الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

على محله من العلم ، وتبحره فيه ، وكانت له يد في النظم وفي النثر.

وقال الذهبي : فقيه الشام ، درّس وناظر وصنف ، وانتهت إليه رئاسة المذهب ، وكان من أذكياء العالم ، وممن بلغ رتبة الاجتهاد ، ومحاسنه كثيرة ، وهو أجل ممن ينبه عليه مثلي ، وكان يلثغ بالراء غينا فجلّ من له الكمال ، وكان لطيف اللحية ، قصيرا أسمر حلو الصورة ، مفركح الساقين ، وكان يركب البغلة ، ويحتف به أصحابه ، ويخرج بهم إلى الأماكن النزهة ، ويباسطهم ، وله في النفوس عظمة لدينه ، وتواضعه وخيره ولطفه وجوده ، وكان أكبر من الشيخ النواوي رحمهما‌الله تعالى بسبع سنين. وكان أفقه نفسا وأذكى قريحة ، وأقوى مناظرة ، من الشيخ محيي الدين بكثير ، ولكن كان الشيخ محيي الدين أنقل للمذهب ، وأكثر محفوظا منه ، وكان قليل المعلوم ، كثير البركة ، وكان مدرس البادرائية ، ولم يكن في يده سواها إلا ما له على المصالح.

وقال الذهبي في المعجم المختص : شيخ الاسلام كبير الشافعية جمع تاريخا مفيدا رأيته أنا وسمعت كلامه في حلقة إقرائه ، وكان بينه وبين النواوي وحشة كعادة النظراء ، وله في تاريخه عجائب ، توفي رحمه‌الله تعالى بالبادرائية في جمادى الأولى سنة تسعين وستمائة ، ودفن بمقبرة باب الصغير في القبة البهائية بشمال شرقي أوائل المصلى مصلى العيدين ، ثم وليها الحافظ جمال الدين وهو أيضا ، قال الذهبي في تاريخه العبر في سنة إحدى وسبعين وستمائة : والشرف ابن النابلسي الحافظ أبي المظفر يوسف بن الحسن بن بدر الدمشقي ، ولد بعد الستمائة وسمع من ابن اللتي (١) وطبقته ، وفي الرحلة من عبد السلام الداهري ، وعمر بن كرم وطبقتهما ، وكتب الحديث الكثير ، وكان فهما يقظا حسن الخلق ، مليح النظم ، ولي مشيخة دار الحديث النورية وتوفي في حادي عشر المحرم انتهى. ثم الجمال بن الصابوني وهو قال الذهبي في عبره : الجمال ابن الصابوني الحافظ أبو حامد محمد بن علي بن محمود شيخ دار الحديث

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١١٧.

٨١

النورية ، ولد سنة أربع وستمائة ، وسمع من أبي القاسم بن الحرستاني وخلق كثير ، وكتب العالي والنازل ، وبالغ وحصل الأصول ، وجمع وصنف ، واختلط قبل موته بسنة أو أكثر ، وتوفي في ذي القعدة انتهى.

قال الصلاح الصفدي في المحمدين في تاريخه الوافي : المحدث جمال الدين ابن الصابوني محمد بن علي بن محمود بن أحمد الحافظ أبو حامد ابن الشيخ علم الدين المحمودي شيخ دار الحديث النورية ولد سنة أربع وستمائة وتوفي رحمه‌الله تعالى سنة ثمانين وستمائة سمع الحديث من ابن الحرستاني وابن ملاعب وابن البنا (١) وأبي القاسم العطار وابن أبي لقمة ، وعني بالحديث ، وكتب وقرأ وصار له فهم ومعرفة ، وسمع من ابن اللتي وابن صصري ، وهذه الطبقة بدمشق ، وكان صحيح النقل مليح الخط حسن الأخلاق ، صنف مجلدا سماه (تكملة الإكمال) ذيّل به على ابن نقطة ، فأجاد وأفاد ، وهو من رفاق ابن الحاجب (٢) والشريف ابن المجد وابن الذخميسي وابن الجوهري (٣) ، وطال عمره وعلت رتبته وروايته ، وروى الكثير بمصر ودمشق ، روى عن الدمياطي وابن العطار والبرزالي والدواداري والبرهان الذهبي وابن رافع جمال الدين وقاضي القضاة ابن صصري ، وكان له إجازة من المؤيد الطوسي وابن طبرزد ، وحصل له قبل موته بسنة أو أكثر تغير في عقله ، وساء حفظه ، وأجاز الشيخ شمس الدين مروياته ، ودفن بسفح قاسيون انتهى.

وقال ابن كثير في تاريخه في سنة خمس وثمانين وستمائة : الشيخ مجد الدين يوسف بن محمد بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي الشافعي الكاتب المعروف بابن المهتار كان فاضلا في الحديث والأدب ، يكتب كتابة حسنة جدا. وتولى مشيخة دار الحديث النورية ، وقد سمع الكثير وانتفع الناس به وبكتابته توفي في عاشر ذي الحجة ودفن بباب الفراديس انتهى. وقال فيه في سنة ثمان وثمانين وستمائة : الشيخ فخر الدين الحنبلي شيخ دار الحديث النورية ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٥٣.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢٣٤.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٢١٨.

٨٢

وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث العروية. وقال فيه في سنة أربع وتسعين وستمائة : شرف الدين أحمد بن نعمة المقدسي الامام العلامة أقضى القضاة خطيب الشام ولد في سنة ثنتين وعشرين وستمائة وولي درس دار الحديث النورية والشامية البرانية والغزالية ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر رمضان.

