قلت : قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولا يحتلم.
قال : إذا بلغ وكتب عليه الشّيء ، جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) : بالعدل والسّويّة.
(لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) : إلّا ما يسعها ، ولا يعسر عليها.
وفي اتّباع إيفاء الكيل والوزن بذلك ، تنبيه على تعسّره. وأن ما وراء الوسع فيه ، معفوّ.
(وَإِذا قُلْتُمْ) : في حكومة ونحوها.
(فَاعْدِلُوا) : فيه.
(وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) : ولو كان المقول له أو عليه من ذوي قرابتكم.
(وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) ، يعني : ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشّرع.
(ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١٥٢) : تتّعظون به.
وقرأ (١) حمزة وحفص والكسائيّ : «تذكرون» بتخفيف الذّال حيث وقع في القرآن.
والباقون ، بتشديدها.
وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن أبي بصير قال : كنت جالسا عند أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ وهو متّك على فراشه ، إذ (٣) قرأ الآيات المحكمات الّتي لم ينسخهنّ شيء من الأنعام.
فقال (٤) : شيّعهنّ سبعون ألف ملك (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (الآيات).
وفي مجمع البيان (٥) ، عن ابن عبّاس : أنّ (٦) هذه الآيات محكمات ، لم ينسخهنّ شيء من جميع الكتب. وهي محرّمات على بني آدم كلّهم. وهنّ أمّ الكتاب. من عمل
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٨.
(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ٣٨٣ ، ح ١٢٣.
(٣) بعض النسخ : إذا.
(٤) المصدر : قال.
(٥) مجمع البيان ٢ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥.
(٦) ليس في المصدر.
بهنّ ، دخل الجنّة. ومن تركهنّ ، دخل النّار.
(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) قيل (١) : الإشارة فيه إلى ما ذكر في السّورة. فإنّها بأسرها في إثبات التّوحيد والنّبوّة ، وبيان الشّريعة.
وقرأ (٢) حمزة والكسائيّ «إنّ» بالكسر ، على الاستئناف. وابن عامر ويعقوب ، بالفتح ، والتّخفيف. والباقون به مشدّدة ، بتقدير «اللّام» على أنّه علّة لقوله :
(فَاتَّبِعُوهُ).
وقرأ (٣) ابن عامر : «صراطي» بفتح الياء.
وقرئ (٤) : «هذا صراطي». و «هذا صراط ربّكم». و «هذا صراط ربّك».
(وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) : الأديان المختلفة المشعّبة عن الأهوية المتباينة. فإنّ مقتضى الحجّة واحد ، ومقتضى الهوى متعدّد ، لاختلاف الطّبائع والعادات.
(فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) : فتفرّقكم وتزيلكم.
(عَنْ سَبِيلِهِ) : الّذي هو اتّباع الوحي واقتضاء البرهان.
(ذلِكُمْ) : الاتّباع.
(وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٥٣) : الضّلال ، والتّفرّق عن الحقّ.
وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن بريد العجليّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال :
[أ] (٦) تدري ما يعني ب «صراطي مستقيما»؟
قلت : لا.
قال : ولاية عليّ والأوصياء.
قال : وتدري ما يعني «فاتّبعوه»؟
قلت : لا.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٨.
(٢) نفس المصدر ، والموضع.
(٣) نفس المصدر ، والموضع.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٨.
(٥) تفسير العياشي ١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، ح ١٢٥.
(٦) من المصدر.
قال : يعني : عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ.
قال : وتدري ما يعني (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)؟
قلت : لا.
قال : ولاية فلان وفلان ، والله. قال : وتدري ما يعني «فتفرّق» بكم عن سبيله؟
قال : يعني : سبيل عليّ ـ عليه السّلام ـ.
عن سعد (١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ).
قال : آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ الصّراط الّذي دلّ عليه.
وفي روضة الواعظين (٢) للمفيد ـ رحمه الله ـ : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ :
(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [فَتَفَرَّقَ بِكُمْ).
قال :] (٣) سألت الله أن يجعلها لعليّ ، ففعل.
وفي شرح الآيات الباهرة (٤) : وذكر عليّ بن يوسف بن جبير (٥) في كتاب نهج الإيمان قال : «الصّراط (٦) المستقيم» هو عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية [ل] (٧) ما رواه إبراهيم الثّقفيّ في كتابه بإسناده إلى أبي (٨) بريدة الأسلميّ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) قد سألت الله أن يجعلها لعليّ ، ففعل. فقوله : «يجعلها لعليّ ـ عليه السّلام ـ» ، أي (٩) : سبيله الّتي هي الصّراط (١٠) المستقيم ، وسبيله القويم الهادي إلى جنّات النّعيم.
