الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

[وبه نستعين]

الحمد لله اللطيف بخلقه ، والشكر لله الكريم برزقه. المدح لله على أحكامه في قسمه ، المانّ على خلقه بنعمه. وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين ، وخاتم النبيين. ورضي الله تعالى عن الآل والصحب والتابعين وتابعيهم باحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فلما رأيت غالب أماكن الخير الموقوفة بدمشق الشام اندرست ، وبعضها أخذت الأيام بهجتها والبقاع انطمست ، سنح لي أن أشرع في جمع تراجم تحيى لها ذكرا ، وتذيع لطيّ عرفها بين الأنام نشرا ، فإذا شيخنا الامام العالم المؤرخ المحقق المدقق محيي الدين أبو المفاخر عبد القادر بن محمد النعيمي (١) الشافعي قد سبقني إلى جمع ذلك ، ولم يبق في استيعابه طريقا للسالك ، متع الله المسلمين بحياته ، وأعاد علينا وعليهم من جزيل بركاته ، ولكنها عنده في مسودّتها إلى الآن ، فسألته في تبييضها على طول الزمان ، فتعلل بضعف الحال ، وهمّ العيال ، ثم أمرني بتعليق ذلك ناسجا على منواله ، فقابلت أمره بامتثاله ، غير أني ربما اختصرت تراجم متصدريها الأعلام ، اعتمادا على الطبقات وتواريخ الاسلام ، وها أنا أشرع فيما أراد مستعينا برب العباد فأقول : قد روينا في مسند الفردوس (٢) وغيره من رواية يونس بن

__________________

(١) ترجمته في شذرات الذهب ٨ : ١٥٣ ـ توفي ٩٢٧ هجرية.

(٢) للديلمي وهو تحت الطبع في دار الكتب العلمية بيروت وينتظر صدوره كاملا نهاية عام ١٤٠٥ هجرية.

٣

عطاء من ولد الصدائي الصحابي عنه قال رضي‌الله‌عنه سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من طلب العلم تكفّل الله له برزقه ، ويونس المذكور ذكره الذهبي (١) في الضعفاء والمتروكين قال العلامة شمس الدين البرماوي (٢) : أي من طلب علم دين الله ليحفظه على خلقه ، تكفل الله برزقه معونة له لأن حافظ العلم كالنائب عن الله تعالى.

واعلم أن الله تعالى وليّ رزق غير طالب العلم ، لكن لطالب العلم خصوصية وهي الكفالة وهي ضمان كفايته ، وارسالها له عفوا من غير معاناة أسبابه ، وهذا يشاهد المحصلون عيانا ، وقد أقيم لهم بناء المدارس والأوقاف ونحوها بما حصل به كفايتهم تدرّ عليهم بلا نصب ، بخلاف غيرهم من الناس ، والكفاية بالرزق خير الرزق.

وفي غريب الحديث لابن قتيبة (٣) أن ساعة من العالم على فراشه يتفكر في علم الله تعالى أحب إلى الله تعالى من عبادة العابدين أربعين عاما وفي هذا قال الامام الشافعي رحمه‌الله تعالى الاشتغال بالعلم أفضل من صلاة النافلة انتهى.

وأفادني تلميذ شيخنا العلامة زين الدين أبو الخير مفلح بن عبد الله الحبشي المصري ثم الدمشقي الشافعي رحمه‌الله تعالى ، أن الله تعالى جعل العلم والجور غالبا بالمدن ، وجعل الرزق والجهل غالبا بالبر : فبعلم علماء المدن يسوق الله تعالى إليهم الرزق من البرّ ، وبجهل جهال أهل البرّ يسوق الله تعالى إليهم الجور من المدن اه. فحينئذ العلم سبب لسوق الرزق إلى أهله ، وإلى بقية أهل المدن من الترك وغيرهم من العوام فسبحان الله الحكم الخبير.

__________________

(١) صاحب كتاب تاريخ الاسلام ، والعبر ، ومؤلفات كثيرة في الرجال شذرات الذهب ٦ : ١٦٤ توفي ٧٤٩ هجرية.

(٢) محمد بن عبد الدايم ، بن عيسى ، شذرات الذهب ٧ : ١٩٧ توفي ٨٣١ هجرية.

(٣) صدر الكتاب مؤخرا عن دار الكتب العلمية في مجلدين ، وابن قتيبة هو ابو محمد عبد الله ابن مسلم بن قتيبة الدينوري توفي ٢٧٦ هجرية شذرات الذهب ٢ : ١٦٩.

٤

وفد استخرت الله تعالى في جمع كتاب في ضبط الأماكن التي وقفها بدمشق ساق الله تعالى الخير على يديه ووقفوا على ذلك أوقافا دارّه ، تدرّ كل حين على حكم ما وقفوها عليه إعانة لنشر علم علماء الشريعة الغراء ، ومآخذها الزهراء ، جزاهم الله تعالى أحسن الجزاء ، وجعل حظهم في الآخرة موفور الأجزاء ، وأتقى مقاصدهم على مدى الدهر بعمارة وقفهم إلى يوم الدين بمحمد وآله وصحبه وحزبه المفلحين آمين.

