الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

من الحج بأيام قلائل ، يوم الخميس سلخ المحرم ، وصلي عليه يومئذ بعد الظهر بجامع الأفرم ، ودفن عند المعظمية عند أقاربه ، وكانت جنازته حافلة ، وشهد له الناس بالخير ، وغبطوه بهذه الموتة رحمه‌الله تعالى ، ودرس بعده في الظاهرية نجم الدين القحفازي ، وفي المعظمية والقليجية والخطابة بالأفرم ابنه علاء الدين. وباشر بعده نائبه الحكم القاضي عماد الدين الطرسوسي مدرّس القلعة انتهى. وقال الذهبي في العبر : في سنة اثنتين وعشرين المذكورة درس بالظاهرية القحفازي بعد موت ابن أبي العز الحنفي انتهى. وقال ابن كثير في السنة المذكورة : وفي يوم الأربعاء سادس صفر درس الشيخ نجم الدين القحفازي بالظاهرية للحنفية ، وهو خطيب جامع دنكز ، وحضر عنده القضاة والأعيان ، ودرس في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) الآية ، وذلك بعد وفاة القاضي شمس الدين بن العز الحنفي في مرجعه من الحجاز. وباشر بعده نيابة القضاء عماد الدين الطرسوسي ، وهو زوج ابنته ، وكان ينوب عنه في حال غيبته ، فاستمر بعده ، ثم ولي الحكم بعده مستنيبه فيها انتهى. وقال السيد الحسيني رحمه‌الله تعالى في ذيل العبر في سنة خمس وأربعين وسبعمائة : ومات بدمشق شيخ الأدب الامام ذو الفنون نجم الدين علي بن داود بن يحيى بن كامل القرشي القحفازي الحنفي ، خطيب جامع دنكز ومدرس الحنفية بالظاهرية ، سمع من البرهان بن الدرجي (١) وغيره ، ولد سنة ثمان وستين وولي الخطابة بعد القاضي عماد الدين بن العز انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة خمس وعشرين وسبعمائة : ومات بدمشق شيخ الظاهرية عفيف الدين إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي في شهر رمضان عن ثلاث وثمانين سنة ، وروى كثيرا عن ابن خليل وعن عيسى الخياط والضياء صقر (٢) وغيره ، وطلب الحديث ، وحصل أصولا بمروياته ، وخرج له ابن المهندس معجما قرأته عليه ، وكان لا بأس به انتهى. وقال السيد في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة : مات بالقاهرة الشيخ قوام الدين لطف

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٧٣.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢٦١.

٤٢١

الله الحنفي أحد الزهاد ، وقد ولي مشيخة الظاهرية بدمشق أياما انتهى.

١١٥ ـ المدرسة العذراوية

قد مرّ محلها وأنها على الحنفية والشافعية وترجمة واقفها. قال ابن شداد : ذكر من علم بها من المدرسين ـ يعني الحنفية ـ القاضي عزيز الدين السنجاري بقي بها مدة فلما حضر الشيخ حميد الدين السمرقندي نزل عنها له وتولاها مدة ، ثم أخذت من يده. وتولاها قاضي القضاة صدر الدين سليمان الحنفي ، ولم يزل بها إلى الدولة الناصرية الصلاحية ، واستناب ولده شمس الدين محمد وتوجه إلى الديار المصرية ، فاستقل بها ولده حين أقام والده قاضي القضاة بالديار المصرية ، وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. ثم درس بها السيد عماد الدين بن عدنان ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الجقمقية. ثم درس بها القاضي جلال الدين الرازي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الخاتونية الجوانية انتهى.

١١٦ ـ المدرسة العزيزية

جوار المدرسة المعظمية بالصالحية ، وقال ابن شداد : المدرسة المعظمية والمدرسة العزيزية مجاورة لها ، أنشئت المعظمية بالصالحية في سنة إحدى وعشرين وستمائة انتهى. قال ابن كثير في سنة ثلاثين وستمائة : والملك العزيز عثمان ابن الملك العادل ، وهو شقيق الملك المعظم ، وكان صاحب بانياس وتلك الحصون التي هناك وهو الذي بنى الصبيبة ، وكان عاقلا ، قليل الكلام ، مطيعا لأخيه المعظم ، ودفن عنده ، وكانت وفاته يوم الاثنين عاشر شهر رمضان ببستانه الناعمة من بيت لهيا سامحه الله تعالى. وقال الذهبي في العبر في السنة المذكورة : الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل أخو الملك المعظم لأبويه ، هو الذي بنى قلعة الصبيبة بين بانياس وتبنين وهونين ، اتفق موته بالناعمة ، وهو بستان له ببيت لهيا ، في عاشر رمضان انتهى. ثم قال ابن شداد :

٤٢٢

أول من وليها القاضي صدر الدين إبراهيم ابن الشيخ برهان الدين مسعود. ثم من بعده مجد الدين أخوه إلى أن توفي. ثم وليها بعده كمال الدين عبد اللطيف ابن القاضي عز الدين السنجاري ، فظهر كتاب وقفها ، فعلم أن مدرسها يكون مدرس المعظمية. ثم انتقلت من بعده إلى من انتقلت إليه المعظيمة إلى الآن انتهى. ثم درس بها الشيخ شمس الدين محمد الحنفي المعروف بابن عزيز الواعظ. قال الأسدي في تاريخه في جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وثمانمائة : كان فاضلا ذكيا يكتب خطا حسنا ، ودرّس بالمعظمية والعزيزية بها ومشيخة اليونسية ، وكان قبل الفتنة يركب في حمدة ، ويلبس ثيابا حسنة ، ثم أنه بعد الفتنة افتقر وساءت حاله ، وكان حسن العشرة ، كريم النفس ، توفي بقرية كتيبة وقف المدرسة العزيزية ، وقدم منها ميتا يوم الخميس سادسه ، واستقر عوضه في تدريس المعظمية والعزيزية القاضيان بدر الدين الحسيني وشمس الدين بن الأذرعي انتهى.