__________________
(١) تفسير العياشي ١ / ٣٨٤ ، ح ١٢٦.
(٢) روضة الواعظين / ١٠٦.
(٣) من المصدر.
(٤) تأويل الآيات الباهرة / ٦١ ـ ٦٢.
(٥) المصدر : حبر.
(٦) المصدر : صراط.
(٧) من المصدر.
(٨) ليس في المصدر : أبى كما في جامع الرواة ١ / ١١٩.
(٩) المصدر : أن.
(١٠) المصدر : صراط.
وفي بصائر الدرجات (١) : عمران بن موسى [عن موسى] (٢) بن جعفر ، عن عليّ بن أسباط ، عن محمّد بن فضيل ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :
سألته عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ).
قال : هو ، والله ، عليّ (٣) [هو ، والله] (٤) الميزان والصّراط.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : أخبرنا الحسن بن الحسن بن عليّ بن عليّ ، عن أبيه ، عن الحسن (٦) بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي خالد القمّاط ـ ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال : نحن السّبل (٧) فمن أتى فهذه السّبل (٨).
وفي كتاب الاحتجاج (٩) للطّبرسيّ ، بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل. وفيه خطبة الغدير ، وفيها : معاشر النّاس ، إنّ الله قد أمرني ونهاني وقد نهاني وقد أمرت عليّا ونهيته ، فعلم الأمر والنّهي من ربّه. فاسمعوا لأمره تسلموا ، وأطيعوه (١٠) تهتدوا ، وانتهوا لنهيه ترشدوا ، وصيروا إلى مراده ولا تتفرّق بكم السّبل عن سبيله. معاشر النّاس ، أنا الصّراط (١١) المستقيم الّذي أمركم باتّباعه ، ثمّ عليّ من بعدي ، ثمّ ولدي من صلبه أئمّة يهدون بالحقّ (١٢) وبه يعدلون.
وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ (١٣) : فرات قال : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا ، عن أبي مالك الأسديّ قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : قول الله
__________________
(١) البصائر / ٩٩ ، ح ٩.
(٢) من المصدر.
(٣) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».
(٤) يوجد في «ج» و «ر».
(٥) تفسير القميّ ١ / ٢٢١.
(٦) المصدر و «ج» و «ر» : الحسين.
(٧) المصدر : السبيل.
(٨) المصدر : فمن أبى فهذه السبل فقد كفر ، ونور الثقلين ١ / ٧٧٩ ح ٣٤٧ نسخة منه موافقة للمتن وفي نسخته المصحّحة : فمن أبى فهذه السبل.
(٩) الاحتجاج / ٧٨ ـ ٧٩.
(١٠) المصدر : أطيعوا.
(١١) المصدر : صراط الله.
(١٢) إلى الحقّ.
(١٣) تفسير الفرات / ٤٤.
ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) [إلى آخر الآية] (١).
فبسط أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ يده اليسرى (٢) ، ثمّ دوّر فيها يده اليمنى ، ثمّ قال :
نحن صراط (٣) المستقيم. فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل ، فتفرّق بكم عن سبيله يمينا وشمالا.
[ثمّ خطّ] (٤) بيده.
فرات (٥) قال : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا ، عن حمران قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول في قول الله ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ).
قال : عليّ بن أبي طالب والأئمّة من ولد فاطمة ـ عليهما السّلام ـ. هم [صراط الله] (٦). فمن أتاه سلك السّبل (٧).
فرات (٨) قال : حدّثني محمّد بن القاسم بن عبيد (٩) معنعنا ، عن حمران قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ [يقول] (١٠) في قول الله ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ).
قال : عليّ بن أبي طالب والأئمّة من ولد فاطمة ـ عليهما السّلام ـ. هم صراط الله. فمن أتاه ، سلك السّبل (١١).
فرات (١٢) قال : حدّثني محمّد بن الحسن بن إبراهيم (١٣) معنعنا ، عن أبي جعفر قال :
حدّثنا أبو برزة قال : بينما نحن عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إذ قال ، وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ : و (أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)
__________________
(١) المصدر : فتفرق بكم عن سبيله ، قال.
(٢) كذا في المصدر ، والنسخ : اليسار.
