الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

إلى تدارك ما أمكن تداركه ، وحضرت في هذا اليوم العذراوية والعزيزية ، وحضرت في يوم الأربعاء ثاني عشريه الظاهرية والركنية والتقوية انتهى. ثم قال : في شهر ربيع الأول منها وفي يوم الأحد ثالثه ابتدأ الشيخ محيي الدين المصري في حضوره الدروس في الشامية البرانية انتهى. واستمرّ الشيخ محيى الدين إلى أن توفي في صفر في تاسع عشره سنة أربعين وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الدولعية ، ثم أنه قال في شهر ربيع الأول : منها وفي يوم الأحد رابعه كان ابتداء الدروس ، وحضر في الشامية البرانية نيابة عن المدرّس علاء الدين ابن الصيرفي ، وكان يسرد أشياء على طريقة المواعيد بحيث أن طلبة العلم كانوا يعجبون من دروسه انتهى. قلت : وأفادني ولده سراج الدين بن الصيرفي أن أول تدريس والده فيها كان في قوله تعالى : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الآية ، وقد تقدمت ترجمة علاء الدين هذا في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم قال في صفر سنة أربع وأربعين : وفي يوم الأحد تاسعه حضر شمس الدين البلاطنسي (١) في الشامية البرانية نيابة عوضا عن الشيخ علاء الدين بن الصيرفي ، وكان المذكور قد حجّ في سنة اثنتين وأربعين وجاور وعاد في هذه السنة ، وهو من أهل العلم والدين ، ولكن استنكر الناس ذلك لكبر المنصب بالنسبة إليه ، ولكن الزمان قد آل إلى فساد عظيم ، وعدم مراعاة ما كان الناس عليه انتهى. ثم رأيت على الهامش بخط تلميذه شيخنا زين الدين خطاب : ما أدري من استنكره انتهى. واستنكاره ظاهر بالنسبة إلى وجود شيخه وحضوره مدرّسا ، وشيخه في فقاهته مع تقدم مباشرته للتدريس المذكور ، ولكن حسن ظن البلاطنسي شيخنا بأن شيخه يفرح به ألجأه إلى قبول النيابة فيه مع وجود شيخه والله تعالى أعلم. ثم قال : وفي يوم الاثنين عاشره دخل القاضي سراج الدين الحمصي إلى دمشق

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٣٠٢.

٢٢١

وهو متمرض وقرىء تقليده على العادة واستمر بابن الصيرفي ، وقال : إن السلطان لا يولي غيره انتهى. فكتب الشيخ زين الدين خطاب أيضا بالهامش : هذا هو الفساد العظيم لا تدريس من هو من أهل العلم والدين بشهادتك انتهى. قلت : وشمس الدين البلاطنسي هذا هو العلامة الرباني مفتي المسلمين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل بن أحمد بن علي بن حسين البلاطنسي الدمشقي الشهير في بلاطنس بابن علكا ، ولد بها سنة ثمان. وتسعين بالمثناة وسبعمائة ، اشتغل وبرع ودرّس وأفتى وناظر ، وناب بهذه المدرسة إلى أن توفي سنة ثلاث وستين في سادس عشر صفرها ليلة الثلاثاء بمنزله جوار مدرسة البادرائية ، ودفن بمقبرة باب الصغير شمالي المزار الشهير بأوس بن أوس رضي الله تعالى عنه قبالة تربة بهادر (١). ثم قال في جمادى الأولى سنة خمس وأربعين : وممن توفي فيه شهاب الدين أحمد ابن قاضي القضاة نجم الدين بن حجي ، ولد في شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ، ونزل له والده عن تدريس الشامية البرانية ، واستنكر الناس ذلك كثيرا إذ لم يتفق مثل ذلك من حين بنيت هذه المدرسة ، وحفظ المنهاج وغيره ، وكان جيّد الحافظة حتى صار في ظن جماعة أنه متأهل للتدريس قريبا ، فلما طلب منه الفهم وقف حاله ، ثم ترك الاشتغال وكان ساكنا ، قيل إنه كان يحسن النظم وكانت أمه جارية سوداء ، وهو نحيف دميم الشكل ، بليّ من سنين بريح الشوكة نسأل الله العافية ، توفي يوم السبت رابع عشره انتهى. وقرر قاضي القضاة الونائي في تدريس الشامية أخوه بهاء الدين أبا البقاء بحكم وفاة أخيه ، ثم نزل لابنه محيي الدين قبل موته. قال الشيخ تقي الدين في ذيله في ترجمة بهاء الدين : واستقرت جهاته وهي كثيرة جدا منها إمرته ورزقه وتدريس الشامية البرانية ، كان ولّاه إياه القاضي شمس الدين الونائي بعد موت أخيه من أبيه ، ولم يباشر ذلك بنفسه ونظرها ، وخطابة جامع التوبة ونظره ، ونصف نظر جامع تنكز ، وتدريس الناصرية البرانية ونظرها ، وتدريس الناصرية الجوانية ونظرها ، كل

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٩٣.

٢٢٢

ذلك استقرّ باسم ولده يحيى لا حياه الله وهو ابن عشر سنين ، ومات عنه وعن ثلاث بنات ، وكان قبل ذلك قد نزل عن تدريس الظاهرية لكاتبه ، وعن نصف تدريس الشامية الجوانية ونصف نظر جامع تنكز للسيد شهاب الدين ابن نقيب الأشراف ، ونزل عن غير ذلك من جهاته انتهى. ثم ناب عن بهاء الدين أبي البقاء ، ثم عن ولده شيخنا شيخ الاسلام أقضى القضاة بدر الدين أبو الفضل محمد ابن شيخ الاسلام تقي الدين الأسدي ، درّس بها في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين ، واستمرّ إلى أن وصل إلى مسألة تفريق الصفقة من شرحه الكبير ، وتوفي ليلة الخميس ثاني عشر شهر رمضان سنة أربع وسبعين ، وأفردت له ترجمة في كراسة سميتها : (النخبة في تراجم بيت ابن قاضي شهبة). ثم درّس بها نيابة العلامة مفتي المسلمين البارع في ذلك المتفنن زين الدين خطاب ابن الأمير عمر بن مهنا بن يوسف بن يحيى الغزاوي العجلوني ثم الدمشقي يوم الأحد رابع ذي القعدة سنة أربع وسبعين ، وابتدأ من أول باب الأضحية من الرافعي الكبير ، واستمرّ إلى أن وصل إلى باب النذر في مسألة ذبح الولد ، ثم توفي ليلة الاثنين عشرين رمضان سنة ثمان وسبعين ، وقد تقدمت تتمة ترجمته في المدرسة الركنية. ثم درّس بها بعده مفتي المسلمين العلامة تقي الدين أبو بكر ابن شيخنا أقضى القضاة ولي الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن يونس بن محمد بن عبد الله الشهير بابن قاضي عجلون ، ميلاده أبقاه الله تعالى في شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ، حفظ المنهاج واشتغل وبرع وأفتى ودرّس ، وانتهت إليه مشيخة الشافعية بدمشق ، ودرّس بالشامية البرانية ، وابتدأ من أول كتاب الوقف من الرافعي الكبير ، ثم نزل له عن التدريس المذكور العلامة سيدي محيي الدين يحيى ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء ابن قاضي القضاة نجم الدين بن حجي ، كان تلقاه عن أبيه المذكور كما قدمناه ، وكان نزوله عن التدريس المذكور وعن النظر لصلاح الدين العدوي في مصر ، واستمرّا في ذلك إلى ذي الحجة سنة خمس وتسعين. فنزل الشيخ

