الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

تقي الدين الأسدي في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة : وفي يوم الأحد حادي عشر شهر ربيع الأول حضر القاضي تقي الدين بن الحريري الدرس بالمدرسة النجيبية وليه عن ابن كثير ودرس درسا عجيبا أضحك الحاضرين ، وعجز أن يتكلم بشيء ، وصيّر ذلك تاريخا عليه يتحاكاه الناس انتهى ، وقد مرّت ترجمة ابن كثير هذا في دار الحديث الأشرفية الدمشقية.

٣٦١

فصل

مدارس الحنفية

٨٨ ـ المدرسة الأسدية

وقد تقدم ذكر محلها وأنها على الفريقين الحنفية والشافعية ، وترجمة واقفها. قال ابن شداد : والذي تحقق من مدرسيها يعني من الحنفية الشيخ تاج الدين بن الوزان ، وعمّر إلى أن نيف على التسعين سنة ، ثم توفي سنة خمس وأربعين وستمائة. فوليها بعده تاج الدين بن النجار. ثم وليها بعده صادر الدين أحمد بن الكاسي. ثم ذكر بها الدرس ولده نجم الدين أيوب ، وهو مستمرّ بها إلى الآن انتهى. وقال الأسدي في سنة أربع وثمانين وخمسمائة : عبد الله بن محمد بن سعد الله أبو محمد البجلي الحريري البغدادي الحريمي الحنفي الواعظ المعروف بابن الشاعر نزيل القاهرة ، روى عن ابن الحصين ، وأبي المواهب بن ملوك (١) ، والقاضي أبي بكر وجماعة من الكبار ، وقدم دمشق وسمع من أبي المكارم بن هلال ، والحافظ ابن عساكر ، ودرس بالأسدية بالشرف القبلي ، وحدث بدمشق ومصر ، وروى عنه أبو الفضل الحافظ ، وأبو القاسم بن صصري ، وكان ذا جاه وقبول وتقدم في مذهبه ، توفي بالقاهرة رحمه‌الله تعالى عن اثنتين وسبعين سنة انتهى.

٨٩ ـ المدرسة الاقبالية

قد تقدم ذكر محلها إشارة عند ذكر المدرسة الاقبالية الشافعية ، وذكر

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٧٣.

٣٦٢

واقفها والذي رأيت مرسوما بعتبة بابها بعد البسملة : «وقف هذه المدرسة المباركة الأمير الأجل جمال الدين إقبال عتيق الخاتون الأجلة ست الشام ابنة أيوب رحمه‌الله على الفقهاء من اصحاب الإمام سراج الأمة الشريفة النعمان أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، وأوقف عليها الثمن من الضيعة المعروفة بالمسوقة ، والثلث من مزرعة الأفتريس والثلث من مزرعة في الحديثة ، وقيراط من مليحة زرع ما حاط بطريق سالكة من زرع إلى بصرى ، وذلك في الرابع عشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وستمائة عظم الله أجره» انتهى. قال ابن شداد : ذكر من علم بها من المدرسين : بهاء الدين عباس كان مدرسا بها وخطيبا بالقلعة ولم يزل بها إلى حين توفي. فوليها بعده تاج الدين عبد العزيز ابن سوار الحنفي إلى أن توفي فجأة بها. وولي بعده رشيد الدين سعيد بن الحنفي (١) وولي بعده برهان الدين التركماني. وولي بعده فخر الدين أبو الوليد المغربي الأندلسي وهو مستمرّ بها إلى سنة أربع وسبعين وستمائة انتهى. ثم وليها بعد وفاة فخر الدين تقيّ الدين أحمد ابن قاضي القضاة صدر الدين سليمان الحنفي في ثامن عشر جمادى الأولى سنة ست وسبعين وستمائة.

قلت : قال الذهبي في مختصر تاريخ الاسلام في سنة سبع وسبعين وستمائة : وفيها مات قاضي القضاة شيخ الحنفية صدر الدين سليمان بن أبي العز الحنفي الأذرعي (٢) ثم الدمشقي ، وله ثلاث وثمانون سنة ، والصاحب العلامة قاضي القضاة مجد الدين عبد الرحمن بن عمر بن العديم الحنفي قبل صدر الدين سليمان بأشهر انتهى. وقال في العبر في السنة المذكورة : والصدر سليمان ابن أبي العز بن وهيب الأذرعي ثم الدمشقي شيخ الحنفية قاضي القضاة أبو الفضل ، أحد من انتهت إليه رئاسة المذهب في زمانه ، وبقية أصحاب الشيخ جمال الدين الحصيري ، درس بمصر مدة ، ثم قدم دمشق فاتفق موت القاضي ابن العديم ، فقلد بعده القضاء ، فبقي فيه ثلاثة أشهر ، ثم توفي في شعبان عن ثلاث وثمانين سنة. وولي بعده القاضي حسام الدين الرومي (٣) انتهى. قال

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٨٥.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣٥٧.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ٤٤٦.

