الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

وكان يعرف بالحنبلي ، وكان فاضلا دينا بارعا في علم الخلاف وفقه الطريقة ، حافظا للجمع بين الصحيحين للحميدي (١) ، توفي في سادس شوال سنة ثمان وثلاثين وستمائة. قال ابن كثير في تاريخه : وناب في الحكم عن جماعة من القضاة إلى أن توفي ، وهو نائب الرفيع الجيلي ، ودفن بقاسيون. ورأيت بخط الأسدي : الصالحية بتربة أم الصالح ، درّس بها شهاب الدين بن المجد لما ولي القضاء سنة اثنتين وثلاثين ، ثم درّس بها ناصر الدين بن المقدسي ، وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الرواحية. وقال ابن كثير في سنة تسع وثمانين وستمائة : ودرّس بأم الصالح بعد ابن المقدسي القاضي إمام الدين القزويني ، وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الرواحية. ورأيت بخط الأسدي : الصالحية بتربة أم الصالح ، درّس بها شهاب الدين بن المجد لما ولي القضاء سنة اثنتين وثلاثين.

وقال البرزالي في سنة خمس وثلاثين : وفي مستهل المحرم يوم الخميس ذكر الدرس بالمدرسة الصالحية المعروفة بتربة أم الصالح الفقيه شمس الدين ابن خطيب يبرود عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين بمقتضى انتقاله إلى المدرسة العادلية والغزالية والأتابكية وتولية الحكم بدمشق واستمراره على تدريس الإقبالية انتهى كلامه. وقد تقدمت ترجمة الشيخ شمس الدين هذا في المدرسة الدماغية. ثم درس بها آخر عمره الشيخ الإمام سعد الدين سعد بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف النواوي الدمشقي ، ميلاده سنة تسع (بتقديم التاء) وعشرين وسبعمائة ، قدم دمشق صغيرا ، وسمع الحديث واشتغل ، ولازم الشيخ تاج الدين المراكشي (٢) مدة ، وتفقه على الشيخ شمس الدين ابن قاضي شهبة ، وقرأ على الشيخ عماد الدين ابن كثير علوم الحديث الذي ألفه وأذن له بالفتوى ، واشتغل بالجامع وأعاد بالناصرية والقيمرية ، وكتب في الإجازات وعلى الفتاوى ، وناب في القضاء ، وحصل له بعد الفتنة فاقة بعد ما كان مثريا ، توفي في شهر ربيع الآخر سنة خمس وثمانمائة ببلد الخليل على نبينا

__________________

(١) شذرات الذهب ٣ : ٣٩٢.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ١٧٢.

٢٤١

وعليه الصلاة والسلام قاضيا بها ، وكان قد ولي ذلك مدة يسيرة. وقال الشيخ تقي الدين ابن قاضي شهبة في ذيله في جمادى الأولى سنة تسع عشرة : الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الحواري الشافعي ، مولده في المحرم سنة سبع وخمسين وسبعمائة بقرية حوار ، قدم دمشق ، وقرأ القرآن الكريم بالسنجارية ، ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدين الزهري ، واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدين ولازمه كثيرا ، وأخذ عن علاء الدين المجدلي ، وقال إنه انتفع به واشتغل عند مشايخ ذلك العصر إلى أن نبه وفضل ، وحضر الدروس مع الفقهاء وظهر فضله ، وأذن له الشيخ سراج الدين في الإفتاء لما قدم دمشق ، ثم نزل له الشيخ شهاب الدين بن حجي عن إعادة الشامية البرانية بعوض ، وجلس للاشتغال بالجامع الأموي ، وانتفع به الطلبة واشتهر اسمه ، وقد درّس في آخر عمره بالعذراوية ، وكان عاقلا ذكيا يتكلم في العلم كلاما حسنا ، ويكتب على الفتاوى كتابة جيدة ، وعنده إنصاف ومحاضرة حسنة ، وفي آخر عمره لم يكن بقي في أقرانه من يناظره في العلم والرواج سوى الشيخ شهاب الدين الغزي ، وكان في يده جهات كثيرة ، ومات ولم يحج ، وكان قد اشتغل علي كثيرا ، ولم يكن له مختصر يحفظه ، وإنما كان يستحضر من التمييز ، لأنه علق بعضه بخاطره لما أقرأه لولدي مولانا الشيخ ، وقد مرض بالاستسقاء وطال مرضه حتى رأى في نفسه العبر ، وذلك بالخانقاه النجيبية ، ثم انتقل في آخر مرضه عند تيقنه الموت إلى البيمارستان النوري لغرض الصلاة عليه بالجامع الأموي ولغير ذلك ، توفي يوم الأربعاء خامسه بعد العصر وصلي عليه من الغد بالجامع الأموي ، وحضر جنازته خلق كثير من القضاة والفقهاء والأعيان ، ودفن بمقبرة الصوفية عند قبر شيخه القاضي شهاب الدين الزهري ، ومحقت تركته ولم يظهر لها عصارة ، ونزل عن وظائفه للقاضي تاج الدين الزهري ولولديه. ثم قال الشيخ تقي الدين في ذيله لتاريخ شيخه الحافظ ابن حجي في سنة تسع عشرة وثمانمائة : وفي يوم الأربعاء تاسع عشره درس القاضي تاج الدين بن

٢٤٢

الزهري بالمدرسة العذراوية وبالشامية البرانية عوضا عن الشيخ شهاب الدين بن نشوان نزل له ولولديه عن جهاته ، ومنها هذه المدرسة أم الصالح وثلث العزيزية وإعادته بالشامية البرانية وإعادة العادلية الصغرى وتصدير الجامع ، وذلك مضافا إلى ما بيده من تدريس الشامية البرانية ، والعادلية الصغرى ، وإفتاء دار العدل ، وقضاء العسكر ، وتصدير الجامع وغير ذلك من الوظائف والأنظار انتهى.

