الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

الجامع الأموي بعد صلاة يوم الجمعة ، وكان أشعريا منحرفا على التيمية ، وأعاد بها جماعة منهم الامام الفقيه علاء الدين علي بن أيوب بن منصور ابن رزين المقدسي [بالسين المهملة] ولد سنة ست وستين وستمائة تقريبا ، وقرأ على الشيخ تاج الدين الفزاري وولده برهان الدين ، وبرع في الفقه والعربية. سمع منه الذهبي وذكره في المعجم المختص ، وقال فيه : الامام الفقيه البارع المحدث ، بقية السلف ، قرأ بنفسه ونسخ أجزاء وأعاد بالبادرائية ، ثم تحول ، إلى القدس الشريف ودرس بالصلاحية ، ثم تغير وجفّ دماغه ، وكان إذا سمع عليه في حال تغيره يحضر ذهنه. وتقدمت تتمة ترجمته بدار الحديث الحمصية.

ومنهم الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي بكر بن الحسن بن يوسف ابن التميمي الجوهري المقدسي (بالسين المعجمة) في آخره ، ويقال له المقدشاوي معيد البادرائية هذه مع الشيخ علاء الدين المقدسي بالسين المهملة المتقدم ، وهو من الانفاق العجيب بسبب أن الشيخ علاء الدين المقدسي بالمهملة وأبو عبد الله هذا بالمعجمة وهما معيدان في هذه المدرسة في وقت واحد. قال الذهبي في المشتبه : حدثنا أبو عبد الله هذا عن ابن الذخميسي. قال ابن ناصر الدين في توضيحه : إن نسبته إلى مقدشو بلدة مشهورة من قرى الحبشة مما يلي الزنج ويعرف بابن الكلوي انتهى.

ومنهم الحافظ ابن الخراط قال الذهبي في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة : ومات بدمشق معيد البادرائية المعمر علاء الدين علي بن عثمان الخراط حدّث عن ابن البخاري وغيره ، وعمل خطبا ومقامات انتهى. ومنهم الكواكبي وهو الشيخ شمس الدين محمد بن عمر بن عثمان الكواكبي ، سمع من الحجار وغيره ، وتفقه وأعاد بالبادرائية ، ثم انتقل إلى الكرك وناب في الحكم. قال ابن رافع : وكتب بخطه كثيرا من الكتب ، بلغنا وفاته رحمه‌الله تعالى في شهر رجب سنة تسع وستين وسبعمائة انتهى.

١٦١

٣٦ ـ المدرسة البهنسية

بجبل الصالحية ، أنشأها الوزير مجد الدين المعروف بأبي الأشبال الحارث ابن مهلب ، كان وزير الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب. قال ابن كثير في تاريخه في سنة ثمان وعشرين وستمائة : المجد البهنسي وزير الملك الأشرف ، ثم عزله وصادره ، ولما توفي دفن بتربته التي أنشأها بالسفح ، وجعل كتبه بها وقفا ، وأجرى عليها أوقافا جيدة دارة انتهى. قال الأسدي في هذه السنة المذكورة : واقف البهنسية بالسفح الحارث القاضي الجليل مجد الدين أبو الأشبال ابن الرئيس العالم النحوي مهذب الدين أبي المحاسن المهلب بن حسن بن بركات بن علي بن غياث المهلبي المصري الشافعي المعروف بالمجد البهنسي ، اتصل بالصاحب رضي الدين بن شكر ، وسافر معه إلى الشام وغيرها ، وترسل إلى الديوان العزيز وإلى ملوك النواحي ، ووقف وقفا يحصر على الزاوية التي كان والده يقرئ بها بالجامع العتيق ، وهو أخو الفقيه [موفق الدين] بن عقيل ، وكان المجد ذا يد طولى في اللغة ، وله شعر حسن ، توفي بدمشق في صفر وقد جاوز السبعين ، كتب عنه الفرضي ، وغيره شعرا ، وقد وزر بالشرق للأشرف. قال السبط : لم يقطع رزق أحد ، وكان حسن المحاضرة عاقلا لم يكن فيه ما يعاب إلا استهتاره ، ثم إن الأشرف نكبه وصادره وحبسه مدة انتهى. قال ابن شداد : درّس بها القاضي نجم الدين بن سني الدولة ، ثم من بعده شمس الدين بن خلكان ثم من بعده عادت إلى نجم الدين أيضا ، ثم أعطاها لولده شمس الدين محمد وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. وقد تقدمت ترجمة ابن سني الدولة وابن خلكان في المدرسة الأمينية انتهى.

٣٧ ـ المدرسة التقوية

هي من أجل مدارس دمشق داخل باب الفراديس شمالي الجامع شرقي الظاهرية والاقباليتين ، بانيها في سنة أربع وسبعين وخمسمائة الملك المظفر تقي

١٦٢

الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ، وله بمصر المدرسة المعروفة بمنازل العز ، بناها للعلامة شهاب الدين أبي الفتح محمد بن محمود الطوسي (١) الشافعي. قال ابن كثير في تاريخه : وله بحماة مدرسة هائلة ، وكذلك بدمشق مدرسة مشهورة وعليها أوقاف كثيرة. وقال الذهبي في مختصر تاريخ الاسلام في سنة سبع وثمانين وخمسمائة : وصاحب حماة المظفر تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين ، توفي يوم الجمعة تاسع عشر شهر رمضان ، وكان بطلا شجاعا له مواقف مشهورة انتهى. قال الأسدي في تاريخه في السنة المذكورة : وفيها أنعم السلطان صلاح الدين على ابن أخيه تقي الدين عمر بحماة والمعرة وأفامية ومنبج فتسلمها وبعث نوابه إليها ، ثم توجه الملك المظفر تقي الدين وترتب في خدمته أميران كبيران شمس الدين بن المقدم (٢) وسيف الدين بن المشطوب (٣) وكانوا في مقابلة صاحب أنطاكية ، وترتب بحمص بن شيركوه في مقابلة المقومين ، وفيها وقف السلطان تقي الدين عمر مدرسة بدمشق انتهى. وقال في سنة سبع وثمانين وخمسمائة السلطان تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين صاحب المدرسة التقوية الأمير نور الدين والدولة شاهنشاه ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي بن مناكرد وصاحب حماة وأبو ملوكها ، كان بطلا شجاعا له مواقف مشهودة في قتال الفرنج مع عمه صلاح الدين ، وكان يحبه ، وهو الذي أعطاه حماة واستنابه بمصر مدة وأعطاه المعرة وسلمية وكفر طاب وميافارقين واللاذقية وجبلة ، ثم أعطاه في العالم الماضي حران والرها ، وأذن له السلطان في السفر إلى تلك البلاد ليقرر قواعدها ، وسار إليها في سبعمائة فارس ، وكان عليّ الهمة فقصد مدينة حاني فحصرها وافتتحها ، فلما سمع بكتمر (٤) صاحب خلاط سار لقتاله في أربعة آلاف وأربعمائة فارس ، فالتقوا فلم يثبت عسكر خلاط وانهزموا ، فسار تقي الدين وراءهم وأخذ قلعة لبكتمر ونازل خلاط وحاصرها فلم ينل غرضا لقلة عسكره ، ونازل منازكرد مدة ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٢٢٧.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٢٧٦.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ٢٩٤.