٣٦٣

الصفدي رحمه‌الله تعالى في حرف السين : سليمان بن أبي العز بن وهيب المفتي الكبير الشيخ صدر الدين الحنفي قاضي القضاة أبو الفضل الأذرعي ثم الدمشقي الحنفي ، إمام عالم متبحر عارف بدقائق الفقه وغوامضه ، وإليه انتهت الرئاسة في الحنفية بمصر والشام ، وتفقه على الشيخ جمال الدين الحصيري وغيره ، وقرأ الفقه بدمشق مدة ، ثم سكن مصر وحكم بها ، ودرس بالصالحية ثم انتقل إلى دمشق قبل موته ، فاتفق موت مجد الدين بن العديم ، وكان الملك الظاهر بيبرس يحبه ويبالغ في احترامه ، وأذن له أن يحكم حيث حلّ ، وكان لا يكاد يفارقه في غزواته وحجّ معه ، ومل يخلف بعده مثله في مذهبه ، وله شعر ، مات رحمه‌الله تعالى سنة سبع وسبعين وولي القضاء بعده حسام الدين الرومي انتهى. وقال الحافظ علم الدين البرزالي في تاريخه ومن خطه نقلت في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة : وفي ليلة السبت منتصف شوال توفي الشيخ الفقيه الامام شمس الدين محمد بن عثمان بن محمد الأصبهاني المعروف بابن العجمي الحنفي ، وصلي عليه ظهر السبت بجامع دمشق ، ودفن بمقبرة باب الصغير ، وكان مدرسا بالاقبالية الحنفية وفيها مات ، ودرّس أيضا بالمدينة النبوية الشريفة على الحالّ بها الصلاة والسلام ، وسمع من ابن البخاري مشيخته ، وحدّث بالمدينة النبوية الشريفة على مشرّفها أفضل الصلاة وأتم السلام ، وكان فقيها فاضلا ، وجمع منسكا على مذهبه ، وكان فيه وسواس في الطهارة ، وفيه ديانة وقلة مخالطة للناس. وولي المدرسة المذكورة بعده نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الحنفي ودرس بها في يوم الاثنين الرابع والعشرين من شوال ، وحضر درسه القضاة وأعيان المدرسين والفقهاء وأثنوا عليه وعلى نباهته وفهمه وحسن آدابه وفصاحته وقوة جنانه مع صغر سنه ، زاده الله من فضله انتهى. وقال ابن كثير في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة : وفي يوم الاثنين رابع عشرين شوال درس بالاقبالية الحنفية نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي عوضا عن شمس الدين محمد بن عثمان ابن محمد بن عمر الأصبهاني بن العجمي الحنيطي ويعرف بابن الحنبلي ، وكان

٣٦٤

دينا متقشفا كثير الوسوسة في الماء جدا ؛ وأما المدرس مكانه وهو القاضي نجم الدين ابن الحنفي فانه ابن خمس عشرة سنة ، وهو في غاية النباهة والفهم ، وحسن الاشتغال والشكل والوقار ، بحيث غبط الحاضرون كلهم أباه على ذلك ، ولهذا آل أمره إلى أن تولى قاضي القضاة في حياة أبيه ، نزل له عنه وحدث فيه سيرته وأحكامه انتهى.

٩٠ ـ المدرسة الآمدية

بالصالحية العتيقة جوار الميطورية من الغرب ولهذا قال الشيخ تقي الدين الأسدي في تاريخه في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ما صورته : وغربي الميطورية مدرسة للحنفية بقال لها الآمدية ، حكى لي من شاهدها وهي عامرة وعلى بابها طواشية انتهى. وقال لي ناظرها الآن قاضي القضاة يعني الحنفية كان محب الدين بن القصيف إنها تربة والله أعلم.

٩١ ـ المدرسة البدرية

قبالة الشبلية التي بالجبل عند جسر كحيل ـ قاله السيد وابن كثير ويعرف الآن بجسر الشبلية. قال ابن شداد : بانيها الأمير بدر الدين المعروف بلالا في سنة ثمان وثلاثين وستمائة. وقال ابن كثير في تاريخه في سنة خمس عشرة وستمائة : وفيها فوض الملك المعظم النظر في التربة البدرية تجاه مدرسة الشبلية عند الجسر الذي على ثورا ويقال له جسر كحيل ، وهي منسوبة إلى بدر الدين حسن بن الداية ، كان هو وإخوته من أكابر أمراء نور الدين محمود ابن زنكي.

قلت : وقد جعلت في حدود الأربعين وستمائة جامعا فيه خطبة يوم الجمعة ولله الحمد ، ووقفها نصف الحمام بقرية مسنون والبستان بقرب جسر كحيل ، كذا رأيته مكتوبا بأعلى عتبتها انتهى. وقال ابن كثير في سنة أربع وخمسين وستمائة : الشيخ شمس الدين سبط ابن الجوزي يوسف ابن الأمير حسام

٣٦٥

الدين قزأوغلي بن عبد الله بن عتيق الوزير عون الدين ابن هبيرة (١) الحنبلي الشيخ شمس الدين أبو المظفر الحنفي البغدادي ثم الدمشقي سبط ابن الجوزي ، أمه رابعة بنت الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي الواعظ ، وقد كان حسن الصورة طيب الصوت حسن الوعظ كثير الفضائل والمصنفات ، وله كتاب مرآة الزمان في عشرين مجلدا من أحسن التواريخ نظم فيه كتاب المنتظم لجده وزاد عليه وذيل إلى زمنه ، وهو من أحسن التواريخ وأبهجها ، قدم دمشق في حدود الستمائة ، وحظي عند ملوك بني أيوب وقدموه وأحسنوا إليه ، وكان له مجلس وعظ كل يوم سبت بكرة النهار عند السارية التي يقوم عندها الوعاظ اليوم عند باب مشهد علي بن الحسين زين العابدين (٢) ، وقد كان الناس يبيتون ليلة السبت بالجامع ويتركون البساتين في الصيف حتى يسمعوا ميعاده ، ثم يسرعون إلى بساتينهم فيتذكرون ما قاله من الفوائد والكلام الحسن على طريقة جده رحمهما‌الله تعالى ، وكان الشيخ تاج الدين الكندي رحمه‌الله تعالى وغيره من المشايخ يحضرون عنده تحت قبة يزيد التي عند باب البريد ويستهجنون ما يقول ، ودرس بالعزية البرانية التي بناها الأمير عز الدين أيبك المعظمي بدرب ابن منقذ ، ودرس السبط أيضا بالشبلية التي بالجبل عند جسر كحيل ، وفوض إليه البدرية التي قبالتها وكانت سكنه ، وبها توفي ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة ، وحضر جنازته سلطان البلد الملك الناصر بن العزيز فمن دونه ، وقد أثنى الشيخ شهاب الدين أبو شامة عليه في علومه وفضائله ورئاسته وحسن وعظه وطيب صوته ونضارة وجهه وتواضعه وزهده وتودده ، ولكنه قال : وقد كنت مريضا ليلة وفاته فرأيت وفاته في المنام قبل اليقظة ، ورأيته في حالة منكرة ورأى غيري أيضا كذلك ، نسأل الله العافية ، ولم أقدر على حضور جنازته ، وكانت جنازته حافلة حضرها خلق كثير ، وقد كان فاضلا عالما ظريفا منقطعا ، منكرا على أرباب الدول ما هم عليه من المنكرات وكان مقتصدا في لباسه

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ١٩١.

