الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

خمس وسبعين وخمسمائة على يد الحاجب أبي الفتح عرف بابن العميد ، وأول من صلى بها أبو جعفر القرطبي (١) ، ولم تزل الامامة في يده ويد أولاده إلى سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، فانقرضوا ولم يبق لهم عقب. ثم تولى إمامتها في الأيام الصالحية النجمية الشيخ أحمد بن محمد بن الخلاطي الصوفي ولم يزل بها إلى أن توفي سنة إحدى وسبعين وستمائة وتوفي بها بعده ولده وهو مستمر بها إلى الآن. وجدد المرحوم جمال الدين بن يغمور في أيامه بركة الكلاسة ، وبلط دهليزها وأرض البركة في سنة سبع وأربعين وستمائة قال ذلك ابن شداد. وقال ابن قاضي شهبة في ذيله في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة : وفيه شرع في تعزيل التراب من المدرسة الكلاسة من الايوان الشرقي ، وسبب ذلك أن النائب جقمق (٢) فتح لتربته شبابيك إلى الكلاسة من الايوان فأراد عمارتها ، فطلب العامل على المدرسة المذكورة وسأل عن مالها فقال أخذه المدرس والناظر وبعض الفقهاء ، فحسب ما أخذه ، فكان أزيد من خمسة آلاف ، فرسم بأن تسترجع ويعمر بها ، فقيل له إن هذا الوقف ليس هو وقف الكلاسة وإنما هو وقف على من درّس بها ، فلم يسمع ورسم على تقي الدين صهر الغزي شهاب الدين المدرس والعامل بدار السعادة أكثر من شهر ثم أطلقا على أن يشرعا في العمارة انتهى. وذكر قبل ذلك نحو صفحة حكاية عن المجادلي إمام الكلاسة ، وما قال في حق الغزي ، وما جرى له بسببه. ودرس بها الكمال بن الحرستاني ، وقد مرت ترجمه في المدرسة الأكزية. ثم درس بها قاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة التقوية ورتب مدرسا بها عن بني الزكي. قال المعتمدي : محمد بن إبراهيم الصفدي ثم الدمشقي المصري الشيخ الامام الفقيه المحصل العالم البارع المتصوف شمس الدين ، قدم من بلاده فأنزله الشيخ زين الدين بن المرحل في بيته بالشامية ، ثم تنزل فقيها بالمدرسة ، وحفظ كتاب الشيخ زين الدين الذي ألفه في الأصول واشتغل وحصل ، ثم أذن له بالفتوى مدرس الشامية ابن خطيب يبرود ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٣٢٣.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ١٦٤.

٣٤١

وكتب له إجازة بخطه ، وصحب القاضي تاج الدين وكان يطريه ويمدحه وقال ابن حجي : وكان مع دخوله في الفقهاء ومزاحمتهم في الوظائف سالكا مسلك طريق الفقر ، وولي إمامة الطواويس ، وكان له هناك وقت للذكر ، ورتب له شيء على الجامع ، وطالع هو ووالدي كتاب النهاية في الفقه ، ورتب مدرسا بالكلاسة عن بني الزكي ، ثم سافر إلى مصر ، توفي في يوم عشرين جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين وسبعمائة ، وقد جاوز السبعين. ثم درس بها مدة قاضي القضاة عز الدين أبو المفاخر محمد بن شرف الدين عبد القادر ابن عفيف الدين عبد الخالق بن خليل الأنصاري الدمشقي ، ولي قضاء القضاء بدمشق مرّتين ، عزل به شمس الدين بن خلكان ، ثم عزل بابن خلكان بعد سبع سنين ، ثم عزل ابن خلكان به ثانية ، ثم عزل هو وسجن وولي بعده بهاء الدين بن الزكي وبقي معزولا إلى أن توفي ببستانه في تاسع شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين وستمائة بسوق الخيل ثم دفن بسفح قاسيون ، وكان مولده سنة ثمان وعشرين وستمائة ، وكان مشكور السيرة ، له عقل وتدبير ، واعتقاد كثير في الصالحين ، وقد سمع الحديث وخرّج له ابن بلبان مشيخة قرأها ابن جعوان (١) عليه ، ثم درس بهذه المدرسة بعده ابنه محيى الدين أحمد ، وتوفي بعده في يوم الأربعاء ثامن شهر رجب ، قاله ابن كثير ملخصا في السنة المذكورة. ثم درس بها الامام جمال الدين بن الرهاوي في سنة إحدى وخمسين انتزعها من محيى الدين بن الزكي. ثم ولي نظر الجامع في سنة إحدى وستين شهرا واحدا ، ثم وكالة بيت المال في ذي القعدة سنة أربع وستين ثم عزل ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الشامية البرانية. ثم درس بها العلامة شمس الدين الصرخدي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة التقوية ، وقال الشيخ تقي الدين الأسدي في ثالث ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة : ويومئذ حضر رضي الدين محمد ابن الشيخ الامام شهاب الدين الغزي مدرس الكلاسة وكان بيد والده ، ودرس جيدا ، وله طلب وفضل ونشأ على طريقة حسنة غير أنه

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٤٤.

٣٤٢

يلثغ في حروف يبدلها بغيرها. وقال أيضا في شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين : ويوم الأربعاء تاسع عشره حضر الفقيه رضي الدين ابن الشيخ شهاب الدين الغزي الشافعي بالكلاسة ، وحضرت أنا عنده والقاضي جمال الدين الباعوني وجمع من الفقهاء ، وكان قد سافر إلى مصر مع القاضي الونائي للشهادة على السراج الحمصي بما التمسه من مال البيمارستان ، فولّاه القاضي كاتب السر بمصر كمال الدين البارزي تصديرا جدده له بالكلاسة ، ورتب له كل شهر مائة وخمسين درهما انتهى.

