الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

ابن أبي الفضل النهرواني القضاعي الحموي خطيب حماة ، ثم خطب بدمشق عوضا عن الفاروثي ، ودرس بالغزالية ، ثم عزل بابن جماعة وعاد إلى بلده ، ثم قدم دمشق عام غازان فمات بها.

قلت : فلعله إمام الكلاسة الذي كان ينوب عن الأيكي قبل جمال الدين الباجربقي والله سبحانه وتعالى أعلم. قال ابن كثير في سنة ثلاث وتسعين وستمائة : وفي يوم الأربعاء ثامن ذي القعدة درس بالغزالية الخطيب شرف الدين المقدسي عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين الخويي ، توفي وترك الشامية البرانية ، وقدم على قضاء الشام القاضي بدر الدين بن جماعة يوم الخميس الرابع عشر من ذي الحجة ، ونزل العادلية ، وخرج نائب السلطنة والجيش بكماله لتلقيه ، وامتدحه الشعراء ، واستناب تاج الدين الجعبري نائب الخطابة : وباشر تدريس الشامية البرانية عوضا عن شرف الدين المقدسي الشيخ زين الدين الفاروثي ، وانتزعت من يديه الناصرية ، فدرس بها ابن جماعة وبالعادلية في العشرين من ذي الحجة انتهى. وقال ابن كثير في سنة أربع وتسعين : وفي أواخر شهر رمضان قدم القاضي نجم الدين بن صصري من الديار المصرية على قضاء العساكر بالشام. إلى أن قال : وفي أواخر شوال قدمت من الديار المصرية تواقيع شتى ، منها تدريس الغزالية لابن صصري عوضا عن الخطيب القدسي ، وتواقيع الأمينية لإمام الدين القزويني عوضا عن نجم الدين بن صصري ، ورسم لأخيه جلال الدين بتدريس الظاهرية البرانية عوضا عنه انتهى. وقال ابن كثير في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة : وكانت ولاية القاضي جمال الدين الزرعي في قضاء الشام عوضا عن النجم بن صصري في يوم الجمعة رابع عشرين شهر ربيع الأول وخلع عليه بمصر ، وكان قدومه إلى دمشق آخر نهار الأربعاء رابع جمادى الأولى فنزل بالعادلية ، وقد قدم على القضاء ومشيخة الشيوخ وقضاء العساكر وتدريس العادلية والغزالية والأتابكية انتهى. وقال في سنة أربع وعشرين : وقدم البريد إلى نائب الشام يعني تنكز يوم الجمعة خامس عشرين ربيع الآخر بعزل قاضي الشافعية

٣٢١

الزرعي ، فلما كان يوم الجمعة قدم البريد ، فأخبر بتولية قضاء الشام لجلال الدين القزويني ، وفي خامس شهر رجب دخلها على القضاء مع الخطابة وتدريس العادلية والغزالية ، باشر ذلك كله انتهى ملخصا. وقال في سنة ثلاثين وسبعمائة : وتولى في رابع المحرم منها علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران الأخنائي الشافعي قضاء الشافعية بدمشق ، وقدم بها في الرابع والعشرين منه صحبة نائب السلطنة تنكز ، ونزل بالعادلية الكبرى على العادة ، ودرس بها وبالغزالية انتهى ملخصا. وقال في سنة ثلاث وثلاثين وفي نصف شهر ربيع الأول لبس ابن جملة خلعة القضاء بدمشق للشافعية بدار السعادة ، ثم جاء إلى الجامع وهي عليه ، وذهب إلى العادلية وقرأ تقليده بها ، ودرس في العادلية والغزالية يوم الأربعاء ثاني عشرين الشهر المذكور انتهى ملخصا. ثم درس بها شيخ الاسلام قاضي القضاة تقي الدين السبكي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأتابكية. ثم درس بها ولده العلامة قاضي القضاة بهاء الدين أبو حامد ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العادلية الكبرى. ثم درس بها أخوه العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية. ثم درس بها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي مدة يسيرة في أول مرة من ولايته القضاء ثم في ثاني مرة ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث المذكورة أيضا. وقال الأسدي في ذيله في سنة ست عشرة وثمانمائة : في جمادى الأولى وفي يوم الأربعاء خامس عشريه حضر قاضي القضاة الشافعي ـ يعني شمس الدين الأخنائي المدرّس بالغزالية ـ وكان لهذا المكان مدة طويلة لم يحضر فيه أحد ، ودرس في قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) الآية ، ثم حضر فيه مرارا انتهى. وقال أيضا في جمادى الآخرة : وفي يوم الأربعاء سادس عشره حضر قاضي القضاة بالغزالية ودرس وهو رابع درس حضر بها ، وكان يحضر بها وبالأتابكية يوم الأحد انتهى. وقال في شهر رجب سنة ست عشرة المذكورة : وفي يوم الأحد سادس عشريه درس قاضي القضاة تاج الدين الزهري في الغزالية يعني بعد وفاة

