تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

فسقط فانقذفت عنق الأعرابيّ وعنق البعير وهما ميّتان.

فأمر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فضربت خيمة ، فغسّل فيها. ثمّ دخل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فكفّنه. فسمعوا للنّبيّ حركة. فخرج وجبينه يرشح عرقا وقال : إنّ هذا الأعرابيّ مات وهو جائع ، وهو ممّن آمن ولم يلبس إيمانه بظلم ، فابتدره الحور العين بثمار من الجنّة يحشون بها شدقه ، وهذه تقول : يا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ اجعلني من أزواجه.

وفي تفسير فرات بن إبراهيم (١) الكوفيّ معنعنا : عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا أبان ، أنتم تقولون : هو الشّرك بالله ، ونحن نقول : هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وأهل بيته ـ عليهم السّلام ـ لأنّهم لم يشركوا (٢) بالله طرفة عين ولم يعبد (٣) الّلات والعزّى. وهو أوّل من صلّى مع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى القبلة. وهو أوّل من صدّقه فهذه الآية نزلت فيه.

وأيضا :

حدّثني الحسين بن سعيد معنعنا ، عن أبي مريم قال : سألت جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ عن قول الله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

قال : يا أبا مريم ، هذه والله نزلت في عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ خاصّة.

ما ألبس إيمانه بشرك ، ولا ظلم ، ولا كذب ، ولا سرقة ، ولا خيانة.

(وَتِلْكَ) : إشارة إلى ما احتجّ به إبراهيم على قومه من قوله : «فلمّا جنّ» إلى قوله : «وهم مهتدون». أو من قوله : «أو تحاجّونّي في الله».

(حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) : أرشدناه إليها ، وعلّمناه إيّاها.

(عَلى قَوْمِهِ) : متعلّق «بحجّتنا» إن جعل خبر «تلك». وبمحذوف إن جعل

__________________

(١) تفسير فرات الكوفي / ٤١.

(٢) المصدر : لأنّه لم يشرك.

(٣) ج ور : لم يعبدوا.

٣٨١

بدله ، أي : آتيناها إبراهيم حجّة على قومه.

(نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) : في العلم والحكمة.

وقرأ (١) الكوفيّون ويعقوب ، بالتّنوين.

(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) : في رفعه وخفضه.

(عَلِيمٌ) (٨٣) : بحال من يرفعه واستعداده له.

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا) ، أي : كلّ منهما.

(وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) : إبراهيم ـ عليه السّلام ـ هداه نعمة على إبراهيم. من حيث أنّه كان أباه ، وشرف الوالد يتعدّى إلى الولد.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٢) ، بإسناده إلى محمّد بن الفضل : عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ذكره في باب اتّصال الوصية (٣) من لدن آدم ـ عليه السّلام ـ. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : يعني هديناهم لنجعل الوصيّة في أهل بيتهم.

وفي الكافي (٤) وفي تفسير العيّاشيّ (٥) ، مثله.

(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) :

الضّمير لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ. لأنّ الكلام فيه.

وقيل (٦) : لنوح. لأنّه أقرب ، ولأنّ يونس ولوطا ليسا من ذريّة إبراهيم. فلو كان لإبراهيم ، اختصّ البيان بالمعدودين في تلك الآية والّتي بعدها. والمذكورون في الآية الثّالثة عطف على «نوحا».

(داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ) : بن أموص من أسباط (٧) عيسى (٨) بن إسحاق.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣١٩.

(٢) كمال الدين / ٢١٦ ، ضمن ح ٢.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : التوحيد.

(٤) الكافي ٨ / ١١٦ ، ضمن ح ٩٢.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٦٧ ، ضمن ح ٥١.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣١٩.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : «بن أسباط بن» بدل «من أسباط».

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : عيص.

٣٨٢

(وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٨٤) ، أي : نجزي المحسنين جزاء ، مثل ما جزينا إبراهيم برفع درجاته وكثرة أولاده والنّبوّة فيهم.

(وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى)

في تفسير العيّاشيّ (١) : عن بشير الدهان (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : والله ، لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم من قبل النّساء. ثمّ تلا هذه الآية.

وفي عيون الأخبار (٣) ، في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ مع هارون الرّشيد ومع موسى بن المهديّ ، حديث طويل بينه وبين هارون. وفيه ثمّ قال :

كيف قلتم : إنّا ذرّيّة النّبيّ ـ عليه السّلام ـ والنّبيّ ـ عليه السّلام ـ لم يعقب ، وإنّما العقب للذّكر لا للأنثى ، وأنتم ولد لابنته (٤) ولا يكون لها عقب؟

فقلت : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه ، إلّا ما أعفيتني من هذه المسألة.