(٤) شذرات الذهب ٤ : ٢٩٧.

١٦٣

وله أفعال بين مصر والفيوم ودمشق وغيرها ، وسمع بالاسكندرية من السلفي وإسماعيل بن عوف (١) ، وكان فيه عدل وكرم ورئاسة ، وكان تقي الدين قد حدث نفسه بملك مصر لما مرض عمه فلم يتم له ، وعوفي عمه صلاح الدين وعزله ، وطلبه إلى الشام فامتنع وهمّ بالتوجه إلى بلاد المغرب ، ثم إن السلطان كتب إليه وثنى عزمه ، فقدم الشام فأحسن إليه عمه وأكرمه وزاده وداراه وأعطاه عدة بلاد.

قال ابن واصل (٢) : كان المظفر عمر شجاعا جوادا شديد البأس عظيم الهيبة ، وكان من أركان البيت الأيوبي ، وكان عنده فضل وادب وله شعر حسن ، أصيب السلطان صلاح الدين بموته ، لأنه كان من أعظم أعوانه على الشدائد.

قال صاحب المرآة ، وله ديوان شعر ، وذكره ابن كثير في طبقات الفقهاء الشافعية لبنائه المدرسة المشهورة بدمشق ، توفي رحمه‌الله تعالى وهو يحاصر منازكرد من أعمال أرمينية ، ثم نقل إلى حماة فدفن بها في مدرسة له بنيت بظاهر حماة ، واستقر بعده في ملك حماة ولده المنصور محمد (٣) وأخرجت عنه بقية البلاد ، ودام ملك حماة في أولاده إلى بعد الأربعين وستمائة ، ومن شعره رحمه‌الله تعالى :

دمشق سقاك الله صوب غمامة

فما غائب عنها لديّ رشيد

فز بسعد إلى أن أبيت بأرضها

ألا إنني لو صحّ لي لسعيد

وله :

أرى قوما حفظت لهم عهودا

فخانوني ولم يرعوا حفاظا

لهم عندي محافظة فألفى

لهم خلقا وأفئدة غلاظا

وله يمدح عمه صلاح الدين :

خير الملوك أبو المظفر يوسف

ما مثل سيرته الشريفة يعرف

__________________

(١) توفي سنة ٥٨١ هجرية شذرات الذهب ٤ : ٢٦٨.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٤٣٨.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٧٧.

١٦٤

لو سطرت سير الملوك رأيتها

ديوان شعر وهي فيها مصحف

ملك يبيت الدهر يرعد هيبة

منه وليس يخافه من ينصف

انتهى. وقال أبو شامة في كتاب الروضتين في سنة سبع وثمانين : قال العماد في شهر ربيع الأول منها تولى القضاء القاضي محيي الدين محمد بن الزكي أي قضاء دمشق. وفيها وفي يوم تاسع عشر شهر رمضان كانت وفاة تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين وهو على محاصرة منازكرد ، وكان كما تقدم قد توجه إلى بلاده التي زاده إياها السلطان صلاح الدين وراء الفرات ، فامتدت عينه إلى بلاد غيره ، واستولى على السويداء وعلى مدينة حاني ، وعزم على قصد خلاط ، وكسر صاحبها سيف الدين بكتمر ، وتملك معظم تلك البلاد ، ثم أناخ على منازكرد يحاصرها ومعه عساكر كثيرة ، فأناخت بجسده المنية ، بسبب مرض اعتراه ، وزاد إلى أن بلغ منه المراد ، وأخفى ولده الملك المنصور وفاته ، ورحل عن البلد المحصور وفاته ، وعاد به إلى البلاد التي في يد ، وعجب الناس من حزمه وعزمه وثباته وجلده ، وجاءت رسله إلى السلطان تخبره بأنه قام مقام والده فيما كان له من البلدان وطلب منه شروطا نسبه بسببها إلى العصيان ، وكاد أمره يضطرب ، وقلبه يكتئب ، وشأنه ينعكس وينقلب ، حتى احتمى بالملك العادل ، فنصره وأظهره إلى الوجود.

وقال ابن شداد : كانت وفاته في طريق خلاط عائدا إلى ميافارقين فحمل ميتا حتى وصل به إلى ميافارقين ، ثم عملت له تربة عليها مدرسة مشهورة وحمل إليها ودفن بها انتهى. وكان مولده في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة كذا قاله شيخنا الأسدي في كواكبه. وقال ابن شداد : أول من ذكر الدرس بها قاضي القضاة محيى الدين محمد بن علي ومن بعده محيى الدين بن زكي الدين ، ثم انتزعت من يده ووليها فخر الدين ، ثم عادت إلى محيى الدين ، ثم تولاها عماد الدين بن الحرستاني. قال الأسدي : ودرّس بها في سنة ثمان وعشرين وستمائة انتهى. قال ابن شداد : ثم عادت إلى القاضي محيي الدين أبي الفضل يحيى ، ثم إلى ولده عماد الدين ، ثم من بعده إلى أخيه علاء الدين أحمد ، ثم من

١٦٥

بعده إلى زكي الدين الحسن ، ثم من بعده إلى علاء الدين أحمد وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. قلت : ولعل أول من درّس بها أبو المظفر ابن عساكر فإنها وقفت سنة أربع وسبعين وخمسمائة ، وهو توفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ، ولم أقف على وفاة قاضي القضاة محيى الدين محمد بن الزكي (١).

