الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

المظفر بن الجوزي (١) : حدثني جماعة أعيان أنه كان فاسد العقيدة دهريا ، مستهزئا بأمور الشريعة ، يجيئ إلى صلاة الجمعة سكران ، وأن داره كانت مثل الحانة ، وقد كتب إلى الصالح يقول : قد حملت إلى خزانتك من أموال الناس ألف ألف دينار ، فقبض عليه وصودر ، ثم أعدم في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وستمائة رمي في هوة بأرض البقاع. وله مصنفات في الطب ، وفوضت مدارسه إلى الشيخ تقي الدين بن الصلاح فعينها لأهل العلم ، وعين هذه المدرسة لشمس الدين بن عبد الكافي الربعي الصقلي ، ثم درس بها شمس الدين بن عبد الكافي هذا ، وهو القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الكافي ابن علي بن موسى الربعي الصقلي ثم الدمشقي ، وربما كني بأبي بكر ، ناب في القضاء مدة بدمشق ، وولي قضاء حمص أيضا ، وقد سمع من أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ (٢) ، وحدّث وروى عنه ابن الحلوانية (٣) ، ومجد الدين ابن العديم (٤) ، والحافظ الدمياطي ، وجماعة. قال الحافظ تاج الدين بن عساكر : ولي وكالة بيت المال بدمشق مدة طويلة ، وحكم نيابة عن الرفيع. وقال الذهبي في تاريخ الاسلام : ومن أعيان الشافعية كان ، وأهمله في العبر. وقال الكتبي : درّس بالأمينية والكلاسة ، توفي في ذي الحجة سنة تسع وأربعين وستمائة ، ودفن بقاسيون ، مولده في شهر رمضان سنة سبع وستمائة ، ولا أعرف من درّس بها بعده ؛ إلا أن الذهبي في سنة ثمان وخمسين وستمائة في أيام استيلاء التتار على دمشق قال تبعا لأبي شامة وغيره : إن القاضي محيي الدين بن الزكي لما ولي قضاء دمشق انتزع تدريس الأمينية من علم الدين القاسم (٥) وولاها لولده عماد الدين عيسى مع مشيخة الشيوخ ، ولا أعرف ترجمة المعزول ولا المتولي ، وقد ذكرت في الذيل الذي كتبته سنة أربع وأربعين جماعة من أولاد القاضي محيي الدين ، وذكرت تراجمهم ، ثم درّس بها القاضي الرئيس قطب الدين أبو

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٦٦.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٢٧٩.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٣٢٢.

(٤) شذرات الذهب ٥ : ٣٥٨.

(٥) شذرات الذهب ٥ : ٣٠٧.

١٤١

المعالي أحمد بن أبي محمد عبد السلام بن المطهر ابن القاضي الامام العلامة أبي سعد عبد الله بن أبي عصرون ، ولد في شهر رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ، وختم القرآن في آخر سنة تسع وأربعين ، وأجاز له ابن الجوزي (١) وابن كليب ، وجماعة من العراق ، وأبو طاهر الخشوعي وغيره من دمشق ، وسمع من ابن طبرزد ، وأبي اليمن الكندي ، وأبي القاسم بن الحرستاني وغيرهم.

قال الذهبي في تاريخ الإسلام : وتفقه مدة ، ولم يبرع في الفقه ، لكن له محفوظات وتثبت وجلالة ، درّس بالأمينية وبالعصرونية بدمشق ، وطال عمره ، وعلت روايته ، وأكثر عنه الطلبة. روى عنه الدمياطي ، وابن تيمية ، وابن العطار ، وابن الخباز وجماعة. توفي في جمادى الآخرة سنة خمس وسبعين وستمائة. ثم درس بها بعده قاضي القضاة نجم الدين أبو بكر محمد ابن قاضي القضاة صدر الدين أبي العباس أحمد ابن قاضي القضاة شمس الدين أبي البركات يحيى بن هبة الله بن الحسن الملقب بسني الدولة في سنة تسع وستين وستمائة ، سنة قسمة الوظائف ، بعد قدوم الصاحب بهاء الدين بن الحنا (٢) دمشق في شهر رجب ، أخذت له من قطب الدين بن أبي عصرون ، واستمرت في يده إحدى عشرة سنة ، ولد سنة ست عشرة وستمائة ، وسمع من أبي القاسم ابن صصري وغيره ، واشتغل ، وناب عن والده في القضاء بدمشق ، ثم ولي قضاء القضاة عقب كسرة التتار على عين جالوت في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين ، فبقي سنة وعزل ، ثم أسكن مصر وصودر ، ثم ولي قضاء دمشق أياما عقب زوال سنقر الأشقر في صفر سنة تسع وسبعين وستمائة ، وكان ولي قضاء حلب قبل ذلك ، حينئذ انتزع منه تدريس الأمينية قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان في محرم السنة المذكورة وباشرها أياما ، ثم لما قدم نجم الدين في صفر المذكور انتزعها منه. قال الذهبي في تاريخ الاسلام : وقد درس بالأمينية والركنية وعدة مدارس ، وكان موصوفا بجودة النقل وصحته

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٨٦.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣٥٨.

١٤٢

وكثرته ، وكان مشهورا بالصرامة والهيبة والهمة العالية والتحري في الأحكام.

