الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

١٠٥ ـ المدرسة الريحانية

قال القاضي عز الدين : جوار المدرسة النورية لغرب منشئها خواجا ريحان الطواشي خادم نور الدين الشهيد محمود بن زنكي في سنة خمس وستين وخمسمائة ، ووقف عليها أوقافا معلومة مشهورة انتهى. وقال أبو شامة في كلامه على سلطنة ولد نور الدين : وحضر جمال الدين ريحان وهو أكبر الخدم هذه عبارته ، وقال بعد ذلك : وجمال الدين ريحان والي القلعة والسجن من قبله ، والأمر إليه بتفصيله وجمله. ثم قال : فلما دخل صلاح الدين لأخذ دمشق بقي جمال الدين ريحان الخادم في القلعة على تأبيه ، فراسله حتى استماله ، وأغزر له نواله ، وتملك المدينة والقلعة اه. ورأيت قد رسم على عتبة بابها بعد البسملة : «وقف هذه المدرسة المباركة الأمير جمال الدين ريحان بن عبد الله على المتفقهة على مذهب الامام سراج الأمة أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي‌الله‌عنه ، ووقف عليها جميع البستان الخراجي المعروف بأرض الحواري ، والأرض المعروفة بدف العناب ، والقرماوي بدف القطائع ، والجورتين البرانية والجوانية بأرض الخامس ، والنصف والثلث من الريحانية ، ومن الاصطبل المعروف بعمارية ببستان بقر الوحش ، وذلك معروف مشهور ، فمن بدّله الآية ، وذلك في شعبان سنة خمس وسبعين وخمسمائة» انتهى. وقال ابن شداد : الذي يعلم ممن وليها من المدرسين وليها حجة الدين إلى أن توفي. ووليها جماعة لم يقع لي منهم سوى تاج الدين محمد الحواري. ثم من بعده نجم الدين ابن خليل قاضي العساكر العادلية إلى حين أن توفي ، واستمر بها ولده شمس الدين علي إلى حين توفي. وبقيت مدة معطلة في الأيام الناصرية. فوليها المولى جمال الدين محمد ابن المولى الصاحب كمال الدين بن العديم ، وبقي مستمرا بها. وينوب عنه بها تاج الدين محمد البجلي. ثم من بعده القاضي شمس الدين عبد الله الحنفي إلى أن انتقل جمال الدين المذكور إلى حماة. وناب عنه بدر الدين مظفر بن رضوان بن أبي الفضل الحنفي نائب الحكم العزيز بدمشق ، فأخذت

٤٠١

منه. ووليها القاضي محيي الدين محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن النحاس (١) الحلبي ، وهو مستمرّ بها إلى الآن انتهى. والظاهر أن نجم الدين خليل المذكور هو من ذكره الصفدي حيث قال : خليل بن علي بن الحسين نجم الدين الحموي الحنفي ، قدم دمشق وتفقه بها ، وحدث وخدم المعظم فأرسله إلى بغداد ، ودرّس في الريحانية بدمشق ، وناب عن القاضي الرفيع (٢) في القضاء ، وتوفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وستمائة انتهى. وأما ابن النحاس الحلبي ، فقال البرزالي ومن خطه نقلت في تاريخه : في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة في ليلة الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول توفي علاء الدين علي ابن الصاحب محيي الدين بن يعقوب بن إبراهيم بن النحاس الأسدي الحلبي الحنفي ، وصلي عليه عقيب الجمعة بقرية المزة ، ودفن هناك بتربة والده وأهله ، بعد أن مرض خمسة أشهر انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة خمس وتسعين وستمائة : وابن النحاس الصاحب العلامة محيي الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن إبراهيم الاسدي الحلبي الحنفي ، روى عن الكاشغري وابن الخازن (٣) ، وكان من أساطين المذهب ، توفي رحمه‌الله تعالى بالمزة في سنة خمس ، وله إحدى وثمانون سنة وشهران انتهى. وقال في مختصر تاريخ الاسلام : في هذه السنة توفي شيخ الحنفية الصاحب محيي الدين محمد بن يعقوب ابن النحاس الأسدي الحلبي الحنفي بالمزة ، وله إحدى وثمانون سنة انتهى. وقال الصفدي : محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم الامام العلامة محيي الدين أبو عبد الله ابن الامام القاضي بدر الدين بن النحاس الأسدي الحلبي الحنفي ، ولد بحلب سنة أربع عشرة ، وسمع من ابن شداد وجده لأمه موفق الدين يعيش (٤) شيئا يسيرا ، وكأنه كان مكبا على الفقه والاشتغال. قال الشيخ شمس الدين لم أجده سمع من ابن روزنة ، ولا من الموفق عبد اللطيف ، ولا هذه الطبقة ، واشتغل ببغداد ، وجالس بها العلماء

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ٣٦٦.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢١٤.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٢٢٦.

(٤) شذرات الذهب ٥ : ٢٢٨.

٤٠٢

وناظر ، وبان فضله ، وسمع من أبي إسحاق الكاشغري ، وأبي بكر بن الخازن ، وكان صدرا معظما متبحرا في المذهب وغوامضه ، موصوفا بالذكاء وحسن المناظرة ، انتهت إليه رياسة المذهب بدمشق ، ودرّس بالريحانية والظاهرية ، وولي نظر الدواوين ، وولي نظر الأوقاف والجامع ، وكان معمارا مهندسا كاتبا موصوفا بحسن الانصاف في البحث ، وكان يقول : أنا على مذهب الامام أبي حنيفة في الفروع ، ومذهب الامام أحمد في الأصول ، وكان يحب الحديث والسنة ، سمع منه ابن الخباز ، وابن العطار ، والعرضي ، والمزي ، والبرزالي ، وابن تيمية ، وابن حبيب ، والمقاتلي ، وأبو بكر الرحبي ، وابن النابلسي ، توفي رحمه‌الله تعالى سنة خمس وثمانين وستمائة ، ودفن بتربته بالمزة ، وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة والأعيان. وفيه يقول علاء الدين الوداعي ، وقد قرر قواعد مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، ويعرض بذكر ولده الشيخ شهاب الدين يوسف ومن خطه نقلت :

ومن مثل محيي الدين دامت حياته

إلى مذهب الدين الحنيفي يرشد

لقد أشبه النعمان وهو حقيقة

أبو يوسف في علمه ومحمد

انتهى كلام الصفدي رحمه‌الله تعالى. وقال السيد شمس الدين الحسيني في ذيل العبر في سنة خمس وخمسين وسبعمائة : ومات الامام العلامة ذو الفنون فخر الدين أبو طالب أحمد بن علي بن أحمد الهمداني الكوفي ثم الدمشقي الحنفي المعروف بابن الفصيح ، ولد بالكوفة سنة ثمانين وستمائة ، وسمع من الدواليبي وغيره ، وتفقه وبرع ، وقدم دمشق ودرس بالريحانية ، وأفتى وناظر وظهرت فضائله ، وله النظم والنثر والمصنفات المفيدة ، وكان رفيقي في الحج سنة خمسين ، وتوفي في شعبان من ذا العام ، رحمه‌الله تعالى انتهى. ثم درس بها السيد عماد الدين أبو بكر بن عدنان ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الجقمقية انتهى.

