تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

علينا العذاب. ففزعوا إليه (١) وسألوه أن يقيم معهم ، ويسأل الله أن يتوب عليهم.

[وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٢) ، بإسناده إلى أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديثا طويلا ، يقول فيه : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أرسل يوشع بن نون إلى بني إسرائيل من بعد موسى ، فنبوّته بدؤها (٣) في البرّيّة الّتي تاه فيها بنو إسرائيل.] (٤)

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) : قابيل وهابيل. وقيل (٥) : لم يرد بهما ابني آدم من صلبه (٦) ، وإنّهما رجلان من بني إسرائيل. ولذلك قال (٧) : (كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ). والأوّل أصحّ وأشهر.

(بِالْحَقِ) : صفة مصدر محذوف ، أي : تلاوة متلبّسة بالحقّ. أو حال من الضّمير في «اتل» ، أو من «نبأ» ، أي : متلبّسا بالصّدق ، موافقا لما في كتب الأوّلين.

(إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) : ظرف «لنبأ». أو حال منه. أو بدل على حذف المضاف ، أي : واتل عليهم نبأهما نبأ ذلك الوقت.

و «القربان» اسم ما يتقرّب به إلى الله من ذبيحة أو غيرها. كما أنّ الحلوان اسم لما يحلى ، أي : يعطى. وهو في الأصل مصدر ، ولذلك لم يثنّ.

وقيل (٨) : تقديره : إذ قرّب كلّ واحد منهما قربانا.

(فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) : لأنّه سخط حكم الله ، ولم يخلص النّية في قربانه ، وقصد إلى أخسّ ما عنده. كما يجيء في الخبر.

(قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) : توعّده بالقتل ، لفرط حسده على تقبّل قربانه.

(قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٢٧) : في جوابه ، أي : أوتيت من

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢٢٠ ، ضمن حديث ١.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «بنبوّته يبدؤها» بدل «فبنبوّته بدؤها».

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢٧١.

(٦) المصدر : لصلبه.

(٧) المائدة / ٣٢.

(٨) نفس المصدر والموضع.

٨١

قبل نفسك بترك التّقوى لا من قبلي ، فلم تقتلني؟

وفيه إشارة ، إلى أنّ الجاهل ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ، ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محفوظا لا في إزالة حظّه. فإنّ ذلك ممّا يضرّه ولا ينفعه ، وإنّ الطّاعة لا تقبل إلّا من مؤمن متّق.

وفي كتاب معاني الأخبار (١) : حدّثنا محمّد بن القاسم الأسترآباديّ المفسّر قال : حدّثني يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سنان ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إنّ من اتّبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامّة تعظّمه وتصفه (٢) ، فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحلّه ، فرأيته قد أحدق به كثير خلق من غثاء العامّة ، فوقفت منتبذا عنهم متغشيّا بلثام أنظر إليه وإليهم ، فما زال يراوغهم حتّى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقرّ ، فتفرّقت (٣) القوم لحوائجهم وتبعته أقتفي أثره ، فلم يلبث أن مرّ بخبّاز فغفله فأخذ من دكّانه رغيفين ، فتعجّبت ثمّ قلت في نفسي : لعلّه معامله. ثمّ مرّ بعده بصاحب رمّان فما زال به حتّى تغفّله (٤) فأخذ من عنده رمّانتين مسارقة ، فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي : لعلّه معامله. ثمّ أقول : وما (٥) حاجته إذا إلى المسارقة؟ ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرّ بمريض فوضع الرّغيفين والرّمّانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتّى استقرّ في بقعة من الصّحراء.

فقلت له : يا عبد الله ، لقد سمعت بك خيرا (٦) وأحببت لقاءك فلقيتك ، ولكنّي رأيت منك ما شغل قلبي ، وإنّي سائلك عنه ليزول به شغل قلبي.

قال : ما هو؟

قلت : رأيت مررت بخبّاز وسرقت منه رغيفين ، ثمّ بصاحب الرّمّان وسرقت منه

__________________

(١) معاني الأخبار / ٣٣ ، ح ٤.

(٢) المصدر : تسفه.

(٣) هكذا في المصدر والنسخ. والظاهر : فتفرّق.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يغفّله.

(٥) هكذا في روأ. وفي المصدر وسائر النسخ : فما.

(٦) ليس في المصدر.

٨٢

رمّانتين.

قال : فقال لي : قبل كلّ شيء حدّثني من أنت؟

قلت : رجل ومن ولد آدم من أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال حدّثني من أنت؟

قلت : رجل من أهل بيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال : أين بلدك؟

قلت : المدينة.

قال : لعلّك جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ.

قلت : بلى.

فقال لي : فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به ، وتركك علم جدّك وأبيك لئّلا تنكر ما يجب أن يحمّد ويمدّح عليه فاعله.

قلت : وما هو؟

قال : القرآن ، كتاب الله.