(٢) شذرات الذهب ١ : ١٠٤.

٣٦٦

مواظبا على المطالعة والاشتغال والجمع والتصنيف ، مصنفا لأهل العلم والفضل ، مباينا لأهل الخزية والجهل ، وتأني الملوك وأرباب الدولة إليه زائرين وقاصدين ، وربي في طول زمانه في جاه عريض عند الملوك والعوام نحو خمسين سنة ، وكان مجلس وعظه مطربا وصوته فيما يورد فيه حسنا طيبا رحمه‌الله تعالى.

قلت : وهو ممن ينشد له عند موته قول الشاعر :

ما زلت تكتب في التاريخ مجتهدا

حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا

وقد سئل يوم عاشوراء من الملك الناصر صاحب حلب أن يذكر للناس شيئا من مقتل الحسين رضي الله تعالى عنه فصعد المنبر وجلس طويلا لا يتكلم ثم وضع المنديل على وجهه وبكى ، ثم أنشا يقول وهو يبكي شعرا :

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في نشر الخلائق ينفخ

لا بد أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

ثم نزل عن المنبر وهو يبكي وصعد إلى الصالحية وهو يبكي كذلك انتهى.

وقال الذهبي في العبر في سنة اربع وخمسين وستمائة : وابن الجوزي العلامة المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزأوغلي التركي ثم البغدادي العوني الهبيري الحنفي ، سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي ، أسمعه جده منه ومن ابن كليب وجماعة ، وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها ، وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه ، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلدا ، وشرح الجامع الكبير. وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، ودرس وأفتى وكان في شبيبته حنبليا ، توفي رحمه‌الله تعالى في الحادي والعشرين من ذي الحجة ، وكان وافر الحرمة عند الملوك انتهى.

وقال شمس الدين الشريف الحسيني رحمه‌الله تعالى في ذيل العبر في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة : وفي هذا العام جددت خطبة بالمدرسة البدرية جوار الشبلية باعتناء القاضي شهاب الدين بن فضل الله كاتب السر انتهى.

٣٦٧

وقال ابن شداد : اذكر من درس بها الذي تحقق منهم : زكي الدين زكريا بن عقبة. ثم من بعده صفي الدين يحيى بن فرج بن عتاب الحنفي البصروي المعروف بالأسود ، وهو مستمرّ بها إلى الآن انتهى. وقال الحافظ البرزالي في تاريخه في سنة احدى وثلاثين وسبعمائة : وفي ليلة الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول توفي الشيخ الفقيه الامام العالم العدل الرضي شمس الدين محمد بن علي ابن هاشم بن جبريل بن ذرع الحنفي ، وصلي عليه ظهر الثلاثاء بجامع دمشق ، ودفن بسفح قاسيون بتربة الشيخ موفق الدين ، وكان يوما مطيرا ، وكان رجلا جيدا فقيها فاضلا [عدلا] محترما فقيها بالمدارس ، وله تدريس بالصالحية بمدرسة صغيرة تعرف بالبدرية ، وله مركز يجلس فيه مع الشهود تحت الساعات ، وأذن له في الفتوى ، وكان يسكن بخانقاه الشنباشي بحارة البلاطة وهناك مات ، وسمع من الشرف أحمد بن عساكر ، والكمال تمام الحنفي وجماعة انتهى. ومن خطه نقلت.

٩٢ ـ المدرسة البلخية

كانت تعرف قديما بخربة الكنيسة ، وتعرف أيضا بدار أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه ، أنشأها الأمير ككز الدقاقي بعد سنة خمس وعشرين وخمسمائة للشيخ برهان الدين أبي الحسن علي البلخي (١) ، قاله ابن شداد وقال الذهبي في العبر في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة : وابو الحسن البلخي علي بن الحسن الحنفي الواعظ الزاهد ، درس بالصادرية ، ثم جعلت له دار الأمير طرخان مدرسة ، وقام عليه الحنابلة لأنه تكلم فيهم ، وكان يلقب برهان الدين ، وكان زاهدا معرضا عن الدنيا ، وهو الذي قام في إبطال (حيّ على خير العمل) من حلب ، وكان معظما مفخما في الدولة ، درس أيضا بمسجد خاتون ، ومدرسته داخل الصادرية انتهى.

قلت : وبابها الآن إليها ، وكان بابها عند الحمام بباب البريد. وقال الذهبي

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ١٤٨.