١١٧ ـ المدرسة العزية البرانية

فوق الوراقة ، وقفها بالشرف الأعلى شمالي ميدان القصر خارج دمشق ، قال القاضي الحلبي : مدرسة الأمير عز الدين استادار المعظمي المعروف بصاحب صرخد ، منشئها الأمير عز الدين المذكور في سنة ست وعشرين وستمائة انتهى. قال الذهبي في مختصر تاريخ الاسلام في سنة خمس وأربعين وستمائة : وفيها توفي صاحب صرخد عز الدين أيبك ، ونقل في تابوت ، فدفن بتربته المشرفة على الميدان انتهى. وقال ابن كثير في تاريخه في السنة المذكورة : واقف العزية الأمير عز الدين أيبك استادار المعظم ، وكان من العقلاء الأجواد الأمجاد ، استنابه الملك على صرخد ، فظهرت منه نهضة وكفاية ، واقف العزيتين البرانية والجوانية ، ولما أخذ منه الصالح أيوب صرخد عوضه عنها ، وأقام بدمشق ، ثم وشى به بأنه يكاتب الصالح إسماعيل ، فاحتيط عليه وعلى أمواله وحواصله ، فمرض وسقط إلى الأرض وقال : هذا آخر عبدي ، ثم

٤٢٣

لم يتكلم حتى مات ، ودفن بباب النصر بمصر ، ثم نقل إلى تربته التي فوق الوراقة ، وإنما أرخ السبط وفاته في سنة سبع وأربعين فالله سبحانه وتعالى أعلم. وقال ابن كثير في سنة أربع وخمسين وستمائة : الأمير مظفر الدين إبراهيم ابن صاحب صرخد عز الدين ايبك استادار المعظم واقف العزيتين الجوانية والبرانية على الحنفية ، ودفن عند والده بالتربة تحت القبة عند الوراقة انتهى. ثم قال القاضي الحلبي : أول من ذكر بها الدرس شمس الدين ابن فلوس ، وكان رجلا فاضلا إلى أن توفي. ثم من بعده رشيد الدين الغزنوي. ثم من بعده تاج الدين العتابي. ثم من بعده فخر الدين ابن الصلاح إلى أن توفي. ثم درّس بعده شمس الدين يوسف سبط ابن الجوزي. ثم من بعده ولده عز الدين إلى أن توفي. وكان ينوب عنه فيها كمال الدين علي بن عبد الحق. ثم تولاها بعده الشيخ برهان الدين محمد بن علي بن سفيان الترمذي ، إلى أن انتقل إلى قضاء الحصن بعد أخذه من الفرنج المخذولين. ثم تولى بعده عز الدين إسحاق المعروف بالعباس ، وهو مستمر بها إلى الآن انتهى ، وقد مرت ترجمة السبط في المدرسة البدرية.

وأما ولده ، فقال الصفدي : عبد العزيز بن يوسف عز الدين ابن الشيخ شمس الدين سبط بن الجوزي رحمهما‌الله تعالى. كان قد درّس مكان أبيه بعده بالمدرسة العزية التي فوق الميدان الكبير ، ودفن عند أبيه بجبل قاسيون لما مات في سلخ شوال سنة ستين وستمائة انتهى. ثم درس بها الشيخ جلال الدين الخجندي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الخاتونية البرانية. ثم درس بها الشيخ شرف الدين نعمان ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الجوهرية. وقال تقي الدين بن قاضي شهبة في محرم سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة من ذيله لتاريخ شيخه : وفي يوم الأربعاء خامسه درس قوام الدين الرومي الحنفي بالمدرسة العزية البرانية ، وحضر عنده قاضي القضاة الشافعي يعني نجم الدين بن حجي وغيره ، وكان هذا الرجل بمصر وولي قضاء العسكر ، ثم غضب عليه السلطان وأخرجه إلى القدس ، فأقام نحو سنة على ما بلغني ، ثم قدم دمشق

٤٢٤

وهو متزوج بنت المقرئ شمس الدين بن الجزري ، فسعى وأخذ تصدير ابن الجزري بالجامع ، وجلس يشتغل ، وله يد في العلوم العقلية وتودد إلى النائب ، ثم أعطي نصف تدريس هذه المدرسة عن ابن القطب وابن الخشاب ، وكان ذاك تلقاها عن أبيه ، وهذا عن أخيه ، ولم يحضر بها أحد من الأربعة ، فأعطيت لهذا بحكم عدم أهلية المذكورين ، وبلغني أيضا أنه أعطي الفرخشاهية وغيرها من الجهات التي بيد ابن الخشاب ، بحكم أنه أخذ وقف المدرسة العزية الجوانية في المدة الماضية ، وطلب منه العمارة في العام الماضي فعجز وسجن بالقلعة مدة ، وأخرجت جهاته. ودرس في النصف الآخر شمس الدين بن الجزري ، وكان هذا النصف قد تلقاه في سنة عشرين شخص لا أهلية له عن شرف الدين نعمان ، ولم يباشر ، ثم نزل عنه في هذا الوقت لهذا الرجل انتهى. ثم قال فيه أيضا في شوال سنة سبع وعشرين : وفي يوم الاثنين سابعه سافر إلى مصر الشيخ المعمر المقرئ شمس الدين ابن الجزري ومعه الشيخ قوام الدين ابن قاسم العلائي الحنفي ، كان قد قدم من سنين من مصر ، وجلس للاشتغال بالجامع الأموي ، ودرّس بالعزية البرانية ، وولي خدمة الجيش وغير ذلك ، فنزل عن جهاته وتوجه إلى مصر انتهى. وقال في شعبان سنة سبع وعشرين المذكورة : وممن توفي فيه الشيخ العالم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن شهاب الدين أحمد بن زين الدين المبارك الحموي الأصل الحنفي المعروف بابن الجزري بلغني أنه قرأ على الشيخ شرف الدين بن منصور وغيره من أشياخ الحنفية بدمشق ، وأقام بحماة مدة طويلة ، ثم سكن بعد الفتنة بمصر ، وتاب بها القضاء الحنفي ، ثم قدم دمشق من سنين ، واستنزل عن تصدير الجامع الأموي وجلس للاشتغال ، وحصل له نصف تدريس العزية البرانية ، وكان مشاركا في فنون ويده في الفقه ضعيفة ، وكان ضعيف البنية كثير الأمراض ، توفي بمنزله بالعزية البرانية يوم الأربعاء خامس عشر الشهر ، وصلى عليه بجامع يلبغا ، ودفن بالمقبرة التي سبّلها السلطان الملك الأشرف غربي خانقاه عمر شاه ، وأظنه جاوز السبعين ، وكان قد اتقى ، وكان يتهم بمال فلم