قلت : وما الّذي جهلت منه؟

قال : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) وإنّي لمّا سرقت الرّغيفين كانت سيّئتين ولمّا سرقت الرّمّانتين كانت سيّئتين فهذه أربع سيّئات ، فلمّا تصدّقت بكلّ واحدة منها كان لي بها أربعون حسنة ، فانتقص من أربعين حسنة أربع بأربع بقي لي ستّ وثلاثون حسنة.

قلت : ثكلتك أمّك ، أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت الله يقول : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) إنّك لمّا سرقت الرّغيفين كانت سيّئتين ولمّا سرقت الرّمانتين (١) كانت ـ أيضا ـ سيّئتين ، فلمّا (٢) دفعتها إلى غير صاحبيهما (٣) بغير أمر صاحبيهما (٤) كنت إنّما

__________________

(١) المصدر : رمانتين.

(٢) المصدر : ولمّا.

(٣ و ٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «صاحبها» بدل «صاحبيهما».

٨٣

أضفت أربع سيّئات إلى أربع سيّئات فلم تضف (١) أربعين حسنة إلى أربع سيّئات.

فجعل يلاحظني ، فانصرفت وتركته.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) (٢٨) : قيل (٢) : كان هابيل أقوى منه ، ولكن تحرّج عن قتله واستسلم له خوفا من الله ، لأنّ الدّفع لم يبح بعد. أو تحرّيا لما هو الأفضل.

[وروي في فضل التّحرّي أنّه] (٣) قال ـ عليه السّلام ـ : كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل.

وإنّما قال : (ما أَنَا بِباسِطٍ) في جواب (لَئِنْ بَسَطْتَ) للتّبرّي عن هذا الفعل الشّنيع رأسا ، والتّحرّز من أن يوصف به ويطلق عليه. ولذلك أكّد النّفي «بالباء».

(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ) : ترجع.

(بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (٢٩) : تعليل ثان للامتناع عن المعارضة والمقاومة.

وقيل (٤) : والمعنى : إنّما أستسلم لك إرادة أن تحمل إثمي لو بسطت إليك يدي ، وإثمك ببسطك (٥) يدك إليّ. ونحوه : المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم.

على أنّ البادئ عليه إثم سبّه ومثل إثم سبّ صاحبه ، لأنّه كان سببا فيه. إلّا أنّ الإثم محطوط عن صاحبه معفوّ عنه ، لأنّه مكافئ رافع عن عرضه. ألا ترى إلى قوله : «ما لم يعتد المظلوم» لأنّه إذا خرج عن حدّ المكافأة واعتدى عليه لم يسلم.

وقيل (٦) : معنى بإثمي : بإثم قتلي. وبإثمك : الّذي لم يتقبّل من أجله قربانك.

__________________

(١) المصدر : ولم تضف.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٧١.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) المصدر : يبسط.

(٦) نفس المصدر والموضع.

٨٤

وفي كتاب ثواب الأعمال (١) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثني محمّد بن القاسم (٢) ، عن محمّد بن عليّ الكوفيّ ، عن محمّد بن (٣) مسلم الجبليّ ، عن عبد الرّحمن بن مسلم (٤) ، عن أبيه قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : من قتل مؤمنا متعمّدا أثبت الله على قاتله (٥) جميع الذّنوب وبريء المقتول منها ، وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ).

وكلاهما متعلق بمحذوف في موضع الحال من فاعل «تبوء» ، أي : متلبّسا بالإثمين ، حاملا لهما.

قيل (٦) : ولعلّه لم يرد معصية أخيه وشقاوته ، بل قصده بهذا الكلام إلى أنّ ذلك إن كان لا محالة واقعا ، فأريد أن يكون [الإثم] (٧) لك لا لي. فالمراد بالذّات أن لا يكون له ، لا أن يكون لأخيه. ويجوز أن يكون المراد بالإثم عقوبته. وإرادة (٨) عقاب العاصي جائزة.

(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) : فسهّلته له ، ووسعته. من طاع له المرتع : إذا اتّسع.

وقرئ : «فطاوعت» على أنّه فاعل ، بمعنى : فعل. أو على أنّ قتله أخيه كأنّه دعاه إلى الإقدام عليه ، فطاوعته.

و «له» لزيادة الرّبط ، كقولك : حفظت لزيد ماله (٩).

(فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٣٠) : دينا ودنيا. إذ بقي مدّة عمره مطرودا محزونا.

قيل : قتل هابيل ، وهو ابن عشرين سنة ، عند عقبة حراء.

__________________

(١) ثواب الأعمال / ٣٢٨ ، ح ٩.

(٢) المصدر : «محمد بن أبي القاسم» وكلاهما واحد وهو ابن المفسر الأسترآباديّ. ر. تنقيح المقال ٣ / ١٧٥ ، رقم ١١٢٧١ و ٢ / ٦٤ ، رقم ١٠٢٧٤.

(٣) المصدر : محمد بن أسلم.

(٤) المصدر : عبد الرحمن بن أسلم.

(٥) المصدر : «عليه» بدل «على قاتله».

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٧١.

(٧) من المصدر.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عقوبة.

(٩) نفس المصدر والموضع.

٨٥

وقيل (١) : بالبصرة في موضع المسجد الأعظم.