٤٠٣

١٠٦ ـ المدرسة الزنجارية

قال القاضي عز الدين : المدرسة الزنجارية خارج باب توما وباب السلامة انتهى. ويقال لها الزنجيلية ، بالسبعة تجاه دار الأطعمة ، وبها تربة جامع بخطبة بمعلوم على الجامع الأموي ، وهي من أحسن المدارس ، ثم رأيت في تاريخ ابن كثير في سنة سبع وسبعين وخمسمائة : وأما نائب عدن فخر الدين عثمان بن الزنجيلي فانه خرج من اليمن قبل قدوم طغتكين إليها فسكن الشام ، وله أوقاف مشهورة باليمن ومكة ، وإليه تنسب المدرسة الزنجيلية خارج باب توما تجاه دار الطعم ، وكان قد حصل من اليمن أموالا عظيمة جدا انتهى. وقال في المرآة له مدرسة بمكة المشرفة ، وله رباط بالمدينة المنورة على الحالّ بها أفضل الصلاة وأتمّ السلام انتهى. وتبعهما الأسدي في تاريخه. وقال أبو شامة في الروضتين : ولهذا الأمير أوقاف وصدقات بمكة واليمن ودمشق ، وإليه تنسب المدرسة والرباط المتقابلان بباب العمرة بمكة المشرفة ، والمدرسة التي خارج باب توما بدمشق رحمه‌الله انتهى. ثم قال القاضي عز الدين : أنشئت في سنة ست وعشرين وستمائة أنشأها الأمير عز الدين أبو عمرو عثمان بن علي الزنجيلي ، وكان صاحب اليمن ، وانتقل إلى الشام في زمن الملك العادل سيف الدين أبي بكر انتهى ، وبها دفن. والذي وجد من وقفها في سنة عشرين وثمانمائة : حانوتان جوارها ، ولها طاحون بالقرب منها ، وبجوار الطاحون حانوت ، كذا رأيته في كشف مشد الأوقاف سيدي محمد بن منجك الناصري في السنة المذكورة. ثم قال القاضي عز الدين : أول من درّس بها حميد الدين السمرقندي إلى أن توفي. ثم ذكر الدرس بعده في سنة خمس وثلاثين كمال الدين عبد اللطيف بن السنجاري ، واستمر بها مدرسا وناظرا إلى أن توفي. ثم درس بها في زمن التتار المخذولين بولاية جماعة منهم عز الدين إسحاق المعروف بالأقطع ، إلى حين عاد المسلمون إلى الشام ، فعادت إلى كمال الدين المذكور ، وتولاها بعد تاج الدين عبد الرحمن بن عبد الباقي المعروف بابن النجار إلى حين توفي. وتولاها بعده عماد الدين ابن الشماع إلى حين نزل فيها

٤٠٤

في سنة خمس وستمائة. وتولاها فخر الدين بن عثمان المعروف بالزقزوق إلى أن توفي. ثم تولاها شمس الدين سليمان بن إسماعيل المعروف بالملطي ، وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. ثم درس بها الصاحب محيي الدين بن النحاس ، وقد مرت ترجمته في المدرسة التي قبل هذه. ثم قال ابن كثير في سنة ست وتسعين : وفي المحرم منها حضر شهاب الدين يوسف ابن قاضي حلب ووزير دمشق محيي الدين محمد بن بدر الدين يعقوب بن إبراهيم بن عبد الله بن طارق بن سالم بن النحاس الأسدي الحلبي الاصل الحنفي الدمشقي تدريس أبيه في الزنجارية والظاهرية ، وحضر الناس عنده عوضا عن والده. توفي ببستانه بالمزة عشية الاثنين سلخ ذي الحجة من سنة خمس وتسعين وستمائة ، ودفن يوم الثلاثاء مستهل هذه السنة انتهى كلامه. وقال في سنة ثمان وتسعين وستمائة : القاضي شهاب الدين يوسف ابن الصاحب محيي الدين بن النحاس أحد رؤساء الحنفية ومدرس الزنجارية والظاهرية ، توفي ببستانه بالمزة ثالث عشر ذي الحجة انتهى. ودرس بعده بالزنجيلية قاضي القضاة شمس الدين الأذرعي (١) ، وستأتي ترجمته في المدرسة العلمية. ودرس بعده بالزنجارية القاضي جلال الدين بن حسام الدين انتهى ، وقد مرت ترجمة القاضي جلال الدين هذا في المدرسة الخاتونية الجوانية. ثم درس بها الشيخ شمس الدين القطعة. قال الأسدي في شهر رمضان سنة ست عشرة وثمانمائة من ذيله لتاريخ شيخه : وممن توفي فيه الشيخ شمس الدين محمد الحجيني الحنفي المعروف بالقطعة ، أخذ عن جماعة من مشايخ الحنفية كالشيخ صدر الدين بن منصور وأخيه ، والشيخ شهاب الدين بن خضر ، وحفظ كتبا ، ولازم الاشتغال حتى صار في آخر عمره أحفظ الحنفية بدمشق لفروع مذهبه ، ثم أنه كان بعيد الذهن جدا جامدا ، وكان يكتب خطا رديئا إلى الغاية بحيث أنه إذا أراد أن يكتب ينقط له رسم الكتابة ، وكان رثّ الهيأة والملبس ، معانقا للفقر ، وقد درس بالمدرسة الزنجيلية ، مات رحمه‌الله تعالى في خامس هذا الشهر ، ولم أعلم

__________________

(١) ابن كثير ١٤ : ٧٠.

