الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

وسمع معجمه العدد الكثير ، واشتغل وأفتى ، وصنف ودرّس بالمنصورية والهكّارية والسيفية ، وتفقه به جماعة من الأئمة كالأسنوي (١) وأبي البقاء وابن النقيب وقريبه تقي الدين أبو الفتح (٢) وأولاده وغيرهم من الأئمة الأعلام ، وولي قضاء دمشق في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين عوضا عن جلال الدين القزويني ، وباشر القضاء على الوجه الذي يليق به ست عشرة سنة وشهرا ، وقد درس بدمشق في الغزالية والعادلية الكبرى والأتابكية هذه والمسرورية والشامية البرانية ، وليها بعد موت ابن النقيب ، قال ولده : فما حلّ مفرقها ولا اقتعد بمشرقها أعلم منه ، كلمة لا استثناء فيها ، وولي بعد الحافظ المزي مشيخة دار الحديث الأشرفية ، وقد خطب بجامع دمشق مدة طويلة ، وجلس للتحديث بالكلاسة ، فقرأ عليه الحافظ تقي الدين أبو الفتح السبكي جميع معجمه الذي خرّجه له الحافظ شهاب الدين بن أيبك الدمياطي (٣) ، وسمعه عليه خلائق منهم : الحافظان أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي. وفي آخر عمره استعفى من قضاء الشام ورجع إلى مصر متضعفا فأقام بها دون العشرين يوما ، وتوفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الآخرة سنة ستة وخمسين وسبعمائة ، ودفن بمقابر الصوفية هناك. ثم درّس بها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء ابن السبكي ، ثم ولده قاضي القضاة ولي الدين أبو ذر عبد الله ، ثم العلامة زين الدين أبو حفص الملحي ، وقد تقدمت تراجم هؤلاء الثلاثة في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم درّس بها قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء المتقدم ذكره ، ميلاده في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وسمع من جماعة ، وأخذ عن والده وغيره من علماء العصر ، وفضل في عدة فنون ، واشتغل ، ودرس ، وأفتى ، وحدث بمصر والشام وغيرهما ، ودرس بدمشق بالأتابكية هذه ، والرواحية وغيرهما ، وناب عن والده في القضاء وغيره بالقاهرة وغيرها وباشر عدة وظائف ، وولي مشيخة الحديث

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٢٣.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ١٤١.

(٣) شذرات الذهب ٦ : ١٦٠.

١٠١

بالقبة المنصورية ، ثم ولي القضاء عن ابن جماعة في شعبان سنة تسع وسبعين ، وأعطيت قبة الشافعي التي كانت بيده ، فتولاها لما انتقل والده إلى قضاء الشافعية ، للبلقيني ، والمنصورية للغوي ، فباشر سنة ونحو أربعة أشهر ، ثم عزله وأعيد ابن جماعة ، واستمرّ بطالا ليس بيده وظيفة أزيد من ثلاثين سنين ، ثم أعيد للقضاء في صفر سنة أربع وثمانين ، فباشر خمس سنين ونحو خمسة أشهر ، ثم عزل وتولى ابن جماعة ، ثم ولي خطابة الجامع الأموي وتدريس الغزالية ، ثم صرف في شهر رجب سنة إحدى وتسعين ، ثم ولي القضاء مرتين عن القاضي صدر الدين المناشري وعزل في المرتين به ، ومدة مباشرته في ولاياته الأربع ثماني سنين ونصف في مدة ثماني عشرة سنة ، وولي في آخر وقت تدريس الشافعي واستمر بيده إلى أن مات. قال الشيخ تقي الدين الأسدي : وكان لينا في مباشرته ، وفي لسانه رخاوة ، وكان ولده جلال الدين (١) غالبا على أمره فمقته الناس.

وقال الحافظ شهاب الدين بن حجر المصري : اشتغل في الفقه وغيره ، فمهر ، وكان لين الجانب قليل المهابة ، بخيلا بالوظائف ، حسن الخلق ، كثير الفكاهة ، منصفا في البحث ، وكان أعظم ما يعاب به تمكينه ولده جلال الدين من أموره ، توفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانمائة ، ودفن خارج باب النصر ، ثم وليها ولده جلال الدين ، ثم درس بها فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد الجزري الدمشقي. قال الأسدي في تاريخه : أخذ عن والده القراآت ويسيرا من النحو ، ولم يكن يعرف شيئا غير ذلك ، وكان عنده إقدام وجرأة ، ويتكلم كلاما كثيرا لا حاصل له ، وسافر إلى مصر غير مرة ، وحصّل تدريس الأتابكية ونظرها يعني عن جلال الدين بن أبي البقاء ، وكان بيده جهات والده : نصف خطابة جامع التوبة ، ومشيخة الإقراء في عدة أماكن ، وكان يخطب حسنا ، ويقرأ في المحراب جيدا ، توفي بمنزله بالأتابكية يوم الاثنين ثالث عشرين صفر سنة أربع عشرة وثمانمائة وهو في عشر

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٩٥.

١٠٢

الأربعين ـ أظنه ابن خمس وثلاثين سنة ـ ونزل عن وظائفه للشيخ شهاب الدين بن حجي ، وحصل في وظائفه خباط ، وذلك أن القاضي لما بلغه ضعفه وأنه مطعون ، عيّن الأتابكية لشهاب الدين بن حران وخطابة جامع التوبة لشيخنا شهاب الدين بن حجي ، ثم إنه نزل عن جميع وظائفه للشيخ شهاب الدين بن حجي ، فأمضى ذلك القاضي ، ثم أن الشيخ نزل عن خطابة جامع التوبة لابن الحسباني (١) ، لما بلغه وفاة ابن الجزري قصد الشيخ شهاب الدين ابن حجي فولاه نصف الخطابة لأنه الناظر الخاص ، وذلك قبل أن يعلم الشيخ بنزول ابن الجزري والتزم ذلك ، ولقد عجبت من شيخنا في ولايته له مع تصريحه بأن شرط الواقف غير موجود فيه لعدم حفظ القرآن ، ولا أعلم أنه وقعت من شيخنا قصة أنكرها كل من سمعها غير هذه ، والجواد لابد له من كبوة ، ثم أن ابن عبادة الصغير (٢) الذي هو شافعي جاء بنزول من ابن الجزري بتدريس الأتابكية ، فقال قاضي القضاة ابن الأخنائي : اسكت لا تتكلم بهذا حتى لا يسمع الشيخ يغتاظ ، فقال : لو وصلت يد ابن حجي إلى السماء لا أسكت عنه ، فأنكر هذا من بلغه وبالغ في سبّ ابن عبادة وسبّ أبيه الحنبلي ، وغلب على ظن كل واحد أن ما معه زور مفتعل لا حقيقة له مع عدم أهليته. وفي يوم الأربعاء رابع عشرين صفر سنة أربع عشرة المذكورة حضر شيخنا درس الأتابكية وحضر معه القضاة ولم أحضر هذا الدرس ، وبلغني أنه حصل لابن عبادة في هذا المجلس إهانة زائدة ، وهدّد بالكلام القبيح على ما نقل ، ولم يتكلم بكلمة واحدة ، وفي هذا اليوم توفي يونس ابن القاضي علاء الدين بن أبي البقاء ، وولي في وظائفه وحضر تدريس العزيزية والقيمرية الشيخ شهاب الدين بن حجي ، والمتصدر ابن قاضي القضاة نجم الدين بن حجي (٣) ، ثم نزل لابن عذري ، وأرسل الى القاضي ابن الأخنائي الشافعي أن يقرره فيه ، ومدرّس الصارمية شمس الدين الكفيري (٤) انتهى.

