تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

من كان قبلكم حيث ما عملوا من المعاصي ولم ينههم الرّبّانيّون والأحبار عن ذلك.

وأنّهم لمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الرّبّانيّون [والأحبار] (١) عن ذلك نزلت بهم العقوبات. فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر.

والحديث طويل ، أخذنا منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد (٢) ، وعليّ بن إبراهيم [، عن أبيه] (٣) جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر [، عن أبان ، عن أبي بصير ،] (٤) عن عمرو بن رياح عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : بلغني أنّك تقول : من طلّق لغير السنّة أنّك لا ترى طلاقه شيئا؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : ما أقوله بل الله يقوله. أما والله لو كنّا نفتيكم بالجور كنّا شرّا منكم ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ). (الآية).

«وفي نهج البلاغة (٥) قال ـ عليه السّلام ـ في خطبة له ، وهي من خطب الملاحم :

أين تذهب بكم المذاهب ، وتتيه (٦) بكم الغياهب ، وتخدعكم الكواذب؟ ومن أين تؤتون ، وأنّى تؤفكون؟ فلكلّ أجل كتاب ، ولكلّ غيبة إياب ، فاستمعوا (٧) ربّانيكم ، وأحضروه قلوبكم ، واستيقظوا أن يهتف بكم». (٨)

(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) : قيل (٩) : أي : هو ممسك يقتر بالرّزق.

وغلّ اليد وبسطها ، مجاز عن البخل والجود. ولا قصد فيه إلى إثبات يد ، وغلّ ، وبسط. ولذلك يستعمل حيث لا يتصوّر ذلك ، كقوله :

جاد الحمى بسط اليدين بوابل

شكرت نداه تلاعه ووهاده

ونظيره من المجازات المركّبة : شابت لمّة اللّيل.

__________________

(١) من ر.

(٢) نفس المصدر ٦ / ٥٧ ـ ٥٨ ، ح ١.

(٣ و ٤) من المصدر.

(٥) نهج البلاغة / ١٥٧ ، ضمن خطبة ١٠٨.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخة : يستر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخة : فاسمعوا.

(٨) من ر.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٢٨٣.

١٦١

وقيل : معناه : أنّه «فقير لقوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ)» (١) (فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ).

وفي عيون الأخبار (٢) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع سليمان المروزيّ ، بعد كلام طويل له ـ عليه السّلام ـ في إثبات البداء ، وقد كان سليمان ينكر ، ثمّ التفت إلى سليمان فقال : أحسبك (٣) ضاهيت [اليهود في هذا الباب.

قال : أعوذ بالله من ذلك ، وما قالت اليهود] (٤).

قال : قالت اليهود : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) ، يعنون : أنّ الله قد فرغ من الأمر ، فليس يحدث شيئا. فقال ـ عزّ وجلّ ـ : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا) ..

وفي كتاب التّوحيد (٥) ، بإسناده إلى إسحاق بن عمّار ، عمّن سمعه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) لم يعنوا : أنّه هكذا. ولكنّهم قالوا : قد فرغ من الأمر ، فلا يزيد ولا ينقص. وقال الله ـ جلّ جلاله ـ تكذيبا لقولهم : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ). ألم تسمع الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ).

(غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا) : دعاء عليهم بالبخل والنّكد. أو بالفقر والمسكنة. أو بغلّ الأيدي حقيقة ، يغلّون أسارى في الدّنيا ومسحبين إلى النّار في الآخرة.

فتكون المطابقة ، من حيث اللّفظ وملاحظة الأصل. كقولك : سبّني ، سبّ الله دابره.

(بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) : ثنّى اليد مبالغة في الرّدّ ، ونفى البخل عنه ، وإثباتا لغاية الجود فإنّ غاية ما يبذله السّخيّ من ماله أن يعطيه بيديه ، وتنبيها على منح الدّنيا والآخرة وعلى ما يعطى للاستدراج وما يعطى للإكرام.

وفي كتاب التّوحيد (٦) ، بإسناده إلى أبي عبد الله بن قيس ، عن أبي الحسن الرّضا

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ١ / ١٤٦ ، ح ١.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أمسك.

(٤) ليس في ر.

(٥) التوحيد / ١٦٧ ، ح ١.

(٦) نفس المصدر / ١٦٨ ، ح ٢.

١٦٢

ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ).

فقلت له : يدان هكذا ـ وأشرت بيدي إلى يديه ـ؟ فقال : لا ،] (١) لو كان هكذا كان مخلوقا.

وبإسناده إلى حنان بن سدير (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : وقوم وصفوه [باليدين ، وقالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ).

وقوم وصفوه] (٣) بالرّجلين ، فقالوا : وضع رجله (٤) على صخرة بيت المقدس ، فمنها ارتقى إلى السّماء. ووصفوه بالأنامل ، فقالوا : إنّ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : إنّي وجدت برد أنامله على قلبي. فلمثل هذه الصّفات قال : (رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).

يقول : رب المثل الأعلى عمّا به مثّلوه. ولله المثل الأعلى. الّذي لا يشبهه شيء ، ولا يوصف ، ولا يتوهّم. فذلك المثل الأعلى.