٤٢٥

يظهر طائل على ما بلغني ، وكان أخوه زين الدين قاضي حماة الشافعي ، وكان قد قدم إليه في ضعفه ، فنزل عن التصدير وأمضى النزول ، ثم خرج عنه لغيبته بحماة ، يعني سمى فيه قوام الدين قاسم العلائي عند النائب ، ولهذين الأخوين أخ ثالث يقال له علاء الدين هو الأوسط ، بلغني أنه فاضل يستحضر في الروضة كثيرا ، ويفتي بحماة انتهى. ثم قال فيه أيضا في شعبان سنة ثمان وعشرين وثمانمائة : الشيخ شهاب الدين أحمد بن الفصيح الحنفي ، كان قبل الفتنة يشهد بالمدرسة النورية عند القاضي الحنفي ، ثم توجه إلى مصر ودخل في الأكابر ، وكان له وجاهة عند القاضي صدر الدين بن الآدمي ، وكان بينهما قرابة ، وعند القاضي ناصر الدين بن الفصيح البارزي ، وحصل له بسبب ذلك وظائف ، منها خدامة الخانقاه البيبرسية ، ونصف خدمة الخانقاه السميساطية ، ونصف تدريس بالعزية البرانية ، وعمل نقابة قاضي القضاة شهاب الدين ابن حجي ، وكان عنده عقل وسياسة ، توفي بالقاهرة وقد قارب السبعين أو جاوزها ، واستقر عوضه في جهاته ولده ، ووصل الخبر بوفاته إلى دمشق في يوم الأحد رابع عشره انتهى ، وقد مرّ في الجوهرية أنه ولي نصف تدريس العزية هذه عنه ابن عوض ، وولي مشيخة الحديث بهذه المدرسة جماعة منهم ابن صابر. قال الذهبي في العبر في سنة سبع وثلاثين وستمائة : وأبو طالب بن صابر الدمشقي محمد بن أبي المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السلمي الصوفي ، روى عن أبيه وجماعة ، وصار شيخ الحديث بالعزية. قال ابن النجار : لم أر إنسانا كاملا غيره ، زاهدا عابدا ورعا كثير الصلاة والصوم ، توفي في سابع المحرم انتهى. ومنهم ابن المظفر. قال السيد الحسيني في ذيل العبر في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة : ومات الحافظ المفيد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن المظفر النابلسي سبط الزين خالد ، ولد سنة خمس وسبعين في شهر رمضان ، وسمع من زينب بنت مكي (١) وابن الواسطي (٢) وخلق ورحل وقرأ وكتب وعني بهذا الشأن ، وولي مشيخة العزية

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٠٤.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٤.

٤٢٦

وغيرها ، توفي في شهر ربيع الأول بدمشق ، وكان من أئمة هذا الشأن انتهى.

١١٨ ـ المدرسة العزية الجوانية

قال ابن شداد : بالكشك تعرف هذه المدرسة بدار ابن منقذ منشئها الأمير أيبك المعظمي استدار الملك المعظم انتهى. وقد مرت ترجمته في المدرسة قبلها. وقال ابن كثير في سنة أربع وخمسين وستمائة في ترجمة مدرسها شمس الدين سبط ابن الجوزي ، ودرس بالعزية البرانية التي بناها الأمير عز الدين أيبك المعظمي استادار الملك المعظم ، وهو واقف العزية الجوانية التي بالكشك أيضا ، وكانت قديما تعرف بدور ابن منقذ انتهى. ثم قال ابن شداد : ذكر من درس بها القاضي مجد الدين قاضي الطور إلى أن توفي. ثم ذكر من بعده القاضي شرف الدين عبد الوهاب الحوراني إلى أن توفي. وبعده شرف الدين داود. ثم من بعده شمس الدين بن الجوزي الواعظ المشهور. ثم تولاها بعده ولده عز الدين عبد العزيز إلى أن توفي. ووليها بعده عماد الدين داود البصروي ، وهو بها الى الآن انتهى. وقال ابن كثير في تاريخه في سنة أربع وثمانين وستمائة : القاضي عماد الدين داود بن يحيى بن كامل القرشي البصروي الحنفي ، مدرس العزية بالكشك ، وناب في الحكم عن مجد الدين بن العديم ، وسمع الحديث ، وتوفي في ليلة النصف من شعبان ، وهو والد الشيخ نجم الدين القحفازي شيخ الحنفية وخطيب جامع دنكز انتهى. وقال الصفدي : داود بن يحيى القاضي عماد الدين القرشي الحنفي البصروي والد الشيخ نجم الدين القحفازي ولي تدريس العزية بالكشك ، وناب في القضاء ، وروى الحديث عن أبي القاسم بن صصري فيما قيل ، وعن أبي إسحاق الصيرفيني ، وعبد الرحمن الصولي ، وناب عن القاضي مجد الدين بن العديم ، وكان إماما محققا ، ولد سنة ثمان وتسعين وتوفي سنة أربع وثمانين وستمائة انتهى.

فائدة : قال الذهبي في عبره فيمن مات في سنة إحدى وثمانين وستمائة : والبرهان أحمد بن الدرجي أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إسماعيل

٤٢٧

ابن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي الحنفي إمام مدرسة الكشك ، روى عن الكندي ، وأبي الفتوح البكري ، وأجاز له أبو جعفر الصيدلاني (١) وطائفة ، وروى المعجم الكبير للطبراني ، توفي في صفر. وقال ابن كثير في السنة المذكورة : وممن توفي فيها من الأعيان الشيخ الصالح بقية السلف برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ صفي الدين أبي الفدا إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي ابن الرضي الحنفي إمام العزية بالكشك ، سمع الكثير من جماعة ، منهم الكندي ، وابن الحرستاني ، ولكن لم يظهر سماعه منهما إلا بعد وفاته ، وقد أجاز له أبو جعفر الصيدلاني ، وعفيفة الفارقانية (٢) ، وابن المنازي ، وكان رجلا صالحا محبا لإسماع الحديث ، كثير البرّ بالطلبة ، وقد قرأ عليه الحافظ جمال الدين المزي معجم الطبراني الكبير ، وسمع منه بقراءته الحافظ البرزالي وجماعة كثيرون ، وكان مولده في سنة تسع وتسعين ، وتوفي في يوم الأحد سابع صفر ، وهو اليوم الذي قدم فيه إلى دمشق الحجاج من الحجاز ، وكان هو معهم فمات بعد استقراره بدمشق رحمه‌الله تعالى.