وقد مرّ في الشامية البرانية أن من شروط واقفها أن لا يجمع المدرس بها بينها وبين غيرها ، فلا قوة إلا بالله ، وباشر مشيخة الإقراء بهذه المدرسة الشيخ الإمام العلامة علم الدين أبو الفتح علي بن محمد بن عبد الصمد الهمذاني السخاوي المصري ، شيخ القراء والنحاة والفقهاء في زمانه بدمشق ، ولد سنة ثمان أو تسع وخمسين وخمسمائة. قال الذهبي في العبر في سنة ثلاث وأربعين وستمائة : وعلم الدين السخاوي أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد ابن عبد الأحد الهمذاني المقرئ النحوي ، ولد قبل الستين وخمسمائة ، وسمع من السلفي وجماعة ، وقرأ القراآت على الشاطبي والغزنوي (١) وأبي الجود (٢) والكندي ، وانتهت إليه رياسة الإقراء والأدب في زمانه بدمشق ، وقرأ عليه خلق لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى ، وما علمت أحدا في الإسلام حمل عنه القراآت أكثر مما حمل عنه ، وله رحمه‌الله تعالى تصانيف سائرة متقنة ، توفي رحمه‌الله تعالى ورحمنا به بمسكنه بتربة أم الصالح المذكورة في ثاني عشر جمادى الآخرة ودفن بتربته بجبل قاسيون. ثم قال الذهبي فيها في سنة إحدى وثمانين : وقال الصفدي أبو الفتح الأنصاري الملوني محمد بن علي ابن محمد بن موسى شمس الدين ، لم يشتهر إلا بكنيته ، كان فاضلا عارفا بالقراآت تفرّد بذلك في وقته ، وكان يقرئ بتربة أم الصالح هذه بدمشق ، توفي في سابع عشر صفر سنة سبع وخمسين وستمائة ، وانتفع به الناس انتهى. ثم قال الذهبي في العبر سنة إحدى وثمانين وستمائة : والشيخ زين الدين الزواوي

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٣٤٣.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٧.

٢٤٣

الإمام أبو محمد عبد السلام بن علي بن عمر ابن سيد الناس المالكي القاضي المقرئ شيخ المقرئين ، ولد ببجاية سنة تسع وثمانين وقرأ القرآن الكريم بالإسكندرية على عيسى (١) ، وبدمشق على السخاوي ، وبرع في الفقه وعلوم القرآن والزهد والإخلاص ، ولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح اثنتين وعشرين سنة ، وقرأ عليه عدد كثير ـ وولي القضاء تسعة أعوام ، ثم عزل نفسه يوم موت رفيقه القاضي شمس الدين بن عطاء (٢) ، واستمرّ على التدريس والإفراء بتربة أم الصالح إلى أن توفي رحمه‌الله تعالى في شهر رجب منها. ثم قال فيها في سنة اثنتين وتسعين وستمائة : والقاضي جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي المقرئ صاحب السخاوي ، ولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح مدة ، وسمع من ابن الزبيدي وجماعة ، وكتب الكثير ، توفي في جمادى الأولى انتهى. ثم وليها شيخ القراء والنحاة مجد الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم التونسي الشافعي ، أخذ القراآت والنحو عن الشيخ حسن الراشدي ، وتصدر بتربة الأشرفية الآتية وبأم الصالح هذه ، وتخرج به الفضلاء ، وكان دينا صيتا ذكيا ، حدث عن الفخر علي ، مات بدمشق في ذي القعدة سنة ثمان عشرة وسبعمائة عن اثنتين وستين سنة قاله الذهبي. وقال ابن كثير في هذه السنة المذكورة : وفي يوم الأربعاء ثاني عشرين شوال بكرة باشر بدر الدين محمد بن بضحان مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ مجد الدين التونسي توفي ، وحضر عنده الأعيان ، وقد حضرته يومئذ انتهى. ثم وليها العالم المفنن شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم البعلبكي المعروف بابن النقيب ، سمع بدمشق من ابن الشحنة ، والشيخ برهان الدين الفزاري ، وعلاء الدين بن العطار وطائفة ، وبالقاهرة من جماعة ، وأخذ القراآت عن الشيخ شهاب الدين الكفري ، والنحو عن الشيخين مجد الدين التونسي وأبي حيان ، والأصول عن الأصفهاني ، وولي مشيخة الإقراء بأم الصالح هذه ومشيخة الأشرفية ، ودرّس

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٣٢.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣٤٠.

٢٤٤

بالعادلية الصغرى والقليجية ، وولي إفتاء دار العدل ، وناب في الحكم عن ابن المجد. وقال ابن كثير : وكان بارعا في القراآت والنحو والتصريف ، وله يد في الفقه وغيره ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر رمضان سنة أربع وستين وسبعمائة ، ودفن بمقبرة الصوفية. ثم وليها الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن بلبان بن عبد الله البعلبكي الشافعي المقرئ المجود النحوي المتقن شيخ وظيفة الإقراء بتربة أم الصالح هذه ، وبالأشرفية ومدارس القليجية والعادلية الصغرى ، وكان مولده ببعلبك في سنة ثمان وتسعين وستمائة ، وانتقل إلى دمشق ، فاشتغل بالعلم ، وتلا بالسبع على الشيخ شهاب الدين الحسين بن سليمان الكفري الحنفي ، وأخذ النحو عن الشيخ مجد الدين التونسي ، وناب في الحكم لقاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد ، وسمع من الشيخ شهاب الدين محمود بن سلمان الحلبي (١) ، وعلاء الدين علي بن إبراهيم بن داود العطار وغيرهما ، وباشر وظيفة إفتاء دار العدل بدمشق مدة ، وخلفه فيها صهره شهاب الدين الزهري المتقدم ذكره ، توفي في شهر رمضان سنة أربع وستين وسبعمائة ، قاله السيد شمس الدين الحسيني. ثم وليها بعده الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الإمام العلامة شمس الدين بن اللبان المصري ، سمع الحديث من جماعة ، ونفقه على ابن الرفعة وغيره ، وصحب في التصوف الشيخ ياقوت الملثم (٢) بالإسكندرية صاحب أبي العباس المرسي صاحب الشيخ أبي الحسن الشاذلي ، توفي شهيدا في شوال سنة تسع وأربعين وسبعمائة. ثم وليها العلامة شمس الدين ابن الجزري المقرئ مع مشيخة العادلية ، وقد تقدمت ترجمته في دار القرآن الجزرية. ثم انتقلنا إلى ولده فتح الدين ، وقد تقدمت ترجمته بالمدرسة الأتابكية. ثم نزل عنها قبيل وفاته في صفر سنة أربع عشرة للشيخ شرف الدين صدقة المقرئ الضرير. ثم تلقاهما عنه الشيخ فخر الدين بن الصلف ، وهو عثمان بن محمد بن خليل بن أحمد بن يوسف الشيخ الإمام العلامة أبو

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٦٩.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ١٠٣.