٣٢٢

شمس الدين الأخنائي ، وحضر عنده جماعة قليلة ، ودرس في قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) الآية. وقال في شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة : وفي يوم الأحد رابع عشريه حضر قاضي القضاة يعني نجم الدين بن حجي الدرس بالحلقة الغزالية انتهى. وقال في شوال سنة ثلاث وعشرين : وفي يوم الأحد سادس عشرية درّس قاضي القضاة الشافعي بالمدرسة الشامية الجوانية وبالغزالية ، ثم درس بالظاهرية والركنية والناصرية ، وجعل يوم الأحد للأوليين ، ويوم الأربعاء بين الثلاث ، وقد كان له مدة طويلة لم يحضر درسا انتهى. وقال في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين : وفي يوم الأحد ثانيه درس قاضي القضاة بهاء الدين بن حجي بالغزالية في قوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ) الآية. وقال في صفر سنة ثلاث وثلاثين : وفي يوم الأربعاء عاشره حضر قاضي القضاة الشافعي يعني ابن المحمرة بالحلقة الغزالية ، ثم حضرها مرات انتهى. وقال في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين : وفي يوم الأحد سادس عشره حضر قاضي القضاة الشافعي بالغزالية ، وكان قد عزم من صفر على الحضور ، فتتابعت الأمطار وحصل للقاضي نزلة ، فلم يتفق الحضور إلا في هذا اليوم انتهى. وقال في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين : وفي يوم الأحد خامسه حضر قاضي القضاة الشافعي يعني القاضي الجديد سراج الدين الحمصي الدرس بالغزالية ، ودرس في قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) الآية ، وذكر درسا لا بأس به ، أخذه من مسودات القاضي جلال الدين البلقيني ، ثم ذهب إلى العادلية الكبرى فدرس بها في أول كتاب المنهاج. ومن تمرلنك إلى الآن لم يدرس بها أحد ، ولذلك لم يدرس بها المذكور غير هذا الدرس انتهى. هكذا قال ، ثم قال في جمادى الأولى منها : وفي يوم الأحد ثالثه حضر القاضي يعني سراج الدين المذكور بالغزالية ، ولم يحضر معه إلا قليل من الفقهاء ودعا انتهى هكذا. ثم قال في صفر سنة ست وأربعين : وفي يوم السبت الحادي والعشرين منه حضر قاضي القضاة يعني شمس الدين الونائي بدار الحديث الأشرفية ، ثم في العادلية ، ثم في يوم الثلاثاء حضر بالغزالية والبادرائية اه.

٣٢٣

٧٠ ـ المدرسة الفارسية

والتربة بها غربي الجوزية الحنبلية ، تجاه الخارج من باب الزيادة ، واقفها الأمير سيف الدين فارس الدوادار التنمي في سنة ثمان وثمانمائة في وقفه الجديد ، واقف قرية صحنايا وغيرها على مدرسين وعشرة فقهاء وعشرة مقرية ، ويقرئ خمسة عشر يتيما ، إذا حفظ أحدهم القرآن يخرج ويقرر غيره ، وتفرقة خبز في كل جمعة زنة ربع قنطار ، ومقرئين آخرين فيها أيضا غير العشرة المذكورة يحضران عقب الظهر والعصر. قال الحافظ شهاب الدين بن حجي السعدي في سنة أحد عشر من تاريخه في العشر الأول من شوال من هذه السنة : حضرت الدرس بالمدرسة الفارسية قبليّ الجامع التي أنشأها الأمير سيف الدين فارس التنمي ، دوادار تنم في حياة أستاذه ، وكان وقف عليها حوانيت إلى جانبها وجعلها وقفا على إمام وغيره ، ثم اشترى قرية صحنايا في سنة ثمان وثمانمائة باذن السلطان بمصر ، وكنت إذ ذاك هناك في المحرم ، ثم وقفها على جهات بها على شيخين مدرسين للعلم. قال : ويقرأ عليهما أنواع العلوم من المذاهب الأربعة ، وجعل لكل شيخ ثمانين درهما ، وللطلبة كل شهر خمسا وأربعين وجعل عددهم عشرة ، وكذلك المقرية لكل منهم خمسة عشر درهما ، وتمادى الأمر إلى هذا الوقت ، فعيّن من الجماعة القاضيان شمس الدين الكفيري ، ونور الدين ابن قاضي أذرعات ، وتقي الدين بن قاضي شهبة ، وآخرون منهم من لا أعرفه ولا أطلب له ، وقررت أحد الشيخين ، وقرر الشيخ جمال الدين الطيماني الآخر ، فحضرت يومئذ أول درس ، وحضر عز الدين القاضي المالكي وبعض الفقهاء ، وحضر جمال الدين المذكور ، فذكرت درسا مختصرا في تفسير أول سورة النساء ، ثم قلت لجمال الدين تتكلم أيضا أنت ، فذكر شيئا في تفسير آية أخرى انتهى. وبلغني من جمال الدين بن تقي الدين إمامها أن لكل يتيم في كل شهر خمسة عشر درهما ، وفي كل موسم وعيد لكل واحد خمسة عشر درهما. ولما مات جمال الدين الطيماني المصري استقر ولده في تدريس الفقهاء ، واستنيب عنه الشيخ تقي الدين العلامة ابن

٣٢٤

قاضي شهبة ، فكان يحضرها يوم الاثنين بعد العصر. ثم ولده شيخنا العلامة بدر الدين ، واستمر بها شيخ الفقهاء إلى أن نزل عنها للشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون. قال الأسدي في تاريخه في شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وثمانمائة : في يوم الأحد سابعه حضرت الدرس بتربة الأمير فارس ، وقد تقرّر فيها عشرة من الفقهاء وعشرة مقرية وذلك في الوقف الجديد ، وكان الأمير فارس قد وقف أولا وقفا على قراء وأيتام وغير ذلك ، ثم وقف قرية صحنايا وغيرها في سنة ثمان وثمانمائة على مدرسين وفقهاء ومقرية ، ودرس بها الشيخان شهاب الدين ابن حجي ، وجمال الدين الطيماني في شوال سنة إحدى عشرة وثمانمائة ، ولما توفي حضرت الدرس بها نيابة عن ولده جمال الدين ، ولم يقرر بها أحد من الفقهاء ، وإنما يحضر عندي من يقرأ عليّ ، وكان يصرف للمدرس معلوم يسير ، فلما كان شيخنا في هذا الوقت حصل ما أوجب ظهور شرط الواقف والعمل به. وفي شرط الواقف في الشهر لكل مدرس ثمانون درهما ، ولكل مقرئ خمسة عشر درهما ، وشرط للحرمين جملة ، وغير ذلك ، وجعل الفاضل بعد ذلك لذريته ، واستقر فيها فقهاء نواب القاضي وأعيان الطلبة ، وصرف لهم معلوم سنة عند تقريرهم في السنة الماضية انتهى كلامه بحروفه. ومن وقفها كما أخبرني به جمال الدين العدوي بوابها ربع قرية فزاره من عمل الجولان ، والعشر في قرية بالين من عمل البقاع ، وربع سوق السلاح شركة المدرسة الأمينية ، وبيت ابن مزلق انتهى.