وأبو المظفر هذا قال الأسدي في تاريخه في سنة إحدى وسبعين المذكورة : عبد الله بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله أبو المظفر بن عساكر أخو زين الدين ويقال زين الأمناء بن عساكر الدمشقي الشافعي ، مولده في شهر رجب سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، وتفقه على القطب النيسابوري وغيره ، وسمع من عميه الصائن والحافظ وجماعة ، وقرأ الأدب على محمود بن نعمة بن أرسلان الشيرازي النحوي ، وخرّج أربعين حديثا ، وحدث بدمشق ومصر والقدس وحماة وشيزر والإسكندرية ، ودرس بدمشق بالتقوية ، وكان مجمع الفضائل ، قتل غيلة بظاهر القاهرة في شهر ربيع الأول انتهى.

ثم درس بها بعد قاضي القضاة محيي الدين بن الزكي شيخ الشافعية الفخر ابن عساكر ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث العروية. ثم بها درس الإمام الفقيه قاضي القضاة بهاء الدين أبو الفضل يوسف ابن قاضي القضاة محيى الدين يحيى ابن قاضي القضاة منتجب الدين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدين علي ابن قاضي القضاة منتجب الدين محمد بن زكي الدين القرشي الدمشقي ، ولد سنة أربعين وستمائة ، وسمع بمصر والشام من جماعة ، وأخذ عن أبيه وأخذ العلوم العقلية عن القاضي كمال الدين التفليسي (٢) ، وولي القضاء بعد ابن الصائغ سنة اثنتين وثمانين إلى أن توفي ، وهو آخر من ولي القضاء من هذا البيت ، وقد جمع أجل مدارس دمشق وهي : العزيزية ، والتقوية ، والفلكية ، والعادلية ، والمجاهدية ، والكلاسة ، توفي رحمه‌الله تعالى في ذي الحجة سنة خمس وثمانين وستمائة عن خمس وأربعين

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٣٣٧.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣٣٧.

١٦٦

سنة ، ودفن بتربتهم جوار الشيخ العارف محيى الدين بن عربي رحمه‌الله تعالى.

ثم درّس بها القاضي الرئيس إمام الدين عبد العزيز أبو محمد ابن قاضي القضاة محيي الدين يحيى بن محمد بن الزكي أخو المتقدم. قال الصلاح الصفدي : درس بالتقوية والعزيزية ، وهو أحد من ولي نظر الجامع غير مرة ، وكان صدرا رئيسا محتشما مليح الشكل ، وعين للقضاء ، قرأ عليه البرزالي مشيخة أبي شهر بروايته حضورا عن إبراهيم بن خليل (١) ، مولده سنة أربع وخمسين وستمائة ، وتوفي كهلا سنة تسع وتسعين وستمائة انتهى.

ثم درّس بها المعمر الصالح كمال الدين محمد بن القاضي محيى الدين بن الزكي. قال الحافظ شمس الدين الحسيني في ذيل العبر سنة أربع وأربعين وسبعمائة : ومات الكمال ابن الزكي القرشي الشافعي مدرّس التقوية والعزيزية عن سن غالية ، وسمع من ابن البخاري وغيره ، ودرّس بعده بالتقوية القاضي الإمام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن السبكي وأخذ في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) انتهى. وقد تقدمت ترجمة القاضي الامام تاج الدين هذا في دار الحديث الأشرفية الدمشقية.

ثم درس بها الإمام العلامة المصنف الجامع بين أشتات العلوم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان الصرخدي نيابة ، لكن لا أعلم عمن ناب ، أخذ العلوم عن مشايخ ذلك العصر ، وممن أخذ عنه الشيخ شمس الدين ابن قاضي شهبة ، والشيخ عماد الدين الحسباني ، وأبو العباس العنابي ، وكان أجمع أهل البلد لفنون العلم ، أفتى ودرس واشتغل وصنف غير أن لسانه كان قاصرا ، وقلمه أحسن من لسانه ، وكان حظه من الدنيا قليلا لم يحصل له شيء من المناصب ، وإنما درس بالتقوية هذه والكلاسة نيابة ، وله تصدير بالجامع ، وكان ينصر مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري (٢) كثيرا ويعادي الحنابلة ، وصنف شرح المختصر ثلاثة أجزاء واختصر إعراب السفاقسي واعترض عليه

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٩٢.

(٢) شذرات الذهب ٢ : ٣٠٣.

١٦٧

في مواضع ، واختصر قواعد العلائي والتمهيد للأسنوي (١) واعترض عليهما في مواضع ، واختصر المهمات وغير ذلك ، وكتب الكثير بخطه ، واحترق غالب مصنفاته في الفتنة قبل تبييضها ، وكان فقيرا وله عائلة ، توفي رحمه‌الله تعالى في ذي الحجة أو ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ، ودفن بباب الصغير بالقرب من معاوية رضي الله تعالى عنه.

وقال الشيخ تقي الدين الأسدي في الذيل في ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة : الفقيه الفاضل بدر الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن عبد الله خلف بن كامل التقوي الشافعي مولده سنة أربع وستين ، وتوفي ليلة الاثنين حادي عشره ببستان بأرض حمام الزمرد ، وصلي عليه من الغد بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ، ودفن عند والده بتربته غربي الجامع المذكور ، وقد نزل لولده وهو صغير عن نصف وظائفه وهي تدريس التقوية وتدريس القوصية وحصة في نظر وقف التقوية ، ونزل لي عن النصف الآخر. ثم قال في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ، وفي يوم الأربعاء حادي عشريه حضرت الدرس بالمدرسة التقوية وأخذت في أول كتاب الحج من التنبيه ثم قال في يوم الجمعة رابع ذي الحجة سنة خمس وثلاثين : وقد سألني في نيابة القاضي الجديد كمال الدين البارزي ، فامتنعت عن استنابته ، فلما كان هذا اليوم سئلت في ذلك وألحوا علي ، فأجبت استحياء من القاضي والحاضرين ، وترك لي القاضي نصف تدريس التقوية ، وكان لي في نفس الأمر ولكن كان القاضي قد تغلب عليه انتهى.