وسميته تنبيه الطالب وإرشاد الدارس لأحوال مواضع الفائدة بدمشق كدور القرآن والحديث والمدارس ، وما يلتحق بذلك من الربط والخوانق والترب والزوايا من بيان أماكنها ، وأوقاف إنشائها ، وتراجم واقفيها ، وذكر أوقافهم وشروطهم ، إن وقع لي ذلك لما في ذلك من المزايا مرتبا لذكر الأماكن المذكورة على حروف المعجم على ترتيب كل نوع منها كما تقدم. وهو أني أذكر دور القرآن ، ثم دور الحديث ، ثم مدارس الأئمة الأربعة ، لكني أبدأ بمدارس أئمتنا الشافعية ثم الحنفية ثم المالكية ثم الحنابلة ، ثم أذكر مدارس الطب ، ثم الربط ، ثم الخوانق ، ثم الترب ، ثم الزوايا ، وأذكر تراجم المتصدرين بكل واحدة منها من حين أنشئت واحدا بعد واحد إلى آخر وقت ما أدركته ، حسبما اطلعت عليه في ذلك كله من كلام الائمة ، وحسبما رأيته وحققته. وأما الجوامع والمساجد فهي كثيرة جدا لا يسعني ذكرها في هذا الكتاب ، وإن مدّ الله تعالى في العمر أفردتها في مجلد من كلام الحافظ ابن عساكر ومن بعده إلى آخر وقت مع الاسهاب والاطناب. والله سبحانه وتعالى أسأل أن يسهل علي تيسير كل عسير ، إنه على كل شيء قدير.

٥
٦

فصل دور

القرآن الكريم

١ ـ دار القرآن الخيضرية

شمالي دار الحديث السكرية بالقصّاعين أنشأها في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة قاضي القضاة قطب الدين أبو الخير محمد بن محمد بن عبد الله بن خيضر الخيضري الدمشقي الشافعي الحافظ ، ورتب فيها الفقراء والجوامك والخبز ، ووقف على تربته لصيق المنجكية بمحلة مسجد الذبان وعلى مطبخ باب الفراديس ومطبخ بني عديسة بالمدينة المنورة ـ على الحالّ بها أفضل الصلاة وأتم السلام ـ أوقافا دارة. ولد سنة احدى وعشرين وثمانمائة بدمشق ونشأ يتيما في حجر والدته ، وحفظ القرآن والتنبيه ، واشتغل بتحصيل الحديث وسمع بمكة المشرفة والقدس وبعلبك ومصر وتخرج فيه بابن حجر (١) ، وتفقه بالتقي ابن قاضي شهبة (٢) وغيره ، أخذ النحو عن البصروي وخرج له التحرير وفهرس مشيخة ، وله مؤلفات منها طبقات الشافعية ، وشرح الألفية أي ألفية العراقي (٣) وشرح التنبيه وولي تدريس دار الحديث الأشرفية ووكالة بيت المال وكتابة السرّ وقضاء الشافعية. توفي رحمه‌الله تعالى سنة أربع وتسعين وثمانمائة ودفن بتربته بالقاهرة.

__________________

(١) الحافظ شهاب الدين ابو الفضل احمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني صاحب فتح الباري وكتب كثيرة في علم الرجال والحديث. شذرات الذهب ٧ : ٢٧٠. توفي ٨٥٢ هجرية.

(٢) تقي الدين ابو بكر بن شهاب الدين احمد بن محمد بن قاضي شهبة توفي ٨٥١ هجرية شذرات الذهب ٧ : ٢٦٩.

(٣) الحافظ عبد الرحيم بن حسين العراقي المتوفى سنة ٨٠٦ هجرية. شذرات الذهب ٧ : ٥٥.

٧

٢ ـ دار القرآن الكريم الجزرية

قيل انها بدرب (١) الحجر قال الحافظ ابن حجر في سنة اربع وثلاثين وثمانمائة محمد بن محمد بن محمد بن يوسف الحافظ الامام المقري شمس الدين ابن الجزري (٢) ولد ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة احدى وخمسين وسبعمائة بدمشق وتفقه بها ولهج بطلب الحديث والقرآن وبرّز في علم القراءات ، وعمّر مدرسة للقراء وسماها دار القرآن وأقرأ الناس وعين لقضاء الشام مدة ، وكتب توقيعه عماد الدين ابن كثير (٣) ثم عرض عارض فلم يتم ذلك وقدم القاهرة مرارا وكان مثريا وشكلا حسنا وفصيحا بليغا ، وأطال ترجمته توفي في أوائل سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.

٣ ـ دار القرآن الكريم الدلامية

بالقرب من الماردانية بالجسر الابيض بالجانب الشرقي من الشارع الآخذ اليه بالصالحية وفيها تربة الواقف أنشأها الجناب الخواجكي الرئيسي الشهابي أبو العباس أحمد بن المجلس الخواجكي زين الدين دلامة ابن عز الدين نصر الله البصري أجل أعيان الخواجكية بالشام الى جانب داره ووقفها في سنة سبع وأربعين وثمانمائة كما رأيته في كتاب وقفها ورتب بها إماما. وله من المعلوم مائة درهم ، وقيما وله مثل الامام ، وستة أنفار من الفقراء الغرباء المهاجرين في قراءة القرآن ولكل منهم ثلاثون درهما في كل شهر ومن شرط الامام الراتب أن يتصدى شيخا لاقراء القرآن للمذكورين وله على ذلك زيادة على معلوم الامامة عشرون درهما ، وستة أيتام بالمكتب أعلى بابها ، ولكل منهم عشرة دراهم في كل شهر أيضا ، وقرر لهم شيخا وله من المعلوم

__________________

(١) راجع البداية والنهاية ١٣ : ٢١٩.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ٢٠٤.