في تفسير العيّاشي (٢) : عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : جعلت فداك ، إنّ النّاس يزعمون أنّ آدم زوّج ابنته من ابنه؟

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قد قال النّاس في ذلك. ولكن يا سليمان ، أما علمت أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : لو علمت أنّ آدم زوّج ابنته من ابنه لزوّج زينب من القاسم ، وما كنت لأرغب عن دين آدم.

فقلت : جعلت فداك ، إنّهم يزعمون أنّ قابيل إنّما قتل هابيل لأنّهما تغايرا على أختهما؟

فقال له : يا سليمان ، تقول هذا ، أما تستحي أن تروي هذا على نبيّ الله آدم؟

فقلت : جعلت فداك ، ففيم (٣) قتل قابيل هابيل؟

فقال : في الوصيّة. ثمّ قال لي : يا سليمان ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أوحى إلى آدم أن يدفع الوصيّة واسم الله الأعظم إلى هابيل ، وكان قابيل أكبر منه. فبلغ ذلك قابيل ، فغضب فقال : أنا أولى بالكرامة والوصيّة. فأمرهما أن يقرّبا قربانا بوحي من الله إليه ، ففعلا. فقبل الله قربان هابيل. فحسده قابيل. فقتله.

وأمّا ما رواه في مجمع البيان (٤) : «عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ حوّاء امرأة آدم كانت تلد في كلّ بطن غلاما وجارية ، فولدت في أوّل بطن قابيل وقيل : قابين وتوأمته إقليما بنت آدم ، والبطن الثّاني هابيل وتوأمته ليوذا ، فلمّا أدركوا جميعا أمر الله ـ تعالى ـ آدم أن ينكح قابيل أخت هابيل وهابيل أخت قابيل ، فرضي هابيل وأبى قابيل لأنّ أخته كانت أحسنهما وقال : ما أمر الله [ـ سبحانه ـ] (٥) بهذا ولكن هذا من رأيك. فأمرهما [آدم] (٦) أن يقرّبا قربانا فرضيا بذلك ، فغدا (٧) هابيل وكان صاحب ماشية فأخذ من خير غنمه وزبدا ولبنا ، وكان قابيل صاحب زرع فأخذ من شرّ زرعه ، ثمّ صعدا

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٣١٢ ، ح ٨٣.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فبم.

(٤) مجمع البيان ٢ / ١٨٣.

(٥ و ٦) من المصدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فعمد.

٨٦

فوضعا القربان على الجبل ، فأتت النّار فأكلت قربان هابيل وتجنّبت قربان قابيل ، وكان آدم غائبا بمكّة خرج إليها ليزور البيت بأمر ربّه.

فقال قابيل : لا عشت يا هابيل في الدّنيا وقد تقبّل قربانك ولم يتقبّل قرباني ، وتريد أن تأخذ أختي الحسناء وآخذ أختك القبيحة.

فقال له هابيل ما حكاه الله ـ تعالى ـ فشدخه بحجر فقتله».

فمحمول على التّقية ، لأنّه موافق لمذاهب العامّة.

و [كذا ما روي] (١) في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٢) ، بإسناده إلى محمّد بن الفضل (٣) ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال : لمّا أكل آدم من الشّجرة أهبط إلى الأرض فولد له هابيل وأخته توأم وولد له قابيل وأخته توأم ، ثمّ أنّ آدم أمر قابيل وهابيل أن يقرّبا قربانا وكان هابيل صاحب غنم وكان قابيل صاحب زرع ، فقرّب هابيل كبشا وقرّب قابيل من زرعه ما لم ينق ، وكان كبش هابيل من أفضل غنمه وكان زرع قابيل غير منقى ، فتقبّل قربان هابيل ولم يتقبّل قربان قابيل. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) (الآية) وكان القربان إذا قبل تأكله النّار.

فعمد قابيل [إلى النّار] (٤) فبنى لها بيتا ـ وهو أوّل من بنى للنّار البيوت ـ وقال : لأعبدنّ هذه النّار حتّى يتقبّل قرباني. ثمّ أنّ عدوّ الله إبليس قال لقابيل : إنّه قد تقبّل قربان هابيل ولم يتقبّل قربانك ، وإن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك. فقتله قابيل.

فلمّا رجع آدم ـ عليه السّلام ـ قال له : يا قابيل ، أين هابيل؟

فقال : ما أدري ، وما بعثتني راعيا له.

فانطلق آدم فوجد هابيل مقتولا فقال : لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل.

فبكى آدم ـ عليه السّلام ـ على هابيل أربعين ليلة. ثمّ أنّ آدم ـ عليه السّلام ـ سأل ربّه

__________________

(١) ليس في روأ.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢١٣ ، ح ٢.

(٣) المصدر : محمد بن الفضيل.

(٤) من المصدر.

٨٧

ـ عزّ وجلّ ـ أن يهب له ولدا ، فولد له غلام فسمّاه هبة الله. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ وهبه له فأحبّه [آدم] (١) حبّا شديدا. فلمّا انقضت نبوّة آدم ـ عليه السّلام (٢) ـ واستكملت أيّامه أوحى الله إليه ، أن يا آدم إنّه قد انقضت نبوّتك واستكملت أيّامك ، فاجعل العلم الّذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة في العقب من ذرّيّتك عند ابنك هبة الله.