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١٠٨.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ٤٧.

(٣) شذرات الذهب ٧ : ١٩٣.

(٤) شذرات الذهب ٧ : ١٩٦.

١٠٣

وشهاب الدين بن حجي المذكور ، قال تقي الدين الأسدي في ذيله في سنة ست عشرة : وفيها توفي شيخنا الإمام العلامة ، العالم ، الحافظ ، المتقن ، ذو الخصال الزكية ، والأخلاق المرضية ، وشيخ الشافعية شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الشيخ الإمام العلامة بقية الشام علاء الدين أبي محمد حجي بن موسى ابن أحمد بن سعد بن غثم بن غزوان بن علي بن شرف بن تركي بن سعدي الحسباني الأصل الدمشقي ، مولده بين المغرب والعشاء ليلة الأحد الرابع من المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة بخانقاه الطواويسية بالشرف الأعلى ظاهر دمشق ورأيت بخطه رحمه‌الله تعالى : «الأوليات المصادفة لمولدي عشرة : أول نصف القرن الثامن ، أول السنة العربية ، أول السنة الشمسية ، أول يوم من فصل الربيع ، أول يوم برج الحمل ، أول الليل ، أول الأسبوع ، أول صيرورة الهلال قمرا ، أول سكون الشياطين بعد انتشارها عند ذهاب فحمة العشاء ، وأشرت إلى بعض ذلك في ما كتبته على إجازة ، وثامن القرن مبدأ نصفه ، ومبدأ الأسبوع وهو الأحد ، ومبدأ الرابع من المحرم مبتدأ الربيع نادر المولد. قرأ القرآن على المؤدّب المقرئ شمس الدين بن حبش وختمه في سنة ستين ، وأخذ عن شيخه المذكور علم الميقات ، وحفظ التنبيه وغيره ، وسمع البخاري من خلائق من أصحاب ابن البخاري وأحمد بن شيبان (١) ، وأبي الفضل بن عساكر ، والشيخ أبن مشرف الدين اليونيني (٢) ، وابن شرف ، والتقي سليمان ، وعيسى المطعم وطبقتهم ، منهم المسند نجم الدين أبو العباس أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمر ابن الشيخ أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي (٣) ، والمسند المعمر أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد المنعم الحراني ، والمسند أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الصالحي (٤) ، وتاج الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله محبوب (٥) الدمشقي ، والمسند أبو حفص عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة المراغي المزي (٦) ، والمسند شهاب

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٩٠.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٣.

(٣) شذرات الذهب ٦ : ٢٢٦.

(٤) شذرات الذهب ٦ : ١١٦.

(٥) شذرات الذهب ٦ : ٣٠٠.

(٦) شذرات الذهب ٦ : ٢٥٨.

١٠٤

الدين أبو العباس أحمد بن عبد الكريم بن أبي الحسين البعلي (١) ، والمسند الجليل صلاح الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن العز إبراهيم بن عبد الله ابن الشيخ أبي عمر (٢) ، والخطيب أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك العجلوني (٣) خطيب بيت لهيا ، وعلاء الدين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد ابن عثمان بن المنجا التنوخي (٤) ، والشيخ الفقيه عز الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن عمر السلمي المعروف بابن السكري ، وأجاز له من دمشق قاضي القضاة شرف الدين أبو العباس بن قاضي الجبل الحنبلي ، والقاضي الأوحد بدر الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمود الزقاق الكاتب المعروف بابن الجوخي ، والإمام العالم بدر الدين حسن ابن قاضي القضاة عز الدين محمد بن سليمان بن حمزة (٥) ، والشيخ الخير تقي الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم الصالحي بن قيم الضيائية (٦) وخلائق. ومن القدس : الحافظ صلاح الدين العلائي ، والشيخ الفقيه تقي الدين القرقشندي (٧) ، والخطيب برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة ، وعز الدين عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة (٨) ، والشيخ تقي الدين محمد بن عمر بن إلياس المراغي المقدسي ، ومن المدينة المحدث عفيف الدين أبو جعفر عبد الله بن محمد بن أحمد بن خلف الأنصاري الخزرجي العبادي المعروف بابن المطري وغيره. ومن بعلبك : الكاتب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن عمرون البعلي ، والشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن محمود بن مري الكاتب البعلي والشيخ العالم ناصر الدين قرا بن إبراهيم بن محمود بن قرا البعلبكي الحنبلي وغيرهم. ومن مصر وحلب وغيرهما جماعة كثيرون ، وقد كتب أسماء مشايخه مجردا في

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٥٠.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٦٧.

(٣) شذرات الذهب ٦ : ٢٢٥.

(٤) شذرات الذهب ٦ : ٢٥٧.

(٥) شذرات الذهب ٦ : ٢١٧.

(٦) شذرات الذهب ٦ : ١٩١.

(٧) شذرات الذهب ٦ : ٢٥٦.

(٨) شذرات الذهب ٦ : ٢٠٨.