(٣) إسماعيل بن عمر صاحب كتاب البداية والنهاية توفي ٧٧٤ هجرية شذرات الذهب ٦ : ٢٣١.

٨

ستون درهما في كل شهر وقراءة البخاري في الشهور الثلاثة ، وله من المعلوم مائة درهم وعشرون درهما ، وناظرا وله من المعلوم في الشهر ستون درهما ، وعاملا وله من المعلوم كل سنة ستمائة درهم ، ورتب للزيت في كل عام مثلها ، وللشمع لقراءة البخاري والتراويح مائة درهم ، ولأرباب الوظائف خمسة عشر رطلا من الحلوى ورأسي غنم أضحية ، ولكل من الأيتام جبة قطنية وقميصا كذلك ومنديلا ، وقرر قاريء يوم الثلاثاء من كل اسبوع وله في الشهر ثلاثون درهما وشرط على أرباب الوظائف حفظ حزب الصباح والمساء لابن داود (١) ، يقرءونه بعد صلاة الصبح والعصر ، وأن يكون الامام هو القارئ للبخاري والقارئ على ضريح الواقف ، والقيم هو البواب والمؤذن ثم توفي رحمه‌الله تعالى في ثامن عشر المحرم سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وقد قارب الثمانين وأول من باشر الامامة والمشيخة الشيخ شمس الدين البانياسي وقراءة الميعاد الشيخ شمس الدين ابن حامد (٢).

٤ ـ دار القرآن الكريم الرشائية

بدرب الخزاعية شمالي الخانقاه السميساطية بباب الناطفانيين أنشأها رشأ بن نظيف بن ما شاء الله أبو الحسن الدمشقي في حدود سنة أربعمائة قال الصلاح الصفدي (٣) في كتابه (الوافي على الوفيات) في حرف الراء رشأ (٤) بن نظيف بن ما شاء الله أبو الحسن الدمشقي المقري قرأ بحرف ابن عامر (٥) على أبي الحسن بن داود الداراني (٦) وله دار موقوفة على القراء توفي رحمه‌الله تعالى سنة اربع وأربعين وأربعمائة انتهى ملخصا.

__________________

(١) زين الدين ابو الفرج عبد الرحمن بن ابي بكر ، توفي ٨٥٦ هجرية. شذرات الذهب ٧ : ٢٨٨.

(٢) محمد بن عيسى بن ابراهيم توفي ٧٧٨ هجرية.

(٣) خليل بن أيبك بن عبد الله توفي ٧٦٤ هجرية. شذرات الذهب ٦ : ٢٠٠.

(٤) شذرات الذهب ٣ : ٢٧١.

(٥) ابو عمران عبد الله بن عامر اليحصبي توفي ١١٨ هجرية. شذرات الذهب ١ : ١٥٦.

(٦) علي بن داوود القطان توفي ٤٠٢ هجرية. شذرات الذهب ٣ : ١٦٤.

٩

وقال الأسدي في كتابه (الاعلام بتاريخ الاسلام) : في سنة أربع وأربعين وأربعمائة رشأ بن نظيف ولد في حدود سنة سبعين وثلاثمائة وقرأ بحرف ابن عامر على أبي الحسن بن داود الداراني وقرأ بمصر والعراق بالروايات وسمع الحديث من عبد الوهاب الكلابي (١) وأبي مسلم الكاتب (٢) وأبي عمرو بن مهدي (٣) وجماعة كثيرة روى عنه رفيقه أبو علي الأهوازي (٤) وعبد العزيز الكناني (٥) وأحمد بن عبد الملك المؤذن (٦) وآخرون ، وقرأ عليه جماعة آخرهم موتا أبو الوحش سبيع ابن قيراط (٧). قال الكناني وكان ثقة مأمونا انتهت إليه الرياسة في قراءة ابن عامر رحمه‌الله تعالى. وقال الذهبي له دار موقوفة على القراء بباب الناطفانيين. وقال الكتبي (٨) هي التي جوار خانقاه السميساطية من الشمال. قلت وقد زالت عينها وأدخلت في غيرها توفي رحمه‌الله تعالى في المحرم انتهى. وأظنها الآن هي الإخنائية التي أنشأها قاضي القضاة بدمشق شمس الدين محمد ابن القاضي تاج الدين محمد ابن فخر الدين عثمان الاخنائي (٩) الشافعي ودفن بها في شهر رجب سنة ست عشرة وثمانمائة. وكان باب الخانقاه السميساطية قديما هنا ثم حول في أيام تاج الدولة تتش (١٠) إلى دهليز الجامع الأموي حيث هو الآن باذنه في ذلك.

__________________

(١) ابو الحسين الكلابي عبد الوهاب بن الحسن توفي ٣٩٦ هجرية. شذرات الذهب ٣ : ١٤٧.