(فائدتان) : درّس بها نيابة الشيخ علاء الدين الحبكي ، وقد مرّت ترجمته في المدرسة الفلكية. وجلس للتحديث بها شيخ الاسلام تقي الدين السبكي ، فقرأ عليه الحافظ تقي الدين أبو الفتح السبكي جميع معجمه الذي خرج له الحافظ شهاب الدين بن أيبك الدمياطي ، وسمع عليه خلائق منهم الحافظان أبو الحجاج المزي وابو عبد الله الذهبي ، وذكره في المعجم المختص وأطال فيه إلى أن قال : سمعت منه وسمع مني ، وحكم بالشام فحمدت أحكامه ، فالله تعالى يؤيده ويسدده ، سمعنا معجمه بالكلاسة ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأتابكية.

(تنبيه) : الحلقة الكوثرية تجاه شباك الكلاسة تحت مئذنة العروس بالجامع الأموي ، وقفها الشهيد نور الدين على صبيان صغار وأيتام يقرءون في كل ليلة بعد العصر ثلاث مرات (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ويهدون ثوابها للواقف ، ولهم على ذلك مرتب يتناولونه من ديوان السبع الكبير ، يعني السبع الذي هو بالجامع المذكور الذي ذكره ، وإن عدة من فيه يومئذ على ما استقرّ عليه الحال ثلاثمائة وأربعة وخمسون نفرا ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

٨١ ـ المدرسة المجاهدية الجوانية

بالقرب من باب الخواصين ، واقفها الأمير الكبير مجاهد الدين أبو الفوارس بزان بن يامين بن علي بن محمد الجلالي الكردي أحد مقدمي الجيش

٣٤٣

بالشام في دولة نور الدين وقبلة ، وناب بصرخد. ولم يذكر ابن شداد اسمه ولا ترجمته هنا في كتابه الأعلاق ، وذكره في كلامه على مساجد دمشق حيث قال : مسجد في مدرسة بزان بن يامين الكردي المعروف بمجاهد الذين التي كانت دار الشريف القاضي أبي الحسن علي. وفي كلامه على كورة حوران حيث قال : ولما فتح معين الدين (١) صرخد وبصرى وسلم صرخد للأمير مجاهد الدين بزان بن يامين الكردي ، وسلم بصرى إلى حاجبه فارس الدولة صرخك ، فأقام مجاهد الدين في صرخد إلى أن توفي ليلة الجمعة ثاني صفر سنة خمس وخمسين وخمسمائة ، وتسلمها ولده سيف الدين محمد ، فلما ملك الملك العادل نور الدين محمود دمشق أخذها منه إلى آخر كلامه ، وفي كلامه ان بانيها مجاهد الدين قليج بن شمس الدين محمود انتهى ، وهو عجب فانه إنما ذكر ذلك في المجاهدية القليجية ورأيت في الروضتين لأبي شامة ما صورته : ثم دخلت سنة خمس وخمسين قال الرئيس أبو يعلى ـ يعني القلانسي ـ : في صفر توفي الأمير مجاهد الدين بزان بن يامين أحد مقدمي أمراء الأكراد ، وهو من ذوي الوجاهة في الدولة ، موصوف بالشجاعة والبسالة والسماحة ، مثابر على بثّ الصلات والصدقات في المساكين والضعفاء والفقراء مع الزمان في كل عصر يمضي وأوان ، جميل المحيا ، حسن البشر في اللقاء ، وحل من داره بباب الفراديس إلى الجامع للصلاة عليه ، ثم إلى المدرسة المشهورة باسمه (يعني المجاهدية التي عند باب الفراديس) فدفن فيها في اليوم [يعني] وفي الصفة الشامية ولم يخل من باك عليه ومرث له ومتأسف على فقده لجميل فعاله وحميد خلاله.

قلت : وله أوقاف على أبواب البر منها المدرستان المنسوبتان إليه ، إحداهما التي دفن بها وهي لصيق باب الفراديس المجدد ، والأخرى قبالة باب دار سيف الغزي في صف مدرسة نور الدين رحمه‌الله تعالى ، وله وقف على من يقرأ السبع كل يوم بمقصورة الخضر بجامع دمشق وغير ذلك ، وقد مدحه

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ١٣٨.

٣٤٤

عرقلة (١) الدمشقي الشاعر وغيره ، انتهى كلام أبي شامة رحمه‌الله تعالى. وقال الذهبي في مختصر الاسلام في سنة خمس وخمسين وخمسمائة : وفيها مات الأمير مجاهد الدين بزان واقف المجاهدية بدمشق انتهى. وفي غيره : وأوصى إلى القاضي زكي الدين بن الزكي وجعل النظر لعقبه على أوقافه كلها وأوصى أن يحج عنه بثلاثين دينارا ، وإليه ينسب السبع المجاهدي بالجامع بمقصورة الخضر داخل باب الزيادة. وقال صلاح الدين بزان بن يامين الأمير مجاهد الدين الكردي أحد الموصوفين بالشجاعة والرأي والسماحة والصدقات والصلات ، توفي رحمه‌الله تعالى سنة خمس وخمسين وخمسمائة انتهى. ومن وقفها طاحون اللوان بأواخر المزة والديروسة. قال ابن شداد : أول من درس بها قطب الدين النيسابوري. ثم ولها بعده [الفقيه] أبو الفتح نصر الله المصيصي وتوفي بها. وعادت إلى قطب الدين النيسابوري عند عوده من العجم المرة الثانية. ووليها القاضي شمس الدين يحيى بن هبة الله بن سني الدولة. ثم من بعده عماد الدين ابن الحرستاني. ثم ولده محيى الدين الخطيب الآن بدمشق. ثم أخذت منه في سنة تسع وستين وستمائة. ووليها تاج الدين عبد الرحمن الفقيه المفتي وهو مستمر بها إلى الآن انتهى.

قلت : أول من درس بها قاضي القضاة منتجب الدين أبو المعالي محمد ابن قاضي القضاة أبي الفضل يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي ، وقد ولد في أوائل سنة سبع وستين وأربعمائة ، وتفقه على الشيخ نصر المقدسي ، وناب عن والده في القضاء لما حج أبوه في سنة عشر ، ثم استقل بالقضاء لما كبر أبوه وبعد موته ، ودرس في هذه المدرسة ثم ولاه الواقف على النظر والتدريس ، توفي في شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وخمسمائة ، ودفن عند والده بمسجد القدم. قال الشيخ تقي الدين : ودرّس بها بعده فيما أظن ولده قاضي القضاة زكي الدين أبو الحسن علي (٢) ، وقد ولي قضاء دمشق ثم استعفى منه في سنة خمس وخمسين فأعفي وذهب إلى العراق. قال الذهبي :

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٢٢٠.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٢١٣.