فقال : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه ، يا ولد عليّ ، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أنهي إليّ. ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله. وأنتم تدّعون ، معشر ولد عليّ ، أنّه لا يسقط عنكم منه شيء لا ألف ولا واو إلّا وتأويله عندكم ، واحتججتم بقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ).

وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

فقلت : تأذن لي في الجواب؟

قال : هات.

قلت : أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*) (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ). من أبو عيسى النّبيّ ، يا أمير المؤمنين؟

قال : ليس لعيسى أب.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ٣٦٧ ، ح ٥٢.

(٢) أ، ب : «الدهقان». أنظر : جامع الرواة ١ / ١٢٣.

(٣) العيون ١ / ٨٤ ، ذيل ح ٩.

(٤) المصدر : البنت.

٣٨٣

فقلت : إنّما ألحقناه (١) بذراريّ الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ من طريق مريم ـ عليها السّلام ـ وكذلك ألحقنا بذراريّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قبل أمّنا فاطمة ـ عليها السّلام ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : وكان بين موسى وبين داود خمسمائة سنة ، وبين داود وعيسى ألف سنة.

وحدّثني (٣) أبي ، عن ظريف بن ناصح ، عن عبد الصّمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال لي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا أبا الجارود ، ما يقولون في الحسن والحسين؟

قلت : ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم؟ قال : قلت : احتججنا عليهم بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ في عيسى بن مريم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) ـ إلى قوله ـ : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). فجعل عيسى بن مريم من ذرّيّة إبراهيم.

قال : فأيّ شيء قالوا لكم؟

قال : قلت : قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصّلب.

قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم؟

قال : قلت : احتججنا عليهم بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) (الآية). قال : فأيّ شيء قالوا لكم؟

قلت : قالوا : قد يكون في كلام العرب أبناء رجل والآخر يقول أبناؤنا (٤). [وإنّما هو ابن واحد] (٥).

__________________

(١) كذا في المصدر ، والنسخ ، والظاهر : ألحق.

(٢) نور الثقلين ١ / ٧٤١ ـ ٧٤٢ ، ح ١٦٤ ، عنه.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٠٩.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : في كلام العرب ابني رجل واحد فيقول : أبناؤنا.

(٥) ليس في المصدر.

٣٨٤

قال : فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : والله يا أبا الجارود ، لأعطينّكها (١) من كتاب الله أنهما من صلب (٢) رسول الله ولا يردّها إلّا كافر.

قال : قلت : جعلت فداك ، وأين؟

قال : حيث قال الله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) ـ إلى قوله ـ : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ). فسلهم يا أبا الجارود ، هل يحلّ لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نكاح حليلتهما (٣)؟ فإن قالوا : نعم ، فكذبوا والله وفجروا. وإن قالوا : لا ، فهما والله ابناه لصلبه وما حرمت (٤) عليه إلّا للصّلب.

وفي روضة الكافي (٥) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن ظريف ، عن عبد الصّمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال لي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا أبا الجارود ، ما يقولون لكم في الحسن والحسين ـ عليهما السّلام ـ؟

قلت : ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال : فأيّ شيء احتججتم عليهم؟

قلت : احتججنا عليهم بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ في عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ :

(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى) فجعل عيسى بن مريم من ذرّيّة نوح. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. [إنّما ألحق عيسى بذراريّ الأنبياء من طريق مريم ، وكذلك ألحقنا بذراريّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قبل أمّنا فاطمة ـ عليها السّلام ـ] (٦).

(وَإِلْياسَ).

__________________

(١) كذا في نور الثقلين ١ / ٧٤٢ ، ح ١٦٥ ، وفي «ج» و «ر» : ولأعطيتم. وفي سائر النسخ : أعطيتم.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «مسمّى لصلب» بدل «أنهما من صلب».

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : شيء من حليلتهما.

(٤) المصدر : حرّمتا.

(٥) الكافي ٨ / ٣١٧ ، ح ٥٠١.

(٦) ليس في المصدر. والظاهر أنه زائد.

٣٨٥

قيل (١) : هو إدريس جدّ نوح. فيكون البيان مخصوصا بمن في الآية الأولى.

وقيل (٢) : هو من أسباط هارون أخي موسى.

(كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٥) : الكاملين في الصّلاح. وهو الإتيان بما ينبغي ، والتّحرّز عمّا لا ينبغي.

(وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ) قيل (٣) : هو اليسع بن أخطوب.

وقرأ (٤) حمزة والكسائيّ : «والليسع». [بفتح الّلام وسكون الياء وفتح السين] (٥) وعلى القراءتين علم أعجمي أدخل عليه الّلام ، كما أدخل على يزيد في قوله :

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

(وَيُونُسَ) : بن متّي.