ثم درس بها ولده شيخنا المرحوم العلامة بدر الدين أبو الفضل محمد بن قاضي شهبة ، ثم نزل عن تدريسها للقاضي محب الدين أبي الفضل محمد ابن شيخنا القاضي برهان الدين بن قاضي عجلون. ثم درّس بها نيابة عنه في نصف تدريسها واستقلالا في النصف الآخر صهره العلامة كمال الدين ابن القاضي عز الدين بن حمزة الحسيني في شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٢٣.

١٦٨

وثمانمائة في أول كتاب صلاة الجماعة وحضره جماعة ، منهم العلامة زين الدين خطاب (١) وآخرون وحضرت معهم. وقد تقدمت تراجم هؤلاء في المدرسة الأمجدية.

فائدة : قال الذهبي في عبره في سنة أربع وسبعين وستمائة : وظهير الدين أبو الثناء محمود بن عبد الله الريحاني الشافعي المفتي أحد مشايخ الصوفية ، كان إمام التقوية وغالب نهاره بها ، صحب الشيخ شهاب الدين السهروردي ، وروي عنه وعن أبي المعالي صاعد رحمه‌الله تعالى ، توفي في شهر رمضان وله سبع وسبعون سنة انتهى. هذا آخر ما انتهى إلينا من تدريس التقوية من السادة العلماء الشافعية.

٣٨ ـ المدرسة الجاروخية

داخل بابي الفرج والفراديس لصيقة الإقبالية الحنفية شمالي الجامع الأموي والظاهرية الجوانية. قال ابن شداد : بانيها جاروخ التركماني يلقب بسيف الدين انتهى ، وقال في العبر في سنة تسع وثلاثين وستمائة ، البدر علي بن عبد الصمد بن عبد الجليل الرازي المؤدب بمكتب جاروخ بدمشق ، روى عن السلفي ثمانين الآجري (٢) ، وتوفي رحمه‌الله تعالى في شهر ربيع الآخر انتهى. بناها جاروخ برسم المدرس العلامة الإمام أبي القاسم محمود بن المبارك بن علي ابن المبارك المعروف بالمجير الواسطي ثم البغدادي الشافعي أحد العلماء الأذكياء والمحررين في المذهب ، تفقه بالنظامية على أبي منصور بن الرزاز (٣) وغيره ، وسمع الحديث من جماعة ، وكان ذكيا فصيحا بليغا أعاد في شبيبته للإمام أبي النجيب السهروردي (٤) في مدرسته ، ثم سار إلى دمشق فدرس بالمدرسة التي بنيت له ، وهي هذه الجاروخية المذكورة ، قاله ابن كثير وابن قاضي شهبة في تاريخهما في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. فخرج إلى دمشق

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٣٢٤.

(٢) شذرات الذهب ٣ : ٣٥.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ١٢٢.

(٤) شذرات الذهب ٤ : ٢٠٨.

١٦٩

ونشر بها علم الطب ، واتصل بامرأة من بنات الملوك وبنت له مدرسة جاروخ ، ثم توجه إلى شيراز وبني له بها مدرسة ، فلما جاءت دولة ابن القصاب (١) أحضره إلى بغداد وولاه تدريس النظامية ، ويوم ألقى الدرس كان يوما مشهودا ، فدرس بها أسبوعا ، وسيّر في الرسالة إلى همذان ، وكان أحذق أهل زمانه مع سكون ظاهر وقلة انزعاج ، روى عنه ابن خليل في معجمه ، وخرج رسولا إلى خوارزم شاه إلى أصبهان فمات بطريقه بهمدان في ذي القعدة ودفن هناك انتهى. وقال ابن الدبيثي (٢) برع في المذهب حتى صار أوحد أهل زمانه ، وتفرّد بمعرفة الأصول والكلام ، وما رأينا أجمع لفنون العلم منه مع حسن العبارة ، وكان بينه وبين شيخ الشافعية جمال الدين بن فضلان (٣) مناظرات ، وكان كل منهما يشنّع على الآخر ، وتوفي ابن فضلان بعده في شعبان سنة خمس وتسعين وخمسمائة :

وقال الذهبي في العبر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة : والمجير الإمام محمود ابن المبارك الواسطي البغدادي الفقيه الشافعي ، أحد الأذكياء والمناظرين ، تفقه على أبي منصور بن الرزاز ، وأخذ علم النظر عن أبي الفتوح محمد بن الفضل الأسفرائيني (٤) ، وصار المشار إليه في زمانه والمقدم على أقرانه ، حدث عن ابن الحصين (٥) وجماعة ، ودرّس بالنظامية ، وكان طويلا جدا غواصا على المعاني ، قدم دمشق وبنيت له مدرسة جاروخ ، ثم توجه إلى شيراز وبنى له ملكها مدرسة ، ثم أحضره ابن القصاب وقدمه انتهى. وابن القصاب المذكور هو الوزير الكبير مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن علي البغدادي المنشئ البليغ ، توفي في هذه السنة المذكورة وهي سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. ثم درس بها الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المعروف بالمصيصي الأشعري نسبا ومذهبا ، سكن دمشق ، ودرّس بهذه المدرسة ، كما قاله ابن

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٣١١.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٨٥.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ٣٢١.

(٤) شذرات الذهب ٤ : ١١٨.

(٥) شذرات الذهب ٤ : ٧٧.