٣٤٥

وكان فقيها خيرا دينا محمود [السيرة] ، توفي ببغداد في شوال سنة أربع وستين وخمسمائة ، ومولده سنة سبع وخمسمائة. ودرس بها العلامة قطب الدين النيسابوري لما قدم إلى دمشق في المرة الأولى سنة أربعين وخمسمائة ، ثم درس بالزاوية الغزالية بعد موت الشيخ نصر [الله] المصيصي في سنة اثنتين وأربعين ، وقد مرّت ترجمة العلامة قطب الدين في المدرسة الأمينية. قال الأسدي : وأظنه انتزع هذه المدرسة من القاضي زكي الدين ، ثم لما سافر قطب الدين استعادها القاضي زكي الدين ، ثم بعد سفره إلى العراق درس بها الخطيب ابن عبد ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العمادية. ثم درس بها جمال الأئمة أبو القاسم ابن المانح ، إما أنه انتزعها من الخطيب ابن عبد ، أو أنه درس بها بعد وفاته أياما ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأمينية. ثم درس بها أبو الفضائل ابن رستم ، وقد مرّت ترجمته في الغزالية. ثم درّس بها الخطيب بن الحرستاني ، وقد مرت ترجمته في الغزالية أيضا. ثم درس بها مدة ثم تركها مفتي الاسلام تاج الدين الفزاري ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث النورية. ثم درّس بها قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي ، وقد مرّت ترجمته في المدرسة التقوية. ثم درس بها نيابة العالم العلامة علاء الدين الحبكي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الفلكية ، ثم درس بها أيضا نيابة القاضي جمال الدين بن قاضي شهبة ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العصرونية. قال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في ذيله في شهر ربيع الأول سنة ست وعشرين وثمانمائة ومن خطه نقلت : وفي يوم الأحد سادس عشره درست بالمدرسة المجاهدية ، وحضر عندي فقهاء الشافعية ، وكنت قد وليت التدريس من سنين ، وكانت المدرسة خرابا ، فلما تماثل أمرها باشرت التدريس المذكور انتهى. ثم قال في صفر سنة تسع وأربعين : وفي يوم الأحد ثامنه درس الولد بدر الدين أبو الفضل بالمدرسة المجاهدية ، نزلت له عنه ، وكان التدريس المذكور بيدي أكثر من ثلاثين سنة انتهى. ثم تولّاها ولده الزيني عبد القادر. ثم نزل عنها لشيخنا قطب الدين الخيضري. ثم نزل عنها لبرهان الدين بن المعتمد ، ولزين الدين

٣٤٦

الطرابلسي ثم مات الطرابلسي ، وأخذ نصفه عنه أخوه أظنه بنزول منه. ثم نزل عن ذلك النصف لابن احماي شمس الدين الكفرسوسي. ثم نزل عنه للشريف الموقع الحلبي ثم الدمشقي نائب كاتب السر بدمشق ، واستمر النصف بيد البرهان بن المعتمد إلى أن توفي. ثم صار للشريف المشار إليه ، وقد أخبرني عن ميلاده أنه سنة وخمسين وثمانمائة انتهى.

٨٢ ـ المدرسة المجاهدية البرانية

بين بابي الفراديس ، واقفها الأمير مجاهد الدين ، وقد مرّت ترجمته في المدرسة التي قبلها وبها دفن. قال ابن شداد : والذي تحقق ممن وليها من المدرّسين شمس الدين عبد الكافي. ومن بعده تاج الدين أبو بكر الشحروري.

ثم من بعده تاج الدين المراغي من أصحاب الشيخ البادرائي وهو مستمر بها إلى الآن ، انتهى ملخصا.

٨٣ ـ المدرسة المسرورية

قال ابن شداد : بباب البريد ، أنشأها الطواشي شمس الدين الخواص مسرور ، وكان من خدام الخلفاء المصريين ، وهو صاحب خان مسرور بالقاهرة انتهى. وقال الشيخ تقي الدين الأسدي : ورأيت بخط شيخنا أنها منسوبة إلى الأمير فخر الدين مسرور الملكي الناصري العادلي ، وقفها عليه شبل الدولة كافور الحسامي (١) واقف الشبلية ، ووقفت على كتابها الثاني الذي زاد فيه زيادات على الواقف الأول ، تاريخه سابع صفر سنة أربع وستمائة ، وهو متصل الثبوت بالقاضي الدمشقي ، بقاض بعد قاض إلى آخر وقت. وأول من درس بهذه المدرسة بشرط الواقف الفقيه العالم ناصح الدين أو الحسن علي ابن مرتفع بن أفتكين الجميزي المصري الدمشقي العدلي ، وشرط الواقف أن له أن يباشر ذلك بنفسه ويستنيب فيه من أراد ممن هو أهل لذلك ، لما

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٠٩.

