهل ، أنا محمّد بن إسماعيل (٣) قال : سليمان بن حميد عن رجل ، عن ابن المسيّب ، روى عنه يحيى بن أبي أسيد ، وسعيد بن أبي أيوب سمع (٤) محمّد بن كعب ، مرسل.

وقال عمرو بن الحارث : حدّثني سليمان بن حميد (٥) ، سمع أباه ، سمع أبا هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ضرس الكافر» وقال ابن المبارك عن إبراهيم بن نشيط ، حدّثني سليمان بن حميد المزني (٦) ، عن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع القرشي.

__________________

(١) كذا رسمها بالأصل : «عبد الله ولي عهدكم».

(٢) كذا مكررة بالأصل.

(٣) التاريخ الكبير ٤ / ٨.

(٤) عن البخاري وبالأصل «مع».

(٥) في البخاري : حبيب ، خطأ.

(٦) بالأصل : «المدني» والمثبت عن البخاري.

٢٢١

كتب إليّ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده ، وحدّثني أبو بكر اللفتواني عنه ، أنا أبو القاسم بن منده عمي ، عن أبيه أبي عبد الله. قال اللفتواني : وأنا أبو عمرو بن منده ـ إجازة ـ عن أبيه أبي عبد الله قال : قال لنا أبو سعيد بن يونس في تاريخ الغرباء : سليمان بن حميد المزني ، مدني ، قدم مصر ، روى عنه من أهل مصر حرملة بن عمران ، وعمرو بن الحارث ، والليث بن سعد ، توفي سنة خمس وعشرين ومائة (١).

٢٦٥٩ ـ سليمان بن حيّان (٢)

أبو خيثمة العذري

من أهل دمشق.

حدّث عن واثلة بن الأسقع ، وأم الدّرداء ، والوليد بن أبي مالك ، وأنس بن مالك.

روى عنه إسماعيل بن عياش ، والوليد بن عبد الله الحمصياني (٣) ، وعيسى بن يونس.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأبي علي الحسن بن علي الأهوازي ، وأبي القاسم بن الفرات ، وأبي محمّد التميمي ، قالوا : أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، نا خيثمة بن سليمان ، نا أبو موسى عمران بن بكار ـ بحمص ـ نا الربيع بن روح ، نا إسماعيل بن عياش ، عن سليمان بن حيّان الدمشقي ، عن الوليد بن أبي مالك :

أنهم أتوا أبا عبيدة بن الجرّاح يعودونه في مرضه ، وامرأته عنده قاعدة بباب الحجرة ، فقال : كيف أصبح أبو عبيدة؟ فقالت : أصبح مأجورا ، فنادى أبو عبيدة (٤) : كفّرا عنّي ، إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من ابتلي في جسده فهو حطة (٥) ، وما قال حسنة فبعشر أمثالها ، ومن أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبع مائة ، ومن أماط أذى

__________________

(١) في الوافي بالوفيات ١٥ / ٣٧٢ خمس عشرة ومائة.

(٢) بالأصل : حبان بالباء الموحدة. والصواب ما أثبت عن م. وسيرد أثناء الترجمة صوابا. وانظر مختصر ابن منظور ١٠ / ١١٤.

(٣) كذا بالأصل وم وسيرد أثناء الترجمة : الحمصي وهو الصواب ، انظر البخاري ٤ / ٨.

(٤) بالأصل : أبو عبيد ، والمثبت عن م.

(٥) حطة : أي تحط عنه خطاياه وذنوبه ، وهي فعلة من حط الشيء يحطه إذا أنزله وألقاه. (النهاية : حطط).

٢٢٢

عن الطريق كتبت له حسنة» [٤٩٢٥].

أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل ، أنا جدي أبو محمّد ، نا أبو علي الأهوازي ، أنا أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ، أنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن أحمد بن حيدرة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، نا أبو عقيل أنس بن السلم الخولاني ، نا معلل بن نفيل الحرّاني ، عن عيسى بن يونس ، نا سليمان بن حيّان الدمشقي ، حدّثني أنس بن مالك ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تدخلون (١) الجنة مردا مكحلين ، ذوي أفانين ـ يعني الجمام ـ أبناء ثلاثين ، على صورة يوسف ، وقلب أيّوب».

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا محمّد بن الحسين السلمي ، أنا أبو بكر محمّد بن المؤمّل ، أنا الفضل بن محمّد الشعراني (٢) ، نا النفيلي (٣) ، نا الوليد بن عبد الله الحمصي ، عن أبي خيثمة سليمان بن حيّان ، نا واثلة بن الأسقع ، قال :

كنت من فقراء المسلمين من أهل الصّفّة ، فأتانا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم فقال : «كيف أنتم بعدي ، إذا شبعتم من خبز البر والزيت ، وأكلتم ألوان الطعام ، ولبستم ألوان الثياب ، فأنتم اليوم خير أم ذلك؟» قلنا : ذاك ، قال : «بل أنتم اليوم خير» ، قال واثلة : فما ذهبت بنا الأيّام حتى أكلنا ألوان الطعام ، ولبسنا ألوان الثياب ، وركبنا المراكب ، وشبعنا من خبز البر والزيت [٤٩٢٦].

أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد ، أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، نا سليمان بن أحمد ، نا موسى بن عيسى بن المنذر ، نا محمّد بن المبارك ، نا إسماعيل بن عياش ، نا سليمان بن حيّان العذري قال : سمعت واثلة بن الأسقع يقول : كنت من أصحاب الصفّة ، فشكا أصحابي الجوع ، الحديث.

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز بن أحمد الكتاني ، أنا أبو القاسم تمام بن محمّد ، أنا أبو عبد الله جعفر ، نا أبو زرعة الدمشقي ، قال في الطبقة الأصاغر

__________________

(١) بالأصل : يدخلون ، والصواب عن مختصر ابن منظور ١٠ / ١١٤.

(٢) ترجمته في سير الأعلام ١٣ / ٣١٧.

(٣) هو أبو جعفر عبد الله بن محمّد بن علي بن نفيل الحرّاني ، ترجمته في سير الأعلام ١٠ / ٦٣٤.

٢٢٣

من أصحاب واثلة وغيره : سليمان بن حيّان العذري.