١٧٠

شداد ، وبالغزالية كما سيأتي فيها بعد شيخه نصر ، وله أوقاف على وجوه البر ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ، ودفن بمقابر باب الصغير. ثم درس بها بعده الفقيه قطب الدين وهو النيسابوري صاحب كتاب الهادي في الفقه ، وقال الأسنوي وهو مختصر قريب من مختصر التبريزي (١) في الحجم ، كانت المتفقهة في بعض النواحي من الأعصار المتقدمة يحفظونه ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث العروية. ثم وليها الشيخ شهاب الدين أحمد ابن شيخ الإسلام ويعرف بالأعرج ، وكان زاهدا عالما فاضلا بارعا ، وله قدم مع الملوك ، ناب في ديار العدل بالديار المصرية. ثم وليها الشيخ نجم الدين البارزي ، وتوفي رحمه‌الله تعالى بها لفالج لحقه ، ثم وليها تاج الدين أبو بكر بن علي بن أبي طالب الإسكندري. ثم وليها الشيخ مجد الدين عبد المجيد الروذراوري ، وكان عالما أديبا فاضلا في أنواع العلوم ، وتوفي بها. ثم وليها الشيخ كمال الدين محمد بن رضي الدين أحمد بن علي المعروف بابن النجار وكيل بيت المال بدمشق إلى سنة تسع وستين وستمائة. ثم وليها عز الدين عمر الأردبيلي. ثم وليها نجم الدين الفاروثي ، ورد من بغداد فولي بها إلى سنة إحدى وسبعين وستمائة ، وارتحل عنها إلى الحجاز. ثم ردت إلى عز الدين عمر الأردبيلي وهو مستمر بها إلى الآن ، قال ذلك ابن شداد ، وهو عجب : فان ممن درّس بها قاضي القضاة صدر الدين بن سني الدولة وقد مات سنة ثمان وخمسين وستمائة ولم يذكره. وقد تقدمت ترجمة قاضي القضاة هذا في المدرسة الإقبالية.

ثم ممن درّس بها الفقيه الإمام العالم المناظر شرف الدين ابو عبد الله الحسين بن كمال الدين علي بن إسحاق بن سلّام (بتشديد اللام) ابن عبد الوهاب بن الحسن بن سلّام الدمشقي الشافعي ، ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة ، واشتغل وبرع وحصّل وناظر وأفتى. وقال ابن كثير : ودرّس بالجاروخية والعذراوية وأعاد بالظاهرية ، وولي إفتاء دار العدل أيام الأفرم ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٥.

١٧١

ومن كلام الكتبي يفهم انه اول من ولي إفتاء دار العدل ، وكان واسع الصدر ، كبير الهمة ، كريم النفس ، مشكور السيرة في فهمه وخطه وفصاحته ومناظرته. قال الذهبي : وكان من الأذكياء ، توفي رحمه‌الله تعالى رابع عشرين شهر رمضان سنة سبع (بتقديم السين) عشرة وسبعمائة ودفن بباب الصغير ، وترك أولادا ودينا كثيرا ، فوفته عنه زوجته بنت زويزان ، تقبل الله تعالى منها ، وسيأتي ذكر والده كمال الدين في الدولعية. وقال ابن كثير : في هذه السنة المذكورة وفي سادس عشر شوال درّس بالجاروخية القاضي كمال الدين محمد ابن الشيخ كمال الدين بن الشريشي بعد وفاة الشيخ شرف الدين بن سلّام ، وحضر عنده الأعيان والكبار انتهى. وقد تقدمت ترجمة القاضي كمال الدين هذا في دار الحديث الناصرية. وقال ابن كثير في سنة ثلاثين وسبعمائة : الشيخ نجم الدين عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن نصر الموصلي المعروف والموصوف بابن الشحام ، اشتغل ببلده ثم سافر وأقام بمدينة سراي من مملكة أزبك خان ، ثم قدم دمشق في سنة أربع وعشرين ، فدرّس بالظاهرية البرانية ثم بالجاروخية ، وأضيف إليه مشيخة رباط القصر ، ثم نزل عن ذلك لزوج ابنته نور الدين الأردبيلي ، توفي في شهر ربيع الأول ، وكان يعرف طرفا من الفقه والطب انتهى.

ثم درّس بها بعده الإمام العالم العلامة الفقيه الأصولي نور الدين أبو محمد فرج بن محمد بن أحمد بن أبي الفرج الأردبيلي ، قرأ المعقولات بتبريز ، وتخرّج بالشيخ فخر الدين الجاربردي (١) ، ثم قدم دمشق واشتغل في الفقه ، ودرّس بالظاهرية البرانية والجاروخية هذه ، ثم بالناصرية الجوانية ، قال الحافظ تقي الدين بن رافع : كان دينا خيرا ملازما للاشتغال والجمع ، بشوش الوجه ، حسن الملتقى ، متواضعا انتهى. وقال السيد في ذيل العبر : وشرح منهاجي البيضاوي والنواوي ، توفي شهيدا في جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، ودفن بباب الصغير رحمه‌الله تعالى ، ثم وليها العلامة عماد الدين

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ١٤٨.

١٧٢

الحسباني ، وقد تقدمت ترجمته في الاقبالية ، وهذا آخر ما وقفنا عليه من مدرّسيها.

تنبيه : قال ابن كثير في سنة ست وتسعين وخمسمائة : الفقيه مجد الدين أبو محمد طاهر بن نصر الله بن جهبل مدرس القدس الشريف اول من درس بالصلاحية ، وهو والد الفقهاء من بني جهبل كانوا بالمدرسة الجاروخية ثم صاروا إلى العمادية والدماغية في أيامنا هذه ، ثم ماتوا ولم يبق إلا شرحهم انتهى. قلت : وهو الذي بشر بفتح بيت المقدس للسلطان صلاح الدين حين فتح حلب الشهباء. قال ابن كثير في سنة تسع وسبعين وخمسمائة : وقد كان بشر بفتح بيت المقدس حين فتح حلب الشهباء ، وذلك ان الفقيه مجد الدين ابن جهبل الشافعي رأى في تفسير ابي الحكم المغربي (١) عند قوله تعالى (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) الآية ، البشارة بفتح بيت المقدس في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، واستدل على ذلك بأشياء فكتبه في ورقة وأعطاها للفقيه عيسى (٢) الهكاري ليبشر بها السلطان ، فلم يتجاسر على ذلك خوفا من عدم المطابقة ، فأعلم بذلك القاضي محيي الدين بن الزكي فنظم معناها في قصيدة يقول فيها :

وفتحكم حلب الشهباء في صفر

مبشر بافتتاح القدس في رجب

وقدمها للسلطان صلاح الدين ، فتشوقت همة السلطان إلى ذلك ، فلما افتتحها كما سيأتي ، امر القاضي محيي الدين بن الزكي ، فخطب يومئذ وكان يوم الجمعة ، ولما بلغه ان ابن جهبل هو الذي اطلع على ذلك أولا ، امره فدرس على نفس الصخرة درسا عظيما وأحسن إليه وأجزل له العطاء وبالغ في الثناء عليه انتهى.