وقال في العبر : وكان يعدّ من كبار الفقهاء العارفين بالمذهب مع الهيبة والتحري ، توفي في ثامن المحرم سنة ثمانين وستمائة ، ودفن بقاسيون بتربة جده ، ولما توفي رسم بتدريس هذه المدرسة للشيخ تاج الدين الفزاري ، فلم يقبل ، فوليها الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي ابن العلامة كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم بن الزملكاني الأنصاري (١). ودرّس بها في العشرين من المحرم. قال الشيخ تاج الدين : وذلك من جملة الأحوال المنكرة ، فأقام بها سنة وأياما. ثم أخذها منه قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان ، وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان (بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام) كما رأيته بخطه وهو اسم جده كما قال الأسنوي إنه نسبة إلى قرية البرمكي الاربلي ، فدرّس بها في صفر سنة إحدى وثمانين وستمائة ، ثم باشرها إلى أن مات رحمه‌الله تعالى ، مولده باربل (بكسر الهمزة) سنة ثمان وستمائة ، وسمع البخاري من ابن مكرم ، وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة ، قاله الذهبي في العبر. وتفقه بالموصل على كمال الدين بن يونس (٢) ، وبحلب على القاضي عز الدين بن شداد وغيرهما ، وقرأ النحو على أبي البقاء يعيش بن علي النحوي (٣) ، وقدم الشام في شبوبيته ، وأخذ عن ابن الصلاح ، ودخل الديار المصرية وسكنها ، وناب في القضاء عن القاضي بدر الدين السنجاري (٤) مدة طويلة ، وأدّى عنده شهادة شيخ المالكية أبو عمرو بن الحاجب ، وسأله عن مسألة دخول الشرط على الشرط ، ثم قدم الشام وولي القضاء في ذي الحجة سنة تسع وخمسين ، منفردا بالأمر ، فأضيف إليه مع القضاء نظر الأوقاف والجامع والمارستان ، وتدريس سبع مدارس : العادلية ، والناصرية ، والعذراوية ، والفلكية ، والركنية ، والاقبالية ، والبهنسية ، وقريء تقليده يوم عرفة

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤١٧.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢٠٦.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٢٢٨.

(٤) شذرات الذهب ٥ : ٣١٣.

١٤٣

يوم الجمعة بعد الصلاة بالشباك الكمالي في جامع دمشق ، ثم عزل بعز الدين بن الصائغ (١) سنة تسع وستين ، فسافر الى مصر فأقام بها سبع سنين معزولا بمصر ، ثم أعيد وصرف ابن الصائغ في أول سنة سبع وسبعين ، ثم عزل في آخر المحرم سنة ثمانين ، وأعيد عز الدين ، واستمر شمس الدين معزولا وبيده الأمينية والنجيبية.

قال الشيخ تاج الدين الفزاري في تاريخه : كان قد جمع حسن الصورة ، وفصاحة المنطق ، وغزارة الفضل ، وثبات الجأش ، ونزاهة النفس. قال الذهبي : وكان إماما فاضلا ، بارعا متقنا ، عارفا بالمذهب حسن الفتاوى جيّد القريحة ، بصيرا بالعربية ، علّامة في الأدب والشعر وأيام الناس ، كريما جوادا ممدوحا ، وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان. توفي بايوان المدرسة النجيبية عشية السبت سادس وعشرين شهر رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة ، ودفن بسفح قاسيون عن ثلاث وسبعين سنة. ثم درّس بها بعد وفاة القاضي شمس الدين في سنة إحدى وثمانين وستمائة كما قاله ابن كثير. وقد استعادها علاء الدين بن الزملكاني ثانيا ودرّس بها بدر الدين ابن قاضي القضاة صدر الدين بن سني الدولة ، قدم من مصر ومعه مرسوم بها عوضا عن ابن الزملكاني ، فدرّس بها في جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وستمائة ، ثم تركها بعد شهرين لصاحبها ، وكان قبل ذلك قد درّس بالركنية والبهنسية ، فلما أخذ الأمينية أخذهما خصمه ، ثم ردّ إليه الأمينية واستعادهما. قال الشيخ تاج الدين ، وكان عنده حدة في أخلاقه ، وأدبرت عنه الدنيا في آخر عمره ، وأخذت منه الأمينية وتعصب عليه ، وكثرت الدعاوي بسبب والده ، وأحضر إلى مجالس الحكام بالرذالة ، توفي في شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ودفن بالصالحية. وقد أهمله الذهبي في العبر ، والكتبي. ثم عاد إليها علاء الدين بن الزملكاني في شعبان من السنة وهو الإمام المفتي أبو الحسن علي ابن العلامة البارع كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف الأنصاري السماكي الدمشقي الشافعي مدرّس الأمينية هذه ، سمع من خطيب

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٨٣.

١٤٤

مردى (١) والرشيد العطار ولم يحدث. قال الذهبي : وكان إماما جليلا ، وافر الحرمة ، حسن السيرة ، مليح الصورة ، تامّ الشكل ، مهيأ ، وقال الشيخ تاج الدين اشتغل في الفقه اشتعالا يسيرا ، ثم ولي استيفاء الأوقاف وحصل جملة ، ثم اتصل بأمير يعرف بالشمس فتعصب له ، وأخذ له تدريس الأمينية بعد أن طلب أن يكون فقيها بها في أيام القاضي نجم الدين ، فامتنع نجم الدين من ذلك. وكان قليل الحظ من العلم ، ولكنه قادر على دخول على أسباب الدنيا ، مرض بالفالج مدة. وفي المحرم سنة تسعين قدم شمس الدين إبراهيم بن سني الدولة إلى دمشق ، ومعه توقيع بالأمينية ، وعلم عليه ملك الأمراء ، وذكر التدريس ، ثم طلب إلى دار السعادة ومنعت وسلمت الأمينية لابن الزملكاني ، وبطل التوقيع السلطاني. حكاه الشيخ تاج الدين ، ثم باشرها ابن الزملكاني إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر سنة تسعين وستمائة.

فائدة : قال الشيخ تاج الدين الفزاري في سنة خمس وثمانين وستمائة : من الوقائع العجيبة الغريبة في هذه السنة أن العلاء ابن الزملكاني نظر في كتاب وقف المدرسة الأمينية ، فزعم أن القيسرية التي إلى جانب المدرسة لا يحل إكراؤها ، ويجب أن يسكنها الفقراء بغير أجرة ، فأبطل جملة من الكراء كل شهر ، ثم اقتضى رأيه ونظره أن الدرس يذكر كل يوم حتى يوم الجمعة والثلاثاء وذكر الدرس بعد العيد بثلاثة أيام واستمر في الدرس يوم الثلاثاء ، وهذا من العجائب التي لم تعهد ولم يعترض عليه معترض في ذلك. كذا بخط الشيخ تقي الدين الأسدي على ظهر كراسة فيها ذكر الأمينية ، ثم درّس بها في حال مرضه ، وبعده ولده الشيخ الامام العلامة بقية أعيان الشافعية كمال الدين أبو المعالي محمد ، مولده في شوال سنة سبع وستين وستمائة ، وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري وغيره. قال ابن كثير في سنة تسعين وستمائة : وهو

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٨٣.