١١٩ ـ المدرسة العزية الحنفية

قال عز الدين الحلبي : بجامع دمشق ، واقفها عز الدين أيبك المعظمي استدار الملك المعظم ، وشرط وقفها أنه بنى مدرسة بالقدس الشريف على أنه متى كان القدس بيد المسلمين يكون الوقف على المكان المذكور ، وإن تعطل ، أي تعطل القدس ، كان على مدرسته بالجامع الأموي المعمور جوار مشهد علي انتهى. وهو الذي أنشأ المدرستين قبل هذه ، وقد مرت ترجمته في أولاهما. ثم قال عز الدين : ذكر من درس بها حين تعطل القدس القاضي مجد الدين قاضي الطور ، وكان رجلا فاضلا يلبس الطرحة ويذكر بها الدرس. ثم ذكر بعده القاضي شرف الدين عبد الوهاب بن الحوراني وبقي مدة. وذكر بعده

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٠.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٩.

٤٢٨

رضي الدين عمر بن الموصلي الى حين دار القدس الشريف. ثم ذكر بعده شمس الدين بن الجوزي ، إلى حين دار القدس الشريف ، فعاد وقف المدرسة العزية كما تقدم بالقدس الشريف على حكم شرط الواقف.

١٢٠ ـ المدرسة العلمية

شرقي جبل الصالحية وغربي الميطورية. قال عز الدين الحلبي : بانيها الأمير علم الدين سنجر المعظمي في شهور سنة ثمان وعشرين وستمائة انتهى. ولم يذكره الصفدي في تاريخه فانه قال : علم الدين سنجر الحصني وعلم الدين سنجر التركستاني ، وعلم الدين سنجر الصالحي ، وعلم الدين سنجر الحلبي ، وعلم الدين سنجر العبدي ، وعلم الدين سنجر الشجاعي المنصوري ، وعلم الدين سنجر الإمام الأمير العالم المحدث التركي الدواداري ، وعلم الدين سنجر الجاولي (١) وعلم الدين سنجر الحمصي ولم يذكر المعظمي. قال عز الدين ـ ذكر من درس بها ـ : أول من درس بها صدر الدين علي المعروف بأبي الدلالات العباسي إلى أن توفي وناب عنه بها تاج الدين النخيلي نيابة عن ولده نجم الدين حمزة إلى أن توفي الولد. وتولاها بعده تقي الدين التركماني. ثم تولاها بعده شرف الدين الراسعيني. ثم وليها بعده كمال الدين علي بن عبد الحق ، وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. وممن درس بها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن داود بن حازم الأذرعي ، ميلاده سنة أربع وأربعين وستمائة بأذرعات ، تفقه على الشيخ رشيد الدين سعيد البصروي ، وأخذ علم النحو عن بدر الدين بن مالك ، ولما قدم من أذرعات كان دون العشرين بقليل ، فقرأ القرآن الكريم بالجامع الأموي على الشيخ يحيى بن المنبجي (٢) في مدة يسيرة فيما قيل دون ستة أشهر ، ثم اشتغل بالفقه وتوجه إلى حلب ، ودرس بالحلاوية وأفتى ، ثم انتقل إلى دمشق ودرس بالعلمية وغيرها ، وفي سنة خمس وسبعمائة ولي القضاء بدمشق ، وكانت ولايته

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ١٤٢.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣٥٤.

٤٢٩

سنة كاملة ، وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشرين شهر رجب سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بالقاهرة ، وقد مرت له ترجمة مختصرة من كلام ابن كثير في المدرسة الشبلية البرانية ، واتفق له في توليته للقضاء اتفاق غريب. قال ابن كثير في سنة خمس وسبعمائة : وفي يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة وصل البريد من مصر بتولية القضاء لشمس الدين محمد بن إبراهيم الأذرعي قضاء الحنفية عوضا عن ابن الحريري. وقال في سنة ست وسبعمائة : وفي يوم الإحدى والعشرين من شهر ربيع الآخر قدم البريد من القاهرة ومعه تجديد توقيع للقاضي شمس الدين الأذرعي الحنفي ، فظن الناس أنه بولاية القضاء لابن الحريري ، فذهبوا إليه ليهنوه مع البريدي إلى الظاهرية ، واجتمع الناس لقراءة التقليد على العادة ، فشرع الشيخ علم الدين البرزالي في قراءته ، فلما وصل إلى الاسم تبين أنه ليس له وأنه للأذرعي ، فبطل القارئ ، وقام الناس مع البريدي إلى الأذرعي ، وحصلت كسرة وخمدة على الحريري والحاضرين انتهى. وقال الحافظ الحسيني : والحافظ المفيد شرف الدين عبد الله بن محمد بن ابراهيم الواني الحنفي مدرس العلمية ، توفي في سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، وذكره في ذيل العبر في هذه السنة انتهى.

١٢١ ـ المدرسة الفتحية

قال ابن شداد : هي برحيبة خالد ، منشئها الملك الغالب فتح الدين صاحب بارين نسيب صاحب حماة ، ولها أوقاف بالديار المصرية في سنة ست وعشرين وستمائة انتهى. وأنشأ مدرسة أخرى على الشافعية كما مر في مدارسهم. وقال الصفدي في ترجمة خالد بن أسد بن أبي العيش (١) : وذكر أبو الحسين الرازي أن الدار والحمام المعروفين بخالد في رحبة خالد بن أسد. قال ابن عساكر : يشبه أن يكون ذلك نسبة إلى خالد بن عبد الله بن خالد ابن أسد ، أنه كان بدمشق مع عبد الملك ، وهو من أهل دمشق. ثم قال

__________________

(١) شذرات الذهب ١ : ٩٧.