٣٦٨

أيضا في مختصر تاريخ الاسلام في سنة ثمان وأربعين المذكورة : وشيخ الحنفية برهان الدين علي بن الحسن البلخي الواعظ مدرس الصادرية واليه تنسب المدرسة البلخية انتهى. قال ابن شداد : ودرس بها بعده ولده شمس الدين وجماعة لم يحقق منهم إلا من يذكر ، منهم القاضي بدر الدين أبو محمد يوسف ابن الخضر بن عبد الله الحنفي ، ومن بعده ولده شمس الدين أبو عبد الله محمد. ومن بعده الشيخ سديد الدين التميمي ومن بعده القاضي عزيز الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الكرم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن علوي السنجاري إلى أن توفي بها في سنة ست وأربعين وستمائة في السادس والعشرين من شعبان ، وكان له من العمر ست وسبعون سنة. وتولى من بعده ولده كمال الدين أبو الفضائل عبد اللطيف ، ولم يزل بها مدرسا بها إلى أن خرج من دمشق ناجعا بسبب استيلاء التتار عليها في سنة ثمان وخمسين وستمائة. ثم وليها بعده صدر الدين إبراهيم الهندي. ثم عاد كمال الدين إليها في أواخر السنة المذكورة ، وبقي مستمرا بها إلى أن توجه صحبة الخليفة المستنصر (١) المعروف بالأسود ، وقتل بالفلوجه. ومولد كمال الدين المذكور في جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وستمائة ، واستخلف بها المولى الشيخ الامام عبد القادر ، وأقام بها سنة واحدة وشهرين. وتولاها بعده رشيد الدين إسماعيل المعروف بابن المعلم ، وهو مستمرّ بها إلى سنة أربع وسبعين وستمائة انتهى. وفي الذيل على العبر في سنة أربع عشرة وسبعمائة : ومات بمصر العلامة المعمر شيخ الحنفية رشيد الدين إسماعيل بن عثمان بن المعلم القرشي الدمشقي في شهر رجب عن إحدى وتسعين سنة سمع من ابن الزبيدي الثلاثيات ، وسمع من السخاوي والنسابة وجماعة وتفرّد ، وتلا بالسبع على السخاوي ، وأفتى ودرس ، ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة ، ومات قبله ابنه تقي الدين ببعلبك ، تغير قبل موته بسنة أو أكثر وأنهزم. وقال ابن كثير في سنة أربع عشرة : والشيخ رشيد الدين أبو الفدا إسماعيل بن محمد القرشي الحنفي المعروف بابن المعلم ، كان من

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ٢٤٨.

٣٦٩

أعيان الفقهاء والمفتين ، ولديه علوم شتى وفوائد وفرائد ، وعنده زهد وانقطاع عن الناس ، وقد درس بالبلخية مدة ، ثم تركها لولده وسافر إلى مصر فأقام بها ، وقد عرض عليه قضاء دمشق فلم يقبل ، وقد جاوز التسعين من العمر ، توفي سحر يوم الأربعاء خامس شهر رجب ودفن بالقرافة رحمه‌الله تعالى انتهى.

٩٣ ـ المدرسة التاجية

بزاوية الجامع الأموي الشرقية ، غربي دار الحديث العروية. قال عز الدين محمد بن عمر الأنصاري : في الأيام المعظمية جددت المقصورة التاجية المعروفة بابن سنان قديما والآن بالسلارية في سنة أربع وعشرين وستمائة انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة ثلاث عشرة وستمائة : وفيها توفي العلامة تاج الدين الكندي أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادي النحوي اللغوي المقرئ ، شيخ الحنفية والقراء والنحاة بالشام ، ومسند العصر ، ولد سنة عشرين وخمسمائة ، وأكمل القراآت العشر ، وله عشرة أعوام ، وهذا ما لا أعلمه تهيأ لأحد سواه ، أعتنى به سبط الحافظ ، فأقرأه وحرص عليه ، وجهزه إلى أبي القاسم هبة الله بن الطبر (١) فقرأ عليه بست روايات ، وإلى أبي منصور ابن خيرون ، وأبي بكر خطيب الموصل ، وأبي الفضل بن المهتدي بالله ، فقرأ عليهم بالروايات الكثيرة ، وسمع من ابن الطبر المذكور وقاضي المارستان وأبي منصور القزاز وخلق ، وأتقن العربية على جماعة ، ونال الجاه الوافر ، وقال الشعر الجيد ، وكان الملك المعظم مديما للاشتغال عليه ، وكان ينزل إليه من القلعة انتهى. وستأتي ترجمة الملك المعظم هذا في المدرسة المعظمية إن شاء الله تعالى.

ثم قال : توفي الكندي رحمه‌الله تعالى في سادس شوال ، ونزل الناس بموته درجة في القراآت وفي الحديث ، لأنه آخر من سمع من القاضي أبي بكر ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٩٧.

٣٧٠

والقاضي آخر من سمع من أبي محمد الجوهري ، والجوهري آخر من روى عن القطيعي ، والقطيعي آخر من روى عن الكدمي وجماعة انتهى كلام الذهبي. وقال ابن كثير في سنة ثلاث عشرة المذكورة : الشيخ العلامة تاج الدين أبو اليمن الكندي الحنبلي ثم النحوي الحنفي اللغوي المفنن ، وكانت داره بدرب العجم ، ووفاته رحمه‌الله تعالى يوم الاثنين سادس شوال من هذه السنة ، وله ثلاث وتسعون سنة وشهر وستة عشر يوما وصلي عليه بجامع دمشق ، ثم حمل إلى الصالحية فدفن بها ، وكان قد وقف كتبا نفيسة وهي سبعمائة وإحدى وستون مجلدا على معتقه نجيب الدين ياقوت (١) ثم على ولده من بعده ، ثم على العلماء في الحديث والفقه وغير ذلك ، وجعلت في خزانة كبيرة بمقصورة ابن سنان الحلبية المجاورة لمشهد علي زين العابدين رضي الله تعالى عنه ، ثم أن هذه الكتب تفرقت وبيع كثير منها ، ولم يبق في الخزانة المشار إليها إلا القليل ، وهي بمقصورة الحلبية ، وكانت قديما يقال لها مقصورة ابن سنان. وقال في سنة ثلاث وعشرين : ياقوت ويقال له يعقوب بن عبد الله نجيب الدين مولى الشيخ تاج الدين الكندي ، وقد وقف عليه الشيخ الكتب التي بالخزانة بالزاوية الشرقية الشمالية من جامع دمشق ، وكانت سبعمائة وإحدى وستين مجلدا ، ثم على ولده من بعده ، ثم على العلماء ، فتمحقت هذه الكتب وبيع أكثرها ، وقد كان ياقوت هذا لديه فضيلة وأدب وشعر جيد ، وكانت وفاته ببغداد في مستهل شهر رجب ، ودفن بمقبرة الخيزران بالقرب من مشهد أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه انتهى.