وقال فيه في هذه السنة : وفي شوال باشر مشيخة دار الحديث النورية الشيخ علاء الدين بن العطار عوضا عن شرف الدين ، وقد تقدمت ترجمة الشيخ علاء الدين هذا في دار الحديث الدوادارية. ثم وليها بعده الامام الحافظ المؤرخ المفيد علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الاشبيلي الأصل الدمشقي ، ولد سنة ثلاث والصحيح سنة خمس وستين وستمائة ، وسمع الجم الغفير ، وكتب بخطه ما لا يحصى كثرة ، وتفقه بالشيخ تاج الدين الفزاري وصحبه وأكثر عنه ، ونقل عن الشيخ تاج الدين في تاريخه ، وولي مشيخة دار الحديث النورية هذه ومشيخة النفيسية ، وصنف التاريخ ذيلا على تاريخ أبي شامة ، بدأ فيه من عام مولده ، وهو السنة التي مات فيها أبو شامة رحمه‌الله تعالى وهي سنة خمس ، و (المعجم الكبير) وجمع لنفسه أربعين بلدانية ، وبلغ ثبته بضعة وعشرين مجلدا أثبت فيه كل من سمع منه ، وانتفع به المحدثون من زمانه إلى آخر القرن. ذكره الذهبي في معجمه وقال : الامام الحافظ المتقن الصادق الحجة مفيدنا ومعلمنا ورفيقنا محدث الشام ومؤرخ العصر ومشيخته بالاجازة والسماع فوق الثلاثة آلاف. وكتبه وأجزاؤه الصحيحة الفصيحة مبذولة لمن قصده وتواضعه وبشره مبذول لكل غني وفقير ، توفي رحمه‌الله تعالى محرما بخليص في رابع ذي الحجة سنة تسع (بتقديم التاء) وثلاثين وسبعمائة ووقف كتبه. وكتب ابن حبيب (١) على معجمه هذه الابيات :

يا طالبا نعت الشيوخ وما رووا

فيه على التفصيل والاجمال

دار الحديث انزل تجد ما تبتغي (م)

ه بارزا في معجم البرزالي

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٦٢.

٨٣

قلت : وقد وقفت في أثناء جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وثمانمائة على الجزء الأخير من تاريخه من أول سنة ثلاثين وستمائة إلى أواخر سنة ست وثلاثين وسبعمائة فرأيته قد نقل فيه عن الذهبي في نحو سبعة مواضع ثم رأيت الذهبي وقد وقف عليه وكتب على أوله : علقه ودعا له الذهبي. ورأيت خط ابن حجر عليه في أماكن أفاد فيها زيادة على ما ذكره البرزالي والله تعالى أعلم.

ثم وليها بعده الحافظ أبو الحجاج المزي ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم وليها بعده الحافظ تقي الدين بن رافع وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الفاضلية. وهذا آخر ما وقفنا عليه ممن ولي مشيختها. فائدتان :

(الأولى) : قال الذهبي في ذيل العبر في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة : ومات بدمشق نقيب الأشراف عماد الدين موسى بن جعفر بن محمد بن عدنان الشريف الحسيني وكان سيدا نبيلا ، وقف على من يقرأ الصحيحين بالنورية في الأشهر الحرام.

(الثانية) : قال الصلاح الصفدي في حرف العين : عبد العزيز بن عثمان بن أبي طاهر بن مفضل الشيخ عز الدين أبو محمد الإربلي المحدث ، إمام دار الحديث النورية بدمشق ، كتب عنه القدماء كابن الحاجب وطبقته ومات رحمه‌الله تعالى بجوبر قرية بدمشق سنة أربع وأربعين وستمائة انتهى.

٢٢ ـ دار الحديث النفيسية

بالرصيف قبلي المارستان الدقاقي وباب الزيادة عن يمنة الخارج منه ، شمالي غربي المدرسة الأمينية بالزقاق ، قال الذهبي في العبر في سنة ست وتسعين وستمائة : والنفيس إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدقة الحراني ثم الدمشقي ناظر الأيتام وواقف النفيسية بالرصيف ، روى عن مكرم القرشي ، وتوفي رحمه‌الله تعالى في ذي الحجة منها او ذي القعدة عن نحو سبعين سنة.

٨٤

وقال تلميذه ابن كثير في سنة ست وتسعين وستمائة أيضا : واقف النفيسية التي بالرصيف الرئيس نفيس الدين ابو الفداء إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن سلامة بن علي بن صدقة الحراني كان احد شهود الغيبة ، وولي نظر الأيتام في وقت ، وكان ذا ثروة من المال. ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة ، وسمع الحديث ووقف داره دار حديث ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم السبت بعد الظهر الرابع من ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون بكرة يوم الأحد بعد ما صلي عليه بالأموي انتهى.

وقال في سنة ست عشرة وسبعمائة : صاحب التذكرة الإمام المقرئ المحدث النحوي الأديب علاء الدين علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر ابن زيد بن هبة الله الكندي الاسكندراني ثم الدمشقي ، سمع الحديث على أزيد من مائتي شيخ ، وقرأ القراءات السبع ، وحصل علوما جيدة ، ونظم الشعر الحسن الرائق الفائق ، وجمع كتابا في نحو خمسين مجلدا فيه علوم جمة أكثرها أدبيات سماه (التذكرة الكندية) وقفها بالسميساطية وكتب حسنا وحسب جيدا ، وخدم في عدة خدم ، وولي مشيخة دار الحديث النفيسية مدة عشر سنين ، وقرأ صحيح البخاري مرات عديدة ، وأسمع الحديث ، وكان يلوذ بشيخ الإسلام ابن تيمية ، توفي رحمه‌الله تعالى ببستانه عند قبة المسجد ليلة الأربعاء تاسع عشر شهر رجب ودفن بالمزة عن ست وسبعين سنة انتهى. وولي مشيختها الإمام علم الدين البرزالي وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث النورية المذكورة قبل هذه.