٤٠٥

بحقيقة ذلك إلا في نحو نصف الشهر ، وأظنه قارب السبعين انتهى.

فائدتان (الأولى) : أقرأ بالزنجيلية المذكورة القاضي شهاب الدين الكفري. قال الصفدي : الحسين بن سليمان بن فزارة القاضي شهاب الدين الكفري (بفتح الكاف وسكون الفاء وبعدها راء) الدمشقي الحنفي ، تلا بالسبع على علم الدين القاسم (١) ، وسمع من ابن طلحة ، ومن ابن عبد الدائم ، وتصدر للاقراء ، وطال عمره ، وقرأ عليه خلق من الفضلاء ، ودرس وأفتى ، وناب في الحكم ، وكان دينا خيرا عالما ، توفي رحمه‌الله تعالى في سنة تسع عشرة وسبعمائة عن اثنتين وثمانين سنة ، ودرّس بالطرخانية ، وكان شيخ الاقراء بالمقدمية ، وأيضا بالزنجيلية ، وقرأ بنفسه على ابن أبي اليسر ، وكتب الطباق ، وأضرّ بآخره رحمه‌الله تعالى انتهى.

(الثانية) : قال ابن قاضي شهبة في شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة الشيخ الخير شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله المعروف بابن مؤذن الزنجيلية الحنفي ، اشتغل في صغره بالعلم ، وحفظ مجمع البحرين ورأيت عرضه له في المحرم سنة تسع وثمانين ، ثم حفظ الألفية وغيرها وأخذ الفقه على القاضيين بدر الدين بن الرضي ، وبدر الدين المقدسي ، وأخذ الفرائض عن الشيخ محب الدين الفرضي ، وجلس للشهادة على باب المدرسة المذكورة ، وكان دينا خيرا انتهى. وجلس للاشتغال بالفرائض بالجامع الأموي ، وفضل في الفضائل والفرائض ، وانتفع الناس به ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم الاثنين ثالث عشر بالمدرسة الزنجيلية ، ودفن بمقبرة الشيخ رسلان رحمهما‌الله تعالى انتهى.

١٠٧ ـ المدرسة السفينية

قال الغزي الحلبي : المدرسة السفينية بجامع دمشق لم يعلم لها واقف ، ذكر من علم ممن ذكر بها الدرس ركن الدين بن سلطان (٢) إلى أن توفي. وتولى

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٠٧.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٤٣٢.

٤٠٦

بعده صدر الدين بن عقبة إلى أن تولى القضاء بحلب المحروسة وسافر إليها. فتولى بعده محيي الدين. ثم انتزعها من يده القاضي تاج الدين عبد القادر بن السنجاري ، وبقي بها إلى أن عاد من حلب المأنوسة بعد عزله عنها ، فسأل من كان بها متوليا وهو القاضي تاج الدين عبد القادر المذكور بحضور جماعة من العلماء والفقهاء من جملتهم عماد الدين ابن الشجاع وسألوه أن ينزل عنها لصدر الدين المذكور. ثم عزل عنها وتولى بعده الشيخ عماد الدين بن الشماع ، وهو شيخ عالم فاضل متعبد وهو مستمر بها إلى الآن يشتغل بها جماعة من العلماء والفقهاء انتهى.

١٠٨ ـ المدرسة السيبائية

خارج باب الجابية وشمالي بئر الصارم ، والتربة بها والزاوية بها أيضا ، هي إنشاء نائب الشام الذي كان أمير السلاح بمدينة مصر المحروسة رحمه‌الله تعالى واسمه سيباي.

١٠٩ ـ المدرسة الشبلية البرانية

قال ابن شداد في المدارس الخارجة عن البلد : المدرسة الشبلية الحسامية بسفح جبل قاسيون بالقرب من جسر ثوري ، بانيها الطواشي شبل الدولة الحسامي في سنة ست وعشرين وستمائة انتهى. قال الذهبي في تاريخه العبر فيمن مات سنة ثلاث وعشرين وستمائة : وكافور شبل الدولة الحسامي طواشي حسام الدين محمد بن لاجين ولد ست الشام ، وله فوق جسر ثوري المدرسة والتربة والخانقاه ، وكان دينا وافر الحشمة ، روى عن الخشوعي انتهى. وقال ابن كثير في تاريخه في سنة ثلاث وعشرين وستمائة : واقف الشبلية التي بطريق الصالحية شبل الدولة كافور الحسامي ، نسبة إلى حسام الدين محمد بن لاجين ولد ست الشام ، وهو الذي بنى الشبلية الحنفية والخانقاه على الصوفية إلى جانبها ، وكانت منزله ، وأوقف القناة والمصنع والساباط ، وفتح للناس طريقا

٤٠٧

من عند المقبرة غربي الشامية البرانية إلى طريق عين الكرش ، ولم يكن للناس طريق إلى الجبل من هناك ، إنما كانوا يسلكون من عند مسجد الصفي بالعقيبة ، وكانت وفاته إلى رحمة الله تعالى في شهر رجب ، ودفن في تربته التي كانت مدرسة ، وقد سمع الحديث من الكندي وغيره. وقال في سنة خمس وخمسين وستمائة : بشارة بن عبد الله الأرمني الأصل بدر الدين الكاتب مولى شبل الدولة المعظمي ، سمع الكندي وغيره ، وكان يكتب خطا جيدا ، وأسند إليه مولاه النظر في أوقافه وجعله من ذريته ، فهم الآن ينظرون في الشبليتين ، وكانت وفاته رحمه‌الله تعالى في النصف في شهر رمضان من هذه السنة انتهى. وقال الصفدي في حرف الباء من كتابه الوافي : بشباك الشبلي الحسامي الكاتب مولى شبل الدولة صاحب المدرسة والخانقاه عند ثوري بدمشق ، سمع من مولاه ، وحنبل ، وابن طبرزد وغيرهما. وروى عنه الدمياطي ، والأبرقوهي وجماعة ، وهو رومي الجنس ، وهو من أولاد بشارة المشهورين بدمشق ، وكان يكتب خطا جيدا ، وذريته يدعون النظر على المدرسة والخانقاه المنسوبة إلى شبل الدولة المذكور ، وتوفي سنة أربع وخمسين وستمائة. وقال الأسدي في سنة ثلاث وعشرين وستمائة : شبل الدولة الحسامي كافور بن عبد الله الطواشي الكبير خادم الأمير حسام الدين محمد بن لاجين ولد الخاتون ست الشام ، يقال إنه كان من خدام القصر بالقاهرة ، وكان دينا صالحا عاقلا مهيبا ، ذا حرمة وافرة ومنزلة عند الملوك ، وعليه اعتمدت مولاته في بناء الشامية البرانية ، وقد سمع من الخشوعي والكندي ، روى عنه البرزالي والأبرقوهي. قال أبو شامة : وكان حنفيا ، فبنى المدرسة والخانقاه والتربة التي دفن فيها عند جسر كحيل ، وفتح للناس طريقا إلى الجبل من عند المقبرة التي عند غربي الشامية يفضي إلى عين الكرش ، ولم يكن لعين الكرش طريق إلا من عند مسجد الصفي الذي بالعقيبة. قال أبو المظفر الجوزي : وله صدقات دارّة وإحسان كثير ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر رجب ، ودفن بتربته انتهى. ثم قال ابن شداد : أول من درس بها الشيخ صفي