وقال ـ عليه السّلام ـ في هذا الحديث ـ أيضا ـ : ثمّ أنّ هبة الله لمّا دفن آدم [أباه] (٣) أتاه قابيل فقال له : يا هبة الله ، إنّي قد رأيت آدم أبي قد (٤) خصّك من العلم بما لم أخصّ به ، وهو العلم الّذي دعا به أخوك هابيل فتقبّل قربانه ، وإنّما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي ، فيقولون : نحن أبناء الّذي تقبّل قربانه وأنتم أبناء الّذي لم يتقبّل قربانه ، فإنّك إن أظهرت من العلم الّذي اختصّك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل. فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من الإيمان والعلم والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة حتّى بعث نوح ـ عليه السّلام ـ.

والحدث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي روضة الكافي (٥) ، عنه ـ عليه السّلام ـ مثله.

من غير تغيير مخلّ بالمعنى المقصود.

وفي كتاب علل الشّرائع (٦) ، بإسناده إلى محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، وكرام بن عمرو (٧) عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ قابيل لمّا رأى النّار قد قبلت قربان هابيل قال له إبليس : إنّ هابيل كان يعبد تلك النّار.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) يوجد في الأصل وأبعد هذه العبارة : «وآثار علم النبوة في العقب إلى من». والظاهر هي زائدة. لأنّ لا علاقة لها بما قبلها وبعدها.

(٣) من المصدر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) الكافي ٨ / ١١٣ ، ح ٩٢.

(٦) علل الشرائع ١ / ٣ ، ح ١.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الدارم بن عمر.

٨٨

فقال قابيل : لا أعبد النّار الّتي عبدها هابيل ولكن أعبد نارا أخرى وأقرّب قربانا لها فتقبل قرباني. فبنى بيوت النّيران ، فقرّب ولم يكن له علم بربّه ـ عزّ وجلّ ـ ولم يرث منه ولده إلّا عبادة النّيران.

وفي عيون الأخبار (١) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة ، حديث طويل وفيه : وسأله عن أوّل من قال الشّعر؟

فقال : آدم ـ عليه السّلام ـ.

قال : وما كان شعره؟

قال : لمّا أنزل إلى الأرض من السّماء فرأى تربتها وسعتها (٢) وهواها وقتل قابيل هابيل فقال آدم ـ عليه السّلام ـ :

تغيّرت البلاد ومن عليها

فوجه الأرض مغبّر قبيح

تغيّر كلّ ذي لون وطعم

وقلّ بشاشة الوجه المليح (٣)

فاجابه إبليس ـ لعنه الله ـ :

تنحّ عن البلاد وساكنيها

فبي في الخلد ضاق بك الفسيح (٤)

وكنت بها وزوجك في قرار

وقلبك من أذى الدّنيا مريح

فلم تنفكّ من كيدي ومكري

إلى أن فاتك الثّمن الرّبيح

فلولا رحمة الجبّار أضحى

بكفّك من جنان الخلد ريح

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ١ / ٢٤٢. ٢٤٨ ، ضمن حديث ١.

(٢) في هامش الأصل : «وشمسها ، خ. ل.» وهو الظاهر.

(٣) يوجد في المصدر بعد هذين البيتين ، أبيات الآتي :

أرى طول الحياة علي غما

وهل أنا من حياتي مستريح؟

ومالي لا أجود بسكب دمع

وهابيل تضمّنه الضريح

قتل قابيل هابيلا أخاه

فوا حزني لقد فقد المليح

وقيل في هامشه : ولم يذكر بعض هذه الأبيات في البحار. فراجع.

(٤) هكذا في ر والمصدر. وفي سائر النسخ : القبيح.

٨٩

وفيه : ثمّ قام إليه رجل آخر فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن يوم الأربعاء وتطيّرنا منه وثقله ، وأي أربعاء هو؟

قال : آخر أربعاء في الشّهر وهو محاق. وفيه قتل قابيل هابيل أخاه.

وفي كتاب الخصال (١) : عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ قال : كان عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ بالكوفة في الجامع ، إذ قام إليه رجل من أهل الشّام فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي أسألك عن أشياء.

فقال : سل تفقّها ولا تسأل تعنّتا. فسأله عن أشياء ، فكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عن أوّل من قال الشّعر؟ وذكر كما في عيون الأخبار ، إلّا أنّه زاد لآدم بيتا ثالثا بعد البيتين وهو :

قتل قابيل هابيل أخاه

فوا أسفا على الوجه المليح (٢)

وأبدل المصراع الثّاني من البيت الأوّل لإبليس ـ لعنه الله ـ بهذا المصراع :

وبالفردوس ضاق بك الفسيح (٣)

وعن جابر الجعفي (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول في آخره : وأسلم رأس الجالوت (٥) على يد عليّ ـ عليه السّلام ـ من ساعته ، ولم يزل مقيما حتّى قتل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وأخذ ابن ملجم ـ لعنه الله ـ فأقبل رأس الجالوت (٦) حتّى وقف على الحسن ـ عليه السّلام ـ والنّاس حوله وابن ملجم ـ لعنه الله ـ بين يديه فقال له : يا أبا محمّد ، اقتله ـ قتله الله ـ. فإنّي رأيت في الكتب الّتي أنزلت على موسى أنّ هذا أعظم عند الله جرما من ابن آدم قاتل أخيه ، ومن القدار عاقر ناقة ثمود.