(٣) «ج» و «ر» : صراطه.
(٤) كذا في المصدر ، والنسخ : خطه.
(٥) تفسير فرات / ٤٤ ـ ٤٥.
(٦) المصدر : صراطه.
(٧) المصدر : السبيل.
(٨) تفسير فرات / ٤١.
(٩) المصدر : «جعفر بن محمد الفزاري» بدل «محمد بن القاسم بن عبيد».
(١٠) من المصدر.
(١١) المصدر : السبيل.
(١٢) تفسير فرات / ٤٣.
(١٣) المصدر : محمد بن الحسين بن إبراهيم.
(إلى آخر الآية).
فقال رجل : أليس إنّما يعني الله : فضل هذا الصّراط على ما سواه؟
فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : هذا جفاء بك (١) ، يا فلان. أمّا قولك : «فضّل الإسلام على ما سواه» كذلك (٢).
وأمّا قول الله : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) فإنّي (٣) قال قلت لربّي مقبل من (٤) غزوة تبوك الأولى : اللهم ، إنّي جعلت عليا منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة له من بعدي. فصدّق كلامي ، وأنجز وعدي. واذكر عليّا [بالقرآن كما ذكرت] (٥) هارون ، فإنّك قد ذكرت اسمي في القرآن. فقرأ آية ، فأنزل تصديق قولي ، فرسخ حسده (٦) من أهل هذه القبلة ، وتكذيب المشركين حتّى شكّوا في منزلة (٧) عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.
فنزل «هذا صراط عليّ مستقيم» وهو هذا (٨) جالس عندي. فاقبلوا نصيحته (٩) ، واتّبعوا (١٠) قوله. فإنّه من [سبّني ، فقد سبّ] (١١) الله. ومن سبّ عليّا ، فقد سبّني.
(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : عطف على «وصّاكم». و «ثمّ» للتّراخي في الأخبار ، أو للتّفاوت في الرّتبة ، كأنّه قيل : ذلكم وصّاكم به قديما وحديثا ، ثمّ أعظم من ذلك إنّا آتينا موسى الكتاب.
(تَماماً) : للكرامة والنّعمة.
(عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) : على من أحسن القيام. ويؤيّده أن قرئ : «على الّذين
__________________
(١) المصدر : جفاؤك.
(٢) المصدر : فكذلك.
(٣) كذا في المصدر ، والنسخ : قال.
(٤) المصدر : عن.
(٥) كذا في المصدر ، والنسخ : بالقلب كما ذكر.
(٦) كذا في المصدر ، وفي «ج» : حيله ، وفي سائر النسخ : جسده.
(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : منزل.
(٨) ليس في المصدر.
(٩) كذا في المصدر ، وفي ج ور : لنصيحته ، وفي سائر النسخ : النصيحة.
(١٠) المصدر : وأقبلوا.
(١١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يسبّني يسبّ.
أحسنوا» ، «أو على الّذي أحسن تبليغه» (١) وهو موسى ـ عليه السّلام ـ أو تماما على ما أحسنه ، أي : أحاده من العلم والشّرائع ، أي : زيادة على علمه إتماما له.
وقرئ (٢) : بالرّفع ، على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، أي : على الدّين الّذي هو أحسن. أو على الوجه الّذي هو أحسن ما يكون عليه الكتب.
(وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) : بيانا مفصّلا لكل ما يحتاج إليه في الدّين. وهو عطف على تماما. ونصبهما يحتمل العلّة ، والحال ، والمصدر.
(وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ) : لعلّ بني إسرائيل.
(بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) (١٥٤) ، أي : بلقاء الجزاء.
(وَهذا كِتابٌ) ، يعني : القرآن.
(أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) : كثير النّفع.
(فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٥٥) : بواسطة اتّباعه. وهو العمل بما فيه.
(أَنْ تَقُولُوا) : كراهة أن تقولوا. علّة «لأنزلناه».
(إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) ، أي : اليهود والنّصارى.
قيل (٣) : ولعلّ الاختصاص في «إنّما» ، لأنّ الباقي المشهور حينئذ من الكتب السّماويّة لم يكن غير كتبهم.
(وَإِنْ كُنَّا).
«إن» هي المخفّفة. ولذلك دخلت اللام الفارقة على خبر كان ، أي : وإنّه كنّا.
(عَنْ دِراسَتِهِمْ) : قراءتهم.
(لَغافِلِينَ) (١٥٦) : لا ندري ما هي. أو لا نعرف مثلها.