٤٠٨

الدين السنجاري ، وكان ضريرا فاضلا عالما إلى أن توفي. ووليها بعده شمس الدين بن الجوزي. وبعده الشيخ وجيه الدين محمد ، وكان رجلا فاضلا عالما إلى أن توفي. ثم من بعده جمال الدين يوسف إلى أن توفي. ووليها بعده نور الدين ابن قاضي آمد إلى أن استولى التتار المخذولون على الشام. وتولاها عز الدين عبد العزيز إلى أن توفي. ووليها بعده بدر الدين ابن الفويرة ، وانتقل عنها. ووليها بعده رشيد الدين سعيد بن علي بن سعيد البصروي ، وهو مستمر بها إلى الآن. قال الذهبي : في سنة أربع وثمانين وستمائة : والرشيد سعيد بن علي بن سعيد البصروي الحنفي مدرس الشبلية أحد أئمة المذهب ، وكان دينا ورعا نحويا شاعرا ، توفي في شعبان وقد قارب الستين انتهى. وقال ابن كثير في تاريخه في سنة أربع وثمانين وستمائة : الرشيد سعيد بن علي بن سعيد الشيخ رشيد الدين الحنفي مدرس الشبلية ، وله تصانيف مفيدة كثيرة ونظم حسن ، ومن ذلك قوله :

قل لمن يحذر أن تدركه

نكبات الدهر لا يغني الحذر

أذهب الحزن اعتقادي أنه

كل شيء بقضاء وقدر

ومن شعره أيضا قوله :

إلهي لك الحمد الذي أنت أهله

على نعم منها الهداية والحمد

إلى آخره ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم السبت ثالث شهر رمضان ، وصلي عليه العصر بالجامع المظفري ، ودفن بالسفح انتهى. وقال الصفدي في حرف السين : سعيد بن علي بن سعيد العلامة رشيد الدين أبو محمد البصروي الحنفي مدرّس الشبلية ، كان إماما مفتيا مدرسا ، بصيرا بالمذهب ، جيد العربية ، متين الديانة ، شديد الورع ، عرض عليه القضاء أو ذكر له فامتنع. قال شمس الدين أبو الفتح : لم يخلف الرشيد سعيد بعده مثله في المذهب ، وكان خبيرا بالمذهب والنحو وغيره ، وكتب عنه ابن الخباز ، وابن البرزالي ، وتوفي سنة أربع وثمانين وستمائة ، ومن شعره قوله :

٤٠٩

استجر دمعك ما استطعت معينا

فعساه يمحو ما جنيت سنينا

أنسيت أيام البطالة والهوى

أيام كنت لدى الضلال قرينا

ومنه :

ألا أيها الساعي على سنن الهوى

أو بذل مال للنفوس غرور

أتدري إذا حان الرحيل وقربت

مطايا المنايا منك أين تسير

أطعت داعي الهوى لدى سكرة الصبا

أما لك من شيب العذار نذير

كأني بأيام الحياة قد انقضت

وإن طال هذا العمر فهو قصير

ووافاك ترداد الحمام ويا لها

زيارة من لا تشتهيه يزور

وأصبحت مصروع السقام معللا

يقولون داء قد ألمّ يسير

وهيهات هل خطب عظيم وبعده

عظائم منها الراسيات تمور

ولما تيقت الرحيل ولم يكن

لديك على ما قد أتاك نصير

وما لك من زاد وأنت مسافر

ولا من شفيع والذنوب كثير

بكيت فما يغني البكاء على الذي

جرى ، وتلافي الماضيات عسير

فبادر وأيام الحياة مقيمة

وحالك موفور وأنت قدير

انتهى. وقال ابن كثير في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة : قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن داود بن حازم الأذرعي الحنفي ، كان فاضلا درس وأفتى ، وولي قضاء الحنفية بدمشق سنة ، ثم عزل واستمر على تدريس الشبلية مدة ، ثم سافر إلى مصر فأقام بسعيد السعداء خمسة أيام ، وتوفي يوم الأربعاء ثاني عشرين شهر رجب انتهى. وقال الذهبي في سنة ست وثلاثين وسبعمائة : وعزل الشمس الكاشغري من تدريس الشبلية بنجم الدين أحمد الطرسوسي انتهى. وقال ابن كثير في هذه السنة : وفي يوم الأربعاء سابع ذي الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي ، وهو ابن سبع عشرة سنة ، وحضر عنده القضاة والأعيان وشكروا من فضيلته ونباهته وفرحوا لأبيه انتهى. ورأيت بخط البرزالي في السنة المذكورة : وفي يوم الأربعاء سابع ذي الحجة ذكر الدرس بالمدرسة