٢٤٥

عمرو فخر الدين بن الصلف (بمهملة ولام مكسورة) الدمشقي الشافعي المقرئ رئيس المؤذنين بالجامع الأموي ولد سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة ، ومات في أواخر طاعون سنة إحدى وأربعين وفي ليلة الأحد خامس عشر شوال من السنة بدمشق ، وكانت جنازته حسنة حافلة أه. قلت : وباشر مشيخة الحديث بهذه المدرسة العلامة كمال الدين بن الشريشي ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. قال ابن كثير : وفي يوم الاثنين العشرين من ذي الحجة سنة ثمان عشرة وسبعمائة باشر الشيخ شمس الدين الذهبي الحافظ بتربة أم الصالح عوضا عن كمال الدين بن الشريشي ، توفي بطريق الحج ، وقد كان له في مشيختها ثلاث وثلاثون سنة ، وحضر عند الذهبي جماعة من القضاة انتهى ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث السكرية ، وكان أراد أن أن يلي بعد موت المزي دار الحديث الأشرفية هذه ، فلم يمكن من ذلك لفقد شرط الواقف في اعتقاد الشيخ فيه انتهى. ثم وليها بعده الحافظ عماد الدين بن كثير ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية.

(فائدة) : قال الذهبي في العبر في سنة عشرين وسبعمائة : ومات في شهر ربيع الآخر بمصر المعمّر المقرئ الرحلة أبو علي الحسن بن عمر بن عيسى الكردي الدمشقي ابن فراش تربة أم الصالح عن نيف وتسعين سنة ، سمع من ابن اللتي كثيرا وهو حاضر ، سكن بالجيزة ، وكان يرتزق ببيع الورق ، في سنة اثنتي عشرة صمّ وثقل سمعه بآخرة بحيث أنه حدث بالأول من حديث ابن السماك تلقينا ، وكان رأس ماله نحو درهمين ، ثم وصلوه بدراهم منها في صرة مائة درهم وأكثروا عنه انتهى.

٥٥ ـ المدرسة الصارمية

داخل باب النصر والجابية قبلي العذراوية بشرق. قال القاضي عز الدين : بانيها صارم الدين أزبك مملوك قايماز النجمي انتهى. ورأيت مرسوما بعتبتها ما صورته : بسم الله الرحمن الرحيم هذا المكان المبارك إنشاء الطواشي الأجل

٢٤٦

صارم الدين جوهر بن عبد الله الحر عتيق الست الكبيرة الجليلة عصمة الدين عذراء (١) ابنة شاهنشاه رحمها الله تعالى ، وهو وقف محرم وحبس مؤبد على الطواشي المسمى أعلاه مدة حياته ، ثم من بعد حياته على المتفقهة من أصحاب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، والنظر في هذا المكان والوقف عليه للطواشي جوهر المسمى أعلاه مدة حياته على ما دوّن في كتاب الوقف. فمن بدّله الآية. كتب سنة اثنتين وعشرين وستمائة انتهى. وهي عبارة ركيكة واقلها عبارة الطواشي ، وعلى كل حال فقوله أزبك فيه نظر والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم قال القاضي عز الدين : الذي علم من مدرسيها القاضي نجم الدين بن الحنبلي ، ثم من بعده ولده ، ثم من بعده تاج الدين عبد الرحمن يعني الفركاح ، ثم أخوه شرف الدين وهو مستمر بها إلى الآن انتهى.

ثم درّس بها العلامة نجم الدين الحنبلي ، وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الصالحية. قال ابن كثير في سنة أربع وعشرين وسبعمائة : شيخنا القاضي المعمر الفقيه محيى الدين أبو زكريا يحيى ابن الفاضل جمال الدين إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي ، اشتغل على الشيخ النواوي ولازم المقدسي ، وولي الحكم بزرع وغيرها ، ثم أقام بدمشق يشتغل في الجامع ، ودرّس في الصارمية ، وأعاد في تداريس عدة إلى أن توفي في سلخ شهر ربيع الآخر ، ودفن بقاسيون ، وقد قارب الثمانين ، وسمع كثيرا ، وخرّج له الذهبي شيئا ، وسمعنا عليه الدارقطني وغيره انتهى.

ورأيت بخط الحافظ علم الدين البرزالي في تاريخه في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة : وفي ليلة السبت العشرين من جمادى الآخرة توفي الشيخ الفقيه الإمام نجم الدين أبو محمد هاشم ابن الشيخ عبد الله بن علي التنوخي البعلبكي بالمدرسة الصارمية التي هو مدرّسها ، وصلي عليه ظهر السبت بجامع دمشق ، ودفن بمقبرة باب الصغير ، وحضره جماعة من الفقهاء ، وكان ممن اشتغل بالعلم مدة عمره ، وكتب ونسخ وحصل الكتب ، وقرأ على الشيوخ ،

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ١٨.

٢٤٧

وسمع بقراءتي على الشيخ تاج الدين الفزاري وغيره ، وتوجه في الجفل إلى القاهرة ، وسمع من المقاتلي ، وولي المدرسة بعده الشيخ عماد الدين ولد قاضي القضاة علم الدين الأخنائي ، ودرّس بها في تاسع عشر رجب انتهى.