وعن جعيد همدان (٧) قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّ في التّابوت

__________________

(١) الخصال ١ / ٢٠٨ ، ح ٣٠.

(٢) هذا البيت ليس في المصدر.

(٣) المصدر : فبي في الخلد ضاق بك الفسيح.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٣٨٢ ، ح ٥٨ ، وأوّله في ص ٣٦٤.

(٥ و ٦) المصدر : رأس اليهود.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٤٨٥ ، ح ٥٩.

٩٠

الأسفل [من النّار اثني عشر] (١) ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين. ثمّ سمّى السّتّة من الأوّلين ابن آدم الّذي قتل أخاه وفرعون وهامان. (الحديث).

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : روي عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ أوّل ما يحكم الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه يوم القيامة الدّماء ، فيوقف ابنا آدم فيفصل بينهما ، ثمّ الّذين يلونهما من أصحاب الدّماء حتّى لا يبقى منهم أحد من النّاس بعد ذلك حتّى يأتي المقتول بقاتله ، فيشخب دمه في وجهه فيقول : أنت قتلته. فلا يستطيع أن يكتم الله حديثا.

وفي علل الشّرائع (٣) ، بإسناده إلى حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كانت الوحوش والطّير والسّباع وكلّ شيء خلق الله ـ عزّ وجلّ ـ مختلطا (٤) بعضه ببعض ، فلمّا قتل ابن آدم أخاه نفرت وفزعت ، فذهب كلّ إلى شكله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ : أنّه لمّا طوّعت له نفسه قتل أخيه ، لم يدر (٦) كيف يقتله حتّى جاء إبليس فعلّمه فقال : ضع رأسه بين حجرين ثمّ أشدخه.

(فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) :

«كيف» حال من الضّمير في «يواري». والجملة ثاني مفعولي «يرى». والمراد بسوأة أخيه ، جسده الميّت. فإنّه ممّا يستقبح أن يرى.

(قالَ يا وَيْلَتى) : كلمة جزع وتحسّر. والألف فيها بدل من ياء المتكلّم ، والمعنى : يا ويلتي أحضري فهذا أوانك.

والويل والويلة : الهلكة.

(أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) : لا أهتدي إلى ما اهتدى إليه.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٦٩ ، ح ١٦.

(٣) علل الشرائع ١ / ٤ ، باب ٥ ، ح ١.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يختلط.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٦٥.

(٦) المصدر : فلم يدر.

٩١

وقوله : «فأواري» عطف على «أكون» وليس جواب الاستفهام. إذ ليس المعنى هاهنا : لو عجزت لواريت.

وقرئ ، بالسّكون ، على معنى : فأنا أواري. أو على تسكين المنصوب ، تخفيفا (١).

وفي كتاب الخصال (٢) ، عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال في حديث طويل له مع ملك الرّوم ، وقد سأله عن سبعة أشياء خلقها الله لم تخرج من رحم آدم وحوّاء : والغراب الّذي بعثه الله يبحث في الأرض.

(فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (٣١) : على قتله. لما كابد به من التّخيّر في أمره ، وحمله على رقبته سنة أو أكثر على ما قيل ، وتلمذه للغراب ، واسوداد لونه ، وتبرّؤ أبويه منه ، وعدم الظّفر بما فعله لأجله.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن ثوير بن أبي فاختة قال : سمعت عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ يحدّث رجلا من قريش ، وذكر حتّى بلغ قوله : فلمّا قتله لم يدر ما يصنع به ، فجاء غرابان فأقبلا يتضاربان حتّى اقتتلا ، فقتل (٤) أحدهما صاحبه ، ثمّ حفر الّذي بقي الأرض بمخالبه ودفن فيها صاحبه. قال قابيل : (يا وَيْلَتى) (الآية) فحفر له حفيرة فدفنه فيها فصارت سنّة يدفنون الموتى. فرجع قابيل إلى أبيه فلم ير معه هابيل.

فقال له آدم : أين تركت ابني؟

قال له قابيل : أرسلتني عليه راعيا؟

فقال آدم : انطلق معي إلى مكان القربان. وأوجس قلب آدم بالّذي فعل قابيل ، فلما بلغ مكان القربان (٥) استبان قتله ، فلعن آدم الأرض الّتي قبلت دم هابيل

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٧٢.

(٢) الخصال ٢ / ٣٥٣ ، ح ٣٤ ، وفيه : عن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهما السّلام ـ.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٤) المصدر : «قتل» بدل «اقتتلا فقتل».