٢٢٣

تقي الدين المذكور عن ثلث التدريس المذكور للشيخ العلامة مفتي المسلمين ، خطيب الخطباء ، أقضى القضاة ، سراج الدين أبي حفص عمر بن العلامة أقضى القضاة علاء الدين علي بن الصيرفي (١) الدمشقي المتقدم ذكر والده أبقاه الله تعالى ، وميلاده في سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، واشتغل وبرع وأفتى ودرّس في الحكم لجماعات ، ثم درّس بها في الثلث المذكور يوم الأحد خامس صفر سنة ست وتسعين وهو سادس برج الجدي ، وحضر معه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور والجماعة على العادة ، وألقى درسه يومئذ في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) الآية ، وكان درسا حافلا ، وضيف الجماعة عقيب الدرس معمولا بسكر ، ثم ابتدأ من أول كتاب البيع من الرافعي الكبير ، وولي إعادة هذه المدرسة جماعات. رأيت بخط علم الدين البرزالي في سنة ثلاثين من تاريخه : وفي يوم الأحد عاشر جمادى الأولى توفي القاضي الامام العالم الفقيه العامل الصالح كمال الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن شرف العثماني الديباجي الملوي المعروف بالمنفلوطي بالخانقاه الشهابية ، جوار المدرسة العادلية بدمشق ، وصلي عليه عصر اليوم المذكور بجامع دمشق ، ودفن بمقبرة الصوفية ، مولده في سنة ثلاث وثمانين وستمائة ببلد الأشمونين من الديار المصرية ، وكان رجلا مباركا فقيها صالحا خيرا دينا ، اشتغل وحصل ، ولازم الطريقة الحميدة ، وحجّ وجاور ، ولما قدم شيخ الشيوخ علاء الدين القونوي دمشق متوليا القضاء قدم معه فولّاه قضاء بعلبك فأحسن السيرة وأجله أهلها ، ورأوا من عفافه وصيانته وديانته ما لم يروه من حاكم قبله ، ثم نقله إلى نيابة الحكم بدمشق فباشرها إلى حين وفاته ، ثم استمرّ قاضي القضاة علم الدين بن الأخنائي فباشر ذلك أياما يسيرة وتمرض ومات ، وباشر أيضا بدمشق إعادة المدرسة الشامية البرانية ، وجلس بالجامع للاشتغال ، وله نظم كتبه عنه أمين الدين الواني ، وسمع صحيح البخاري بتمامه على ابن الشحنة الحجار انتهى.

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ٩٢.

٢٢٤

وقال الأسدي في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة في شهر رمضان : منها نزل الشيخ شهاب الدين بن حجي عن إعادة الشامية البرانية للشيخ شهاب الدين بن نشوان الحواري بعوض انتهى ، وقد تقدمت ترجمة الشيخ شهاب الدين بن حجي في المدرسة الأتابكية ، وأما شهاب الدين هذا فلم أقف على ترجمته.

فوائد (الأولى) : قال الذهبي في ذيل عبره في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة : وأقيمت بالشامية جمعة ، وخطب قطب الدين عبد النور ، ثم تقرر كمال الدين ابن الزكي انتهى. وقال ابن كثير في هذه السنة : وأقيمت الجمعة بالشامية البرانية في خامس عشرين شعبان ، وحضرها القضاة والأمراء ، وخطب بها الشيخ زين الدين عبد النور المغربي ، وذلك باشارة الأمير حسام الدين اليشمقدار الحاجب بالشام ، ثم خطب عنه كمال الدين بن الزكي انتهى. وقال السيد في ذيل العبر في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة : ومات القاضي تقي الدين عبد الله ابن العلامة أقضى القضاة زين الدين بن المرحل الشافعي ، درّس بالعذراوية ، وخطب بالشامية ، توفي في مدينة حلب المحمية انتهى. ثم قال في الذيل هذا في سنة ثلاث وستين وسبعمائة : ومات بدمشق الزاهد عبد النور بن علي المغربي المكناسي المقرئ الصوفي ، حدّث ببعض الصحيح عن ست الوزراء (١) ، وخطب بالشامية أياما ، وكان عبدا صالحا زاهدا سعيدا ، توفي في جمادى الأولى انتهى.

(الثانية) : قال الذهبي من كتابه ذيل العبر في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة : ومات بدمشق في شهر رجب العالم شمس الدين محمد بن أيوب بن علي الشافعي ابن الطحان نقيب الشامية والسبع الكبير ، وله خمس وثمانون سنة وأشهر ، سمع من عثمان بن خطيب القرافة ، ومن الكرماني (٢) ، والزين خالد انتهى.

(الثالثة) : قال ابن كثير في تاريخه في سنة تسع وعشرين وستمائة : الفخر

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٤٠.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣٢٧.

٢٢٥

ابن الشيرجي ابو بكر محمد بن عبد الوهاب بن عبد الله الأنصاري فخر الدين الشيرجي الدمشقي ، أحد المعدلين بها ، ولد سنة تسع واربعين وخمسمائة ، وسمع الكثير ، وكان يلي ديوان الخاتون ست الشام بنت أيوب ، وفوضت إليه أمر اوقافها. وقال السبط : وكان ثقة أمينا كيسا متواضعا. قال : وقد وزر ولده شرف الدين للناصر (١) داود مدة يسيرة ، وكان وفاة فخر الدين في يوم عيد الأضحى ، ودفن بمقابر باب الصغير انتهى.

