الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

الشامية الجوانية بعوض ليحيى بن العطار (١) ، وهو رجل ديون ، وكان من سنين لابسا زيّ الجند ، نسأل الله تعالى حسن الخاتمة ، وحصل في وظائفه خبط كثير ، ولم يحصل لأحد من طلبة العلم منها شيئا ، توفي ليلة الأربعاء عاشره ، واجتمع في جنازته خلق كثير من الناس ، وصلي عليه عند قناة ابن العوني ، تقدم عليه في الصلاة القاضي السراج الحمصي الشافعي ، ودفن بباب الفراديس بطرفها الشرقي ، ولم يظهر له طائل انتهى. وقال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة : ووليتها أنا عن الشيخ شمس الدين الكفيري بولاية معلقة ، وحكم بها قاضي القضاة الحنفي وفقد ولم تحصل لي ولا للشيخ تقي الدين انتهى. وقال في صفر سنة ثلاث وعشرين : وفي يوم الأحد عاشره ابتدأت في الدرس بالشامية البرانية ، ثم في يوم الأربعاء ثالث عشره حضرت في العزيزية في النصف الذي كان للشيخ شمس الدين الكفيري ، وأخذت في باب قسم الفىء والغنيمة من التنبيه انتهى. وقال في شهر ربيع الآخر منها : وفي يوم الأحد ثامن عشريه دعيت بالشامية البرانية ، وكان جملة الحضور بها في هذه العمالة أول النهار سبعة عشر درسا ، وحضرت في العزيزية في النصف الذي كان للشيخ شمس الدين الكفيري سبعة دروس ، وغالب مدارس دمشق لم يحضر بها أحد في هذه السنة ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم انتهى. ثم قال : في جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة دعيت بالشامية البرانية وكان الحضور بها في أول النهار أربعة عشر درسا ، وكان الحضور بالتقوية ست مرات ، وبالقوصية سبع مرات ، وقلّ من حضر من مدارس دمشق في هذه السنة ، ولم يحضر قاضي القضاة الشافعية مطلقا ، والحنفية لم يحضروا إلا قبل البطالة بدرسين. وفي يوم الأحد ثانيه ، وهو اليوم الذي دعيت فيه ، درّس القاضي كاتب السر كمال الدين بن ناصر الدين ابن البارزي في المدرسة العزيزية في النصف الذي كان بيد القاضي شمس الدين الكفيري ، وكنت قد تلقيته عنه بولاية معلقة على الشغور ، وباشرته في العام الماضي ، وكان مع

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٢٧٨.

٣٠١

الشيخ تقي الدين اللوبياني نزول به من شمس الدين الكفيري ، فلم يلتفت إليه ، ثم أتى به خطيب قارا متوليا جميع وظائف الكفيري من مصر ، فلم يقدر على شيء ، فعاد إلى مصر فغرق في البحر ، وكفى الله تعالى شرّه. فولى الجهات المذكورة ولد القاضي بدر الدين بن مزهر ، وكانت قد صارت إلى جماعة من العلماء والطلبة فأخذ الجميع ، ثم نزل للقاضي كمال الدين من مدة عن جميع الجهات حتى عن القضاء ، ودرّس في هذا اليوم في قوله تعالى : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) الآية ، وكانت الآية الشريفة مناسبة للحال ، وحضر عنده القضاة الثلاثة ، والسيد ابن نقيب الأشراف ، وجماعة من الفقهاء انتهى. وقال في شهر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين : وفي يوم الأحد ثاني عشريه حضر القاضي كمال الدين البارزي في المدرسة العزيزية وحضر قاضي القضاة وهو الأموي المعروف بابن المحمرة (١) ، وجماعة من الفقهاء ، وذكر درسا مختصرا من التفسير ، وكان قد حضر في سنة إحدى وثلاثين مرة أخرى ، واستحقّ بذلك معلوم التدريس ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقال في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين : وفي يوم الأحد سادسه حضر الناس الدروس وحضرت العذراوية والعزيزية والمسرورية ، وكنت قد تلقيت تدريسها ونظرها أيضا عن السيد شهاب الدين ابن نقيب الأشراف أيام غضب المؤيد عليه وحكم الي باستحقاقهما ، فلما رضي عليه المؤيد استولى عليهما ، ثم لما مات جرت أمور إلى أن قدر الله تعالى عود الدرس إلى في هذا الوقت انتهى.

٦٧ ـ المدرسة العصرونية

داخل بابي الفرج والنصر شرقي القلعة ، وغربي الجامع بمحلة حجر الذهب ، قال ابن كثير : عند سويقة باب البريد قبالة داره ، بينهما عرض الطريق. قلت : صارت داره الآن قيسارية لعمارة الغير ، والأرض لذريته لا للمدرسة ، وبقي الآن آثار عمارته خرابا. ومن وقف المدرسة عشرة قراريط

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٢٣٤.

٣٠٢

ونصف قيراط في قرية هريرة ، ومنه ببعلبك مزرعتان معروفتان الآن بدير النيط وقدريهما عشرة قراريط شركة الخانقاه السميساطية ، ومنه مزرعة تعرف بالجلدية نحو أربعة عشر قيراطا يزرعها أهل الجعيدية ، ومنه في قرية حمارا بالمج الشمالي قيراط ونصف وربع قيراط ، ومنه بالثابتية خارج باب الجابية بدمشق بستان يعرف بالسنبوسكي وشرط أن لا يزاد في عدة فقهائها على عشرين فقيها على الشافعية وغيرهم ، وأن التدريس لذريته ، ويستناب عن غير المتأهل ، وأن يدرّس بها من تصانيف الواقف الآتي ذكره الانتصار وغيره ، لا من تصانيف الشريف ، فان تعذر من تصانيفه فيدرس بها في الخلاف ، وأن يكون لكل من أرباب وظائفها كذا وكذا من القراطيس ، كذا أخبرني به أقضى القضاة نور الدين بن منعة الحنفي زوج بنت من ذرية الواقف تسمى زينب ، توفيت بمكة المشرفة في سنة عشرين ولها بنت اسمها بركة عن كتاب وقفها والله سبحانه وتعالى أعلم ، أنشأها العلامة قاضي القضاة فقيه الشام شرف الدين أبو سعيد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المطهر بن علي ابن أبي عصرون بن أبي السري التميمي الحديثي ثم الموصلي ثم الدمشقي ، أحد الأعلام ، وكان من الصالحين والعلماء العاملين كما قاله الذهبي ، ولد بالموصل في شهر ربيع الأول سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين وأربعمائة ، وقدم بغداد. قال الأسدي في تاريخه في سنة خمس وثمانين وخمسمائة : وقرأ بالسبع على أبي عبد الله البارع (١) وبالعشر على أبي بكر المرزقي (٢) ، ودعوان (٣) ، وسبط الخياط (٤) ، وتفقه على القاضي أبي محمد عبد الله بن القاسم بن الشهرزوري (٥) ، وتوجه إلى واسط وتفقه بها على القاضي الفارقي أبي علي (٦) وبرع عنده ، وعلق ببغداد عن أسعد المهني (٧) ، وأخذ الأصول عن أبي الفتح

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٦٩.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٨١.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ١٣١.