١٠٥

بعض مجاميعه على حروف الهجاء ، ومن مسموعاته الكتب الستة ، والموطأ ، ومسند الشافعي ، وغالب مسند أحمد (١) ومسند الدارمي (٢) ومسند أبي يعلى (٣) ومعجم الطبراني وصحيحي ابن خزيمة (٤) وابن حبان (٥) ، والمنتخب من مسند عبد بن حميد ، ومسند أبي حنيفة (٦) تخريج الحارثي وتخريج ابن العربي ، وكتب أبي عبيد (٧) : الأموال ، وفضائل القرآن والطهور والغريب ، وغير ذلك مما وقع له من حديث الدار قطني (٨) ، والحاكم (٩) ، والبيهقي (١٠) ، والبغوي ، وابن صاعد ، والمحاملي (١١) ، وأبي بكر الشافعي ، وأما الأجزاء فلا تنحصر ، وأخذ الفقه عن والده الشيخ علاء الدين ، والشيخ شمس الدين ابن قاضي شهبة (١٢) ، وقاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء ، والشيخ شمس الدين الموصلي وغيرهم ، واجتمع بمشايخ العصر ، واستفاد منهم ، كالشيخ شهاب الدين الأذرعي ، وصاحبه الشيخ عماد الدين الحسباني (١٣) ، والشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني (١٤) ، والشيخ شمس الدين بن خطيب يبرود (١٥) ، وقاضي القضاة تاج الدين السبكي ، والقاضي شمس الدين الغزي (١٦). وتخرج في علوم الحديث بالحافظين عماد الدين بن كثير ، وتقي الدين بن رافع ، وأخذ النحو عن الشيخ العالم نجم الدين أبي الخير سعيد بن محمد بن سعيد التلمساني المغربي المالكي ، وعن شيخه شيخ النحاة شهاب الدين أبي العباس العنابي (١٧) ، ودرّس وافتى ، وأعاد وصنف ، وكتب بخطه الحسن ما لا يحصى كثرة ، فمن ذلك شرح على

__________________

(١) شذرات الذهب ٢ : ٩٦. (٢) شذرات الذهب ٢ : ١٣٠.

(٣) شذرات الذهب ٢ : ٢٥٠. (٤) شذرات الذهب ٢ : ٢٦٢.

(٥) شذرات الذهب ٣ : ١٦.

(٦) شذرات الذهب ١ : ٢٢٧.

(٧) شذرات الذهب ٢ : ٥٤.

(٨) شذرات الذهب ٣ : ١١٦.

(٩) شذرات الذهب ٣ : ١٧٦.

(١٠) شذرات الذهب ٣ : ٣٠٤.

(١١) شذرات الذهب ٢ : ٣٢٦.

(١٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٧٦.

(١٣) شذرات الذهب ٦ : ٢٥٦.

(١٤) شذرات الذهب ٦ : ٢٤٤.

(١٥) شذرات الذهب ٦ : ٢٥٣.

(١٦) شذرات الذهب ٦ : ٢١٨.

(١٧) شذرات الذهب ٦ : ٢٤٠.

١٠٦

المجمل لابن عبد الهادي كتب منه قطعة ، وردّ على مواضع مهمة للأسنوي ، وعلى مواضع من الألغاز له ، وجمع فوائد في علوم متعددة في كراريس متعددة سماه (جمع المفترق) ، وكتابا سماه (الدارس من أخبار المدارس) يذكر فيه ترجمة الواقف وما شرطه ، وتراجم من درّس بالمدرسة إلى آخر وقت ، وهو كتاب نفيس يدل على اطلاع كثير ، وقد احترق غالبه في وقعة التتار ، وقد وقفت على كراريس منه محرقة ، وكتب هذا التاريخ الذي تذيل ، وقد درّس بالظبيانية في حياة والده وأشياخه في ذي القعدة سنة أربع وسبعين ، وأعاد بالعصرونية والدماغية ثم بعد ذلك أعاد بالشامية البرانية والتقوية في حياة والده أيضا ، ثم بالأمينية والرواحية والعذراوية ودرّس بالشامية البرانية والعذراوية نيابة ، وناب للقاضي شهاب القرشي ، ثم تغير وأخذ من القضاء ، وبعد الفتنة درّس بالحسامية الجوانية والأتابكية والشامية البرانية ، وولي الخطابة ومشيخة الشيوخ مرتين ، ثم ترك نيابة القضاء وانجمع على العبادة والإنشاء والاشتغال ، انتهى كلام تلميذه الأسدي في تاريخه ، ثم ترك بياضا. ثم إن ابن حجي المذكور نزل عن نصف تدريس هذه المدرسة للقاضي شمس الدين الأخنائي.

قال الشيخ تقي الدين الأسدي في رابع ذي الحجة سنة أربع عشرة : درّس قاضي القضاة شمس الدين الأخنائي بالمدرسة الأتابكية في النصف الذي أخذه من شيخنا شهاب الدين بن حجي. وقال في سنة أربع وعشرين استطرادا : ثم نزل الشيخ شهاب الدين بن حجي للقاضي الأخنائي عن النصف الآخر مع غيره من الوظائف في مرض موته. والقاضي الأخنائي هذا هو قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضي تاج الدين محمد بن فخر الدين عثمان الأخنائي الشافعي ، مولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة ، وتنقل في قضاء البر ، وولي قضاء الركب في سنة سبع وثمانين وسبعمائة مرتين من ابن جماعة بشفاعة الأمير جبرائيل ، وكان قاضي زرع انتقل إليه من الرجعة في شهر رجب سنة ست وثمانين وسبعمائة ، ثم ولي قضاء غزة. ثم في ذي القعدة