وقال الصفدي في تاريخه في حرف الزاي المعجمة : زيد بن الحسن بن زيد ابن الحسن بن زيد بن الحسن ثلاثة ابن سعيد بن عصمة ابن خير بن الحارث ابن الأصغر تاج الدين أبو اليمن الكندي النحوي اللغوي الحافظ المحدث ، ولد ببغداد سنة عشرين وخمسمائة ، وتوفي سنة ثلاث عشرة وستمائة ، فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ، وأكمل القراآت العشر وهو ابن عشر ، وفاق

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ١٧٦.

٣٧١

أهل الأرض إسنادا في القراآت إلى أن قال : وقدم دمشق في شبيبته ، وسمع بها من المشايخ وبمصر ، وسكن دمشق ونال بها الحشمة الوافرة والتقدم ، وازدحم الطلبة عليه ، وكان حنبليا ، فصار حنفيا وتقدم في مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، وأفتى ودرس وصنف وأقرأ القراآت والنحو واللغة والشعر ، وكان صحيح السماع ثقة في النقل ، ظريفا في العشرة طيب المزاج. إلى أن قال : استوزره فروخشاه ، ثم بعد ذلك اتصل بأخيه تقي الدين عمر صاحب حماة واختصّ به وكثرت أمواله ، وكان المعظم عيسى يقرأ عليه دائما ، قرأ عليه كتاب سيبويه وشرحه معا ، وقرأ الحماسة والايضاح ، وقرأ شيئا كثيرا ، وكان يأتي من القلعة ماشيا إلى درب العجم والمجلد تحت إبطه ، واستملي عليه فروخشاه وابنه الملك الأمجد ، ثم تردد إليه بدمشق الملك الأفضل وأخوه الملك المحسن ، ولما مات خامس ساعة من يوم الاثنين سادس شوال في التاريخ المتقدم صلي عليه العصر بجامع دمشق ، ودفن بتربته بسفح قاسيون ، وأطال في ترجمته ، وما له من الشعر والفوائد ، وما قال فيه العلماء في نحو نصف كراس فراجعه ، وفيه يقول الشيخ علم الدين السخاوي رحمهما‌الله تعالى شعرا.

لم يكن في عصر عمرو مثله

وكذا الكندي في آخر عصر

فهما زيد وعمرو إنما

بني النحو على زيد وعمرو

وقال ابن كثير في سنة إحدى عشرة وسبعمائة : الشيخ شعبان بن أبي بكر بن عمر الاربلي شيخ الحلبية بجامع بني أمية ، كان صالحا مباركا فيه خير كثير ، وكان كثير العبادة وإيجاد الراحة للفقراء ، وكانت جنازته حافلة جدا ، صلّي عليه بالجامع بعد ظهر يوم السبت تاسع عشرين شهر رجب ، ودفن بالصوفية ، وله سبع وثمانون سنة ، وروى شيئا من الحديث ، وخرجت له مشيخة حضرها الأكابر انتهى. وقال في ذيل العبر في سنة إحدى عشرة المذكورة : ومات الشيخ الصالح الزاهد البركة الشيخ شعبان بن أبي بكر بن عمر الاربلي شيخ مقصورة الحلبيين في شهر رجب عن سبع وثمانين سنة ،

٣٧٢

وكانت جنازته مشهودة ، خرّج له رفيقه ابن الظاهري عن محمد بن النعالي ، وعبد الغني بن بنين (١) ، والكمال الضرير وطبقتهم ، وكان خيرا متواضعا وافر الحرمة ، انتهى كلام صاحب العبر.

٩٤ ـ المدرسة التاشية

قال ابن شداد : مدرسة الناشيء ، وتعرف بمسجد التاشي ، أنشئ في شهور سنة نيف وخمسين وخمسمائة ، بانيه الأمير التاشي ، الدقاقي ، أول من درس بها قبل أن تعلم أنها مدرسة ، ثم علمت بعد ذلك في الأيام العادلية السيفية القاضي عز الدين أبو عبد الله محمد الحنفي واستمرّ إلى أن انتقل عنها إلى المدرسة البلخية. ثم وليها بعده جماعة لم يتحقق منهم إلا أوحد الدين بن الكعكي إلى أن توفي. ثم من بعده تاج الدين ابن الأرشد إلى أن سافر إلى الديار المصرية ، وأقام بها إلى أن توفي. وقد تولّاها من بعده سفره عماد الدين داود البصروي. ثم تولّاها بعده التقي إبراهيم الرقي. ثم أخذها منه فخر الدين موسى الحنفي إلى سنة تسع وستين وستمائة ، فوليها شرف الدين الرسعني وبقي بها مدة. وأخذها مجد الدين بن فخر الدين موسى ، وهو مستمر بها إلى الآن انتهى.

وقال الحافظ البرزالي ومن خطه نقلت في تاريخه في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة : وفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شعبان توفي الإمام الفاضل المفتي بدر الدين محمد بن الصدر جمال الدين يحيى ابن الشيخ الإمام بدر الدين محمد بن عبد الرحمن بن الفويرة السلمي الحنفي بداره ظاهر دمشق ، وصلي عليه ضحوة النهار على باب الزنجبيلية ، وبسوق الخيل وبالصالحية ، ودفن بتربة لهم بسفح قاسيون ، ومولده في سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، وكان رجلا فاضلا حسن السيرة ، خطب بالزنحبيلية ، ودرّس بالخاتونية البرانية ، وبمسجد التاشي ، وافتى واشتغل عليه الطلبة ، وكان له حلقة بجامع دمشق ، وسمع على

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٠٦.