(٥) المصدر : المكان القربان.

٩٢

وأمر آدم أن يلعن قابيل ، ونودي قابيل من السّماء : لعنت كما قتلت أخاك ، ولذلك لا تشرب الأرض الدّم.

فانصرف آدم. فبكى على هابيل أربعين يوما وليلة. فلمّا جزع عليه شكا ذلك إلى الله. فأوحى الله إليه : إنّي واهب لك ذكرا يكون خلفا من هابيل. فولدت حوّاء غلاما زكيّا مباركا. فلمّا كان اليوم السّابع أوحى الله إليه : يا آدم ، إنّ هذا الغلام هبة منّي لك. فسمّه هبة الله. فسمّاه هبة الله.

وفي مجمع البيان (١) : روت العامّة ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : قتل قابيل هابيل وتركه بالعراء لا يدري ما يصنع به. فقصده السّباع فحمله في جراب على ظهره حتى أروح ، وعكفت عليه الطّير والسّباع تنتظر (٢) متى يرمي به فتأكله. فبعث الله غرابين فاقتتلا. فقتل أحدهما صاحبه. ثمّ حفر له بمنقاره وبرجليه. ثمّ ألقاه في الحفيرة. وواراه وقابيل ينظر إليه. فدفن أخاه.

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : إنّ قابيل بن آدم معلّق بقرونه في عين الشّمس ، تدور به حيث دارت في زمهريرها وحميمها إلى يوم القيامة. فإذا كان يوم القيامة صيّره الله إلى النّار.

وعنه ـ عليه السّلام (٤) ـ وذكر ابن آدم القاتل ، فقيل له : ما حاله ، أمن أهل النّار هو؟

فقال : سبحان الله ، الله أعدل من ذلك أن يجمع عليه عقوبة الدّنيا وعقوبة الآخرة.

وفي الاحتجاج (٥) [: عن أبان بن تغلب قال :] (٦) قال طاوس اليمانيّ لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : هل تعلم أيّ يوم مات ثلث الناس؟

فقال : يا أبا عبد الرّحمن ، لم يمت ثلث النّاس قطّ. إنّما أردت ربع النّاس.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ١٨٥.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٣١١ ، ح ٨٠.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٨١.

(٥) الاحتجاج ٢ / ٦١.

(٦) ليس في أ.

٩٣

وكيف ذلك؟

قال : كان آدم وحوّاء وقابيل وهابيل. [فقتل قابيل هابيل.] (١) فذلك ربع النّاس.

قال : صدقت.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : هل تدري ما صنع بقابيل؟

قال : لا.

قال : علّق بالشّمس ، ينضح بالماء الحارّ إلى أن تقوم السّاعة.

(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) : بسببه قضينا عليهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : لفظ الآية خاصّ في بني إسرائيل ، ومعناها جار في النّاس كلّهم.

«وأجل» في الأصل ، مصدر أجل شرّا : إذا جناه. استعمل في تعليل الجنايات ، كقولهم : من جراك فعلته ، أي : من أن جررته ، أي : جنيته. ثمّ اتّسع فيه ، فاستعمل في كلّ تعليل.

و «من» ابتدائيّة ، متعلّقة «بكتبنا» ، أي : ابتداء الكتب ونشؤه من أجل ذلك.

(أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ) : بغير قتل يوجب الاقتصاص.

(أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) : أو بغير فساد فيها. كالشّرك ، وقطع الطّريق.

(فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) : من حيث هتك حرمة الدّماء من القتل ، وجرّأ النّاس عليه. أو من حيث أنّ قتل الواحد والجميع سواء في استجلاب العذاب وغضب الله.

في من لا يحضره الفقيه (٣) : وروى حنان بن سدير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : هو واد في جهنّم ، لو قتل النّاس جميعا كان فيه ، ولو قتل نفسا واحدة كان فيه.

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٦٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه.

٩٤

وفي الكافي (١) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : يوضع في موضع من جهنّم إليه ينتهي شدّة عذاب أهلها لو قتل النّاس جميعا [إنّما كان] (٢) يدخل ذلك المكان.

قلت : فإنّه (٣) قتل آخر؟

قال : يضاعف عليه.

وفي رواية أخرى (٤) : له في النّار مقعد لو قتل النّاس جميعا لم يرد إلّا إلى (٥) ذلك المقعد.

(وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) : ومن تسبّب لبقاء حياتها بعفو أو منع عن القتل أو استنقاذ من بعض أسباب الهلكة ، فكأنّما فعل ذلك بالنّاس جميعا.

والغرض منه ، تعظيم قتل النّفس وإحيائها في القلوب ، وترهيبا عن التّعرّض لها ، وترغيبا في المحاماة عليها.

في أصول الكافي (٦) : صالح بن عقبة ، عن نصر بن قابوس ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لإطعام مؤمن أحبّ إليّ من عتق عشر رقاب وعشر حجج.