١٤٥

والد شيخنا الامام العلامة كمال الدين أبي المعالي بن علي بن الزملكاني ، وقد درّس بعد أبيه المذكور بالمدرسة الأمينية ، وكانت وفاة والده ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر بالأمينية ، ودفن بمقابر الصوفية عند والده انتهى. ثم نزل عنها لقاضي القضاة نجم الدين بن صصري وأخذ منه العادلية الكبرى. ثم درّس بها قاضي القضاة نجم الدين بن صصري في سنة تسعين وستمائة. وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الأتابكية.

وقال ابن كثير في سنة أربع وتسعين وستمائة : وفي أواخر شهر رمضان قدم القاضي نجم الدين بن صصري من الديار المصرية على قضاء العساكر بالشام ، وفي أواخر شوال منها قدمت من الديار المصرية تواقيع شتى منها تدريس الغزالية لابن صصري عوضا عن الخطيب المقدسي وتوقيع بتدريس الأمينية لإمام الدين القزويني. (١) عوضا عن نجم الدين بن صصري ، ورسم لأخيه جلال الدين بتدريس الظاهرية البرانية عوضا عنه انتهى. ثم درّس بها القاضي الامام العالم إمام الدين أبو المعالي عمر ابن القاضي سعد الدين أبي القاسم عبد الرحمن ابن الشيخ الامام إمام الدين أبي حفص عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسين بن علي بن أحمد بن خلف التميمي العجلي القزويني ، ولد بقزوين سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، واشتغل في العجم والروم ، وقدم دمشق في الدولة الأشرفية هو وأخوه جلال الدين ، فقررا في مدارس ، فدرّس إمام الدين هذا بالقيمرية بعد صدر الدين عبد البر ابن قاضي القضاة تقي الدين بن رزين ، كما قاله الذهبي في سنة خمس وتسعين من العبر. ثم انتزع إمام الدين قضاء الشام من بدر الدين بن جماعة في سنة ست وتسعين ، وناب أخوه عنه ، وكان جميل الأخلاق ، كثير الاحسان ، رئيسا قليل الأذى ، ولما أزف قدوم تتار قازان سافر إلى مصر ، فلما وصلها سالما لم يقم بها سوى أسبوع ، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وستمائة ، ودفن بالقرب

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٥١.

١٤٦

من قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه عن ست وأربعين سنة. ثم عاد المنصب إلى بدر الدين بن جماعة مضافا إلى ما بيده من الخطابة وتدريس القيمرية الذي استقر فيه عنه لما عزله عن القضاء ، ثم درس بعده أخوه جلال الدين في الأمينية في ثاني شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة. ولد جلال الدين هذا بالموصل في شعبان سنة ست وستين وستمائة ، وتفقه بأبيه ، وأخذ الأصلين عن الاربلي ، واشتغل في أنواع من العلوم ، وسمع من أبي العباس الفاروني (١) وغيره ، وخرّج له البرزالي جزءا من حديثه ، وحدث وأفتى ودرّس ، وناب في القضاء عن أخيه إمام الدين ثم عن ابن صصري في سنة خمس وسبعمائة ، ثم ولي الخطابة بدمشق ، ثم القضاء عن جمال الدين الزرعي في سنة أربع وعشرين وسبعمائة مع العادلية والغزالية ، وأخذت منه الأمينية حينئذ ، ثم انتقل في سنة سبع وعشرين وسبعمائة إلى قضاء الديار المصرية لما عمي بدر الدين بن جماعة ، فأقام بها نحو إحدى عشرة سنة ، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ونقل إلى قضاء دمشق ، ثم صرف وتولى القاضي تقي الدين السبكي في جمادى الآخرة سنة تسع وسبعمائة. قال الذهبي : أفتى ودرّس وناظر وتخرج به الأصحاب ، وكان مليح الشكل فصيحا ، حسن الأخلاق ، غزير العلم ، وأصابه طرف فالج مدة مديدة ، ثم ناب عنه ابنه الخطيب المفتي الامام بدر الدين في هذه التولية الأخيرة ، توفي رحمه‌الله تعالى في [جمادى الأولى] سنة تسع وثلاثين وسبعمائة ، ودفن بمقابر الصوفية ، ثم درس بها بعده الشيخ الامام العالم جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله ابن المظفر بن أسعد بن حمزة بن علي بن محمد الصدر الكبير الرئيس التميمي الدمشقي ابن القلانسي ، ميلاده في العشر الأول من ذي الحجة سنة تسع (بتقديم التاء) وستين وستمائة ، وحفظ التنبيه ثم المحرر واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري. والأدب على الرشيد الفارقي (٢) ، وولي قضاء العسكر

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٢٥.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٤٠٩.

١٤٧

ووكالة بيت المال بعد ابن الشريشي ، وتدريس الأمينية والظاهرية والعصرونية وغير ذلك ، كما قاله البرزالي. قال الذهبي : وكان محتشما عالما لين الكلمة مليح الشكل ، حدّث عن ابن البخاري. وقال ابن كثير : تقدم بطلب العلم والرئاسة ، وباشر جهات كبارا ، ودرّس في أماكن عدة ، وتفرّد في وقته بالرئاسة في بيت المال والمناصب الدينية والدنيوية ، وكان فيه تواضع وحسن سمت وتودّد وإحسان وبرّ بأهل العلم والصلحاء ، وهو ممن أذن لي بالافتاء ، وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة ، وفأجاد وأفاد ، وأحسن التعبير ، وعظم في عيني ، وسمع الحديث من جماعة ، وخرّج له فخر الدين البعلبكي مشيخة سمعناها عليه. توفي في يوم الاثنين ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة عن اثنتين وسبعين سنة ، كما قاله الذهبي ، ودفن بتربتهم بالسفح.