وقال ابن كثير في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين : وفي هذا الشهر تولى عماد الدين ابن قاضي القضاة الأخنائي تدريس الصارمية وهو صغير بعد وفاة النجم هاشم البعلبكي ، وحضرها في شهر رجب وحضر عنده الناس خدمة لأبيه انتهى. ثم درّس بها الشيخ السيد الشريف شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي نزيل الشامية الجوانية ، ميلاده سنة سبع عشرة وسبعمائة ، اشتغل وفضل ودرس بهذه المدرسة وأعاد بغيرها ، وكتب الكثير نسخا وتصنيفا بخطه الحسن ، فمن تصنيفه : مختصر الحلية لأبي نعيم (١) سماه (مجمع الأحباب) في مجلدات ، و (تفسير كبير) و (شرح مختصر ابن الحاجب) في ثلاث مجلدات ، نقل فيه كلام الأصفهاني فأكثر ، ونقل من شرح القاضي تاج الدين فوائد ، وصرّح بنقلها منه ، وكتاب في (أصول الفقه) مجلد ، وكتاب (الرد على الأسنوي في تناقضه). قال الحافظ ابن حجي السعدي : سمعته يعرض بعضه على القاضي بهاء الدين أبي البقاء السبكي قبل سفره إلى مصر ويقرأ عليه فيه. قال : وكان منجمعا عن الناس ، وعن الفقهاء خصوصا ، توفي في شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة ، ودفن عند مسجد القدم. ثم درّس بها شرف الدين يونس ابن قاضي القضاة علاء الدين علي ابن قاضي القضاة أبي البقاء السبكي وهو صبي صغير ، توفي في يوم الأربعاء خامس عشرين صفر سنة أربع عشرة وثمانمائة ، كان قد صلى في العام الماضي بمدرسة الخبيصية ، وله ذكاء ومعرفة ، وحضر جنازته. خلق من الفقهاء. قال الأسدي : وهو أخر من بقي من الذكور من ذرية أبي البقاء فيما أظن ، إلا أن يكون بمصر أحد من أولاد ابن عمه جلال الدين ابن القاضي بدر الدين ، وولي وظائفه ، وحضر في تدريس العزيزية

__________________

(١) شذرات الذهب ٣ : ٢٤٥.

٢٤٨

والقيمرية الشيخ شهاب الدين بن حجي ، والتصدير قاضي القضاة نجم الدين ابن حجي ، ثم تركه لابن خطيب عذرا ، وأرسل إلى القاضي أن يقرره فيه ، وتدريس الصارمية لشمس الدين الكفيري اه ، وقد تقدمت ترجمة شمس الدين هذا في الشاهينية. ثم قال الأسدي في شعبان سنة إحدى وثلاثين : القاضي شمس الدين محمد بن خطيب قارا ، حفظ المنهاج واشتغل يسيرا ، ثم ولي القضاء بمعاملات منها حمص والقدس ، ثم توصل إلى قضاء طرابلس ، فوليه بمساعدة القاضي شمس الدين الهروي في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين. فلما ولي قاضي القضاة نجم الدين ابن حجي كتابة السر يعني بمصر هرب من طرابلس خوفا منه لأنه كان يكرهه. ثم ولي قضاء حماة في شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين. ثم عزل في ذي القعدة سنة ثلاثين ، وذهب إلى مصر ، فلما وصل الخبر إلى مصر بوفاة الشيخ شمس الدين الكفيري بقي في وظائفه ، وكتب خطه بمبلغ ، وقدم دمشق فلم يصل إلى شيء من جهات المذكور لاستقرار غيره فيها ، فتوجه إلى مصر على طريق الساحل مرافقا لمن وقف في طريقه ، وساعيا في القضاء على ما قيل ، فغرق بالقرب من دمياط ، وسلم من كان معه ، ولم يغرق سواه لتأخره عن التحول من المركب إلى عيره بسبب ما كان معه من المال في المركب ، توفي في عشر الستين ، وكان لا بأس بمباشرته ، وترك عليه ديونا كثيرة. ووصل الخبر بوفاته إلى دمشق في حادي عشرين الشهر ، وفي ثالث عشرين أيضا جاء الخبر إلى دمشق أن ولد القاضي بدر الدين بن مزهر استقرّ في وظائف الشيخ شمس الدين الكفيري عوضا عن القاري بحكم غرقه انتهى. وسيأتي في العزيزية زيادة إيضاح في ذلك ، وان ولد بدر الدين بن مزهر نزل عنها حتى عن الفقاهات لكاتب سر دمشق الكمال بن ناصر الدين بن البارزي. ثم وليها شيخنا العلامة شمس الدين بن حامد عنه. ثم وليها الشيخ العلامة تلميذه الشيخ زين الدين عبد القادر (١) في ثاني عشر شوال سنة سبع وثمانين وثمانمائة ، وذكر أنه وليها من شيخنا بدر الدين ابن

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ١٨.

٢٤٩

قاضي شهبة ، قبل بولاية معلقة من مدة نحو أكثر من عشر سنين ، وهو مستمرّ بها إلى الآن ، ثم توفي ليلة السبت سادس عشر ذي الحجة سنة ثلاث وتسعمائة ، ودفن بمقبرة باب الصغير.

(فائدة) : قال ابن كثير في سنة ست عشرة وسبعمائة : الشيخ الصالح الزاهد المقرئ أبو عبد الله محمد ابن الخطيب سلامة بن سالم بن الحسن ابن ينبوب الماليني أحد الصلحاء المشهورين بجامع دمشق ، سمع الحديث وأقرأ الناس نحوا من خمسين سنة ، وكان يفصح الأولاد في الحروف الصعبة ، وكان مبتلى في فمه يحمل طاسة تحت فمه من كثرة ما يسيل من الريال وغيره ، وقد جاوز الثمانين بأربع سنين ، توفي في المدرسة الصارمية يوم الأحد ثاني عشرين ذي القعدة ، ودفن بباب الصغير بالقرب من القلندرية ، وحضر جنازته خلق كثير جدا نحوا من عشرة آلاف رحمه‌الله تعالى انتهى.

٥٦ ـ المدرسة الصلاحية

بالقرب من البيمارستان النوري بانيها نور الدين محمود بن زنكي الشهيد ونسبت إلى الملك الناصر صلاح الدين فاتح بيت المقدس. قال الذهبي في العبر في سنة تسع وستين وخمسمائة : السلطان نور الدين محمود العادل أبو القاسم ابن أتابك زنكي بن آق سنقر التركي ، تملك حلب بعد أبيه ثم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة ، وكان مولده في سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، وكان أجل ملوك زمانه وأعدلهم وأكثرهم أدبا وجهادا وأسعدهم في دنياه وآخرته ، وهزم الفرنج غير مرة وأخافهم وجرّعهم المرّ ، ومحاسنه في الجملة أبين من الشمس والقمر ، وكان أسمر طويلا مليحا ، تركيّ اللحية ، نقيّ الخد ، شديد المهابة ، حسن التواضع ، طاهر اللسان ، كامل العقل والرأي ، سليما من التكبر ، خائفا من الله تعالى ، قلّ أن يوجد في الصلحاء الكبار مثله فضلا عن الملوك ، ختم الله تعالى له بالشهادة ، ونوّله الحسنى إن شاء الله تعالى وزيادة ، فمات رحمه‌الله تعالى بداء الخوانيق في حادي عشر شوال ، وعهد بالملك إلى ولده الصالح