(وَلُوطاً).

قيل (٦) : ابن هاران (٧) ، أي : أخي إبراهيم.

(وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) (٨٦) : بالنّبوّة.

(وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ) : عطف على «كلّا» أو «نوحا» ، أي :

فضّلنا كّلا منهم ، أو هدينا هؤلاء وبعض آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم. فإنّ منهم من لم يكن نبيّا ولا مهديّا.

(وَاجْتَبَيْناهُمْ) : عطف على «فضّلنا» أو «هدينا».

(وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٨٧) : تكرير لبيان ما هدوا إليه.

(ذلِكَ هُدَى اللهِ) : إشارة إلى الهدى إلى صراط مستقيم.

(يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) : يدلّ على أنّه متفضّل بالهداية ، بمعنى

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٣١٩.

(٣ و ٤) نفس المصدر ، والموضع.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) نفس المصدر ، والموضع.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : جازان.

٣٨٦

الإيصال.

(وَلَوْ أَشْرَكُوا) ، أي : هؤلاء الأنبياء مع فضلهم وعلوّ شأنهم.

(لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨٨) : كانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم ، بسقوط ثوابها.

(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) : يريد به الجنس.

(وَالْحُكْمَ) : الحكمة ، أو فصل الأمر على ما يقتضيه الحقّ.

(وَالنُّبُوَّةَ) : والرّسالة.

(فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) ، أي : بهذه الثّلاثة.

(هؤُلاءِ) ، يعني : قريشا.

(فَقَدْ وَكَّلْنا بِها) ، أي : بمراعاتها.

(قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (٨٩).

قيل (١) : هم الأنبياء المذكورون ومتابعوهم.

وقيل (٢) : هم الأنصار ، أو أصحاب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، أو كلّ من آمن به ، أو الفرس (٣).

وقيل (٤) : الملائكة.

وفي محاسن البرقيّ (٥) : عنه ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن عيينة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ قوما وسّع الله عليهم في أرزاقهم حتّى طغوا ، فاستخشنوا الحجارة ، فغدوا (٦) إلى النّقيّ (٧) فصنعوا منه كهيئة الأفهار (٨) ، فجعلوه في مذاهبهم (٩) ، فأخذهم الله بالسّنين. فغدوا (١٠) إلى أطعمتهم (١١) ، فجعلوها في الخزائن ، فبعث

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٠.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : القريش.

(٤) نفس المصدر ، والموضع.

(٥) المحاسن / ٥٨٨ ، ح ٨٨.

(٦) المصدر : فعمدوا.

(٧) النقيّ : الخبز المعمول من لباب الدقيق.

(٨) الفهر : الحجر قدر ما يدقّ به الجوز أو يملأ به الكفّ.

(٩) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فجعلوا منه أصنامهم.

(١٠) المصدر : فعمدوا.

(١١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : أطعمة.

٣٨٧

الله على ما في الخزائن (١) ما أفسده حتّى احتاجوا إلى ما كانوا يستطيبون به في مذاهبهم (٢) ، فجعلوا يغسلونه ويأكلونه.

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ولقد دخلت على أبي العبّاس وقد أخذ القوم المجلس ، فمدّ يده إليّ (٣) والسّفرة بين يديه موضوعة ، فأخذ بيدي ، فذهبت لأخطو إليه فوقعت رجلي على طرف (٤) السّفرة ، فدخلني من ذلك ما شاء الله أن يدخلني. إنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ). قال (٥) قوما يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ويذكرون الله كثيرا.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عن محمّد بن حمران قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. فجاءه رجل وقال : يا أبا عبد الله ، أما تتعجّب من عيسى بن زي بن عليّ يزعم أنّه ما يتولّى عليّا ـ عليه السّلام ـ الّا على الظّاهر؟ وما تدري لعلّه كان يعبد سبعين إلها من دون الله.

قال : فقال : وما أصنع. قال الله : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ). وأومأ بيده إلينا.

فقلت : نعقلها (٧) ، والله.

(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ) : يريد به الأنبياء المتقدّم ذكرهم.

(فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) : فاختصّ طريقهم بالاقتداء. والمراد «بهداهم» : ما توافقوا عليه من التّوحيد وأصول الدّين ، دون الفروع المختلف فيها. فإنّها [ليست] (٨) هدى مضافا إلى الكلّ ، ولا يمكن التّأسّي بهم جميعا.

وفي مصباح الشّريعة (٩) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : لا طريق للأكياس من

__________________

(١) المصدر : خزائنهم.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : مذابلهم.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «في زبداني» بدل «فمدّ يده إليّ».