٢٣ ـ دار الحديث الناصرية

وبها رباط ، بمحلة الفواخير بسفح قاسيون قبلي جامع الأقرم ، الذي أنشئ سنة ست وسبعمائة ، وخطب به شمس الدين بن العز. هذه هي الناصرية البرانية ، وستأتي الجوانية إن شاء الله تعالى ، كلاهما إنشاء الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غياث الدين غازي

٨٥

ابن صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي فاتح بيت المقدس ، قال ابن كثير في سنة عشر وستمائة : ولد الملك العزيز (١) للظاهر غازي وهو والد الملك الناصر صاحب دمشق واقف الناصريتين انتهى. وكان مولد الناصر هذا بحلب في سنة سبع وعشرين وستمائة ، ولما توفي ابوه في سنة أربع وثلاثين وستمائة ، بويع بحلب بالسلطنة وعمره سبع سنين ، وقام بتدبير مملكته جماعة من مماليك أبيه العزيز وكبيرهم الشمس لؤلؤ ، وكان الأمر كله من رأي جدته أم أبيه ضيفة خاتون ابنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، ولهذا سكت الملك الكامل لانها اخته ، فلما توفيت سنة اربعين اشتد الناصر واشتغل عنه الكامل بعمه الصالح ، ثم فتح عسكره له حمص سنة ست وأربعين ، فوليها عشر سنين ، وفي سنة اثنتين وخمسين دخل بابنة السلطان علاء الدين صاحب الروم (٢) وهي بنت ابنة العزيز ، وكان حليما جوادا موطأ الأكناف حسن الأخلاق ، حسن السيرة في الرعايا محببا إليهم ، كثير النفقات ولا سيما لما ملك دمشق مع حلب ، فيه عدل في الجملة وقلة جور ، وفيه صفح ، وكان الناس معه في عيشة هنية إلا وقت إدارة الخمور ، وكان للشعراء دولة في أيامه ، وكان مجلسه مجلس ندماء وأدباء ، ثم خدع وعمل عليه حتى وقع في قبضة التتار ، فذهبوا به إلى هولاكو (٣) فأكرمه فلما بلغه كسرة جيشه على عين جالوت غضب وتنمّر وامر بقتله ، فتذلل له وقال : ما ذنبي؟ فأمسك عن قتله ، فلما بلغه كسرة بيدرا على حمص استشاط غضبا ، وأمر بقتله وقتل شقيقه الملك الظاهر عليا فقتلا.

قال الذهبي في العبر في سنة تسع وخمسين وستمائة : وقيل بل قتله في الخامس والعشرين من شوال سنة ثمان ودفن بالشرق ، وكان قد أعدّ تربة برباطه الذي بناه بسفح قاسيون فلم يقدّر دفنه به ، وكان شابا أبيض مليحا حسن الشكل بعينيه قبل قال ابن كثير في سنة أربع وخمسين وستمائة : وفيها أمر الناصر بعمارة الرباط الناصري بسفح قاسيون وذلك عقيب فراغ الناصرية

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٦٢.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٦٨.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٣١٦.

٨٦

الجوانية بدمشق ، والناصرية البرانية من أغرب الأمكنة في البنيان المحكم ، والجوانية من احسن المدارس. وهو الذي بنى الخان الكبير تجاه الزنجاري وحوّلت إليه دار الأطعمة ، وقد كانت قبل ذلك غربي القلعة في إصطبل السلطان الآن ، وكانت مدة تملكه لدمشق عشر سنين فبنى فيها هذه الأمكنة ، وباشر مشيخة الرباط الناصري هذا أكثر من خمس عشرة سنة الشيخ كمال الدين بن الشريشي ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية ، ثم درّس بها بعده ولده الإمام العلامة بقية السلف جمال الدين محمد المكنى بأبي بكر ، ميلاده سنة أربع او خمس وتسعين وستمائة ، أحضر على جماعة وممن سمع عليه جماعة منهم : الحافظان العراقي والهيثمي (١) وأجاز له آخرون واشتغل في صباه وتفنن في العلوم مدة ، واشتهر بالفضيلة ، وكان حسن المحاضرة ، دمث الأخلاق ، ودرّس في حياة والده ببعض المدارس ، ثم بعد وفاة والده بالرباط الناصري ، ثم درّس بعدّة مدارس وأفتى ، كل ذلك في زمن الشبيبة ، ثم ولاه القونوي قضاء حمص ، فتوجه إلى هناك وأقام زمانا طويلا ، ثم قدم دمشق في أول ولاية الشيخ تقي الدين السبكي فتولى تدريس البادرائية في سنة إحدى وأربعين كما سيأتي وأقام بها يشغل الناس بالجامع ويفتي ، ثم ترك البادرائية لولده شرف الدين (٢) ، سنة خمسين عندما ولي تدريس الاقبالية ، ثم تركه لولده الآخر بدر الدين (٣). ولما عزل القاضي تاج الدين في سنة تسع وستين توجه إلى مصر فولاه البلقيني نيابته في الطريق ، ثم توجه إلى القاهرة فولي تدريس الشامية البرانية سنة تسع (بتقديم التاء) وستين وسبعمائة ، وعاد إلى دمشق وباشر التدريس المذكور والحكم في النيابة المذكورة يوما واحدا. ثم مرض ومات في شوال من هذه السنة بالمدرسة الإقبالية ودفن بتربتهم بسفح قاسيون مقابل جامع الأقرم وهو الذي اختصر (الروضة) وشرح (المنهاج) في أربعة اجزاء لخصه من شرح الرافعي (٤) الصغير ، وله من غير زيادة (زوائد

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٧٠.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٣٤٢.

(٣) شذرات الذهب ٦ : ٢١٨.

(٤) شذرات الذهب ٥ : ١٠٨.