وبإسناده إلى أبي بصير (٥) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : أنا يد الله المبسوطة على عباده بالمرحمة والمغفرة.

والحديث طويل ، أخذنا منه موضع الحاجة.

وبإسناده إلى مروان بن صباح (٦) قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ خلقنا فأحسن خلقنا ، وصوّرنا فأحسن صورنا. وجعلنا عينه في عباده ، ولسانه النّاطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرّأفة والرّحمة.

والحديث طويل ، أخذنا منه موضع الحاجة.

[وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن حمّاد ، عنه في قول الله : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) ، يعنون :

أنّه قد فرغ ممّا هو كائن (لُعِنُوا بِما قالُوا) قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ).] (٨).

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل.

(٢) نفس المصدر / ٣٢٣ ، ح ٥.

(٣) ليس في أ.

(٤) أ: يده.

(٥) نفس المصدر / ١٦٥ ، ح ٢.

(٦) نفس المصدر / ١٥١ ، ح ٨.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٣٣٠ ، ح ١٤٧.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٦٣

(يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) : على ما تقتضيه الحكمة والصّلاح.

(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) : على طغيانهم وكفرهم. كما يزداد المريض مرضا من تناول غذاء الأصحّاء.

(وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) : فكلماتهم مختلفة ، وقلوبهم شتّى. فلا يقع بينهم موافقة.

(كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) : كلّما أرادوا محاربة غلبوا.

قيل (١) : كانوا في أشدّ بأس وأمنع دار ، حتّى أنّ قريشا كانت تعتضد بهم ، وكان الأوس والخزرج تتكثّر بمظاهرتهم. فذلّوا وقهروا. وقتل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بني قريظة ، وأجلى بني النّضير ، وغلب على خيبر وفدك. فاستأصل الله شأفتهم ، حتّى أنّ اليوم تجد اليهود في كلّ بلدة أذلّ النّاس.

(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) : للفساد. بمخالفة أمر الله ، والاجتهاد في محو ذكر الرّسول من كتبهم.

وقيل (٢) : لمّا خالفوا حكم التّوراة سلّط الله عليهم بخت نصر [، ثم أفسدوا فسلّط عليهم فطرس الروميّ.] (٣) ثمّ أفسدوا فسلّط عليهم المجوس ، ثمّ أفسدوا فسلّط [الله] (٤) عليهم المسلمين.

(وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (٦٤) : فلا يجازيهم إلّا شرّا.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قوله :

(كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) كلّما أراد جبّار من الجبابرة هلكة آل محمّد ـ عليه السّلام ـ قصمه [الله.] (٦)

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا) : بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وبما جاء به.

(وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) : الّتي فعلوها. ولم يؤاخذهم بها.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٢٢١ ، ببعض الاختلاف.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(٣ و ٤) من المصدر.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٣٣٠ ، ح ١٤٨.

(٦) من المصدر.

١٦٤

(وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٦٥) : فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، وإن جلّ.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) : بإذاعة ما فيها ، والقيام بأحكامها.

(وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) :

في الكافي والعيّاشيّ (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ يعني : الولاية.

(لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) : لوسّع عليهم أرزاقهم ، وأفيض عليهم بركات من السّماء والأرض.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) قال : (مِنْ فَوْقِهِمْ) المطر. (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) النّبات.

(مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) : قد دخلوا في الإسلام.

في تفسير علىّ بن إبراهيم (٣) : قوم من اليهود دخلوا في الإسلام ، فسمّاهم الله مقتصدة.

(وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (٦٦) : وفيه معنى التّعجّب ، أي : ما أسوأ عملهم. وهم الّذين أقاموا على الجحود والكفر.

[وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن زيد بن أسلم ، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : تفرّقت أمّة موسى على إحدى وسبعين ملّة ، سبعون منها في النّار وواحدة في الجنّة. وتفرّقت أمّة عيسى على اثنتين (٥) وسبعين فرقة ، إحدى وسبعون فرقة في النّار وواحدة في الجنّة. وتعلو أمّتي على الفرقتين جميعا بملّة ، واحدة في الجنّة وثنتان وسبعون في النّار.

قالوا : من هم يا رسول الله؟

__________________

(١) الكافي ١ / ٤١٣ ، ح ٥ ، وتفسير العياشي ١ / ٣٣٠ ، ح ١٤٩.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٧١.

(٣) نفس المصدر ١ / ١٧١.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٣٣١ ، ح ١٥١.

(٥) المصدر : اثنين.

١٦٥

قال : الجماعات. [الجماعات] (١).

قال يعقوب بن يزيد (٢) : كان عليّ بن أبي طالب إذا حدّث هذا الحديث عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تلا فيه قرآنا : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) إلى قوله : (ساءَ ما يَعْمَلُونَ). وتلا ـ أيضا ـ : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٣) ، يعني : أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي شرح الآيات الباهرة (٤) : روى [الشّيخ الصّدوق] (٥) محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن أحمد ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن يوسف (٦) ، عن العبّاس بن عامر ، عن أحمد بن زريق الغمشاني (٧) ، عن محمّد بن عبد الرّحمن ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ولايتنا ولاية الله ـ عزّ وجلّ ـ لم يبعث الله نبيّا إلّا بها.