٣٧٣

جماعة من رواة الحديث وحدث انتهى.

٩٥ ـ المدرسة الجلالية

بدمشق والتربة بها لصيق البيمارستان النوري بشامة ، وستأتي ترجمة واقفها في المدرسة الخاتونية الجوانية ، ومن وقفها فدان ونصف في القرية الساهلية.

٩٦ ـ المدرسة الجمالية

بسفح قاسيون ، رحم الله واقفها الأمير جمال الدين يوسف ، ولم أقف له على ترجمة ، ولا وقفت لها على وقف.

٩٧ ـ المدرسة الجقمقية

وبها التربة وتجاهها من الشمال خانقاهها يفصل بينهما الطريق الآخذ إلى المدرستين الظاهرية والعادلية من جهة الغرب والآخذ إلى الجامع الأموي وغيره من جهة الشرق. قال السيد الحسيني رحمه‌الله تعالى في ذيله في سنة إحدى وستين وسبعمائة : وفي شهر ربيع الأول قبض على شيخنا المعلم سنجر الهلالي ، وأخذ منه أزيد من ألف ألف درهم بسبب ما نقل عنه من عدم أداء الزكاة ، والثلب الفاحش على الأمراء ، ثم احتيط على حججه وأملاكه وحواصله ، فكانت أزيد من ثلاثة آلاف ألف درهم ، ثم سلموها إليه بعد مدة ، وأخذ من ابنه شمس الدين محمد الصائغ تربته التي كان أنشأها بباب الجامع انتهى.

وقال الأسدي في تاريخه في شعبان سنة أربع عشرة وثمانمائة ما صورته : وهذه التربة كان قد أسسها المعلم سنجر الهلالي وابنه شمس الدين الصائغ ، فانتزعها الملك الناصر حسن في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وسبعمائة لما صادرهما ، كما مرّ ذلك مبسوطا ، ثم إن السلطان أمر بعمارتها فبنوا فوق الأساسات ، وجعلوا لها شبابيك من شرقيها ، وبنوا حائطها بالحجارة البيض والسود ، وجاءت في غاية الحسن ، وكان السلطان قد رسم بأن تجعل مكتبا

٣٧٤

للأيتام ، فلم يتم أمرها حتى قتل في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة ، وقد درّس بها الشيخ عز الدين ابن شيخ السلامية (١) الحنبلي في المحرم سنة تسع وستين وسبعمائة ، ثم إنها صارت خانقاه بعد ذلك ، ولها وقف يسير جدا إلى أن احترقت في الفتنة انتهى. وقال الأسدي أيضا في تاريخه : وتولى سيف الدين جقمق المذكور نيابة دمشق في شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ، ودخلها في ذي القعدة منها ، وكان له همة في عمارة دمشق بنفسه وبالزام الناس بذلك وبالنقلة إلى داخلها ، وشرع في عمارة الطيوريين والفسقار ، وعمارة التربة بباب الناطفيين وفرغها ، وجاءت في غاية الحسن والزخرفة ، قيل إنه ليس بدمشق ولا مصر نظيرها ، ووسعها من جهة القبلة وجعل لها شبابيك إلى الكلاسة ومن جهة الشمال ، وبنى مقابلها خانقاه للصوفية ، ورتب بها شيخا وصوفية ، ورتب بالتربة المذكورة ميعادا بعد صلاة الجمعة ، وجعل في قبلة التربة مكتبا للأيتام ، وقد كان في هذا المكان مكتب للأيتام قبل الفتنة ، ووقف السوق الذي عمره داخل باب الجابية ، وطاحون الأعجام التي أنشأها بالوادي ، والخان شمالي المصلى ، البعض على التربة ، والبعض على نفسه وأولاده ، والبعض على غير ذلك ، وهذه التربة كان قد أسسها المعلم سنجر ، وعصى جقمق في أول سنة أربع وعشرين وأخذ قلعة دمشق ، ثم قام عليه القوشي وأخرجه في جمادى الأولى منها ثامن شهر ربيع ، ثم أعيد ثانية إلى دمشق مكانه تنبك ميق (٢) في سادس عشر جمادى الأولى المذكورة.

وقال الأسدي أيضا فيه : وفي يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الآخر سنة اربع وعشرين وثمانمائة ، وفي هذا اليوم حضر الشيخ شرف الدين ابن مفلح بتربة النائب ، وقد رتب له ميعاد في كل جمعة ، وحضر معه قاضي القضاة يعني نجم الدين بن حجي وجماعة من الفقهاء ، هذا وقد كملت التربة المذكورة وجاءت في غاية الحسن ولكن ظلمة الظالم لائحة عليها انتهى. وكان ذكر فيما تقدم أنه دفن أمه بها في آخر السنة قبلها وورث منها مالا كثيرا. وقال الأسدي : في

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢١٤.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ٢٠٨.

٣٧٥

جمادى الآخرة منها وفي يوم الأربعاء عاشره بلغني أن الأمير ماماش استقطع وقف جقمق واستخرج منه اجرة شهرين ، وارسل الى التربة يأخذ منها البسط والقناديل الكفت ومنع الصوفية والقراء من الحضور فيها ، وقيل إنه طلب كتاب الوقف وغسله انتهى. ثم ان جقمق لما سئم من المحاضرة بقلعة صرخد ، طلب الأمان من السلطان. ثم لما رجع السلطان من حلب يوم السبت ثالث عشر شعبان سنة اربع وعشرين ونزل في القلعة طلب جقمق فحضر وقبل الأرض بين يدي السلطان الملك المظفر بن المؤيد وبين يدي الأمير الكبير ططر (١) فرسم عليه بقاعة القلعة وطلب منه المال الذي أخذه ، ثم انه في ليلة الأحد قيل أنه عوقب وقرر على المال ، وفي يوم الاثنين خامس عشريه ارسل الى حبس الخيالة وقيد ، وفي ليلة الأربعاء قتل جقمق بعد أن عوقب وقرر على ماله من الودائع والذخائر ، وبقي ملقى في القلعة الى عشية الخميس ، فنقل ودفت بتربته ولقي ما قدمه ، وكان ذكيا عارفا بالناس وتراجمهم ، وقد تدرب ومهر في الظلم ، فالله سبحانه وتعالى يسامحه وايانا انه على كل شيء قدير انتهى ملخصا.