٣٤٧

علم من دينه وأهليته للتدريس بها ، واستجماع شرائط الواقف ، وجعل التدريس فيها لذريته إذا كان فيهم من هو أهل. قال : ولا أعلم وقت وفاته. وولي النظر بعده ولده العدل جمال الدين يوسف إلى أن توفي في خامس صفر سنة تسع وخمسين وستمائة ، ودفن على أبيه بالجبل ، ذكره الكتبي. ودرس بها بعد الشيخ ناصح الدين فيما أظن ولده الصدر ركن الدين يونس إلى أن توفي في سنة ثلاث وتسعين وستمائة ذكره الكتبي أيضا انتهى. ورأيت ابن شداد قال : أول من درس بها شيخ الاسلام ، ثم من بعده ولده شهاب الدين ، ثم من بعده ناصح الدين علي بن مرتفع بن أفتكين ، ثم من بعده ولده ركن الدين يونس وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. ثم درس بها بعده القاضي جلال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر العجلي القزويني الدمشقي عوضا عن ركن الدين بن أفتكين. قال ابن كثير في سنة ثلاث وتسعين : وفي اليوم الثاني والعشرين من شعبان درس بالمسرورية القاضي جلال الدين القزويني أخو إمام الدين ، وحضر أخوه وقاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي والشيخ تقي الدين بن تيمية ، وكان درسا حافلا انتهى. واستمر بها إلى أن توفي في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة بدمشق. ثم درس به الشيخ كمال الدين بن الزملكاني في شهر رجب سنة أربع وعشرين ، لما ولي القاضي جلال الدين القضاء ، وقد مرت ترجمة الشيخ كمال الدين المذكور في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم درس بها بعد سفره إلى حلب القاضي حسام الدين القرمي ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الناصرية. ثم درس بها الشيخ جمال الدين بن الشريشي ، قايض القاضي حسام الدين منها إلى الناصرية البرانية ، وقد مرت ترجمة الشيخ جمال الدين هذا فيها. ثم درس بها تقي الدين عبد الرحمن ابن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني. وفي يوم الأحد ثاني عشر صفر سنة ثمان وعشرين بحكم انتقال الشيخ جمال الدين إلى قضاء حمص ، وحضر الناس عنده وترحموا على والده كمال الدين الزملكاني ، واستمر بها إلى أن توفي في صفر سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. ثم درس بها الخطيب جمال الدين بن جملة ، وقد

٣٤٨

مرت ترجمته في المدرسة الظاهرية البرانية. ثم تركها للشيخ تاج الدين المراكشي ، ويحتمل أنه لما ولي هذا الخطابة سنة تسع وأربعين. ثم درس بها الشيخ تاج الدين هذا بعد وفاة الشيخ تقي الدين بن الزملكاني. قال الأسدي فيما أظن : ثم إنه أعرض عنها. وقال : وجدت في شرط واقف المسرورية أن يعرف الخلاف وأنا لا أعرفه. قال الأسدي : قال شيخنا قال لي والدي : والذي زهده في التدريس بالمسرورية الشيخ شمس الدين القونوي الحنفي وكان صاحبه انتهى. والشيخ تاج الدين المذكور وهو محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد المراكشي ميلاده سنة إحدى وقيل ثلاث وسبعمائة ، واشتغل بالقاهرة على الشيخ علاء الدين القونوي وغيره من مشايخ العصر ، وأخذ النحو عن أبي حيان ، وتفنن بالعلوم ، وسمع بالقاهرة وبدمشق من جماعة ، وأعاد بقية الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وكان ضيق الخلق لا يجابي أحدا ولا يتحاشى من أحد ، فآذاه لذلك القاضي جلال الدين القزويني ، أول دخوله القاهرة فلم يرجع ، فشاور عليه السلطان فرسم باخراجه من القاهرة إلى الشام مرسما عليه. قال الصفدي : أظن ذلك في أواخر سنة سبع وثلاثين ، فورد دمشق وأقام بها ، ودرس بالمسرورية مدة يسيرة ، ثم أعرض عنها تزهدا. قال الأسنوي : حصل علوما عديدة أكثرها بالسماع لأنه كان ضعيف النظر مقاربا للعمى ، وكان ذكيا غير أنه كان عجولا محتقرا للناس كثير الوقيعة فيهم ، ولما قدم دمشق أقبل على الاشتغال والاشغال وسماع الحديث. وولي تدريس المسرورية ثم انقطع قبل موته بنحو سنة في دار الحديث ، وترك التدريس الذي له ، وأقبل على التلاوة والنظر في العلوم إلى أن توفي فجأة في جمادى الآخرة سنة إحدى وقيل اثنتين وخمسين وسبعمائة. ثم درس بها بعده قاضي القضاة تقي الدين السبكي في أول سنة إحدى وخمسين بعد إعراض الشيخ تاج الدين عنها واعترافه بأنه لا يعرف أحدا يعلم علم الخلاف غير القاضي تقي الدين المذكور ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الأشرفية. ثم درّس بها بنزوله ولده قاضي

٣٤٩

القضاة تاج الدين عبد الوهاب ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية ثم درس بها الشيخ شمس الدين بن خطيب يبرود ، وقد مرّت ترجمته في المدرسة الدماغية. ثم درس بها قاضي القضاة جمال الدين الرهاوي ، نزل له عنها الشيخ شمس الدين بن خطيب يبرود ، وكان تدريس القاضي جمال الدين بها في ذي القعدة سنة ستين ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الشامية البرانية. ثم درّس بها الشيخ شهاب الدين الزهري بعد وفاة الرهاوي ، وقد مرت ترجمة الشيخ شهاب الدين في المدرسة العادلية الصغرى. ثم درس بها الشيخ زين الدين عمر بن مسلم بن سعيد القرشي في المحرم سنة ثمان وسبعين وسبعمائة واستمرّ في يده إلى أن توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة. ثم درس بها بعد وفاته الشرف عيسى بن عثمان الغزي إلى أن توفي.

قال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في الذيل في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين حضر الناس الدرس ، وحضرت العذراوية والعزيزية والمسرورية ، وكنت قد تلقيت تدريسها ونظرها عن السيد شهاب الدين ابن نقيب الأشراف أيام غضب المؤيد عليه وحكم باستحقاقهما ، فلما رضي المؤيد عليه استولى عليهما ، ثم لما جرت أمور إلى أن قدّر عود التدريس إليّ في هذا الوقت انتهى. والظاهر أنه أراد هذه المدرسة.

٨٤ ـ المدرسة المنكلائية

قال الصفدي في حرف السين المهملة في ترجمة سنجر الأمير الكبير علم الدين الشجاعي المنصوري ما عبارته : وكان قد ربي أولا بدمشق عند امرأة تعرف بست قجاجوار المدرسة النكلائية انتهى.

٨٥ ـ المدرسة الناصرية الجوانية

داخل باب الفراديس شمالي الجامع الأموي والرواحية بشرق ، وغربي بشمال ، وشرقي القيمرية الصغرى والمقدمية الجوانية ، إنشاء الملك الناصر

٣٥٠

يوسف بن صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الناصرية ، وتعرف بالناصرية البرانية. قال ابن شداد : وكانت هذه المدرسة تعرف بدار الزكي المعظم ، وفرغ من عمارتها في أواخر سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، وأول من درس بها قاضي القضاة صدر الدين بن سني الدولة ، ومن بعده ولده نجم الدين ، ثم القاضي شمس الدين بن خلكان ، ثم من بعده الشيخ رشيد الدين الفارقي ، وهو مستمر بها إلى الآن انتهى.