(أَوْ تَقُولُوا) : عطف على الأوّل.
(لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) : لحدّة أذهاننا وثقابة أفهامنا.
__________________
(١) «ج» : بتبليغه.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٨.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٨.
ولذلك تلقّفنا من العلم ، كالقصص والأشعار (١) والخطب ، على أنّا أمّيّون.
(فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) : حجّة واضحة تعرفونها.
(وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) : لمن تأمّل فيه وعمل به.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) : بعد أن عرف صحّتها ، أو تمكّن من معرفتها.
(وَصَدَفَ) : وأعرض ، أو صدّ.
(عَنْها) : فضلّ وأضلّ.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) ، أي (٣) : دفع عنها. [فضلّ وأضلّ] (٤).
(سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) : لشدّته.
(بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) (١٥٧) : بإعراضهم ، أو صدّهم ، أو دفعهم.
في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٥) ، بإسناده إلى الحسين بن المختار قال :
دخل حيّان (٦) السّراج على الصّادق جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ فقال له : يا حيان (٧) ، ما يقول أصحابك في محمّد بن الحنفيّة؟
قال : يقولون : إنّه حيّ يرزق.
فقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : حدّثني أبي أنّه كان في من عاده في مرضه ، وفي من أغمضه ، وأدخله حفرته ، وزوّج نسائه ، وقسم ميراثه.
فقال : يا أبا عبد الله ، إنّما مثل محمّد بن الحنفيّة في هذه الأمّة ، كمثل عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ شبّه أمره للنّاس.
فقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : شبّه أمره على أوليائه أو على أعدائه؟
__________________
(١) كذا في المصدر ، وفي ر : الألقان ، وفي سائر النسخ : الألغاز.
(٢) تفسير القمي ١ / ٢٢١.
(٣) المصدر : يعني.
(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المصدر.
(٥) كمال الدّين / ٣٦.
(٦) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٢٨٨ ، وفي «ج» : حنان.
(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : حنان.
قال : [بل] (١) على أعدائه.
فقال : أتزعم أنّ أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ عدوّ عمّه محمّد بن الحنفيّة؟
فقال : لا.
فقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : يا حيان (٢) ، إنّكم صدفتم عن آيات الله ، وقد قال الله ـ تبارك وتعالى ـ (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ).
(هَلْ يَنْظُرُونَ) : إنكار ، أي : ما ينتظرون ، يعني : أهل مكّة. وهم ما كانوا منتظرين لذلك ، ولكن لمّا كان يلحقهم ما يلحق المنتظر من الإعراض والصّد شبّهوا بالمنتظرين.
(إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) : ملائكة الموت ، أو العذاب.
وقرأ (٣) حمزة والكسائي ، بالياء.
(أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) ، أي : أمره بالعذاب. أو كلّ آياته ، يعني : آيات القيامة والهلاك الكلّيّ ، لقوله : (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ).
قيل (٤) : يعني : أشراط السّاعة.
وفي كتاب الاحتجاج (٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في معنى هذه الآية :
فإنّما خاطب نبيّنا ـ صلّى الله عليه وآله ـ هل ينتظر (٦) المنافقون والمشركون إلّا أن تأتيهم الملائكة ، فيعاينوهم (٧). أو يأتي ربّك. أو يأتي بعض آيات ربّك ، يعني بذلك : أمر ربّك. والآيات هي العذاب في دار الدّنيا ، كما عذّب الأمم السّالفة والقرون الخالية.
وفيه ، وفي كتاب التّوحيد (٨) : عنه ـ عليه السّلام ـ : يخبر محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن المشركين والمنافقين الّذين لم يستجيبوا لله ولرسوله ، فقال :
__________________
(١) من المصدر.
(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : حنان.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٩.
(٤) نفس المصدر ، والموضع.
(٥) الإحتجاج ١ / ٣٧٢.
(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ينظرون.
(٧) المصدر : فيعاينونهم.
(٨) الإحتجاج ١ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ، والتوحيد / ٢٦٦.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ). وحيث لم يستجيبوا لله ولرسوله (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) ، يعني بذلك : العذاب يأتيهم في دار الدّنيا ، كما عذّب القرون الأولى.
وفي رواية العامّة (١) ، عن حذيفة والبراء بن عازب : كنّا نتذاكر السّاعة ، إذ أشرف علينا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
فقال : ما تتذاكرون؟
قلنا : نتذاكر السّاعة.