(٤) شذرات الذهب ٤ : ١١٤.

(٥) شذرات الذهب ٤ : ٨٥.

(٦) شذرات الذهب ٤ : ٨٠.

(٧) شذرات الذهب ٤ : ٦١.

٣٠٣

ابن برهان (١) ، وسمع من أبي القاسم بن الحصين (٢) ، وأبي البركات بن البخاري (٣) ، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن (٤) ، ودرس النحو على علي بن دبيس ، وأبي دلف ، وسمع قديما في سنة ثمان وخمسمائة من أبي الحسن بن طوق ، ورجع إلى بلده بعلم كثير ، ودرّس بالموصل في سنة ثلاث وعشرين ، ثم أقام بسنجار مدة ، وولي قضاء سنجار ونصيبين وحران وغيرها ، ودخل حلب في سنة خمس وأربعين ، فأقبل عليه صاحبها السلطان نور الدين ، فلم أخذ دمشق سنة تسع وأربعين قدم معه درس بالغزالية ، وولي نظر الأوقاف ، ثم ارتحل إلى حلب ، وولي قضاء سنجار وحران وديار بكر ، وتفقه عليه جماعة ، ومن أكبر تلامذته فيه الفخر بن عساكر ، ثم عاد إلى دمشق في سنة سبعين فولي القضاء سنة ثلاث وسبعين بعد أن استعفى ضياء الدين ابن أخي القاضي كمال الدين الشهرزوري ، وأضر قبل وفاته بعشر سنين ، ففوّض السلطان القضاء إلى ابنه أبي حامد ، وأقام معظما بداره إلى أن توفي. وقد صنف التصانيف وانتفع به خلق كثير ، وانتهت إليه رياسة المذهب. قال ابن الصلاح : وكان من أفقه أهل عصره ، وإليه المنتهى في الفتاوى والأحكام ، توفي في شهر رمضان وقد بلغ ثلاثا وتسعين سنة ، ودفن بمدرسته قبالة داره ، وقد بنى له نور الدين المدارس بحلب وحماة وحمص وبعلبك ، وبنى لنفسه مدرسة بحلب وأخرى بدمشق. روي عنه أبو القاسم بن صصري ، وأبو نصر ابن الشيرازي ، وأبو محمد ابن قدامة وخلق آخرهم مولانا العماد أبو بكر بن عبد الله بن النحاس ، ومن تصانيفه : (صفوة المذهب من نهاية المطلب) في سبع مجلدات ، وكتاب (الانتصار) في أربع مجلدات ، وكتاب (المرشد) في مجلدين ، وكتاب (الذريعة في معرفة الشريعة) ، وكتاب (التيسير في الخلاف) أربعة أجزاء ، وكتاب (مأخذ النظر) ، ومختصرا في الفرائض ، وكتاب (إرشاد المغرب في نصرة المذهب) ولم يتم ، وذهب فيما نهب له بحلب ، وكتاب (التنبيه

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٧٧.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٦٠.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ٩٩.

(٤) شذرات الذهب ٤ : ٢٨٧.

٣٠٤

في معرفة الأحكام) ، وكتاب (فوائد المنذري) في مجلدين ، وجمع جزءا في جواز قضاء الأعمى. وقد أورد له العماد أشعارا كثيرة ، ومما أورد له ابن خلكان قوله :

أؤمل أن أحيا وفي كل ساعة

تمرّ بي الموتى تهز نهوشها

وهل أنا إلا مثلهم غير أن لي

بقايا ليال في الزمان أعيشها

انتهى كلام الأسدي. قد وقفت على كتابه التنبيه فرأيته سماه في أوله (التنبيه والاشارة في معرفة الأحكام المختارة) وهو في قدر منهاج النواوي رحمهما‌الله تعالى ، ورأيت خطه في آخره وهذه عبارته بحروفها : يعني بالله وحده قرأ عليّ جميع مختصري هذا صاحبه الفقيه أبو محمد سلمان بن فضل الله بن خير وفقه الله قراءة دراية وفهم ، نفع الله به ووفقه ليعمل بموجبه ، كتبه الفقير إلى رحمة ربه عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن المطهر بن أبي عصرون بخطه في العشر الأول من شعبان سنة تسع وخمسمائة لهجرة سيدنا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحاضر حلب جعلها الله خلدا مقيلا أبدا حامدا لله تعالى ومصليا على نبيه محمد وآله ومسلما ومستقرا لذنوبه ولوالديه ولمشايخه وكافة المسلمين آمين. شعر :

يا ناظرا في الكتاب بعدي

مجتنيا من ثمار جهدي

بي افتقار إلى دعاء

تهديه لي في ظلام لحدي

أصبحت بعد الغنى فقيرا

وبعد جمع الجموع وحدي

انتهى ما رأيته بخطه. والذي ولّاه ولد نجم الدين القضاء السلطان صلاح الدين ولم يعزله تطيبا لقلبه. قال ابن شداد : وهو أول من ذكر الدرس بها. ثم من بعده ولداه قاضي القضاة محيي الدين ونجم الدين ، ثم من بعده ابن شهاب الدين المطهر (١) ، وكان ينوب بها عنه نجم الدين ابن الشيرجي (٢) ، ثم شرف الدين بن أبي عصرون ، وكان ينوب بها عنه علم الدين أبو القاسم الأندلسي

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٤٩.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢٨٩.