٢٥٠

إسماعيل (١) وعمره إحدى عشرة سنة انتهى. وسيأتي إن شاء الله تعالى باقي ترجمته في المدرسة النورية الحنفية. وقال في سنة تسع وثمانين وخمسمائة : وصلاح الدين السلطان الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شادي بن مروان ابن يعقوب الدويني الأصل التكريتي المولد ، ولد في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة إذا أبوه شحنة تكريت ، ملك البلاد ودانت له العباد ، وأكثر من الغزو وواظب ، وكسر الافرنج مرات ، وكان خليقا للملك ، شديد الهيبة ، محببا إلى الأمة ، عالي الهمة ، كامل السؤدد ، جمّ المناقب ، ولي السلطنة عشرين سنة ، وتوفي بقلعة دمشق في السابع والعشرين من صفر ، وارتفعت الأصوات بالبلد بالبكاء ، وعظم الضجيج ، حتى ان العاقل تخيل أن الدنيا كلها تصبح صوتا واحدا ، وكان أمرا عجبا رحمه‌الله تعالى انتهى.

ويقول كاتبه : ودفن بالقلعة ، ثم نقل منها إلى تربة بنيت له لصيق دار أسامة التي بناها ولده الملك العزيز (٢) مدرسة ، المعروفة الآن بالعزيزية شمالي دار الحديث الفاضلية بالكلاسة لصيق الجامع الأموي من جهة الشمال بالقرب من الزاوية الغزالية. وسيأتي إن شاء تعالى في الخانقاه الناصرية وإليه تنسب المدرسة الصلاحية التي ببيت المقدس.

قال الحافظ ابن كثير في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة : وعمل للشافعية المدرسة الصلاحية ، ويقال لها الناصرية ، وكان موضع كنيسة على جسد حنة ، أي على قبر حنة أم مريم عليها‌السلام ، ووقف على الصوفية رباطا لها كان للبترك إلى جانب القمامة ، وأجرى على الفقراء والقراء والفقهاء الجامكيات والجرايات ، وأرصد الختم والربعات في أرجاء المسجد الأقصى لمن يقرأ وينظر فيها من المقيمين والزائرين ، وتنافس بنو أيوب فيما يفعلونه من الخيرات في القدس الشريف للقادمين والظاعنين والقاطنين ، فجزاهم الله خيرا أجمعين انتهى. لم نعلم في هذه المدرسة الصلاحية الدمشقية مدرسين إلا عماد الدين بن

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٢٥٨.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٢١٩.

٢٥١

أبي زهران الموصلي ، ثم من بعده محيي الدين خطيب الجامع وهو مستمرّ بها إلى الآن. قال ابن شداد : الصلاحية بالكلاسة وهي عبارة عن زاوية فيها. قال ابن شداد في الكلام على الجامع الأموي : إنها مدرسة شافعية ، حيث قال ذكرنا فيه من المدارس : مدرسة شافعية بالكلاسة ، المدرسة الغزالية وتعرف بالشيخ نصر المقدسي ، مدرسة ابن شيخ الاسلام ، مدرسة الملك المظفر أسد الدين شافعية ، مدرسة للمالكية ، مدرسة ابن منجا حنبلية انتهى. فأفاد أمورا وعدّد في الجامع إحدى عشرة حلقة يصرف عليها من مال المصالح ، وعدّد به تسعمائة وأربعة وعشرين سبعا بأوقاف تجري عليها ، وثلاثة وسبعين تصديرا لاقراء القرآن ، وذكر عدة حلق للحديث وغير ذلك انتهى. والذي تحقق في هذه الصلاحية من المدرسين شمس الدين الكردي الأعرج ، ثم من بعده مجد الدين عبد الله الكردي ، وهو بها الى الآن قاله ابن شداد انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.

٥٧ ـ المدرسة التقطائية

ورأيت في قائمة بكشف الأوقاف سنة عشرين وثمانمائة : التقطائية بالتاء المثناة الفوقية من المدارس الشافعية ، عمر بعضها ، وهي داخل الباب الصغير بنحو مائة ذراع شرقيه بشام غربي بيت الخواجا الناصري قبلي منارة الشحم ، لها منارة صغيرة. قال ابن كثير في تاريخه في سنة ست عشرة وسبعمائة : وفي شهر رجب نقل نائب حمص الأمير شهاب الدين قرطاي (١) إلى نيابة طرابلس عوضا عن الأمير سيف الدين التركستاني بحكم وفاته. وولي الأمير سيف الدين أرقطاي نيابة حمص ، وتولى نيابة الكرك سيف الدين طقطاي الناصري عوضا عن سيف الدين يلبغا انتهى. ولم يذكر له مدرسة. ورأيت في الوافي لصلاح الدين الصفدي في حرف الطاء المهملة ذكر اثنين : أحدهما طقطاي السلطان صاحب القبجاق بن منكو تمر بن سابر خان الطاغية الأكبر جنكيز خان المغلي ، توفي سنة

__________________

(١) ابن كثير ١٤ : ١٧٦.