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : طوق.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) تفسير العياشي ١ / ٣٦٧ ، ح ٥٤.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : نفعلها.

(٨) من المصدر.

(٩) مصباح الشّريعة / ٣٣٢ ـ ٣٣٣.

٣٨٨

المؤمنين أسلم من الاقتداء. لأنّه المنهج الأوضح والمقصد الأصحّ. قال الله ـ تعالى ـ لأعزّ خلقه محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ). فلو كان لدين الله مسلك أقوم من الاقتداء ، لندب أولياءه وأنبياءه إليه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) ، خطبة له ـ عليه السّلام ـ. وفيها : وأحسن الهدى هدى الأنبياء.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن العبّاس بن هلال ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أنّ رجلا أتى عبد الله بن الحسن ، فسأله عن الحجّ.

فقال له : هذاك جعفر بن محمّد قد نصب نفسه لهذا ، فاسأله.

فأقبل الرّجل إلى جعفر ـ عليه السّلام ـ فسأله.

فقال له : قد رأيتك واقفا على عبد الله بن الحسن ، فما قال لك؟

قال : سألته فأمرني أن آتيك ، وقال : هذا جعفر بن محمّد قد نصب نفسه لهذا.

فقال جعفر ـ عليه السّلام ـ : نعم ، أنا من الّذين قال الله في كتابه : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ). سل عمّا شئت.

فسأله الرّجل ، فأنبأه عن جميع مسائله.

وفي نهج البلاغة (٣) : فاقتدوا بهدى نبيّكم ، فإنّه أفضل الهدى.

و «الهاء» في «اقتده» للوقف.

ومن أثبتها في الدّرج ساكنة ، كابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم ، أجرى الوصل مجرى الوقت.

ويحذف الهاء في الوصل خاصّة ، حمزة والكسائيّ.

وأشبعها ابن عامر ، لرواية ابن ذكوان ، على أنّها كناية المصدر. ويكسر «الهاء» بغير إشباع ، لرواية هشام.

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) ، أي : على التّبليغ.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٩١.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٣٦٨ ، ح ٥٥.

(٣) نهج البلاغة / ١٦٣ ، خطبة ١١٠.

٣٨٩

وقيل (١) : أو على القرآن.

(أَجْراً) : جعلا من جهتكم ، كما لم يسأل من قبلي من النّبيّين. وهذا من جملة ما أمر بالاقتداء بهم فيه.

(إِنْ هُوَ) ، أي : التّبليغ.

[وقيل (٢) : أو على القرآن ، أو الغرض] (٣).

(إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (٩٠) : إلّا تذكير وعظة لهم.

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) : وما عرفوه حقّ معرفته في الرّحمة والإنعام على العباد.

في أصول الكافي (٤) : محمّد بن إسماعيل ، عن فضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن الفضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الله لا يوصف. وكيف يوصف ، وقد قال في كتابه : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ). فلا يوصف [بقدر] (٥) ، إلّا كان أعظم من ذلك.

عليّ بن إبراهيم (٦) ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن ربعي ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ ، مثل الحديث السّابق سواء.

الحسين بن محمّد (٧) ، عن أحمد بن إسحاق بن بكر ، بن محمّد عن إسحاق بن محمد قال (٨) : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لا يقدر أحد قدره.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) : حين أنكروا الوحي وبعثة الرّسل.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٠.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٠.

(٣) ليس في «ج» و «ر».

(٤) الكافي ١ / ١٠٣ ، ح ١١.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ٢ / ١٨٢ ، صدر ح ١٦.

(٧) الكافي ٢ / ١٨٣ ، صدر ح ٢٠.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ السند هكذا : الحسين بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن إسحاق بن بكر ، عن إسحاق بن محمد قال.

٣٩٠

وذلك من عظائم (١) رحمته ، وجلائل نعمته ، وفي السّخط على الكفّار وشدّة البطش بهم حين جروا على هذه المقالة. والقائلون ، هم اليهود وقريش. على ما في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢).

قالوا ذلك ، مبالغة في إنكار إنزال القرآن. بدليل نقض كلامهم وإلزامهم بقوله (٣) : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ).

وقرأ (٤) الجمهور في قوله : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) : بالتّاء.

وإنّما قرأ ، بالياء ، ابن كثير وأبو عمرو حملا على «قالوا» ، «وما قدروا». وتضمين ذلك ، توبيخهم على سوء حملهم التّوراة (٥) ، وذمّهم على تجزئتها ، بابداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرّقة ، وإخفاء بعض لا يشتهونه.