٤١٠

الشبلية بسفح قاسيون القاضي نجم الدين أحمد ابن قاضي القضاة عماد الدين بن الطرسوسي الحنفي عوضا عن الشيخ شمس الدين الكاشغري ، وحضر قضاة القضاة وأعيان المدرسين وأكرموه وأجلسوه بينهم في مجلس التدريس وأثنوا على فضيلته مع صغر سنه انتهى. وقال السيد الحسيني في ذيله في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة : ومات الامام العلامة قاضي القضاة نجم الدين أحمد ابن قاضي القضاة عماد الدين علي بن الطرسوسي الحنفي ، ولد بالمزة ، وتفقه بوالده وغيره ، وبرع في الفقه والأصول ، ودرس وأفتى ، وناظر وأفاد ، مع الديانة والصيانة والتعفف والمهابة ، ناب في الحكم عن والده ثم ولي استقلالا بعده ، وحدث عن ابن الشيرازي وغيره ، توفي في شعبان ، وولي بعده نائبه القاضي شرف الدين الكفيري (١) انتهى. وقال الصفدي في تاريخه في حرف السين : سليمان بن عثمان المفتي الزاهد الورع بقية السلف تقي الدين التركماني مدرّس الشبلية ، ناب في القضاء بدمشق لمجد الدين بن العديم ، ثم استعفى ولازم الاشتغال. قال : وكان من أعيان الحنفية ، وتوفي سنة تسعين وستمائة انتهى. وقال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في ذيله في شوال سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة : شمس الدين محمد ابن القاضي العالم بدر الدين بن الرضي الحنفي ، كان في حياة والده قد قرأ كتبا في العلم ، واشتغل يسيرا ، ودرس في حياة والده بالمدرسة الشبلية ، ثم بعد موت والده ترك الاشتغال وبقي بيده بعض جهات والده ، ووقع له قضية بعد فتنة التتار وأوذي فيها ، ووضع في عنقه الزنجير ، ولما ولي الأمير سيف الدين تنبك ميق نيابة دمشق ، وكان له بالمذكور معرفة فأحسن إليه وجعله نائب الناظر بالجامع ، فلم يحسن المباشرة ، فلما مات تعب يسيرا ، ثم استقر في مباشرته بالجامع وما بيده من الجهات إلى أن توفي ليلة الأربعاء حادي عشريه شبه الفجأة بمنزله بأرض مقرى في عشر الستين ، وقرّر القاضي الشافعي القاضي زين الدين عبد الباسط فيما في يده من التداريس والأنظار. وكان بعد ذلك بمدة يسيرة قد قرر المذكور في وظائف ابن نقيب

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٣٩.

٤١١

الأشراف التداريس والأنظار فيعجب الناس من القاضي في ذلك والله المستعان انتهى.

وأعاد بهذه المدرسة جماعة منهم ابن عباد ، قال الذهبي في عبره فيمن مات سنة تسع وسبعين وستمائة : والفقيه المعمر أبو نصر بن هلال بن عباد الحنفي عماد الدين معيد الشبلية ، توفي في شهر رجب عن مائة وأربع سنين ، وقد سمع في الكهولة من أبي القاسم بن صصري وغيره انتهى. وقال الصفدي : أبو بكر بن هلال بن عباد عماد الدين الحنفي معيد الشبلية ، كان عالما صالحا ، منقطعا عن الناس مشتغلا بنفسه ونفع من يقرأ عليه ، مولده سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، وتوفي في سنة تسع وسبعين وستمائة وسمع وهو كبير من ابن صصري ، ومن ابن الزبيدي ، ولو سمع صغيرا لكان أسند أهل الأرض ، وكان يعرف بالعماد الجبلي ، وسمع البرزالي وابن الخباز انتهى. ومنهم ابن بشارة ، قال البرزالي ومن خطه نقلت في تاريخه في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة : وفي ليلة السبت سابع شعبان توفي الفقيه الامام العالم علاء الدين علي ابن الشيخ الامام شرف الدين الحسين بن علي بن بشارة الشبلي الحنفي بسفح قاسيون ، وصلي عقب الظهر من يوم الثلاثاء المذكور بالجامع المظفري ، ودفن هناك ، وكان شابا فاضلا عفيفا عاقلا ، ولي إعادة المدرسة الشبلية ، وشهد له بأهلية التدريس والفتوى ، وسمع معنا كثيرا ، ورافقته في الحج انتهى.

(فائدة) : قال الذهبي في سنة إحدى عشرة وسبعمائة : وممن توفي فيها من الأعيان الشيخ الرئيس بدر الدين محمد ابن رئيس الأطباء أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان (١) الأنصاري من سلالة سعد بن معاذ السويدي ، من سويداء حوران ، سمع وبرع في الطب ، توفي في شهر ربيع الأول ببستانه بقرب الشبلية ، ودفن في تربة له في قبة فيها عن سبعين سنة ، انتهى رحمه‌الله.

__________________

(١) شذرات الذهب ١ : ١١.

٤١٢

١١٠ ـ المدرسة الشبلية الجوانية

قال ابن شداد : قبالة الأكزية ، أي الشافعية ، أنشأها شبل الدولة كافور المعظمي انتهى ، وقد مرت ترجمته في المدرسة قبلها ، ثم قال ابن شداد : أول من درّس بها تاج الدين عبد الرحمن بن نجار إلى أن أخذها فخر الدين موسى. ثم ذكر بها الدرس زكي الدين زكريا البصروي. ثم ذكر بها الدرس نجم الدين حمزة بن الكاشي. ثم بعد ذلك أخذها مجد الدين بن فخر الدين موسى المذكور. ثم عادت إلى والده ، واستمر بها إلى الآن انتهى.

١١١ ـ المدرسة الصادرية

داخل باب البريد. قال القاضي عز الدين : هي داخل دمشق بباب البريد على باب الجامع الأموي الغربي ، أنشأها شجاع الدولة صادر بن عبد الله.

وهي أول مدرسة أنشئت بدمشق سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ، وأول من درس بها الامام العالم علي بن زنكي الكاشاني ، ولم يزل بها إلى أن نزل عنها للشيخ الامام أبي الحسن علي بن الحسن البلخي الواعظ المشهور بالعلم ، يعني صاحب المدرسة البلخية لصيقها. وولي بعده الشهاب أبو العيش الدمشقي الأصل ، وكان جدّ الشهاب النقيب لأمه ، وإليه ينسب بنو العيش. ثم بعده الشيخ مجد الدين الحنفي في الدولة الصلاحية ، ودرس بها أوحد الدين الدمشقي. وبعده رشيد الدين الغزنوي ، وبعده عز الدين عرفة بن مسعود. وبعده أوحد الدين بن الكعكي. وبعده الرضي الملتاني الهندي. وبعده برهان الدين إبراهيم بن محمود الغزنوي المعروف بأبي الهول. وبعده الشيخ الإمام العالم عماد الدين محمد بن عبد الكريم بن عثمان المارداني المعروف بابن الشماع من أول المحرم من سنة ثمان وخمسين وستمائة في الأيام الناصرية ، وهو مدرسها إلى الآن انتهى. ثم توفي يوم الثلاثاء تاسع عشرين شهر رجب سنة ست وسبعين وستمائة. وقال الذهبي في العبر في سنة أربع وستين وخمسمائة : وأبو محمد عبد الخالق بن أسد الدمشقي الحلبي مدرس الصادرية والمعينية ، روى عن عبد