وقال الحافظ ابن حجر في تاريخه : في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة وفي الثامن من جمادى الأولى ولد الملك المظفر أحمد ابن الملك المؤيد شيخ فقدر الله تعالى انه ولي السلطنة في اول سنة اربع وعشرين وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر واياما انتهى. ثم قال أيضا : في سنة ثلاث وعشرين وفي العشرين من شوال عهد المؤيد شيخ لولده أحمد بالسلطنة وعمره سنة ونصف. ثم قال فيها أيضا : وفي ثالث شوال قرر جقمق في نيابة الشام عوضا عن تنبك ميق في تقدمة الف على اقطاع جقمق ، واستقر تنبك الدوادار في وظيفة جقمق انتهى. وكانت وفاة جقمق ليلة الثلاثاء سابع عشرين شعبان ، ودفن يوم الأربعاء بمدرسته التي أنشأها بدمشق عند باب الجامع الأموي الشمالي ، وكان ظالما غشوما متطلعا الى اموال الناس ، قاله ابن حجر رحمه‌الله تعالى. وولي مشيخة

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١٦٥.

٣٧٦

هذه المدرسة والتدريس بها السيد عماد الدين أبو بكر ابن السيد علاء الدين ابي الحسن علي ابن السيد برهان الدين أبي اسحاق ابراهيم ان السيد الشريف عدنان ابن السيد النبيه أمين الدين جعفر ابن السيد الكبير محيي الدين محمد بن عدنان الحسيني. قال تقي الدين بن قاضي شهبة في شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين : مولده في شهر رجب سنة خمس وسبعين ، واشتغل في مذهب أبي حنيفة رحمه‌الله تعالى يسيرا ، وفي النحو ، وكتب خطا حسنا ، وباشر ايام أخيه نيابة كتابة السر بدمشق ، ثم ولي الحسبة في شهر رجب سنة ست وعشرين ، ثم عزل في شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين ، واستمر بطالا وبيده مشيخة الجقمقية وتدريس الريحانية والعذراوية والمقدمية ، ولما ولي أخوه كتابة السر بمصر طلبه ليساعده ، فذهب في صفر من هذه السنة واقام هناك على كره منه ، وكان يباشر نيابة كتابة السر أحيانا ، والوظيفة باسم شرف الدين الموقع ، فلما توفي أخوه تعين لكتابة السر للطمع في تركة أخيه ، ولم يبق الا أن يخلع عليه فلم يمتنع ، ومات بعد أخيه بستة عشر يوما ، في يوم الجمعة ثالث عشرة أول النهار ، واخرج قبل الصلاة ودفن بمقبرة الصوفية بوصية منه ، وكانت جنازته حافلة بخلاف جنازة أخيه ، والعجب أن في هذا اليوم جاء من أخبر أهله بموته فأقاموا عليه العزاء ثم قيل إن قائل ذلك لم يتحرز وإن الخبر كذب انتهى. ثم قال في شعبان منها ، وفي يوم الخميس سابع عشره خلع على ولده السيد عماد الدين ابن نقيب الاشراف عوضا عن عمه السيد شهاب الدين ، وذهب معه القضاة وبعض الحجاب والدوادارية وكاتب السر ، وقرىء بالجامع توقيعه باستقراره في نقابة الأشراف واستقراره في وظائف أبيه انتهى. واما وطائف عمه شهاب الدين فأخذها جميعها القاضي زين الدين عبد الباسط ، التداريس والأنظار وغيرها ، ولم يحصل لأحد من الفقهاء منها شيء ، وكان شهاب الدين بن المغربي وشهاب الدين الحلبي الاستدار متكلمين للسيد شهاب الدين ، فطلبا الى مصر ليسألا عن جهاته وما يتعلق بها ، قاله تقي الدين ابن قاضي شهبة في سنة ثلاث وثلاثين

٣٧٧

في شعبان منها. وقال في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين : وممن ختم في هذه السنة ولد السيد عماد الدين ابن نقيب الأشراف ، صلى بمسجد النائب ، وختم بمسجد القصب ، وخلع عليه خلع كثيرة ، وحضر في ختمه خلق من الاعيان انتهى. وقال في جمادى الاولى سنة ست وثلاثين : وممن توفي فيه السيد عدنان ابن السيد النقيب شرف الدين حسين بن عدنان ابن عم السيد علاء الدين ابن نقيب الاشراف كان خاملا في زمن أولاد عمه ، وهو منجمع عن الناس مقيم بالمزة ، وبعد موت السيد عماد الدين التف على ولده وكان يتردد اليه ، وكان ساكنا سليم الفطرة عنده نوع سذاجة ، توفي يوم الثلاثاء سادس الشهر ، وهو في عشر السبعين ظنا مات عن بنت ، وابن عمه يوسف أصغر أولاد السيد عماد الدين انتهى.