٤٣٠

الصلاح في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد أبي الهيثم البجلي القسري أمير مكة المشرفة للوليد وسليمان أمير العراقين : قال الحافظ ابن عساكر : وداره بدمشق هي الدار الكبيرة التي في مربعة القز بقرب القدم بدار الشريف المزيدي ، وإليه ينسب الحمام الذي مقابل قنطرة سنان بباب توما ، وهو الذي قتل جعد بن درهم ، وكان جوادا سخيا ممدحا فصيحا ، الا أنه كان رجل سوء ، كان يقع في علي رضي الله تعالى عنه ، ويذم بئر زمزم ، وكان نحوا من الحجاج ، مات في المحرم سنة ست وعشرين ومائة ، بعد أن عصرت قدماه ثم ساقاه حتى انقصفنا ثم صلبه فمات حينئذ. ثم قال ابن شداد : أول من درس بها الشيخ بهاء الدين عباس إلى أن توفي ، ثم تولى من بعده الصدر الشريف العباسي وما زال بها إلى أن توفي ، ثم وليها القاضي نظام الدين ابن الشيخ جمال الدين الحصيري في الدولة الناصرية وما زال بها إلى سنة تسع وستين وستمائة ، ثم وليها الزين عبد الرحمن ابن الشيخ نصر وهو مستمر بها إلى الآن انتهى والله تعالى أعلم.

١٢٢ ـ المدرسة الفرخشاهية

قال عز الدين الحلبي : تعرف بعز الدين فرخشاه ، واقفتها حظ الخير خاتون ابنة ابراهيم بن عبد الله والدة عز الدين فرخشاه ، وهي زوجة شاهنشاه بن أيوب أخي صلاح الدين وذلك في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة انتهى. وقال الذهبي في العبر فيمن مات في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة : وفرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي عز الدين صاحب بعلبك وابو صاحبها الملك الأمجد ونائب دمشق لعمه صلاح الدين ، كان ذا معروف وبرّ وتواضع وأدب ، وكان للتاج الكندي به اختصاص ، توفي بدمشق ودفن بقبته التي بمدرسته على الشرف الشمالي في جمادى الأولى ، وهو أخو صاحب حماة تقي الدين انتهى. وقال في مختصر تاريخ الاسلام في السنة المذكورة : وفيها مات عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب صاحب بعلبك ، ودفن بمدرسته

٤٣١

التي على الشرف الأعلى ، وتملك بعلبك ابنه الأمجد انتهى. وقال ابن كثير في السنة المذكورة في تاريخه : فصل في وفاة المنصور عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب صاحب بعلبك ونائب دمشق لعمه الملك صلاح الدين ، وهو والد الملك الأمجد بهرام شاه صاحب بعلبك أيضا بعد أبيه المذكور ، وإليه تنسب المدرسة الفرخشاهية بالشرف الشمالي والى جانبها التربة الأمجدية لولده ، وهما وقف على الحنفية والشافعية ، وقد كان فرخشاه شهما شجاعا بطلا عاقلا ذكيا فاضلا : كريما ممدحا ، امتدحته الشعراء لفضله وجوده واحسانه ، وكان من أكابر أصحاب الشيخ تاج الدين أبي اليمن الكندي ، عرفه من مجلس القاضي الفاضل إلى أن قال : ومن محاسن المنصور عز الدين فرخشاه صحبته لتاج الدين الكندي ، وله في الكندي مدائح ، وقد أورد الشيخ شهاب الدين ذلك مستقصى في الروضتين ، ومن ذلك أنه دخل يوما إلى الحمام فرأى رجلا كان يعرفه من أصحاب الأموال وقد نزل به الحال حتى أنه تستر ببعض ثيابه حتى لا يبدو جسده ، فرق له وأمر غلامه أن ينقل بقجة وسماطا إلى موضع الرجل ، وأحضر ألف دينار وبغلة وتوقيعا له في كل شهر بعشرين ألف درهم ، فدخل الرجل الحمام من أفقر الناس وخرج منه وهو من أغنى الناس ، وذلك منه لوجه الله على الأجواد والأكياس. ثم قال عز الدين المذكور : ولم اتحقق ممن درس بها سوى عماد الدين ابن الفخر غازي إلى أن توفي ، ثم من بعده أوحد الدين محمد بن الكعكي وقد تقدم ذكره في مسجد التاشي. ثم من بعده تاج الدين موسى بن عبد العزيز سوار ، ثم من بعده القاضي عز الدين أبو عبد الله محمد ابن أبي الكرم الحنفي ، وقد تقدم ذكره. ثم من بعده ولده كمال الدين عبد اللطيف في حال حياة والده ، ثم نزل عنها لأخيه عماد الدين عبد الرحيم ، وبقي بها مستمرا إلى أن توفي في سنة تسع وستين وستمائة ، ثم وليها من بعده القاضي تاج الدين عبد القادر بن السنجاري أخو المتوفى ، وهو مستمر بها إلى حين هذا التاريخ انتهى ، يعني سنة أربع وسبعين وستمائة ، ثم درس بها في سنة احدى وثمانين الشيخ شمس الدين بن

٤٣٢

الصفي الحريري كما قال ابن كثير في تاريخه ، وهو قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان بن أبي الحسن بن عبد الوهاب الأنصاري المعروف بابن الحريري حافظ الهداية.

قال قاضي القضاة نجم الدين الطرسوسي في شرح منظومته : ميلاده بدمشق في عاشر صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، وقرأ الفقه على الشيخ عماد الدين ابن الشماع ، وعلى الشيخ رشيد الدين بن البصروي ، وتفقه عليه والدي وعمي قاضي القضاة برهان الدين بن عبد الحق وأخوه الشيخ شهاب الدين والشيخ شمس الدين بن هاشم وشيخنا الشيخ نجم الدين وجماعة ، وشرح الهداية ، وعلق فوائد فقهية ، وولي تدريس المدرسة الخاتونية البرانية في سنة ثمان وتسعين وستمائة ، وولي القضاء بدمشق في يوم الاثنين ثاني شهر رمضان سنة تسع وتسعين وستمائة ، واستناب جدي لأمي أقضى القضاة شمس الدين بن العز ، وذكر الدرس بالمدرسة الخاتونية ، ودرس بالفرخشاهية أيضا قديما في سنة احدى وثمانين وستمائة ، وفي سنة سبعمائة درس بالظاهرية بدمشق عوضا عن القاضي شمس الدين الملطي ، وفي ثاني عشر ذي القعدة سنة سبعمائة عزله قاضي القضاة جلال الدين ، وكانت هذه العزلة غير صحيحة ، فإنها لم تكن من السلطان ، وانما كانت من الوزير والنائب ، ولهذا أحكام جلال الدين فيها لا تنفذ ، ثم في يوم الثلاثاء خامس جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعمائة أعيد إلى القضاء بتقليد السلطان ، فصارت المدة التي لا تنفذ فيها أحكام جلال الدين ستة أشهر وثمانية عشر يوما ، ودرس بالمدرسة المرشدية والصادرية ، وولي بعد مدارس العز في ثامن شهر ربيع الأول سنة عشر وسبع مائة ، ووصل البريد بطلبه إلى القاهرة حاكما وتوجه يوم الاثنين العشرين من الشهر المذكور. وبلغني ممن أثق به أنه امتنع عن ركوب البريد وركب بغلته ، وتوفي بمصر على القضاء في يوم السبت خامس جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة انتهى كلام الطرسوسي. وقد مرت ترجمته لشمس الدين هذا مختصرة في المدرسة الظاهرية.