(٢) محمد بن احمد بن علي البغدادي توفي ٣٩٩ هجرية. شذرات الذهب ٣ : ١٥٦.

(٣) أبو عمر بن مهدي عبد الواحد بن محمد البزاز توفي سنة ٤١٠ هجرية. شذرات الذهب ٣ :١٩٢.

(٤) الحسن بن علي توفي ٤٤٦ هجرية. شذرات الذهب ٣ : ٢٧٤.

(٥) عبد العزيز بن أحمد الكتاني توفي ٤٦٦ هجرية. شذرات الذهب ٣ : ٣٢٥.

(٦) ابو صالح المؤذن النيسابوري. توفي سنة ٤٧٠ هجرية. شذرات الذهب ٣ : ٣٣٥.

(٧) سبيع بن مسلم الدمشقي المقرئ الضرير توفي ٥٠٨ هجرية. شذرات الذهب ٤ : ٢٣.

(٨) المؤرخ صلاح الدين محمد بن شاكر الداراني توفي سنة ٧٦٤ هجرية. شذرات الذهب ٦ :٢٠٣.

(٩) محمد بن محمد السعدي توفي ٨١٦ هجرية.

(١٠) ابو سعيد ابن السلطان ألب ارسلان توفي ٤٨٨ هجرية. شذرات الذهب ٣ : ٣٨٤.

١٠

٥ ـ دار القرآن الكريم السنجارية

تجاه باب الجامع الشمالي المسمى الناطفانيين قال ابن كثير في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة علاء الدين علي بن إسماعيل بن محمود السنجاري ، واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الأموي بدمشق كان أحد التجار الصدق الأخيار ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات توفي رحمه‌الله تعالى بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة. وقال الحافظ البرزالي في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وفي الخامس والعشرين من جمادى الآخرة وصل الخبر إلى دمشق بموت علاء الدين السنجاري التاجر المشهور وكانت وفاته ليلة الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة بالقاهرة وصلي عليه على باب زويلة ودفن عند قبر القاضي شمس الدين ابن الحريري (١) الحنفي وكان رجلا جيدا فيه ديانة وبرّ وأنشأ دار القرآن السنجارية قبالة باب الناطفانيين أحد أبواب الجامع الأموي بدمشق ورتب فيها جماعة يقرءون القرآن ويتلقونه وله مواعيد حديث وكتب إلي بموته زين الدين الرحبي وأنه مات فجأة وكانت جنازته حافلة ورؤيت له منامات صالحة انتهى.

٦ ـ دار القرآن الكريم الصابونية

خارج دمشق قبلي باب الجابية غربي الطريق العظمي ومزار أوس بن أوس الصحابي رضي‌الله‌عنه ، وبها جامع حسن بمنارة تقام فيه الجمعة وتربة الواقف وأخيه وذريتهما إنشاء المقر الخواجكي أحمد الشهابي القضائي ابن علم الدين ابن سليمان بن محمد البكري الدمشقي المعروف بالصابوني ابتدأ في عمارة ذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثمانمائة وفرغ منه في سنة ثمان وستين وثمانمائة وخطب به شيخنا قاضي القضاة جمال الدين يوسف ابن قاضي

__________________

(١) محمد بن عثمان بن أبي الحسن توفي سنة ٧٢٨ هجرية ، شذرات الذهب ٦ : ٨٨.

١١

القضاة شهاب الدين أحمد الباعوني (١) الشافعي في شعبان سنة ثمان وستين وثمانمائة وذكر في خطبته فضل بناء المساجد ثم خطب بها صاحبنا العالم علاء الدين علي بن يوسف بن علي بن أحمد البصروي (٢) الشافعي إلى سنة تسعين وتولى إمامتها صاحبنا العالم عبد الصمد الجبرتي الحنفي ثم توفي فتولاها ابن معروف الجبرتي (٣) وشرط الواقف النظر في ذلك لنفسه ثم لذريته ، ثم نصف النظر لحاجب دمشق كائنا من كان ، والنصف الآخر للامام ، وشرط قراءة البخاري في الثلاثة أشهر ، وشرط في الخطيب أن يكون شافعي المذهب ، وفي الامام أن يكون من الطائفة المباركة الجبرتية ، وأن يكون حنفيا وأن يكون معه عشرة فقراء من جنسه يقريهم القرآن الحكيم ، وجعل للإمام في المكان المذكور قاعة لسكنه وعياله ، وجعل للفقراء خلاوي عدة عشرة فإن لم يوجد الإمام من الجبرتية الحنفية فيمانيا فإن لم يوجد فحجازيا فإن لم يوجد فآفاقيا ، وجعل للمنارة عدة سنة مؤذنين ، وجعل قيما وبوابا وفراشا وجابيا للوقف ، وبنى أيضا تجاه المكان المذكور بشرق مكتبا لأيتام عشرة بشيخ يقريهم القرآن العظيم ، بمعاليم شرطها لهم معلومة تصرف عليهم من جهات عديدة منها : عدة قرى غربي مدينة بيروت تحت يد أمير الغرب بالعين المعجمة تعرف هذه القرى بالصابونية ومنها جميع قرية مديرى بالغوطة من المرج الشمالي ومنها قرية ترحيم بالبقاع عدة فدان ونصف فدان ومنها بقرية الصويرة أربعة فدادين ومنها القرعون في البقاع ربعها. ومنها بقرية كحيل بحوران عدد ستة فدادين. ومنها بقرية الخيارة قبلي دمشق عدة فدان ونصف فدان. ومنها بقرية السبينة الغربية عدة فدان ونصف ومنها بقرية بيت الأبيار مزرعة تعرف بالسياف ومنها بقرية جرمانا ربع بستان ومنها بالوادي التحتاني بستان يعرف بالوثاب ومنها بقرية عين ترمابستان واحد ومنها بقرية سقبا عدة سبع قطع أرض