٣٠٥

النحوي. فلما توفي شرف الدين في سنة ثمان وخمسين وستمائة وليها كمال الدين محمد المعروف بالجنيد ، ثم وليها شرف الدين محمد بن ناصر الدين بن أبي عصرون ، ثم وليها من بعده الشيخ قطب الدين بن أبي عصرون ، وهو مستمرّ بها إلى الآن انتهى. وقال الذهبي في العبر فيمن مات سنة سبع وخمسين وستمائة : وابن الشيرجي الصدر نجم الدين مظفر بن محمد بن إلياس الأنصاري. الدمشقي ولي تدريس العصرونية والوكالة ، وحدّث عن الخشوعي وجماعة ، وولي أيضا الحسبة ونظر الجامع ، توفي في آخر السنة انتهى. وقال في سنة اثنتين وثمانين وابن أبي عصرون الشيخ محيي الدين أبو الخطاب عمر بن محمد بن محمد ابن القاضي أبي سعد عبد الله بن محمد التميمي الدمشقي الشافعي ، سمع في الخامسة من طبرزد ، وسمع من الكندي ومحمد بن الشريف ، وتعانى الجندية ، ثم لبس البقيار ، ودرّس بمدرسة جده بدمشق ، توفي فجأة في ذي القعدة انتهى. وقال الأسدي في سنة سبع وثمانين وستمائة : وفيها توفي أحمد بن محمد بن نصر الله تاج الدين الحموي الشافعي ، كان فقيها فاضلا متقنا ، وولي مشيخة الشيوخ ، ودرّس بالعصرونية انتهى. وقال ابن كثير في سنة اثنتين وتسعين : وفي أول المحرم درّس الشيخ شمس الدين بن غانم بالعصرونية انتهى. وقال في سنة تسع وتسعين : الصدر سليمان بن سليمان بن حمايل بن علي المقدسي المعروف بابن غانم ، كان من أعيان الناس وأكثرهم مروءة ، ودرّس بالعصرونية ، توفي رحمه‌الله تعالى وقد جاوز الثمانين ، وكان من المشاهير الكبار المشكورين ، وهو والد علاء الدين بن غانم انتهى. ثم درّس بها الامام جمال الدين القلانسي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأمينية. ثم درس بها ولده القاضي الرئيس النبيل أمين الدين أبو عبد الله محمد ، ولد سنة إحدى وسبعمائة ، وأجاز له الحافظ الدمياطي شرف الدين وعدّة غيره ، وحدّث عن إسماعيل بن مكتوم ، وعيسى المطعم ، وست الوزراء وغيرهم ، وولي قضاء العساكر بدمشق ، ووكالة بيت المال مرات ، ودرّس بهذه المدرسة ، ثم ولي كتابة السر عوضا عن القاضي ناصر الدين بن شرف الدين يعقوب الحلبي ومشيخة

٣٠٦

الشيوخ وتدريس الناصرية الجوانية والشامية الجوانية ، وقد أوردت تتمة ترجمته فيها. وقال ابن كثير : في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ، وفي يوم الأربعاء ذكر الدرس بالأمينية والظاهرية والعصرونية وتركها له علاء الدين بن القلانسي عوضا عن أخيه جمال الدين ، وذكر ابن أخيه أمين الدين محمد بن جمال الدين الدرس عقب والده في العصرونية تركها له عمه ، وحضر عنه جماعة من الأعيان انتهى. ثم درّس بها العالم المفتي المدرس القاضي جمال الدين أبو المحاسن يوسف ابن الامام العلامة الزاهد الورع شيخ الشافعية شمس الدين محمد ابن القاضي نجم الدين عمر الأسدي المعروف بابن قاضي شهبة ، ميلاده في شهر رمضان سنة عشرين وسبعمائة ، وسمع الحديث من جماعة ، وتفقه على والده وعلى أهل عصره ، وأذن له والده بالافتاء ، وكان يثني على فهمه ، وتنقل في قضاء البر ، ثم ترك ذلك وأقام بدمشق على وظائف والده ، نزل له عنها في حياته وهي : تصدير بالجامع الأموي وإعادات ، ثم درس بالعصرونية هذه ، ودرس بالمجاهدية نيابة ، وكان فاضلا في الفقه ، غير أنه حصل ثقل في لسانه في مرضية مرضها ، وكان يعسر عليه الكلام ، وكان دينأ منجمعا على نفسه ، ساكنا ، حسن الشكل ، توفي في شوال سنة تسع وثمانين وسبعمائة ، ودفن عند والده. ثم درس بها الشيخ شهاب الدين الزهري ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العادلية الصغرى. ثم درس بها شيخ الشافعية تقي الدين أبو بكر ابن الفقيه الفرضي شهاب الدين أبي العباس أحمد ابن شيخ الشافعية شمس الدين محمد ابن القاضي نجم الدين عمر بن قاضي شهبة ابن العلامة شرف الدين محمد ابن العلامة كمال الدين عبد الوهاب ابن جمال الدين أبي عبد الله المتقدم ذكره. ثم درس بها الشيخ تقي الدين الأذرعي ، ثم شيخنا بدر الدين بن قاضي شهبة ، ثم برهان الدين النواوي ، ثم القاضي محيي الدين ابن غازي ، ثم شهاب الدين بن أبي عبية (١) الواعظ.

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ٢٥.

٣٠٧

(فائدة) : قال الصفدي : بنو عصرون جماعة منهم : تاج الدين محمد بن عبد السلام ، ومحيي الدين بن عبد الله بن محمد ، وشهاب الدين عبد السلام بن المطهر ، وقطب الدين أحمد بن عبد السلام ، وشرف الدين عثمان بن محمد ، ومحيي الدين عمر بن محمد ، وشرف الدين عبد الله بن محمد ، انتهى كلامه في الألقاب. وقال قبل ذلك : عبد السلام ابن المطهر ابن قاضي القضاة أبي سعد عبد الله بن أبي السري بن هبة الله ابن أبي السري بن هبة الله بن المطهر بن علي بن أبي عصرون الفقيه شهاب الدين أبي العباس التميمي الدمشقي الشافعي ، سمع من جده ومن جماعة ، وكان فقيها جليل القدر وافر الديانة ترسل من حلب إلى بغداد إلى الخليفة في رسالة وإلى الأطراف ، وانقطع في الآخر بمكانه بالجبل عند حمام النحاس بدمشق ، وكان منهمكا في التمتع ، كان له أكثر من عشرين سرية حتى نفشت أعضاؤه وتولدت عليه أمراض ، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وستمائة انتهى. وذكره الذهبي في العبر في هذه السنة فقال : وكان صدرا محتشما. وابن كثير فيها أيضا وقال : كان فقيها زاهدا عابدا ، ودفن بقاسيون وهو والد قطب الدين وتاج الدين انتهى. وقال قبل ذلك أيضا في عثمان : هو عثمان بن محمد بن عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن المطهر بن أبي عصرون التميمي الشافعي أخو محيي الدين عمر ، ولد بدمشق سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ، وتوفي سنة ثمان وخمسين وستمائة ، ولم يرو عن جده شيئا ، وسمع وروى ، وكان جوادا مفضالا أنفق أموالا عظيمة إلى أن افتقر ، وكان أبوه خلف من الأموال والخدم والخيل شيئا كثيرا ، من ذلك سطل بلور قدر المدّ أو أكبر بطوق ذهب وهو ملآن جواهر نفيسة فأذهب الجميع انتهى.