٢٥٢

ثلاثة عشرة (١) وسبعمائة ، وثانيهما طقطاي الأمير عز الدين داوادار الأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي ، كان ممن حمل راية السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وإنما أعطاه ليلبغا فعمله دوادارا ، وكان يقول عنه : هذا قرابتي وهو حدث ، وكان قد سلم قياده إليه وهو النائب وحديث الناس معه في سائر الأمور ، ولم يكن يقول شيئا فيخالفه ، وهو حسن الوجه عاقل ، كثير الاطراق ، قليل الكلام ، ساكن ، كثير الخير ، عديم الشر ، لم يؤذ أحدا ، ولا تطلع إلى مال أحد ، نعم إن أهدى الناس إليه شيئا قبله ورعى له خدمة ، وكان ينفع أصحابه كثيرا ، وأعطاه الملك الكامل إمرة عشرة بدمشق ، فكتب إليه ونحن على منزلة الكسوة نريد التوجه إلى الصيد بنواحي الأزرق ، وقد ورد المرسوم بذلك منه :

يا سيدا ربّ العلى

لكل خير يسره

ومن حباه طلعة

بالبشر أمست يعمره

ومن له محاسن

ترضي الكرام البرره

تهن أمر إمرة

أبناؤها مشتهره

بها الوجوه قد غدت

ضاحكة مستبشره

تنالها كاملة

مضروبة في عشره

ثم لما خلع الكامل وتولى الملك المظفر توجه إليه من دمشق ، فرعى له خدمة مدحه ، ورسم له بامرة طبلخانات ، ولم يزل عند أستاذه خطيبا إلى أن توجه معه في نوبة أستاذه وخروجه على الكامل ، وتوجه معه إلى حماة ، وأمسك مع بقية الأمراء ، وجهز معه إلى مصر مع أخيه يلبغا ، فجهز إلى الاسكندرية. ثم إن الأمير سيف الدين شيخو والأمير سيف الدين صرغتمش (٢) شفعا فيه عند الملك فأفرج عنه وعن أخيه يلبغا ، وأقام هو عند شيخو ، وجهز يلبغا إلى حلب ، وذلك في شهر رجب سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، ثم إنه أعطى امرية

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٤٠.

(٢) ابن كثير ١٤ : ٢٧٥.

٢٥٣

عشرة وأقام بالقاهرة وتزوج هناك امرأة الأمير سيف الدين طغيتمور النجمي الدوادار ، وهي أخت الأمير سيف الدين طاز المالكي واسمه محمد بن نوح انتهى. ولم يذكر لهما مدرسة ولا خانقاه ولا غيرهما والله سبحانه وتعالى أعلم.

٥٨ ـ المدرسة الطبرية

بباب البريد ، وقفها برأس العين ، وحوانيت بالنورية داخل دمشق ، درس بها الشيخ الامام العالم الأصيل شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن علي ابن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله بن ألّه (بفتح الهمزة وضم اللام وإسكان الهاء) ومعناه بالعربي العقاب ، الأصفهاني الأصل الدمشقي المعروف بابن الشرف حسين ميلاده في المحرم سنة سبع (بتقديم السين) وخمسين وستمائة ، وسمع جماعة ، واشتغل وأفتى ، وكتب بخطه الحسن كثيرا من الكتب. قال الحافظ الذهبي في العبر : شيخنا المعمر الصالح ، درّس بالعمادية. وقال الحافظ تقي الدين بن رافع : حدث وسمع منه البرزالي ، وخرّج له جزءا من حديثه بالسماع وجزءا بالاجازة ، وحدث بهما ، ودرس بالطبرية بباب البريد توفي في شهر رجب سنة تسع وثلاثين وسبعمائة ، ودفن بقاسيون رحمه‌الله تعالى.

٥٩ ـ المدرسة الطيبة

قبلي النورية الحنفية وشرقي تربة زوجة تنكز بقرب الخواصين داخل دمشق ، وقد قدمنا عن البرهان بن المعتمد أنها هي المسماة بالشومانية وإنما غير اسمها تينا. قال الصفدي في حرف الطاء المهملة : باني الطيبة العابر علي بن أبي بكر انتهى. وليكشف من العين من كلامه ، درّس بها الخطيب أبو العباس الفزاري ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الناصرية. وقال ابن كثير في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة : شيخنا العلامة الزاهد الورع بقية السلف ركن الدين أبو يحيى زكريا بن يوسف بن سليمان ابن حامد البجلي الشافعي نائب الخطابة ومدرّس الطيبة والأسدية ، وقد تقدمت تتمة ترجمته في كلام ابن كثير

٢٥٤

هذا فيها. ثم درّس بها الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد ، وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الأمينية. ثم درّس بها القاضي تاج الدين أحمد ابن القاضي فتح الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن الشهيد ، اشتغل في صغره ، ودرّس بالطيبة هذه سنة أربع وسبعين وسبعمائة. ثم ولي قضاء العسكر سنة خمس وسبعين إلى أن عزل بالقاضي سري الدين أول سنة ثمان وسبعين ، ودرس بالظاهرية ، نزل له عنها قاضي القضاة شمس الدين الأخنائي ، ولم تزل بيده إلى أن توفي ، وكذلك نظر الأسري. قال ابن حجي : كان في أيام سعادة والده مقصودا معظما ، وحصل أوقافا وثمرا ، وزادت في أيامه أجور الأوقاف ، وكان محببا إلى الناس وعنده فضيلة في الإنشاء ، وكان خبيرا بصنعة الكتابة ، صانعا صالحا لوظيفة كاتب السر مرجحا على غيره ، توفي في ذي القعدة سنة ثمانمائة مطعونا ، ودفن بمقبرة الصوفية بالقطعة العالية من غربيها ، بتربة لهم لا سقف لها وقد بلغ الخمسين ظنا انتهى. ثم وليها الشيخ شمس الدين محمد بن الكفتي الشافعي ، قال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وثمانمائة في ذيله التاريخ : شيخه اشتغل في صغره وحفظ التنبيه ، ورافق الشيخ تقي الدين ابن إمام المشهد زمانا وفضل ، وكان ذهنه جيدا ، وله فهم في النحو ، وأفتى في الشامية البرانية قبل الفتنة بغير كتابة ، حكى لي قال : كنت أنا وشمس الدين الجرجاوي وشمس الدين الصناديقي وبهاء الدين ابن إمام المشهد (١) نجتمع في الأمينية نشتغل ، فاتفق أن الصناديقي علق على التنبيه مجلدا ، ثم إنه أراد الأخذ في الشامية البرانية في طبقة الإفتاء ، فذهب إلى القاضي شهاب الدين الزهري وسأله ذلك ، فقال : حتى تكتب ، فقال له : خذ هذه المجلدة يعني التي جمعها وعما شئت فاسألني منها ، فما كتبت فيها شيئا إلا وأنا أستحضره ، ففعل ذلك فأجابه ، فأذن له أن يأخذ في طبقة الإفتاء ، فقال للقاضي شهاب الدين كلما فيها فرفقتي يشاركونني في معرفته يعني الجرجاوي

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١١٢.