نقل (٦) : أنّ مالك بن الصّيف قال (٧) لمّا أغضبه الرّسول ـ عليه السّلام ـ بقوله : أنشدك بالّذي أنزل التّوراة على موسى ، هل تجد فيها أنّ الله يبغض الحبر السّمين.

[قال : نعم. قال :] (٨) فأنت الحبر السّمين.

وقيل (٩) : هم المشركون. وإلزامهم بإنزال التّوراة ، لأنّه كان من المشهورات (١٠) الذائعة عندهم. ولذلك كانوا يقولون : لو أنّا أنزلنا عليك الكتاب ، لكنّا أهدى منهم.

وفي تفسير العيّاشي (١١) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن هذه الآية.

قال : كانوا يكتمون ما شاءوا ، ويبدون ما شاءوا.

وفي رواية [اخرى (١٢) عنه ـ عليه السّلام ـ قال] (١٣) : كانوا يكتبونه في القراطيس ، ثم

__________________

(١) كذا في «ج» و «ر» ، وفي سائر النسخ : عظيم.

(٢) تفسير القمي ١ / ٢١٠.

(٣) ليس في «ب».

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٠.

(٥) ج ور : للتوراة.

(٦) نفس المصدر ، والموضع.

(٧) المصدر وج ور : قاله.

(٨) من المصدر.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٠.

(١٠) «ج» : المشهودات.

(١١) تفسير العيّاشي ١ / ٣٦٩ ، ضمن ح ٥٨.

(١٢) نفس المصدر.

(١٣) من المصدر.

٣٩١

يبدون ما شاءوا ويخفون ما شاءوا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) [وتخفون كثيرا] (٢). يعني : من أخبار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(وَعُلِّمْتُمْ) : على لسان محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) : زيادة على ما في التّوراة ، وبيانا لما التبس عليكم وعلى آبائكم الّذين كانوا أعلم منكم. ونظيره : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

وقيل (٣) : إنّ (٤) الخطاب لمن آمن من قريش.

(قُلِ اللهُ) ، أي : أنزله الله ، أو الله أنزله أمره. بأن يجيب عنهم ، إشعارا بأنّ الجواب متعيّن لا يمكن غيره ، وتنبيها على أنّهم بهتوا بحيث لا يقدرون على الجواب.

(ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ) : في أباطيلهم. فلا عليك بعد التّبليغ وإلزامهم الحجّة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ، يعني : فيما (٦) خاضوا فيه من التّكذيب.

(يَلْعَبُونَ) (٩١) : حال من «هم» الأوّل. والظّرف صلة «ذرهم» ، أو «يلعبون». أو حال من مفعوله. أو فاعل «يلعبون» ، أو من «هم» الثّاني. والظّرف متّصل بالأوّل.

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) : كثير الفائدة والنّفع.

(مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) ، يعني : التّوراة والكتب الّتي قبله.

(وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) : عطف على ما دلّ عليه «مبارك» ، أي : للمبرّكات ولتنذر. أو علّة محذوف ، أي : ولتنذر أهل أمّ القرى أنزلناه.

وإنّما سمّيت : مكّة بذلك. لأنّها قبلة أهل القرى ومحجّهم ومجتمعهم ، وأعظم القرى شأنا.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢١٠.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : تخفون.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٢١.

(٤) ليس في المصدر و «ج» و «ر».

(٥) تفسير القمي ١ / ٢١٠.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ما.

٣٩٢

وقيل (١) : لأنّ الأرض دحيت من تحتها. [أو] (٢) لأنها مكان أوّل بيت وضع للنّاس.

وقرأ (٣) أبو بكر عن عاصم ، بالياء ، أي : ولينذر الكتاب.

(وَمَنْ حَوْلَها) : أهل الشّرق والغرب.

(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٩٢) :

فإنّ من صدّق بالآخرة ، خاف العاقبة. ولا يزال الخوف يحمله على النّظر والتدبّر ، حتّى يؤمن بالنّبيّ والكتاب. والضّمير يحتملهما. ويحافظ على الطّاعة. وتخصيص الصّلاة ، لأنّها عماد الدّين وعلم الإيمان.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) : فزعم أنّه بعثه نبيّا ، كمسيلمة والأسود العنسيّ. أو اختلف عليه أحكاما (٤) ، كعمرو بن لحي ومتابعيه.

(أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) ، كعبد الله بن أبي سرح ، كان يكتب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فلمّا نزلت (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) فلمّا بلغ قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) قال عبد الله : فتبارك الله أحسن الخالقين. تعجّبا من تفصيل خلق الإنسان.

فقال ـ عليه السّلام ـ : اكتبها ، فكذلك نزلت.

فشكّ عبد الله وقال : لئن كان محمّد صادقا ، لقد أوحي إليَّ ، كما أوحي إليه.