أنبأنا أبو الغنائم محمّد بن علي ، ثم حدّثنا أبو الفضل السلامي ، أنا أحمد بن الحسن ، والمبارك بن عبد الجبار ، ومحمّد بن علي ـ واللفظ له ـ قالوا : أنا أبو أحمد ـ زاد أحمد : ومحمّد بن الحسن قالا : ـ أنا أحمد بن عبدان الحافظ ، نا محمّد بن سهل المقرئ ، نا محمّد بن إسماعيل البخاري (١) ، قال : سليمان بن حيّان أبو خيثمة ، سمع واثلة ، وأبا الدرداء (٢) ، سمع منه الوليد بن عبد الله الحمصي.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن العباس الشّقّاني ، أنا أحمد بن منصور القيرواني ، أنا أبو سعيد بن حمدون ، أنا مكي بن عبدان قال : سمعت مسلم بن الحجّاج يقول : أبو خيثمة سليمان بن حيّان ، سمع واثلة ، روى عنه الوليد بن عبد الله الحمصي.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو طاهر بن أبي الصقر ، أنا أبو القاسم الصّوّاف ، نا أبو بكر المهندس ، نا أبو بشر الدولابي قال : أبو خيثمة سليمان بن حيّان (٣).

أنبأنا أبو جعفر محمّد بن أبي علي ، أنا أبو بكر الصفار ، أنا أبو بكر الحافظ ، أنا أبو أحمد الحاكم ، قال : أبو خيثمة سليمان بن حيّان ، سمع واثلة بن الأسقع ، روى عنه الوليد بن عبد الله الحمصي ، حديثه في الشاميين ، كنّاه لنا محمّد ، قال : حدّثنا محمّد.

٢٦٦٠ ـ سليمان بن خلف بن سعد (٤) بن أيوب بن وارث

أبو الوليد الأندلسي الباجي الفقيه (٥)

سمع بدمشق أبوي (٦) الحسن بن السمسار ، وابن عوف (٧) ، وأبا القاسم بن

__________________

(١) التاريخ الكبير ٤ / ٨.

(٢) كذا بالأصل والبخاري ، وتقدم في بداية الترجمة : أم الدرداء.

(٣) الكنى والأسماء للدولابي ١ / ١٦٦.

(٤) في تذكرة الحفّاظ : «سعيد» وفي ترتيب المدارك : سعدون.

(٥) ترجمته في بغية الملتمس ٣٠٢ وترتيب المدارك ٤ / ٨٠٢ وتذكرة الحفاظ ٣ / ١١٧٨ الوافي بالوفيات ١٥ / ٣٧٢ فوات الوفيات ٢ / ٦٤ سير الأعلام ١٨ / ٥٣٥ وبحاشيتها أسماء مصادر أخرى ترجمت له.

والباجي نسبة إلى باجة ، من أقدم مدن الأندلس ـ بليدة قرب إشبيلية كما في السير ، وسيأتي للمصنّف أثناء الترجمة أنه من باجة القيروان ـ في إفريقيا.

(٦) كذا بالأصل ، وفي سير الأعلام سمع من ... والحسن بن السمسار.

(٧) اسمه محمّد بن عوف بن أحمد بن محمّد أبو الحسن (أبو بكر) المزني الدمشقي ، ترجمته في سير الأعلام ١٧ / ٥٥٠.

٢٢٤

الظهير ، وبصيدا : سكن ابن جميع ، وبمكة : أبا ذرّ عبد بن أحمد ، وأبا الحسن محمّد بن علي بن محمّد بن صخر ، وببغداد : أبا إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي ، وأبا القاسم الأزهري ، وأبوي الحسن بن زوج الحرة ، وعلي بن محمّد بن قشيش ، وأبا القاسم علي بن الحسن بن أبي عثمان ، وأبا طالب العشّاري ، وأبا عبد الله الصوري ، وأبا بكر الخطيب ، وأبا عبد الله الحسين بن علي الصّيمري ، وأبا الفرج الطناجيري ، وأبا القاسم التّنوخي ، وأبا طالب بن غيلان ، وأبا بكر محمّد بن المؤمّل المالكي غلام الأبهري ، وأبا الحسن العتيقي ، وأبا طالب عمر بن سليمان الزهري ، وأبا الحسين محمّد بن عبد الواحد بن علي بن رزمة ، وعبد العزيز بن علي الأزجي ، والقاضي أبا الطيب الطبري ، وغيرهم ، وبالأندلس : أبا بكر محمّد بن الحسن بن عبد الوارث ، وأبا الوليد يونس بن عبد الله بن الصفار ، وأبا محمّد عبد الله بن محمّد بن الوليد بن سعد بن بكر الأندلسي ، بمصر ، وبالكوفة. أبا القاسم سعيد بن وهب بن أحمد بن سلمان ، والشريف أبا عبد الله محمّد بن علي بن عبد الرّحمن الحسني.

روى عنه أبو بكر الخطيب ، وهو من شيوخه ، وابنه أبو القاسم أحمد بن سليمان بن خلف ، وأبو الحسن علي بن عبد الله الصقلّي ، وأبو عبد الله الحميدي ، وأبو بكر محمّد بن الوليد الطرطوشي ، وأبو جعفر أحمد بن علي بن عزلون (١) ، وغيرهم.

وألّف أبو الوليد كتبا كثيرة ، منها كتاب «التسديد إلى معرفة طرق التوحيد» ، وكتاب «سنن المنهاج وترتيب الحجاج» (٢) وكتاب «أحكام الفصول في أحكام الأصول» ، وكتاب «التعديل والتجريح في من خرج عنه البخاري في الصحيح» وغير ذلك.

كتب إليّ أبو بكر محمّد بن الوليد بن محمّد الفهري الطرطوشي من إسكندرية ، يذكر أن أبا الوليد سليمان بن خلف الباجي حدثهم بسرقسطة ، نا القاضي أبو الوليد بن الصفار ، واسمه يونس بن عبد الله بن مغيث ، حدّثني أبو عيسى ـ يعني يحيى بن عبيد الله بن أبي عيسى ، حدّثني عبيد الله بن يحيى ، عن أبيه يحيى بن يحيى ، عن

__________________

(١) في سير الأعلام : غزلون.

(٢) اسمه في ترتيب المدارك : تفسير المنهاج في ترتيب طرق الحجّاج.

٢٢٥

مالك بن أنس ، عن خبيب بن عبد الرّحمن الأنصاري ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد الخدري ، أو عن أي هريرة أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«سبعة يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلّق بالمسجد ، إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابّا في الله ، اجتمعا على ذلك ، وتفرّقا ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال إلى نفسها فقال : إني أخاف الله تعالى ، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [٤٩٢٧].

أخبرنا أبو الحسن رزيق بن معاوية بن عمّار العبدري ـ بمكة ـ نا الشيخ الفقيه أبو الحسن علي بن عبد الله الصّقلي ـ إمام المالكية بمكة ـ نا القاضى أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي ، نا الفقيه أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث القرطبي ، نا أبو عيسى يحيى بن عبيد الله بن يحيى بن يحيى (١) ، عن أبيه عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، نا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر :

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أناخ بالبطحاء الذي بذي الحليفة ، وصلّى بها ، قال نافع : وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك.