٢٥٥

وابن إمام المشهد وابن الكفتي فأنهى للجميع ، وكان أول أمره على طريقة حسنة جدا ، حكى لي من عاشره في طريق الحج عن عبادته وخيره ، ثم عاشر الناس ودخل في الترك والدواوين ، وتغير حاله وساءت طريقته ، وخرج عن وظائفه ، وحصّل مالا من غير وجهة ، ولما توفي الشيخ شهاب الدين ابن إمام المشهد ، أوصى إليه على بنته ، ونزل له عن جهاته : تدريس الطيبة ، وتدريس القواسية ، وتصدير في الجامع وغير ذلك ، فلم يعش بعده إلا يسيرا ، توفي يوم الأحد ثاني عشره بعد ضعف طويل ، وخلف كتبا كثيرة ومالا ، ودفن من الغد بمقبرة باب الفراديس ، ولم يحضر جنازته إلا نفر يسير ، لاشتغال الناس بالفتنة الواقعة في هذا الشهر ، يعني عصيان قاتباي المحمدي نائب الشام والذي عليه من القلعة ، ومات عن بنت وزوجتين ، ونزل عن تدريس الطيبة لصاحبنا نور الدين بن قوام ، وعن تصدير الجامع للقاضي تاج الدين الحسباني وغيره ، واستقرّ عوضه في تدريس القواسية الشيخ تقي الدين اللوبياني ، وماتت البنت من بعده بمدة يسيرة ، وأخذ الميراث من لا يستحقه انتهى. ثم درّس بها شيخنا مفتي المسلمين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سعد العجلوني في خامس ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وثمانمائة ، قال الشيخ تقي الدين ابن قاضي شهبة : في هذا الشهر منها ويوم الأحد خامسه درّس الولد أبو الفضل أبقاه الله تعالى بالمدرسة العذراوية نيابة عني ، وحضر عنده الشيخ محيى الدين المصري ، والقاضي تقي الدين بن الحريري ، والقاضي برهان الدين بن رجب وفقهاء المدرسة ، ويومئذ درّس شمس الدين محمد بن سعد العجلوني بالطيبة عند باب الخواصين ، وحضر معه الجماعة الذين حضروا بالعذراوية انتهى. فهما رحمهما‌الله تعالى رفيقان ابتدءا بالتدريس في يوم واحد ، ولهذا كنت أراهما على قلب واحد ، رحمهما‌الله تعالى ورحمنا بهما في الدارين آمين.

٦٠ ـ المدرسة الظبيانية

قبلي المدرسة الشامية الجوانية وغربي المدرسة الصالحية التي غربي مدرسة

٢٥٦

الطيبة ، من وقفها : المزرعة بقرية يعقوبا والمحاكرات حول الخندق قبلي سور دمشق ، وشمالي مقبرة باب الصغير ، درّس بها في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وسبعمائة الحافظ شهاب الدين بن حجي. وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الأتابكية.

٦١ ـ المدرسة الظاهرية البرانية

خارج باب النصر بمحلة المنيبع ، شرقي الخاتونية الحنفية وغربي الخانقاه الحسامية ، بين نهري القنوات وبانياس على الميدان بالشرف القبلي ، بناها الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب. قال الذهبي في تاريخه العبر ، في سنة ثلاث عشرة وستمائة : والملك الظاهر غازي صاحب حلب ولد السلطان صلاح الدين يوسف بن ايوب ولد بمصر سنة ثمان وستين وخمسمائة ، وحدث عن عبد الله بن بري وجماعة ، وكان بديع الحسن كامل الملاحة ، ذا غور ودهاء ومصادقة لملوك النواحي فيوهمهم أنه لولاه لقصدهم عمه العادل ، ويوهم عمه أنه لولاه لاتفق عليه الملوك وشاقوه ، وكان سمحا جوادا ، تزوج ببنتي عمه ، توفي في العشرين من جمادى الآخرة بمرض الإسهال ، وتسلطن بعده الملك العزيز (١) وله ثلاثة أعوام وكاس الملك العادل لأجل بنته أم الطفل انتهى. وقال في سنة تسع وخمسين وستمائة : فيمن مات بها صاحب صهيون بن منكورس تملك صهيون بعد والده ثلاثا وثلاثين سنة ، وكان حازما شايبا عمره تسعون سنة ، ودفن بقلعة صهيون وتملك بعده ابنه سيف الدين محمد (٢) والملك الظاهر غازي شقيق الملك الناصر يوسف وأمهما تركية ، وكان مليح الصورة شجاعا جوادا قتل مع أخيه بين يدي هولاكو انتهى. وقال ابن كثير (٣) في تاريخه في سنة ثلاث عشرة المتقدمة : وفيها توفي صاحب حلب الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. وكان من خيار

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٦٨.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣٣٥.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٢٩٨.

٢٥٧

الملوك وأسعدهم سيرة. ولكن كان فيه عسف ويعاقب على الذنب اليسير شديدا ، وكان يكرم العلماء والشعراء والفقراء ، أقام في الملك ثلاثين سنة ، وحضر كثيرا من الغزوات مع أبيه ، وكان ذكيا له رأي جيد ، وعبارة وعادة سارة ، وفطنة حسنة ، وعمره اربع واربعون سنة ، ولما حضرته الوفاة جعل الملك من بعده لولده الملك العزيز غياث الدين محمد وهو ابن ثلاث سنين ، وقد كان له أولاد كبار ولكنه عهد إلى هذا من بينهم لأنه كان من بنت عمه العادل وأخواله الأشرف والمعظم (١) والكامل وجده العادل لا ينازعونه ، وهذا وقع سرا وبايع له جده العادل وخاله الأشرف صاحب حران والرها وخلاط وهمّ المعظم بنفض ذلك فلم يتفق له. وقام بتدبير مملكته الطواشي شهاب الدين طغرل (٢) الرومي الأبيض ، وكان دينا عاقلا انتهى.