ولئن كان كاذبا ، لقد قلت ، كما قال.

وفي روضة الكافي (٥) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢١.

(٢) من المصدر.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٣٢١ ، وفي النسخ : أحكامه.

(٥) الكافي ٨ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، ح ٢٤٢.

٣٩٣

شَيْءٌ). قال : نزلت في ابن أبي سرح ، الّذي كان عثمان استعمله على مصر. وهو ممّن كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم فتح مكّة هدر دمه. وكان يكتب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فإذا أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [كتب : إنّ الله عليم حكيم] (١) فيقول له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : دعها فإنّ الله عليم حكيم.

وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين : إنّي لأقول من نفسي ، مثل ما يجيء [به] (٢) ، فما يغيّر (٣) عليّ. فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ فيه الّذي أنزل فيه (٤) وفي تفسير العيّاشي (٥) ، مثله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح ـ أخو عثمان [بن عفان] (٧) من الرّضاعة ـ وقدم المدينة وأسلم (٨). وكان له خطّ حسن. وكان إذا نزل الوحي على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ دعاه [ليكتب ، فيكتب] (٩) ما يمليه عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [من الوحي] (١٠) فكان (١١) إذا قال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «سميع بصير». يكتب «سميع عليم». وإذا قال : «والله بما تعملون خبير».

يكتب : «بصير». ويفرّق بين التّاء والياء.

وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : هو واحد.

فارتدّ كافرا ورجع إلى مكّة ، وقال لقريش : والله ، ما يدري محمّد ما يقول. أنا

__________________

(١) من المصدر و «ج».

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : يتغيّر ، وفي «ج» و «ر» : يعز.

(٤) ليس في المصدر و «ج».

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، ح ٦٠.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٢١٠ ـ ٢١١.

(٧) من المصدر.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : أسلم وقدم المدينة.

(٩) كذا في النسخ ، وفي المصدر : فكتب.

(١٠) من المصدر.

(١١) المصدر : وكان.

٣٩٤

أقول ، مثل ما يقول فلا ينكر عليّ ذلك. فأنا (١) أنزل ، مثل ما ينزل (٢).

فأنزل الله على نبيّه في ذلك (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ).

فلمّا فتح رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مكّة ، أمر (٣) بقتله. فجاء به عثمان قد أخذ بيده ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في المسجد.

فقال : يا رسول الله اعف عنه. فسكت [رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٤) ثمّ أعاد ، [فسكت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثم أعاد] (٥).

فقال : هو لك.

فلمّا مرّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ألم أقل : من رآه فليقتله؟

فقال رجل كانت عيني إليك ، يا رسول الله أن تشير إليّ فأقتله.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الأنبياء لا يقتلون بالإشارة.

فكان من الطّلقاء.

وفي تفسير العيّاشي (٦) : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في تأويله ، قال : من ادّعى الإمامة دون الإمام.

(وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) ، كالّذين قالوا : لو نشاء ، لقلنا مثل هذا.

(وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ) : حذف مفعوله لدلالة الظّرف عليه ، أي : ولو ترى الظّالمين.

(فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) : شدائده من غمره (٧) الماء : إذا غشيه.

(وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) : لقبض أرواحهم ، كالمتقاضي المتسلّط. أو

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فإنّما.

(٢) المصدر : أنزل الله.

(٣) المصدر : أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(٤) من المصدر و «ج» و «ر».

(٥) يوجد في «ج» و «ر» ، المصدر.

(٦) تفسير العياشيّ ١ / ٣٧٠ ح ٦١.

(٧) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٣٢١ ، وفي النسخ : غمر.

٣٩٥

بالعذاب.

(أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) ، أي : يقولون لهم : أخرجوها من العذاب ، وخلّصوها من أيدينا.

(الْيَوْمَ) : يريد به وقت الإماتة ، أو الوقت الممتدّ من الإماتة إلى ما لا نهاية له.

(تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) ، أي : الهوان. يريد العذاب المتضمّن لشدّة وإهانة.

وإضافته إلى الهون ، لعراقته وتمكّنه فيه.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن الفضيل قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : العطش يوم القيامة (٢).

(بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ) ، كادعاء الولد ، والشّريك له ، ودعوى النّبوّة والوحي كاذبا.

(وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (٩٣) : فلا تتأمّلون فيها ، ولا تؤمنون.

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا) : للحساب والجزاء.

(فُرادى) : منفردين عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدّنيا. أو عن الأعوان والأوثان ، الّتي زعمتم أنّها شفعاؤكم. وهو جمع فرد. والألف (٣) للتّأنيث ، ككسالى.