١٠٧

سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ناب في القضاء بدمشق عن القاضي شهاب الدين الباعوني (١) ، ونزل له شهاب الدين بن الظاهري عن قضاء العسكر في ذي الحجة من السنة ، ودرّس بالظاهرية الجوانية نزل له عنه القاضي علاء الدين الكركي كاتب السر ، وكان قد أخذه عن ابن الشهيد (٢) ، وولي وكالة بيت المال أيضا ، ثم ناب للقاضي علاء الدين بن أبي البقاء لما ولي القضاء في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وسبعمائة ، ثم ولي نظر الجيش بدمشق عوضا عن القاضي شمس الدين بن مشكور في شهر رمضان سنة ست وتسعين وسبعمائة ، وبذل عليه مالا كثيرا فلم يمش حاله فيه ، ولم تحسن مباشرته ، فعزل عنه بعد ثمانية أشهر ، وعاد إلى نيابة القضاء ووكالة بيت المال. ثم ولي قضاء حلب في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، ونزل عن المدرسة الظاهرية لتاج الدين بن الشهيد ، ثم عزل من قضاء حلب في شهر رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، ثم ولي قضاء دمشق والخطابة والمشيخة وما يضاف إلى ذلك من التداريس والأنظار في جمادى الأولى سنة ثمانمائة ، ثم عزل في شعبان سنة إحدى وثمانمائة ، ثم أعيد في ذي الحجة منها ، وفي سنة اثنتين وثمانمائة عزل من مصر بالقاضي شرف الدين مسعود ، ثم أعيد في شعبان من غير أن يباشر مسعود ، توفي رحمه‌الله تعالى ليلة الجمعة سابع عشر شهر رجب سنة ست عشرة وثمانمائة ، وصلي عليه من الغد بالجامع الأموي ، ولم أعلم أين دفن. ولما مات الأخنائي هذا استقر في تدريس هذه المدرسة كاتب سرّ نوروز ، ناصر الدين البصروي ، فلما ذهبت أيام نوروز أخذه القاضي ناصر الدين بن البارزي لولده كمال الدين (٣).

قال الأسدي في ذيله في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وثمانمائة : وفي يوم الأحد تاسعه درّس الفاضل نور الدين بن قوام بالمدرسة الأتابكية نيابة عن ابن كاتب السر كمال الدين بن البارزي ، وحضر عنده قاضي القضاة ، والشيخ

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١١٨.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٣٦٤.

(٣) شذرات الذهب ٧ : ٢٩٠.

١٠٨

محمد بن قديدار وجماعة ، وقد كان التدريس المذكور لفتح الدين بن الجزري تلقاه عن جلال الدين بن أبي البقاء ، فلما توفي في طاعون سنة أربع عشرة وثمانمائة نزل عنها الشيخ شهاب الدين بن حجي ، فترك نصفها لقاضي القضاة ابن الأخنائي ، ثم إنه نزل عن النصف الآخر له مع غيره في مرض موته ، فلما مات أخذها كاتب السر يعني بدمشق لنوروز ناصر الدين البصروي ، فلما جاء السلطان أخذها كاتب السر لابنه ، ودخلت في ديوان كتّاب السر ، انتهى. وكذا رأيته بخطه كتّاب (بتشديد التاء). ثم قال في ذيله أيضا في شعبان سنة تسع عشرة وثمانمائة : وفي يوم الاثنين عشريه درّس الشيخ علاء الدين بن سلّام (١) بالمدرسة الأتابكية نيابة عن القاضي كمال الدين ابن القاضي ناصر الدين بن البارزي كاتب السر وحضر عنده قاضي القضاة ابن القاضي الجديد يعني ابن زيد (٢) بعد عزل نجم الدين بن حجي وجماعة ، ودرّس في قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) الآية انتهى. وستأتي ترجمة الشيخ علاء الدين هذا في الركنية. وممن درّس بها نيابة عن ابن كاتب السر كمال الدين البارزي ، الشهاب أحمد بن علي بن عبد الله الدلجي المصري ثم الدمشقي الشافعي ، اشتغل بمصر وفضل في النحو وغيره من العلوم العقلية ، ثم توجه إلى طرابلس فاقام بها يسيرا ، ثم قدم دمشق حوالي سنة ثماني عشرة وثمانمائة ، ولزم القاضي نجم الدين بن حجي وحظي عنده ، ثم أبعده وحكم بإراقة دمه ، وكان فاضلا في المعقول ، وعبارته صحيحة فصيحة ، ودرّس بالأتابكية نيابة عن ابن البارزي ، وجلس للاشتغال بالجامع مدة يسيرة ، وتوفي رحمه‌الله بالقاهرة في شوال سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ، وتعاطى الشهادة ، وخطه جيد ، وهو عارف بالصنعة ، وعبارته جيدة ، وحصّل دنيا من الشهادة ، وخدم بعد القاضي نجم الدين بن حجي القاضي شهاب الدين بن الكشك (٣) الحنفي. وكذلك خدم القاضي بهاء الدين بن حجي ، وكان قليل

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١٩٠.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ١٧٩.

(٣) شذرات الذهب ٧ : ٢١٩.

١٠٩

الدين متهاونا بالصلاة ، يتكلم بكلام يدل على زندقته ، وشاع ذلك عنه ، وقد حكم القاضي نجم الدين بن حجي مرة بكفره كما أشرنا إليه ، والقاضي الحنفي أخرى ، وكان مستنقصا للخلق ، مستزريا بهم ، مصرا على أنواع من المعاصي ، وكان قد سافر إلى مصر فاتفق وصول الخبر بوفاة ابن المنلاوي ، فولي عنه مشيخة بخانقاه خاتون ونظرها ، وقدم دمشق وباشر ذلك مباشرة مذمومة وآذى الصوفية بها ، وفي العام الماضي عزل شخصا من الصوفية بها ، وسعى في أذاه إلى أن ضرب ، فانتصر له الشيخ علاء الدين البخاري (١) ، والحاجب ، ووقع بينهما وبين القاضي بهاء الدين بن حجي بسببه ، وكتب الشيخ إلى مصر في القاضي بهاء الدين فكان ذلك من أسباب عزله. ثم إن النائب بلغه سوء سيرة المذكور ، فهمّ بطلبه وأخذ شيء منه ، فخاف وأظهر أنه نزل عليه اللصوص في بيته بين النهرين ، وكان ساكنا هناك ليسهل عليه ما يرومه من أنواع المفسقات ، فأظهر أنه ذهب جميع ما يملكه ، ولم يكن لذلك حقيقة ، ونزل عن الخانقاه لولي الدين بن قاضي عجلون بمبلغ جيّد ، ثم ندم على ذلك ، واستمرّ منكدا مضللا إلى أن توجه بعد أشهر إلى مصر لتحصيل الشهادة عند القاضي الحنبلي فتوفي عاجلا ، وذهب جميع ما حصله من الحرام ، ولم يتزوج عمره ، وكان يزعم أنه يعيش العمر الطبيعي مائة وعشرين سنة ، وسرّ الناس بموته ، وكان قد علق فوائد بخطه من شرح البخاري للكرماني (٢) وتكلم فيه ، وذكر فيه فوائد ، وجمع مختصرا تكلم فيه على قول الناس : فلان معلول ، وذكر فيه فوائد ، وجمع بين المتوسطة والخادم في مجلدات. قال أبو الفضل الخطيب النويري : أنه اشترى من تركة قاضي القضاة بهاء الدين بن حجي منه مجلدات ، تكون أربعة ضخمة وأكثر ، وأنه يدل على فضل الرجل الفضل الزائد ، وجاء الخبر بوفاته في أوائل ذي القعدة من السنة المذكورة في عشر السبعين ظنا.