__________________

(١) يوسف بن احمد بن ناصر توفي سنة ٨٨٠ ه‍. شذرات الذهب ٧ : ٣٣٠.

(٢) العاتكي الدمشقي توفي سنة ٩٠٥ ه‍ ، شذرات الذهب ٨ : ٢٧.

(٣) عمر بن معروف الجبرتي توفي سنة ٩٤٦. شذرات الذهب ٨ : ٢٦٦.

١٢

ومنها بقرية حمّورية بستان واحد ومنها بقرية برزة ومنها بقرية جوبر عدة أربعة بساتين ومنها بالنيرب الفوقاني عدة بساتين ومنها بأرض المزّة عدة أربعة بساتين ومنها بقرية كفرسوسة عدة أربعة بساتين ومنها بأرض قينية عدة ثلاثة بساتين وأما المسقف الذي بباطن دمشق وخارجها فمنها : خان البقسماط ومنها بعين لؤلؤة قاعة واحدة ومنها بالدباغة حانوت واحد ومنها بالعقيبة الكبرى عدة أربع طباق ومنها بالعقيبة أيضا خان طولون ومنها. بسوق عمارة الأخنائي عدة ثلاثة حوانيت شركة الحرمين الشريفين ، ومنها بمحلة مسجد القصب عدة ستة حوانيت ، ومنها جوار الجامع الأموي عدة قاعتين ، ومنها جوار المارستان النوري عدة أربع طبقات ، ومنها جوار باب دمشق طبقة واحدة ، ومنها بالقضمانية عدة أربعة حوانيت ، ومنها بباب الجابية عدة ستة حوانيت ، ومنها بمحلة سوق الهواء خان واحد ، ومنها بمحلة قصر حجاج خان واحد.

وأما ما وقفه يوسف الرومي مملوك الواقف غربي مصلى العيدين جوار بستان الصاحب فبستان واحد ، وبقرية كفرسوسية معصرة الزيتون وقاعة لصيق الجامع والتربتين المذكورتين وعلوها طبقة أخرى قبلي ذلك وعلوها عدة طبقتين والله أعلم.

٧ ـ دار القرآن الكريم الوجيهية

قبلي المدرسة العصرونية والمسرورية وغربي الصمصامية التي شمال الخاتونية وإلى زقاقها يفتح بابها. قال السيد شمس الدين الحسيني في ذيله على العبر : في سنة إحدى وسبعمائة الشيخ وجيه الدين محمد بن عثمان بن المنجا التنوخي رئيس الدماشقة عن إحدى وسبعين سنة ، حدثنا عن جعفر الهمداني (١) وغيره ، وهو واقف دار القرآن المذكور آنفا ، وقال الصفدي في الوافي في كلامه على

__________________

(١) ابو الفضل جعفر بن علي بن هبة الله الهمداني الاسكندراني توفي سنة ٦٣٦ ه‍ ، شذرات الذهب ٥ : ١٨٠.

١٣

المحمدين ما عبارته : وجيه الدين بن المنجا محمد بن عثمان الإمام الرئيس شيخ الأكابر وشيخ الحنابلة أبو المعالي التنوخي الدمشقي ولد سنة ثلاثين وتوفي سنة إحدى وسبعمائة ، وسمع من اللتي (١) حضورا ، ومن جعفر الهمداني ، ومكرم (٢) ، وسالم بن صصرى ، وحضر ابن المقير (٣) ، وحمل عنه الجماعة ، ودرس بالمسمارية ، وكان صدرا محترما دينا محبا للأخيار صاحب أملاك ومتاجر وبرّ وأوقاف ، أنشأ دارا للقرآن الكريم بدمشق ورباطا بالقدس الشريف ، وعمل ناظرا لجامع الأموي تبرعا ، وكان مع سعة ثروته مقتصدا في ملبسه ، وتوفي بدار القرآن في شعبان في التاريخ المتقدم .. انتهى.

__________________

(١) عبد الله بن عمر بن علي القزاز توفي سنة ٦٣٥ ، شذرات الذهب ٥ : ١٧.

(٢) ابو المفضل مكرم بن محمد بن حمزة القرشي الدمشقي المعروف بابن أبي الصقر توفي سنة ٦٣٥ ه‍ ، شذرات الذهب ٥ : ١٧٤.

(٣) ابو الحسن علي بن أبي عبد الله الحسين بن علي البغدادي توفي سنة ٦٤٣ ه‍ ، شذرات الذهب ٥ : ٢٢٣.