وقال في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة : واستمر القاضي محيي الدين محمد بن علي بن الزكي القرشي يخطب بالناس في أيام الجمع أربع جمعات ، ثم قرر السلطان للقدس خطيبا مستقرا ، وأرسل إلى حلب فاستحضر المنبر الذي كان

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ١١٣.

(٢) ابن كثير ١٢ : ٣٥٦.

١٧٣

الملك العادل نور الدين محمود قد استعمله لبيت المقدس لما كان يؤمله من فتحه في حياته ، فما كان إلا على يدي بعض أتباعه بعد وفاته رحمه‌الله تعالى.

نكتة : قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة في الروضتين : وقد تكلم عليه شيخنا ابو الحسن علي بن محمد السخاوي في تفسيره الأول فقال : وقع في تفسير أبي الحكم الأندلسي يعني ابن برجان في أول سورة الروم إخبار عن فتح بيت المقدس وأنه ينتزع من أيدي النصارى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة قال السخاوي : ولم أر مأخذ ذلك من علم الحرف وإنما أخذه فيما زعم من قوله تعالى : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) الآية ، فبنى الأمر على التاريخ كما فعله المنجمون ، ثم ذكر أنهم سيغلبون في سنة كذا على ما يقتضيه دوائر التقدير. ثم قال : وهذه نجابة وافقت إصابة ، إن صحّ أنه قال ذلك قبل وقوعه ، وكان في كتابه قبل حدوثه ، قال : وليس هذا من قبيل علم الحرف ولا من باب الكرامات لأنها لا تنال بحساب. قال : وقد ذكر في تفسير سورة القدر : أنه لو علم الوقت الذي نزل فيه القرآن لعلم الوقت الذي يرفع فيه. قلت : ابن برجان ذكر هذا في تفسيره في حدود سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة : ويقال إن الملك نور الدين أوقف على ذلك فطمع ان يعيش إلى سنة ثلاث وثمانين لأن مولده في سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، فتهيأ لأسباب ذلك حتى انه أعدّ منبرا عظيما هائلا لبيت المقدس إذا فتحه الله تعالى على يديه ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب انتهى.

٣٩ ـ المدرسة الحمصية

تجاه الشامية البرانية. قال ابن كثير في سنة ست وعشرين وسبعمائة : وفي يوم الأحد رابع عشر ذي القعدة فتحت المدرسة الحمصية تجاه الشامية البرانية ، ودرّس بها الشيخ العالم العلامة محيي الدين الطرابلسي ، وكان رحمه‌الله تعالى قاضي حصن عكار ويلقب بأبي رياح ، وحضر عنده الشيخ العالم القاضي

١٧٤

الشافعي يعني جلال الدين القزويني انتهى.

٤٠ ـ المدرسة الحلبية

هي بخط السبعة أقيمت الجمعة فيها سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. قال ابن قاضي شهبة رحمه‌الله تعالى في صفر سنة اربع عشرة وثمانمائة. ثم قال : وفي رجب سنة خمس عشرة وممن توفي فيها شهاب الدين احمد بن عبد الخالق ، كان في أول أمره مغنّيا يعلم الجواري الغناء ، ثم تاب عن ذلك ، وكان ملازما للصلاة ، ووقف إلى جانب المدرسة الحلبية مسجدا ، وأضافه إلى المدرسة المذكورة ، ووقف عليها وقفا ولم يخلف ولدا ، ووقف ثلث قاعة على الزّيت الذي يوقد في الحجرة النبوية على الحالّ بها أفضل الصلاة وأتم السلام ، والثلث على زوجته ، والثلث الثالث على ابن أخيه ، ووقف على قراءة البخاري بالحلبية ومآل ذلك إلى الزيت على الحجرة المذكورة ، توفي يوم الأحد مستهل الشهر المذكور ، وكان شيخا دينا جدا انتهى. ثم قال في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وثمانمائة في وفاة الأمير سيف الدين زمرة أثر الظاهري الحاجب أصله من مماليك برقوق ، ولي الحجوبية بدمشق بعد الفتنة ، وحصل مالا من المغسلين للموتى بدمشق. ثم وقع بينه وبين قاضي القضاة علاء الدين بن أبي البقاء ، وضرب بعض الشهود ، وترافعوا إلى النائب الشيخ خاصكي (١) ، فعزل بعد ذلك بقليل ، وتحمل لقلة من بقي من إخوته وشيخه ، وبقي بطالا مدة طويلة. وحصّل أملاكا كثيرة ، توفي ليلة الأحد عاشر الشهر المذكور ، ودفن بمقبرة الشيخ ارسلان رحمه‌الله ورحمنا به في الدنيا والآخرة ، وهو في سن السبعين ، وبنى على قبره قبة ، ومات رحمه‌الله تعالى عن غير ولد ، ووقف املاكه كلها على جهات برّ بمكة المكرمة وبالمدينة المنورة على الحالّ بها افضل الصلاة وأتم السلام ، ووقف بعض شيء من أملاكه على مدرسة أبي عمر رحمه‌الله تعالى ورحمنا به في الدارين آمين ، وجعل بعض شيء للمدرسة الحلبية ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٦.