قال : قلت : عشر رقاب وعشر حجج؟

قال : فقال : يا نصر ، إن لم تطعموه مات ، أو تذلّونه فيجيء إلى ناصب فيسأله والموت خير له من مسألة النّاصب. يا نصر ، من أحيا مؤمنا فكأنّما أحيا النّاس جميعا.

فإن لم تطعموه فقد أمتّموه ، وإن أطعمتموه فقد أحييتموه.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد (٧) ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ (أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).

قال : من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنّما أحياها ، ومن أخرجها من هدى

__________________

(١) الكافي ٧ / ٢٧١ ، ضمن حديث ١.

(٢) من المصدر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قيل فإن.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٢٧٢ ، ح ٦.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «لم يزدد على» بدل «لم يرد إلّا إلى».

(٦) الكافي ٢ / ٢٠٤ ، ح ٢٠.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٢١٠ ، ح ١.

٩٥

إلى ضلال فقد قتلها.

عنه (١) ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن فضيل بن يسار قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).

قال : من حرق أو غرق.

قلت : فمن أخرجها من ضلال إلى هدى؟

قال : ذاك تأويلها الأعظم.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد (٢) وعبد الله ابني محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان مثله.

محمّد بن يحيى : عن أحمد بن محمّد (٣) ، عن محمّد بن خالد ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبيّ ، عن أبي خالد القمّاط ، عن حمران قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً). قال : من حرق أو غرق. ثمّ سكت. ثمّ قال : تأويلها الأعظم ، إن دعاها فاستجابت له.

والحديث طويل ، أخذنا منه موضع الحاجة.

[وفي كتاب الاحتجاج (٤) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه : قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ومن استنّ بسنّة حقّ كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة [ومن استنّ بسنّة باطل كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.] (٥) ولهذا القول من النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ شاهد من كتاب (٦) الله ، وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في قصّة قابيل قاتل أخيه : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٢١٠ ـ ٢١١ ، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٢١١ ، ذيل الحديث آنف الذكر

(٣) نفس المصدر والموضع ، ضمن حديث ٣.

(٤) الاحتجاج ١ / ٣٧٤.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قول.

٩٦

قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)] (١).

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) وروى معاوية بن عمّار : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء ، كان كمن أعتق رقبة.

ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء ، كان كمن أحيا نفسا. ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا.

وفي الكافي (٣) عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه قال : أخبرني بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : أتي أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ برجل وجد في خربة وبيده سكّين ملطّخ بالدّم وإذا رجل مذبوح يتشحّط في دمه.

فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : ما تقول؟

قال : يا أمير المؤمنين ، أنا قتلته.

قال : اذهبوا به فاقتلوه به. فلمّا ذهبوا به ليقتلوه به أقبل رجل مسرعا فقال : لا تعجلوه وردّوه إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فردّوه.

فقال : والله يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه أنا قتلته.

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ للأوّل : ما حملك على إقرارك على نفسك [ولم تفعل؟] (٤).

فقال : يا أمير المؤمنين ، ما كنت أستطيع أن أقول وقد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرّجال فأخذوني (٥) وبيدي سكّين ملطّخ بالدّم والرّجل يتشحّط في دمه وأنا قائم عليه ، وخفت الضّرب ، فأقررت ، وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة وأخذني البول فدخلت الخربة فرأيت الرّجل يتشحّط في دمه فقمت متعجّبا. فدخل عليّ هؤلاء فأخذوني.

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٦ ، ح ١٥١.

(٣) الكافي ٧ / ٢٨٩ ، ح ٢.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : وأخذوني.

٩٧

ـ عليه السّلام ـ [وقصّوا عليه قصّتهما ، (١) وقولوا له : ما الحكم فيهما؟

قال : فذهبوا إلى الحسن ـ عليه السّلام ـ وقصّوا عليه قصّتهما.

فقال الحسن ـ عليه السّلام ـ : قولوا لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّ هذا إن كان ذبح ذلك فقد أحيا هذا. وقد قال الله : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).

يخلّى عنهما وتخرج دية المذبوح من بيت المال.

[وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ قال : حدّثني الحسين بن سعيد معنعنا ، عن سليمان بن دينار البارقيّ قال : سألت زيد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).

قال : فقال لي : هذا الرّجل من آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ يخرج ويدعو إلى إقامة الكتاب والسّنّة ، فمن أعانه حتّى يظهر أمره فكأنّما أحيا النّاس جميعا ، ومن خذله حتّى يقتل (٢) فكأنّما قتل النّاس جميعا] (٣).

(وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ) : بعد ما كتبنا عليهم هذا التّشديد العظيم ، تأكيدا وتجديدا للعهد كي يتحاموا عن أمثال هذه الجنايات.

(ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (٣٢) : مجاوزون عن الحقّ ، ويقتلون ولا يبالون به وبغيره من المحرّمات.

وفي مجمع البيان (٤) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : المسرفون ، هم الّذين يستحلّون المحارم ويسفكون الدّماء.

(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) : أي : يحاربون أولياءهما. جعل محاربتهم محاربتهما ، تعظيما. وأصل الحرب ، السّلب.