١٤

فصل

دور الحديث الشريف

٨ ـ دار الحديث الأشرفية

جوار باب القلعة الشرقي غربي العصرونية وشمالي القيمازية الحنفية قال ابن كثير في تاريخه : وقد كانت دار الحديث الأشرفية دارا لهذا الأمير يعني صارم الدين قايماز بن عبد الله النجمي واقف القيمازية وله بها حمام ، فاشترى ذلك الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن العادل (١) ، وبناها دار حديث وأخرب الحمام ، وبناه سكنا للشيخ المدرس بها انتهى.

وقال الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام ، في سنة ثمان وعشرين وستمائة وفيها أمر الملك الأشرف بعمل دار الأمير قايماز النجمي دار حديث فتمت في سنتين وجعل شيخها الشيخ تقي الدين بن الصلاح (٢) انتهى. وذكر السبط (٣) في سنة ثلاثين وستمائة في ليلة النصف من شعبان فتحت دار الحديث الأشرفية وأملى بها الشيخ تقي الدين بن الصلاح الحديث ، ووقف عليها الملك الأشرف الأوقاف ، وجعل بها نعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : وسمع الملك الأشرف صحيح

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٧٥.

(٢) عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري الكردي توفي سنة ٦٤٣ هجرية ، شذرات الذهب ٥ :٢٢١.

(٣) ابن الجوزي يوسف بن فرغلي توفي سنة ٦٥٤ هجرية ، شذرات الذهب ٥ : ٢٦٦.

١٥

البخاري في هذه السنة على الزبيدي (١) ، قلت وكذا سمعوا عليه بالدار وبالصالحية انتهى. وقال في سنة خمس وثلاثين وستمائة فيها كانت وفاة الملك الأشرف وبسط ذلك مطولا. ومن شرطه في الشيخ أنه إذا اجتمع من فيه الرواية ، ومن فيه الدراية ، قدم من فيه الرواية. والشيخ تقي الدين ابن الصلاح المذكور هو الامام العلامة مفتي الإسلام أبو عمرو عثمان ابن الشيخ الإمام البارع الفقيه المفتي صلاح الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن عثمان بن يونس بن أبي نصر النصري بالنون الكردي الشهرزوري ، ولد سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وخمسمائة وتفقه على والده ، ثم نقله إلى الموصل فاشتغل فيهما مدة وبرع في المذهب.

قال ابن خلكان : بلغني أنه كرر جميع كتاب المهذب ولم يطرّ شاربه ثم ولي الإعادة عند العماد ابن يونس (٢) انتهى. وسمع الكثير بالموصل وفي بغداد وديز ونيسابور ومرو وهمذان ودمشق وحرّان من خلائق ، ودرس بالقدس الشريف في الصلاحية ، فلما خرب الملك المعظم أسواره قدم دمشق. قال الذهبي وإنما خربها لعجزه ، ثم لما تملك نجم الدين أيوب امر بعمارته من مغلّ القدس انتهى. ثم درس بدمشق في الشامية الجوانية ودار الحديث المذكور ، قال الذهبي : ولي مشيختها ثلاث عشرة سنة انتهى. ثم درس بالرواحية وهو أول من درس بهما واشتغل وأفتى. وكانت العمدة في زمانه على فتاويه. وصنف التصانيف مع الديانة والجلالة. وكان لا يمكّن أحدا في دمشق من قراءة المنطق والفلسفة. والملوك تطيعه في ذلك. وممن أخذ عنه القاضيان : ابن رزين وابن خلكان (٣) ، والكمالان : سلار (٤) وإسحاق (٥) ، وشمس الدولة عبد الرحمن بن نوح المقدسي ، وشهاب الدين أبو شامة وغيرهم. قال ابن خلكان : كان أحد

__________________

(١) الحسين بن المبارك الربعي توفي ٦٣١ هجرية ، شذرات الذهب ٥ : ١٤٤.

(٢) صاحب شرح التنبيه الإمام احمد بن موسى توفي سنة ٦٢٢ هجرية. شذرات الذهب ٥ : ٩٩.

(٣) احمد بن محمد البرمكي الاربكي توفي ٦٨١ هجرية. شذرات الذهب ٥ : ٣٧١.

(٤) سلار بن الحسن بن عمر الاربلي الشافعي توفي ٦٧٠ هجرية. شذرات الذهب ٥ : ٣٣١.

(٥) اسحاق بن احمد بن عثمان المغربي الشافعي توفي ٦٥٠ هجرية شذرات الذهب ٥ : ٢٤٩.

١٦

فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه ، وله مشاركة في عدة فنون ، وكان من الدين والعلم على قدم حسن. وترجمته طويلة تركناها خشية الإطالة. توفي رحمه‌الله تعالى بدمشق في حصار الخوارزمية في السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، ودفن بمقابر الصوفية بطرفها بشمال قبلي الطريق.