وقرئ (٤) : فرادا ، كرخال. وفردا ، كثلاث. وفردي ، كسكرى.

(كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) : بدل منه ، أي : على الهيئة الّتي ولدتم عليها في الانفراد. أو حال ثانية ، إن جوّز التّعدّد فيها. أو حال من الضّمير في «فرادى» ، أي :

مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غرلا (٥) بهما. أو صفة مصدر «جئتمونا» ، أي : مجيئا ، كخلقنا إيّاكم.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٣٧٠ ، ح ٦٣.

(٢) ليس في المصدر : يوم القيامة.

(٣) «ر» : الألف.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٢.

(٥) غرل الصّبيّ غرلا : عظمت غرلته. والغرلة : جلدة الصبيّ الّتي تقطع في الختان. (ج) : غرل.

٣٩٦

في الخرائج والجرائح (١) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قرأ على فاطمة بنت أسد هذه الآية.

فقالت : وما فرادى؟

فقال : عراة.

فقالت : وا سوأتاه.

فسأل الله ، أن لا يبدي عورتها وأن يحشرها بأكفانها.

وفي معناه حديث في الكافي (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ.

وعنه (٣) ـ عليه السّلام ـ : تنوّقوا (٤) في الأكفان ، فإنّكم تبعثون بها.

وفي كتاب الاحتجاج (٥) : عنه ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن النّاس : [أيحشرون] (٦) عراة؟

قال : بل يحشرون في أكفانهم. قيل (٧) : أنى لهم بالأكفان وقد بليت! قال : إنّ الّذي أحيى أبدانهم جدّد أكفانهم.

قال : فمن مات بلا كفن؟

قال : ستر الله عورته بما يشاء من عنده.

قال : أفيعرضون صفوفا؟

قال : نعم ، هم يومئذ عشرون ومائة ألف صفّ في عرض الأرض.

(وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ) : ما تفضّلنا به عليكم في الدّنيا ، فشغلتم به عن الآخرة.

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ١ / ٧٤٧ ، ح ١٨٨ ، عنه.

(٢) الكافي ١ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ، ضمن ح ٢.

(٣) الكافي ٣ / ١٤٩ ح ٦.

(٤) تنوّق فيه : بالغ في تجويده. يقال : تنوّق في منطقه ، وتنوّق في ملبسه.

(٥) الاحتجاج ٢ / ٩٨.

(٦) ما بين المعقوفتين موافق النسخ ، وفي المصدر : يحشرون يوم القيامة.

(٧) المصدر : قال.

٣٩٧

(وَراءَ ظُهُورِكُمْ) : ما قدّمتم منه شيئا ولم تحتملوا نقيرا (١).

(وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) ، أي : شركاء الله في ربوبيّتهم واستحقاق عبادتكم.

(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) ، أي : تقطّع وصلكم وتشتتّ جمعكم. والبين من الأضداد ، يستعمل للوصل والفصل.

وقيل (٢) : هو الظّرف أسند إليه الفعل [على الاتّساع] (٣) والمعنى : وقع التّقطّع بينكم. ويشهد له قراءة نافع والكسائيّ وحفص عن عاصم ، بالنّصب ، على إضمار الفاعل لدلالة ما قبله عليه. أو أقيم مقام موصوفه. وأصله : لقد تقطّع ما بينكم. وقد قرئ به.

(وَضَلَّ عَنْكُمْ) : ضاع وبطل.

(ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٩٤) : أنّها شفعاؤكم ، وأنّ لا بعث ولا جزاء.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : [أنّه قال] (٥) نزلت هذه الآية في معاوية وبني أميّة ، و «شركاؤهم» وأئمّتهم.

«لقد (٦) تقطّع بينكم» ، يعني : المودّة.

(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) : بالنّبات والشّجر.

وقيل (٧) : المراد به ، الشّقاق الّذي في الحنطة والنّواة.

(يُخْرِجُ الْحَيَ) : يريد به ما ينمو من الحيوان والنّبات ، [ليطابق ما قبله.

(مِنَ الْمَيِّتِ) : ممّا لا ينمو ، كالنّطف والحبّ.

(وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) : ومخرج ذلك من الحيوان والنّبات] (٨). ذكره بلفظ

__________________

(١) النقير : ثقب دقيق في القصرة ـ غلاف البذرة ـ يوجد في العادة في الطرف الأماميّ للبذرة بالقرب من السّرّة.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٢١.

(٣) المصدر : اتساعا.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٢١١ مسندا.

(٥) من المصدر.

(٦) نفس المصدر ، والموضع.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٢.

(٨) ما بين المعقوفتين يوجد في «ج» و «ر».

٣٩٨

الاسم ، حملا على «فالق الحبّ والنّوى». فإنّ قوله : «يخرج الحيّ» واقع موقع البيان له.