وقال الشيخ تقي الدين في الذيل في شهر رمضان سنة ست وعشرين : وممن توفي فيه الصدر الأصيل صلاح الدين أبو الصفاء خليل بن نجم الدين أبي محمد عبد الوهاب ابن القاضي فخر الدين سليمان الأنصاري المعروف بابن الشيرجي ، مولده على ما نقلته من خط شيخنا سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، وباشر نظر الشاميتين قديما وغيرهما من اوقاف ست الشام شريكا لأقاربه ، وكان هو المتكلم ، ولما مات القاضي ولي الدين سنة خمس وثمانين ولي القاضي سري الدين تدريس الشامية البرانية والجوانية ، واستمرتا بيده مع ان الشيخ فتح الدين بن الشهيد وليهما بمرسوم السلطان فلم تحصل له ، وباشر الأوقاف بهمة وقوة نفس وحشمة وكرم ، والقضاة وأعيان الفقهاء وغيرهم كانوا يترددون إليه ، وبعد الفتنة افتقر وساءت حاله ، ثم انه نزل عن حصته في نظر الشامية البرانية وصار مشارفا بها وقوي القضاة وبعض الفقهاء واستولوا على غالب الأوقاف ، وكان غالب إقامته بقرية المجيدل وقف الشامية الجوانية ، ولم يمت حتى رأى في نفسه العبر من الفقر وشماتة الأعداء ، وقد عمر الشاميتين بعد الفتنة ، وعمر البرانية مرة اخرى لما احترقت في فتنة الناصر ، توفي يوم الاثنين سادس عشر الشهر ودفن بتربتهم بباب الصغير ، وكان هو آخر من بقي من اعيان هذا البيت انتهى. بعد أن قال في شهر ربيع الأول سنة اربع وعشرين وثمانمائة : وفي هذه الأيام قبض على تاج الدين عبد الوهاب ابن الأنصاري ناظر الشامية البرانية واستادار بن لاقي كان يطلب منه مال قيل

__________________

(١) ابن كثير : ١٣ : ٢٢٧.

٢٢٦

الف وخمسمائة دينار وضرب وعصر وبقي بين اثنين دايرا في البلد يتدين ويسأل ، فلما كمل ضرب ثانيا وعصر وطلب منه مبلغ آخر ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

٥٠ ـ المدرسة الشامية الجوانية

قبلى المارستان النوري. قال ابن شداد : إنشاء ست الشام بنت نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان انتهى. وقد تقدمت ترجمتها في الشامية قبل هذه. وكانت هذه المدرسة دارا جعلتها بعدها مدرسة ، وفيها توفيت ونقلت إلى تربتها بالشامية البرانية ، ويقال لها الحسامية أيضا كما تقدم فيها.

وقال شيخ الإسلام تقي الدين السبكي في فتاويه الكبرى ـ فصل ـ قال الشيخ الإمام مختصر كتاب الشامية الجوانية : هذا ما وقفه فخر الدين أبو بكر محمد بن عبد الوهاب بن عبد الله بن علي بن أحمد الأنصاري ما يأتي ذكره : فمن ذلك جميع الدار بدمشق ، ومنه بظاهر دمشق ضيعة تعرف ببزينة ، وحصة مبلغها أحد عشر سهما ونصف سهم من أربعة وعشرين سهما تعرف بجرمانا من بيت لهيا ، ومنها أربعة عشر سهما ، وسبع من أربعة وعشرين سهما من ضيعة تعرف بالتينة من جبة عسال ، ومنه جميع الضيعة المعروفة بمجيدل القرية ، ومنه نصف ضيعة تعرف بمجيدل السويدا ، وقفا على الخاتون ست الشام بنت نجم الدين أيوب بن شادي ، ثم على بنت ابنها زمرد خاتون بنت حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين ، ثم على أولادها للذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم على أولاد أولادها ، ثم على أنسالهم كذلك ، فإذا انقرضوا ولم يوجدوا عاد على الجهات التي يأتي ذكرها ، فالدار مدرسة على الفقهاء والمتفقهة الشفعوية المشتغلين بها ، وعلى المدرس بها الشافعي قاضي القضاة زكي الدين أبي العباس الطاهر أحمد بن محمد بن علي القرشي (١) إن

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٧٣.

٢٢٧

كان حيا ، فإن لم يكن حيا فعلى ولده ، ثم ولد ولده ، ثم نسله المنتسبين إليه ممن له أهلية التدريس ، فعلى المدرس الشافعي بهذه المدرسة ، ومن شرطهم أن يكونوا من أهل الخير والعفاف والسنة غير منسوبين إلى شر وبدعة ، والباقي من الأملاك على مصالح المدرسة ، وعلى الفقهاء والمتفقهة المشتغلين بها ، وعلى المدرّس بها قاضي القضاة زكي الدين أو من يوجد من نسله ممن له أهلية التدريس وعلى الإمام المصلي بالمحراب بها ، والمؤذن بها والقيم المعد لكنسها ورشها وفرشها وتنظيفها وإيقاد مصابيحها ، يبدأ من ذلك بعمارة المدرسة وثمن زيت ومصابيح وحصر وبسط وقناديل وشمع وما تدعو الحاجة إليه ، وما فضل كان مصروفا إلى المدرس الشافعي وإلى الفقهاء والمتفقهة وإلى المؤذن والقيم ، فالذي هو مصروف إلى المدرس في كل شهر من الحنطة غرارة ومن الشعير غرارة ومن الفضة مائة وثلاثون درهما فضة ناصرية ، والباقي مصروف إلى الفقهاء والمتفقهة والمؤذن والقيم على قدر استحقاقهم على ما يراه الناظر في أمر هذا الوقف من تسوية وتفضيل وزيادة ونقصان وعطاء وحرمان ، وذلك بعد إخراج العشر وصرفه إلى الناظر عن تعبه وخدمته ومشارفته للأملاك الموقوفة وتردده إليها ، وبعد إخراج ثمانمائة درهم فضة ناصرية في كل سنة تصرف في ثمن بطيخ ومشمش وحلوى في ليلة النصف من شعبان على ما يراه الناظر ، ومن شرط الفقهاء والمتفقهة والمدرس والمؤذن والقيم أن يكونوا من أهل الخير والدين والصلاح والعفاف وحسن الطريقة وسلامة الاعتقاد والسنة والجماعة ، وأن لا يزيد عدد الفقهاء والمتفقهة المشتغلين بهذه المدرسة عن عشرين رجلا من جملتهم المعيد بها والإمام ، وذلك خارج عن المدرس والمؤذن والقيم ، إلا أن يوجد في ارتفاع الوقف نماء وزيادة وسعة ، فللناظر أن يقيم بقدر ما زاد ونما ، هذا صريح في جواز الزيادة عند السعة بقدرها ، ومعرفة قدر الزيادة ما علمناه. والظاهر أنه مأيوس من معرفته في هذا الوقت ، فانه يستدعي معرفة حال الوقف ، وبسطه في قريب كراسة فراجعه انتهى.