حدّثني أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن الأشيري ـ بدمشق ـ قال : سألت أبا جعفر أحمد بن علي بن خلف بن يونس بن غزلون الأموي الأندلسي التطيلي عن مولد أبي الوليد الباجي فقال : سألت الباجي عن مولده فقال : ولدت سنة أربع وأربعمائة ، قال أبو جعفر : ثم رأيت بعد ذلك تاريخ مولده بخط أمّه ، وكانت فقيهة ، ولد ابني سليمان في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعمائة.

سمعت أبا محمّد عبد الله بن محمّد الأشيري يقول : سمعت أبا جعفر أحمد بن علي بن غزلون يقول : سمعت أبا الوليد الباجي يقول :

كان أبي من تجار القيروان من باجة القيروان (٢) ، وكان يختلف إلى الأندلس ، ويجلس إلى فقيه بها ، يقال له أبو بكر بن شماخ وتعجبه طريقته ، فكان يقول : ترى أرى

__________________

(١) كتب فوقها بالأصل كلمة صح.

(٢) كذا بالأصل ، ويقول الذهبي في سير الأعلام ١٨ / ٥٣٦ أصله من مدينة بطليوس (مدينة بالأندلس) فتحول جده إلى باجة بليدة قرب إشبيلية فنسب إليها ، وما هو من باجة المدينة التي بأفريقية (كذا).

٢٢٦

لي ابنا مثلك؟ فلما أكثر من ذلك القول قال له ابن شماخ : إن أحببت أن ترزق ابنا مثلي فاسكن بقرطبة ، والزم أبا بكر محمّد بن عبد الله القبري ، واخطب إليه ابنته ، فإن أنكحكها فعسى أن ترزق مثلي ، فقدم قرطبة ، ولزم أبو بكر القبري سنة ، وأظهر له الصلاح ، فأعجب بطريقته ، ثم خطب إليه ابنته بعد سنة ، فزوجه بها ، فجاءه من الولد أبو الوليد ، وابن آخر صار صاحب الصلاة بسرقسطة ، وابن ثالث ، كان من أدلّ الناس ببلاد العدو في الغزو حتى إنه كان يعرف الأرض بالليل بشمّ التراب ، أو كما قال.

قرأت على أبي محمّد السلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا (١) ، قال : أما الباجي بالباء المعجمة بواحدة ، ذو الوزارتين القاضي الإمام أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي ، من باجة الأندلس ، متكلم ، فقيه ، أديب ، شاعر ، رحل إلى المشرق ، وسمع بمكة من أبي ذرّ عبد بن أحمد الهروي ، وبالعراق من البرمكي ، وطبقته ، ودرّس الكلام على القاضي السمناني ، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، ورجع إلى الأندلس ، فروى ودرّس وألّف ، وكان جليلا ، رفيع القدر والخطر ، روى عنه أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الخطيب الحافظ ، توفي بالمريّة من بلاد الأندلس في سنة أربع وسبعين أو نحوها ، وقبره هناك يزار.

قرأت على أبي الحسن سعد الخير بن محمّد بن سهل الأندلسي ، عن محمّد بن أبي نصر الحميدي في كتاب تاريخ الأندلس (٢) تصنيفه ، قال : سليمان بن خلف بن سعد ، أبو الوليد الباجي ، فقيه دخل المشرق ، وسمع بمكة من أبي ذرّ الهروي ، وبالعراق من جماعة ، ودرس الكلام على القاضي أبي الحسن السمناني ، ورجع إلى الأندلس ، وتصدّر ورأس ، وكان أديبا شاعرا ، أنشدني له أبو بكر الخطيب ، وذكر البيتين اللذين يأتيان.

قرأت بخط بعض الأندلسيين في مسألة جرت بالأندلس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب يوم الحديبية بيده أم لا ، وقد تكلم عليها أبو الوليد الباجي ، وحكى عن بعض العلماء القول بأنه كتب ، كما في بعض طرق حديث البراء ، وتكلم على ذلك بأبلغ كلام وأوضحه ، وبعده جواب ابن الفوار المري ، وإبراهيم بن سعيد بن وردون ، وعيسى بن محمّد ابن

__________________

(١) الاكمال لابن ماكولا ١ / ٤٦٧ ولم يذكره فقد سقط من المتن ، وورد في حاشية صفحة ٤٦٨.

(٢) اسم كتابه جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس ، ولم أعثر له على ذكر فيه.

٢٢٧

صاحب الأحباس ، وأبي حفص الهروي ، وأبي عمر بن عبد البر ، وأبي عبد الله محمّد بن شافع في إنكار ذلك والتشنيع على أبي الوليد ، وبعد أجوبتهم جواب أحمد بن محمّد اللخمي بتصويبه ، فمما قال في حقه : ولا يجوز أن يؤذي إمام من أئمة المسلمين معروف خيره وعلمه وصحة مذهبه وعلمه بالفقه والكلام ، ولا أن يطلق عليه بالتضليل والتبديع ، وبعده جواب جعفر بن عبد الجبار ، فما قال في حقه وما ستبدع ذلك يعني الإجادة والصواب من مثله لما وهبه الله من الفهم ، وكيف لا يكون كذلك وقد ارتحل إلى العراق ، وقرأ على أبي الشيوخ الجلّة من أئمة السنّة ، وبعده جواب الحسن بن علي التميمي المصري ، قال فيه : وقفت على ما كتبه الفقيه القاضي الأجلّ شيخنا وكبيرنا وإمامنا الذي نفزع إليه في المشكلات ، ونعتمد (١) عليه فيما دهمنا من أمور الناس ، ومعرفة توحيد خالقنا وصفاته التي بان بها عن جميع المخلوقات ، أدام الله للمسلمين توفيقه وتسديده ، وما منّ به عليهم منه من البصيرة والهداية من خطأ المخطئين وعمى العامين ، فلو نهضوا نحو الفقيه القاضي ليتعلموا منه أوائل المفترضات ومعرفة خالقهم ، وما خصنا به جميع أهل السنة والأثبات لكان بهم أحرى. وبعده جواب عبد الله بن الحسين (٢) البصري المقيم بصقلية (٣) بتصويبه يقول فيه : والفقيه القاضي قد انتشرت إمامته ، واشتهرت عدالته ، فلو سأل من حاول الرد والتضليل للفقيه القاضي كل من قدم من شرق وغرب لشهد الكل بإمامته وحفظه للحديث ، ومعرفته بالصحيح منه والسقيم ، وسائر علومه وأصول الدين وفروعه ، وبعده جواب أبي الفضل جعفر بن نصر البغدادي ، يقول فيه : ولا يحل لأحد أن يعنفه فيما أتى به إذ هو إمام جامع ، أو إمام الأئمة في المشرق والمغرب ، ولا سيما بالعراق ، وان أكثر البلاد المفتقرة لعلمه بالصحيح من الحديث والسقيم ، فلو نهض كلّ من رد عليه ليتعلموا منه أوائل المفترضات عليهم لكان بهم أحرى ، ويزيلوا عن أنفسهم الحسد والبغي ، وإنما (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٤).