١٧٥

وكانت المدرسة المذكورة مقابل بيته وكان مقابل داره سبيلا ، وجعل شيئا من قراءة الحديث للمدرسة الحلبية المذكورة ، وقرّاء البخاري وجهات برّ وخير ، رحمه‌الله تعالى ونفعه بما فعل وأجزل له العمل آمين ، انتهى ذلك ملخصا.

٤١ ـ المدرسة الخبيصية

قبلي الزنجاري. قال الأسدي في المحرم سنة أربع عشرة وثمان مائة : أقضى القضاة بدر الدين حسين المعروف بابن قاضي أذرعات ، اشتغل في النحو على شرف الدين الأنطاكي حتى فضل في ذلك ، وأخذ الفقه عن نجم الدين ابن الجابي (١) وشرف الدين بن الشريشي ، واشتغل مع الفقهاء أي فقهاء البادرائية ، وصحب القاضي سري الدين (٢) ، ثم صحب قاضي القضاة علاء الدين (٣) واختصّ به كثيرا ، وحصل له منه نفع ووظائف ، وناب بعد الفتنة لقاضي القضاة نجم الدين بن حجي ، ولقاضي القضاة الأخنائي ، ولشهاب الدين الباعوني ، ثم ترك ذلك وأشهد عليه انه تاب من ولاية القضاة ، وكان يكتب خطا حسنا سريعا ، نسخ بخطه أشياء كثيرة ، وكان فصيح العبارة ذكيا ، ولكنه كان قليل الاستحضار للفقه ، وله تصدير بالجامع يشتغل فيه وكان قليل الأذى بلسانه وفعاله ، وكان آخر عمره خيرا من أوله ، وختم له بالشهادة ، فتوفي ليلة الأحد وقت المغرب سلخ الشهر بسكنه بأعلى مدرسة الخبيصية ودفن من الغد بتربة الشيخ أرسلان ، وحضر جنازته خلق كثير ، وخلف ثلاثة بنين ، وكتب جهاته وهي التصدير وإعادة العذراوية ومشيخة مدرسة الخبيصية ، وعمالة السميساطية ، ونصف خطابة الكرك والفقاهات باسم أولاده ، ولم يكن بيده تدريس. وكان كريم النفس ، وكان له أربعة عشر من فقهاء الشافعية المشهورين انتهى. وقال الأسدي في شهر رمضان سنة ست عشرة وثمانمائة : وممن صلى في هذا الشهر بالقرآن الكريم عبد الوهاب ابن

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٩٦.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٢٠.

(٣) شذرات الذهب ٦ : ١٦٧.

١٧٦

الشيخ بدر الدين ابن قاضي أذرعات بمدرسة الخبيصية ، وحضر ختمه القاضي تاج الدين الزهري (١) وجماعة من الفقهاء ، وابن القاضي تاج الدين المالكي بالشاغور. وابن الأمير محمد بن سعد الدين المنجكي صلى بمكان بني منجك وهو بسويقة ساروجا ، بناه الزين بن سعد الدين في سنة ثلاث وأربعين ، وختم بجامع تنكز ، وخلع عليه الاستدار أرغون شاه خلعة بطراز ، وركب في ختمه هو والحاجب الثاني شاهين الشبلي ، انتهى كلامه.

٤٢ ـ المدرسة الخليلية

بدمشق. قال الشريف الحسيني في ذيل العبر سنة ست وأربعين وسبعمائة : مات بحمص نائبها الأمير سيف الدين بكتمر الخليلي صاحب مدرسة الخليلية بدمشق ، ونقل إليها في تابوت فدفن بالقبيبات رحمه‌الله تعالى.

٤٣ ـ المدرسة الدماغية

داخل باب الفرج غربي الباب الثاني الذي قبلي باب الطاحون ، وهي قبلي وشرقي الطريق الآخذ إلى باب القلعة الشرقي ، وهذا الطريق بينها وبين الخندق ، وهي أيضا شمالي العمادية منتصفة بين الشافعية والحنفية. قال ابن شداد : المدرسة الدماغية على الفريقين ، منشئها جدة فارس الدين بن الدماغ زوجة شجاع الدين بن الدماغ العادلي (٢) في سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، قال ابن كثير في سنة أربع عشرة وستمائة : الشجاع محمود المعروف بابن الدماغ ، كان من أصدقاء العادل يضحكه ، فحصل أموالا جزيلة ، كانت داره داخل باب الفرج ، فجعلتها زوجته عائشة مدرسة للشافعية والحنفية ، ووقفت عليها أوقافا. وقال الأسدي في سنة أربع عشرة المذكورة : شجاع الدين محمود ابن الدماغ. قال أبو شامة : كان من أصدقاء العادل في زمن شبيبته وبقي معه في زمن السلطنة مضحكا له ، وحصل له ثروة عظيمة ، توفي بدمشق في ذي

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١٦٧.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٦١.

١٧٧

القعدة ، وداره بدمشق جعلتها زوجته عائشة مدرسة للفريقين الشافعية والحنفية بحضرة باب الفرج انتهى. ووقفها بقصر اللباد شرقي مقري ثمانية أسهم من أربعة وعشرين سهما وهي الثلث من المزرعة الدماغية ، والحصة من رجم الحيات والحصة من حمام إسرائيل خارج دمشق ، والحصة بدير سلمان من المرج ، ومزرعة شرخوب عند قصر أم حكيم شرقي قرية عرّاد وقبلي شقحب. وقال الأسدي : ومحاكرات وغير ذلك. وقال في سنة خمس عشرة وستمائة من تاريخه : إن نعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اليمنى كانت بهذه المدرسة الدماغية والنعل اليسرى بدار الحديث الأشرفية الدمشقية ، وإن تمرلنك أخذ الفردتين فاعرفه. قال ابن شداد : أول من درس بها من الشافعية قاضي القضاة شمس الدين الخويّي المشهور ، ثم موفق الدين الخويّي بشرط الموافقة ، وكان الناظر عليها ، ثم شهاب الدين ابن قاضي القضاة شمس الدين الخويّي ، ثم كمال الدين التفليسي ، ثم عماد الدين بن يونس الموصلي مستمرا بها إلى توفي في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وستمائة انتهى. ثم درّس بها وهو شاب قاضي القضاة ذو الفنون شهاب الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين أبي العباس احمد ابن الخليل بن سعادة بن جعفر الخويّي قاضي دمشق وابن قاضيها ، ولد في شوال سنة ست وعشرين وستمائة بدمشق ، وله ترجمة طويلة ، توفي في خامس عشرين شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، ودفن بتربته بالسفح.