٧١ ـ المدرسة الفتحية

أنشأها الملك الغالب فتح الدين صاحب بارين نسيب صاحب حماة. قال بعضهم : وبها قبر الواقف ، ووقفها بالديار المصرية ، وجعل نظر التدريس فيها إلى القاضي عماد الدين الحرستاني ، ثم من بعده ولده محيي الدين ، ثم أخذت منه سنة تسع وستمائة ، وأعطيت لعز الدين محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري ، وهو مستمرّ بها إلى الآن. قال ابن شداد : ثم

٣٢٥

درس بها الشيخ جمال الدين الباجربقي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الدولعية. ثم درس بها القاضي شهاب الدين الحسباني ، وقد مرّت ترجمته في المدرسة الاقبالية. ثم نزل عن هذه المدرسة الفتحية بعوض للقاضي شرف الدين أبي محمد قاسم بن سعد بن محمد الحسباني السماقي. قال ابن قاضي شهبة في شعبان سنة سبع وعشرين وثمانمائة : مولده على ما رأيته بخط شيخنا سنة تسع وأربعين أو ثمان وأربعين قال : لأن والده مات وهو رضيع في الطاعون كذا قال أخوه ، وكان أخوه كبيرا يذكر الطاعون وموت والده ، قرأ التنبيه ، واشتغل يسيرا في الفقه ، وجلس لتحمل الشهادة بباب الشامية وبسويقة صاروجا ، ثم صار موقعا بالعادلية ، وقد درس بالفتحية في شهر ربيع الأول سنة أربع وتسعين. ثم أن قاضي القضاة النجم بن حجي استنابه ، فتعجب الناس من ذلك ، ولكن ولي العرض نادما ، وباشر برذالة مع ملازمة الجلوس في الشهر ، وولي قضاء حمص في وقت وقضاء الجبة ، وكان قليل البضاعة قصير اللسان ، غير أنه يدخل ويحكم بكل ما أمر به ، توفي يوم الثلاثاء حادي عشريه وقيل قارب الثمانين ، ودفن بمقبرة الوزير غربي سويقة صاروجا ، وكنت قد رأيت له في حياته مناما سيئا ، نسأل الله السلامة انتهى.

٧٢ ـ المدرسة الفخرية

بين السورين. قال الحافظ ابن حجي في تاريخه في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة : وفي شهر رمضان تكاملت عمارة الفخرية وقررت فيها الصوفية ، وفوضت مشيختها للشيخ شمس الدين البرماوي ، ودرس الحنفية للقاضي شمس الدين الديري (١) ، ودرس المالكية للقاضي جمال الدين المالكي ، ودرس الحنابلة للقاضي عز الدين البغدادي ثم المقدسي الذي ولي عن قريب تدريس الحنابلة بالمؤيدية ، ولم يستطع فخر الدين الأستاذ الحضور عند المدرسين لشدة مرضه ، وتمادى به الأمر إلى أن مات في سادس شوال ، ودفن فيها في فسقية

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١٨٢.

٣٢٦

اتخذت له بعد موته انتهى.

(تنبيه) : لنا مدرستان فخريتان إحداهما بالقدس الشريف. قال ابن كثير في تاريخه في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة : القاضي فخر الدين كاتب المماليك وهو محمد بن فضل الله (١) ناظر الجيوش بمصر ، أصله قبطي فأسلم وحسن إسلامه ، وكان له أوقاف كثيرة وبرّ وإحسان إلى أهل العلم ، وكان صدرا معظما ، حصل له من السلطان حظ وافر ، وقد جاوز السبعين ، وإليه تنسب الفخرية بالقدس الشريف ، توفي في نصف شهر رجب ، وأحيط على أمواله وأملاكه بعد وفاته انتهى. ثانيتهما بمصر. قال الصفدي : عثمان بن قزل الأمير فخر الدين أبو الفتح الكاملي ، ولد بمدينة حلب الشهباء ، وكان من خيار أمراء الكامل ، وقف المدرسة المشهورة بالقاهرة والجوز المقابل لها ، وكتاب السبيل ، والرباط بمكة المشرفة ، والرباط بسفح المقطم ، وكان مبسوط اليد بالمعروف في الصدقات في حياته وبعد موته رحمه‌الله تعالى ، توفي بحران ، ودفن بظاهرها سنة تسع وعشرين وستمائة ، وكتب إليه زكي الدين بن أبي الإصبع وقد جاءه ولدان في ليلة واحدة يهنيه ويقول له شعرا :

ليهنك عيناك بدرا

ن زيننا الخافقين

الآن صرت يقينا

عثمان ذا النورين

٧٣ ـ المدرسة الفلكية

غربي المدرسة الركنية الجوانية ، بحارة الافتريس داخل بابي الفراديس والفرج ، أنشأها فلك الدين سليمان أخو الملك العادل سيف الدين أبي بكر لأمه. قال ابن شداد : وقال ابن كثير في تاريخه في سنة ست وتسعين وخمسمائة : وفي شوال رجع إلى دمشق الأمير فلك الدين أبو منصور سليمان بن شروة بن خلدك ، وهو أخو الملك العادل لأمه ، وهو واقف المدرسة الفلكية داخل باب الفراديس وبها قبره ، فأقام بها محترما معظما إلى أن توفي رحمه‌الله

__________________

(١) ابن كثير ١٤ : ١٦٧.

٣٢٧

تعالى. وقال في سنة تسع وتسعين وخمسمائة : وممن توفي فيها من الأعيان الأمير فلك الدين أبو منصور سليمان بن شروة ابن خلدك أخو الملك العادل لأمه ، وكانت وفاته في السابع والعشرين من المحرم ، ودفن بداره التي جعلها مدرسة داخل باب الفراديس في محلة الأفتريس وقف عليها الجمان بكمالها ، تقبل الله منه انتهى. وقال الأسدي في سنة تسع وتسعين هذه : واقف الفلكية سليمان بن شروة بن خلدك الأمير الكبير فلك الدين أبو منصور أخو الملك العادل لأمه ، توفي في المحرم ، ودفن بداره التي جعلها مدرسة داخل باب الفراديس ، ووقف عليها قرية الجمان انتهى. وقال ابن شداد : وليها شمس الدين بن سني الدولة ، ثم من بعده ولده صدر الدين قاضي القضاة أبو العباس أحمد. وبعده ولده نجم الدين محمد. وبعده شمس الدين بن خلكان. ثم وليها كمال الدين محمد بن النجار. ثم من بعده تقي الدين محمد بن حياة الرقي. ثم من بعده عز الدين الأربلي. ثم تولاها الشيخ المراغي ، وهو بها إلى الآن انتهى.