قال الأسدي في تاريخه : في سنة عشر وستمائة وفي ذي الحجة ولد الملك المنصور محمد بن الظاهر صاحب حلب من ضيفة خاتون بنت الملك العادل. قال ابن واصل : فزينت له حلب وصاغ له عشرة من المهود من الذهب والفضة ، وفتح للطفل ثلاث ترجيات من اللؤلؤ والياقوت ، ودرعان وخوذتان ويرك طوان من اللؤلؤ وغير ذلك ، وثلاثة سروج مجوهرة ، وثلاثة سيوف غلفها بالذهب والياقوت ، ورماح أسنتها جوهر منظوم ، وفرحوا به فرحا شديدا انتهى ، وقال الأسدي أيضا : الملك الظاهر غازي صاحب حلب بن يوسف بن أيوب بن شادي بن مروان السلطان الملك الظاهر غياث الدين أبو منصور ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب ، ولد بمصر في شهر رمضان سنة ثمان وستين ، وسمع بالإسكندرية من ابن عوف (٣) ، وبمصر من ابن بري ، وبدمشق من الفضل البانياسي ، وحدث بحلب وولي سلطنتها ثلاثين سنة.

قال الموفق بن عبد اللطيف : كان جميل الصورة ، رائع الملاحة ، موصوفا

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٧١.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٤٥.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ٢٦٨.

٢٥٨

بالجمال في صغره وفي كبره ، وله غور ذكاء ودهاء ومكر ، وأعظم دليل على دهائه مفاوضته لعمه العادل ، وكان لا يخليه يوما من شغل قلب وخوف ، وكان يصادق ملوك الأطراف ويباطنهم ويلاطفهم ؛ ويوهمهم أنه لولاه لكان العادل يقصدهم ، ويوهم عمه أنه لولاه لم يطعه أحد من الملوك ولكاشفوه بالشقاق ، فكان بهذا التدبير يستولي على الجهتين ويستعبد الفريقين ، ويشغل بعضهم ببعض ، وكان كريما معطيا ، يغمر الملوك بالتحف ، والشعراء والقصاد بالصلات ، وتزوج بنت العادل وماتت معه ، ثم تزوج باختها فكان له عرس مشهور ، وجاءت منه بالملك العزيز في أول سنة عشر وأظهر السرور بولادته ، وبقيت حلب مزينة شهرين ، والناس في الأكل والشرب ولم يبق صنف من أصناف الناس إلا أفاض عليهم النعم ، ووصلهم بالإحسان ، وسير إلى المدارس والخوانق الغنم والذهب ، وأمرهم أن يعملوا الولائم. ثم فعل ذلك مع الأجناد والغلمان والخدم ، وكان عنده من أولاد أبيه وأولاد أولادهم مائة وخمسة وعشرون نفسا ، وزوج الذكور منهم بالإناث ، وعقد في يوم واحد وخمسة وعشرين عقدا بينهم ، ثم صار كل ليلة يعمل عرسا ويحتفل به. وقال أبو المظفر ابن الجوزي : كان مهيبا ، له سياسة وفطنه ، ودولة معمورة بالفضلاء والعلماء ، مزينة بالملوك والأمراء ، وكان محسنا إلى رعيته وإلى الوافدين عليه ، حضر معظم غزوات أبيه ، وانضم إليه أخوته وأقاربه ، وكان يزور الصالحين ويتفقدهم ، وكان يتوقد ذكاء وفطنة. وقال الحافظ أبو عبد الله : ذكرت في الحوادث أن الظاهر قدم دمشق وحاصرها غير مرة مع أخيه الأفضل (١) وحاصر منبج وأخذهما ، وحاصر حماة ، وكان ذا شجاعة واقدام ، وكان سفاكا لدماء الخلق في أول أمره ، ثم قصر عن ذلك وأحسن إلى الرعية وكان ذكيا حسن النادرة. قال له الحلّي (٢) الشاعر مرة في المنادمة وهو يعبث به وزاد عليه فقال : انظم؟ يهدد بالهجو فقال السلطان : أنثر؟ وأشار إلى السيف ، توفي في جمادى الآخرة عن خمس وأربعين سنة بدمشق ، ودفن بالقلعة ثم نقل

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٠١.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٢٣.

٢٥٩

إلى مدفن مدرسته التي أنشأها بحلب ، وله مدرسة اخرى بدمشق بالمنيبع ، وأوصى بالسلطنة لابنه العزيز محمد لأنه كان من بنت العادل. وطلب بذلك استمرار الأمر له لأجل جده وأخواله ، وهكذا وقع وجعل الأمر من بعده لولده الأكبر أحمد (١). وقام بأمر ابنه الخادم طغرل أحسن قيام ، (وقصد عز الدين (٢) صاحب الموصل خلب في أيام الأشرف ، ونزل بظاهر حلب ، فرجع عز الدين إلى بلاده) ، وهمّ المعظم عيسى بأخذ حلب ، فلم يوافقه أخوه الأشرف موسى انتهى.

وقال ابن قاضي شهبة : وفي المحرم سنة تسع وستمائة اصطلح الملك الظاهر مع عمه العادل وتزوج بابنته وكان العقد بدمشق بوكالتين على خمسين ألف دينار ، وهي ضيفة خاتون شقيقة الملك الكامل وبعثت إلى حلب في الحال ، وكان جهازها على ثلاثمائة جمل وخمسين بغلا ، ومعها مائتا جارية ، فلما أدخلت على الظاهر مشى لها خطوات ، وقدم لها خمس عقود جوهر قيمتها ثلاث مائة ألف وخمسون ألف درهم ، وأشياء نفيسة ، وكان عرسا مشهورا ا ه.

ودرس بها العلامة شمس الدين محمد أبو عبد الله بن معن (بفتح الميم وسكون العين المهملة ثم نون) ابن سلطان الشيباني الدمشقي ؛ تفقه بحلب على ابن شداد ، وحفظ كتاب الوسيط للغزالي ، وسمع وحدث ودرّس بالظاهرية البرانية هذه ، وكان فقيها إماما مناظرا ، أديبا قارئا بالسبع ، توفي في سنة أربع وستمائة ، وله كتاب (التنقيب على المذهب) في جزءين فيه غرائب وأوهام في عزو الأحاديث إلى الكتب. وقال الذهبي في تاريخه العبر في سنة اثنتين وتسعين وستمائة : وابن الأستاذ عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد ابن الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي مدرّس المدرسة الظاهرية التي بظاهر دمشق. روى سنن ابن ماجة (٣) عن عبد اللطيف ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٥٣.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٦٢.

(٣) شذرات الذهب ٢ : ١٦٤.

٢٦٠