وروى ـ أيضا ـ عن أحمد بن محمّد (٨) عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن الفضل ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال : ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولم يبعث الأنبياء إلّا بنبوّة محمّد ووصيّه عليّ ـ صلوات الله عليهما ـ وقوله : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) بإرسال السّماء عليهم مدرارا (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) بإعطاء الأرض خيراتها وبركاتها. ومثله : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)] (٩).

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، يعني : في عليّ ـ عليه السّلام ـ فعنهم ـ عليهم السّلام ـ كذا نزلت.

(وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ، أي : إن تركت تبليغ ما انزل إليك في

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : يعقوب بن زيد.

(٣) الأعراف / ١٨١.

(٤) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط ، ص ٥٧ ـ ٥٨.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر : علي بن سيف.

(٧) المصدر : «أحمد بن زرقا الغمشاني» ولعل الصواب : «احمد بن رزق الغشاني» ر. تنقيح المقال ١ / ٦١ ، رقم ٣٦١.

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٦٦

ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ وكتمته ، كنت كأنّك لم تبلّغ شيئا من رسالات ربّك في استحقاق العقوبة.

وقرئ : «رسالته» على التّوحيد (١).

(وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) : يمنعك من أن ينالوك بسوء.

(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٦٧) :

في الجوامع (٢) : عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله : أنّ الله أمر نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ينصّب عليّا ـ عليه السّلام ـ للنّاس ويخبرهم بولايته ، فتخوّف ـ عليه السّلام ـ أن يقولوا : حابى ابن عمّه. وأن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه ، فنزلت هذه الآية. فأخذه بيده يوم غدير خمّ وقال : من كنت مولاه ، فعليّ مولاه.

[والعياشي ، عنهما ، ما في معناه (٣)] (٤).

ورواه في المجمع (٥) ، عن الثعلبيّ والحسكانيّ وغيرهما من العامّة.

وفي أصول الكافي (٦) : [محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، ومحمّد بن الحسين جميعا ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا ، وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ :] (٧) ثمّ نزلت الولاية ، وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة ، أنزل الله ـ تعالى ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي). وكان كمال الدّين بولاية عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ.

فقال عند ذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أمّتي حديثو عهد بالجاهليّة ، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل ويقول قائل ، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني ، فأتتني عزيمة من الله بتلة أوعدني إن لم أبلّغ أن يعذّبني ، فنزلت :

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٢٢.

(٢) جوامع الجامع / ١١٤.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٣٣١ ، ح ١٥٢.

(٤) من أ.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٢٢٣.

(٦) الكافي ١ / ٢٩٠ ، ح ٦.

(٧) ليس في أ. وفيه : «عن الباقر ـ عليه السلام ـ في حديث» بدلا.

١٦٧

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) (الآية).

فأخذ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بيد عليّ فقال : يا أيّها النّاس ، إنّه لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان قبلي إلّا وقد عمّره الله ، ثمّ دعاه فأجابه. فأوشك أن أدعى ، فأجيب. وأنا مسؤول ، وأنتم مسؤولون. فما ذا أنتم قائلون؟

فقالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وأدّيت ما عليك ، فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين.

فقال : اللهمّ اشهد ـ ثلاث مرّات ـ ثمّ قال : يا معشر المسلمين ، هذا وليّكم من بعدي ، فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : كان والله عليّ أمين الله على خلقه ، وغيبه ، ودينه الّذي ارتضاه لنفسه.

[عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (١) ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ] (٢) قال : أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ رسوله (٣) بولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ وأنزل عليه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (الآية) وفرض ولاية أولي الأمر ، فلم يدروا ما هي. فأمر الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يفسّر لهم الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ. فلمّا أتاه ذلك من الله ، ضاق بذلك صدر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وتخوّف أن يرتدّوا عن دينهم ، وأن يكذّبوه. فضاق صدره وراجع ربّه ـ عزّ وجلّ ـ فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) (الآية) فصدع بأمر الله ـ تعالى ذكره ـ فقام بولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ يوم غدير خمّ فنادى الصّلاة جامعة. وأمر النّاس أن يبلّغ الشّاهد الغائب.

قال ـ عليه السّلام ـ : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى ، وكان الولاية آخر الفرائض. فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٨٩ ، ح ٤.

(٢) ليس في «أ».

(٣) ليس في المصدر.

١٦٨

. قال : يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : لا أنزل عليكم بعدها فريضة ، قد أكملت لكم الفرائض.

[محمّد بن الحسين وغيره ، عن سهل (١) ، عن محمّد بن عيسى ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين جميعا عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فلمّا رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من حجّة الوداع نزل عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) فنادى النّاس ، فاجتمعوا. وأمر بسمرات فقمّ شوكهنّ. ثمّ قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا أيّها النّاس ، من وليّكم وأولى النّاس بكم من أنفسكم؟

فقالوا : الله ورسوله.

فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ـ ثلاث مرّات ـ فوقعت حسكة النّفاق في قلوب القوم وقالوا : وما أنزل الله ـ جلّ ذكره ـ هذا على محمّد قطّ ، وما يريد إلّا أن يرفع بضبع ابن عمّه.] (٢).