٦٨ ـ المدرسة العمادية

داخل بابي الفرج والفراديس ، لصيق المدرسة الدماغية من قبلة. وقال ابن شداد : المدرسة العمادية الصلاحية بانيها عماد الدين إسماعيل بن نور الدين ، والواقف عليها صلاح الدين ، أول من درس بها عماد الدين ، ثم من بعده ولده

٣٠٨

عز الدين ، ثم من بعده تاج الدين بن جهبل ، ثم من بعده محيي الدين ولده وتوفي بها ، ثم وليها بعده ابنه ، ولم يزد على ذلك ، وإنما بناها نور الدين محمود ابن زنكي الشهيد رحمه‌الله تعالى برسم خطيب دمشق أبي البركات بن عبد الحارثي ، وهو أول من درس بها. قال الذهبي فيمن مات سنة اثنتين وستين وخمسمائة : وفيها توفي خطيب دمشق أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الحارثي الدمشقي الفقيه الشافعي ، درّس بالغزالية والمجاهدية ، وبنى له نور الدين محمود رحمه‌الله تعالى مدرسته التي عند باب الفرج ، فدرس بها ، وتعرف الآن بالعمادية ، [وقرأ] على أبي الوحش سبيع صاحب الأهوازي ، وسمع من أبي الحسن علي بن الموازيني ، توفي في ذي القعدة. وقال الأسدي في سنة اثنتين وستين وخمسمائة : الخضر بن شبل بن عبد الفقيه الشافعي أبو البركات الحارثي الدمشقي ، خطيب دمشق ومدرّس الغزالية والمجاهدية ، ولد في شعبان سنة ست وثمانين ، وقرأ على أبي الوحش سبيع ، وسمع منه ومن أبي القاسم النسيب ، وأبي طاهر الحنائي ، وأبي الحسن علي الموازيني ، وجماعة كثيرة ، وصحب أبا الحسن بن قيس ونفقه على جمال الاسلام ، وأبي الفتح نصر الدين المصيصي ، روى عنه ابن عساكر وابنه وزين الأمناء ، وأبو نصر بن الشيرازي وآخرون ، وكان فقيها إماما كبير القدر بعيد الصيت ، بنى نور الدين رحمه‌الله تعالى مدرسة عند باب الفرج وجعله مدرسها. قال ابن عساكر : كتب كثيرا من الحديث والفقه ، ودرس سنة ثمان عشرة ، وكان سديد الفتوى ، واسع المحفوظ ، ثبتا في الرواية ، ذا مروءة ظاهرة ، لزمت دروسه مدة ، وعلقت عنه في مسائل ، وكان عالما بالمذهب يتكلم في الأصول والخلاف ، توفي في ذي القعدة ، ودفن رحمه‌الله تعالى بباب الفراديس انتهى. وقال فيها : وفي شعبان منها كان قدوم العماد الكاتب من بغداد إلى دمشق فأنزله القاضي كمال الدين الشهرزوري بالمدرسة النورية داخل باب الفرج فنسبت إليه لسكناه بها ، فيقال لها العمادية ، ثم ولي تدريسها وولي عماد الدين كتابة الانشاء لنور الدين رحمه‌الله تعالى انتهى. وقال الأسدي في تاريخه في سنة سبع وتسعين : العماد الكاتب

٣٠٩

محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن محمود بن هبة الله بن أله (بفتح الهمزة وضم اللام وتسكين الهاء) ، ومعناه بالعربي العقاب الامام العلامة المنشئ البليغ الوزير عماد الدين أبو عبد الله الأصبهاني الكاتب المعروف بابن أخي العزيز ، ولد بأصبهان سنة تسع عشرة ، وقدم بغداد وهو ابن عشرين سنة أو نحوها ، وتفقه بالنظامية على أسعد الميهني وأبي منصور الرزاز ، وأتقن الخلاف والنحو والأدب ، وسمع من ابن الرزاز ، وأبي منصور بن خيرون (١) ، وعلي بن عبد السلام (٢) ، وأبي القاسم ابن الصباغ (٣) وطائفة ، ورجع إلى أصبهان سنة ثلاث وأربعين. وقد برع في العلوم ، فسمع بها ، وقرأ الخلاف على أبي المعالي الوركاني (٤) ، ومحمد ابن عبد اللطيف الخجندي (٥) ، ثم عاد إلى بغداد وتعانى الكتابة والتصرف ، وسمع بالثغر من السلفي ، واجاز له ابن الحصين والغراوي (٦) ، وروى عنه ابن خليل ، والشهاب القوصي ، وشرف الدين محمد بن إبراهيم الأنصاري وطائفة. قال ابن خلكان : كان شافعيا ، تفقه بالنظامية ، وأتقن الخلاف وفنون الأدب ، وولاه ابن هبيرة (٧) نظر البصرة ، ثم واسط ، ثم انتقل إلى دمشق في سنة اثنتين وستين ، واتصل بالسلطان نور الدين رحمه‌الله تعالى بطريقة الأمير نجم الدين أيوب ، وكتب الانشاء ، وعلت منزلته عنده ، وفوّض إليه تدريس المدرسة المعروفة بالعمادية ، فلما توفي نور الدين رحمه‌الله تعالى خرج إلى العراق ، فلما وصل إلى الموصل مرض ، فلما بلغه أخذ صلاح الدين دمشق عاد إلى دمشق في سنة سبعين وقصد صلاح الدين ومدحه ولزم ركابه ، فاستكتبه واعتمد عليه وقرب منه حتى صار يضاهي الوزراء ، وكان القاضي الفاضل ينقطع عن خدمة السلطان في مصالح الديار المصرية ، فيقوم العماد مقامه ، وكان بينه وبين القاضي الفاضل مخاطبات ومحاورات ومكاتبات. قال ابن خلكان : ولم ينزل

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ١٢٥.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ١٢٢.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ١٣١.

(٤) شذرات الذهب ٤ : ١٨٧.

(٥) شذرات الذهب ٤ : ١٦٣.

(٦) شذرات الذهب ٤ : ٩٦.