٤١٣

الكريم بن حمزة وإسماعيل بن السمرقندي (١) وطبقتهما ، ورحل إلى بغداد وأصبهان ، وخرج لنفسه المعجم ، توفي في المحرم انتهى. وقال الأسدي في تاريخه في سنة أربع وستين المذكورة : عبد الخالق بن أسد بن ثابت الفقيه تاج الدين أبو محمد الطرابلسي الأصل الدمشقي الحنفي ، تفقه شافعيا ثم تحوّل حنفيا على البرهان المشلي ، ورحل في الحديث وجمع وخرّج ودرّس بالصادرية والمعينية ، وعمل مجلس للوعظ سمع جمال الاسلام بن المسلم ، ونصر الله المصيصي ، وابن طاووس وطائفة بدمشق ، وإسماعيل بن السمرقندي ، وأبا محمد سبط الخياط ، وعبد الوهاب الأنماطي ببغداد ، وعمر بن إبراهيم العلوي (٢) بالكوفة ، وهبة الله ابن أخت الطويل بهمدان ، وإسماعيل الحمامي (٣) ، وطائفة بأصبهان ، وعمل لنفسه معجما ، توفي في المحرم بدمشق انتهى. قال الذهبي في سنة سبع وستين وخمسمائة : وأبو المظفر محمد بن أسعد بن الحكيم العراقي الحنفي الواعظ ، كان له القبول التام في الوعظ بدمشق ، ودرس بالصادرية والطرخانية والمعينية ، سمع أبا علي بن نبهان وجماعة ، وروى المقامات عن الحريري (٤) ، وصنف لها شرحا ، وصنف تفسير القرآن ، عاش نيفا وثمانين سنة انتهى. وقال الأسدي في هذه السنة : محمد بن أسعد بن محمد بن نصر الفقيه أبو المظفر بن الحكيم البغدادي الحنفي الواعظ نزيل دمشق ، درس بالطرخانية وبالصادرية ، وبنى له الأمير معين الدين أنر مدرسة ، وظهر له القبول في الوعظ ، سمع أبا علي بن نبهان وأبا طالب القزاز ، ونور الهدى الزيني وغيرهم ، روى عنه أبو المواهب ، وأبو القاسم بن صصري ، والقاضي أبو نصر ابن الشيرازي وغيرهم ، وقد كتب عنه ابن السمعاني. وقال ابن عساكر في ترجمته : وذكر أنه سمع المقامات من الحريري ، وألف تفسيرا ، وشرح المقامات ، وأنشد في ماردين أبياتا لفتنة بها ، توفي عن نيف وثمانين سنة ، انتهى كلامه.

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ١١٢.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ١٢٢.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ١٥٨.

(٤) شذرات الذهب ٤ : ٥٠.

٤١٤

١١٢ ـ المدرسة الطرخانية

قبلي البادرائية. قال ابن شداد : بجيرون أنشأها الحاج ناصر الدولة طرخان انتهى. وقال في تعداد مساجد دمشق مسجد في المدرسة المعروفة بدار طرخان ، وهي كانت قديما للشريف أبي عبد الله بن أبي الحسن ، فوقفها سنقر الموصلي وجعلها مدرسة لأصحاب أبي حنيفة رحمه‌الله تعالى انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة : وأبو الحسن البلخي علي بن الحسن الحنفي الواعظ الزاهد ، درس بالصادرية ، ثم جعلت له دار الأمير طرخان مدرسة انتهى ، وقد مرّت ترجمته في المدرسة البلخية. وقال الصفدي في حرف الطاء من وافيه : طرخان بن محمود الشيباني أحد الأمراء الكبار بدمشق صاحب المدرسة التي بجيرون توفي في حدود الخمس مائة وعشرين انتهى. ثم قال ابن شداد : أنشئت للشيخ برهان الدين أبي الحسن علي البلخي في سنة خمس وعشرين وخمسمائة ، وهو أول من درس بها ، وبعده جماعة منهم رشيد الدين الحواري ، وبعده ولده. ثم بهاء الدين عباس بن الموصلي. ثم زين الدين العتال من أصحاب الشيخ الامام جمال الدين الخضيري. ثم وليها الخطيب شمس الدين الحسين بن العباس بقلعة دمشق ، وهو مستمر بها إلى سنة أربع وسبعين وستمائة انتهى. وقال ابن كثير في تاريخه في سنة ثلاثين وستمائة : القاضي شرف الدين إسماعيل بن إبراهيم (١) أحمد مشايخ الحنفية ، وله مصنفات في الفرائض وغيرها ، وهو ابن خالة القاضي شمس الدين بن الشيرازي الشافعي ، وكلاهما كان ينوب عن ابن الزكي وابن الحرستاني ، وكان يدرس بالطرخانية وبها مسكنه ، فلما أرسل إليه الملك المعظم (٢) أن يفتي بإباحة نبيذ التمر وماء الرمان امتنع من ذلك ، وقال : أنا على رأي محمد بن الحسن (٣) في ذلك ، والرواية عن أبي حنيفة شاذة ، ولا يصح حديث ابن مسعود (٤) في ذلك ، ولا الأثر عن عمر (٥) أيضا ، فغضب عليه المعظم وعزله عن التدريس

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٢٩.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١١٥.

(٣) شذرات الذهب ١ / ٣٢١

(٤) شذرات الذهب ١ : ٣٨.

(٥) شذرات الذهب ١ : ٢٤٠.