قال : إنّها لا تقوم حتّى تروا قبلها عشر [آيات : الدخان] (٢) ، ودابّة الأرض ، وخسفا بالمشرق ، وخسفا بالمغرب ، وخسفا بجزيرة العرب ، والدّجّال ، وطلوع الشّمس من مغربها ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ، ونارا تخرج من عدن.
(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) ، كالمحتضر ، إذا صار الأمر عيانا والإيمان برهانيّ.
وقرئ (٣) : «تنفع» بالتّاء. لإضافة الإيمان إلى ضمير المؤنّث.
(لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) : صفة «نفسا».
(أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) : عطف على «آمنت».
والمعنى : أنّه لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدّمة إيمانها. أو مقدمة إيمانها ، غير كاسبة في إيمانها خيرا.
وفي كتاب التّوحيد (٤) ، في الحديث السّابق : «من قبل» ، يعني : من قبل أن تجيء هذه الآية. وهذه الآية طلوع الشّمس من مغربها.
وفي كتاب الخصال (٥) : عن [حفص بن غياث عن] (٦) أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سأل رجل أبي (٧) ـ عليه السّلام ـ عن حروب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وكان
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٩.
(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : آيات الله دخان.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٩.
(٤) التوحيد / ٢٦٦.
(٥) الخصال / ٢٧٤ ، صدر ح ١٨.
(٦) من المصدر.
(٧) المصدر : أبا عبد الله.
السّائل من محبّينا.
فقال له أبي (١) : إنّ الله ـ تعالى ـ بعث محمّدا بخمسة أسياف ، [ثلاثة] (٢) منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها ، ولن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشّمس من مغربها. فإذا طلعت الشّمس من مغربها ، آمن النّاس كلّهم في ذلك اليوم.
فيومئذ (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي الكافي (٣) ، مثله.
وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ في قوله : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها).
قال : طلوع الشّمس من المغرب ، وخروج الدّابّة ، والدّجّال ، والرّجل يكون مصرّا ولم يعمل (٥) عمل (٦) الإيمان. ثمّ تجيء الآيات ، فلا ينفعه إيمانه.
عن عمرو بن شمر (٧) ، عن أحدهما ـ عليه السّلام ـ في قوله : (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً). قال : المؤمن العاصي حالت بينه وبين إيمانه كثرة ذنوبه وقلّة حسناته ، فلم يكسب في إيمانه خيرا.
وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٨) : حدّثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في هذه الآية : «الآيات» هم الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ. والآية المنتظرة ، القائم ـ عليه السّلام ـ. فيومئذ (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) قيامه بالسّيف ، وإن آمنت بمن تقدّمه من آبائه ـ عليهم السّلام ـ.
__________________
(١) المصدر : أبو عبد الله.
(٢) من المصدر.
(٣) الكافي ٥ / ١٠ ، صدر ح ٢.
(٤) تفسير العياشي ١ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ، ح ١٢٨.
(٥) كذا في المصدر وج ور. وفي سائر النسخ : لم يحمل.
(٦) المصدر : على.
(٧) تفسير العيّاشيّ ١ / ٣٨٥ ، ح ١٣٠.
(٨) كمال الدين / ٣٣٦ ، ح ٨.
وبإسناده (١) إلى عليّ بن أبي حمزة : عن أبي بصير قال : قال الصّادق جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) ، يعني : خروج القائم المنتظر منّا.
وبإسناده (٢) إلى إنزال بن سيّارة (٣) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل يذكر فيه خروج الدّجال وقاتله. وفي آخره يقول : ألا إنّ بعد ذلك الطّامّة الكبرى.
قيل (٤) : وما ذلك ، يا أمير المؤمنين؟
قال : خروج دابّة [من] (٥) الأرض عند الصّفا معها خاتم سليمان وعصا موسى ـ عليهما السّلام ـ. تضع (٦) الخاتم على وجه كلّ مؤمن فينطبع فيه : هذا مؤمن حقّا.
وتضعه (٧) على وجه كلّ كافر فيكتب (٨) : هذا كافر حقّا. حتّى أنّ المؤمن لينادي : الويل لك ، يا كافر. وأنّ الكافر لينادي : طوبى لك ، يا مؤمن ، وددت أنّي [اليوم] (٩) كنت مثلك فأفوز فوزا عظيما. ثمّ ترفع الدّابّة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله ـ جلّ جلاله ـ. وذلك بعد طلوع الشّمس من مغربها. فعند ذلك ترفع التّوبة ، فلا توبة تقبل (١٠) ولا عمل يرفع و (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً).