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، وأبو الحسين بن الفراء ، قالا : أنشدنا أبو بكر

__________________

(١) بالأصل وم : ويعتمد.

(٢) في مختصر ابن منظور ١٠ / ١١٧ الحسن.

(٣) صقلية : بثلاث كسرات وتشديد اللام والياء أيضا مشددة ، من جزائر بحر المغرب (ياقوت).

(٤) سورة التوبة ، الآية : ٣٢ وبالأصل «المشركون» والتصويب عن التنزيل العزيز.

٢٢٨

الخطيب ، أنشدني أبو الوليد سليمان بن خلف الأندلسي لنفسه (١) :

إذا كنت أعلم علما يقينا

بأن جميع حياتي كساعة

فلم لا أكون ضنينا عليها

وأجعلها في صلاح وطاعة

ووجدت بخط بعض أهل العلم لأبي الوليد :

قد أفلح القانت في جنح الدجى

يتلو الكتاب العربي النيرا

له حنين وشهيق وبكا

يبل من أدمعه ترب الثرا

إنا لسفر نبتغي نيل المدى

ففي السرى بغيتنا لا في الكرا

من ينصب الليل ينل راحته

عند الصباح يحمد القوم السرا

قال لنا أبو محمّد بن الأشيري : قرأت بخط أبي الوليد بن الدباغ : أن الباجي توفي لسبع عشرة ليلة خلت من رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة وكانت رحلة الباجي سنة ست وعشرين وأربعمائة.

٢٦٦١ ـ سليمان بن خيثمة بن سليمان

ابن حيدرة القرشي الأطرابلسي

حدّث عن أحمد بن سليمان البغدادي.

حدّث عنه عبد الوهاب بن الحسن ، له حكاية تقدمت في ترجمة أحمد بن سليمان (٢).

أخبرنا أبو القاسم بن السّوسي ، أنا جدي أبو محمّد ، أنا أبو علي الأهوازي ـ إجازة ـ قال : قال لنا : الكلام في تسمية شيوخه سليمان بن خيثمة الأطرابلسي.

__________________

(١) البيتان في معجم الأدباء ١١ / ٢٥٠ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٠٨ بغية الملتمس للضبي ص ٣٠٣ والوافي بالوفيات ١٥ / ٣٧٤ وسير الأعلام ١٨ / ٥٤٢ وانظر تخريجهما فيها.

(٢) سقطت ترجمته من كتابنا ، ضمن القسم الضائع من تراجم الأحمدين.

٢٢٩

٢٦٦٢ ـ سليمان (١) بن داود

ابن أفشى (٢) بن عويد بن ناعر (٣) بن سلمون

ابن يخشون (٤) بن عميناذب بن ارم (٥) بن خضرون (٦)

ابن فارص بين يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم

أبو الربيع نبي الله بن نبي الله

جاء في الآثار أنه دخل دمشق.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا حارث بن أبي أسامة ، نا محمّد بن سعد (٧) ، أنا هشام بن محمّد بن السائب الكلبي ، عن أبيه قال : أول نبيّ (٨) بعث إدريس ثم نوح ثم إبراهيم ثم إسماعيل ، وإسحاق ، ثم يعقوب ، ثم يوسف ، ثم لوط ، ثم هود ، ثم صالح ، ثم شعيب ، ثم موسى وهارون ثم الياس ، ثم أليسع [ثم](٩) يونس ، ثم أيوب ، ثم داود بن إيشا بن عويد بن ناعر (١٠) بن سلمون بن يحشون (١١) بن عميناذب بن إرم بن خضرون (١٢) بن فارض (١٣) بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، ثم سليمان بن داود ، ثم زكريا بن يشوى من بني يهوذا بن يعقوب ، ثم يحيى بن زكريا ، ثم عيسى بن مريم بنت عمران بن ماتان من بني يهوذا بن يعقوب ، ثم النبي محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) ذكر سليمان في القرآن الكريم ست عشرة مرة في : البقرة ، والنساء ، والأنعام ، والأنبياء ، والنمل ، وسبأ ، وص.

(٢) في البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٢٢ نقلا عن ابن عساكر : إيشي.

(٣) البداية والنهاية : «عابر» وفي الطبري ١ / ٤٧٦ باعز.

(٤) البداية والنهاية : نحشون.

(٥) الطبري : رام.

(٦) الطبري والبداية والنهاية : حصرون.

(٧) الخبر في طبقات ابن سعد ٥٤١ تحت عنوان : ذكر تسمية الأنبياء وأنسابهم صلى الله عليهم وسلم.

(٨) عن ابن سعد وبالأصل : شيء.

(٩) زيادة عن ابن سعد للإيضاح.

(١٠) ابن سعد : باعر.

(١١) ابن سعد : نحشون.

(١٢) الطبري والبداية والنهاية : حصرون.

(١٣) كذا وقد مرّ : فارص ، ومثله في ابن سعد.

٢٣٠

قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا (١) ، قال : وأما فارص بصاد مهملة فهو سليمان بن داود بن إيشا بن عويد بن ناعر بن سلمون بن يحشون بن عمي بن يادب بن رام بن خضرون بن فارص بن يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح ، وهو آزر بن باجور بن ساروع بن أرعوا بن فالغ وهو فالح بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.

ذكر أبو حاتم الرازي ، أنا مالك بن إسماعيل النهدي ، نا الحكم بن ظهير ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبّه قال : كنية سليمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو الربيع.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين في كتابيهما قالا : أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو بكر ، أنا محمّد بن يوسف ، نا محمّد بن حمّاد ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن الحسن في قوله : (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ)(٢) قال : كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر (٣) ويروح من إصطخر فيبيت بكابل (٤) ، وما بين إصطخر ودمشق مسيرة شهر للمسرع ، وما بين إصطخر إلى كابل مسيرة شهر للمسرع (٥).

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، وأبو الحسن بركات بن عبد العزيز ، قالا : نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أنا محمّد بن أحمد بن رزقويه ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، أنا جويبر ، عن أبي سهل ، عن الحسن قال : كان الله تبارك وتعالى سخّر لسليمان الريح (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) ، وقال الله عزوجل (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)(٦) يعني النحاس ، فجرى له.

__________________

(١) الاكمال لابن ماكولا ٧ / ٤٠.

وثمة خلاف كبير بين الأسماء التي ذكرت هنا بالأصل في عامود نسبه وبين ما ورد في الاكمال ، راجعها فيه.