ودرّس بها العلامة أبو عمرو بن الصلاح. قال ابن كثير في تاريخه في سنة

٢٢٨

ثمان وعشرين وستمائة : وفيها درس الشيخ تقي الدين بن الصلاح الشهرزوري الشافعي بالمدرسة الشامية الجوانية جوار البيمارستان في جمادى الأولى منها انتهى. زاد الأسدي وحضر الملك الصالح الدرس انتهى. وقد تقدمت ترجمة الشيخ تقي الدين بن الصلاح هذا في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. وقال ابن شداد : ثم من بعده شمس الدين عبد الرحمن المقدسي ، ثم انتزعت من يده وتولاها تاج الدين محمد بن أبي عصرون (١) وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. قال الذهبي في العبر في سنة ست وتسعين وستمائة : وابن ابي عصرون تاج الدين محمد بن عبد السلام بن محمد بن عبد السلام بن المطهر بن عبد الله ابن أبي سعد بن عصرون التميمي الشافعي مدرّس الشامية الصغرى ، ولد بحلب في سنة عشرة وأجاز له المؤيد الطوسي وطبقته ، وسمع من أبيه وابن روزبه (٢) وجماعة وروى الكثير ، وكان خيرا متواضعا حسن الإيراد للدرس ، توفي في شهر ربيع الأول انتهى. ثم درّس بها العلامة صدر الدين العثماني المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل. ورأيت في ذيل العبر في سنة عشر وسبعمائة : دخلت وسلطان الوقت الملك الناصر محمد ، إلى أن قال : ونائب دمشق قره سنقر ، ونائب حلب استدمر ، ونائب حماة قبجق ، ودرّس بالعذراوية الصدر سليمان الكردي ، وبالشامية الجوانية الأمين سالم (٣) انتزعاها من ابن الوكيل ، ثم أعيدتا إليه بشفاعة استدمر ، ثم ذهب استدمر إلى حماة ، فأخرق قرا سنقر بابن الوكيل ، فخارت قوته ، وأسرع إلى القاضي الحنبلي فحكم باسلامه. إلى أن قال : ثم أخذت الشامية وردّت إلى الأمين سالم جاءه توقيع من مصر انتهى ملخصا. وقد تقدمت ترجمة ابن الوكيل هذا في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. وقال ابن كثير في سنة عشرة المذكورة : في المحرم منها باشر الشيخ أمين الدين سالم تدريس الشامية الجوانية والشيخ صدر الدين سليمان بن موسى الكردي تدريس العذراوية ، كلاهما انتزعاها من يد ابن

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٣٢.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٦٠.

(٣) ابن كثير ١٤ : ١٣٠.

٢٢٩

الوكيل بسبب إقامته بمصر ، وكان قد وصل إلى المظفر فأكرمه ورتب له رواتب لانتمائه إلى نصر المنبجي (١) ، ثم عاد بتوقيع سلطاني إلى مدرستيه فأقام بهما شهرا وسبعة أيام ، ثم استعاداهما منه ورجعتا إلى المدرسين الأولين. إلى أن قال : ووقعت منازعة بين صدر الدين بن الوكيل وبين الصدر سليمان الكردي بسبب العذراوية ، وكتبوا في ابن الوكيل محضرا يتضمن أشياء من القبائح والفضائح والكفريات على ابن الوكيل ، فبادر ابن الوكيل إلى القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي ، فحكم بإسلامه وحقن دمه ، وحكم باسقاط التعزيز عنه والحكم بعدالته واستحقاقه للمناصب ، وأشهد عليه بذلك في المحرم من السنة المذكوره ، ولكن خرجت عنه المدرستان : العذراوية لسليمان الكردي ، والشامية لأمين سالم ، ولم يبق معه سوى دار الحديث الأشرفية. وقال فيها : في شهر ربيع الآخر كان الأمير سيف الدين بن استدمر قد قدم دمشق لبعض أشغاله ، وكان له حنوّ على الشيخ صدر الدين بن الوكيل ، فاستنجز له مرسوما بنظر دار الحديث وتدريس العذراوية ، فلم يباشر ذلك حتى سافر الأمير استدمر ، فاتفق له بعد يومين أنه وقعت كائن بدار ابن درباس بالصالحية من الحنابلة وغيرهم ، وذكروا أنه وجد عنده شيء من المنكرات وغير ذلك ، وبلغ ذلك نائب السلطنة فكاتب فيه ، فردّ الجواب بعزله عن المناصب الدينية ، فخرجت عنه دار الحديث الأشرفية ، وبقي بدمشق وليس بيده وظيفة ، فلما كان في آخر شهر رمضان سافر إلى حلب الشهباء ، فقرر له نائبها الأمير إستدمر على الجامع شيئا ، ثم ولّاه تدريسا هناك وأحسن إليه انتهى.

قلت : والأمين سالم المذكور هو الشيخ الإمام المفنن أمين الدين سالم بن أبي الدر عبد الرحمن ويقال له لؤلؤ بن عبد الله المعروف بإمام مسجد ابن هشام وكيل بيت المال ، ميلاده سنة خمس وأربعين وستمائة ، واشتغل على القاضي عز الدين بن الصائغ ، ولازم الشيخ محيى الدين النواوي وانتفع به ، فلما توفي أخذ عن شرف الدين المقدسي وزين الدين الفارقي وغيرهما ، وأمّ بمسجد ابن

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٥٢.