وقال البرزالي : ومن خطه نقلت توفي ببستانه بأرض مقرى وصلي عليه بعد العصر من اليوم المذكور بالجامع المظفري بسفح قاسيون ، ودفن بتربة القاضي ابن صصري بناحية المدرسة الركنية شرقي الصالحية. ثمّ درّس بها وبالظاهرية بعده أخوه القاضي علاء الدين بن القلانسي في يوم الاربعاء سادس المحرم سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. قال ابن كثير : في هذه السنة وفي يوم الأربعاء ذكر الدرس بالأمينية والظاهرية علاء الدين بن القلانسي عوضا عن اخيه جمال الدين المتوفى ، وذكر ابن اخيه امين الدين (١) محمد بن جمال الدين المتوفى الدرس في العصرونية تركها له عمه المذكور ، وحضر عنده جماعة من الأعيان. وقال في سنة ست وثلاثين وسبعمائة : علاء الدين بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ، ووكيل بيت المال ، وموقع الدست ، ومدرس الأمينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب ، ثم سلبها كلها سوى التدريسين المذكورين وبقي معزولا إلى أن توفي بكرة يوم السبت خامس وعشرين صفر ودفن بتربتهم انتهى. وقال الذهبي في العبر : في سنة ست وثلاثين وسبعمائة : ومات في صفر فجأة القاضي علاء الدين بن القلانسي مدرّس الأمينية والظاهرية ، وكان

__________________

(١) ابن كثير ١٤ : ٣٠٦.

١٤٨

ولي أيضا الوكالة وقضاء العسكر والمارستان مع نظر ديوان ملك الأمراء ، وذكر للقضاء ، ثم تنفر له النائب وصودر وعزل. حدّث عن الفخر علي ، وعاش ثلاثا وستين سنة انتهى. ورأيت بخط علم الدين البرزالي في تاريخه سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة : وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي الحجة وصل الخبر بتولية القاضي جلال الدين بن القلانسي مناصب أخيه ، وهي تدريس الأمينية والظاهرية والعصرونية وقضاء العسكر المنصور الشامي ووكالة بيت المال وغيرها ، وفي غير هذا اليوم وصل توقيع وهو مؤرخ خامس عشر ذي الحجة ، فتوجه الناس إليه وهنأوه بذلك وقرأوا توقيع السلطان انتهى. وذلك عوضا عن اخيه علاء الدين الماضي قبله ، ثم درّس بها بعده يوم الأربعاء رابع شهر رمضان سنة ست وثلاثين وسبعمائة الامام البارع في فنون العلم بهاء الدين ابو المعالي وابو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العالم علاء الدين علي بن سعيد بن سالم الأنصاري الدمشقي المعروف بابن امام المشهد محتسب دمشق ، ولد في ذي الحجة سنة ست وتسعين وستمائة ، وسمع بدمشق ومصر وغيرهما. قال السيد الحسيني في ذيل العبر : وأسمع أولاده وحدث عن الطحاوي وغيره ، وكتب الطباق بخطه الحسن ، وتلا بالسبع على الكفري وغيره ، وتفقه على المشايخ ، الشيخ برهان الدين الفزاري ، وكمال الدين بن الزملكاني ، وكمال الدين ابن قاضي شهبة وغيرهم ، وأخذ النحو عن الشيخين مجد الدين التونسي (١) ونجم الدين القحفازي ، وبرع في الحديث والقراآت والعربية والفقه وأصوله ، وأفتى وناظر وكتب الخط المنسوب ، ودرس بهذه المدرسة كما قال الذهبي في عبره في سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، ودرس بالحسينية ، وخطب بجامع التوبة ، وولي الحسبة ثلاث مرات. وقال الصفدي : توجه إلى حلب ثم إلى طرابلس وأقام بهما مدة يقرئ الناس ويشتغلون عليه في البلدين ، ثم عاد إلى دمشق وأقام مدة ، ثم توجه إلى مصر وحضر بين يدي السلطان الملك الناصر على الأهرام ، وولّاه مدرسة الأمينية بدمشق ، وحضر

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٤٧.

١٤٩

إليها على البريد ، وهو مجموع ، متناسب الحسن ، أخلاقه حسنة ، وأشكاله حسنة ، وأجاز لي برواية ما له بروايته ، توفي في شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بدمشق ، ودفن بمقبرة باب الصغير ، ثم درّس بها بعده علاء الدين الأنصاري.

قال السيد الحسيني في ذيله في سنة ثلاث وستين وسبعمائة : وفي صفر توفي الإمام علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن سعيد الأنصاري محتسب دمشق ومدرس الأمينية ، توفي عن بضع وأربعين سنة ، ثم درس بعده بالأمينية قاضي القضاة شيخ الاسلام تاج الدين السبكي انتهى. وقد تقدمت ترجمة قاضي القضاة هذا في دار الحديث الاشرفية ، ودرس بها علاء الدين علي ولد قاضي القضاة هذا في حياة ابيه وعمره سبع سنين ، ثم درس بها الامام العلامة المحقق عماد الدين ابو الفداء اسماعيل بن خليفة بن عبد العال النابلسي الأصل الحسباني ، مولده تقريبا سنة ثماني عشرة وسبعمائة ، وأخذ بالقدس عن الشيخ تقي الدين القرقشندي ولازمه حتى فضل ، وقدم دمشق سنة ثمان وثلاثين ، فقرر فقيها بالشامية البرانية ، وأنهاه مدرسها الشيخ شمس الدين بن النقيب ، وأنهى معه الشيخ علاء الدين في السنة المذكورة ، وترجمته طويلة. وكان ممن قام على القاضي تاج الدين السبكي وأخذ منه تدريس الأمينية هذه ، ثم استعادها السبكي منه ، ثم وليها ولد القاضي تاج الدين ، ثم بعد وفاة الولد المذكور وليها القاضي فتح الدين بن الشهيد (١) ، وستأتي ترجمته في الظاهرية الجوانية ، ثم انتزعها الشيخ عماد الدين الحسباني من فتح الدين بن الشهيد ، وستأتي ترجمته في الظاهرية الجوانية ، ثم انتزعها الشيخ عماد الدين الحسباني من فتح الدين. بحكم ان بيده ولاية قديمة بها. ثم درس بها الشيخ عماد الدين أيضا ، وقد تقدمت ترجمته بالمدرسة الإقبالية ، ثم درس بها بعده ولده الشيخ شهاب الدين ابو العباس احمد ، وميلاده سنة تسع (بتقديم التاء) وأربعين وسبعمائة ، وقد تقدمت تتمة ترجمته بالمدرسة الإقبالية أيضا ، ثم درس

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٣٢٩.