(قلت) : المراغي هذا هو العلامة برهان الدين أبو الثناء محمود بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد المراغي ، ولد سنة خمس وستمائة واشتغل بالعلم وتقدم ، وسمع بحلب الشهباء من أبي القاسم بن رواحة ، وابن الأستاذ (١) ، ودرس بدمشق بالفلكية هذه مدة ، وأفتى واشتغل بالجامع مدة طويلة وحدث ، وروى عنه المزي ، وابن العطار ، والبرزالي وجماعة ، وعرض عليه القضاء فامتنع ، وعرضت عليه مشيخة الشيوخ فامتنع. قال الذهبي : وكان إماما مفتيا مناظرا أصوليا كثير الفضائل ، وكان مع براعة فيها صالحا زاهدا متعففا عابدا متفننا بالأصلين والخلاف ، وكان شيخا طويلا حسن الوجه مهيبا متصوفا ، وكان لطيف الأخلاق كريم الشمائل ، عارفا بالمذهب والأصول ، مكمل الأدوات ، توفي في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وستمائة ، وله نيف وسبعون ، ودفن بمقابر الصوفية. وقال ابن كثير في هذه السنة : الشيخ برهان الدين أبو الثناء محمود بن عبد الله بن عبد الرحمن المراغي الشافعي ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٠٨.

٣٢٨

مدرّس الفلكية ، كان فاضلا بارعا ، عرض عليه القضاء فلم يقبل ، توفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر عن ست وسبعين سنة ، وسمع الحديث وأسمعه. ودرس بعده بالفلكية القاضي بهاء الدين بن الزكي انتهى. وقد مرت ترجمة القاضي بهاء الدين هذا في المدرسة التقوية. ودرس بها نيابة العالم الحبر علاء الدين علي بن زيادة بن عبد الرحمن الحبكي (بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والكاف) نسبة إلى قرية من قرى حوران ، اشتغل على الشيخ علاء الدين بن سلام معيد الشامية ، فلما توفي لازم فقيه الشام علاء الدين بن حجي وتفقه به ، وحضر عند القاضي بها الدين أبي البقاء ، وعند شيخ الشافعية شمس الدين بن قاضي شهبة ، وقرأ في الأصول والعربية ، وكان الغالب عليه الفقه ، وكان يفتي بأجرة ، وعنده ديانة وتورع ومباشرة لملازمة وظائفه ، لا يترك الحضور بها وإن بطل المدرسون ، وعنده وسواس في اجتناب النجاسة ، ودرّس نيابة في المجاهدية كما سيأتي فيها ، والفلكية هذه والكلاسة كما سيأتي فيها. توفي في ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة ، وجاوز الخمسين ظنا ، ودفن بمقبرة الصوفية بتربة صاحبه القاضي شهاب الدين الزهري انتهى. ودرس بها في آخر الأمر العلامة تقي الدين أبو بكر بن ولي الدين عبد الله ابن زين الدين عبد الرحمن الشهير بابن قاضي عجلون. ثم درس بها بعده العلامة أقضى القضاة برهان الدين إبراهيم بن شمس الدين محمد بن برهان الدين إبراهيم بن المعتمد في ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين في كتاب الشركة انتهى.

٧٤ ـ المدرسة القليجية

داخل البابين الشرقي وباب توما ، شرقي المسمارية ، وغربي المحراب التربة وكذا شرقيها ، بحجر مزي منحوت قد طمست كذا ظهر لي أنها هي ، وقال عز الدين بن شداد : المدرسة القليجية المجاهدية ، بانيها مجاهد الدين ابن قليج

٣٢٩

محمد بن شمس الدين محمود ، وهي في موضع يعرف بقصر ابن أبي الحديد انتهى. وقال قبل ذلك في الجوامع في كلامه على جامع جراح بعد عمارة الأشرف موسى له : ثم احترق في أيام الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ، في أواخر سنة اثنتين وأربعين وستمائة ، لما نزل دمشق معين الدين ابن الشيخ (١) ، ثم جدد بناءه الأمير مجاهد الدين بن محمد ابن الأمير شمس الدين محمد ابن الأمير غرس الدين قليج النوري في سنة اثنتين وخمسين وستمائة انتهى. ومجاهد الدين هذا غير الأول ، وإنما ذكرته للتنبيه على أنهما اثنان. قال ابن شداد : أول من درس بها القاضي زكي الدين بن اللتي. ثم ولده. ثم من بعده عماد الدين بن العربي. ثم جمال الدين بن عبد الكافي ، وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. يعني إلى سنة أربع وسبعين وستمائة.

(قلت) : ودرس بها الإمام علاء الدين بن العطار ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الدوادارية. ثم درس بها بعده أخوه الثقة المعمر أبو سليمان داود ابن إبراهيم الدمشقي. قال السيد الحسيني في ذيل العبر في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة : ولد في شوال سنة خمس وستين ، وتفقه وجوّد الخط ، وحدث عن الشيخ شمس الدين ، وابن أبي الخير ، وابن علان وطائفة ، وأجاز له شيخ الإسلام محيى الدين النواوي ، وابن عبد الدائم ، وابن أبي اليسر ، وآخرون رحمهم‌الله تعالى. وولي مشيخة القليجية بعد أخيه الشيخ علاء الدين ، توفي في جمادى الآخرة منها : ثم درس بها بعده المفتي شهاب الدين ابن النقيب ، وقد مرّت ترجمته في الصالحية المعروفة بتربة أم الصالح. ثم درس بها بعده صهره العلامة شهاب الدين الزهري ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العادلية الصغرى. ثم وليها بعده ولده جمال الدين ، ثم نزل عنها لأخيه قاضي القضاة تاج الدين في أول سنة إحدى وثمانمائة ، وقد مرت ترجمتهما في المدرسة الشامية البرانية.

تنبيهات (الأولى) : درس بها بدر الدين بن غالب ، وأظنه نيابة. قال الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات : محمد بن علي بن محمد بن غانم الشيخ بدر

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢١٨.