٤٣٣

تنبيه : ما قدمناه من كلام ابن كثير صريح في أن هذه المدرسة مشتركة بين الفريقين. وفي كلام الأسدي ما يخالفه ، فانه قال عقيب ما تقدم : ودفن بتربته بالشرف الأعلى التي إلى جانب مدرسته وهي على الحنفية ، وولي بعده ابنه الأمجد ، ومن شعر فرخشاه قوله :

إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها

وتوقع حكم العدل أحسن موقعه

فلا تضع المعروف في غير أهله

فظلمك وضع الشيء في غير موضعه

١٢٣ ـ المدرسة القجماسية

داخل باب النصر وباب السعادة ، أنشأها نائب الشام قجماس الاسحاقي الشركسي ، كفل دمشق سبع سنين وثمانية شهور ، ورتب فيها أربعين مقرئا بعد العصر ، كل يوم يقرأ كل منهم جزءا من الربعة ، وشيخا ومجاورين وشيخا لهم ، وأوقافا دارّة ، وفي يوم الأربعاء وهو حادي عشرين ايلول كان يوم عيد الفطر من سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة ، وشاع عند الناس أنه على خطر ، وكان متمرضا ببيت ابن دلامة بالصالحية ، وأتى به ليلة الاثنين قبل العيد بيومين في محفة إلى إصطبل دار السعادة وعيد به ، ودفن بالتربة التي أنشأها بالمدرسة المذكورة عند بيته ، وأول من ولي مشيخة هذه المدرسة العلامة شمس الدين أبو تراب محمد بن رمضان الامامي الدمشقي الحنفي الصوفي انتهى.

١٢٤ ـ المدرسة القصاعية

بحارة القصاعين أنشأتها خطبلسي خاتون بنت ككجا في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. قال عز الدين : والذي رأيته مكتوبا بنقر في صخرة فوق بابها أن اسمها فاطمة بنت الأمير كوكجا ، وكذا هو في كتاب وقفها كما أخبرني عاملها القاضي بهاء الدين الحجيني ، وشرط الواقف فيها إذا تعذر الحضور بالمدرسة يخبر بالجامع بالرواق الشمالي ، وأن شرط المدرس بها أن يكون أعلم الحنفية بالأصلين ، ثم قال عز الدين : ذكر من علم ممن درس بها شهاب الدين علي الكاسي ، ثم وليها

٤٣٤

شرف الدين بن سوار إلى أن سافر إلى بغداد. ووليها بعده رضي الدين الموصلي ، وبقي بها مدة ، ثم توجه إلى الديار المصرية. ووليها بعده القاضي تاج الدين أبو عبد الله محمد بن وثاب بن رافع النخيلي إلى أن مات فجأة في مساطب الحمام بعد خروجه سنة سبع وستين وستمائة يعني ودفن بقاسيون. ووليها بعده بدر الدين الفويرة ، وهو مستمرّ بها إلى سنة أربع وسبعين وستمائة انتهى. قال الذهبي في مختصره فيمن مات سنة خمس وسبعين وستمائة : وابن الفويرة بدر الدين محمد ابن عبد الرحمن بن محمد السلمي الدمشقي الحنفي أحد الأكابر الموصوفين ، درّس وافتى وبرع في الفقه والأصول والعربية ونظم الشعر الرقيق الرابق ، وتوفي في الحادي والعشرين من جمادى الأولى قبل الكهولة انتهى. وقال تلميذه ابن كثير في تاريخه في هذه السنة : محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الحافظ بدر الدين أبو عبد الله بن الفويرة السلمي الحنفي ، اشتغل على الصدر سليمان وابن عطاء ، وفي النحو على ابن مالك ، وحصل وبرع ونظم ونثر ، ودرس في القصاعين والشبلية ، وطلب لنيابة القضاء وامتنع ، وكتب الكتابة المنسوبة ، وقد رآه بعض أصحابه في المنام بعد وفاته فقال : ما فعل الله بك؟ فأنشأ يقول :

ما كان لي من شافع عنده

غير اعتقادي أنه واحد

وتوفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الأولى ، ودفن بظاهر دمشق انتهى. ثم وليها بعده عماد الدين بن الشماع ، قال الصفدي في المحمدين : محمد بن عبد الكريم ابن عثمان عماد الدين أبو عبد الله المارديني الحنفي المعروف بابن الشماع ، كان من فقهاء الحنفية ، درّس بمدرسة القصاعين بدمشق وغيرها ، وكان عنده فطنة وتيقظ ، وبيته مشهور بماردين بالحشمة والرياسة ، توفي رحمه‌الله تعالى في سنة ست وسبعين وستمائة ، وهو فيما يقارب الخمسين انتهى. ثم وليها بعده الحسام الرازي ، قال العلامة نجم الدين الطرسوسي في شرح منظومته : وممن درس بها قاضي القضاة جلال الدين أحمد ابن قاضي القضاة حسام الدين الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنو شروان الرازي الحنفي ، ميلاده سنة إحدى وخمسين وستمائة ، ولي القضاء بخرت برت وعمره سبع عشرة سنة ، وناب عن والده في الحكم في