(٧) شذرات الذهب ٤ : ١٩١.

٣١٠

العماد على مكانته إلى أن توفي الملك صلاح الدين ، فاختلت أحواله ، فلزم بيته وأقبل على التدريس والتصنيف.

وقال زكي الدين المنذري : وهو إمام البلغاء ، وشمس الشعراء ، وقطب رحى الفضلاء ، أشرقت أشعة فضائله ، وأنارت وأنجدت الركبان بأخباره ، وأغارت في الفصاحة قسّ دهره ، وفي البلاغة سحبان عصره ، فاق الأوائل طرا ، نظما ونثرا ، استعبدت رسائله المعاني الأبكار ، وأخجلت الرياض عند إشراف النوار ، توفي رحمه‌الله تعالى بدمشق في شهر رمضان ، ودفن بمقابر الصوفية ، ومن تصانيفه : (خريدة القصر في شعراء العصر) ، جعله ذيلا على زينة الدهر لأبي المعالي سعد بن علي الخطيري ، (وزينة الدهر) ذيل على دمية القصر وعصرة أهل العصر للباخرزي (١) ، (والدمية ذيل على يتيمة الدهر) للثعالبي (٢) (واليتيمة) ذيل على كتاب البارع لهارون بن علي المنجم ، فذكر العماد الكاتب في كتابه هذا الشعراء الذين كانوا بعد المائة الخامسة إلى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ، وجمع شعراء العراق والعجم والجزيرة ومصر والمغرب ، وهو في عشر مجلدات. وله كتاب (البرق الشامي) في سبع مجلدات ، وإنما سماه البرق الشامي لأنه شبه أوقاته في الأيام النورية والصلاحية بالبرق لطيبها ، وسرعة انقضائها ، وصنف كتاب (الفتح القسي) في مجلدين ، وصنف كتاب (السيل على الذيل) ، وكتاب (نصرة الفترة وعصرة الفطرة) في أخبار بني سلجوق ودولتهم ، وله ديوان رسائل كبير ، وديوان شعر في أربع مجلدات ، وديوان دو بيت صغير انتهى.

وقال الأسدي في سنة سبع وستين وخمسمائة : قال العماد الكاتب في شهر رجب : فوّض إلى نور الدين المدرسة التي عند حمام القصير ، وهي التي أنا منذ قدمت دمشق فيها ساكن ، وكان فيها الامام الكبير ابن عبد ، وقد استفاد من علمه كل حر وعبد ، فتوفي وخلف ولدين استمرا فيها على رسم الوالد ودرّسا بها ، فخدعهما مغربي بالكيمياء فلزماه والتقيا به وأغنياه ، وغاظ نور الدين

__________________

(١) شذرات الذهب ٣ : ٣٢٩.

(٢) شذرات الذهب ٣ : ٢٤٦.

٣١١

ذلك ، فأحضرهما ووبخهما ، ورتبني فيها مدرسا وناظرا انتهى. وقال العماد بن كثير : وولاه نور الدين يعني العماد الكاتب ابن أله المدرسة التي أنشأها داخل باب الفرج التي يقال لها العمادية نسبة إلى العماد الكاتب هذا لكثرة إقامته بها وتدريسه فيها ، ولم يكن أول من درس بها ، بل قد سبقه إليها في التدريس غير واحد ، وكان بارعا في درسه ، يتزاحم الفضلاء فيه لفوائده وفرائده انتهى ملخصا. ثم درّس بها الشيخ بدر الدين بن الصائغ ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الدماغية. ثم درّس بها قاضي القضاة شمس الدين بن الشيرازي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الشامية الكبرى. ثم درّس بها العالم شرف الدين ابن أله ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الطبرية. وقال الذهبي في العبر في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة : ومات شيخنا المعمر الصالح شرف الدين الحسين بن علي بن محمد بن العماد الكاتب عن ثمانين سنة وأشهر ، ودرّس بالعمادية ، وحدث عن ابن أبي اليسر ، وابن الأوحدي (١) وجماعة انتهى. وقال ابن كثير في تاريخه في سنة ثلاث وثمانين وستمائة في ترجمة عز الدين بن الصائغ : ودرّس بعده ابنه محيي الدين أحمد بالعمادية وزاوية الكلاسة من جامع دمشق ، ثم توفي ابنه أحمد في يوم الأربعاء ثامن شهر رجب ، فدرّس بالعمادية والدماغية الشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث نيابة عن أولاد القاضي عز الدين بن الصائغ بدر الدين وعلاء الدين انتهى ، وقد مرت ترجمة الشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث هذا في دار الحديث الأشرفية الدمشقية.

(فائدة) : وقد وقفت على قائمة بخط تقي الدين ابن شهلا صورتها : الحمد لله محاسبة مباركة إن شاء الله تعالى. بما تحصل من ربع وقف المدرسة العمادية داخل باب الفرج ، رحم الله تعالى واقفها ، وبما صرف في العمائر بالمدرسة المشمول ذلك بنظر كاتبه ، وذلك عن سنة خمس وستين وثمانمائة ، من الدراهم ألف واثنين وسبعين من الحانوت جوار المدرسة سكن الأدمي في السنة أربع وثمانين طبقة علوّ ذلك عطل محاكرة المزرعة المعروفة بالعمادية بقصر اللباد

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٦١.

٣١٢

بالقرب من حارة السليماني ثمانمائة محاكرة ، نصف المزرعة بالوادي التحتاني وتعرف بالدماغية بيد ابن عصفور ، خمسا وعشرين محاكرة الجنينة وبيت الأجرود القرادي ، ثلاثمائة محاكرة الجنينة وبيت قرملك عشرين محاكرة بيت قرابغا الأطرش مسلم ، محاكرة أرض الحوانيت الحاملة لعمارة زين الدين بن عطا ، خمس عشرة محاكرة الحوانيت الحاملة لعمارة ابن عصفور ، خمسا وثلاثين محاكرة أرض الحوانيت والمطلع الحاملة لعمارة شاهين مسيلم المصري المعروف تفصيله في أجرة فاعلين وتعزيل حول البحرة وغيرهما بما فيه مؤنة أربعة عشر وما هو معتد به بما كان صرف على جهة الوقف في عمارة الوقف في عمارة المدرسة في شهور أربع وستين. قال : له سبعين وخراج وفريضة لسنة خمس وستين ، ونقيب الوقف عشرة ، الباقي بعد ذلك سبعمائة وستة سلم للنظر مائة وستين للتدريس ثلاثمائة للبواري ثمن زيت أربع وعشرين ، العمالة مائة ، الإمامة أربعين ، الفقهاء وهم عشرة أنفار : الشيخ شهاب الدين أحمد العنبري عشرين ، الشيخ شمس الدين محمد بن حجي الخيري عشرين ، الشيخ شمس الدين محمد الهريري عشرين ، الشيخ شهاب الدين الحمصي عشرين ، الشيخ شهاب الدين أحمد الحواري عشرين ، الشيخ شهاب الدين أحمد الأريحي أيضا عشرين ، الشيخ عمر الطيبي الضرير عشرين ، الشيخ جمال الدين عبد الله بن عبد السلام العدوي عشرين ، الشيخ علي العصياني عشرين ، الشيخ شمس الدين محمد بن الفراش البواب عشرين والخير يكون إن شاء الله تعالى انتهت بحروفها.