٢٣٠

هشام ، وحدّث بالكرسي به ، وأعاد بعدة مدارس ، ودرّس بالشامية الجوانية المذكورة ، انتزعها من الشيخ صدر الدين بن الوكيل ، واستمرت بيده إلى أن توفي في شعبان سنة ست وعشرين وسبعمائة بدمشق ، ودفن بباب الصغير.

وقال الصلاح الصفدي في الوافي في حرف السين المهملة : سالم بن أبي الدر الشيخ أمين الدين مدرّس الشامية الجوانية ، وكان إمام مسجد الفسقار ، وقرأ على المراكشي مدة ، ونسخ بعض مسموعاته ، ورتب صحيح ابن حبان. قال الشيخ شمس الدين : سمعت منه الأول من مشيخة ابن عبد الدائم ، وعاش اثنتين وثمانين سنة ، وكان ذا دهاء وخبرة بالدعاوى ، توفي في سنة ست وعشرين وسبعمائة انتهى. وقال ابن كثير في هذه السنة وهي سنة ست وعشرين : وفي يوم الثلاثاء رابع شعبان درّس بالشامية الجوانية شهاب الدين ابن جهبل وحضر عنده القزويني القاضي الشافعي جلال الدين وجماعة عوضا عن الشيخ أمين الدين سالم توفي ، ثم بعد أيام جاء توقيع السلطان بولايتها للقاضي الشافعي المذكور فباشرها في عشرين شهر رمضان انتهى.

وقال ابن كثير في سنة سبع وعشرين : وفي يوم الجمعة منتصف جمادى الآخرة جاء البريد بطلب القاضي الشافعي جلال الدين القزويني الخطيب إلى مصر ، فدخلها في مستهل شهر رجب ، فخلع عليه بقضاء مصر ، إلى أن قال : وأرسل ولده بدر الدين ابن القزويني إلى دمشق خطيبا بالأموي وعلى تدريس الشامية الجوانية انتهى على قاعدة والده جلال الدين القزويني ، فخلع عليه في أواخر شهر رجب ثاني عشريه وحضر عنده الأعيان انتهى. ثم درّس بها الفقيه أبو الفتح السبكي قريب الشيخ تقي الدين السبكي ، وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الركنية. ثم درّس بها الإمام العالم الصدر الكامل الرئيس قاضي العساكر الحلبية ناصر الدين أبو عبد الله محمد ابن الصاحب شرف الدين يعقوب الحلبي ثم الدمشقي ، ولد بحلب الشهباء ، وسمع من ابن النصيبي (١) وغيره ، ودرّس وولي كتابة السر بحلب الشهباء ، ثم نقل إلى دمشق فولي كتابة السر بها ومشيخة الشيوخ ، ودرّس بالناصرية والشامية هذه.

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٣٨.

٢٣١

قال السيد شمس الدين الحسيني في ذيل العبر في سنة ستين وسبعمائة : وفي شهر ربيع الأول صرف القاضي ناصر الدين الحلبي عن كتابة السر بدمشق ومشيخة الشيوخ إلى كتابة سرّ حلب الشهباء ، فولى بعده كتابة السر بدمشق شيخنا وكيل بيت المال القاضي أمين الدين بن القلانسي مع تدريس الناصرية والشامية الجوانية ومشيخة الشيوخ انتهى. ثم قال في سنة ثلاث وستين وسبعمائة : ومات بدمشق القاضي الرئيس النبيل أمين الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضي جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن نصر الله التميمي الدمشقي ابن القلانسي ، ولد سنة إحدى وسبعمائة ، وأجاز له الحافظ شرف الدين الدمياطي (١) وغيره. وحدّث عن إسماعيل ابن مكتوم ، وعيسى المطعم ، وست الوزراء وغيرهم ، وولي قضاء العساكر بدمشق ، ووكالة بيت المال مرات ، ودرّس بالعصرونية ، ثم ولي كتابة السر عوضا عن القاضي ناصر الدين الحلبي ومشيخة الشيوخ وتدريس الناصرية والشامية الجوانية ، ثم عزل في العام الماضي وأوذي وأدى في المصادرة جملة ، وتوفي في شهر ربيع الأول انتهى. ثم قال في سنة ثلاث وستين المذكورة : ومات القاضي ناصر الدين الحلبي ، وكان عاد في العام الماضي إلى دمشق على جهاته ، وكان دينا فاضلا ، عفيفا نزها ، عديم الشر تامّ العقل ، توفي في ذي القعدة. وتولي بعده تدريس الناصرية سيدنا قاضي القضاة بدر الدين السبكي انتهى. وقد تقدمت ترجمة قاضي القضاة بدر الدين السبكي هذا في المدرسة الأتابكية. ثم درس بها قاضي القضاة ولي الدين أبو ذر عبد الله ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. (٢)

وقال ابن قاضي شهبة في ذيله في شهر رمضان سنة ست وعشرين في وفاة ابن الشيرجي : ولما مات القاضي ولي الدين سنة خمس وثمانين ولي القاضي سري الدين تدريس الشامية الجوانية واستمرّت بيده ، مع أن فتح الدين بن

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ١٢.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٢٦.

٢٣٢

الشهيد وليها بمرسوم السلطان فلم تحصل له انتهى. ثم درّس بها بعده قاضي القضاة شهاب الدين الباعوني عوضا عنه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة بولاية النائب تنبك كما في المدرسة الركنية. ثم درس بها الشيخ شهاب الدين بن حجي ، وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الأتابكية.