١٥٠

بها ولده الإمام العالم القاضي تاج الدين محمد ابن الشيخ شهاب الدين. قال الأسدي : مولده في سنة اربع وثمانين وسبعمائة ، قرأ القراآت ، ثم حفظ الحاوي الصغير ولم يشتغل بالعلم ، ونزل له والده عن تدريس الاقبالية فدرس بها في شعبان سنة اثنتين وثمانمائة ، وحضر درسه بها قضاة مصر والشام ، وخطب بجامع التوبة بعد الفتنة ، وولي الحسبة مدة يسيرة ، وناب لوالده لما ولي في سنة ثمان ، ثم ناب لغيره من القضاة ، وصار يصحب الترك وغيرهم ، ويعاشرهم على المنكرات ويجاهر بذلك ، وظهر معه سلاطة وفجور وتروم القضاء وسعى في ذلك إلى ان اخذه الله تعالى ، وابتدأ بغفلة شديدة من جهة النسوان والامرة إلى ان حجر القاضي عليه ، وجعل زوجته تتصرف عليه ، ورأى العبر في نفسه ، توفي مطعونا بسكنه بزقاق تربة السلطان صلاح الدين يوسف يوم الخميس عاشره ، وصلى بالجامع الأموي عليه جمع كثير ودفن عند والده بالصالحية بالروضة. وولي عوضه في خطابة جامع التوبة ونظر حمام الشجاع ولد قاضي القضاة بهاء الدين بن نجم الدين بن حجي ، والأمينية ونظرها الشيخ شمس الدين البرماوي ، ثم إن كاتب السر القاضي بدر الدين حين ولي نظر الأمينية ودار الحديث بمرسوم النائب ، انتهى كلام الأسدي في ذيله في جمادى الأولى سنة ست وعشرين. ثم قال : وفي يوم الأحد ثالث عشره درس الشيخ شمس الدين البرماوي بالمدرسة الأمينية عوضا عن الحسباني وحضر معه القاضي نجم الدين وبعض الفقهاء ، ولم يكن سقف بها غير الإيوان الغربي انتهى. ولم يدرس بها غير هذا اليوم ، وشمس الدين المذكور هو الشيخ الإمام العلامة المحقق المتقن المفنن ابو عبد الله محمد بن عبد الدائم بن موسى العسقلاني التميمي البرماوي المصري ، ميلاده في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبعمائة ، وأخذ عن الشيخ سراج الدين البلقيني ، وسراج الدين ابن الملقن (١) ، والشيخ زين الدين العراقي ، والقاضي بدر الدين أبي البقاء ، وكان في صغره في خدمته ، وسمع الكثير ، وحصل وتميز وفضل في الفقه

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٤٤.

١٥١

والنحو والحديث والأصول ، وكانت معرفته بهذه العلوم الثلاثة أكثر من معرفته بالفقه ، سافر بعد وفاة ولده أبي الفضل بخمسين يوما ، وهو سابع شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة إلى مصر ، ثم سافر منها إلى الحجاز سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ، وجاور هناك بمكة المشرفة ونزل في ذي الحجة منها عن جهاته بدمشق لبهاء الدين ابن قاضي القضاة نجم الدين بن حجي ، ثم درّس بها الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الشافعية قاضي القضاة تقي الدين ابو بكر ابن القاضي شهاب الدين أبي العباس أحمد ابن شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد الأسدي ، ثم درس بها ولده القاضي العالم سري الدين ، ثم درس بها العلامة عز الدين حمزة الحسيني ، ثم درّس بها ولده بعده العلامة كمال الدين محمد ، وقد تقدمت ترجمتهما في المدرسة الأمجدية ، وقد ولي الاعادة بهذه المدرسة جماعات منهم عبد الكريم الحرستاني.

قال الأسدي في تاريخه في سنة إحدى وستين وخمسمائة : عبد الكريم بن محمد بن أبي الفضل بن محمد بن عبد الواحد الفقيه أبو الفضائل الأنصاري الحرستاني الدمشقي الدار الشافعي ، اخو القاضي جمال الدين عبد الصمد (١) ، ولد سنة سبع عشرة ، وسمع على جمال الإسلام السلمي وأبي الحسن ابن قبيس ، ورحل فسمع ببغداد درس أبي منصور بن الرزاز (٢) ، وسمع بخراسان درس محمد بن يحي ، وأعاد بالأمينية عن ابن أبي عصرون ، توفي في شهر رمضان وقد اهمله الذهبي في العبر ، وذكره الكتبي بلفظ واستنابه ابن ابي عصرون بالزاوية الغربية بجامع دمشق ، وضمّ إليه المدرسة الأمينية.

ومنهم جمال الأئمة بن الماسح ، قال الأسدي في سنة اثنتين وستين وخمسمائة : علي بن الحسن بن أحمد ابو القاسم بن أبي الفضائل الكلابي الدمشقي الفقيه الشافعي الفرضي النحوي المعروف بجمال الأئمة بن الماسح من علماء دمشق الكبار ، ولد سنة ثمان وثمانين ، وقرأ على ابي الوحش وغيره لابن عامر وغيره ، وتفقه على جمال الإسلام السلمي ، ونصر الله

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٦٠.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ١٢٢.

١٥٢

المصيصي ، وسمع أباه وجماعة. روى عنه أبو المواهب ، وأبو القاسم بن صصري وجماعة ، وكانت له حلقة كبيرة بالجامع يقرئ فيها القرآن والفقه والنحو ، وكان معيدا لجمال الإسلام بالأمينية ، ودرّس بالمجاهدية ، وكان حريصا على الإفادة ، وكان عليه الاعتماد في الفتوى وقسمة الأرضين توفي رحمه‌الله تعالى في ذي الحجة انتهى.

ومنهم عبد الرحمن الملحي ، قال الأسدي ، في سنة سبع وثمانين وخمسمائة : عبد الرحمن بن علي بن المسلم بن الحسين بن أحمد الفقيه ابو محمد الملحي الدمشقي الخرقي الشافعي ، ولد في شعبان سنة تسع وتسعين ، وسمع أبا الحسن ابن الموازيني ، وعلي بن احمد بن بشر ، وأبا الحسن بن السلمي الفقيه ، وطاهر ابن سهل الاسفراييني (١) ، ونصر الله المصيصي الفقيه وجماعة ، وروى عنه الشيخ الموفق (٢) ، والبهاء عبد الرحمن (٣) والحافظ الضياء ، ويوسف بن خليل ، واحمد ابن عبد الدائم وطائفة ، وأعاد بالأمينية عن جمال الإسلام أبي الحسن السلمي ، وكان من جملة العلماء الكبار وأضرّ وأقعد. قال ابن الحاجب : كان فقيها يقرأ كل يوم وليلة ختمة ، توفي رحمه‌الله تعالى في ذي القعدة ، ودفن بباب الصغير انتهى.