٣٣٠

الدين ابن الشيخ علاء الدين ، كان من جملة كتّاب الإنشاء بدمشق ، وكان مسددا لا يكتب إلا شيئا يوافق الشرع وإن كان غير ذلك لم يكتبه ، وطلب الإعفاء من كتابة الإنشاء ، وسأل أن يكون يظهر معلومه على الجامع الأموي ، فأجيب إلى ذلك ، وكان يدرس بالقليجية ، الشافعية ، وكان قليل الكلام ملازم الصمت ، منجمعا عن الناس ، منقبضا لا يتكلم فيما لا يعنيه ، مكبا على الاشتغال ، يكرر على محفوظاته الليل والنهار ، يحب الكتب ويجمعها ، وخلف لما مات ألفي مجلدة ، وكان معه عدة وظائف يباشرها بما يقارب الألف درهم في كل شهر ، توفي في جمادى الأولى سنة أربعين وسبعمائة انتهى.

(الثانية) : قد ذكر الصفدي في الوافي ترجمة أبي بكر بن أبي يوسف بن أبي بكر بن محمود بن عثمان بن عبدة المقرئ بقية المشايخ زين الدين الدمشقي الشافعي المعروف بابن الحريري المقرئ المتوفى في سنة ست وعشرين وسبعمائة أنه درس بالقليجية الصغرى وغيرها. ولم أعلم كونه وصفها بالصغرى ، اللهم إلا أن يكون نسبة إلى القليجية الحنفية التي عند دار الذهب.

(الثالثة) : قال ابن كثير في سنة ست وعشرين وسبعمائة : الشمس الكاتب محمد بن أسد الحراني المعروف بالنجار ، كان يجلس ليكتب الناس عليه بالمدرسة القليجية ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة ، ودفن عند باب الصغير انتهى.

٧٥ ـ المدرسة القواسية

بالعقيبة الصغرى بحارة السليماني بالقرب من مسجد الزيتونة. قال الشيخ عماد الدين في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة : الأمير عز الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن القواس ، كان مباشرا للسر في بعض الجهات السلطانية ، وله دار حسنة بالعقيبة الصغرى ، فلما حضرته الوفاة أوصى أن تجعل مدرسة ، ووقف عليها أوقافا دارّة ، وجعل تدريسها للشيخ عماد الدين الكردي الشافعي ، توفي يوم الأربعاء العشرين من ذي الحجة انتهى.

٣٣١

ورأيت بخط البرزالي في تاريخه في السنة المذكورة ما صورته : وفي يوم الأحد عشية النهار وقت المغرب الرابع والعشرين من ذي الحجة توفي عز الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن القواس بالعقيبة ، ودفن يوم الاثنين بسفح قاسيون ، ووقف داره مدرسة ظاهر دمشق خارج باب الفراديس انتهى. ثم درس بها الشيخ بهاء الدين بن إمام المشهد ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأسدية ، ثم نزل عنه للشيخ شمس الدين الكفتي ، وقد مرّت ترجمته في المدرسة الطيبة ، ثم استقرّ فيه بحكم وفاته في جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وثمانمائة الشيخ تقي الدين اللوبياني ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العزيزية ، وقد كان آخر من درّس بها ، وكان استولى عليها من ذرّيّة الواقف جماعة ، ثم انتقلت إليه ، ثم انتقلت عنه بالوفاة إلى قريبه جمال الدين يوسف اللوبياني أحد المعدلين بمركز باب الفراديس. ثم من بعده لقريبه الشيخ خليل الكناوي.

ثم لأخيه الشيخ موسى. ثم من بعده انتقلت عنه بنزوله إلى القاضي محيى الدين الناصري الحنفي.

فائدتان (الأولى) : قال البرزالي في سنة خمس وثلاثين في وفاة شمس الدين محمد بن يوسف بن نفيس التدمري : كان رجلا صالحا وفقيها فاضلا ، يعرف كتاب الحاوي الصغير ويقريه ، ويفتي ويدرس بالمدرسة القواسية توفي بحمص انتهى ملخصا.

(الثانية) : قال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في شهر رجب سنة ست وعشرين : شمس الدين محمد بن الطباخ وكان هو قد سمى نفسه ابن النحاس ، حفظ المنهاجين ، ولازم برهان الدين بن خطيب عذرا مدة ، قرأ عليّ المنهاج للبيضاوي جميعه ، وأذن له الشيخ برهان الدين في الإفتاء ، وأنكر ذلك على الشيخ ، وكان ذكيا يفهم جيدا ، توفي مطعونا بأعلى المدرسة القواسية في ليلة الثلاثاء ثالث عشره ، ودفن من الغد بمقابر باب الفراديس ، وقد قارب الثلاثين انتهى.

٣٣٢

٧٦ ـ المدرسة القوصية

وهي الحلقة بالجامع الأموي. قال ابن شداد : الزاوية القوصية لم يعلم لها واقف ، والذي تحقق ممن ذكر الدرس بها شهاب الدين القوصي إلى أن توفي ، وذكر بعده عز الدين الأربلي وهو بها الآن انتهى. قلت هي تجاه البرادة.

وقال جماعة : إن واقفها جمال الإسلام وعرفت بالقوصي المذكور. وقال آخرون : إن واقفها مدرسها القوصي وهو الشيخ الفقيه المدرّس الأخباري الأديب الرئيس شهاب الدين أبو المحامد وأبو الطاهر وأبو العز إسماعيل ابن حامد بن عبد الرحمن بن المرجان المرحل الأنصاري الخزرجي ، وكيل بيت المال بالشام ، ولد بقوص في المحرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة ، وقدم القاهرة في سنة تسعين ، ثم قدم الشام سنة إحدى وتسعين واستوطنها ، وسمع الكثير ببلاد متعددة ، واتصل بالصاحب صفي الدين بن شكر ، وترسل إلى البلاد ، وولي وكالة بيت المال ، وتقدم عند الملوك ، ودرس بحلقته ، وكان يلازم لبس الطيلسان المحيك والبزة الجميلة ويركب البغلة. قال الذهبي : كان فقيها فاضلا مدرسا أديبا أخباريا حافظا للأشعار ، فصيحا مفوها بصيرا بالفقه ، روى عن ابن يس إسماعيل والأرتاحي والخشوعي وخلق كثير ، وخرج لنفسه معجما في أربع مجلدات كبار ما قصر فيه ، ويقال فيه غلط كثير مع ذلك وأوهام عجيبة ، ووصفه في مختصر تاريخ الإسلام بالمحدث المفتي. وقال في العبر في سنة ثلاث وخمسين وستمائة : وفيها توفي القوصي شهاب الدين في شهر الأول ، ودفن في داره التي وقفها دار حديث انتهى. وهي كما تقدم بالقرب من الرحبة داخل باب شرقي أحد أبواب دمشق. وقال الحافظ ابن ناصر الدين ومن خطه نقلت من مسودته توضيح المشتبه : وفيها المحدث الإمام شهاب الدين أبو العز القوصي ومعجمه في أربع مجلدات كبار قرأته وليس بالمتقن لما يقوله.