وقال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة : في ذي القعدة سنة أربع وعشرين

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٢٤١.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٩٤.

١١٠

وثمانمائة وفي أواخر هذا الشهر قدم شخص من اقارب ابن البارزي ، وقد نزل له كمال الدين بن البارزي عن تدريس الأتابكية ونظرها ثم قال : في جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وثمانمائة وفي يوم الاثنين خامس عشريه دخل من مصر الشيخ شمس الدين بن الجزري المقرئ وعليه خلعة ، ومعه ولده شهاب الدين أبو الخير احمد ، وهو متوجه إلى مردي شاه روخ (١) بن تمرلنك التتري في رسالته ، وكان قاصد تمرلنك (٢) ، قد وصل إلى مصر من قبله بأيام ، وكان بعد سفره من دمشق إلى مصر في شهر رجب سنة سبع وعشرين ، حصل له بمصر إكرام ، وحجّ وتوجه إلى اليمن في متجر ثم عاد ، وحجّ ثانيا ورجع إلى مصر ومعه متجر له ، ثم جاء في هذا الوقت وجاء معه نزول لولده شهاب الدين من أخيه فتح الدين مثبوت بتدريس المدرسة الأتابكية. ومرسوم ببقية الجهات التي كانت للشيخ شمس الدين قديما ، ثم انتقلت إلى ولده فتح الدين ، منها : مشيخة الاقراء بأم الصالح وبالعادلية ، وتصدير بالجامع الأموي ، وكان ولده فتح الدين قد نزل عن تدريس الأتابكية ونظرها والتصدير بالجامع وغير ذلك للشيخ شهاب الدين بن حجي ، والاقراء بأم الصالح والعادلية للشيخ صدقة (٣) المقرئ ، وذلك قبيل وفاته في صفر سنة أربع عشرة. ثم ان الشيخ في مرض موته نزل عن تدريس الأتابكية ونظرها مع غيرها للقاضي شمس الدين الأخنائي بعوض ، فلما توفي الأخنائي استقرّ فيها البصروي كاتب سرّ نوروز ، فلما زالت أيام نوروز استقر القاضي ناصر الدين البصروي ، ثم انه نزل عنها لابن عمه ناصر الدين بن هبة الله واستمرت بيده ، يجيء من حماة يباشرها ويتولى قسم بلدها ثم يرجع إلى حماة ، فجاء شهاب الدين ابن الشيخ شمس الدين في هذا الوقت ومعه تفويض من أخيه بها مثبوت ، وكان التصدير قد نزل عنه الشيخ شهاب الدين بن حجي لأخيه قاضي القضاة نجم الدين ، ثم نزل عنه القاضي نجم الدين

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٢٦٩.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ٦٢.

(٣) شذرات الذهب ٧ : ١٧٠.

١١١

للشيخ شرف الدين قاسم العلائي الحنفي ، ثم نزل عنه الشيخ شرف الدين لكاتبه وولده ، وأما الإقراء بالمكانين المذكورين ، فإنه بيد فخر الدين بن الصلف تلقاه عن شرف الدين صدقة الضرير ، وأخبرني ولده ان مولد والده سنة إحدى وخمسين وان مولد ولده سنة إحدى وثمانين ، وكان ذهاب الشيخ شمس الدين إلى بلاد الروم سنة سبع وتسعين ، وفي جمادى الآخرة من سنة تسع وعشرين يوم الأحد خامسه حضر شهاب الدين احمد ابن الشيخ شمس الدين بن الجزري بالمدرسة الأتابكية انتهى. ثم قال : وفي آخر ليلة الثلاثاء سابعه توجه الشيخ شمس الدين بن الجزري المقرئ إلى بلاد العجم إلى القآن مردي شاه روخ بن تمرلنك انتهى.

قال الشيخ تقي الدين : وفي شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وثمانمائة وفي يوم الاثنين ثامن عشريه وصل الشيخ شمس الدين بن الجزري المقرئ إلى البلاد بعد غيبته في بلاد الروم والعجم نحو ثلاثين سنة ، قال : ولم أتعلم التركي ولا العجمي لأني لم أقم هناك يوما واحدا بنية الإقامة ، بل في كل يوم عزمي التحول ، وكان قد حصل له وجاهة عظيمة في بلاد الروم عند تمرلنك ، ثم ولي قضاء شيراز واستقر بها ، وله دنيا متسعة انتهى. ثم قال : وفي شعبان سنة إحدى وثلاثين ، وفي يوم الاثنين تاسع الشهر وصل القاضي كمال الدين ابن القاضي ناصر الدين البارزي إلى دمشق متوليا كتابة السر ، وخلع عليه بلاسه انتهى. ثم قال : في ذي القعدة منها في يوم الأحد ثالثه درس القاضي كمال الدين ابن البارزي كاتب السر في المدرسة الأتابكية ، وكان قد استعادها من ابن الجزري بمرسوم بحكم انها كانت لهم ، ودرّس في قوله تعالى : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) الآية ، وكنت أنا أسدّها عن ابن الجزري رحمه‌الله تعالى من حين سفره إلى الآن انتهى.