وفي أصول الكافي (١) : عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن زيد (٢) ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن [إبراهيم عن] (٣) أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في حديث الطينة : فالحبّ طينة المؤمنين (٤) [الّتي] (٥) ألقى الله عليها محبّته. والنّوى طينة الكافرين الّذين نأوا عن كلّ خير. وإنّما سمّي «النّوى» من أجل أنّه نأى عن كلّ خير وتباعد عنه. وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ).

فالحيّ ، المؤمن الّذي تخرج طينته من طينة الكافر. والميّت الّذي يخرج [من الحيّ هو الكافر الذي يخرج] (٦) من طينة المؤمن.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : قال : الحبّ [ما أحبّه] (٨) والنّوى ، ما نأى (٩) عن الحقّ.

وقال ـ أيضا ـ : [الحبّ] (١٠) [في قوله : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِ) قال] (١١) : أن يفلق العلم من الأئمّة. والنّوى ما بعد عنه.

وفي تفسير العيّاشي (١٢) : عن المفضّل قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قوله : (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى).

قال : الحبّ ، المؤمن. وذلك قوله : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) (١٣). والنّوى هو (١٤) الكافر الّذي نأى عن الحقّ فلم يقبله.

(ذلِكُمُ اللهُ) ، أي : ذلكم المحيي المميت هو الّذي يحقّ له العبادة.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٥ ضمن ح ٧.

(٢) في بعض نسخ المصدر : يزيد بدل زيد.

(٣) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : طينة المؤمن.

(٥) من المصدر.

(٦) من المصدر ، و «ج» و «ر».

(٧) تفسير القمي ١ / ٢١١.

(٨) من المصدر و «ج» و «ر».

(٩) المصدر : ناء.

(١٠) من المصدر.

(١١) ليس في المصدر.

(١٢) تفسير العيّاشي ١ / ٣٧٠ ح ٦٥.

(١٣) طه : ٣٩.

(١٤) كذا في المصدر ، وليس في «ج» و «ر».

٣٩٩

(فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٩٥) : تصرفون عنه إلى غيره.

(فالِقُ الْإِصْباحِ) : شاقّ عمود الصّبح عن ظلمة اللّيل ، أو عن بياض النّهار. أو شاقّ ظلمة الإصباح ، وهو الغبش الّذي يليه.

والإصباح في الأصل مصدر ، أصبح : إذا دخل في الصّبح. سمّي به الصّبح.

وقرئ ، بفتح الهمزة ، على الجمع. وقرئ : «فالق» بالنّصب ، على المدح.

(وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) : يسكن إليه التّعب في النّهار ، لاستراحته فيه. من سكن إليه : إذا اطمأنّ إليه ، استئناسا به. أو يسكن فيه الخلق من قوله : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) (١).

وفي نهج البلاغة (٢) : قال ـ عليه السّلام ـ : و (٣) لا تسر أوّل اللّيل. فإنّ الله جعله سكنا ، وقدّره مقاما لا ضعنا. فأرح فيه بدنك ، وروّح (٤) ظهرك.

وفي الكافي (٥) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : [يا ميسر] (٦) تزوّج (٧) في اللّيل. فإنّ الله جعله سكنا.

وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن عبد الله بن الفضل ، عن (٩) النّوفليّ [عمن] (١٠) رفعه إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : فإن (١١) طلبتم الحوائج ، فاطلبوها (١٢) بالنّهار. فإنّ الله جعل الحياء في العينين. فإذا (١٣) تزوّجتم ، فتزوّجوا باللّيل فإنّ (١٤) الله جعل اللّيل سكنا.

عن عليّ بن عقبة (١٥) ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : تزوّجوا باللّيل ، فإنّ الله جعل اللّيل (١٦) سكنا. ولا تطلبوا الحوائج باللّيل ، فإنّه مظلم.

__________________

(١) يونس : ٦٧ ، القصص : ٧٣ ، غافر : ٦١.

(٢) نهج البلاغة / ٣٧٢ ضمن كتاب ١٢.

(٣) ليس في «ب».

(٤) «ب» : ر ح.

(٥) الكافي ٣ / ٣٦٧.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر ، والنسخ : تروح.

(٨) تفسير العيّاشي ١ / ٣٧٠ ، ح ٦٦.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) من المصدر.

(١١) المصدر : قال إذا.

(١٢) «ج» و «ر» : فأتوها.

(١٣) المصدر : وإذا.

(١٤) المصدر : قال.

(١٥) تفسير العياشي ١ / ٣٧١ ح ٦٨.

(١٦) المصدر : جعله بدل جعل الليل.

٤٠٠