ومنهم الحافظ المحقق ذو الخصال الزكية والأخلاق المرضية شيخ الشافعية شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الإمام العلامة فقيه الشام علاء الدين أبي محمد حجي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي ابن مشرف بن تركي السعدي الحسباني الدمشقي ، ميلاده في المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وحفظ التنبيه وغيره ، وسمع الحديث من خلائق ، وأجاز له خلق من بلاد شتى ، وقرأ بنفسه الكثير ، وكتب الأجزاء ، وكان يضرب المثل بجودة ذهنه وحسن أبحاثه ، توفي رحمه‌الله تعالى في المحرم سنة

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٩٧.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٨٨.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ١١٤.

١٥٣

ست عشرة وثمانمائة ، ودفن عند والده بالصوفية على جادة الطريق عند رجلي ابن الصلاح رحمه‌الله تعالى ، وقد تقدمت تتمة ترجمته في المدرسة الأتابكية أه.

٣٥ ـ المدرسة البادرائية

داخل باب الفراديس والسلامة شمالي جيرون وشرقي الناصرية الجوانية وكانت قبل ذلك دارا تعرف بأسامة. قال ابن كثير في تاريخه في سنة تسع وستمائة : أسامة الجبلي احد أكابر الأمراء ، وكان بيده قلعة عجلون وكوكب ، وكان شيخا كبيرا قد أصابه النقرس ، اعتقله العادل ببلد الكرك ، واستولى على حواصله واملاكه وامواله ، من ذلك داره وحمامه داخل باب السلامة ، وداره هي التي جعلها البادرائي مدرسة انتهى ملخصا. قال ابن شداد : المدرسة البادرائية أنشأها الشيخ الإمام العلامة نجم الدين ابو محمد عبد الله بن ابي الوفاء محمد بن الحسن بن عبد الله بن عثمان البادرائي (بالمعجمة) البغدادي الفرضي ، ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، وسمع من جماعة وتفقه وبرع في المذهب ، ودرّس بالنظامية ، وترسل عن الخلافة غير مرة ، وحدّث بحلب ودمشق ومصر وبغداد ، وبنى بدمشق المدرسة الكبيرة المشهورة.

قال الذهبي : وكان فقيها عالما دينا صدرا محتشما جليل القدر وافر الحرمة ، متواضعا دمث الأخلاق منبسطا ، وقد ولي القضاء ببغداد على كره منه ، وتوفي رحمه‌الله تعالى بعد خمسة عشر يوما في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة. وعافاه الله تعالى من فتنة التتار الكائنة ببغداد في ذي الحجة منها. وقال ابن كثير في هذه السنة : وفي يوم الأربعاء عاشر ذي الحجة من هذه السنة المباركة عمل عزاء واقف المدرسة البادرائية بها الشيخ نجم الدين عبد الله ابن محمد البادرائي البغدادي ، مدرّس النظامية ورسول الخلافة إلى ملوك الآفاق في الأمور المهمة ، وإصلاح الأحوال المدلهمة ، وقد كان فاضلا بارعا رئيسا متواضعا ، وقد ابتنى بدمشق مدرسة حسنة مكان دار الأمير أسامة الذي

١٥٤

قبض عليه العادل انه اتهمه بمكاتبة الظاهر (١) صاحب حلب ، وأخذ منه ألف ألف دينار ، وخرب قلعة كوكب إلى الأرض عجزا عن حفظها ، وكانت بيد أسامة المذكور ، وشرط على المقيم بها العزوبية ، وأن لا يكون الفقيه في غيرها من المدارس ، وإنما أراد بذلك توفير خاطر الفقيه وجمعه على طلب العلم ، ولكن حصل بسبب ذلك خلل كثير وشرّ لبعضهم كبير ، وقد كان شيخنا الإمام العلامة شيخ الشافعية بالشام وغيرها برهان الدين ابو إسحاق ابراهيم ابن الشيخ تاج الدين الفزاري مدرّس هذه المدرسة وابن مدرّسها ، يذكر انه حضر الواقف في أول يوم درّس بها وحضر عنده السلطان الناصر قرىء كتاب الوقف وفيه : لا يدخلها امرأة ، فقال السلطان : ولا صبي ، فقال الواقف : يا مولانا ربنا ما يضرب بعصاتين ، فكان إذا ذكر هذه الحكاية تبسم عندها رحمهما‌الله تعالى. وكان هو اول من درّس بها ، ثم ولده كمال الدين من بعده ، وجعل نظرها إلى وجيه الدين بن سويد (٢) ، ثم صار في ذريته إلى الآن ، وقد نظر فيه بعض الأوقات القاضي شمس الدين بن الصائغ ، ثم انتزع منه حين أثبت لهم النظر ، وقد وقف البادرائي على هذه المدرسة أوقافا حسنة دارّة ، وجعل بها خزانة كتب نافعة ، وقد عاد إلى بغداد في هذه السنة ، فولي بها القضاء كرها منه ، فأقام فيها سبعة عشر يوما ثم توفي رحمه‌الله تعالى في مستهل ذي القعدة من هذه السنة ، ودفن بالشونيزية ، وكان سمع من عبد العزيز ابن منينا (٣) وغيره انتهى. وقد أشار إلى ان أول من درّس بها واقفها ، ثم ولده من بعده.

قال الحافظ ابن كثير في تاريخه في سنة سبع وسبعين وستمائة : عبد الرحمن ابن عبد الله بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن الحسن بن عثمان جمال الدين ابن الشيخ نجم الدين البادرائي البغدادي ثم الدمشقي ، درّس بمدرسة أبيه من بعده حتى حين وفاته يوم الأربعاء سادس شهر رجب ، ودفن بسفح

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٥٥.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣٣٣.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٥٣.