قلت : وكان شروع قاضي القضاة صدر الدين بن سني الدولة في تدريسها في سابع المحرم سنة أربع وخمسين بحضرة الواقف وحضرة الأمراء والدوادار نجم الدين البادرائي وأعيان الشام. قال ابن كثير : وجمهور أهل الحلّ والعقد بدمشق ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الإقبالية. ثم درّس بها بعده أشهرا قاضي القضاة محيي الدين يحيى ابن قاضي القضاة محيي الدين محمد بن الزكي في سنة ثمان وخمسين وستمائة ، ثم ذهب إلى مصر وتوفي بها في شهر رجب سنة ثمان وستين وستمائة. ثم وليها بعده القاضي نجم الدين أبو بكر محمد ابن قاضي القضاة صدر الدين بن سني الدولة في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين إلى ذي القعدة في سنة تسع وستين ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأمينية. ثم درس بها بعده الشيخ رشيد الدين الفارقي سنة تسع وستين وهي سنة قسم الوظائف بين الفقهاء ، فباشرها نحو سبع سنين إلى سنة سبع وستين وستمائة ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الظاهرية الجوانية.

وقال ابن كثير في تاريخه في سنة تسعين وستمائة : وفيها أثبت ابن الخويي محضرا يتضمن أن يكون تدريس الناصرية للقاضي الشافعي وانتزعها من زين الدين الفارقي انتهى. وقال في سنة تسعين : وفيها أعيدت الناصرية إلى الفارقي انتهى. وقال ابن كثير في سنة ثلاث وتسعين وستمائة : وفي يوم الأربعاء ثاني ذي القعدة درّس بالغزالية شرف الدين الخطيب المقدسي عوضا عن قاضي القضاة [شهاب الدين بن الخويي] ، توفي وترك الشامية البرانية ، إلى أن قال : وباشر تدريس الشامية عوضا عن شرف الدين المقدسي الشيخ زين الدين

٣٥١

الفارقي ، وانتزعت من يديه الناصرية ، فدرس بها ابن جماعة وبالعادلية في العشرين من ذي الحجة انتهى.

وقال ابن كثير في سنة ست وتسعين وستمائة : وفي ثاني عشرين المحرم خرج السلطان الملك العادل كتبغا بالعساكر من دمشق بكرة النهار وخرج بعده الوزير وهو فخر الدين الخليلي ، فاجتاز بدار الحديث الأشرفية وزار الأثر النبوي بها ، وخرج إليه زين الدين الفارقي وشافهه بتدريس الناصرية أي بعد عزل ابن جماعة ، وترك زين الدين تدريس الشامية البرانية فوليها القاضي كمال الدين بن الشريشي ، وذكر أن الوزير أعطى الشيخ شيئا من حطام الدنيا فقبله ، وكذلك أعطى خادم الأثر النبوي على صاحبه ألف ألف صلاة وألف وألف سلام وهو المعين خطاب ، وخرج الأعيان والقضاة مع الوزير لتوديعه ، ووقع في هذا اليوم مطر جيد استشفى الناس به وغسل آثار العساكر من الأوساخ وغيرها. ثم قال فيها : ودرس الشيخ زين الدين المذكور بالناصرية الجوانية عوضا عن القاضي بدر الدين بن جماعة في يوم الأربعاء آخر يوم من المحرم الحرام. ثم قال فيها في شعبان : وأعيدت الشامية البرانية إلى الشيخ زين الدين مع الناصرية بسبب غيبة كمال الدين بن الشريشي بالقاهرة. ثم قال فيها في ذي القعدة منها : وقدم الشيخ كمال الدين بن الشريشي ومعه توقيع بتدريس الناصرية عوضا عن الشامية البرانية. وقال في سنة سبعمائة : وكان الشيخ زين الدين الفارقي قد درس بالناصرية لغيبة مدرسها وهو كمال الدين ابن الشريشي بالكرك هاربا يعني من التتار ، ثم عاد إليها في شهر رمضان انتهى. وقال في سنة إحدى وسبعمائة : وفي نصف شهر ربيع الآخر حضر القاضي بدر الدين بن جماعة تدريس الناصرية الجوانية عوضا عن كمال الدين ابن الشريشي ، وذلك أنه ثبت محضر أنها لقاضي الشافعية بدمشق ، فانتزعها من يد ابن الشريشي انتهى. وقال فيها : وأعيدت الناصرية إلى ابن الشريشي ، ودرس بها يوم الأربعاء الرابع عشر من جمادى الآخرة انتهى. وقال في سنة ثلاث وسبعمائة : فلما توفي الشيخ زين الدين الفارقي كان نائب السلطنة في

٣٥٢

نواحي البلقاء ، فلما تكلموا معه حين قدم في وظائفه عين الشامية البرانية ودار الحديث للشيخ كمال الدين بن الشريشي ، إلى أن قال : وأخذ منه أي من كمال الدين المذكور الناصرية الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني ، إلى أن قال : فلما كان بكرة يوم الاثنين ثاني عشرين شهر ربيع الأول وصل البريد من مصر صحبة الشيخ صدر الدين بن الوكيل والشيخ كمال الدين بن الزملكاني في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. وقال ابن كثير في سنة تسع عشرة وسبعمائة : وفي يوم الأربعاء خامس صفر درس بالناصرية الجوانية النجم بن صصري عوضا عن ابن الشريشي أيضا وحضر عنده الناس على العادة انتهى ، وقد مرت ترجمة النجم هذا في المدرسة الأتابكية ، وفي رابع شهر ربيع الآخر. درس بالناصرية الجوانية الشيخ كمال الدين بن الشيرازي بتوقيع سلطاني ، وأخذها من ابن صصري وباشرها إلى أن توفي ، وقد مرت ترجمة الشيخ كمال الدين هذا في المدرسة البادرائية. وقال ابن كثير في سنة ست وثلاثين : وفي يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى درس بالناصرية الجوانية نور الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين الشيرازي لما توفي ، وحضر عنده القضاة انتهى. ونحوه رأيت بخط البرزالي في تاريخه وفي العبر للذهبي ، وقد مرت ترجمة نور الدين هذا في المدرسة الجاروخية. ثم درس بها القاضي ناصر الدين بن يعقوب ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الشامية الجوانية. ثم درس بها القاضي أمين الدين بن القلانسي لما سافر القاضي ناصر الدين إلى وظيفة كتابة السر بحلب. ثم درس بها ناصر الدين لما عاد على جهاته في سنة اثنتين وستين وسبعمائة ، وقد مرت ترجمة القاضي أمين الدين هذا في المدرسة الشامية الجوانية أيضا. ثم درس بها بعده سنة تاريخه قاضي القضاة بهاء الدين أبو حامد أحمد بن السبكي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العادلية الكبرى. ثم درس بها بعده أخوه العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب ، وقد مرّت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم درس بها الامام جمال الدين بن الرهاوي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الشامية البرانية. ثم انتزعها منه القاضي شمس الدين