وقال الأسدي في تاريخه في ذي القعدة سنة خمس عشرة وثمانمائة وفي يوم الأحد ثامن عشره حضر مدرس الشامية البرانية ، ثم درّس بعده شيخنا الشيخ جمال الدين الطيماني في الشامية الجوانية ، ونزل له عن ربع تدريسها شيخنا الحافظ شهاب الدين بن حجي انتهى. ثم قال في المحرم سنة ست عشرة وثمانمائة : وفي يوم الأحد ثاني عشريه حضر الشيخ شهاب الدين بن نشوان تدريس المدرسة العذراوية ، نزل له عنه الشيخ شهاب الدين بن حجي في مرض موته. إلى أن قال : ثم درّس قاضي القضاة نجم الدين بن حجي بالشامية الجوانية عوضا عن أخيه في النصف ، والنصف الآخر بيد نقيب الأشراف ، وحضر عنده القاضي الشافعي وهو شمس الدين الأخنائي وجماعة من الفقهاء ، وأخذ في تفسير قوله تعالى : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) الآية. ثم قال في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثمانمائة : ثم حضر قاضي القضاة في الشامية الجوانية والغزالية ، وهذا أول شروع القاضي في التدريس انتهى. ثم قال في شوال سنة ثلاث وعشرين : وفي يوم الأحد سادس عشريه درّس قاضي القضاة الشافعي بالمدرسة الشامية الجوانية ، ثم درّس بالظاهرية والركنية والناصرية ، وجعل يوم الأحد للأولتين ، ويوم الأربعاء بين الثلاث ، وقد كان له مدة طويلة لم يحضر. ثم قال في شوال سنة أربع وعشرين : لما عزم قاضي القضاة ابن حجي على الذهاب إلى الحجاز استخلف القاضي السيد شهاب الدين ابن نقيب الأشراف ، وجعل الشيخ شمس الدين البرماوي نائبه في الخطابة والمدارس المتعلقة به غير مدارس القضاء ، وهي الشاميتان والظاهرية الجوانية انتهى. وقد تقدمت ترجمة قاضي القضاة نجم الدين ابن حجي هذا في المدرسة الركنية. ثم قال في ذي القعدة سنة خمس وعشرين : وفي يوم الأربعاء خامسه

٢٣٣

درّس الشيخ شمس الدين البرماوي بالشامية الجوانية والظاهرية نيابة عن بهاء الدين ابن قاضي القضاة ، نزل له والده عنهما بسبب أن شرط واقف الشامية البرانية أن لا يجمع بينها وبين غيرها انتهى. وقد تقدمت ترجمة شمس الدين البرماوي هذا في المدرسة الأمينية. ثم قال في يوم ثامن شهر ربيع الأول : باشر تدريس الشامية الجوانية الشيخ علاء الدين بن سلام نيابة عن السيد شهاب الدين ابن نقيب الأشراف ، وعن بهاء الدين ولد قاضي القضاة عوضا عن الشيخ شمس الدين البرماوي ، فانه لما توفي ولده وكان عمره نحو عشرين سنة ، وكان نجيبا ، لم يقدر على الاقامة بدمشق ، فسافر إلى مصر في أوائل شعبان سنة ست وعشرين ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وتقدّم كلّ ذلك بالأمينية. ثم قال في شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين : وفي يوم الأربعاء سابعه حضر بهاء الدين أبو البقاء ابن قاضي القضاة نجم الدين بن حجي الدرس في الظاهرية الجوانية ، وحضر عنده والده والقاضيان : الحنفي هو ابن الكشك ، والمالكي هو الأموي ، وحاجب الحجاب هو سيباي ، وجماعة من الأمراء والفقهاء والمباشرين ، ودرّس في قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) الآية في أول سورة الفتح ، واشتغل يدرّس بنفسه بالظاهرية والشامية الجوانية انتهى. ثم قال : في يوم الأحد ثامنه درست بالشامية البرانية ، إلى أن قال : ثم درّست بالشامية الجوانية والظاهرية نيابة عن بهاء الدين ولد قاضي القضاة نجم الدين انتهى. ثم قال : وفي ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وفي يوم الأحد ثانيه حضر محيى الدين المصري الدرس بالشامية البرانية ، وحضر بالشامية الجوانية شيخنا استحبابا لاستنابة السيد ، فانه لم يرد في ذلك شيء انتهى. ثم قال : وفي شعبان سنة ثمان وثلاثين في مستهله وهو ثاني شباط درست بالشامية الجوانية نيابة عن القاضي كمال الدين بن البارزي يعني كاتب سرّ مصر ، وكان السيد قد استنزل القاضي بهاء الدين بن حجي عن النصف الذي كان بيده ، فلما توفي السيد صار التدريس المذكور في جملة وظائف السيد إلى القاضي زين الدين عبد الباسط يعني ناظر الجيش بمصر ، فنزل عنه في هذه السنة للمذكور

٢٣٤

بمبلغ كثير ، وجاءني كتابه في هذه الأيام يسألني في ذلك ، وكان لها سنين لم يحضر بها أحد ، والمدرس يعني محيى الدين المصري والمعيد يعني اللوبياني يقبضان معلومها كاملا ويحصل للفقهاء شيء يسير جدا انتهى. ثم قال في ذي القعدة سنة تسع وأربعين : وفي يوم الأحد خامسه حضرت بالمدرسة الشامية الجوانية ، ثم الظاهرية والتقوية انتهى. وولي الاعادة بهذه المدرسة جماعات منهم الإمام العلامة بقية السلف مفتي الشام جمال الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضي محيي الدين الحسن بن محمد بن عمار بن متوج بن جرير الحارثي المعروف بابن قاضي الزبداني ، ميلاده في جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وستمائة ، وسمع الحديث من جماعة ، وكتب بخطه بعض الطباق ، وتفقه على الشيخ برهان الدين الفزاري ، وكمال الدين بن قاضي شهبة ، وكمال الدين بن الزملكاني وأذن له بالفتوى ، ودرّس قديما بالنجيبية سنة ست وعشرين ، ثم بالظاهرية الجوانية والعادلية الصغرى كما يأتي فيهن ، وأعاد بالمدرسة الشامية ودرّس بها نائبا عن غيره مدة.

قال الحافظ ابن حجي السعدي : وكان يكتب على الفتاوى كتابة جيدة بخط حسن وعبارة محررة ، حتى كان شيخه برهان الدين فيما بلغنا يثني عليه في ذلك ، واشتهر بدمشق في شأن الفتوى ، وصار المشار إليه في ذلك ، ويقال إنه لم يضبط عليه فتوى أخطأ فيها ، وكان معظما تخضع له الشيوخ ويقصد لقضاء حوائج الناس عند القضاة وغيرهم ، ويمشي بنفسه في قضاء ذلك ، وعنده تواضع وأدب ، توفي في مستهلّ المحرم سنة ست وسبعين وسبعمائة شهيدا بالطاعون ، ودفن بالصالحية. ومنهم العلامة نجم الدين ابن الجابي ، وقد تقدمت ترجمته في الدماغية. ومنهم الشيخ تقي الدين اللوبياني.