(٢) سورة سبأ ، الآية : ١٢.

(٣) اصطخر بكسر الهمزة ، بلدة بفارس ، من أقدم مدنها وأشهرها ، بينها وبين شيراز ١٢ فرسخا (ياقوت).

(٤) كابل من ثغور طخارستان ، وهي بين الهند ونواحي سجستان في ظهر الغور (ياقوت).

(٥) نقله ابن الأثير في البداية والنهاية عن الحسن البصري.

(٦) سورة سبأ ، الآية : ١٢.

٢٣١

وكان يتغدى باليمن ويتعشى بالشام ، وكان يتغدى بالشام ويتعشى باصطخر ، وكان يغدو من إصطخر فيقيل بالعراق ، ويروح منها إلى الشام.

قال : وأنا جويبر ، عن أبي سهل ، عن الحسن قال : كان سليمان ربما تغدى بالشام وتعشّى بوائل استان ـ يعني بفارس (١) ـ.

قرأت على أبي القاسم زاهر بن طاهر ، عن أبي بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا علي بن حمشاد ، أنا إسماعيل بن قتيبة ، نا علي بن قدامة ، نا أبو جعفر الأسواني ـ يعني ـ محمّد بن عبد الرّحمن ، عن يعقوب القمّي حدّثني أبو مالك قال : مرّ سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة فقال لأصحابه : أتدرون ما تقول؟ قالوا : وما تقول يا نبي الله؟ قال : يخطبها إلى نفسه ، ويقول : زوجيني (٢) ، أسكنك أي غرف دمشق شئت ، قال سليمان : لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد ، ولكن كلّ خاطب كذاب (٣).

أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش ـ إذنا ومناولة ـ وقرأ عليّ إسناده ، أنا محمّد بن الحسين الجازري ، أنا المعافى بن زكريا ، نا محمّد بن الحسن بن زياد المقرئ ، أنا الحسن بن سفيان ، أنا صفوان بن صالح ، أنا الوليد ، أنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس قال :

لما تزوج داود عليه‌السلام بتلك المرأة ولدت له سليمان بن داود بعد ما تاب الله عليه غلاما طاهرا نقيا فهما عاقلا عالما ، وكان من أجمل الناس ، وأعظمه وأطوله فبلغ مع أبيه حتى كان يشاوره في أموره ويدخله في حكمه ، فكان أول ما عرف داود من حكمته وتفرس فيه النبوة أن امرأة كانت كسبت جمالا فجاءت إلى القاضي تخاصم عنده فأعجبته فأرسل إليها يخطبها فقالت : ما أريد النكاح ، فراودها على القبيح فقالت : أنا عن القبيح أبعد ، فانقلبت منه إلى صاحب الشرطة فأصابها منه مثل الذي أصابها من القاضي ، فانقلبت إلى صاحب السوق فكان منه مثل ذلك ، فانقلبت منه إلى حاجب داود فأصابها منه مثل ما أصابها من القوم ، فرفضت حقها ولزمت بيتها ، فبينا القاضي وصاحب

__________________

(١) الزيادة عن البداية والنهاية ٢ / ٢٢.

(٢) كذا بالأصل والبداية والنهاية ، وفي مختصر ابن منظور : زوجتي.

(٣) نقله ابن كثير في البداية والنهاية ٣٢ بتحقيقنا ، نقلا عن ابن عساكر.

٢٣٢

الشرطة وصاحب السوق والحاجب جلوس في مجلس يتحدثون فوقع ذكرها فتصادق القوم بينهم وشكى كل واحد منهم إلى صاحبه ما أصابه من العجب بها ، قال بعضهم : ما يمنعكم وأنتم ولاة الأمر أن تتلطفوا لها حتى تستريحوا منها فاجتمع رأي القوم على أن يشهدوا أن لها كلبا وأنها تضطجع فترسله على نفسها حتى ينال منها ما ينال الرجل من المرأة ، فدخلوا على داود عليه‌السلام فذكروا له أن امرأة لها كلب تسمنه وترسله على نفسها حتى يفعل بها ما يفعل الرجل بالمرأة فكرهنا أن نرفع أمرها إليك حتى تتحققه فمشيا حتى دخلنا منزلا قريبا منها في الساعة التي بلغنا أنها تفعل ذلك فنظرنا إليها كيف حلته من رباطه ثم اضطجعت له حتى نال منها ما ينال الرجل من المرأة ، ونظرنا إلى الميل يدخل في المكحلة ويخرج منها ، فبعث داود فأتى بها فرجمها فخرج سليمان وهو يومئذ غلام حين ترعرع ومعه الغلمان ومعه حضانة يلعب فجعل منهم صبيا قاضيا وآخر على الشرطة ، وآخر على السوق ، وآخر حاجبا ، وآخر كالمرأة ثم جاءوا يشهدون عند سليمان كهيئة ما شهد أولئك عند داود يريدون رجم ذلك الصبي كما رجمت المرأة. قال سليمان عند شهادتهم فرقوا بينهم ثم دعا بالصبي الذي جعله قاضيا فقال : أتقنت الشهادة ، قال : نعم ، قال : فما كان لون الكلب؟ قال : أسود ، قال : نحّوه ، ودعا بالذي جعل على الشرطة فقال : [أتقنت الشهادة؟ قال : نعم ، فما كان لون الكلب؟ قال : أبيض ، قال : نحّوه ، ثم دعا بالذي جعل حاجبا فقال :](١) تيقنت (٢) الشهادة؟ قال : نعم ، قال : فما كان لون الكلب؟ قال : أغبس (٣) قال : أردتم أن تغشّوني حتى أرجم امرأة من المسلمين. فقال للصبيان ارجموهم وخلّى سبيل الصبي الذي جعله امرأة ورجع دكانه فدخلوا على داود فأخبروه الخبر فقال داود : عليّ بالشهود الساعة واحدا واحدا فأتي بهم ، فسأل القاضي : ما كان لون الكلب؟ فقال : أسود ، ثم أتي بصاحب الشرطة وسأله فقال : أبيض ، ثم أتي بصاحب السوق فسأله فقال : كان أحمر ثم أتي بالحاجب فسأله فقال : كان أغبس ، فأمر بهم داود فقتلوا مكان المرأة فكان هذا أمر أن ما استبان لداود من فهم سليمان عليهما‌السلام.

__________________

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن هامش الأصل.

(٢) كذا بالأصل هنا ، وم.

(٣) العنبس محركة بياض فيه كدرة رماد (القاموس المحيط).