وفي كتاب الاحتجاج (٣) [للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ بإسناده إلى محمّد بن عليّ الباقر ـ] (٤) عليه السّلام ـ أنّه قال : حجّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من المدينة ، وقد بلّغ جميع الشّرائع قومه غير الحجّ والولاية. فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال له : يا محمّد ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقرئك السّلام ويقول لك : إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي ولا رسولا من رسلي ، إلّا بعد إكمال ديني وتأكيد حجّتي ، وقد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلّغهما قومك : فريضة الحجّ وفريضة الولاية والخلافة من بعدك. فإنّي لم أخل أرضي من حجّة ولن أخليها أبدا. فإنّ الله يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ ، تحجّ ويحجّ معك

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٩٥ ، ضمن حديث أوّله في ص ٢٩٣.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) الاحتجاج ١ / ٦٦ ـ ٨٦.

(٤) ليس في أ. وفيه : «عنه» بدلا.

١٦٩

كلّ (١) من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر والأطراف والأعراب ، وتعلّمهم من معالم حجتهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم ، وتوقفهم من ذلك على مثال الّذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشّرائع.

فنادى منادي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في النّاس : ألا إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يريد الحجّ ، وأن يعلّمكم من ذلك مثل الّذي علّمكم من شرائع دينكم ، ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره. فخرج [رسول الله] (٢) ـ صلّى الله عليه وآله ـ وخرج معه النّاس ، وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله ، فحجّ بهم. وبلغ من حجّ مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب ، سبعين ألف إنسان أو يزيدون ، على نحو عدد أصحاب موسى ـ عليه السّلام ـ السّبعين ألف الّذين أخذ عليهم بيعة هارون ـ عليه السّلام ـ فنكثوا واتّبعوا العجل والسّامريّ. وكذلك [أخذ] (٣) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ البيعة (٤) لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ بالخلافة على عدد أصحاب موسى ـ عليه السّلام ـ فنكثوا البيعة واتّبعوا العجل [السّامريّ] (٥) سنّة بسنّة ، ومثلا بمثل. واتّصلت التّلبية ما بين مكّة والمدينة.

فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ عن الله ـ تعالى ـ فقال :

يا محمّد إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقرئك السّلام ، ويقول لك : إنّه قد دنا أجلك ومدّتك وأنا مستقدمك على ما لا بدّ منه ولا عنه محيص. فاعهد عهدك ، وقدّم وصيّتك ، واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسّلاح والتّابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ فسلّمها (٦) إلى وصيّك وخليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ. فأقمه للنّاس علما. وجدّد عهده وميثاقه وبيعته. وذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الّذي واثقتهم به وعهدي الّذي

__________________

(١ و ٢) ليس في المصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) النسخ : أخذ البيعة.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : فسلّمه.

١٧٠

عهدت إليهم من ولاية وليّي ومولاهم ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ. فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء ، إلّا من بعد إكمال ديني (١) وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي. وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي ، باتّباع وليّي وطاعته. وذلك أنّي لا أترك أرضي بغير [وليّ ولا] (٢) قيّم ، ليكون حجّة لي على خلقي. ف (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (الآية) (٣) بولاية وليّي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. عليّ عبدي ، ووصي نّبييّ ، والخليفة من بعده ، وحجّتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي ومقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي. من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني. جعلته علما بيني وبين خلقي ، من عرفه كان مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن أشرك ببيعته كان مشركا ، ومن لقيني بولايته دخل الجنّة ، ومن لقيني بعداوته دخل النّار. فأقم يا محمّد عليّا علما ، وخذ عليهم البيعة ، وجدد عليهم (٤) عهدي وميثاقي لهم الّذي واثقتهم عليه. فإنّي قابضك إليّ ومستقدمك عليّ.

فخشي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قومه وأهل النّفاق والشّقاق ، أن يتفرّقوا ويرجعوا جاهليّة (٥) لما عرف من عداوتهم ولما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ ـ عليه السّلام ـ من العداوة والبغضاء (٦). وسأل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أن يسأل ربّه العصمة من النّاس ، وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من النّاس عن الله ـ جلّ اسمه ـ فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف. فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ في مسجد الخيف. فأمره أن يعهد عهده ، ويقيم عليّا [علما] (٧) للنّاس [يهتدون به.] (٨) ولم يأته بالعصمة من الله ـ جلّ جلاله ـ بالذي أراد ، حتّى بلغ (٩) كراع الغميم بين مكّة والمدينة. فأتاه جبرئيل ـ عليه

__________________

(١) المصدر : إكمال ديني وحجتي.

(٢) من المصدر.

(٣) ذكر في المصدر الآية بطولها بدل «الآية.»

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر : إلى جاهلية.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «البغضة» بدل «العداوة والبغضاء».

(٧ و ٨) من المصدر.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أتى.

١٧١

السلام ـ وأمره بالّذي أتاه به من قبل الله (١) ، ولم يأته بالعصمة.

فقال : يا جبرئيل ، إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني ، ولا يقبلوا قولي في علي (٢).