٤٣٥

سنة ست وتسعين بتقديم التاء ، وفي سنة سبع بتقديم السين وتسعين بتقديم التاء ولي القضاء استقلالا عن والده لما انتقل والده إلى القاهرة ، ودرس بالخاتونية العصمية ، ودرس أيضا بالزنجارية ، والعذراوية ، والمقدمية ، توفي يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب سنة خمس وأربعين وسبعمائة انتهى ، وقد مرت ترجمة والده الحسام ثم ترجمته من كلام غير ابن الطرسوسي في الخاتونية الجوانية. وقال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثمانمائة : وممن توفي فيها الشيخ العالم شرف الدين يعقوب بن التباني الحنفي المصري ، تفقه على والده وغيره ، ودرّس بعدّة أماكن ، وأفتى ، وولي ولايات عديدة ، وكان في آخر عمره من أعيان الحنفية بالديار المصرية ، وقد قدم علينا دمشق في شهر رجب سنة اثنتي عشرة هاربا من الملك الناصر اتهمه بمكاتبة الأمير شيخ لمكان أخيه ، ثم ولاه النائب شيخ مشيخة الشيوخ في شوال سنة اثنتي عشرة عوضا عن القاضي شهاب الدين الباعوني ، ودرس بالمقصورة بالجامع الأموي عن الخاتونية بالقصاعين لخرابها ، وكانت بيد القاضيين صدر الدين بن الآدمي وشهاب الدين ابن العز ، ثم أنه عاد إلى مصر واستمر بها على جهاته وغيرها ، محروق الميل في غالب أوقاته لا يزال مسبوقا ، وكان فاضلا في عدة علوم ، من أعيان علماء بلده ، بلغني وفاته بمصر في هذا الشهر ، والظاهر أنه في أواخر الشهر الماضي ، وهو في عشر السبعين ظنا ، وأخوه القاضي شمس الدين ، توفي في شهر رمضان سنة ثمان عشرة انتهى. ثم درس بها قاضي القضاة عماد الدين بن العز الصالحي الشهير بابن الكشك. ثم أولاده من بعده. ثم قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عمر بن علي الصفدي الحنفي. ثم قاضي القضاة حسام الدين محمد ابن قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن بن العماد الكاتب الحنفي. ثم قاضي القضاة حميد الدين محمد ابن قاضي بغداد النعماني. ثم أعيد إليها قاضي القضاة حسام الدين ، واشتغل بها إلى الآن ، توفي في ثاني عشر شهر رمضان سنة أربع وسبعين وثمانمائة ، فاستقر بها ولده جلال الدين محمد إلى أن توفي في رابع شهر رجب سنة إحدى وثمانين ، فاستقر بها مفتي الحنفية شرف الدين قاسم بن محمد بن معروف الرومي

٤٣٦

ثم الدمشقي الحنفي إلى أن توفي في رابع عشر شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين. ثم استقر بها قاضي القضاة محب الدين بن علاء الدين علي بن أحمد بن هلال بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقي الشهير بابن القصيف في سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين. ودرّس بها في هذه السنة وأعاد بهذه المدرسة الفقيه شهاب الدين أحمد ابن الشيخ الفقيه مجير الدين محمد ابن الصدر نجم الدين محمد بن فخر الدين مفضل بن محمد بن سعد بن الوزان الحنفي ، كان فقيها ، وحفظ الهداية في الفقه ، وحفظ عدة كتب ، وكان مجانبا للناس ، قليل الخلطة. قال الحافظ البرزالي : وباشر الاعادة بمدرسة القصاعين ، سمع من ابن البخاري ، وزينب بنت مكي ، ولم يرو شيئا ، توفي يوم السبت سادس عشر صفر. فائدة : قال الأسدي في تاريخه في سنة ست وتسعين وخمسمائة : عسكر بن خليفة بن خياط الفقيه أبو الجيوش الحموي الحنفي ، حدث عن نصر الله المصيصي ، وهبة الله بن طاووس ، وكان من خيار الحنفية بدمشق ، روي عنه الشهاب القوصي فقال : شيخ الاسلام بدر الدين ، كان مبرزا في جميع الفنون ، قرأت عليه بمدرسة القصاعين ، توفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الأولى انتهى.

١٢٥ ـ المدرسة القاهرية بالصالحية

على حافة يزيد لصيق دار الحديث القلانسية المشهورة الآن بالخانقاه يفصل بينهما الطريق وغربي المدرسة العمرية.

١٢٦ ـ المدرسة القليجية

قال ابن شداد : الموصي بوقفها الأمير سيف الدين علي بن قليج النوري إلى قاضي القضاة صدر الدين بن سني الدولة الشافعي ، وعمّرها بعد وفاة الموصي في سنة خمس وأربعين وستمائة انتهى. وقال الشيخ تقي الدين الأسدي : وبها قبر الواقف انتهى. وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه في سنة ثلاث وأربعين وستمائة : وفيها وفاة واقف القليجية الحنفية ، وهو الأمير سيف الدين بن قليج ، ودفن

٤٣٧

بتربته التي بمدرسته المذكورة التي كانت سكنه بدار الفلوس انتهى. ورأيت بخط الحافظ علم الدين البرزالي في تاريخه في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة : في شهر رجب منها كانت وفاة زوجة نائب الشام دنكز ، وعمل عزاؤها بالمدرسة القليجية الحنفية جوار الدار التي دفنت فيها انتهى. وأظنها التي قبلي الخضراء قبليّ الجامع الأموي شمالي الصدرية ، وغربي تربة قاضي القضاة الجمال المصري ، ورأيت على عتبة شباك بها وأظنها التربة. قال الأمير المرابط السيد الشهيد الأسفهسلار سيف الدين أبو الحسن علي بن قليج بن عبد الله رحمه‌الله تعالى ، وأوصى أن تكتب هذه الأبيات على تربته بعد وفاته رحمه‌الله تعالى ورحم أموات المسلمين :

هذه دارنا التي نحن فيها

دار حقّ وما سواها يزول

فاعتمر ما استطعت دارا إليها

عن قليل يفضي بك التحويل

واعتمد صالحا يؤانسك فيها

مثلما يؤنس الخليل الخليل

انتهى. وأحسن من هذه الأبيات ما كتبه سعدون المجنون على جدار قبر في مقبرة حرب هذه الأبيات وهي :