١٥٥

قاسيون ، وكان رئيسا حسن الأخلاق ، جاوز خمسين سنة انتهى. ثم ذكر الدرس بها من بعده الشيخ الإمام العلامة مفتي الشام كمال الدين أبو الفضائل سلار بن الحسن بن عمر بن سعيد الأربلي. شيخ الأصحاب ومفيد الطلاب. تفقه على ابن الصلاح حتى برع في المذهب وتقدم وساد واحتاج الناس إليه ، وكان في البادرائية ، عينه لها واقفها فباشرها إلى أن توفي رحمه‌الله ولم يكن معه غيرها ، يعيد ويفيد ، ويصنف ويعلق ويؤلف ، وينشر المذهب ، ولم يزد منصبا آخر ، وقد اختصر البحر للروياني (١) ، في مجلدات عديدة ، وانتفع به جماعة من الأصحاب منهم الشيخ محيى الدين النواوي ، وأثنى عليه ثناء حسنا. قال : وتفقه على جماعة منهم أبو بكر الماهيالي ، وعلى ابن البرزي ، وقال الشريف عز الدين (٢) : كان عليه مدار الفتوى بالشام في وقته ، ولم يترك بعده في بلاد مثله في الافتاء ، توفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الآخرة سنة سبعين وستمائة في عشر السبعين ، وقيل إنه نيف عليه وإنه دفن بباب الصغير. ثم ذكر الدرس بها القاضي عز الدين أبو حفص عمر بن أسعد بن أبي غالب الأربلي معيد البادرائية وصاحب ابن الصلاح وشيخ النواوي رحمهما‌الله تعالى ، سمع الحديث من جماعة.

قال الذهبي : وكان دينا فاضلا بارعا في المذهب ، وقد ناب في القضاء عن ابن الصائغ ، ودرّس واشتغل ، وكان النواوي رحمه‌الله تعالى يتأدب معه ، ربما قام وملأ الإبريق ومشى به قدامه للطهارة ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة ، ثم وليها بعده العلامة تاج الدين الفركاح ، ودرّس بها في سنة ست وسبعين ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث النورية ، ثم وليها بعده ولده في التدريس العلامة شيخ الإسلام برهان الدين ابو إسحاق إبراهيم. ولد في شهر ربيع الأول سنة ستين وستمائة ، وسمع الكثير من ابن عبد الدائم ، ابن ابي اليسر وعدة غيرهما ، وله مشيخة خرّجها العلاني ، وأخذ عن والده ، وبرع وأعاد في حلقته ، وأخذ النحو عن عمه شرف الدين ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٤.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٤٣٠.

١٥٦

وخلف أباه في أشغال الطلبة بهذه المدرسة وغيرها والافتاء ، قال الذهبي في معجم شيوخه : ناب في مشيخة دار الحديث أشهرا ، فبهرت معرفته ، وخضع له الفضلاء ، ومناقبه يطول شرحها ، توفي رحمه‌الله تعالى بالبادرائية في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، ودفن عند أبيه وعمه.

قال ابن كثير في سنة خمس وسبعمائة : وفي يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة وصل البريد من مصر بتولية الفزاري الخطابة عوضا عن عمه شرف الدين المتوفى وخلع عليه بذلك ، وباشر يوم الجمعة ثالث عشر الشهر ، وخطب الشيخ برهان الدين خطبة حسنة حضرها القاضي والأعيان ، ثم بعد خمسة أيام عزل نفسه عن الخطابة وآثر بقاءه على تدريس البادرائية حين بلغه أنها طلبت لتؤخذ منه ، فبقي منصب الخطابة شاغرا ، ونائب الخطيب يصلي بالناس ويخطب ، ودخل عيد الفطر وليس للناس خطيب ، وقد كاتب نائب السلطنة في ذلك في المرسوم بالزامه بذلك ، وفيه : «لعلمنا بأهليته وكفايته واستمراره على ما بيده من تدريس البادرائية» ، فباشرها في صفر كمال الدين ابن الشيرازي وسعى في البادرائية فأخذها وباشرها في صفر من السنة الآتية بتوقيع سلطاني ، فعزل الفزاري نفسه من الخطابة ولزم بيته ، فراسل نائب السلطنة في ذلك ، فصمم على العزل وأنه لا يعود إليها أبدا : وذكر أنه عاجز عنها ، فلما تحقق ذلك نائب السلطنة أعاد إليه مدرسته ، وكتب له بها توقيعا في العشر الأول من ذي الحجة انتهى.

والشيخ كمال الدين بن الشيرازي الذي درس بها مدة يسيرة هو الصدر الكبير العالم أبو القاسم أحمد ابن الصدر عماد الدين محمد بن محمد بن الشيرازي ، ولد سنة سبعين (بتقديم السين) وستمائة ، وسمع من جماعة ، وحفظ من مختصر المزني (١) وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري وزين الدين الفارقي ، وقرأ الأصول على الشيخ صفي الدين الهندي ، ودرّس في وقت بالشامية البرانية ، ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٢ : ١٤٨.

١٥٧

توفي رحمه‌الله تعالى ثالث عشر صفر سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، وصلي عليه بالجامع المعروف بتنكز ، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون. قال الذهبي في العبر : عن ست وستين ببستانه بأرض الحميريين ، وروى عن أبيه [و] ابن البخاري ، وذكر للقضاء ، وكان له معرفة وتواضع وصيانة. وقال البرزالي : وأثنى عليه القاضيان ابن جماعة وابن الحريري وكان يكتب الخط المنسوب ، وكذا والده انتهى. ثم ولي تدريسها بعد وفاة البرهان الفزاري الشيخ شهاب بن جهبل.