فرحل ، فلمّا بلغ غدير خمّ قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبريل ـ عليه السّلام ـ على خمس ساعات مضت من النّهار بالزّجر والانتهار (٣) والعصمة من الناس.

فقال : يا محمّد ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقرئك السّلام ، ويقول لك : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في عليّ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

وكان أوائلهم قريب (٤) من الجحفة. فأمر (٥) بأن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس (٦) من تأخّر عنهم في ذلك المكان ، ليقيم عليا للنّاس (٧) ، ويبلّغهم ما أنزل الله ـ تعالى ـ في عليّ ـ عليه السّلام ـ وأخبره بأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد عصمه من النّاس.

فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في النّاس بالصّلاة جامعة ، ويرد من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر. فتنحّى عن يمين الطّريق إلى جنب مسجد الغدير ، أمره بذلك جبرئيل ـ عليه السّلام ـ عن الله ـ عزّ وجلّ ـ و [كان] في الموضع سلمات ، فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يقمّ ما تحتهنّ وينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على النّاس. فتراجع النّاس ، واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون.

فقام رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فوق تلك الأحجار. ثمّ حمد الله ـ تعالى ـ وأثنى عليه. فقال : الحمد لله الّذي علا في توحّده ، ودنا في تفرّده ، وجلّ في سلطانه ،

__________________

(١) المصدر : «أتاه فيه قبل الله» بدل «أتاه به من قبل الله.»

(٢) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة : [فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة فأخّره ذلك.]

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الانتهاء.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قربت.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فأمره.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر : علما للناس.

١٧٢

ويحيي ، ويفقر ويغني ، ويضحك ويبكي [ويدني ويقصي] (١) ويمنع ويؤتي. له الملك وله الحمد ، بيده الخير ، وهو على كلّ شيء قدير. يولج اللّيل في النّهار ، ويولج النّهار في اللّيل. لا إله إلّا هو العزيز الغفّار. مجيب الدّعاء (٢) ، ومجزل العطاء. محصي الأنفاس ، وربّ الجنّة والنّاس. لا يشتكل عليه شيء ، ولا يضجره صراخ المستصرخين ، ولا يبرمه إلحاح الملحّين. العاصم للصّالحين ، والموفّق للمفلحين ، ومولى العالمين. الّذي استحقّ من كلّ [من] (٣) خلق أن يشكره ويحمده.

[أحمده] (٤) على السّرّاء والضّرّاء والشّدّة والرّخاء. وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله. أسمع أمره. وأطيع وأبادر إلى كلّ ما يرضاه ، وأستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته لأنّه الله الّذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره. [و] (٥) أقرّ له على نفسي بالعبوديّة ، وأشهد له بالرّبوبيّة. وأؤدّي ما أوحي إليّ ، حذرا من أن أفعل فتحلّ بي منه قارعة ، لا يدفعها عنّي أحد وإن عظمت حيلته. لا إله إلّا هو ، لأنّه قد أعلمني أنّي إن لم أبلّغ ما أنزل إليّ فما بلّغت رسالته. وقد ضمن لي ـ تبارك وتعالى ـ العصمة. وهو [الله] (٦) الكافي الكريم. فأوحى إليّ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*) ، (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في علي (٧) (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

معاشر النّاس ، ما قصّرت في تبليغ ما أنزل الله ـ تعالى ـ إلي (٨). وأنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية : إنّ جبرئيل ـ عليه السّلام ـ هبط إليّ مرارا ثلاثا يأمرني عن السّلام ربّي وهو السّلام ، أن أقوم في هذا المشهد ، فأعلم كلّ أبيض وأسود ، أنّ عليّ بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي والإمام من بعدي ، الّذي محلّه منّي محلّ هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وهو وليّكم بعد الله ورسوله. وقد أنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : مستجيب الدعاء.

(٣ و ٤ و ٥) من المصدر.

(٦) من المصدر.

(٧) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة : [يعني في الخلافة لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.]

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «أنزله» بدل «أنزل الله تعالى إليّ.»

١٧٣

وعظم في أركانه ، وأحاط بكلّ شيء علما وهو في مكانه ، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه ، مجيدا لم يزل محمودا ، لا يزال بارئ المسموكات ، وداحي المدحوّات ، وجبّار الأرضين والسّموات. سبّوح قدّوس (١) ربّ الملائكة والرّوح. متفضّل على جميع من برأه ، متطوّل على من أنشأه. (٢) يلحظ كلّ عين ، والعيون لا تراه. كريم حليم ذو أناة. قد وسع كلّ شيء برحمته (٣) ، ومنّ عليهم بنعمته. لا يعجل بانتقامه ، ولا يبادر إليهم بما استحقّوا من عذابه. قد فهم السّرائر ، وعلم الضّمائر ، ولم تخف عليه المكنونات ، ولا اشتبهت عليه الخفيّات. له الإحاطة بكلّ شيء ، والغلبة على كلّ شيء ، والقوّة في كلّ شيء ، والقدرة على كلّ شيء. ليس مثله شيء ، وهو منشئ الشيء حين لا شيء. دائم قائم بالقسط ، لا إله إلّا هو العزيز الحكيم. جلّ عن أن تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللّطيف الخبير. لا يلحق أحد وصفه من معاينة ، ولا يجد أحد كيف هو من سرّ وعلانية إلّا بما دلّ ـ عزّ وجلّ ـ على نفسه.