٢٣٣

أنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين (١) الحافظ ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا علي بن عيسى ، نا أبو يحيى زكريا بن داود ، نا يحيى بن يحيى ، أنا عبد الرّحمن بن محمّد المحاربي ، عن أشعث ، عن أبي إسحاق ، عن مرّة ، عن ابن مسعود في قوله عزوجل : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ)(٢) قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته. قال فقضى داود عليه‌السلام بالغنم لصاحب الكرم. فقال سليمان : غير هذا يا نبي الله قال : وما ذاك؟ قال : تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فتقوم عليه حتى يعود كما كان (٣) دفعت الكرم إلى صاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها قال الله عزوجل : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً)(٤)(٥).

أخبرنا أبو علي الحسن بن المظفّر ، أنا أبي أبو سعد ، أنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس المكي ، نا أبو عبيد الله قال : قال سفيان في قوله تعالى : (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) قال : قضى داود لصاحب الحرث برقاب الغنم ، فمرّوا على سليمان قال : أي شيء قضى بينكم نبي الله؟ فأخبروه ، فقال : ليس هذا ، ولكن ادفعوا الغنم إلى صاحب الحرث يصيب من رسلها وصوفها ويعمل (٦) صاحب الغنم في حرثه حتى يردّها كما كانت حين أفسدتها الغنم ، ثم يردّ عليه غنمه فذلك قوله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ).

أخبرنا أبو محمّد عبد الجبار بن محمّد بن أحمد ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ، أنا أحمد بن محمّد بن عبد الله الطبري ـ قراءة عليه بجرجان ـ أنا أبو بكر أحمد بن علي بن إبراهيم الآبندوني (٧) ، نا عبد الله بن محمّد بن مسلم الجوربذي (٨) ،

__________________

(١) بالأصل : الحسن ، خطأ والمثبت عن م ، وهو أبو بكر البيهقي ، ترجمته في سير الأعلام ١٨ / ١٦٣.

(٢) سورة الأنبياء ، الآية : ٧٨.

(٣) كذا بالأصل والمعنى مضطرب وسياق العبارة في الطبري ١ / ٤٨٦ كما كان ، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها ، حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم ...

(٤) سورة الأنبياء ، الآية : ٧٩.

(٥) الخبر من هذه الطريق في الطبري ١ / ٤٨٦ وانظر البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٣٢.

(٦) بالأصل ونعمل.

(٧) ضبطت عن الأنساب ، وهذه النسبة إلى آبندون وهي قرية من قرى جرجان.

(٨) كذا ، وهذه النسبة إلى جوربذ كما في ياقوت وهي قرية من قرى أسفرائين. ذكره ياقوت وترجم له.

وفي الأنساب : الجوربكي ، نسبة إلى جوربك قرية من قرى أسفرائين ، ذكره ياقوت وترجم له.

٢٣٤

نا داود بن الحسين البيهقي ، نا محمّد بن سهل السمرقندي ، نا إسحاق بن الصلت ، نا عبد الله بن عرادة الشيباني ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال :

نزل كتاب من السماء إلى داود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مختوما فيه عشر مسائل : أن سل ابنك سليمان ، فإن هو أخرجهن فهو الخليفة من بعدك ، قال : فدعا داود سبعين قسا وسبعين حبرا ، وأجلس سليمان بين أيديهن وقال : يا بنيّ نزل كتاب من السماء فيه عشر مسائل ، أمرت أن أسألكهن ، فإن أنت أخرجتهن فأنت الخليفة من بعدي ، قال سليمان : ليسأل نبي الله عما بدا له ، وما توفيقي إلّا بالله ، قال : أخبرني يا بني ما أبعد الأشياء؟ وما أقرب الأشياء؟ وما آنس الأشياء ، وما أوحش الأشياء ، وما القائمان ، وما المختلفان؟ وما المتباغضان؟ وما الأمر إذا ركبه الرجل حمد آخره؟

وما الأمر إذا ركبه الرجل ذم آخره؟ فقال سليمان : أما أقرب الأشياء فالآخرة ، وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا ، وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح ، وأما أوحش الأشياء فجسد لا روح فيه ، أما القائمان فالسماء والأرض ، وأما المختلفان فالليل والنهار ، وأما المتباغضان فالموت والحياة كلّ يبغض صاحبه ، وأما الأمر إذا ركبه الرجل حمد آخره ، فالحلم على الغضب ، وأما الأمر إذا ركبه الرجل ذمّ آخره فالحدة على الغضب ، قال : ففك الخاتم فإذا هو بالمسائل سواء على ما نزل من السماء. فقال القسّيسون والأحبار : لن نرضى حتى نسأله (١) عن مسألة فإن هو أخرجها فهو الخليفة من بعدك ، قال : فسلوه ، قال سليمان : سلوني وما توفيقي إلّا بالله ، قالوا : ما الشيء إذا صلح صلح كل شيء (٢) منه ، وإذا فسد فسد كل شيء منه؟ قال سليمان : هو القلب إذا صلح صلح كل شيء منه ، وإذا فسد فسد كل شيء منه ، فقالوا : صدقت أنت الخليفة بعده ، فدفع إليه داود قضيب (٣) الملك ومات من الغد.

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، وأبو الحسن بركات بن عبد العزيز قالا : نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن بن رزقويه (٤) ، أنا أحمد بن سندي الحداد ، نا

__________________

(١) بالأصل : «لن يرضى حتى يسأله» صوبنا العبارة عن م باعتبار السياق.

(٢) مطموسة بالأصل ، والمثبت عن م.

(٣) مطموسة بالأصل ، والمثبت عن م ، وانظر مختصر ابن منظور ١٠ / ١١٩.

(٤) بالأصل : زرقويه بتقديم الزاي خطأ. والصواب بتقديم الراء ، انظر ترجمته في سير الأعلام ١٧ / ٢٥٨.

٢٣٥

الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، أنا خارجة بن مصعب ، وعثمان بن الساج ، عن إدريس أبي إلياس ، عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال :

استخلف داود سليمان صلى الله عليهما في حياته ، وكان سليمان يوم استخلف أتى عليه اثنتا (١) عشرة سنة وذلك أنه لما نفذ في الحكم وأبصر داود فهمه ، وكان الله عزوجل جعله فهما. قال : فبينا داود جالس مع أحبار بني إسرائيل فذكروا العقل عند داود ، فقال له داود : يا نبي الله ما العقل؟ قال : يا أبة ، ما ارتدى العبد برداء أجمل من فضل عقل يرتدي به عبد مؤمن ، إن انكسر جبره عقله ، وإن صرع نعشه ، وإن زلّ عمده ، وإن ذل أعزّه ، وإن اعوجّ أقامه ، وإن عثر رفعه ، وإن افتقر أغناه ، وإن جاع أشبعه ، وإن ظمئ أرواه ، وإن حزن فرّحه وإن جمح كبحه ، وإن استوحش آنسه ، وإن خاف آمنه ، وإن غوى أرشده ، وإن تكلم صدّقه ، وإن كانت سوأة زيّنها ، وإن انكشف ستره ، وإن أقام بين ظهراني قوم اغتبطوا به ، وإن غاب عنهم أسفوا عليه ، وإن خطب إليهم وهو صعلوك اعتفروا ذلك منه ، وإن شهد شهادة وهو غريب تفرّسوا فيه فأحسنوا به الظن فقبلوها ، وإن نطق قالوا : بليغ ، وإن سكت قالوا : لبيب ، وإن بسط يده قالوا : جواد ، وإن قبضها قالوا : مقتصد ، وإن عنف قالوا : لم يأل ، وإن رفق قالوا : شفيق ، وإن أفطر قالوا : معذور ، وإن صام قالوا : مجتهد ، فالعقل رأس الإيمان ، ووسط الإيمان وآخر الإيمان ، فبه يصل العبد إلى الجنة ، وبه يتفاضل أهل الدنيا في دنياهم ، وأهل الجنة في درجاتهم ، لأن العاقل إذا أخطأ رجع ، وإذا أساء (٢) أحسن ، والعقل برد صاحبه إلى خير العواقب ، قال : فتعجب داود عليه‌السلام فقال : يا بنيّ ، فأين موضع العقل؟ قال : في الدماغ ، يكون صاحب العقل رزينا زمّيتا ، لا يكون عجولا جهولا ، ولا يستخفّه الفرح ، ولا يغلبه هواه ، قال : فعجب داود من حكمته فاستخلفه.

قال : وأنا إسحاق ، أنا موسى بن عبيدة الرّبذي ، عن محمّد بن كعب القرظي قال : وأنا إسحاق ، أنا خارجة بن مصعب ، عن الحسن بن ذكوان ، عن من يخبره عن كعب ، وسعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن عبد الله بن سلام قالوا : لم يبعث الله عزوجل

__________________

(١) بالأصل : اثنا عشر سنة.

(٢) عن مختصر ابن منظور ١٠ / ١٢٠ وبالأصل : امن.

٢٣٦

رسولا إلى قومه حتى وجده أرجحهم عقلا.

قال كعب : وبعض النبيين أرجح عقلا من بعض ، وما استخلف داود سليمان واختاره على جميع ولده وبني إسرائيل حتى عرف فضل عقله في حداثة سنه ، وإنما كان استخلاف الأنبياء قبل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبوة ما خلا محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه لا نبي بعده فأعطى الله سليمان من العقل ما لو وزن عقله بعقل أهل زمانه لرجحهم.

قال : وأنا أبو الحسن بن رزقويه ، نا أحمد بن سندي ، نا الحسن بن علي ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا علي بن عاصم ، عن سوار بن عبد الله القاضي ، حدّثني أبو بشير قال :

لما كبر داود صلى‌الله‌عليه‌وسلم وظن أنه الموت ، أرسل إلى فقهاء بني إسرائيل وخيارهم فاجتمعوا عنده فقال لهم : إني لا أرى إلّا قد احتضرت ، فابغوني رجلا منكم ترضونه فأوليه الخلافة من بعدي ، قال : فطافوا زمانا لا يذكر لهم رجل من بني إسرائيل بخير إلّا أتوه به ، فلا ينصرفون عنه حتى يجدوا فيه عيبا ، قال : فطال ذلك عليهم قال : وغضب داود عليه‌السلام ، وقال : ابغوني هذا الرجل فإني قد احتضرت ، قال : فطافوا فجعلوا لا يجدون رجلا يرضونه لها قال : فلما طال ذلك عليهم قال بعضهم : قد رأينا هذا الغلام قد نشأ على أحسن ما ينشأ عليه أحد ، وقد عجزنا أن نجد هذا الرجل فلو أتينا سليمان قال : فغضبت المشيخة وقالوا : ما لسليمان وهذا الأمر؟ قالوا : ليس نجد هذا الرجل وما علينا أن نأتيه؟ قال : فطلبوه في أهله فلم يجدوه ، فطلبوه فوجدوه في جدار قاعدا وحده مسندا ظهره إلى الجدار ، قال : فأتوه فسلموا ، فقعدوا حوله ، قال : ففزع سليمان لما رأى أحبار بني إسرائيل وفقهاءهم ، فجعلوا لا يسألونه عن شيء يعلمه إلّا أخبرهم به ، وإن سألوه عن شيء لا علم لديه رد علمه إلى الله تعالى قال : فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، فقالوا : هذا صاحبنا ، قال : فلما فرغوا ما أرادوا أن يسألوه عنه ، واجتمع رأيهم على أنه صاحبهم ، ضحك سليمان فغضبت المشيخة وقالوا : غلام أتيناه لأعظم أمر في الدنيا وليس أهل ذاك ، ضحك واستهزأ بنا؟ ثم قال بعضهم : والله لأخبرنّ بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فأرسل إليهم داود فقال : ألا تبغوني هذا الرجل قالوا : ما وجدنا في بني إسرائيل رجلا يصلح للخلافة ، فأتينا سليمان قال : فغضب داود وقال : ما لسليمان وما لهذا؟ قالوا : يا رسول الله ، لم نجد الرجل فأتيناه فلم نر إلّا خيرا. فلما ذهبنا نقوم ضحك

٢٣٧

سليمان. قال : قال داود عليه‌السلام : ضحك؟! قالوا : نعم ، قال : عليّ بسليمان ، قال : فأتي به ، فقال : يا سليمان ، أتاك أحبار بني إسرائيل وفقهاؤهم لأعظم أمر في الدنيا. ولست لذلك بأهل ، فضحكت (١) بهم وسخرت منهم؟ والله لأعاقبنّك بعقوبة لم أعاقبها أحدا (٢) قبلك ، قال سليمان : يا رسول الله أوآتيكم بعذر؟ قال : أو تأتيني بعذر. قال : أتاني هؤلاء القوم فسألوني عن أشياء ما علمت منها أخبرتهم (٣) ، وما لم أعلم رددت علمه إلى الله ، فإنهم حولي إذ سمعت كلاما من خلفي فالتفت إلى الحائط إذا أنا بدودة وإذا هي تقول : يا للعجب من قوم يسألون سليمان ، وقد فرغ الله من أمره ، فما ملكت نفسي أن ضحكت فرحا لما قالت ، قال : فقال داود لسليمان ولهم : اخرجوا عني ، فخرجوا ونزل الوحي على داود : يا داود أعرض على سليمان فقد ولّاه الله الأمر من بعدك.