يا طالب الدنيا إلى نفسه

إن لها في كل يوم خليل

ما أقبح الدنيا لخطابها

تقتلهم عمدا قتيلا قتيل

تستنكح البعل وقد وطنت

في موضع آخر منه البديل

أنى لمغتر وإن البلى

يعمل في النفس قليلا قليل

تزود إلى الموت زادا فقد

نادى مناديه : الرحيل الرحيل

ثم قال ابن شداد : أول من ذكر بها الدرس شمس الدين علي ابن قاضي العسكر إلى أن توفي وبقيت على أولاده. وناب عنهم فخر الدين إبراهيم بن خليفة البصروي ، ثم اشتغل بها إلى أن انتقل إلى التدريس. وتولاها بعده تقي الدين أحمد ابن قاضي القضاة صدر الدين سليمان الحنفي ، ثم أخذت منه ووليها بهاء الدين أيوب بن النحاس ، وهو بها إلى الآن انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة تسع وتسعين وستمائة : وأيوب ابن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الشيخ بهاء

٤٣٨

الدين أبو صابر الأسدي الحلبي الحنفي الشهير بابن النحاس ، مدرس القليجية وشيخ الحديث بها ، روى لنا عن ابن روزبه ، وعن مكرم ، وابن الخازن (١) ، والكاشغري ، وابن خليل ، توفي في شوال عن اثنين وثمانين سنة انتهى. ثم درس بها الشيخ شمس الدين بن العز ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الظاهرية الجوانية. ثم درس بها بعده ابنه علاء الدين. وقال الدمشقي ـ أي السيد شمس الدين الحسيني ـ في ذيل العبر في سنة تسع وأربعين وسبعمائة : وشيخ الشيوخ علاء الدين علي بن محمود بن حميد القونوي (٢) ثم الدمشقي الحنفي مدرس القليجية انتهى. ثم قال في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة : ومات شيخنا المعمر الثقة داود أبو سليمان بن إبراهيم بن داود العطار الدمشقي الشافعي ، ولد في شوال سنة خمس وسبعين وتفقه وجوّد الخط ، وحدث عن الشيخ شمس الدين وابن أبي الخير ، وابن علّان وطائفة ، وأجاز له شيخ الاسلام محيي الدين النواوي ، وابن عبد الدائم ، وابن أبي اليسر وآخرون رحمهم‌الله تعالى في جمادى الآخرة من السنة المذكورة انتهى.

١٢٧ ـ المدرسة القيمازية

قال عز الدين : داخل بابي النصر والفرج ، منشئها صارم الدين قايماز النجمي انتهى. قال أبو شامة في الروضتين في سنة ست وتسعين وخمسمائة : فصل في وفاة جماعة من الأعيان في هذه السنة ، قال العماد : وفيها ثالث عشر جمادى الأولى توفي في داره بدمشق الأمير صارم الدين قايماز النجمي ، وكان يتولى أسباب صلاح الدين رحمه‌الله تعالى في مخيمه وبيوته ، ويعمل عمل أستاذ الدار ، وإذا فتح بلدا سلمه إليه واستأمنه عليه ، فيكون أول من افتضّ عذرته ، وشام ديمته ، وحصل له من بلد آمد عند فتحها ، ومن ديار مصر عند فتح عاضدها أموال عظيمة ، وتصدّق في يوم واحد بسبعة آلاف دينار مصرية عينا ، وأظهر أنه قضى من حقوق الله في ذمته دينا ، وهو بالعرف معروف ، وبالخير موصوف ، يحب

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٤٥.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٨٤.

٤٣٩

اقتتاء المفاخر ، ببناء الربط والقناطر ، ومن جملتها رباط خسفين ، ورباط نوى ، وله مدرسة مجاورة داره ، ولقد كفى الله دمشق الحصر نهض وراء العادل إلى مصر ، فرده إلى دمشق ليلازم خدمة المعظم ولده ، وأن يكون من أقوى عدده وأوفى عدده ، وكان في خلقه رغادة ، وكانت حصافئه مستعادة. قال : ولما دفن نبشت أمواله وفتشت رحاله ، وحضر أمناء القاضي وضمناء الوالي ، وأخرجوا خبايا الزوايا ، وسموط النقود وخطوط النسايا ، وغيروا رسوم المنزل ومعالمه ، واستنبطوا دنانيره ودراهمه ، وحفروا أماكن في الدار وبركة الحمام في الجوار ، فحملوا أوقارا من النضار ، وظهروا على الكنوز المخفية ، والدفائن الألفية ، فقيل زادت على مائة ألف دينار ، وهو قليل في جنب ما يحرز به من كذا وكذا قنطارا ، واستقل ما حواه الخزن ، وأخفاه الدفن ، وقيل كان يكنز في صحارى ضياعه ، ومفازات أقطاعه ، وأتهم بعده جماعة بأن له عندهم ودائع ، وتأذى بذلك منهم المتأبي والطائع ، وداره بدمشق هي التي بناها الملك الأشرف أبو الفتح موسى بن العادل دارا للحديث في سنة ثلاثين وستمائة ، وأخرب الحمام الذي كان مجاورا لها ، وأدخله في ربعها ، وذلك في جوار قلعة دمشق بينهما الخندق والطريق ، وثم مدرسته المعروفة بالقمازية انتهى.

وقال ابن كثير في تاريخه في سنة ست وتسعين وخمسمائة : والأمير صارم الدين قايماز بن عبد الله النجمي ، من أكابر الدولة الصلاحية ، وكان عند الملك صلاح الدين بمنزلة أستاذ دار ، وهو الذي تسلم القصر حين مات العاضد بمصر ، فحصل له أموال جزيلة جدا ، وكان كثير الصدقات والأوقاف ، وقد تصدّق في يوم بسبعة آلاف دينار ، وهو واقف المدرسة القيمازية شرقي القلعة المنصورة ، وقد كانت دار الحديث الأشرفية دارا لهذا الأمير وله بها حمام ، فاشترى ذلك الملك الأشرف فيما بعد موسى بن العدل ، وبناها دار حديث ، وأخرب الحمام وبناه مسكنا للشيخ المدرس بها ، ولما توفي ودفن في قبره نبشت دوره وحواصله وكان متهما بمال جزيل ، وقد كان متحصل ما جمع من ذلك مائة ألف دينار ، وكان يظن أن عنده أكثر من ذلك ، ولكن كان يدفن أمواله في الخراب من أراضي

٤٤٠