وأشهد أنّه الله الّذي ملأ الدّهر قدسه ، والّذي يغشى الأبد نوره ، والّذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير. صوّر ما أبدع على غير مثال ، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلّف ولا احتيال. أنشأها فكانت ، وبرأها فبانت. فهو الله الّذي لا إله إلّا هو ، المتقن الصّنعة ، الحسن الصّنيعة ، العدل الّذي لا يجور ، والأكرم الّذي ترجع إليه الأمور.

وأشهد أنّه الّذي تواضع كلّ شيء لقدرته ، وخضع كلّ شيء لهيبته. مالك الأملاك (٤) ، ومفلك الأفلاك ، ومسخّر الشّمس والقمر كلّ يجري لأجل مسمّى. يكوّر اللّيل على النّهار ويكوّر النّهار على اللّيل ، يطلبه حثيثا. قاصم كلّ جبّار عنيد ، ومهلك كلّ شيطان مريد. لم يكن معه ضدّ ولا ندّ. أحد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد. إله واحد ، وربّ ماجد. يشاء فيمضي ، ويريد فيقضي ، ويعلم فيحصي ، ويميت

__________________

(١) المصدر : قدّوس سبّوح.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أدناه.

(٣) المصدر : رحمته.

(٤) المصدر : ملك الأملاك.

١٧٤

عليّ بذلك آية من كتابه (١) : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وعليّ بن أبي طالب أقام الصّلاة وآتى الزّكاة وهو راكع ، يريد الله ـ عزّ وجلّ ـ في كلّ حال.

وسألت جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم ـ أيّها النّاس ـ لعلمي بقلّة المتّقين ، وكثرة المنافقين ، وإدغال الآثمين ، وختل المستهزئين بالإسلام. الّذين وصفهم الله في كتابه ، بأنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هيّنا وهو عند الله عظيم. وكثرة أذاهم لي في غير مرّة حتّى سمّوني : أذنا.

وزعموا أنّي كذلك لكثرة ملازمته إيّاي وإقبالي عليه ، حتّى أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ في ذلك قرآنا (٢) : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ) على الّذين يزعمون أنّه أذن (خَيْرٌ لَكُمْ). (الآية) ولو شئت أن أسمّي بأسمائهم لسمّيت ، وأن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت ، وأن أدلّ عليهم لدللت. ولكنّي ـ والله ـ في أمورهم قد تكرّمت. وكلّ ذلك لا يرضى الله منّي إلّا أن أبلغ ما أنزل إليّ. ثمّ تلا ـ عليه السّلام ـ : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ـ في علي ـ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

فاعلموا معاشر النّاس ، أنّ الله قد نصّبه لكم وليّا وإماما. مفترضا طاعته ، على المهاجرين والأنصار ، وعلى التّابعين لهم بإحسان ، وعلى البادي والحاضر ، وعلى الأعجميّ والعربيّ والحر والمملوك والصّغير والكبير ، وعلى الأبيض والأسود ، وعلى كلّ موحّد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره. ملعون من خالفه ، مرحوم من تبعه. ومن صدّقه (٣) فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.

معاشر النّاس ، إنّه آخر مقام أقومه في هذا المشهد. فاسمعوا وأطيعوا ، وانقادوا لأمر ربّكم. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ هو ربّكم ووليّكم (٤) وإلهكم ، ثمّ من دونه محمّد

__________________

(١) المائدة / ٥٥.

(٢) التوبة / ٦١.

(٣) المصدر : «مؤمن من صدّقه» بدل «ومن صدّقه.»

(٤) المصدر : «مولاكم» بدل «ربّكم ووليّكم.»

١٧٥

وليكم (١) القائم المخاطب لكم ، ثمّ من بعدي عليّ وليّكم وإمامكم بأمر الله (٢) ربّكم ، ثم الإمامة في ذريّتي من ولده إلى يوم [القيامة ، يوم] (٣) تلقون الله ورسوله. لا حلال إلّا ما أحلّه الله ، ولا حرام إلّا ما حرّمه الله. عرّفني الحلال والحرام ، وأنا أمضيت بما علّمني ربّي من كتابه وحلاله وحرامه إليه.

معاشر النّاس ، ما من علم إلّا وقد أحصاه الله فيّ ، وكلّ علم علمته (٤) فقد أحصيته في علي (٥) إمام المتّقين. ما من علم ، إلّا [وقد] (٦) علّمته عليّا. وهو الإمام المبين.

معاشر النّاس ، لا تضلّوا عنه ، ولا تنفروا منه ، ولا تستنكفوا (٧) من ولايته. فهو الّذي يهدي إلى الحقّ ويعمل به ، ويزهق الباطل وينهى عنه ، ولا تأخذه في الله لومة لائم. ثمّ أنّه أوّل من آمن بالله ورسوله ، و [هو] (٨) الذي فدى رسول الله (٩) بنفسه ، و [هو] (١٠) الّذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرّجال غيره.

معاشر النّاس ، فضّلوه فقد فضّله الله ، واقبلوه فقد نصّبه الله.