١١٢

٢٨ ـ المدرسة الأسعردية

وبها تربته المعروفة بمدرسة الخواجا إبراهيم (١) بالجسر الأبيض ، قال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في الذيل : في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وثمانمائة ، وقد خرب في هذه السنة ثلاثة مساكن ، وهي أحسن مساكن بساتين دمشق : الدهيشة ، وبستان النشوة على حافة ثورى بالقرب من الربوة ، وبستان ابن جماعة بالمزة ؛ ولكن هذا الثالث نقلت آلته إلى مدرسة الخواجا إبراهيم الأسعردي وانتفع الناس بها. وقال : في ذي الحجة سنة سبع عشرة فرغت عمارة الخواجا إبراهيم الأسعردي بالجسر الأبيض ، ومات وهي في غاية الحسن ، ورتب بها وظائف كثيرة. وقال في شهر رجب سنة ست عشرين وثمانمائة : وممن توفي فيه من الأعيان الخواجا الكبير برهان الدين إبراهيم بن مبارك شاه الأسعردي. كان والخواجا شمس الدين بن المزلق (٢) اكبر التجار بدمشق ، وله المتاجر السائرة في البلدان ، قد اعطاه الله تعالى المال والبنين ، وكان عنده كرم وإحسان للفقراء ، وعمّر المدرسة المشهورة على الجسر الأبيض ، وتأنق في بنائها ، وعمل بها تربة ، ورتب بها فقراء ومقرئة يقرءون القرآن ، وهي من أحسن عمائر دمشق ، توفي في آخر نهار الجمعة ، انقطع يومين فقط ، ودفن من الغد بتربته. وهو في عشر الستين ، ولم يحتفل الناس بجنازته بالنسبة إلى ما احتفلوا لما توفي ولده ، وترك أموالا وبضائع لا تحصى ، وقيل إنه مات وعلى طوالته كثير من الخيول المسوّمة ، التي لا نظير لها ، وخلف ولدين شابين حسنين ، وزوجة ووالدة ، وزوجته بنت الخواجا شمس الدين بن مزلق ، سامحه الله تعالى ، وبلغني انه توفي في هذه المدة وفي هذا الفصل من بيته عشرون نفسا انتهى ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١٧٢.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ٣٦٣.

١١٣

٢٩ ـ المدرسة الأسدية

بالشرف القبلي ظاهر دمشق ، وهي المطلة على الميدان الأخضر ، وهي على الطائفتين الشافعية والحنفية ، قال أبو شامة : وقال القاضي عز الدين بن شداد في كتابه الأعلاق الخطيرة : المدرسة الأسدية على الفريقين أنشأها أسد الدين شيركوه الكبير انتهى. وقوله على الفريقين أي الشافعية والحنفية كما في الدماغية والعذراوية والظاهرية ، فهذه مشتركة بيننا وبين الحنفية. وذكر قبل ذلك في كلامه على الجامع الأموي عبارة سقتها في الصلاحية بالكلاسة ، وفي آخر عبارته : مدرسة الملك المظفر أسد الدين شافعية انتهى فتأمله.

قال الذهبي في سنة أربع وستين وخمسمائة : شيركوه بن شادي بن مروان الملك المنصور أسد الدين قد ذكرنا من أخباره سابقا ، توفي بالقاهرة فجأة في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ، ثم نقل إلى مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان بطلا شجاعا شديد البأس ممن يضرب بشجاعته المثل ، له صيت بعيد ، توفي شهيدا بخانوق عظيم قتله في ليلة وكان كثيرا ما يعتريه ، وورثه ولده الملك القاهر ناصر الدين محمد (١) صاحب حمص انتهى.

وقال الأسدي في تاريخه في سنة أربع وستين وخمسمائة : شيركوه بن شادي ابن مروان بن يعقوب وقيل مروان بن محمد بن يعقوب الملك المنصور أسد الدين ، مولده بدوين بلدة من طرف أذربيجان ، ونشأ بتكريت إذ كان أبوه متولي قلعتها ، قال ابن الأثير : أصلهم من الأكراد الحدثانية ، وأنكر جماعة من بني أيوب النسبة إلى الأكراد وقالوا إنما نحن عرب نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم ، وأسد الدين هذا من أمراء نور الدين رحمه‌الله تعالى ، سيره الى مصر عونا لشاور (٢) يعني الوزير السعدي ولم يف له شاور فعاد إلى دمشق ، وفي سنة ثنتين وستين عاد إلى مصر أسد الدين طامعا في أخذها ، فكانت تلك الوقعة عند الأشمونيين وكسر عسكر مصر والفرنج إلى أن قال :

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٢٧٣.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٢١٢.

١١٤

وولي أسد الدين وزارة مصر ، فأقام خمسة وستين يوما ، وتوفي في جمادى الآخرة بالقاهرة ، ثم نقل إلى المدينة النبوية ـ على الحالّ بها أفضل الصلاة والسلام ـ بوصية منه رحمه‌الله تعالى ، وكانت الفرنج تهابه وتخافه ، وأقطعه نور الدين (١) الرحبة وحمص مع ماله من الأقطاع ، وإليه تنسب المدرسة الأسدية بالشرف القبلي والخانقاه داخل باب الجابية انتهى.

وقال ابن كثير في سنة اربع وستين وستمائة : وفيها قدم ولد الخليفة المستعصم بن المستنصر الناصر العباسي واسمه علي إلى دمشق ، وانزل بالدار الأسدية تجاه المدرسة العزيزية ، وقد كان أسيرا في أيدي التتار انتهى. وقال الأسدي : في سنة أربع عشرة وثمانمائة في صفر منها توفيت زوجة القاضي نجم الدين بن حجي ام ولده مطعونة بالمدرسة الأسدية ظاهر دمشق ، وصلي عليها بجامع تنكز ، ودفنت بطرف مقبرة الصوفية عند رجلي الشيخ تقي الدين بن الصلاح ، وشيعها القضاة والعلماء وغيرهم.

وقال : في سنة ثمان عشرة في صفر منها في عاشره كان كتاب بهاء الدين محمد ولد قاضي القضاة نجم الدين بن حجي بالمدرسة الأسدية ، وكان والده ضعيفا ، وقال فيها : في شهر ربيع الآخر في يوم الاثنين ثالث عشريه لبس قاضي القضاة نجم الدين بن حجي خلعة. إلى أن قال : ثم ذهب إلى بيته تجاه المدرسة الأسدية البرانية ، وجاءته الناس يهنئونه انتهى. ودرّس بها جماعة منهم العز القرشي ، قال الأسدي في تاريخه سنة خمس عشرة وستمائة : عمر بن عبد العزيز بن حسن بن علي بن محمد بن محمد بن علي القرشي الدمشقي الفقيه أبو الخطاب الشافعي ، سمع من الخشوعي وجماعة ، وولي قضاء حمص مدة ، ثم استعفى وردّ إلى دمشق ، ودرّس بالأسدية التي على الميدان ، ومات رحمه‌الله تعالى قبل الكهولة ، وهو والد المعين (٢) المحدث ، توفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الآخرة ، انتهى. ومنهم الركن البجلي.