قيل (٥) : المراد به هاهنا قطع الطّريق. وقيل (٦) : المكابرة باللّصوصيّة وإن كانت في مصر. والأخبار تدلّ على العموم.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قتله.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) مجمع البيان ٢ / ١٨٧.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢٧٣.

(٦) نفس المصدر والموضع.

٩٨

(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) ، أي : مفسدين. ويجوز نصبه على العلّة ، أو المصدر لأنّ سعيهم كان فسادا ، فكأنّه قيل (١) : ويفسدون في الأرض فسادا.

(أَنْ يُقَتَّلُوا) ، أي : من غير صلب قصاصا ، إن أفردوا القتل.

(أَوْ يُصَلَّبُوا) ، أي : يصلبوا مع القتل ، إن قتلوا وأخذوا المال.

(أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) : أي : تقطّع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى ، إن أخذوا ولم يقتلوا.

(أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) : إن قطعوا الطّريق ولم يأخذوا مالا ولم يقتلوا. و «أو» للتّفصيل.

ففي الكافي (٢) : عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن الحسن التّميميّ ، عن عليّ بن أسباط ، عن داود بن أبي يزيد ، عن أبي عبيدة بن بشر الخثعميّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قاطع الطّريق وقلت : إنّ النّاس يقولون : إنّ الإمام فيه مخيّر أيّ شيء شاء صنع؟ قال : ليس أيّ شيء شاء صنع ولكنّه (٣) يصنع بهم على قدر جنايتهم (٤) ، من قطع الطّريق فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله وصلب ، ومن قطع الطّريق فقتل ولم يأخذ المال قتل ، ومن قطع الطّريق فأخذ (٥) المال ولم يقتل قطعت يده ورجله (٦) ، ومن قطع الطّريق ولم يأخذ المال ولم يقتل نفي من الأرض.

وفي حديث آخر (٧) ، أنّه سئل عن هذه الآية؟

فقال : ذلك إلى الإمام يفعل به ما شاء.

قيل (٨) : فمفوّض ذلك إليه؟

قال : لا ، ولكن نحو الجناية.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) الكافي ٧ / ٢٤٧ ، ح ١١.

(٣) هكذا في أو المصدر. وفي سائر النسخ : لكنّ.

(٤) المصدر : جناياتهم.

(٥) المصدر : وأخذ.

(٦) المصدر : «قطعت يده ورجله [من خلافه].» ولعل الصواب : من خلاف.

(٧) نفس المصدر ٧ / ٢٤٦ ، ح ٥.

(٨) المصدر : قلت.

٩٩

وفي معناه أخبار أخر (١).

وما روي مطلقا من «أنّ الإمام مخيّر»

محمول على هذا المعنى. وكذا ما روي «أنّ كلّ شيء في القرآن أو فصاحبه بالخيار (٢)» فمعناه : أنّ الإمام فيه بالخيار على قدر جنايته. فإنّ الخيار فيه بالقياس إلى الإمام ، لأنّه لم يتعيّن عليه أحدها لم يمكنه التّجاوز ولو في مادّة ، وإن يجز التّجاوز بالنّظر إلى خصوص المادّة. وفيه دقّة ، فتأمّل.

وعن الرّضا ـ عليه السّلام (٣) ـ ما يقرب منه ، وأنّه سئل : كيف ينفى ، وما حدّ نفيه؟

فقال : ينفى من المصر الّذي فعل فيه ما فعل إلى مصر آخر غيره ، ويكتب إلى أهل ذلك [المصر :] (٤) بأنّه منفيّ ، فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه. فيفعل ذلك به سنة ، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتّى تتمّ السّنة.

وفي خبر آخر (٥) : فإنّه سيتوب قبل ذلك وهو صاغر.

قيل : فإن توجّه إلى أرض الشّرك ليدخلها؟

قال : إن توجّه إلى أرض الشّرك ليدخلها قوتل أهلها.

وفي رواية أخرى للعيّاشي (٦) : يضرب عنقه إن أراد الدّخول في أرض الشّرك.

وفي رواية ، عن الجواد ـ عليه السّلام (٧) ـ في جماعة قطعوا الطّريق؟ قال : فإن

__________________

(١) أنظر نفس المصدر ٧ / ٢٤٥ ، باب حدّ المحارب.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٣٥٨ ، ح ٢.

(٣) نفس المصدر ٧ / ٢٤٦ ، ح ٨.

(٤) من المصدر.

(٥) نفس المصدر ٧ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، ح ٨ و ٩.

والمفسر خلط بين الحديثين. قيل في حديث ٨ :«قلت : فان توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها؟ قال :إن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها.» وقيل في حديث ٩ :«... قال في آخره (أبي الحسن الرضا ، في آخر الحديث الذي مثله) : يفعل به ذلك سنة فانّه سيتوب قبل ذلك وهو صاغر. قال : قلت : فان أمّ أرض الشرك يدخلها؟ قال : يقتل».

(٦) تفسير العياشي ١ / ٣١٧ ، ح ٩٨.

(٧) نفس المصدر ١ / ٣١٥ ، ضمن حديث ٩١.

١٠٠