وقال الذهبي في ذيل العبر : في سنة خمس وعشرين وسبعمائة ومات الفقيه المعمر شهاب الدين أحمد بن الفقيه العفيف محمد بن عمر الصقلي (١) ثم الدمشقي الحنفي إمام مسجد الرأس في صفر وله ثمانون سنة وثلاثة أشهر. وهو آخر من حدث عن ابن الصلاح انتهى. ثم ولي دار الحديث بعده الشيخ الإمام العالم القاضي خطيب الشام عماد الدين أبو الفضائل عبد الكريم ابن قاضي القضاة جمال الدين عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الخزرجي الدمشقي ابن الحرستاني ، ولد في شهر رجب سنة سبع وسبعين (بتقديم السينين فيهما) وخمسمائة بدمشق ، وسمع من والده ومن الخشوعي (٢) ومن البهاء ابن عساكر (٣) وحنبل (٤) وابن طبرزد (٥) وغيرهم ، وتهاون أبوه وفوته السماع من يحيى الثقفي (٦) وطبقته ، واشتغل على أبيه في المذهب وبرع فيه ، وتقدم وأفتى وناظر ودرس وناب عن أبيه في الحكم واشتغل بالقضاء بعد أبيه مدة قليلة ، ثم عزل ودرس بالغزالية مدة كما سيأتي ، وباشر الخطابة مدة ، وروى عنه الدمياطي (٧) وبرهان الدين الاسكندري وابن

__________________

(١) ترجمته في شذرات الذهب ٦ : ٦٧.

(٢) ابو اسحاق ابراهيم بن الشيخ ابي طاهر بركات توفي ٦٤٠ هجرية. شذرات الذهب ٥ : ٢٠٧.

(٣) بهاء الدين القسم بن المظفر توفي سنة ٧٢٣. شذرات الذهب ٦ : ٦١.

(٤) ابو عبد الله ، حنبل بن عبد الله الرصافي توفي سنة ٦٠٤. شذرات الذهب ٥ : ١٢.

(٥) ابو حفص ، عمر بن محمد بن معمر الدارقزي توفي ٦٠٧. شذرات الذهب ٥ : ٢٦.

(٦) يحيى بن محمود بن سعد. توفي ٥٨٤. شذرات الذهب ٤ : ٢٨٢.

(٧) عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن توفي ٧٠٥. شذرات الذهب ٦ : ١٢.

١٧

الخباز (١) وابن الزراد (٢) قال الذهبي : وكان من كبار الأئمة وشيوخ العلم مع التواضع والديانة وحسن السمت والتجمل وولي مشيخة الأشرفية بعد ابن الصلاح فباشرها إلى أن توفي بدار الخطابة في تاسع عشرين جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وستمائة وصلي عليه بجامع دمشق ودفن عند ابيه بسفح قاسيون ، ثم ولي دار الحديث بعده شهاب الدين أبو شامة كما قاله الذهبي في العبر ، وقال تلميذه ابن كثير في سنة اثنتين وستين وستمائة وفي جمادى الآخرة منها درس الشيخ شهاب الدين أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي بدار الحديث الأشرفية بعد وفاة القاضي عماد الدين بن الحرستاني الخزرجي. وحضر عنده القاضي شمس الدين ابن خلكان وجماعة من الفضلاء والأعيان. وذكر خطبة كتاب المبعث وأورد الحديث بسنده ومتنه وذكر فوائد كثيرة مستحسنة ويقال انه لم يراجع شيئا حتى أورد درسه ، ومثله لا يستكثر عليه ذلك انتهى.

قلت : وأبو شامة هذا هو الشيخ الامام العلامة المجتهد ذو الفنون المتنوعة شهاب الدين القاسم عبد الرحمن بن العماد بن اسماعيل بن ابراهيم بن عثمان المقدسي ثم الدمشقي الشافعي الفقيه المقرئ النحوي المؤرخ صاحب التصانيف ، المعروف بأبي شامة لشامة كبيرة فوق حاجبه الأيسر ، ولد بدمشق في أحد الربيعين سنة تسع وتسعين (بتقديم التاء فيهما) وخمسمائة وختم القرآن وله دون عشر سنين واتقن فن القراءة على الشيخ السخاوي وله ست عشرة سنة وسمع الكثير من الشيخ الموفق (٣) وعبد الجليل بن مندويه (٤) وطائفة. قال الذهبي : وكتب الكثير من العلوم وأتقن الفقه ودرس وافتى وبرع في فن العربية وذكر أنه حصل له الشيب وهو ابن خمس وعشرين سنة وولي مشيخة القراءة بالتربة الاشرفية ومشيخة الحديث بالدار وكان مع كثرة فضائله متواضعا مطّرحا

__________________

(١) ابو الفدا اسماعيل بن ابراهيم بن سالم توفي ٧٠٣. شذرات الذهب ٦ : ٨.

(٢) محمد بن احمد بن أبي الصالحي. توفي ٧٢٦. شذرات الذهب ٦ : ٧٢.

(٣) موفق الدين المقدسي ، أبو محمد بن عبد الله بن أحمد توفي ٦٢٠ شذرات الذهب ٥ : ٨٨.

(٤) عبد الجليل بن أبي غالب بن مندويه الاصبهاني توفي ٦١٠ شذرات الذهب ٥ : ٤٢.