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٢٢٨.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣١٢.

١١٥

قال ابن كثير في تاريخه في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة : شيخنا العلامة الزاهد الورع ، بقية السلف ، ركن الدين أبو يحيى زكريا بن يوسف بن سليمان بن حماد البجلي ، نائب الخطابة ومدرّس الأسدية والطيبة ، وله حلقة للاشتغال بالجامع الأموي يحضر بها عنده الطلبة ، وكان يشتغل في الفرائض وغيرها ، مواظبا على ذلك ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى عن سبع وستين سنة ، ودفن قريبا من شيخنا العلامة تاج الدين الفزاري انتهى. ومنهم الحافظ صلاح الدين العلائي ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الحمصية ، ومنهم العلامة شهاب الدين الأذرعي كما ذكره ابن حبيب (١) في ذيله على تاريخ والده (٢) وغيره. وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث البهائية. ومنهم القاضي الرمثاوي ، قال الأسدي في تاريخه : أقضى القضاة شرف الدين موسى بن شهاب الدين أحمد بن موسى الرمثاوي الشافعي حفظ التنبيه وغيره ، واشتغل على الشيخ شرف الدين الغزي (٣) ، وأخذ الفرائض عن الشيخ محب الدين المالكي وفضل عليه فيها ، وكانت أجود علومه ، وأخذ يسيرا من الطب عن الرئيس جمال الدين ، وأخذ بمكة عن ابن ظهيرة (٤) لما حج وجاور وأذن له الشرف الغزي بالافتاء ، ثم رأيت إذن ابن هلال المالكي والأنطاكي الحنفي له بالافناء له قبل ذلك من سنة سبعين ، وكتب بخطه كثيرا ، ثم تزوج بنت الشيخ شرف الدين الغزي وماتت معه ، وورث منها مالا تأثل به ، وقد درس بالأسدية في صفر سنة خمس وتسعين ، ثم في شوال سنة ست وتسعين نزل له قاضي القضاة بدر الدين بن أبي البقاء عن تدريس الرواحية ونظرها ، قال شيخنا : وهو رجل من صغار الطلبة اشتغل في الفرائض واستنزل عن تدريس الأسدية في أيام الباعوني ، ثم نزل عنها وترقى إلى هذه المدرسة مع ما فيها من الشروط ، ثم بطل حكم هذا النزول ، ثم ناب في القضاء عن القاضي علاء الدين بن أبي البقاء في سنة ثلاث

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٦٢.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ٧٥.

(٣) شذرات الذهب ٦ : ٣٦٠.

(٤) شذرات الذهب ٧ : ١٨.

١١٦

وثمانمائة قبيل الفتنة ، ثم باشر بعدها مدة طويلة لغير واحد من القضاة ، وحجّ في سنة أربع عشرة قاضي الركب ، وكان سيء المباشرة جدا يضرب به المثل ، وحصل أموالا وأملاكا على وجه مذموم ، وكان عنده معرفة ودهاء ، ودخول في الناس ، وتقدم بذلك على أضرابه ، ومن هو أولى منه ، توفي يوم الخميس ثامن المحرم بعد العصر بسكنه بالقرب من المدرسة الزنجارية قبلي باب توما ، وقتل مهددا من نوروز على وديعة كمال الدين الاستدار اتّهم بها وقيل غير ذلك. ودفن من الغد بمقبرة باب الصغير عند قبة الصياحة ، وصلي عليه بمسجد القصب ، ورؤيت له منامات سيئة والله تعالى يسامحه ، فإنه فتق في دين الله خرقا أعجز الراقع ، ومولده على ما أخبرني به صاحبه القاضي شمس الدين الكفيري قريبا من حوالي الستين ، وقيل بعد ذلك ، وختم على موجوده وطلب النائب من تركته مالا ، وكانت زوجته وهي بنت قاضي القضاة شمس الدين الأخنائي حاملا ، فولدت بعد موته بثمانية عشر يوما ولدا ذكرا فسموه باسمه ، وامتحقت تركته ووظائفه ، وهو أخو الشيخ بدر الدين محمد المار في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثمانمائة انتهى. وقبة الصياحة هذه هي شمالي صفة الشهداء بنحو عشرين خطوة وشرقي القبة الريانة وتربة تاج الدين الفزاري وجماعة وابن خطيب داريا وجماعات من العلماء آخرهم شيخنا مفلح انتهى. وأعاد بها جماعة منهم الشيخ علاء الدين المقدسي معيد البادرائية ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الحمصية ، ومنهم تاج الدين عبد الوهاب بن عبد الرحيم الشهير بالحبّاب المصري ، قدم دمشق وأعاد بالأسدية هذه والرواحية ، ثم توجه بعد الخمسين والسبعمائة إلى قضاء الشوبك ، فتوفي بها سنة ست وستين وسبعمائة ، فقدم ولده العالم المفتي الخير شهاب الدين أبو العباس احمد بن الحباب دمشق وجلس مع الشهود ، ثم صحب القاضي في أيام محنته ، فقربه وأحسن إليه ، ودخل بين الفقهاء وتنزل بالمدارس ، ولم يشتغل على شيخ وإنما كان يطالع ويشتغل وحده ، ثم صحب القونوي (١) وكان يرسل معه

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٣٠٥.

١١٧

الرسائل ، ثم إنه ترك المدارس أيام القاضي ولي الدين وجلس بالجامع يشتغل ويفتي ، وكان يرجع إلى دين ، ويعاني القوة وآلات الحرب أخذ ذلك عن القونوي ، وكان فيه إحسان إلى الطلبة ويساعدهم ، وعنده مروءة وعصبية ، وكان يحج كثيرا ويتجر أثناء ذلك ، وكان ينهي عن المنكر ، ويعلم الناس في طريق الحج أمور دينهم ، ميلاده سنة سبع (بتقديم السين) وثلاثين وسبعمائة بدمشق ، توفي في ذي القعدة سنة ثمانمائة وهو متوجه إلى العقبة بطريق الحج ، ودفن بالطبيلة انتهى.