٦٩ ـ المدرسة الغزالية

في الزاوية الشمالية الغربية شمالي مشهد عثمان المعروف الآن بمشهد النائب من الجامع الأموي. قال ابن شداد ـ في ذكر ما في الجامع من المدارس : المدرسة الغزالية وتعرف بالشيخ نصر المقدسي. وقال في موضع آخر الزوايا بالجامع : الزاوية الغزالية منسوبة إلى الشيخ نصر المقدسي وتنسب إلى الغزالي

٣١٣

رحمهما‌الله تعالى لكون الغزالي رحمه‌الله تعالى دخل إلى دمشق المحروسة وقصد الخانقاه السميساطية ليدخل إليها ، فمنعه الصوفية من ذلك لعدم معرفتهم به فعدل عنها ، وأقام بهذه الزاوية بالجامع إلى أن علم مكانه وعرفت منزلته ، فحضر الصوفية بأسرهم إليه واعتذروا له ، ثم أدخلوه الخانقاه السميساطية فعرفت الزاوية به ، وإنما تنسب إلى الشيخ نصر المقدسي بعده انتهى. وقال ابن كثير في موضع آخر من تاريخه في سنة سبع وعشرين وستمائة : الشيخ بيرم المارديني رحمه‌الله تعالى كان صالحا منقطعا محبا للعزلة عن الناس ، وكان مقيما بالزاوية الغربية من الجامع ، وهي التي يقال لها الغزالية ، وتعرف بزاوية الدولعي وبزاوية القطب النيسابوري ، وبزاوية الشيخ نصر المقدسي ، قاله الشيخ شهاب الدين أبو شامة. وكان يوم جنازته يوما مشهودا ، ودفن بسفح قاسيون. وقال في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة : وفي صفر من هذه السنة وقف السلطان الملك الناصر قرية حزم على الزاوية الغزالية ومن يشتغل بها بالعلوم الشرعية ، أو ما يحتاج الفقيه إليه ، ونظرها جعله لقطب الدين النيسابوري في مدرسها انتهى. وأصل ذلك في كلام أبي شامة في الروضتين حيث قال في صفر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة : وفيها وقف السلطان قرية حزم باللوي من حوران على الجماعة الذين يشتغلون بعلم الشريعة أو بعلم يحتاج إليه الفقيه والحضور لسماع الدرس بالزاوية الغربية من جامع دمشق المعروفة بالفقيه الزاهد نصر المقدسي رحمه‌الله تعالى وعلى من هو مدرسهم بهذا الموضع من أصحاب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وجعل النظر للشيخ قطب الدين النيسابوري رحمه‌الله تعالى ، ورأيت كتاب الوقف وعليه علامة السلطان (الحمد لله وبه توفيقي) انتهى. قال ابن شداد : أول من درس بها الشيخ نصر المقدسي. ثم من بعده ابن عبد خطيب الجامع بدمشق. ثم من بعده جمال الدين الدولعي. ثم من بعده أخوه شرف الدين. ثم من بعده أصيل الدين الأسعردي (١) ، ثم من بعده عماد الدين ابن شيخ الشيوخ (٢). ثم من بعده عز

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٠٤.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٨١.

٣١٤

الدين بن عبد السلام. ثم من بعده كمال الدين محمد بن طلحة (١). ثم عماد الدين داود خطيب بيت الآبار (٢). ثم عماد الدين بن الحرستاني. ثم ولده محيى الدين وهو مستمر بها إلى الآن.

(فائدة) : درّس بها بعد الشيخ نصر المقدسي تلميذه عالم الشام نصر الله المصيصي ، وقد مرّت ترجمته في المدرسة الجاروخية. وكان لنصر الله هذا تلاميذ كثيرة ، فانه عمر أربعا وتسعين سنة كما قاله الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام في سنة اثنتين وأربعين. ولكن أكثرهم ملازمة إمام جامع دمشق أبو الحجاج يوسف بن مكي بن علي الحارثي الدمشقي الشافعي. قال الأسدي في سنة أربع وستين وخمسمائة عنه : ولزم الفقيه نصر الله وأعاد له ، وقد أوصى له بتدريس الزاوية فلم يصحّ له ، توفي رحمه‌الله تعالى في صفر منها انتهى.

وقال في سنة إحدى وستين وخمسمائة : محمد بن علي ابن الوزير أبي نصر أحمد ابن الوزير نظام الملك أبي علي الطوسي ، صدر إمام معظم ، تفقه على أسعد الميهني ، ودرّس بمدرسة جده ببغداد ستة أعوام ، ثم صرف ، ثم أعيد سنة أربع وسبعين ، وفوض إليه نظر أوقافها ، وكان ذا جاه عريض وحرمة تامة ، ثم عزل سنة سبع وسبعين ، واعتقل مدة ثم أطلق ، فحجّ سنة تسع وسبعين ، ثم سافر إلى الشام ، فأكرمه نوروز ، وولي تدريس الغزالية إلى أن توفي. وقد سمع من أبي منصور بن خيرون ، وأبي الوقت ، ولم يرو ، لأنه مات شابا ، توفي في صفر. وقال الصفدي : أبو نصر الفقيه ابن نظام الملك هو محمد بن علي بن أحمد بن الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي أبو نصر بن أبي الحسن بن أبي الحسن ابن الوزير بن نظام الملك بن علي من البيت المشهور بالوزارة ، ودرس الفقه على سعد الميهني وعلى غيره ، وبرع وتولى مدرسة والده ، ثم عزل ثم أعيد إليها ، وفوض إليه نظر أوقافها ، وكانت له الحرمة التامة ، والجاه العريض ، والقرب من الديوان إلى أن عزل واعتقل بالديوان مديدة ، ثم حجّ وعاد إلى بغداد وتوجه إلى دمشق ، وولي تدريس الزاوية

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٥٩.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢٧٥.