قال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في شهر رجب سنة إحدى وعشرين وثمانمائة : وفي يوم الاثنين رابع عشريه وقع أمر ينكر جدا لم يقع نظيره في هذه الأزمان ، وهو أن الشيخ تقي الدين اللوبياني بيده إعادة الشامية الجوانية ، وقد عمرت وهو يباشرها ويقبض معلومها هو والمدرس ، فلما جاء الأمير محمد

٢٣٥

ابن منجك يعني الذي بنظر الأوقاف رسم بتتمة عمارتها وبياضها ، فكتب الناظر الحساب وذهب إليه وتظلم ، وكتب بيد الشيخ تقي الدين اللوبياني عشرين ألفا وكسرا ، فرسم أن تسترجع منه ومن غيره. لأجل العمارة ، وطلب الشيخ تقي الدين ورسم عليه ، ثم إن القاضي أي قاضي القضاة نجم الدين دخل في القضية ووفق الأمر على أن يزن ألفين وتقبل منها لشخص (كذا) ، فاحتال ذلك الشخص حتى أثبتها في ذمته بطريق شرعي وكتب بها وثيقة ، ثم آل الأمر أن اشتكى خصمه عليه في هذا اليوم إلى النائب يعني بلبك العلائي ، فلما حضر اللوبياني دخل الأمير محمد بن منجك عند النائب فتكلم فيه عند النائب وشكا عليه ، وقال : إنه أخذ من مال الوقف عشرين ألفا وهو حذر ما يعطي أحدا شيئا ، فلم يسمع النائب لتقي الدين اللوبياني كلاما ومده وضربه ضربا كثيرا ، حتى قيل إنه أكثر من ثلاثمائة عصا ، ثم اعتذر النائب بأنه ما عرفه وذهبت في كيسه انتهى. قلت : ناب في تدريس هذه المدرسة القاضي شهاب الدين الملكاوي ولم نعلم عمن ، وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الدماغية.

فائدة : قال تقي الدين الأسدي في ترجمة السيد شهاب الدين ابن نقيب الأشراف المتقدم ذكره : واستولى على عدة تداريس منها الشامية الجوانية وأخذ منها جملة أموال ولم يذكر بها درسا واحدا بل لم يقع التدريس في مجموع عمره رحمه‌الله تعالى.

٥١ ـ المدرسة الشاهينية

هي وظيفة تصدير بجامع التوبة بالعقيبة ، جددها الأمير شاهين الشجاعي دوادار شيخ. قال الشيخ شهاب الدين بن حجي : كان من أعظم أعوان استاذه في الفتن ، وعمر بجامع التوبة بعد حريقه بالفتنة من ماله ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر رمضان سنة ست عشرة وثمانمائة بطريق مصر ، وأسف عليه كثير من الناس ، وقالوا هو كان سعد أستاذه انتهى. درس بها الشيخ العالم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى العجلوني الكفيري الأصل الدمشقي ،

٢٣٦

ميلاده في أوائل شوال سنة سبع وخمسين وسبعمائة ، وحفظ التنبيه ، وأدرك الشّيخ شمس الدين بن قاضي شهبة وغيره من المشايخ ، وأخذ عنهم يسيرا ثم لازم الشيخ شرف الدين الغزي مدة طويلة ، وبه انتفع ، واشتهر بحفظ الفروع في شيبيته ، وكتب بخطه الكثير نسخا لنفسه وللناس ، وكان له قدرة على الكتابة ، وناب للقاضي علاء الدين ابي البقاء قبل الفتنة ، ثم باشر نيابة القضاء بعد الفتنة غير مرة عن ابن الأخنائي والباعوني وابن حجي وابن الزهري وغيرهم ، وولي تدريس الصارمية وغيرها ، وفي صفر سنة أربع عشرة عوضا عن القاضي علاء الدين ابن أبي البقاء ، وعمر بعضها ، ونزل له القاضي شمس الدين الأخنائي في مرض موته على حصته من تدريس العزيزية ، وتصدر في الجامع من مدة قريبة ، كذا قاله الشيخ تقي الدين الأسدي ، ثم قال : ولم ينجب عليه أحد من الطلبة ، وولي قضاء الركب في سنة تسع وعشرين ، وجمع مختصرا في الحديث ، وشرحا على البخاري في ست مجلدات واختصر شرح البخاري لابن الملقن في أربع مجلدات ، والكرماني في ثلاثة ، وشرح غاية الاختصار ، وكتب نكتا مختصرة على التنبيه في مجلدات وغير ذلك ، وكان لا يعرف شيئا من العلوم غير الفقه ، وطرفا من الحديث ، وينظم كثيرا ولا يعرف العروض ، وكان كثير التغير لا يثبت على حال ولا يبقى على كلمة ، وعنده صبر واحتمال ورياضة ، توفي في ثالث عشر المحرم سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة ، وصلي عليه بمسجد القصب بعد الظهر ، ودفن بمقبرة الصوفية ، ونزل عن غالب وظائفه للسيد شهاب الدين ابن نقيب الأشراف ، وذمه أكثر الناس على ذلك.

قلت : زاد في الذيل ، ونزل عن نصف تدريس المدرسة العزيزية للشيخ تقي الدين اللوبياني ووليتها أنا عنه بولاية معلقة ، وكلم فيها قاضي القضاة الحنفي ونفذ ولم يحصل لي ولا له انتهى. ودرّس بها بعده شيخنا العلامة بدر الدين أبو الفضل محمد ابن شيخ الشافعية تقي الدين أبي بكر ابن قاضي شهبة في يوم الثلاثاء رابع شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين المذكورة ، وحضر القاضيان

٢٣٧

الشافعي بهاء الدين أبو البقاء بن حجي والمالكي شهاب الدين الأموي والحاجب وجماعة من الفقهاء والطلبة ، ودرّس في قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) الآية ، قاله الشيخ تقي الدين والده في ذيله. وقال فيه : في صفر سنة ثمان وأربعين وثمانمائة ويوم السبت خامس عشريه كان ختم مختصر ابن الحاجب بجامع التوبة ، وكان يقرأ عليه فيه بجامع التوبة يوم السبت ، وبالفارسية يوم الاثنين بعد العصر ، وفرغا في نحو ثلاث سنين بعد ما حصل في أثناء ذلك بطالات ، وقد كنت جعلت شرح الأصفهاني كالمتن وأنظر عليه شرح السيد ركن الدين وشرح علاء الدين القونوي وشرح تاج الدين السبكي وشرح السيد شمس الدين الحسيني ، ونظرت الجزء الأول من شرح الشيخ بهاء الدين بن السبكي وهو الموجود من شرحه ، وفي أثناء الكتاب نظرت الحاشية للتفتازاني والحاشية للأبهري ، وغير ذلك من الفوائد والغرائب انتهى.