٤١٥

وولاه تلميذه الزين بن العتال. وأقام الشيخ بمنزله حتى مات رحمه‌الله تعالى انتهى. وقال الأسدي في سنة تسع وعشرين وستمائة : إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد بن غازي بن محمد القاضي شرف الدين أبو الفضل ويقال أبو الطاهر الشيباني المارداني الدمشقي الحنفي عرف بابن فلوس ، ولد ببصرى في شهر ربيع الآخر سنة أربع وأربعين ، واشتغل في الفقه ، وسمع الحديث بدمشق من يوسف بن معالي البزاز (١) وهبة الله بن محمد الشيرازي (٢) ، وناب في الحكم بدمشق بالمدرسة الطرخانية بجيرون ، ودرس بها ، روى عن الزكي البرزالي ، والشهاب القوصي ، والمجد بن الحلوانية وجماعة ، وأجاز لتاج العرب بنت غيلان ، وهي آخر من روى عنه ، وكان شيخا دينا لطيفا ، من أعيان الحنفية ، وبعث إليه الملك المعظم يأمره باظهار إباحة الأنبذة ، فأبى وقال : لا أفتح على أبي حنيفة هذا الباب وأنا على مذهب محمد في تحريمها ، وقد صحّ عن أبي حنيفة رحمه‌الله تعالى أنه ما باشرها قط ، وحديث ابن مسعود لا يصح ، وما روي فيه عن غيره لا يثبت ، فغضب الملك المعظم وأخرج عنه الطرخانية وأعطاها للزين بن العتال تلميذ شرف الدين ، فلم يتأثر شرف الدين المذكور وأقام في بيته ، وأقبل على التحديث والفتوى والافادة ، إلى أن توفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الأولى ، ودفن بقاسيون ، وذكره ابن كثير فيمن توفي سنة ثلاثين. قال : وله مصنفات في الفرائض وغيرها ، وكان جده شيرازيا ، فسكن الموصل مدة ، وولي قضاء الرّها ، وقدم أبوه القاضي أبو إسحاق إبراهيم ، وناب بدمشق في القضاء انتهى. ثم درس بها أبو المظفر العراقي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الصادرية انتهى. وقال ابن كثير في سنة تسع عشرة وسبعمائة : وممن توفي فيها من الأعيان الشيخ المقرئ شهاب الدين أبو عبد الله الحسين بن سليمان بن فزارة بن بدر الكفري الحنفي ، ولد تقريبا في سنة سبع وثلاثين وستمائة ، وسمع الحديث ، وقرأ بنفسه كتاب الترمذي ، وقرأ القرآن بالقراآت ، وتفرد بها مدة يشتغل الناس عليه ، وجمع عليه السبع أكثر

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٣١١.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٢٦٣.

٤١٦

من عشرين طالبا ، وكان يعرف النحو والأدب وفنونا كثيرة ، ودرس بالطرخانية أكثر من أربعين سنة ، وناب في الحكم عن الأذرعي مدة ولايته ، وكان خيرا مباركا ، وأضرّ في آخر عمره ، وانقطع في بيته مواظبا على التلاوة والذكر وإقراء القرآن ، إلى أن توفي رحمه‌الله تعالى سنة تسع عشرين وخمسمائة يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى ، وصلي عليه بعد الظهر يومئذ بجامع دمشق ، ودفن بقاسيون انتهى ، وقد مرت ترجمته من كلام الصفدي في المدرسة الزنجيلية.

١١٣ ـ المدرسة الطومانية

تجاه دار الحديث الأشرفية الدمشقية ، غربي الشريفية والفقاعية. لم أقف على ترجمة واقفها ، ووقفها نصف قرية قصيفة غربي المغونس ، وقبلي لاهتة من اللجاة ، وحوانيت جوارها خراب. ورأيت في تاريخ ابن قاضي شهبة في جمادى الأولى سنة سبع عشرة : وفي يوم الأربعاء سابعه حضرت الدرس بالشامية البرانية ، ثم حضر قاضي القضاة في مدارسه ، وحضر القاضي الحنبلي ـ يعني شمس الدين بن عبادة ـ فحكم بها ، وكان من حين دخلوا إلى المدينة من بعد الوقعة إلى الآن يحكم بالطومانية الحنفية ، فلما كان في هذا الحصار احترق بعضها فانتقل إلى الفارسية ، ودخل نواب الحنفي إلى دار الحديث النورية ، وكانوا قبل يحكمون ببيت القاضي الحنفي بالقرب من السبعة انتهى. ولعل واقفها طومان النوري. قال الأسدي في تاريخه في سنة خمس وثمانين وخمسمائة : طومان بن ملاعب بن عبد الله الأنصاري الخزرجي النوري حسام الدين نجم الدولة الأمير الكبير الكامل الفاضل صاحب الرقة ، كان شجاعا جوادا ، محبا للخير كثير الصدقات ، مائلا إلى العلماء والفقهاء ، بنى بحلب المحروسة مدرسة الحنفية ، وكان السلطان يحبه ويعتمد عليه ، وكان من شجعان المسلمين وأكبر أمراء نور الدين رحمه‌الله تعالى ، توفي رحمه‌الله تعالى مع السلطان ليلة النصف من شعبان ، وقد جاوزت سنه المائة بمكان يقال له تل

٤١٧

العاصية من مدينة صور ، وقبره بها يزار رحمه‌الله تعالى ، وقد بنى الخان المعروف به بطريق حلب المحروسة.

١١٤ ـ المدرسة الظاهرية الجوانية

البيبرسية الصالحية ، قد تقدم محلها وأنها على الفريقين الحنفية والشافعية وترجمة واقفها ، وأن أول من درس بها الشيخ صدر الدين سليمان من الحنفية ، وهو قاضي القضاة الصدر سليمان بن أبي العز بن وهيب بن عطاء أبو الربيع الحنفي الأذرعي ، صاحب الجامع الصغير ، شيخ الحنفية في زمانه وعالمهم شرقا وغربا ، أقام يدرّس مدة بدمشق ويفتي ، ثم انتقل إلى الديار المصرية ، ميلاده سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، تفقه على الشيخ جمال الدين الحصيري ، وولي قضاء القضاة بالقاهرة في أيام السلطان الملك الظاهر بيبرس ، وحج زميله ، وكان قلده القضاء حيث حلّ ركاب السلطان ، وكان يحبه ويعظمه ولا يفارقه في غزواته ، ثم استعفاه من القضاء بالقاهرة ، وعاد إلى دمشق فأقام بها مدة مديدة يدرس بهذه المدرسة ، ثم مات مجد الدين بن العديم ، فعرض عليه المنصب مكانه ، فقبل وباشره مدة ثلاثة أشهر ، ومات ليلة الجمعة سادس شعبان سنة سبع وسبعين وستمائة ، ودفن من الغد بعد الصلاة بتربته بالقرب من الجامع الأفرم ، ومن لطيف شعره في مملوك تزوج جارية للملك المعظم :