٨٧

الحاوي على المنهاج) ، وله خطب ونظم ، وحدث بمصر والشام ، وسمع منه أبو زرعة بن العراقي وابن حجي وغيرهما.

وقال ابن كثير في سنة خمس وعشرين وسبعمائة : وفي سابع عشر شوال درس بالرباط الناصري بقاسيون حسام الدين القرمي الذي كان قاضي طرابلس قايضه بها الكمال الشريشي إلى تدريس المسرورية ، وكان قد جاء توقيعه بالعذراوية والظاهرية ، فوقف في طريقه قاضي القضاة جلال الدين ونائباه ابن جملة (١) والفخر المصري (٢) ، وعقد له ولكمال الدين مجلسا ، ومعه توقيع بالشامية البرانية فعطل الأمر عليهما لأنهما لم يظهرا استحقاقهما في ذلك المجلس ، فصارت المدرستان العذراوية والشامية لابن المرحّل وأعطي القرمي المسرورية فقايض فيها لابن الشريشي إلى الرباط الناصري فدرس به في هذا اليوم وحضر عنده القاضي جلال الدين ، ودرس بعده ابن الشريشي بالمسرورية وحضر عنده الناس أيضا انتهى. والحسام القرمي هذا هو القاضي بطرابلس ابو علي الحسن بن رمضان بن الحسن حسام الدين القرمي توفي رحمه‌الله تعالى بطرابلس سنة ست وأربعين وسبعمائة.

وقال ابن كثير أيضا في سنة تسعين وستمائة : والأمير الكبير بدر الدين علي ابن عبد الله الناصري وناظر الرباط بالصالحية عن وصية أستاذه ، وهو الذي ولىّ الشيخ شرف الدين الفزاري مشيخة الرباط بعد ابن الشريشي انتهى.

والشرف الفزاري هو الحافظ شرف الدين ابو العباس احمد بن ابراهيم بن سباع بن الضياء الفزاري خطيب دمشق ، وهو أخو الشيخ تاج الدين ، ولد بدمشق في شهر رمضان سنة ثلاثين وستمائة ، وقرأ بثلاث روايات على السخاوي ، وسمع منه الكثير ومن ابن الصلاح ، وتلا بالسبع على الشيخ شمس الدين بن أبي الفتح ، وأحكم العربية على المجد الاردبيلي ، وطلب الحديث بنفسه ، وقرأ الكتب الكبار وله مشيخة ، ودرس بالرباط الناصري وغيره ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ١١٩.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ١٧٠.

٨٨

وولي خطابة جامع جراح ثم ولي خطابة جامع دمشق.

قال الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام في سنة خمس وسبعمائة : وفي شوال توفي خطيب دمشق ونحويها ومحدثها الشيخ شرف الدين الفزاري اخو شيخنا تاج الدين ، وله خمس وسبعون سنة انتهى. فليتأمل هذا المحل فان ظاهر كلام المؤرخين في تقديم بعض من وليها على بعض التغابن والله سبحانه وتعالى أعلم. وقال السيد الحسيني في ذيل العبر في سنة ست وأربعين وسبعمائة : ومات ببلدة طرابلس قاضيه العلامة حسام الدين القرمي مدرس الناصرية بالجبل ، تفقه للشافعي وبرع في علم الحديث وصنف وأفاد ، وكان احد الأئمة ، ودرّس بعده بالناصرية شيخنا نجم الدين بن قوام ، هذا هو الشيخ الامام العالم الصالح الزاهد القدوة ابو بكر بن محمد بن عمر ابن الشيخ الكبير ابي بكر بن قوام بن علي بن قوام البالسي الأصل الدمشقي ، ميلاده في ذي القعدة سنة تسعين وستمائة ، وسمع وتفقه وحدث عن عمر بن القواس وغيره ، وكان شيخ زاوية والده ، ودرّس بالرباط المذكور ، وسمع منه الشريف الحسيني وآخرون.

وقال الحافظ ابن كثير : وكان رجلا حسن الهيئة جميل المعاشرة فيه أخلاق وآداب حسنة ، وعنده فقه ومذاكرة ، ومحبة للعلم ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر رجب سنة ست وأربعين وسبعمائة ودفن بزاويتهم بسفح قاسيون إلى جانب والده ، ودرّس بعده ولده الشيخ نور الدين ابو عبد الله محمد. وستأتي ترجمته في زاويتهم. وقال ابن كثير في سنة خمس وثمانين وستمائة ، وممن توفي بها الشيخ الامام العالم البارع جمال الدين ابو بكر محمد بن احمد بن محمد بن عبد الله ابن سحبان البلوي ابن الشريشي المالكي ، ولد بشريش سنة إحدى وستمائة ورحل إلى العراق فسمع بها الحديث من المشايخ كالقطيعي وابن روزبة وابن اللتي وغيرهم ، واشتغل وحصّل وساد أهل زمانه ، ثم عاد إلى مصر فدرس بالفاضلية ، ثم أقام بالقدس شيخ الحرم ، ثم جاء إلى دمشق فتولى مشيخة الحديث بتربة ام الصالح ، ومشيخة الرباط الناصري بالسفح ، ومشيخة

٨٩

المالكية ، وعرض عليه القضاء فلم يقبل ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر رجب بالرباط الناصري بقاسيون ودفن بسفحه تجاه الناصرية وكانت جنازته حافلة جدا انتهى.

فائدتان (الأولى) : قال ابن كثير في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة : الشيخ الكبير المقرئ تقي الدين أبو بكر بن عمر بن المشيع الجزري المعروف بابن المقصاني. نائب الخطابة ، وكان يقرئ الناس بالقراآت السبع وغيرها من الشواذ ، وله إلمام بالنحو ، وفيه ورع واجتهاد ، توفي ليلة السبت الحادي والعشرين من جمادى الآخرة ، ودفن رحمه‌الله تعالى من الغد بسفح قاسيون تجاه الرباط الناصري وقد جاوز الثمانين.