وقال ابن كثير في سنة ثلاث وثمانين وستمائة في وفاة عز الدين ابن الصائغ : ودرّس بعده بالعذراوية الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن المرحل (١) وكيل بيت المال ، ودرّس ابنه محيي الدين أحمد بالعمادية وزاوية الكلاسة في جامع دمشق ، ثم توفي ابنه احمد بعده في يوم الاربعاء ثامن شهر رجب فدرّس بالعمادية والدماغية الشيخ زين الدين الفارقي (٢) شيخ دار الحديث نيابة عن أولاد القاضي عز الدين بن الصائغ بدر الدين وعلاء الدين انتهى. ثم درّس بها الشيخ الإمام الزاهد بدر الدين ابو اليسر محمد ابن قاضي القضاة عز

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤١٩.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٨.

١٧٨

الدين محمد بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد بن جابر الأنصاري الدمشقي المعروف بابن الصائغ ، ميلاده في المحرم سنة ست وسبعين (بتقديم السين) وستمائة ، وقرأ التنبيه ، ولازم حلقة الشيخ برهان الدين الفزاري زمانا ، وسمع الكثير ، وحدث ، سمع منه البرزالي وخرّج له جزءا من حديثه وحدّث به ، ودرّس بالعمادية كما سيأتي وبالدماغية هذه ، وجاءه التقليد بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين ، فامتنع وأصرّ على الامتناع فأعفي ، ثم في سابع عشر شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ، وولي خطابة القدس الشريف وخطب بها في الثاني والعشرين من شهر رمضان عوضا عن زين الدين بن جماعة بمقتضى تركه واختياره العود إلى القاهرة ، وطلب بدر الدين أن يكون عوضه في المدرستين الدماغية والعمادية بدر الدين بن غانم فأجيب ووقع المذكور ثم ترك الخطابة المذكورة.

وقال الذهبي : الإمام القدوة العابد ، كان مقتصدا في أموره كثير المحاسن ، حجّ غير مرة. وقال ابن رافع : كان على طريقة حميدة ، وعنده عبادة واجتهاد وملازمة للصلحاء والأخيار ، وإعراض عن المناصب ، وكان معظما مبجلا وقورا ، توفي رحمه‌الله تعالى بدمشق في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة ، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون. ثم درّس بها ولده نور الدين محمد. قال السيد في ذيل العبر في سنة أربع وأربعين وسبعمائة : وولي قضاء الشافعية بحلب شيخنا الزاهد قاضي القضاة نور الدين محمد بن محمد بن الصائغ. ودرّس بعده في الدماغية بدمشق القاضي جمال الدين السبكي ، وأخذ في قوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً) الآية انتهى. توفي رحمه‌الله نور الدين المذكور بحلب قاضيا بها في سنة تسع وأربعين وسبعمائة. والقاضي جمال الدين المذكور هو الإمام جمال الدين أبو الطيب الحسين ابن شيخ الإسلام تقي الدين السبكي ، ولد بمصر في شهر رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ، وأحضره والده على جماعة من المشايخ ، وسمع البخاري على الحجار لما ورد مصر ، وتفقه على والده وعلى الشيخ السنكلاني وغيره ، وأخذ النحو عن أبي حيان ،

١٧٩

والأصول عن الأصفهاني ، وقدم دمشق مع والده سنة تسع وثلاثين ، ثم طلب الحديث بنفسه ، وقرأ على المزي والذهبي ، وأخذ الفقه عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب ، ثم رجع إلى مصر ودرّس بالهكارية ، ثم عاد إلى دمشق وأفتى ، وناظر وناب عن والده في أوائل سنة خمس وأربعين ، ودرّس بالشامية البرانية والعذراوية والدماغية هذه ، وبعدة مدارس غيرها ، وكان من أذكياء العالم يحكم جيدا ، نظيف العرض من قضاة العدل ، عجبا في استحضار كتاب التسهيل والحاوي الصغير ، توفي في دمشق في شهر رمضان سنة خمس وخمسين وسبعمائة قبل والده بتسعة أشهر ، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون. ثم ولي تدريسها قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم درّس بها الإمام العلامة صدر المدرسين وأوحد المناظرين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الخطيب شهاب الدين أحمد خطيب يبرود ومدرّس الشامية البرانية خمس عشرة سنة ، كما سيأتي ، ميلاده سنة إحدى وسبعمائة ، واشتغل على الشيخين برهان الدين الفزاري ، وكمال الدين بن قاضي شهبة ، وأخذ عن محيي الدين بن أبي جهل ، وكمال الدين بن الزملكاني أيضا. وأخذ العربية عن الشيخ نجم الدين القحفازي ، والأصول عن الشيخ شمس الدين الأصفهاني ، وبرع في الأصول ، وشارك في العلوم ، ودرّس وأفتى قديما سنة ست وثلاثين بتربة أم الصالح كما سيأتي ، وناب في الحكم عن القاضي جلال الدين القزويني في ولايته الثانية ، ثم توجه إلى الديار المصرية فصادف وفاة الشيخ شمس الدين بن اللبان ، فاستقرّ عوضه في تدريس قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وتدريس جامع الحاكم ، فباشرهما مدة سنة ، ثم نزل عنهما للقاضي بهاء الدين بن السبكي بحكم نزول أخيه القاضي جمال الدين (١) له عن تدريس الشامية البرانية ، وقدم وباشر التدريس المذكور أزيد من تسع سنين ، ثم ناقل قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي منه إلى تدريس المسرورية والدماغية وغيرهما ، ثم نزل عن وظائفه بدمشق وتوجه إلى الحجاز في سنة ستين ، فجاور بالمدينة المنورة (٢) على

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ١٦٣.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٤٢.

١٨٠