٣٥٣

الغزي في ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين ، والقاضي شمس الدين هذا هو الامام العلامة أبو عبد الله محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي ثم الدمشقي ، ميلاده سنة ست عشرة وسبعمائة ، بغزة ، وقدم دمشق واشتغل بها ، ثم رحل إلى القاضي شرف الدين البارزي ، فتفقه عليه وأذن له بالافتاء ، ثم عاد إلى دمشق وجدّ واجتهد وسمع الحديث ودرس وأعاد ، وناب للقاضي تاج الدين بن السبكي ، وترك له تدريس الناصرية هذه ، وقد كان في محنة القاضي تاج الدين المذكور قام قياما عظيما وخانق عنه ، وأخذ البلقيني منه تدريس الناصرية هذه ، ثم استعادها منه بمرسوم السلطان ، توفي في شهر رجب سنة سبعين وسبعمائة ، ودفن بتربة السبكيين. ثم درّس بها بعد وفاته العلامة شمس الدين بن خطيب يبرود دون سنة ، ثم تركها لما ولي تدريس الشامية البرانية ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الدماغية. ثم ولي تدريسها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء بن السبكي مع قضاء الشام ثاني مرة ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم ولي تدريسها العلامة زين الدين الملحي. ثم درّس بها مع القضاء ولي الدين أبو ذر عبد الله ولد القاضي بهاء الدين أبي البقاء المذكور ، وقد مرت ترجمته وترجمة الشيخ زين الدين في دار الحديث المذكورة. ثم تركها القاضي ولي الدين هذا للمفنن فتح الدين بن الشهيد ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الظاهرية الجوانية ، وقد مرّ في المدرسة الأمجدية أن تدريس هذه المدرسة ونظرها تولاهما السيد ناصر الدين محمد ابن نقيب الأشراف. ثم وليهما بعد موته أخوه شهاب أحمد ، وقد تقدمت ترجمة الاثنين هناك. ثم قاضي القضاة شهاب الدين الحسباني بعد عزله من القضاء أخذ من السلطان الخليفة نصف الناصرية عوضا عن ابن نقيب الأشراف فوقف لنوروز نائب الشام بسببها ، فرسم بردها إليه فلم يمكن الحسباني منها ، كذلك ذكره ابن قاضي شهبة في يوم الأحد سادس عشر شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة وثمانمائة. ثم قال في شوال سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة ، وفي يوم الأحد سادس عشريه درس قاضي القضاة الشافعي يعني نجم الدين بن حجي بالمدرسة

٣٥٤

الشامية الجوانية وبالغزالية ، ثم درس بالظاهرية والركنية والناصرية ، وجعل يوم الأحد للأوليتين ، ويوم الأربعاء بين الثلاث ، وقد كان له مدة طويلة لم يحضر درسا انتهى ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الركنية. ثم درّس بها شيخنا شيخ الشام شمس الدين البلاطنسي. ثم شيخنا شيخ الاسلام بدر الدين بن قاضي شهبة ، ثم شيخنا العلامة المفنن نجم الدين بن محمد ولي الدين بن قاضي عجلون ، ودرّس في المنهاج وفي باب الرهن ، ثم بعده أخوه الشيخ تقي الدين أبو بكر القاضي ثم القاضي محيي الدين يحيى بن أحمد بن غازي زوج أخت ناظرها قاضي الحنفية ابن قاضي عجلون ، ودرّس في أول خطبة المنهاج ، ثم لما مات الحنفي المذكور أخذ النظر من السلطان نقيبه إسماعيل الناصري (١) ، وجرى له أمور ولم يعط لأحد بها معلوما ، ثم في سنة خمس وتسعمائة نزل لقاضي القضاة الشافعية شهاب الدين أحمد بن شرف الدين محمود بن جمال الدين عبد الله بن الفرفور. وفي يوم الأربعاء رابع جمادى الآخرة وهو سابع عشرين تشرين الأول عقب حضور الشامية الجوانية حضر قاضي القضاة المشار إليه تدريس الناصرية هذه ، واجلس ولده ولي الدين المراهق عن يساره ، وتحته نائبه الشهاب الولي ، ثم كاتبه ابن مكية النابلسي (٢) ، ثم بهاء الدين بن سالم (٣) ، وعن يمينه النجم ابن تقي الدين بن قاضي عجلون ، ثم جلال الدين البصروي (٤) ، ثم الصدر الموصلي ، وقدامه بدر الدين بن الياسوفي (٥) ، والشمس الكفرسوسي (٦) ، والتقي القاري (٧) ، وفضلاء الوقت ، ودرس في كتاب البيع من المنهاج ، واستدل بقوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) وبقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) الآية التي في سورة البقرة ، وذكر إعراب كل آية

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ٣٧.

(٢) شذرات الذهب ٨ : ٣٣.

(٣) شذرات الذهب ٨ : ١٩٥.

(٤) شذرات الذهب ٨ : ٢٦٦.

(٥) شذرات الذهب ٨ : ٧٦.

(٦) شذرات الذهب ٨ : ١٨٨.

(٧) شذرات الذهب ٨ : ٢٦٠.