وقال السيد الحسيني في ذيل العبر في هذه السنة : ومات بدمشق شيخ القراء الشيخ تقي الدين بن المقصاتي في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة ، أمّ مدة بالرباط الناصري ، وتلا على الشيخ عبد الصمد (١) وغيره ، وروى عن الكواشي تفسيره ، وكان ديّنا صالحا بصيرا بالسبع قراآت انتهى.

(الثانية) : قال ابن كثير في سنة اربع وستين وستمائة : وممن توفي بها أيدغدي ابن عبد الله الأمير جمال الدين العزيزي ، وكان من أكابر الأمراء وأحظاهم عند الملك الظاهر لا يكاد يخرج عن رأيه ، وهو الذي أشار عليه بولاية القضاء ، أي من كل مذهب قاض على سبيل الاستقلال ، وكان رحمه‌الله تعالى متواضعا لا يلبس محرما ، كريما ، وقورا ، رئيسا معظما في الدولة ، أصابته جراحة في حصار بلاد صفد ، فلم يزل مريضا منها حتى مات ليلة عرفة ودفن بالرباط الناصري بسفح قاسيون انتهى.

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٥٣.

٩٠

فصل دور القرآن والحديث معا

٢٤ ـ دار القرآن والحديث التنكزية

وهي شرقي حمام نور الدين الشهيد بسوق البزورية وتجاه دار الذهب ، كانت هذه الدار حماما يعرف بحمام سويد فهدمه نائب السلطنة تنكز الملكي الناصري وجعله دار قرآن وحديث ، وجاءت في غاية الحسن ، ورتب فيها الطلبة والمشايخ قاله ابن كثير في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وقال : وفيها وفي شهر ربيع الأول توجه نائب السلطنة تنكز الملكي الناصري إلى الديار المصرية لزيارة السلطان فأكرمه واحترمه ، واشترى في هذه السفرة دار الفلوس التي بالقرب من البزوريين والجوزية وهي شرقيهما وقد كان سوق البزوريين اليوم يسمى سوق القمح ، فاشترى هذه الدار وعمرها دارا هائلة ليس بدمشق دار أحسن منها وسماها دار الذهب ، واجتاز في رجوعه من مصر بالقدس الشريف وزاره ، وأمر ببناء دار حديث أيضا فيها خانقاه. ثم قال فيها وفي سادس عشرين في ذي القعدة نقل تنكز حواصله وأمواله من دار الذهب داخل باب الفراديس إلى الدار التي أنشأها وكانت تعرف بدار الفلوس فسميت دار الذهب انتهى.

وقال الصلاح الصفدي : تنكز الأمير الكبير المهيب سيف الدين أبو سعيد نائب السلطنة بالشام ، جلب إلى مصر وهو حدث فنشأ بها ، وكان أبيض اللون إلى السمرة ، رشيق القد ، مليح الشعر ، خفيف اللحية ، قليل الشيب ،

٩١

حسن الشكل ظريفه ، جلبه الخواجا علاء الدين السيواسي ، فاشتراه الأمير حسام الدين لاجين ، فلما قتل لاجين في سلطنته صار من خاصكية السلطان وشهد معه وقعة الخزندار ثم وقعة شقحب. أخبرني القاضي شهاب الدين القيسراني قال : قال لي يوما : أنا والأمير سيف الدين طنيال من مماليك الأشرف. وسمع صحيح البخاري غير مرة على ابن الشيخ ، وصحيح مسلم وكتاب الآثار على غيره ، وسمع من عيسى المطعم وأبي بكر بن عبد الدائم وحدث وقرأ عليه المقريزي ثلاثيات البخاري بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام ، وأمره الملك السلطان الناصر أمرية عشرة قبل توجهه إلى الكرك ، وكان قد سلم أقطاعه إلى الأمير صارم الدين صاروجا المظفري ، وكان على مصطلح الترك أغاله ، ولما توجه إلى الكرك كان في خدمة الملك السلطان الناصر (١) ، وجهزه مرة إلى دمشق رسولا إلى الأفرم فاتهمه أن معه كتابا إلى امراء الشام ، فحصل له منه مخافة شديدة وفتش وعرض عليه العقوبة ، فلما عاد إلى السلطان الناصر عرفه بذلك ، فقال له : إن عدت إلى الملك فأنت نائب دمشق ، فلما حضر من الكرك جعل الأمير سيف الدين أرغون وهو الدواراد ، نائب السلطان بمصر بعد إمساك الجوكندار الكبير ، وقال لتنكز ولسودي (٢) : احضرا كل يوم عند أرغون وتعلما منه النيابة والأحكام ، فبقيا كذلك سنة يلازمانه ، فلما مهرا جهز سيف الدين سودي إلى حلب نائبا ، وسيف الدين تنكز نائبا إلى دمشق ، فحضر إليها على البريد هو والحاج سيف الدين سودي وأرقطاي والأمير حسام الدين طرنطاي البشمقدار. وكان وصولهم إليها في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة ، وتمكن في النيابة وسار بالعسكر إلى ملطية فافتتحها وعظم شأنه وهابه الأمراء بدمشق وأمن الرعايا ، ولم يكن أحد من الأمراء ولا من أرباب الجاه يقدر ان يظلم ذميا أو غيره خوفا منه لبطشه وشدة إيقاعه ، ولم يزل في ارتقاء وعلوّ درجة ، تتضاعف إقطاعاته وأنعامه وعوائده من الخيل والقماش

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ١٣٤.

(٢) ابن كثير ١٤ : ٧٤.