معاشر النّاس ، إنّه إمام من الله. ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ، ولن يغفر الله له حتما ، على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه ، وأن يعذبه عذابا نكرا (١١) أبد الآباد ودهر الدّهور «فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة اعدّت للكافرين». (١٢) أيّها النّاس ، بي ـ والله ـ بشّر الأوّلون من النّبيّين والمرسلين. وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين ، والحجّة على جميع المخلوقين من أهل السّماوات والأرضين. فمن شكّ في ذلك فهو كافر ، كفر الجاهليّة الأولى. ومن شكّ في شيء من قولي هذا فقد شك في الكلّ منه ،

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «رسوله محمد ولي» بدل «محمد وليكم.»

(٢ و ٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : علمت.

(٥ و ٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر : ولا تستكبروا.

(٨) من المصدر.

(٩) المصدر : رسوله.

(١٠) من المصدر.

(١١) المصدر : عذابا شديدا نكرا.

(١٢) إشارة إلى آية ٢٤ ، من سورة البقرة.

١٧٦

والشّاكّ في الكلّ (١) فله النّار.

[معاشر النّاس ، حباني الله بهذه الفضيلة منّا منه عليّ ، وإحسانا منه إليّ. ولا إله إلّا هو له الحمد منّي أبد الآبدين ودهر الدّاهرين على كلّ حال.] (٢).

معاشر النّاس ، فضّلوا عليّا ، فإنّه أفضل النّاس بعدي من ذكر وأنثى ، بنا أنزل الله الرّزق وبقي الخلق ، ملعون ملعون ، مغضوب مغضوب من ردّ قولي هذا ولم يوافقه. ألا إنّ جبرئيل خبّرني عن الله ـ تعالى ـ بذلك ويقول : من عادى عليّا ولم يتولّه ، فعليه لعنتي وغضبي (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) (٣) واتّقوا الله أن تخالفوه ، فتزلّ قدم بعد ثبوتها ، إنّ الله خبير بما تعلمون.

معاشر النّاس ، إنّه جنب الله الّذي نزل (٤) في كتابه [فقال تعالى (٥) : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ]) (٦) (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) ..

معاشر النّاس ، تدبّروا القرآن ، وافهموا آياته ، وانظروا إلى محكماته ، ولا تتّبعوا متشابهه. فو الله لن يبيّن (٧) لكم زواجره ولا يوضّح لكم تفسيره ، إلّا الّذي أنا آخذ بيده ومصعده إليّ وشائل بعضده ومعلمكم : ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه. وهو عليّ بن أبي طالب أخي ووصيّي. وموالاته من الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزلها عليّ.

معاشر النّاس ، إنّ عليّا والطّيّبين من ولدي هم الثّقل الأصغر ، والقرآن هو الثّقل الأكبر : فكلّ واحد منبئ عن صاحبه وموافق له. لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. هم أمناء الله في خلقه ، وحكّامه (٨) في أرضه. [ألا وقد أدّيت ، ألا وقد بلّغت ،] (٩) ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت ، ألا وإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال وأنا قلت عن الله ـ عزّ وجلّ ـ ألا إنّه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا ، ولا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره. ثمّ ضرب

__________________

(١) المصدر : في ذلك.

(٢) ليس في أ.

(٣) الحشر / ١٨.

(٤) المصدر : ذكر.

(٥) الزمر / ٥٦.

(٦) ليس في ر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لئن يبيّن.

(٨) المصدر : حكمائه.

(٩) ليس في أ.

١٧٧

بيده إلى عضده ، فرفعه. وكان منذ أوّل ما صعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثال عليّا حتّى صارت رجله مع ركبة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

ثمّ قال : معاشر النّاس ، هذا عليّ أخي ووصيّي وواعي علمي ، وخليفتي على أمّتي وعلى تفسير كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ والدّاعي إليه ، والعامل بما يرضاه ، والمحارب لأعدائه ، والموالي على طاعته ، والنّاهي عن معصيته. خليفة رسول الله ، وأمير المؤمنين ، والإمام الهادي ، وقاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله. أقول : ما يبدّل القول لديّ [بأمر الله (١) ربّي. أقول : اللهمّ ، وال من والاه ، وعاد من عاداه ، والعن من أنكره ، واغضب] (٢) على من جحد حقّه. اللهمّ ، إنّك أنزلت عليّ أنّ الإمامة [بعدي] (٣) لعليّ وليّك ، عند تبياني ذلك ونصبي إيّاه ، بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم نعمتك (٤) ورضيت لهم الإسلام دينا ، فقلت (٥) : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ). اللهمّ إنّي أشهدك [وكفى بك شهيدا] (٦) أنّي قد بلّغت.

معاشر النّاس ، إنّما أكمل الله ـ عزّ وجلّ ـ (٧) دينكم بإمامته. فمن لم يأتمّ به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله ـ عزّ وجلّ ـ فأولئك الّذين حبطت أعمالهم وفي النّار هم [فيها] (٨) خالدون لا يخفّف الله (٩) عنهم العذاب ولا هم ينظرون.