٣٠ ـ المدرسة الأصفهانية

بحارة الغرباء وبالقرب من درب الشعارين ، وكانت قبل ذلك تعرف بسكن شرف الدين اسماعيل بن التبي ، بناها رجل من أصبهان تاجر ودرّس بها جمال الدين عبد الكافي. قال الذهبي في العبر في سنة تسع وثمانين وستمائة : خطيب دمشق جمال الدين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي الدمشقي المفتي ، ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة ، وسمع من الزبيدي وطائفة ، وناب القضاء مدة ، وكان ديّنا ، حسن السمت ، فيه صفة مفيدة كثيرة ، مات في سلخ جمادى الأولى انتهى. ثم من بعده الفقيه جمال الدين أحمد بن عبد الله المعروف بالمحقق (١) وهو مستمر بها إلى الآن ، قاله القاضي عز الدين بن شداد في كتابه الأعلاق الخطيرة.

٣١ ـ المدرسة الاقبالية

داخل باب الفرج وباب الفراديس بينهما ، شمالي الجامع والظاهرية الجوانية ، وشرقي الجاروخية والاقبالية الحنفية ، وغربي التقوية بشمال ، أنشأها جمال الدين بل جمال الدولة إقبال عتيق ست الشام (٢) ، وقال ابن شداد : أنشأها خواجا إقبال خادم نور الدين الشهيد انتهى. ورأيت بخط الأسدي على العبر : جمال

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٢٦.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٦٧.

١١٨

الدين خادم السلطان صلاح الدين ، واقف الاقباليتين ، التي للحنفية والتي للشافعية بدمشق ، توفي ببيت المقدس انتهى. وقال الحافظ بن كثير في تاريخه سنة ثلاث وستمائة : إقبال الخادم جمال الدولة ، أحد خدام الملك صلاح الدين ، واقف الاقباليتين ، وكانتا دارين فجعلهما مدرستين ، ووقف عليهما وقفا ، الكبيرة للشافعية والصغيرة للحنفية ، وعليها ثلث الوقف ، وكانت وفاته بالقدس الشريف انتهى. زاد الأسدي أنها في ذي القعدة.

(فائدة) : وقال ابن كثير في سنة ثمان وعشرين وستمائة : وفيها تكامل بناء المدرسة الاقبالية التي بسوق العجم من بغداد المنسوبة إلى إقبال الشرابي (١) وحضر بها الدرس وكان يوما مشهودا ، واجتمع فيها جميع المدرسين والمفتين ببغداد ، وعمل بصحنها قباب الحلوى ، فحمل منها إلى جميع المدارس والربط ، ورتب فيها خمسة وعشرين فقيها لهم الجوامك الدارّة في كل شهر ، والطعام في كل يوم ، والحلوى في أوقات المواسم ، والفواكه في زمانها ، وخلع على المدرّسين والمعيدين والفقهاء يومئذ ، وكان وقفا حسنا تقبل الله منه انتهى. وتبعه عليه الأسديّ في تاريخه في السنة المذكورة ، قال ابن شداد : ثم وليها شمس الدين بن سني الدولة ، قال الذهبي في سنة خمس وثلاثين وستمائة : وشمس الدين بن سني الدولة قاضي القضاة أبو البركات يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي الشافعي ، والد قاضي القضاة صدر الدين أحمد ، ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ، وتفقه على ابن أبي عصرون (٢) والقطب النيسابوري ، وسمع من أحمد ابن الموازيني وطائفة ، توفي في ذي القعدة انتهى. قال ابن شداد : ثم وليها من بعده ولده صدر الدين. قال الذهبي في تاريخه العبر في سنة ثمان وخمسين وستمائة : وفيها توفي ابن سني الدولة قاضي القضاة أبو العباس أحمد الملقب بصدر الدين بن يحيى بن هبة الله بن الحسن التغلبي الدمشقي المعروف بابن سني الدولة وهو لقب لجده الحسن ، ولده سنة تسعين وخمسمائة ، وسمع من الخشوعي وجماعة ، وتفقه على أبيه قاضي القضاة

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٦١.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٢٨٣.

١١٩

شمس الدين ، وعلى فخر الدين بن عساكر ، وبرع في المذهب وقرأ الخلاف ، وقلّ من نشأ مثله في صيانته وديانته واشتغاله ورياسته ، ودرّس في سنة خمس عشرة ، وأفتى بعد ذلك وناب في القضاء عن أبيه ، ثم ولي وكالة بيت المال ، ودرّس بالاقبالية والجاروخية ، وولي القضاء مدة ، ورجع من عند هولاكو متمرضا وأدركه الموت ببعلبك في جمادى الآخرة ، وله ثمان وسبعون سنة انتهى. وقال غيره : ثم اشتغل بمنصب القضاء مدة ، ثم عزل واستمرّ على تدريس الإقبالية المذكورة ، وعلى الجاروخية جوارها ، كما سيأتي بيانه في حرف الجيم ، وقد درّس أيضا بالعادلية الكبرى جوارها ، كما سيأتي في حرف العين المهملة ، ودرس بالناصرية ، وهو أول من درس بها ، كما سيأتي في حرف النون ، وخرّج له الحافظ الدمياطي معجما ، توفي ببعلبك في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وستمائة. قال ابن شداد : ثم وليها من بعده ولده نجم الدين بن سني الدولة (١) ثم من بعده بدر الدين بن خلكان ، ثم شمس الدين بن خلكان بعد أن توجه بدر الدين المذكور إلى الديار المصرية ، وناب عن شمس الدين المذكور محيي الدين النواوي إلى آخر سنة تسع وستين وستمائة ، ثم تولاها تاج الدين المراغي المعروف بابن الجوّاب؟ وهو من أصحاب نجم الدين البادرائي (٢) وهو مستمر بها إلى الآن انتهى.

أما النواوي فقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية ، وأما المراغي فقال ابن كثير في سنة ثلاث وتسعين وستمائة : الشيخ الإمام العلامة تاج الدين موسى بن محمد بن موسى المراغي ، المعروف بابن الجوّاب الشافعي ، درّس بالاقبالية وغيرها ، وكان من فضلاء الشافعية ، له يد في الفقه والأصول والنحو ، وفهم جيّد قويّ ، توفي فجأة يوم السبت ودفن بمقابر باب الصغير ، وقد جاوز التسعين انتهى. ثم درّس بها الشيخ العلامة قاضي القضاة وشيخ الشيوخ فريد العصر علاء الدين أبو الحسن علي بن نور الدين أبي الفداء إسماعيل بن يوسف القونوي التبريزي ، ولد بمدينة قونية سنة ثمان

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٦٧.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢٦٩.

١٢٠