٩٢

والطيور والجوارح حتى كتب له : أعزّ الله أنصار المقرّ الكريم العالي الأميري ، وفي الألقاب : الأتابكي القائدي ، وفي النعوت : معز الاسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين ، وهذا لم يعهد يكتب عن سلطان النائب ولا غير نائب على اختلاف الوظائف والمناصب ، وكان السلطان لا يفعل شيئا في الغالب حتى يشير إليه ويستشيره فيه ، واعتمد شيئا ما سمعناه عن غيره ، وهو انه كان له كاتب ليس له شغل ولا عمل غير عمل الحساب أي ما يدخل خزانته من الأموال ، امره بحسابه وما يستقر له ، فإذا حال الحول عمل اوراقا بما يجب عليه صرفه من الزكاة ، فيأمر بإخراجه وصرفه إلى ذوي الاستحقاق وزادت امواله وأملاكه ، وعمر الجامع المعروف به بحكر السماق بدمشق ، وأنشأ إلى جانبه تربة وحماما ، وعمر تربة إلى جانب الخواصين لزوجته ، وعمر دار القرآن والحديث إلى جانب داره دار الذهب ، وأنشأ بالقدس رباطا ، وعمّر القدس وساق إليه الماء وأدخله الحرم على باب المسجد الأقصى ، وعمّر به حمامين وقيسارية مليحة إلى الغاية ، وعمر بصفد البيمارستان المعروف به وخانا وغيرهما ، وله بجلجولية خان المنة للسبيل في غاية الحسن ، وبالقاهرة في الكافوري دار عظيمة وحمام وحوانيت وغير ذلك ، وجدّد القنوات بدمشق وكانت مياهها قد تغيرت ، وجدد عمائر المساجد والمدارس ، ووسع الطرقات بها واعتنى بأمرها ، وله في سائر الشام آثار وأملاك وعمائر انتهى ملخصا. وقد بسط أحواله وأموره في نحو نصف كراسة فراجعه. ثم غضب السلطان عليه وجهز للقبض عليه جماعة ، فاستسلم وأخذ سيفه وقيّد خلف مسجد القدم ، وجهز إلى السلطان في ذي الحجة سنة أربعين وسبعمائة ، وتأسف أهل دمشق عليه ، واحتيط على حواصله ، ثم جهز إلى الاسكندرية وحبس بها مدة دون الشهر ، ثم قضى الله تعالى فيه امره ، وصلى عليه اهل الاسكندرية ، وكان قبره يزار ويدعى عنده ، ولما كان في اوائل شهر رجب سنة اربع وأربعين وسبعمائة احضر تابوته من الاسكندرية إلى دمشق ودفن في تربته جوار الجامع المعروف بإنشائه ، ورثاه الصلاح الصفدي رحمه‌الله تعالى بأبيات طويلة ، ورأيت

٩٣

في قائمة قديمة من وقف دار القرآن والحديث هذا الهلالي : سوق القشاشين ، خارج السوق حوانيت ثمانية عشر حانوتا ، وداخل السوق حوانيت أيضا عدة تسعة عشر حانوتا ، وبحارة القصر طبقتان واصطبل ، والخراجي بزبدين بستان يعرف بالبندر ، وبها مشيخة الاقراء باسم البرهان الاربدي والامامة في الشهر مائة وعشرين ، وثلاث مشيخات للحديث الأولى باسم البرهان بن التقي ، شهره خمسة عشر ، الثانية باسم اولاد الشيخ شهره كذلك ، الثالثة باسم الشمس الارموي شهره كذلك ، والمشتغلون بالقرآن العظيم عدة اثني عشر لكل واحد في الشهر سبعة ونصف ، والمستمعون عدة خمسة لكل واحد في الشهر كذلك ، ولكاتب الغيبة في الشهر عشرة ، وأذان وبوابة وقيامة أربعين ، وصحابة الديوان أربعين ، والمشارف اربعين ، والعامل ثلاثين ، والجباية خمسين ، وشهادة العمارة خمسة وعشرين ، ومشد العمارة كذلك ، والمعمارية خمسة عشر ، ونيابة النظر أربعين ، والنظر مائة.

قال السيد الحسيني في ذيل العبر في سنة تسع وأربعين : والامام صدر الدين سليمان بن عبد الحكم الماليك شيخهم ومدرس الشرابيشية وشيخ التنكزية بعد الذهبي انتهى. وقد تقدمت ترجمة الذهبي في دار الحديث السكرية. وقال الصلاح الصفدي في تاريخه في حرف السين : سليمان بن عبد الحكيم الشيخ الامام الفاضل صدر الدين الباردي (بالباء الموحدة وبعد الألف راء ودال مهملة) المالكي الأشعري ، مدرس المدرسة الشرابيشية بدمشق ، مولده سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، ووفاته يوم الأحد خامس جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وسبعمائة انتهى.

٢٥ ـ دار القرآن والحديث الصبابية

قبلي العادلية الكبرى وشمالي الطبرية ، قال السيد الحسيني شمس الدين في ذيله : الصدر الحنبلي شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي العز الحراني ثم الدمشقي المعروف بابن الصبان ، ولد سنة أربع وسبعين وستمائة ،

٩٤

وسمع من الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن البخاري بدمشق انتهى. وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة : وفي شهر رمضان منها فتحت الصبابية التي أنشأها شمس الدين بن تقي الدين ابن الصبان التاجر دار قرآن وحديث ، وكانت خربة شنيعة انتهى. ولم أقف على أحد ممن وليها أصلا.

٢٦ ـ دار القرآن والحديث المعبدية

داخل دمشق والمنقول أنها دار قرآن فقط. قال السيد شمس الدين الحسيني الشريف في ذيل العبر : في سنة ست وأربعين ، وفي ذي القعدة مات بدمشق الأمير علاء الدين علي بن معبد البعلبكي ودفن إلى جانب داره. ورأيت بخط الأسدي ودفن والده داخل دمشق بتربة أنشأها له وجعلها دار قرآن انتهى.