وقال الصفدي في المحمدين من كتابه الوافي بالوفيات : الشريف ابن عدنان محمد بن عدنان بن حسن الشيخ الامام العالم العابد الشريف السيد محيي الدين العلوي الحسيني الدمشقي الشيعي شيخ الامامية ، ولد سنة تسع وعشرين وستمائة ، ولي مدة نظر السبع ، وولي ابناه زين الدين حسين (١) وأمين الدين جعفر (٢) نقابة الاشراف فماتا واحتسبهما عند الله تعالى ، اخبرني غير واحد أنهما لما مات كل واحد منهما كان مسجى قدامه وهو قاعد يتلو القرآن ولم ينزل له دمعة عليه ، وكان كل منهما رئيس دمشق ، وولي النقابة في حياته ابن ابنه شرف الدين عدنان بن جعفر ، وكان محيي الدين ذا تعبد زائد وتلاوة وتأله وانقطاع بالمزة آخر مدة ، وكان يترضى على عثمان وغيره من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم اجمعين ، ويتلو القرآن ليلا ونهارا ويناظر منتصرا للاعتزال متظاهرا به ، توفي في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة. وقال الصفدي أيضا في حرف الحاء : الحسين بن محمد بن عدنان الشريف زين الدين الحسيني الكاتب المشهور ، قدم للكرك الشوبك شابا ، وحضر الى دمشق وتنقل في المباشرات ، ثم انتقل إلى نظر حلب ، ثم إلى نقابة الأشراف بدمشق والديوان ،

__________________

(١) ابن كثير ١٤ : ٥١.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٣٣.

٣٧٨

إلى أن استولى قازان (١) على دمشق ، واستخرج منها ذلك المال العظيم ، وكان ظاهره أربعة آلاف ألف درهم وتوزيعه ما لا يحصى ، فباشره زين الدين كاتب ديوانه. قال ابن القضاعي : ولم يحصل إلى قازان منه عشره ، هذا غير ما بذله الناس مداراة وما أخذ من الحواصل ، ولما عادت الدولة الاسلامية وشمس الدين الأعسر (٢) المشدّ في شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة عوقب الشريف زين الدين وضرب هو وأخوه أمين الدين بدار الوزير الأمير شمس الدين الأعسر ، وصودر بأموال كثيرة ، وأخذ إلى مصر. ثم إن الأمير جمال الدين الأفرم أرسل في طلبه مرارا ليحاققه ، فأرسل إليه فولاه ديوانه ونظر الجامع ، ثم أعاده إلى الديوان ، فتوفي سنة ثمان وسبعمائة انتهى. وقال الذهبي في ذيل العبر في سنة أربع عشرة وسبعمائة : ومات نقيب الأشراف أمين الدين جعفر ابن شيخ الشيعة محيي الدين محمد بن عدنان الحسيني في حياة أبيه. فولي النقابة بعده ولده شرف الدين عدنان ، وخلع عليه بطرحة وهو شاب طرير انتهى. وقال في سنة تسع وثلاثين. وسبعمائة : ومات بدمشق نقيب الأشراف عماد الدين موسى بن جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني ، وكان سيّد النبلاء ، وقف على من يقرأ الصحيحين بالنورية في الأشهر الحرم انتهى. وقال الحسيني في ذيل العبر في سنة تسع وأربعين وسبعمائة : ومات السيد الشريف النقيب علاء الدين علي بن السيد النقيب زين الدين الحسيني ابن محمد بن عدنان نقيب العلويين بدمشق ، ولد في مستهل سنة خمس وثمانين وستمائة ، وسمع من ابن البخاري ، وباشر المواريث ، ثم نقابة السادة الأشراف ، وتوفي في شعبان ، وولي بعده زين الدين الحسيني ابن عمه انتهى. وقد تقدم في الأمجدية والأسدية شيء من تراجم بني عدنان.

٩٨ ـ المدرسة الجركسية

ويقال لها الجهاركسية بالصالحية مشتركة بين الحنفية والشافعية ، ويؤيد هذا

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٩.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٠.

٣٧٩

أنه ذكر الدرس بها القاضي تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف السبكي الشافعي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الركنية ، ثم أخبرني قاضي الحنفية محب الدين محمد الشهير بابن القصيف أن وقف على كتاب وقفها ، وأنها على الحنفية فقط ، وواقفها فخر الدين شركس (١) الصلاحي. قال الذهبي في العبر في سنة ثمان وستمائة : وجهاركس الأمير الكبير فخر الدين الصلاحي ، أعطاه العادل بانياس والشقيف ، فأقام هناك مدة ، توفي في شهر رجب ، ودفن بتربته بقاسيون انتهى. وقال ابن كثير في تاريخه في سنة ثمان وستمائة : الأمير فخر الدين شركس ويقال له جهاركس أحد أمراء الدولة الصلاحية ، وإليه تنسب قباب شركس بالسفح تجاه تربة خاتون وبها قبره. قال القاضي ابن خلكان : وهو الذي بنى القيسارية الكبرى بالقاهرة المنسوبة إليه ، وبنى في أعلاها مسجدا معلقا وربعا وقد ذكر جماعة من التجار أنهم لم يروا لها نطيرا في سائر البلدان في حسنها وعظمها وإحكام بنائها ، وقال : وجهاركس بمعنى أربعة أنفس. قلت : وكان نائب العادل على بانياس والشقيف وتبنين وهونين انتهى.

وقال في سنة خمس وثلاثين وستمائة : الأمير الكبير المجاهد المرابط صارم الدين خطلبا بن عبد الله مملوك شركس ونائبه بعده مع ولده على تبنين وتلك الحصون ، وكان كثير الصدقات والإحسان ، ودفن مع أستاذه بقباب شركس ، وهو الذي بناها بعده ، وكان خيرا قليل الكلام كثير الغزو مرابطا مدة سنين انتهى. وقال الصلاح الصفدي في حرف الجيم : جهاركس بن عبد الله الأنصاري الأمير فخر الدين كان من أكابر الامراء الصلاحية ، وكان كريما نبيل القدر عالي الهمة ، بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه. قال القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان : رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون لم نر في شيء من البلدان مثلها في حسنها وعظمها وإحكام بنائها ، وبنى بأعلاها مسجدا كبيرا وربعا معلقا ، وتوفي سنة ثمان وستمائة بدمشق ، ودفن بجبل الصالحية ، وتربته مشهورة هناك ، وكان العدل أعطاه

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ٦٩.

٣٨٠