وقال في الذيل :

٥٢ ـ المدرسة الشومانية

أنشأتها خاتون بنت ظهير الدين شومان ، أخبرني أخونا القاضي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن برهان الدين الشهير بابن المعتمد أن هذه المدرسة المسماة الآن بالطيبة سموها بذلك تيمنا انتهى. أول من درّس بها الشيخ تاج الدين عبد الرحمن. ثم من بعده أخوه شرف الدين وهو مستمر بها إلى الآن ، قاله ابن شداد.

٥٣ ـ المدرسة الشريفية

التي عند حارة الغرباء ، وقال الشيخ تقي الدين الأسدي : الشريفية بدرب الشعارين ، لم أعرف واقفها درّس بها سيدنا الشيخ نجم الدين الدمشقي رحمه‌الله تعالى في سنة تسعين وستمائة ، ولم أعرف من درّس بها غيره ، انتهى والله أعلم بذلك.

٢٣٨

٥٤ ـ المدرسة الصالحية

بتربة أم الصالح الملك ، غربي الطيبة والجوهرية الحنفية وقبلي الشامية الجوانية بشرق. قال ابن كثير في سنة ثمان وأربعين وستمائة : الصالح أبو الجيش إسماعيل بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر وهو واقف تربة أم الصالح ، وقد كان الصالح ملكا عادلا عاقلا حازما تقلبت به الأحوال أطوارا كثيرة ، وقد كان الأشرف موسى أوصى له بدمشق من بعده ، فملكها شهورا ، ثم انتزعها منه أخوه الكامل ، ثم ملكها من الصالح خديعة ومكرا ، فاستمر بها أزيد من أربع سنين ، ثم استعادها منه الصالح أيوب عام الخوارزمية سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، واستقرت بيده بعلبك وبصرى ، ثم أخذتا منه ولم يبق له بلد يأوي إليه ، فلجأ إلى المملكة الحلبية في جوار الناصر يوسف صاحب حلب الشهباء ، فلما كان في هذه السنة كما ذكرنا عدم بالديار المصرية ، فلا يدرى ما فعل الله به والله سبحانه وتعالى أعلم. وهو واقف التربة والمدرسة ودار الحديث والاقراء بدمشق انتهى. ثم قال في سنة ثلاث وثمانين وستمائة : وفيها توفي الملك السعيد فتح الدين عبد الملك ابن الملك الصالح أبي الجيش إسماعيل ابن الملك العادل ، وهو والد الملك الكامل ناصر الدين محمد في ليلة الاثنين ثالث شهر رمضان ، ودفن من الغد بتربة أم الصالح ، وكان من خيار الأمراء محترما كبيرا رئيسا ، روى الموطأ عن يحيى بن بكير (١) عن مكرم بن أبي الصقر (٢) ، وسمع من ابن اللتي وغيره انتهى. وقال في سنة ثمان وثمانين وستمائة : الملك المنصور شهاب الدين محمود ابن الملك الصالح إسماعيل بن العادل ، توفي يوم الثلاثاء ثامن عشر شعبان ، وصلي عليه بالجامع ، ودفن من يومه بتربة جده وكان ناظرها ، وقد سمع الحديث الكثير ، وكان يحب أهله ، وكان فيه لطف وتواضع انتهى.

وقال في سنة سبع وعشرين : الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد ابن

__________________

(١) شذرات الذهب ٢ : ٥٩.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٧٤.

٢٣٩

الملك السعيد فتح الدين عبد الملك ابن السلطان الملك الصالح إسماعيل أبي الجيش ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب أحد أكابر الأمراء وأبناء الملوك ، كان من أحاسن الناس ذكاء وفطنة وحسن عشرة ولطافة كلام ، بحيث يسرد الكثير من الكلام بمنزلة الأمثال من قوة ذهنه ولطافة فهمه ، وكان رئيسا من أجود الناس ، توفي عشية الأربعاء عشرين جمادى الأولى ، وصلي عليه ظهر الخميس في صحن الجامع تحت النسر ، ثم أرادوا دفن عند جده لأمه الملك الكامل فلم يتيسر ذلك فدفن بتربة أم الصالح سامحه الله تعالى ، وكان له سماع كثير سمعنا عليه منه ، وكان يحفظ تاريخا جيدا ، وقام ولده الأمير صلاح الدين مكانه في إمرة الطبلخانات وجعل أخوه في عشرته ، ولبسا الخلع السلطانية بذلك انتهى.

وقال في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة : الخاتون المصونة خاتون بنت الملك الصالح إسماعيل بن العادل بن أبي بكر بن أيوب بن شادي ، توفيت بدارها وتعرف بدار كافور ، وكانت رئيسة محترمة ، ولم تتزوج قط ، وليس في طبقتها من بني أيوب غيرها في هذا الحين توفيت يوم الخميس الحادي والعشرين من شعبان ، ودفنت بتربة أم الصالح رحمها الله تعالى انتهى. درّس بها القاضي العلامة نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن خلف بن راجح بن بلال ابن هلال بن عيسى المقدسي الحنبلي ثم الشافعي ، ولد في شعبان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، وقرأ المقنع على مؤلفة سنة ثلاث عشرة ، واشتغل في مذهب الإمام أحمد ، ودرّس في مدرسة الشيخ أبي عمر رحمه‌الله تعالى ، وسافر إلى بغداد وله سبع عشرة سنة فسمع من ابن الجوزي وغيره ، ورحل إلى همذان فأخذ عن الركن الطاوسي ، ولازمه مدة حتى صار معيده ، وبرع في علم الخلاف وصار له صيت بتلك البلاد ومنزلة رفيعة ، ثم اشتغل في مذهب الشافعي ، وعاد إلى دمشق وله جلالة ومكانة ، وكان لا يترك الاشتغال ليلا ونهارا ، ويطالع كثيرا ويشتغل ، ودرّس بالشامية البرانية كما تقدّم وبأم الصالح هذه وبالعذراوية وبالصارمية كما سيأتي ، وناب في القضاء. قال أبو شامة :

٢٤٠