٩٥

فصل

مدارس الشافعية

٢٧ ـ المدرسة الأتابكية

بصالحية دمشق غربيها المرشدية ودار الحديث الأشرفية المقدسية. قال القاضي عز الدين الحلبي : أنشأتها بنت نور الدين أرسلان بن أتابك صاحب الموصل انتهى. والصواب أنها أخت أرسلان هذا كما قال الذهبي في العبر في سنة أربعين وستمائة. والحجة الأتابكية امرأة الملك الأشرف مظفر الدين موسى صاحبة المدرسة والتربة تركان ـ يعني بالتاء أولا ـ خاتون بنت السلطان الملك عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود ابن أتابك زنكي بن آق سنقر. قال أبو شامة : وفي ليلة وفاتها كان وقف مدرستها وتربتها بالجبل ودفنت بها رحمها الله تعالى ونقبل منها.

وقال الصفدي : توفيت في شهر ربيع الأول سنة أربعين وستمائة ودفنت بتربتها والمدرسة التي أنشأتها بقاسيون انتهى. وقال الذهبي أيضا في مختصر تاريخ الاسلام سنة سبع وستمائة : وفيها مات صاحب الموصل نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن أتابك وكان شهما شجاعا مهيبا ، فيه ظلم وجبروت. وكانت دولته ثمانية عشر عاما بعد أبيه ، وبنى مدرسة الشافعية في غاية الحسن ، وتملك بعده ابنه عز الدين مسعود انتهى. وقال فيه في سنة ستمائة ، وتزوج الملك الأشرف صاحبة التربة والمدرسة بالجبل. وقال ابن أبي السعادات بن الأثير : قال وزيره : ما قلت له في فعل خير إلا وبادر إليه.

٩٦

وقال أبو شامة : كان عقد نور الدين صاحب الموصل مع وكيله بدمشق على بنت الملك العادل على مهر ثلاثين ألف دينار ، ثم بان أنه مات من أيام. وقال ابن خلكان : وكان شهما عارفا بالأمور ، تحوّل شافعيا ولم يكن في بيته شافعي سواه ، وله مدرسة قلّ أن يوجد مثلها في الحسن. توفي في شهر رجب وتسلطن ابنه عز الدين. وقال في سنة خمس عشرة وستمائة : وصاحب الموصل السلطان الملك العادل عز الدين أبو الفتح مسعود ابن السلطان نور الدين أرسلان شاه الأتابكي ، ولد سنة تسعين وخمسمائة ، وتملك بعد أبيه وله سبع عشرة ، وكان موصوفا بالملاحة ، والعدل والسماحة ، قيل إنه سمّ ومات في شهر ربيع الآخر ، وله خمس وعشرون سنة. وعظم على الرعية أمره ، وولي بعده بأمر منه ولده نور الدين أرسلان شاه ويسمى أيضا عليا وله عشر سنين ، فمات في أواخر السنة أيضا انتهى.

وقال العز الحلبي : أول من درّس بها تاج الدين أبو بكر بن طالب المعروف بالاسكندري وبالشحرور ، ولم يزل بها إلى أن توفي ، وذكر بها الدرس نجم الدين إسماعيل المعروف بالمارداني ، وهو مستمر بها إلى آخر سنة أربع وسبعين وستمائة انتهى. ودرّس بها العلامة صفي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الهندي الأرموي الشافعي المتكلم على مذهب الأشعري ، ميلاده بالهند في شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وستمائة. وكان جده لأمه فاضلا فقرأ عليه ، وخرج من دهلي في شهر رجب سنة سبع وستين ، فحج وجاور ثلاثة أشهر. ثم دخل اليمن فأعطاه ملكها المظفر أربعمائة دينار ، ثم دخل مصر سنة إحدى وسبعين وأقام بها أربع سنين ، ثم سافر إلى الروم على طريق أنطاكية ، فأقام إحدى عشرة سنة ، وبقونية خمسا وسيواس خمسا ، وبقيسارية سنة ، واجتمع بالقاضي سراج الدين فأكرمه ، ثم قدم إلى دمشق في سنة خمس وثمانين فأقام بها واستوطنها ، وولي بها مشيخة الشيوخ ، ودرّس بها بالظاهرية الجوانية والرواحية والدولعية والأتابكية هذه ، ونصب للافتاء والاقراء في الأصول والمعقول والتصنيف ، وانتفع الناس به وبتصانيفه ، إلا أن خطه في

٩٧

غاية الرداءة ، وانتفع الناس أيضا بتلاميذه ، ووقف كتبه بدار الحديث الأشرفية ، وكان فيه برّ وصلة.

وقال الصفدي : وصنف (الفائق في أصول الدين) ، وله أوراد ، واشتغل بالجامع الأموي ، وكان حسن العقيدة. وقال الذهبي : تفقه بالهند على جده لأمه الذي توفي سنة ستين وستمائة ، وسار من دهلي في سنة سبع وستين إلى اليمن ، ثم حجّ وجاور ثلاثة أشهر ، وجالس ابن سبعين (١) ثم قدم مصر ثم سافر إلى بلاد الروم ، ودرّس وتميز ، واجتمع بالسراج الأرموي. ثم قدم دمشق وسمع من ابن البخاري ، وتصدر للافادة ، وأخذ عن ابن الوكيل (٢) ، وابن الفخر المصري ، وابن المرحّل والكبار ، وكان يحفظ ربع القرآن ، وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير.