قلت : هو إسماعيل بن حامد وكيل بيت المال واقف دار الحديث القوصية

٣٣٣

بدمشق ، وبها قبره ، وأكثر مشايخ معجمه بالإجازة ، توفي سنة ثلاث وخمسين انتهى. ثم درس بها الشيخ علاء الدين بن العطار ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الدوادارية. قال ابن كثير في تاريخه في سنة أربع وسبعمائة : وفي ذي القعدة تكلم الشيخ شمس الدين بن النقيب وجماعة من الفقهاء في الفتاوى الصادرة من الشيخ علاء الدين بن العطار شيخ دار الحديث النورية والقوصية ، وإنها مخالفة لمذهب الشافعي ، وفيها تخبيط كثير ، فتوهم من ذلك وراح إلى الحنفي فحقن دمه وأبقاه على وظائفه ، ثم بلغ ذلك نائب السلطنة ـ يعني الأفرم ـ فأنكر على المنكرين عليه ورسم عليهم ثم اصطلحوا ، ورسم نائب السلطنة أن لا تثار الفتن بين الفقهاء انتهى. ثم درس بها البرهان الإسكندري في سنة تسعين وستمائة. ثم درس بها قاضي طرابلس ابن المجد. قال ابن كثير في سنة ثلاثين وسبعمائة : قاضي قضاة طرابلس شمس الدين محمد بن عيسى ابن محمود البعلبكي المعروف بابن المجد الشافعي ، اشتغل مدة وبرع في فنون كثيرة ، وأقام بدمشق مدة يدرّس بالقوصية بالجامع ، ويؤمّ في مدرسة أم الصالح ، ثم انتقل إلى قضاء طرابلس ، فأقام بها أربعة أشهر ، ثم توفي في سادس شهر رمضان. قال الصلاح الصفدي : القاضي شمس الدين بن المجد ابن محمد بن عيسى بن عبد اللطيف العلامة المناظر البعلبكي الشافعي ، ولد سنة ست وستين ببعلبك ، وتوفي سنة ثلاثين وسبعمائة ، تفقه وبرع بحلب ، وكان صاحب فنون ، ولي قضاء بعلبك مدة ، ثم ترك ذلك وسكن دمشق ، وأمّ بتربة أم الصالح ، ودرس بالقوصية ، ثم انتقل إلى قضاء طرابلس ، فمات بعد أشهر انتهى. وسمع الكثير. وقرأ على ابن مشرف والموازيني (١) ، وسمع سنن ابن ماجة من القاضي تاج الدين عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان ، وأجاز له بخطه في سنة تسع وعشرين وستمائة بدمشق انتهى. ثم تولاها بعده ولده تقي الدين وهو أحد الفضلاء المشهورين ، أسمعه والده ولم تطل مدته حتى عزل عنها وأخرج منها. ثم درّس بها الامام بهاء الدين ابن إمام المشهد ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ١٨.

٣٣٤

وقد مرت ترجمته في المدرسة الأمينية. وقال الشيخ تقي الدين الأسدي في صفر سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة : وفي يوم الأربعاء تاسع عشريه حضرت الدرس بالحلقة القوصية بالجامع الأموي ، وكان المرحوم بدر الدين ابن الشيخ شمس الدين المغربي قد نزل في مرض موته عن نصف تدريس التقوية ونصف تدريس القوصية ولولده عن النصف الآخر انتهى. وقال في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين : وفي يوم الأحد رابع عشره درس القاضي تقي الدين ابن الأذرعي بالحلقة القوصية ، أعرضت له عنها وحضرت أنا عنده وجماعة من الفقهاء انتهى. ثم درس بها شيخنا العلامة بدر الدين بن قاضي شهبة. ثم درس بها القاضي محب الدين أبو الفضل محمد ابن شيخنا العلامة القاضي برهان الدين بن قاضي عجلون. ثم درس بها صهره السيد كمال الدين ابن السيد عز الدين في كتاب البيع ، وقد مرت ترجمتهم في المدرسة الأمجدية انتهى.

٧٧ ـ المدرسة القيمرية

بالحريميين. قال ابن شداد : المدرسة القيمرية ، منشؤها الأمير ناصر الدين الحسين بن علي ، وقفها على القاضي شمس الدين علي الشهرزوري (١) ، وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. وقال الذهبي في عبره سنة خمس وستين وستمائة : والقيمري الإمام مقدّم الجيوش ناصر الدين حسين بن عبد العزيز الذي أنشأ المدرسة بسوق الحريميين ، كان بطلا شجاعا رئيسا عادلا جوادا ، وهو الذي ملك دمشق للناصر ، توفي مرابطا بالساحل في شهر ربيع الأول انتهى. وقال في مختصر تاريخ الاسلام في هذه السنة : ومات واقف المدرسة القيمرية مقدم الجيوش ناصر الدين حسين بن عبد العزيز القيمري انتهى. وقال تلميذه ابن كثير في هذه السنة أيضا : واقف القيمرية الأمير الكبير ناصر الدين أبو المعالي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الفوارس القيمري الكردي ، كان من أعظم الأمراء مكانة عند الملوك ، وهو الذي سلم الشام إلى الملك الناصر صاحب حلب حين قتل توران شاه بن الصالح (٢) أيوب بمصر ، وهو واقف المدرسة

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ٢٨٨.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ٢٤١.