٣٥٥

ومن قرأ تجارة وتجارة. ثم في يوم الأربعاء لم يحضر لشغل خاطره بمصادرة النائب له ولغيره بأخذ أموالهم. وأعاد بهذه المدرسة أول ما فتحت شيخ الاسلام تاج الدين الفركاح ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث النورية. وأعاد بها مدة سنتين القاضي العالم الزاهد الورع صدر الدين أبو الربيع سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خصيب الهاشمي الجعفري المعروف بخطيب داريا ، ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة ، وتفقه على الشيخ تاج الدين الفركاح ، ومحيي الدين النواوي رحمهما‌الله تعالى ، وولي الخطابة ، وناب في الحكم مدة سنين ، واستسقى الناس به في سنة تسع عشرة فسقوا ، وكان يذكر نسبة إلى جعفر الطيار رضي الله تعالى عنه ، بينهما ثلاثة عشر أبا ، وترجمته طويلة حسنة ، توفي رحمه‌الله تعالى في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وسبعمائة ، ودفن بباب الصغير عند شيخه تاج الدين. ثم أعاد بها العلامة بدر الدين بن مكتوم ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العادلية الصغرى. ثم أعاد بها سعد الدين النواوي ، وقد مرت ترجمته في الصالحية أي في تربة أم الصالح. وقال ابن كثير في سنة ست وسبعمائة : القاضي تاج الدين صالح بن تامر بن حامد بن علي الجعبري (١) الشافعي نائب الحكم بدمشق ومعيد الناصرية ، وكان ثقة دينا عادلا مرضيا زاهدا ، حكم في سنة سبع وخمسين وستمائة ، له فضائل وعلوم ، وكان حسن الشكل ، توفي في شهر ربيع الأول عن ست وسبعين سنة ، ودفن بالسفح. وناب في الحكم بعده نجم الدين الدمشقي (٢) انتهى. ودرّس بمشيخة النحو بهذه المدرسة العالم سيف الدين البعلبكي ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ودرس بها شيخ النحاة بدمشق شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي العنابي تلميذ الشيخ أثير الدين أبي حيان وخادمه ، واشتغل ببلاده ، ثم قدم القاهرة ، فأخذ عن الشيخ أبي حيان العربية والقراآت ولازمه ، وكتب عنه تصانيفه بخطه الحسن العربي ، وسمع منه وروى عنه ، وتفقه على مذهب الشافعي ، واشتهر في حياة شيخه ، ثم قدم دمشق

__________________

(١) ابن كثير ١٤ : ٤٥.

(٢) ابن كثير ١٤ : ١٣١.

٣٥٦

وصار صوفيا بالخانقاه الأندلسية الآتية وشيخ النحو بهذه المدرسة ، وقصده الناس للأخذ عنه وانتفعوا به ، وعظم قدره واشتهر ذكره ، وشرح التسهيل وغيره ، وكان حسن الخلق كريم النفس ، توفي في المحرم سنة ست وسبعين ، ودفن بمقبرة الصوفية وقد جاوز الستين ، وولي هذه المشيخة العلامة بدر الدين بن مكتوم المار ذكره قريبا.

٨٦ ـ المدرسة المجنونية

شرقي الشامية البرانية بالعقيبة. لم يقع لنا من مدرسيها إلا القاضي شهاب الدين الظاهري ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأمجدية ، والمدرسة المجنونية أنشأها شرف الدين بن الزراري المعروف بالسبع مجانين بعد الثلاثين وستمائة. قال ابن شداد : أول من ذكر الدرس بها شيخ يقال له عز الدين أحمد بن محمد بن علي الموصلي فتوفي بها ، وذكر بعده جمال الدين أحمد بن إسماعيل الهكاري ، وذكر بعده بدر الدين ، ثم بعده (وأخلى بياضا) ، ثم من بعده كمال الدين ابن بنت نجم الدين بن سلام ، وهو مستمرّ بها إلى آخر سنة أربع وسبعين وستمائة انتهى. ودرس بها في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة الشيخ الفاضل علاء الدين علي ابن الإمام شرف الدين الحسين بن علي بن سلام الدمشقي. قال ابن رافع : سمع معي على جماعة منهم أحمد بن عبد الرحمن المرداوي ، وتفقه وأعاد بالشامية البرانية ، ودرس بالمجنونية ، وأفتى وحج انتهى. وقال تقي الدين الأسدي : حكى لي قريبه أنه نزل له عنها اليمني يعني شمس الدين أيام كان يدرس فيها ابن النقيب ولم يذكره ابن كثير في ذيله هنا يعني في الشامية ، وإنما ذكره درس في المجنونية في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة.

٣٥٧

٨٧ ـ المدرسة النجيبية

لصيق المدرسة النورية وضريح نور الدين الشهيد من جهة الشمال. قال الذهبي في تاريخه في سنة سبع وسبعين وستمائة : والنجيبي جمال الدين أقوش الصالحي (١) النجمي استادار الملك الصالح (٢) ، وولي أيضا للملك الظاهر الأستدراية ثم نيابة دمشق تسعة أعوام ، وعزل بعز الدين ايدمر ، ثم بقي بالقاهرة مدة بطالا ، ولحقه فالج قبل موته بأربع سنين ، وكان محبا للعلماء كثير الصدقة ، لديه فضيلة وخبرة ، عاش بضعا وستين سنة ، توفي في شهر ربيع الآخر ، وله بدمشق خانقاه وخان ومدرسة ، ولم يخلف ولدا انتهى. بعد أن قال في سنة سبعين : فيها سار السلطان إلى دمشق ، فعزل عنها النجيبي وأمر عليها عز الدين ايدمر مملوكه ، وفي نصف شعبان حصل بدمشق خوف شديد من التتار ، ورسم نائب البلد علم الدين طيبرس الوزيري على من له قدرة أن يسافر من دمشق إلى مصر ، ووقعت الرجفة في الشام ، وفي بلاد الروم أيضا ، فأرسل السلطان الملك الظاهر بيبرس في ذي القعدة ، فأمسك النائب المذكور وعزله ، واستناب بها الأمير جمال الدين أقوش النجيبي ، وكان من أكابر الأمراء انتهى. وقال تلميذه ابن كثير في سنة اثنتين وستين وستمائة : قال أبو شامة وفي الثامن والعشرين توفي محيي الدين عبد الله بن صفي الدين إبراهيم بن مرزوق بداره بدمشق المجاورة للمدرسة النورية رحمه‌الله تعالى.