وقال ابن كثير : توفي ليلة الثلاثاء تسع عشرين صفر سنة خمس عشرة وسبعمائة ، ولم يكن معه وقت موته سوى الظاهرية وبها مات ، فأخذ بعده ابن الزملكاني الظاهرية ، فدرّس بها وأخذ ابن صصري الأتابكية انتهى. ودفن بمقبرة الصوفية. ثم قال ابن كثير : في هذه السنة وفي يوم الأربعاء تاسع جمادى الآخرة درّس ابن صصري بالأتابكية عوضا عن الشيخ صفي الدين الهندي. ثم قال في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة في من توفي بها : وقاضي القضاة نجم الدين بن صصري أبو العباس أحمد بن العدل عماد الدين محمد بن العدل أمين الدين سالم ابن الحافظ المحدث بهاء الدين أبي المواهب الحسن بن هبة الله بن محفوظ ابن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن صصري التغلبي الربعي الشافعي قاضي القضاة بالشام ، ولد في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة ، وسمع الحديث ، واشتغل وحصل ، وكتب عن القاضي شمس الدين بن خلكان ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٢٩.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٤٠.

٩٨

وفيات الأعيان. وسمعها عليه ، وتفقه بالشيخ تاج الدين الفزاري وعلى أخيه شرف الدين في النحو ، وكان له يد في الإنشاء وحسن العبارة ، ودرّس بالعادلية الصغرى سنة اثنتين وثمانين ، وبالأمينية سنة تسعين ، وبالغزالية سنة أربع وتسعين وولي قضاء العساكر في دولة العادل كتبغا ، ثم ولي قضاء الشام سنة اثنتين وسبعمائة بعد ابن جماعة حين طلب للقضاء بمصر بعد ابن دقيق العيد ، ثم أضيف إليه مشيخة الشيوخ مع تدريس العادلية والغزالية والأتابكية وكلها مناصب دنيوية انسلخ منها وانسلخت منه ، ومضى عنها وتركها لغيره ، وأكبر أمنيته بعد وفاته أنه لم يكن تولاها ، وهي متاع قليل من حبيب مفارق ، وكان رئيسا محتشما ، وقورا كريما ، جميل الأخلاق ، معظما عند الولاة والسلطان. توفي فجأة ببستانه بالسهم ليلة الخميس سادس عشر شهر ربيع الأول ، وصلي عليه بالجامع المظفري ، وحضر جنازته نائب السلطان والقضاة والأمراء والأعيان ، وكانت جنازته حافلة ، ودفن بتربتهم بالركنية انتهى.

وقال الذهبي في مختصر تاريخ الاسلام : ومات قاضي دمشق ورئيسها نجم الدين بن صصري الشافعي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة عن ثمان وستين سنة ، يروي عن الرشيد العطار حضورا وعن ابن عبد الدائم انتهى. ثم درّس بها بعد [ه] قاضي القضاة جمال الدين الزرعي (١) انتهى. قال ابن كثير في سنة ست وعشرين وسبعمائة : وفي ذي القعدة سافر القاضي جمال الدين الزرعي من الأتابكية إلى مصر ، ونزل عن تدريسها لمحيي الدين بن جهبل انتهى. وهو الشيخ العالم محيي الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن طاهر بن نصر بن جهبل أخو الشيخ شهاب (٢) الدين ، مولده بدمشق سنة ست وستين وستمائة ، واشتغل وحصل وأفتى ودرس بالأتابكية هذه ، وسمع من جماعة وحدث ، سمع منه البرزالي ، وخرّج له مشيخة وحدّث بها ، وناب في الحكم بدمشق ، وولي قضاء طرابلس مدة ثم عزل عنها ، وعاد

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ١٠٧.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ١٠٤.

٩٩

إلى دمشق ، توفي رحمه‌الله تعالى في شعبان سنة أربعين وسبعمائة ، ودفن عند أخيه بمقبرة الصوفية. ثم وليها بعده قاضي القضاة ابن جملة. قال ابن كثير في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وفي يوم الأحد ثالث عشر شوال : حدّث بالأتابكية قاضي القضاة ابن جملة عن محيي الدين بن جهبل ، تولى قضاء طرابلس ، وحضره القضاة وأكابر المدرسين والعلماء. وقال ابن البرزالي : ثم درس بها قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد مع الغزالية والعادلية مع بقاء الاقبالية عليه انتهى.

وقال ابن كثير : في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وفي ثاني يوم من ذي الحجة درّس صدر الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني بالأتابكية وأخوه الخطيب بدر الدين في الغزالية والعادلية نيابة عن أبيهما قاضي القضاة أي قاضي الشام بعد وفاة ابن المجد انتهى. ثم درّس بها الشيخ الامام الفقيه ، المحدّث ، المفسر ، المقرئ ، الأصوليّ ، المتكلم ، النحويّ ، اللغويّ ، الحكيم ، المنطقيّ ، الجدليّ ، الخلافيّ ، العطار شيخ الاسلام ، قاضي القضاة ، تقيّ الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري الخزرجي السبكي ، ولد بسبك من أعمال المنوفية في مستهل صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة ، وحفظ التنبيه ، وقدم القاهرة ، فعرض على القاضي تقي الدين ابن بنت الأعز (١) وتفقه في صغره على والده ، ثم على جماعة ، آخرهم ابن الرفعة (٢) ، وأخذ التفسير عن علم الدين العراقي ، وقرأ القراآت على الشيخ تقي الدين الصائغ (٣) ، والحديث على الحافظ الدمياطي ، والأصلين وسائر المعقولات على علاء الدين الباجي (٤) ، والمنطق والخلاف على سيف الدين البغدادي ، والنحو على الشيخ أبي حيان ، وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين بن عطاء الله (٥) ، وسمع الحديث من الجمّ الغفير ، ورحل الكثير ،

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ٣٦٧.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٢.

(٣) شذرات الذهب ٦ : ٦٩.

(٤) شذرات الذهب ٦ : ٣٤.

(٥) شذرات الذهب ٦ : ١٩.

١٠٠