أخبرنا أبو العلاء زيد ، وأبو المحاسن مسعود ابنا علي بن منصور بن علي بن منصور ، أنا (٤) الراوندي الرازيان ـ بالريّ ـ قالا : أنا أبو منصور محمّد بن الحسين بن أحمد بن الهيثم المقوّمي (٥) القزويني بالريّ ، أنا قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد ، أنا أحمد بن الحسن بن أيوب بن هارون النقاش الأصبهاني ـ بها ـ نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، نا أحمد بن مالك ، نا عمرو بن وهب قال : بلغني أن داود عليه‌السلام قال : إلهي كن لسليمان كما كنت لي ، فأوحى الله إليه أن قل لسليمان أن يكون لي كما كنت لي ، أكون له كما كنت لك.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ بن نظيف ـ قراءة عليه ـ أنا عبد الرّحمن بن عمر بن محمّد بن سعيد ـ بمصر ـ أنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن علي بن فراس ، نا علي بن عبد العزيز البغوي ، نا أبو عبيد القاسم بن سلّام ، نا علي بن ثابت ، عن جعفر بن برقان ، عن صالح بن مسمار ، قال :

لما مات نبي الله داود أوحى الله إلى سليمان أن سلني حاجتك ، قال : أسألك أن

__________________

(١) بالأصل : فضحكته.

(٢) بالأصل : أحد.

(٣) جزء من الكلمة مطموس بالأصل ، الصواب أثبت عن م.

(٤) كذا بالأصل وم : أنا الراوندي الرازيان.

(٥) بالأصل : القونسي خطأ ، والصواب ما أثبت عن م ، ترجمته في سير الأعلام ١٨ / ٥٣٠.

٢٣٨

تجعل قلبي يخشاك كما كان قلب أبي ، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي ، فقال الله عزوجل : أرسلت إلى عبدي أسأله حاجته ، فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني ، وأن أجعل قلبه يحبني ، لأهبن له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده قال الله عزوجل (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ ، وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ، هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١) قال فأعطاه الله ما أعطاه في الآخرة لا حساب عليه.

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، وأبو الحسن بركات بن عبد العزيز قالا : نا أبو بكر الخطيب ، أنا محمّد بن أحمد بن رزقويه ، نا أحمد بن سندي ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، أنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن في قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً)(٢) يعني التوراة ، والزّبور ، والفقه في الدين ، وفصل القضاء ، وعلم كلام الطير ، والدوابّ (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)(٣) يعني بالتفضيل : النبوة مع الملك.

قال : وأنا إسحاق ، أنا أبو إلياس عن وهب بن منبّه أنه قال :

استخلف سليمان عليه‌السلام وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وداود حي ، وأحدث الله له النبوة بعد داود ، وأعطاه الله ما لم يعط أحدا من الأنبياء ، وكان الله سخّر له الجنّ والإنس والريح والطير ، وكان رجلا وضيئا أبيض ، جسيما ، كبير العينين يلبس البياض.

أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمّد بن البغدادي ، أنا أبو الفضل المطهّر بن عبد الواحد بن محمّد البزاني (٤) ، أنا أبو عمر عبد الله بن محمّد بن أحمد بن عبد الوهاب السّلمي ، أنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عبد الزهري ، نا عمي عبد الرّحمن ولقبه رستة (٥) ، نا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن قال :

__________________

(١) سورة ص ، الآيات ٣٦ ـ ٣٨.

(٢) سورة النمل ، الآية : ١٥.

(٣) سورة النمل ، الآية : ١٥.

(٤) رسمها بالأصل وم : «البراي» والصواب ما أثبت وضبط ، انظر ترجمته في سير الأعلام ١٨ / ٥٤٩.

(٥) بالأصل : دسته بالدال خطأ ، والصواب ما أثبت بالراء عن م ، وضبطت بضم الراء وسكون السين المهملة وفتح المثناة عن تقريب التهذيب وانظر ترجمته في سير الأعلام ١٢ / ٢٤٢.

٢٣٩

بلغني أن سليمان عرضت عليه الخيل فشغله النظر إليها حتى فاتته صلاة العصر ، وتوارت بالحجاب قال : فعقر الخيل غضبا لله. قال : فأعقبه الله أسرع منها ، الريح سخّرها له تجري بأمره رخاء حيث شاء ، فكان يغدو بالشام ويقيل بأرض فريدان ـ يعني إصطخر ـ ويروح بفريدان ويمسي بكابل.

قال : ونا عمي ، نا عبد الرّحمن بن مهدي ، نا إسرائيل ، عن سعيد بن مسروق ، عن إبراهيم التيمي قال : كانت الخيل التي شغلت سليمان ألف فرس فعقرها.

أخبرنا أبو الحسن بركات بن عبد العزيز ، وأبو محمّد السّلمي قالا : نا أبو بكر أحمد بن علي ، أنا أبو الحسن بن رزقويه ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، أنا شيخ من ولد محارب بن دثار يقال له عبد الرحيم بن عبيد الله ، عن وهب قال :

قيل لسليمان : إن خيلا بلقا لها أجنحة تطير بها وإنها ترد ماء كذا وكذا من جزيرة بحر كذا وكذا ، فقال : كيف لي بها؟ قالت الشياطين : نحن لك بها ، قال : فانطلقوا فهيئوا لي سلاسل ولجما ، ثم انطلقوا إلى العين التي تردها (١) ، فنزحوا ماءها ، وسدّوا عيونها ، وصبّوا فيها الخمر ، فجاءت الخيل واردة فشمت فأصابت ريح الخمر ، فتخبطتها بقوائمها ، ولم تشرب ، ثم صدرت ، ثم عادت الغد ، فشمت الخمر فخبطتها ولم تشرب منها ، ثم صدرت عنها ، فلما أجهدها العطش جاءت فاقتحمت فيها فشربت فسكرت ، فذهبت تنهض فلم تقدر عليه ، فجاءت الشياطين حتى وضعت عليها اللحم والسلاسل ثم قعدت عليها. فلما أفاقت وطارت وعليه اللجم وقد استوت عليها الشياطين ، فلم تزل ترفق بها الشياطين وتعالجها حتى هبطت الخيل إلى القرار ، فلم يزالوا بها حتى جاءوا بها سليمان فربطها ووكل بها من يسوسها حتى استأنست وأذعنت ، فكان سليمان قد أعجب بها فعرضها ذات يوم فنظر إليها (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(٢) وغفل عن صلاة العصر فقال : (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ)(٣) ـ يعني الخيل (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ رُدُّوها عَلَيَ)(٤) قال : فردّت عليه فمسح سوقها وأعناقها بالسيف ، فلم يدع لها نسلا ، فالله أعلم أي ذلك كان.

__________________

(١) بالأصل : يردها.

(٢) سورة ص ، الآية : ٣٢.

(٣) سورة ص ، الآية : ٣٢.

(٤) سورة ص ، الآية : ٣٢.

٢٤٠