قلت : داره هذه هي التي جعلت مدرسة للشافعية وقفها الأمير جمال الدين أقوش النجيبي تقبل الله تعالى منه ، وبها إقامتنا ، جعلها الله دارا تعقبها دار القرار في الفوز العظيم. وقد كان القاضي صفي الدين وزير الملك الأشرف وملك من الذهب ستمائة ألف دينار خارجا عن الأملاك والأثاث والبضائع ، وكانت وفاته بمصر في سنة تسع وخمسين ودفن بتربته عند جبل المقطم انتهى. وقال في سنة سبع وسبعين : وممن توفي فيها من الأعيان : أقوش بن عبد الله

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ٢٩٦.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢٣٧.

٣٥٨

الأمير الكبير جمال الدين النجيبي أبو سعد الصالحي أعتقه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل وجعله من أكابر الأمراء ، وولّاه استداريته ، ثم استنابه بالشام تسع سنين ، فاتخذ فيها المدرسة النجيبية ، ووقف عليها أوقافا دارّة واسعة ، لكن لم يقدر للمستحقين قدرا يناسب ما وقفه عليهم ، ثم عزله السلطان واستدعاه إلى مصر ، فاقام بها مدة بطالا ، ثم مرض بالفالج أربع سنين ، وقد عاده في بعضها الملك الظاهر ، ولم يزل به حتى كانت وفاته ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر بالقاهرة بداره بدرب الملوخية ، ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة بتربته التي أنشأها بالقرافة الصغرى ، وقد كان بنى لنفسه تربة النجيبية ، وفتح لها شبابيك إلى الطريق ، فلم يقدر دفنه بها ، وكان كثير الصدقة محبا للعلماء محسنا إليهم ، حسن الاعتقاد ، شافعي المذهب ، متغاليا في السنة ومحبة الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبغض الروافض ، ومن جملة أوقافه الحسان البستان والأراضي التي وقفها على الجسورة التي قبلي جامع كريم الدين (١) اليوم ، وعلى ذلك أوقاف كثيرة ، وجعل النظر في أوقافه لابن خلكان انتهى. وقال فيها : وفي العشر الأول من ذي القعدة فتحت المدرسة النجيبية : وحضر تدريسها قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان ، ثم نزل عنها لولده كمال الدين موسى ، وفتحت الخانقاه النجيبية ، وقد كانت أوقافهما تحت الحوطة إلى الآن انتهى ، وقد مرّت ترجمة قاضي القضاة هذا في المدرسة الأمينية ، وأنه توفي بايوان هذه المدرسة. وقال ابن كثير في سنة تسعين وستمائة : وفيها درس الخطيب عز الدين الفاروثي بالمدرسة النجيبية عوضا عن كمال الدين موسى بن خلكان انتهى ، وقد مرت ترجمة الخطيب عز الدين في المدرسة الظاهرية الجوانية. وقال ابن كثير في سنة إحدى وتسعين وستمائة : وفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة درس بالنجيبية الشيخ ضياء الدين عبد العزيز الطوسي (٢) بمقتضى نزول الفاروثي له عنها انتهى. والشيخ ضياء الدين

__________________

(١) توفي سنة ٧٢٤ هجرية ابن كثير ١٤ : ١٢٠.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ١٤.

٣٥٩

هذا هو الامام أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن علي الطوسي ثم الدمشقي مدرس النجيبية هذه ، وأعاد بها أيضا شرح الحاوي ، ومختصر ابن الحاجب ، توفي فجأة يوم الأربعاء بعد مرجعه من الحمام تاسع عشرين جمادى الأولى سنة ست وسبعمائة ، وصلي عليه يوم الخميس ظاهر باب النصر ، وحضر نائب السلطنة وجماعة من الأمراء والأعيان ، ودفن بالصوفية رحمه‌الله تعالى. وقال ابن كثير في سنة ست هذه : وفي يوم الأربعاء سادس جمادى الآخرة حضر تدريس النجيبية بهاء الدين يوسف بن كمال الدين أحمد بن عبد العزيز العجمي الحلبي عوضا عن الشيخ ضياء الدين الطوسي توفي ، وحضر عنده ابن صصري وجماعة من الفضلاء انتهى. وقال في سنة ست عشرة وسبعمائة : وفي يوم الأربعاء عاشر شهر رجب درس بالنجيبية القاضي نجم الدين عوضا عن بهاء الدين العجمي سبط الصاحب كمال الدين بن العديم ، ودفن عند خاله ووالده بتربة العديم انتهى. وقال في سنة ست وعشرين وسبعمائة : القاضي نجم الدين أحمد بن عبد المحسن بن حسن بن معالي الدمشقي ، ولد سنة تسع وأربعين ثم اشتغل على تاج الدين الفزاري وحصّل وبرع ، وولي الاعادة ثم الحكم بالقدس ، ثم عاد إلى دمشق فدرس بالنجيبية ، وناب في الحكم عوضا عن ابن صصري مدة بالنجيبية المذكورة يوم الأحد ثامن عشر ذي القعدة ، وصلي عليه العصر بالجامع ، ودفن بباب الصغير. ثم قال فيها : وفي ثاني عشر ذي الحجة درس بالنجيبية ابن قاضي الزبداني عوضا عن الدمشقي نائب الحكم ، مات بالمدرسة المذكورة انتهى ، وقد مرت ترجمة ابن قاضي الزبداني هذا في المدرسة الشامية الجوانية انتهى. وقال ابن كثير في سنة ست وثلاثين : وبعده بيوم ـ يعني الخميس ـ حادي عشر جمادى الأولى درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل بن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني ، تركها حين تعين لتدريس الطاهرية الجوانية ، وحصر عنده القضاة والأعيان ، وكان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون في قوله تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) الآية ، وانساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل انتهى. وقال الشيخ

٣٦٠