معاشر النّاس ، هذا عليّ أنصركم لي ، وأحقّكم بي ، وأقربكم إليّ ، وأعزّكم عليّ. والله ـ عزّ وجلّ ـ وأنا عنه راضيان. وما نزلت آية رضى إلّا فيه ، وما خاطب الله الّذين آمنوا إلّا بدأ به ، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلّا فيه. ولا شهد الله (١٠) بالجنّة في

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في أ.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : بنعمتك.

(٥) آل عمران / ٨٥.

(٦) من المصدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الله ـ عزّ وجلّ ـ أكمل.

(٨) من المصدر.

(٩ و ١٠) ليس في المصدر.

١٧٨

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ). (١) إلّا له ، ولا أنزلها في سواه [، ولا مدح بها غيره.

معاشر النّاس ، هو ناصر دين الله ، والمجادل عن رسول الله ، وهو التّقي النّقي الهادي المهديّ] (٢) نبيّكم خير نبيّ ، ووصيّكم خير وصيّ ، وبنوه خير الأوصياء.

معاشر النّاس ، ذرّيّة كلّ نبيّ من صلبه ، وذرّيّتي من صلب عليّ.

معاشر النّاس ، إنّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد ، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزلّ أقدامكم. فإنّ آدم ـ عليه السّلام ـ أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله ـ عزّ وجلّ ـ فكيف بكم وأنتم أنتم؟ ومنكم أعداء الله. ألا إنّه لا يبعض عليّا إلّا شقي ، ولا يتولّى عليّا إلّا نقيّ ، ولا يؤمن به إلّا مؤمن مخلص. وفي عليّ ـ والله ـ أنزلت سورة العصر : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وَالْعَصْرِ) إلى آخره.

معاشر النّاس ، قد استشهدت الله وبلّغتكم رسالتي (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٣) ..

معاشر النّاس ، (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٤) ..

معاشر النّاس ، «آمنوا بالله ورسوله والنّور الّذي أنزل معه (٥)». «من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها (٦)».

معاشر النّاس ، النّور من الله ـ عزّ وجلّ ـ فيّ ، ثمّ مسلوك (٧) في عليّ ـ عليه السّلام ـ ثمّ في النّسل منه إلى القائم المهديّ ، الّذي يأخذ بحقّ الله وبكلّ حقّ هو لنا. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد جعلنا حجّة على المقصّرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظّالمين من جميع العالمين.

معاشر النّاس ، إنّي أنذركم «أنّي رسول الله إليكم قد خلت من قبلي الرّسل أفإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئا

__________________

(١) وهي سورة الإنسان (٧٦)

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) المائدة / ٩٩.

(٤) آل عمران / ١٠٢.

(٥) إشارة إلى آية ٨ ، من سورة التغابن.

(٦) إشارة إلى آية ٤٧ ، من سورة النساء

(٧) المصدر : مسلوك ثم.

١٧٩

وسيجزي الله الشّاكرين (١).» ألا وإنّ عليّا [هو] (٢) الموصوف بالصّبر والشّكر ، ثمّ من بعده ولدي من صلبه.

معاشر النّاس ، «لا تمنّوا على الله تعالى إسلامكم (٣)» فيسخط عليكم ويصيبكم بعذاب من عنده «إنّه لبالمرصاد (٤)».

معاشر النّاس ، [، إنّه] سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النّار ، ويوم القيامة لا ينصرون.

معاشر النّاس ، إنّ الله وأنا بريئان منهم.

معاشر النّاس ، إنّهم وأشياعهم وأتباعهم وأنصارهم في الدّرك الأسفل من النّار ، ولبئس مثوى المتكبّرين. ألا إنّهم أصحاب الصّحيفة ، فلينظر أحدكم في صحيفته.

قال : فذهب على النّاس ـ إلّا شر ذمة منهم ـ أمر الصّحيفة.

معاشر النّاس ، إنّي أدعها إمامة ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة. وقد بلّغت ما أمرت بتبليغه حجّة على كلّ حاضر وغائب ، وعلى كلّ أحد ، وممّن شهد أو لم يشهد ، ولد أو لم يولد. فليبلّغ الحاضر الغائب ، والوالد الولد إلى يوم القيامة. وسيجعلونها ملكا واغتصابا. ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين. وعندها سنفرغ لكم أيّها الثّقلان فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.

معاشر النّاس ، «إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب وما كان الله ليطلعكم على الغيب (٥).».

معاشر النّاس ، «إنّه ما من قرية إلّا والله مهلكها بتكذيبها (٦)» «وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة» (٧) كما ذكر الله ـ تعالى ـ وهذا إمامكم ووليّكم. وهو مواعيد الله.

__________________

(١) إشارة إلى آية ١٤٤ ، من سورة آل عمران.

(٢) من المصدر.

(٣) إشارة إلى آية ١٧ ، من سورة الحجرات.

(٤) إشاره إلى آية ١٤ ، من سورة الفجر.

(٥) إشارة إلى آية ١٧٩ ، من سورة آل عمران.

(٦) إشارة إلى آية ٢٠٨ ، من سورة الشعراء.

(٧) إشارة إلى آية ١١ ، من سورة الأنبياء وآية ٤٥ ، من سورة الحج.

١٨٠