٣٣٥

القيمرية عند مئذنة فيروز ، وعمل على بابها الساعات التي لم يسبق إلى مثلها ولا عمل على شكلها ، يقال إنه غرم عليها أربعين ألف درهم. وقال الصفدي : حسين بن عبد العزيز أبي الفوارس الأمير ناصر الدين أبو المعالي القيمري صاحب المدرسة القيمرية الكبرى التي بسوق الحريميين ، كان من أعظم الناس وجاهة وأقطاعا ، وكان بطلا شجاعا ، وهو الذي ملك الناصر دمشق ، وكان أبوه شمس الدين من أجل الأمراء ، وتوفي مرابطا بالساحل سنة خمس وستين وستمائة ، وكان الظاهر قد أقطعه أقطاعا جيدا ، وجعله مقدم العساكر بالساحل ، فمات به وعمل عزاه بالجامع ، وكان يضاهي الملوك في مركبه وتجمله وغلمانه وحاشيته ، وقيل إنه غرم على الساعات التي على باب مدرسته ما يزيد على أربعين ألف درهم انتهى. ثم إن واقفها فوّض تدريسها إلى القاضي شمس الدين الشهرزوري وإلى أولي الأهلية من ذريته ، وهو الامام شمس الدين أبو الحسن علي بن محمود بن علي بن محرز بن علي الشهرزوري الكردي. قال الذهبي : فقيه ، إمام ، عارف بالمذهب موصوف بجودة النقل ، حسن الديانة قوي النفس ، ذو هيبة ووقار ، وقد ناب في القضاء على ابن خلكان ، تكلم بدار العدل بحضرة الملك الظاهر عند ما احتاط على الغوطة فقال : الماء والكلأ والمرعى لا تملك وكل من بيده ملك فهو له ، فبهت السلطان لكلامه ، وانفصل الموعد على هذا المعنى ، وقد وقع نحو هذا الكلام للملك الظاهر من قاضي القضاة الحنفية شمس الدين أبي محمد المعروف بالقاضي عبد الله الأذرعي مدرس المرشدية ، وهو أول من درس بها وأول من ولي قضاء الحنفية مستقلا بدمشق ، وأغلظ على السلطان في خطابه ، حيث قال بدار العدل : اليد لأرباب الأملاك ، ولا يحل لأحد أن ينازعهم في أملاكهم ، ومن استحل ما حرم الله فقد كفر ، فغضب السلطان غضبا شديدا وتغير لونه وقال : أنا أكفر! انظروا لكم سلطانا غيري ، وانفضّ المجلس على وحشة من السلطان ، فلما كان الليل أرسل السلطان في طلب القاضي ، فلما دخل عليه قام له وعظمه وخلع عليه ونزل مجبورا معظما ، لخصت ذلك من شرح الطرسوسي

٣٣٦

للمنظومة ، توفي صاحب الترجمة شمس الدين في شوال سنة خمس وسبعين (١) وستمائة ، وأظن أنه دفن تجاه وجه الشيخ تقي الدين بن الصلاح بالصوفية وتوفي قبله قاضي القضاة شمس الدين الحنفي يوم الجمعة ثاني جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين ، ودفن بسفح قاسيون ، ثم درس بهذه المدرسة ولد الشهرزوري الشيخ صلاح الدين محمد. قال ابن كثير في سنة إحدى وثمانين وستمائة : الشيخ صلاح الدين محمد ابن القاضي شمس الدين علي بن محمود بن علي الشهرزوري مدرس القيمرية وابن مدرسها ، توفي في آخر رجب ، وتوفي أخوه شرف الدين بعد بشهر انتهى. وقال الصفدي في تاريخه في المحمدين : صلاح الدين مدرس القيمرية محمد بن علي بن محمود أبو عبد الله الشهرزوري الشافعي مدرّس القيمرية بدمشق وناظرها الشرعي ، كان شابا نبيها ، حسن الشكل ، كريم الأخلاق ، طيب الكلام ، ولي تدريسها بعد والده القاضي شمس الدين علي ، توفي في إحدى وثمانين وستمائة ، ودفن إلى جانب والده بتربة الشيخ تقي الدين بن الصلاح ولم تكمل له أربعون سنة. ثم درس بها بعده في هذه السنة القاضي بدر الدين ابن جماعة. ثم قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان ، وهو أول من جدد في أيامه قاضي القضاة من سائر المذاهب ، فاستقلوا بالأحكام بعد ما كانوا نوابا له ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الأمينية. وقال ابن كثير في سنة سبع وثمانين وستمائة : وفي شهر رمضان توجه الشيخ بدر الدين ابن جماعة إلى خطابة القدس الشريف بعد موت خطيبه قطب الدين ، فباشر بعده تدريس القيمرية علاء الدين أحمد ابن القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز قاضي مصر ، ثم من بعد ثلاث سنين أخذ ابن جماعة قضاء الديار المصرية عوضا عن ابن بنت الأعز انتهى. وقال في سنة إحدى وتسعين وستمائة : وفي سادس شوال ولى السلطان الأشرف خليل بن قلاوون نيابة دمشق لعز الدين أيبك الحموي (٢) عوضا عن الشجاعي علم الدين سنجر ، وقدم الشجاعي من بلاد الروم في هذا اليوم من عزله فتلقاه الفاروثي وقال : قد عزلنا من

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٤٠.

(٢) ابن كثير ١٤ : ٣٢.