٣١٥

الغربية من الجامع ، وأقام بها إلى أن توفي سنة إحدى وستين وخمسمائة ، وسمع من أبي زرعة (١) وغيره. قال ابن النجار (٢) : وما أظنه روى لأنه مات شابا انتهى. ثم درّس بها خطيب دمشق أبو البركات بن عبد ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأمينية والعمادية. وقال الذهبي في العبر في سنة ثلاث وستين وخمسمائة : والصائن أبو الحسين هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الفقيه الشافعي ، قرأ القرآن بالقراآت على جماعة منهم : أبو الوحش سبيع ، وسمع من النسيب ، وتفقه على جمال الإسلام ، وسمع ببغداد من ابن نبهان (٣) ، وعلق الخلاف على سعد الميهني ، ودرس بالغزالية وأفتى ، وعني بفنون العلم ، وكان ورعا خيرا كبير القدر ، عرضت عليه خطابة البلد فامتنع ، توفي في شعبان انتهى. وقال الأسدي في تاريخه سنة ثلاث وستين هذه : الفقيه صائن الدين بن عساكر هو هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن عساكر الفقيه صائن الدين أبو الحسين الدمشقي الشافعي ، أخو الحافظ أبي القاسم ، ولد في شهر رجب سنة ثمان وثمانين ، وقرأ بالروايات على سبيع بن قيراط ، وعلى أحمد بن محمد بن خلف الأندلسي مصنف المقنع في القراآت ، وسمع أبا القاسم النسيب ، وأبا طاهر الحناني ، وأبا الحسن الموازيني ، وتفقه على أبي الحسن بن المسلم ، وعلى نصر الله بن محمد ، ورحل إلى بغداد سنة عشر ، فسمع أبا علي بن نبهان ، وأبا القاسم بن المهتدي بالله (٤) ، وأبا طالب الزيني ، وأصحاب التنوخي ، وعلق الخلاف على أسعد الميهني ، وقرأ على أبي عبد الله بن أبي كدية المتكلم شيئا من أصول الدين ، وعلى أبي الفتح بن برهان ، شيئا من أصول الفقه ، وحجّ سنة إحدى عشرة ، وسمع بالكوفة ومكة ، ورجع إلى بغداد فأقام بها إلى سنة أربع عشرة ، ثم عاد إلى دمشق واعاد بالأمينية لشيخه أبي الحسن ، ودرس بالغزالية ، وافتى وكتب الحديث. قال أخوه الحافظ أبو القاسم : وكان معتنيا بعلوم القرآن والنحو واللغة ، وحدث بطبقات ابن سعد ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٨٦.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢٢٦.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ٣١.

(٤) شذرات الذهب ٤ : ٥٧.

٣١٦

وسنن الدار قطني ، وأكثر مسند أحمد ، وعرض عليه الخطابة وغيرها فامتنع ، وكان سأله أبو المعالي أن ينوب عنه في القضاء فلم يفعل ، وكان ثقة متقنا متيقظا ، له شعر كثير ، روى عنه أخوه ، وابنه القاسم ، وابن السمعاني (١) ، وبنو أخيه الحسن وتاج الأمناء أحمد (٢) وفخر الدين عبد الرحمن ابنا محمد بن الحسن ، وأبو القاسم بن صصري وآخرون ، وذكر ابن الدبيثي أن الصائن وقع في الحمام ففلج أياما ومات ، توفي في شعبان ، ودفن بباب الصغير عند والده وإخوته رحمهم‌الله تعالى انتهى.

وقال الأسدي في هذه السنة : عبد الرحيم بن رستم أبو الفضائل الزنجاني الفقيه الشافعي ، تفقه ببغداد على أبي منصور الرزاز ، وقدم دمشق ، ودرس بالمجاهدية ثم بالغزالية ، ثم ولي القضاء ببعلبك ، ولم يزل بها حتى قتل شهيدا. قال ابن عساكر : كان عالما بالمذهب والأصول وعلوم القراآت شديدا على المخالفين ، يعني الحنابلة ، وله شعر جيد ، قتل ببعلبك في شهر ربيع الآخر ، وحمل إلى دمشق ودفن بها انتهى. ثم درس بها مرتين العلامة قطب الدين النيسابوري ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأمينية. وقال الأسدي في سنة تسع وسبعين وخمسمائة عقب وفاة قطب الدين المذكور : بنجير بن علي بن بنجير القاضي أبو الفتح الأشيري الفقيه نزيل دمشق ، حدث عن عبد الملك الكروخي (٣) ، روى عنه أبو قاسم بن صصري وغيره ، وناب في القضاء عن الشهرزوري ، ودرس بالغزالية مدة ، وعاش نيفا وسبعين سنة ، توفي في شهر ربيع الآخر انتهى. ثم درس بها قاضي القضاة شرف الدين بن أبي عصرون ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العصرونية. ثم درس بها مدة طويلة الشيخ الفقيه العلامة الخطيب ضياء الدين أبو القاسم عبد الملك بن زيد بن يس بن زيد بن قائد بن جبل التغلبي الأرقمي الدولعي الموصلي الشافعي ، ولد بالدولعية ، وهي قرية من قرى الموصل سنة أربع عشرة وخمسمائة وقيل سنة

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٧٥.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٤٠.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ١٤٨.