قال ابن كثير في سنة تسع وعشرين : وفي يوم الاثنين منتصف جمادى الآخرة درّس القاضي شهاب الدين بن جهبل بالمدرسة البادرائية عوضا عن شيخنا برهان الدين الفزاري توفي إلى رحمة الله تعالى ، وأخذ مشيخة دار الحديث الظاهرية منه الحافظ شمس الدين الذهبي ، وحضرها في يوم الأربعاء سبع عشرة ، ونزل عن خطابة كفر بطنا انتهى. وشهاب الدين بن جهبل هذا هو الشيخ الامام أبو العباس أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن طاهر بن نصر بن جهبل الحلبي الأصل الدمشقي ، ولد بكرة يوم الخميس الخامس والعشرين من المحرم سنة سبعين وستمائة ، وسمع من جماعة ، واشتغل بالعلوم ، ولزم الشيخ صدر الدين بن المرحل ، وأخذ عن الشيخ شرف الدين المقدسي وغيره ، ودرّس بالصلاحية بالقدس مدة ، ثم تركها وتحوّل إلى دمشق ، فباشر مشيخة الحديث الظاهرية مدة ، وولي تدريس البادرائية هذه واستمر فيها إلى أن مات ، وهو أصغر من أخيه الشيخ محيي الدين إسماعيل المتقدم ذكره في المدرسة الأتابكية ، ومات قبله أيضا. وقال ابن كثير : ولم يأخذ معلوما من واحدة منهما ، سمع منه الحافظ علم الدين البرزالي ، وله ردّ على ابن تيمية في نحو كراسين ، توفي بدمشق يوم الخميس بعد العصر تاسع جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ، وصلي عليه بعد الجمعة ودفن بمقابر الصوفية. قال البرزالي : وكان كريم النفس يؤثر الطلبة والأصحاب ، وحجّ مرارا وطال مرضه وأيقن بقرب الوفاة ، ووهب وأحسن ونظر في أمره ، ومات على أحسن حال انتهى. وقال البرزالي وابن كثير في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة : وفي

١٥٨

خامس عشرين شهر رجب درّس بالبادرائية القاضي علاء الدين علي بن شريف ويعرف بابن الوحيد الزرعي عوضا عن ابن جهبل توفي في الشهر الماضي وحضر عنده القضاة وجمع من الفقهاء والأعيان انتهى كلامهما. ثم ولي تدريسها في سنة إحدى وأربعين الكمال بن الشريشي ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الناصرية ، ثم درّس بها شيخ الشافعية ولده شرف الدين ، ميلاده بحمص سنة تسع (بتقديم التاء) وعشرين وسبعمائة ، أخذ العلم عن والده والشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة وأضرابهما من مشايخ عصره ، وقرأ في الأصول والنحو والمعاني والبيان وشارك في ذلك كله مشاركة قوية ، ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع عن الناس ، ودرّس بالناصرية في شهر ربيع الأول سنة خمسين نزل له والده عنها كما سيأتي فيها ، واستمر يدرّس بها إلى حين وفاته ، وناب للقاضي تاج الدين في آخر عمره ومن بعده درّس بالرواحية مدة يسيرة ، ولازم الأشغال والافتاء واشتهر بذلك وصار هو المقصود بالفتاوى من سائر الجهات ، وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة ، ونقل عن الشيخ زين الدين القرشي أنه قال : يقبح علينا أن نفتي مع وجود ابن الشريشي ، وتخرج به خلق كثير من فقهاء البادرائية وغيرهم ، وكتب بخطه أشياء كثيرة ، وكان محببا إلى الناس ، ليس فيه شيء من الشر بل كله خير كثير ، وانتهت إليه وإلى رفيقه الشيخ شهاب الدين الزهري (١) رئاسة الشافعية.

قال الحافظ شهاب الدين بن حجي : لازم القاضي تاج الدين وحضر حلقته فاستنابه في الحكم قبل موته بيسير ، واستمر ينوب عن القضاة التي بعده نحو عشرين سنة ، وتصدر للاشتغال بالجامع ، وأفتى واشتهر بالافتاء ، وكان ساكنا وقورا قليل الشر ريّض الأخلاق ، ولديه مشاركة حسنة في الأصول والعربية والأدب انتهى. توفي رحمه‌الله تعالى في صفر سنة خمس وتسعين وسبعمائة ، ودفن بتربتهم في الصالحية مقابل جامع الأفرم في السفح. ثم درّس بها الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الحلبي ثم الدمشقي قاضي كرك نوح على نبينا

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٣٣٨.

١٥٩

وعليه الصلاة والسلام والخطيب بها. قال ابن حجي السعدي : كان من خيار الفقهاء ، وقد ولي قضاء القدس ، وولي تدريس البادرائية بدمشق ، مات في ذي الحجة سنة خمس وثمانمائة. ثم ولي تدريسها الشيخ شرف الدين موسى بن سعيد المعروف بابن البابا الدمشقي ثم المصري.

قال الأسدي : في شعبان سنة عشر اشتغل بمصر وفضل ، وكان رفيقا لشيخنا الشيخ جمال الدين الطيماني في الطلب ، وجاء بعد الفتنة إلى دمشق ، ونزل في خانقاه خاتون ، ثم ولي تدريس البادرائية اسما بغير حضور ولا معلوم طائل ، قال : وكان علمه نتفا يسيرة من الفقه وبعض أصول وجملة من النحو ، والطب من أشهر علومه ، ويكتب خطا حسنا ، وكلامه بتقاعد وتمشيخ ، وكان قد شرع في شرح على التمييز للبارزي ، فكتب من ذلك يسيرا ، قيل إنه كان يذكر العبارات من غير تصرف. توفي ليلة السبت سابعه ، ودفن من الغد بالصالحية ، وحضر جنازته طائفة من الفقهاء ، وكان أسمر اللون يشبه الزيالع ، وكان قد شاخ وغلب البياض على شعره ، وكان بيده تصدير نزل عنه قبل موته لنجم الدين بن حجي ، ونصف الخطابة بجامع التوبة نزل عنه أيضا لنجم الدين في مرض موته ، وتدريس البادرائية وليه كاتب السر البصروي انتهى. ولم أقف على ترجمة كاتب السر هذا.

ثم درّس بها القاضي شمس الدين محمد بن كامل التدمري وناب في الحكم بدمشق وولي قضاء القدس. ذكره العثماني في طبقاته بأنه توفي في سنة إحدى وأربعين ، وآخر من علمنا ولي تدريسها الشيخ الفقيه الصالح الخير شمس الدين أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد الحسيني الشافعي ابن أخي الشيخ تقي الدين الحصني ، اشتغل في العلم وفضل في النحو ، وانتفع بعمه ، ولزم طريقته في العبادة. والتجرد ، ومع ذلك ولي تدريس البادرائية ولم يقبض بها معلوما ، وقام في عمارة المدرسة المذكورة ، وكان يذهب إلى اللاذقية لرفق الحال بها ، فيقيم هناك مدة ويرجع إلى دمشق ، وهناك توفي رحمه‌الله تعالى يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول سنة أربع وتسعين وثمانمائة وصلي عليه في

١٦٠