١٨

للتكلف ربما ركب الحمار بين المداوير ، وقرأ عليه القرآن جماعة ، توفي رحمه‌الله تعالى في تاسع عشر رمضان سنة خمس وستين وستمائة ودفن بباب الفراديس على يسار المارّ الى مرجة الدحداح ثم وليها بعده سنة خمس وستين المذكورة الامام العلامة ولي الله شيخ الاسلام الفقيه الزاهد الحافظ محيي الدين أبو ذكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد ابن جمعة بن حزام الحزامي النواوي (١) بالألف كما رأيته وقرأته بخطه قال الذهبي بحذفها ويجوز اثباتها الدمشقي ولد في محرم سنة احدى وثلاثين وستمائة وقرأ القرآن ببلده وختم وقد ناهز الاحتلام ، قال ابن العطار (٢) : قال لي الشيخ : فلما كان لي تسع عشرة سنة قدم بي والدي الى دمشق سنة تسع واربعين فسكنت المدرسة الرواحية وبقيت سنتين لم أضع جنبي الى الأرض. وكان قوتي بها جراية المدرسة لا غير وحفظت التنبيه في نحو أربعة أشهر ونصف. قال وبقيت اكثر من شهرين أو أقل «يجب الغسل من ايلاج الحشفة في الفرج» أعتقد أن ذلك قرقرة البطن وكنت استحم بالماء البارد كلما قرقر بطني قال وقرأت حفظا ربع المهذب في باقي السنة وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا كمال الدين اسحاق المغربي (٣) ولازمته فأعجب بي وأحبّني وجعلني أعيد لأكثر جماعته. قال الأسنوي : وأكثر انتفاعه عليه. قال الذهبي : وحج مع أبيه سنة احدى وخمسين ولزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشر سنين حتى فاق الاقران وتقدم على جميع الطلبة وحاز قصب السبق في العلم والعمل ثم أخذ في التصنيف من حدود الستين وستمائة إلى أن مات وسمع الكثير من الرضي بن البرهان (٤) والزين خالد (٥) وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي (٦) وأقرانهم وكان من متجره

__________________

(١) الإمام النووي صاحب كتاب رياض الصالحين توفي ٦٧٦ شذرات الذهب ٥ : ٣٠٤.

(٢) علي بن ابراهيم بن داوود توفي ٦٢٤ ـ شذرات الذهب ٦ : ٦٢.

(٣) اسحاق بن احمد بن عثمان توفي ٦٥٠ هجرية. شذرات الذهب ٥ : ٢٤٩.

(٤) ابو اسحاق ابراهيم بن عمر توفي ٦٦٣ هجرية. شذرات الذهب ٥ : ٣١٢.

(٥) ابو البقاء خالد بن يوسف توفي ٦٦٣ هجرية. شذرات الذهب ٥ : ٣١٣.

(٦) عبد العزيز بن عبد الرحمن بن قرناص توفي ٦٥٤. شذرات الذهب ٥ : ٢٦٥.

١٩

في العلم وسعة معرفته بالحديث واللغة والفقه وغير ذلك مما قد سارت به الركبان. رأسا في الزهد ، قدوة في الورع ، عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قانعا باليسير ، راضيا عن الله ، رضي الله تعالى عنه. مقتصد الى الغاية في ملبسه ومطعمه وأثاثه تعلوه سكينة ، فالله سبحانه وتعالى يرحمه ويسكنه الجنة ، وولي مشيخة دار الحديث بعد الشيخ شهاب الدين أبي شامة وكان لا يتناول من معلومها شيئا ، بل يتقنع بما يبعث إليه أبوه توفي رحمه‌الله تعالى في الرابع والعشرين من رجب سنة سبع وسبعين وستمائة (١) (بتقديم السين فيهما) ودفن بقرية نوى عند أهله.

ثم وليها بعده الشيخ زين الدين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله بن قيراني الحسن الفارقي (٢) خطيب دمشق ومدرس الشامية والناصرية الجوانية ، ولد في المحرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ، وسمع الحديث من جماعة واشتغل وافتى مدة طويلة ودرس في عدة مدارس. قال الذهبي في معجمه كان عارفا بالمذاهب وبجملة حسنة في الحديث ، ذا اقتصاد في بيته وتصون في نفسه ، وله سطوة على الطلبة ، وفيه تعبد وحسن معتقد. وقال ابن كثير : وكانت له همة وشهامة وصرامة ، ويباشر الاوقات جيدا ، وهو الذي عمر دار الحديث هذه بعد خرابها في فتنة قازان ، وقد باشرها سبعا وعشرين سنة بعد النواوي ، رحمهما‌الله تعالى ، الى حين وفاته وكان معه خطابة الجامع الأموي والشامية البرانية تسعة أشهر.

وقال السبكي : (٣) كان رجلا عالما صالحا وحكى عنه حكاية وهي تدل على كرامته توفي رحمه‌الله تعالى ببيت الخطابة بالجامع المذكور بعد عصر الجمعة في

__________________

(١) وردت سنة وفاة الإمام النووي في معظم الكتب سنة ٦٧٦ هجرية. شذرات الذهب ٥ : ٣٥٤.

(٢) زين الدين ابو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فيروز بن الحسن توفي ٧٠٣ شذرات الذهب ٦ : ٨.

(٣) ابو نصر عبد الوهاب بن علي توفي ٧٧١ هجرية. شذرات الذهب ٦ : ٢٢١.

٢٠