٣١٧

سبع ، وتفقه ببغداد ، ثم قدم الشام في شبيبته فتفقه على نصر المصيصي ، وعلى ابن أبي عصرون ، وولي خطابة جامع دمشق وتدريس هذه المدرسة. قال الشيخ العلامة النواوي رحمه‌الله تعالى في طبقاته : كان شيخ شيوخنا ، وكان أحد الفقهاء المشهورين والصلحاء الورعين ، توفي في شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ، ودفن بمقبرة باب الصغير ، نقل عنه في الروضة في موضعين فقط. وقال الذهبي في هذه السنة : والشيخ الدولعي خطيب دمشق ، سمع من الفقيه نصر الله المصيصي ، وببغداد من الكروخي ، وكان متقنا خيرا خبيرا بالمذهب ، ودرس بالغزالية ، وولي الخطابة بعد ابن اخيه انتهى. ثم درّس بها مدة ابن اخيه العلامة جمال الدين الدولعي ، وقد مرّت ترجمته في مدرسته الدولعية. ثم درس بها بعده كما قاله ابن كثير في تاريخه : سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي ثم المصري ، ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة ، وله ترجمة طويلة جدا ، وتوفي بمصر في جمادى الأولى سنة ستين وستمائة. ثم درس بها بعده سنة ثمان وثلاثين وستمائة الشيخ الإمام عماد الدين ابو المعالي داود بن عمر بن يوسف بن يحيى بن عمر بن كامل الزبيدي القرشي ثم الدمشقي. وقال الصلاح الصفدي : الخطيب عماد الدين أبو المعالي وابو سليمان المقدسي الشافعي خطيب بيت الآبار وابن خطيبها ، ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة ، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة ، وسمع من الخشوعي ، وعبد الخالق ابن فيروز الجوهري (١) ، وعمر بن طبرزد ، وحنبل ، والقاسم بن عساكر وجماعة ، وروى عنه الدمياطي ، والزين الفارقي ، والعماد النابلسي (٢) ، والشمس ابن النقيب المالكي ، والخطيب شرف الدين ، والفخر بن عساكر ، وولده الشرف محمد وطائفة من أهل القرية ، وكان مهذبا فصيحا ، مليح الخطابة لا يكاد يسمع موعظته أحد إلا وبكى ، وخطب بدمشق ، ودرّس بالزاوية الغزالية سنة ثمان وثلاثين بعد الشيخ عز الدين بن عبد السلام لما انفصل عن دمشق ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٣٠١.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٧.

٣١٨

ثم عزل العماد بعد ست سنين ورجع إلى خطابة القرية انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة ست وخمسين وستمائة : والعماد الآباري خطيب بيت الآبار ، كان فصيحا بليغا ، ولي خطابة دمشق وتدريس الغزالية بعد ابن عبد السلام ، ثم عزل بعد ست سنين وعاد إلى خطابة القرية ، بها توفي في شعبان ، ودفن هناك انتهى. وقال ابن كثير في سنة خمس واربعين : وفي شهر رجب منها عزل الخطيب عماد الدين خطيب بيت الآبار عن الخطابة بالجامع الأموي وتدريس الغزالية ، وولي ذلك القاضي عماد الدين عبد الكريم ابن الحرستاني شيخ دار الحديث بعد ابن الصلاح انتهى ، وقد مرت ترجمة القاضي عماد الدين هذا في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم درس بها ولده الخطيب محيى الدين بن الحرستاني. قال الصفدي في تاريخه في المحمدين : محمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الخطيب محيى الدين أبو حامد ابن القاضي الخطيب عماد الدين بن الحرستاني الأنصاري الدمشقي الشافعي خطيب دمشق وابن خطيبها ، ولد سنة أربع عشرة وستمائة ، وأجاز له جده المؤيد الطوسي ، وأبو روح الهروي (١) ، وبنت الشغري ، وسمع من زين الأمناء ، وابن الصباح ، وابن الزبيدي ، وابن ماسويه (٢) ، وابن اللتي ، والعلم الصابوني (٣) ، والفخر الأربلي (٤) ، وأبي القاسم بن صصري ؛ والفخر بن الشيرجي ، وسمع بالقاهرة من عبد الرحيم ابن الطفيل (٥) ، وحدث بالصحيح وغيره ، أقام بصهيون مدة حياة أبيه ، وولي الخطابة بعد موت أبيه ، ودرس بالغزالية والمجاهدية ، وأفتى وأجاد ، وكان متصوفا حسن الديانة ، وله نظم ، وكان طيب الصوت ، على خطبته روح ، روى عنه ابن الخباز ، وابن العطار ، وابن البرزالي ، وأجاز الشيخ شمس الدين مروياته ، وتوفي سنة اثنتين وثمانين وستمائة انتهى. وقال ابن كثير في سنة اثنتين هذه : الخطيب محيى الدين محمد

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٨١.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٤٩.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٢٠٨.

(٤) شذرات الذهب ٥ : ١٦١.

(٥) شذرات الذهب ٥ : ١٨٤.

٣١٩

ابن الخطيب قاضي القضاة عماد الدين عبد الكريم ابن قاضي القضاة جمال الدين بن الحرستاني الشافعي ، خطيب دمشق ومدرس الغزالية ، كان فاضلا بارعا ، أفتى ودرّس ، وولي الغزالية بعد أبيه ، وحضر جنازته نائب السلطنة وخلق كثير ، توفي في جمادى الآخرة عن ثمان وستين سنة ، ودفن بقاسيون انتهى.

قلت : وكان ينوب عنه في الغزالية والخطابة ولده تاج الدين أبو القاسم عبد الصمد (١) الرجل الصالح والله أعلم. وقال ابن كثير : في سنة اثنتين وثمانين هذه في شعبان منها درس الخطيب جمال الدين عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي بالغزالية عوضا عن الخطيب بن الحرستاني ، وأخذ منه الدولعية لكمال الدين بن النجار الذي كان وكيل بيت المال ، ثم أخذ شمس الدين الأيكي تدريس الغزالية من ابن عبد الكافي المذكور انتهى. وشمس الدين الأيكي هذا قال ابن كثير في سنة سبع وتسعين : شمس الدين محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي المعروف بالأيكي ، كان أحد الفضلاء الحلالين للمشكلات ، المفسرين للمعضلات ، لا سيما في علم الأصلين والمنطق وعلم الأوائل ، باشر في وقت مشيخة الشيوخ بمصر ، وأقام يدرس بالغزالية قبل ذلك ، توفي رحمه‌الله تعالى بقرية المزة يوم الجمعة ، ودفن يوم السبت ، ومشى الناس في جنازته ، منهم قاضي القضاة إمام الدين القزويني ، وذلك في الرابع من شهر رمضان ، ودفن بمقابر الصوفية إلى جانب شملة ، وعمل عزاؤه بخانقاه السميساطية وكان معظما في نفوس كثير من العلماء وغيرهم انتهى. بعد أن قال ابن كثير في سنة خمس وثمانين : وفيها درس بالغزالية بدر الدين بن جماعة ، انتزعها من يد شمس الدين إمام الكلاسة الذي كان ينوب عن شمس الدين الأيكي شيخ سعيد السعداء ، باشرها شهرا ، ثم جاء مرسوم باعادتها إلى الأيكي ، وقد استناب عنه جمال الدين الباجربقي ، فباشرها الباجربقي في ثالث شهر رجب انتهى. وقال ابن كثير في سنة تسع وتسعين : الخطيب الامام العالم أبو المعالي محمد بن محمد

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٢٦.

٣٢٠