يا صاحبيّ قفا لي وانظرا عجبا

أنى به الدهر فينا من عجائبه

البدر أصبح فوق الشمس منزلة

وما العلوّ عليها من مراتبه

أضحى يماثلها حسنا يشاركها

كفوا وسار إليها في مواكبه

وأشكل الفرق لو لا وشي نمنمة

بصدغه واخضرار فوق شاربه

وقال ابن كثير في تاريخه في سنة ثلاث وسبعين : قاضي القضاة شمس الدين أبو محمد عبد الله ابن الشيخ شرف الدين محمد بن عطاء بن حسن ابن جابر بن وهيب الأذرعي الحنفي ، ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، سمع الحديث وتفقه على مذهب أبي حنيفة ، وناب في الحكم عن الشافعي

٤١٨

مدة ، ثم اشتغل بقضاء الحنفية أول ما ولي القضاة من المذاهب الأربعة ، ولما وقعت الحوطة على أملاك الناس ، أراد السلطان منه أن يحكم بها بمقتضى مذهبه ، فغضب من ذلك وقال : هذه الأملاك بأيدي أربابها ، وما يحل لمسلم أن يتعرض لها ، ثم نهض من المجلس وذهب ، فغضب السلطان من ذلك غضبا شديدا ، ثم سكن غضبه ، فكان يثني عليه بعد ذلك ويمدحه ويقول : لا تثبتوا كتابا الا عنده ، وكان ابن عطاء من العلماء الأخيار ، كثير التواضع ، قليل الرغبة في الدنيا ، روى عنه ابن جماعة وأجاز البرزالي ، توفي رحمه‌الله يوم الجمعة تاسع جمادى الأولى ، ودفن بالقرب من المعظمية بسفح قاسيون انتهى. ولم يذكر له تدريسا بهذه المدرسة. ثم درس بها الصاحب محيي الدين بن النحاس ، وقد مرّت ترجمته في المدرسة الزنجارية. ثم درّس بها العلامة ركن الدين السمرقندي. قال الذهبي في مختصر تاريخ الاسلام في سنة إحدى وسبعمائة : في صفر خنق شيخ الحنفية العلامة ركن الدين السمرقندي عبيد الله بن محمد السمرقندي ، مدرس الظاهرية ، وألقي في بركتها ، وأخذ ماله ، ثم ظهر قاتله أنه قيم الظاهرية فشنق على حائطها انتهى. وقال ابن كثير في إحدى وسبعمائة : وفي يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الآخر شنق الشيخ علي الحوراني بواب الظاهرية على بابها ، وذلك أنه اعترف بقتل الشيخ ركن الدين السمرقندي انتهى. وقال صلاح الدين الصفدي في الوافي : عبيد الله بن محمد السمرقندي الامام العابد شيخ الحنفية ركن الدين البارشاه السمرقندي نزيل دمشق ، مدرس الظاهرية ثم النورية ، وكان من كبار أئمة المذهب ، مكبا على المطالمة والتعليم ، له ورد في اليوم والليلة مائة ركعة ، وله حلقة بالجامع ، أصبح يوما ملقى في بركة الظاهرية ، كأنه خنق بشيء من حطام الدنيا ، وأخذ علي الحوراني قيم دار الحديث بالظاهرية وضرب فأقرّ بقتله ، فشنق بذلك في سنة إحدى وسبعمائة انتهى. ثم درس بها العلامة شمس الدين الحريري ، وهو كما قال الصلاح الصفدي : محمد بن عثمان بن أبي الحسين قاضي القضاة شيخ المذهب شمس الدين بن صفي الدين الأنصاري الحنفي بن الحريري الدمشقي ،

٤١٩

ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين ، وتفقه وبرع وحفظ الهداية وغيرها ، وأفتى ودرس وتميز ، مع الوقار والسمت الحسن ، والأوراد وحسن الهدى ، والفتوة والهيبة وانطلاق العبارة ، سمع من أبي اليسر ، وابن عطاء ، والجمال بن الصيرفي ، والقطب بن أبي عصرون وجماعة ، ودرس بأماكن ، ثم ولي القضاء بدمشق مدة. قال ابن كثير في سنة تسع وتسعين : وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من شعبان ولي قضاء الحنفية بدمشق شمس الدين بن الصفي الحريري عوضا عن حسام الدين الرازي فقد في المعركة في ثاني شهر رمضان انتهى. ثم قال الصلاح الصفدي : وطلب إلى الديار المصرية وولي بها القضاء ، وكان صارما تولاها بحق ، حميد الأحكام ، قليل المثل ، متين الديانة ، انتقدوا عليه أمورا من تعظيم نفسه ، توفي بالقاهرة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، وكانت جنازته مشهودة ، وطلب القاضي برهان الدين ابن قاضي الحصن مكانه باشارته. أخبرني الشيخ فتح الدين بن سيد الناس أن المصريين لم يعدوا على القاضي شمس الدين بن الحريري أنه ارتشى في حكومته ، ويقال إنه كان له قلم للعلامة وقلم للتوقيع ، وله أشياء من مراعاة الاعراب في لفظه حتى مع النساء في بيته انتهى. وقال ابن كثير في سنة عشر وسبعمائة : في شهر ربيع الآخر درس القاضي شمس الدين بن أبي العز الحنفي بالظاهرية عوضا عن شمس الدين بن الحريري ، وحضر عنده خاله الصدر علي قاضي قضاة الحنفية وبقية القضاة والأعيان انتهى. وقال في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة : وممن توفي فيها من الأعيان القاضي شمس الدين بن أبي العز الحنفي أبو عبد الله محمد ابن الشيخ عز الدين أبي العز صالح بن أبي العز بن وهيب الأذرعي الحنفي أحد مشايخ الحنفية وأحد أعيانهم وفضلائهم في فنون من العلوم متعددة ، حكم نيابة نحوا من عشرين سنة ، وكان شديد الأحكام ، محمود السيرة ، جيد الطريقة ، كريم الأخلاق ، كثير البرّ والصلة والإحسان إلى أصحابه وغيرهم ، وخطب بجامع الأفرم مدة ، وهو أول من خطب به ، ودرس بالمعظمية واليغمورية والقليجية والظاهرية ، وكان ناظر أوقافها ، وأذن للناس في الافتاء ، وكان كبيرا معظما مهيبا ، توفي رحمه‌الله تعالى بعد مرجعه

٤٢٠