٣٣٧

الخطابة ، فقال الشجاعي : ونحن من النيابة ، فقال الفاروثي : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) الآية ، فلما بلغ ذلك الوزير ابن لسلعوس (١) غضب عليه ، وكان قد عين له القيمرية فترك ذلك ، وسافر السلطان عاشر شوال إلى مصر انتهى. ثم درس بها عوضا عن علاء الدين أحمد الشيخ الامام صدر الدين عبد البر ابن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن رزين إلى أن توفي في شهر رجب سنة خمس وتسعين وستمائة قاله في العبر. وقال ابن كثير في سنة خمس وتسعين هذه : وفي يوم الأربعاء ثاني شهر رجب درس القاضي إمام الدين بالقيمرية عوضا عن صدر الدين ابن رزين توفي في السنة المذكورة انتهى ، وقد مرت ترجمته أي إمام الدين هذا في المدرسة الأمينية. وقال ابن كثير في سنة ست وتسعين وستمائة : ولما كان في جمادى الأولى وصل البريد فأخبر بولاية إمام الدين القزويني القضاء بالشام عوضا عن بدر الدين بن جماعة ، وإبقاء ابن جماعة على الخطابة ، وتدريس القيمرية التي كانت بيد إمام الدين ، وجاءه كتاب السلطان وفيه احترام وإكرام له ، فدرس بالقيمرية يوم الخميس ثاني شهر رجب ، ودخل إمام الدين إلى دمشق عقب صلاة الظهر يوم الأربعاء ثامن شهر رجب ، فجلس بالعادلية وحكم بين الناس انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة سبع وأربعين وسبعمائة : وفيها توفي الشيخ شمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية ، وفي ذيله لتلميذه السيد شمس الدين الحسيني في هذه السنة : وفيها توفي شيخنا شمس الدين محمد ابن الصلاح مدرس القيمرية الشهرزوري انتهى. ثم درس بها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث الدمشقية. ثم ولده قاضي القضاة ولي الدين أبو ذر عبد الله ، وقد مرت ترجمته في دار الحديث المذكورة. ثم درّس بها شرف الدين يونس ابن القاضي علاء الدين بن أبي البقاء إلى أن توفي يوم الأربعاء خامس عشرين صفر سنة أربع عشرة وثمانمائة : قال الأسدي في تاريخه : وولي وظائفه وحضر

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٢٤.

٣٣٨

في تدريس العزيزية والقيمرية الشيخ شهاب الدين بن حجي والصدر قاضي القضاة نجم الدين بن حجي ، ثم تركه لابن خطيب عذرا ، وأرسل إلى القاضي أن يقرره فيه وتدريس الصارمية شمس الدين الكفيري انتهى. وأعاد بهذه المدرسة الامام سعد الدين النووي ، وقد مرّت ترجمته في الصالحية المشهورة بتربة أم الصالح. وقال ابن كثير في سنة ثلاث وثلاثين : وفي يوم الأحد رابع عشرين شهر ربيع الأول حضر ابن أخي قاضي القضاة جمال الدين بن جملة محمود إعادة القيمرية نزل له عنها انتهى.

قلت : سيف الدين القيمري صاحب المارستان بالجبل كان من جملة الأمراء وأبطالهم المذكورين ، توفي بنابلس ونقل فدفن بقبته التي بازاء البيمارستان ، ذكره الذهبي فيمن مات في سنة ثلاث وخمسين وستمائة.

٧٨ ـ القيمرية الصغرى

بالقباقبية العتيقة غربي المقدمية الحنفية وشمالي الحنبلية ، وهي بين القيمرية الكبيرة المارة التي عند سوق الحريميين وسوق الصناديق ، وغير القيمرية التي هي بطريق الشبلي التي هي قبلي الحافظية ، نزل عنها بهاء الدين بن جمال الدين الباعوني سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة رحمه‌الله تعالى عليهم أجمعين.

٧٩ ـ المدرسة الكروسية

التي إلى جانب السامرية الشافعية. قال الحافظ ابن كثير في سنة إحدى وأربعين وستمائة ، واقف الكروسية محمد بن عقيل بن كروس بن جمال الدين محتسب دمشق ، كان كيسا متواضعا ، توفي بدمشق في شوال ودفن بداره التي جعلها مدرسة ، وله دار حديث انتهى. وقال الصفدي في وافيه : المحتسب بن كروس محمد بن عقيل بن عبد الواحد بن أحمد بن حمزة بن كروس المحتسب جمال الدين أبو المكارم السلمي الدمشقي ، سمع من بهاء الدين بن عساكر وابن حيوس ، وكان رئيسا محتشما قيما بالحسبة ، وتوفي سنة

٣٣٩

إحدى وأربعين وستمائة انتهى. وقال الصفدي أيضا : محمد بن عمر الشيخ نجم الدين ابن الشيخ نجم الدين بن أبي الطيب وكيل بيت المال بدمشق ، كان قد تزوج بنت القاضي محيي الدين بن فضل الله ، فحصل لما توجه القاضي محيي الدين إلى كتابة السر بالديار المصرية كل خير ، وولي الوظائف الكبار مثل نظر الخزانة بقلعة دمشق ، ووكالة بيت المال ، وكان بيده نظر الرباع السلطانية ، وتدريس المدرسة الكروسية ، وسوف يأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة والده عمر بن أبي القاسم (١) في حرف العين ، التنبيه على تسمية بيتهم يعني أبا الطيب ، وأم نجم الدين هذا بنت شمس الدين ابن القاضي نجم الدين أبي بكر محمد ابن قاضي القضاة بدمشق ، وكان وليها بعد عزل القاضي علاء الدين بن علي القلانسي لما غضب عليه الأمير سيف الدين تنكز وعزله عن وطائفه ، وكان وليها بعد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني ، ووليها بعد ابن الشريشي المذكور ووليها بعد نجم الدين عمر والد نجم الدين المذكور ، وكان نجم الدين المذكور شافعي المذهب ، حسن الشكل تامّ الخلق ، له تودد وملقى حسن ، توفي في جمرة ظهرت بوجهه في يومين ، وكانت وفاته في رابع شعبان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ، وكان حفظ الأخبار في أهل عصره وتواريخهم ووقائعهم لا يدانيه أحد في ذلك ، واعترف له بذلك القاضي شهاب الدين بن فضل الله (٢).

٨٠ ـ المدرسة الكلاسة

لصيق الجامع الأموي من شمالي ولها باب إليه ، عمرها نور الدين الشهيد في سنة خمس وخمسين وخمسمائة ، وأحرقت هي ومئذنة العروس في المحرم سنة سبعين وخمسمائة ، وسميت هذا الاسم لأنها كانت موضع عمل الكلس أيام بناء الجامع ، وجعلت زيادة لما ضاق الجامع بالناس ، وفي تاسع عشر شهر ربيع الأول ملك صلاح الدين بن أيوب دمشق فأمر بتجديد عمارة الكلاسة في سنة

__________________

(١) ابن كثير ١٤ : ٣٧.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ١٦٠.

٣٤٠