ثمّ قال ـ عليه السّلام ـ : لا تسألوني عمّا يكون بعد هذا ، فإنّه [عهده] (١١) إليّ حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن لا أخبر به غير عترتي.
وبإسناده (١٢) إلى [الربيع بن] محمّد بن المسلى (١٣) عن (١٤) عبد الله بن سليمان العامريّ :
__________________
(١) كمال الدين / ٣٥٧ ، صدر ح ٥٤.
(٢) كمال الدين / ٥٢٧.
(٣) المصدر : النزال بن سبرة.
(٤) المصدر : قلنا.
(٥) من المصدر.
(٦) المصدر : يضع.
(٧) المصدر : يضعه.
(٨) المصدر : فتنكتب.
(٩) من المصدر.
(١٠) المصدر : فلا تقبل توبة.
(١١) من المصدر.
(١٢) كمال الدين / ٢٢٩ ح ٢٤.
(١٣) كذا في المصدر ، وفي جامع الرواة ١ / ٤٨٦ : ربيع بن محمد المسليّ ، وفي النسخ : «محمد بن مسلم» بدل «الربيع بن محمد بن المسلىّ».
(١٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : و.
عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما زالت الأرض ولله ـ تعالى ذكره ـ فيها حجّة ، يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله ـ جلّ وعزّ ـ. ولا ينقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوما قبل يوم القيامة. فإذا رفعت الحجّة ، أغلقت أبواب التّوبة. ولن ينفع نفسا (إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) أن ترفع الحجّة. أولئك شرار من (١) خلق الله. وهم الّذين تقوم عليهم القيامة.
وفي أصول الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد الله بن محمّد اليمانيّ ، عن منيع بن الحجّاج ، عن يونس ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) ، يعني : في الميثاق. (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً). قال : الإقرار بالأنبياء والأوصياء ، وأمير المؤمنين خاصّة. قال : لا ينفع إيمانها لأنّها سلبت.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إذا طلعت الشّمس من مغربها ، فكلّ من آمن في ذلك اليوم لا (٤) ينفعه إيمانه.
واعلم أنّه من لم يعتبر الإيمان المجرّد عن العمل ، استدلّ بهذه الآية وبعض الأخبار السّالفة. وللمعتبر تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم. وحمل التّرديد على اشتراط عدم النّفع بأحد الأمرين على معنى : لا ينفع نفسا خلت عنها إيمانها. والعطف على «لم تكن» بمعنى : لا ينفع نفسا إيمانها الّذي أحدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيرا. وحمل بعض الأخبار على ما إذا حالت معاصيه بينه وبين إيمانه ، أي : صار قساوة المعاصي سبب زوال إيمانه واعتقاده.
(قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٥٨) : وعيد لهم ، أي : انتظروا إتيان أحد الأمور الثّلاثة فإنّا منتظرون ، وحينئذ لنا الفوز وعليكم الويل.
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) : بدّدوه. فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وافترقوا فيه.
__________________
(١) المصدر : [من].
(٢) الكافي ١ / ٤٢٨ ، ج ٨١.
(٣) تفسير القمي ١ / ٢٢١.
(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لم.
وقرأ (١) حمزة والكسّائيّ : «فارقوا» ، أي : باينوا.
ونسبها في مجمع البيان إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.
وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال : كان عليّ ـ عليه السّلام ـ يقرأها : «فارقوا دينهم».
ثمّ قال : فارق والله القوم [دينهم] (٣).
(وَكانُوا شِيَعاً) : فرقا ، يتشيّع كلّ فرقة إماما.
وفي مجمع البيان (٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : إنّهم أهل الضلالة (٥) وأصحاب الشّبهات والبدع من هذه الأمّة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : قال : فارقوا أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وصاروا أحزابا.
وعن الصّادق ـ عليه السّلام (٧) ـ في هذه الآية : فارق القوم [والله] (٨) دينهم.
وعن النّبيّ (٩) ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، كلّها في الهاوية إلّا واحدة. وافترقت النّصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، كلّها في الهاوية إلّا واحدة. وستفترق (١٠) أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلّها في الهاوية (١١) إلّا واحدة.
وفي رواية أخرى (١٢) عنه ـ عليه السّلام ـ : ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلّها في النّار إلّا واحدة ، وهي الّتي تتبع وصيّي عليّا.
(لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ).
__________________
(١) مجمع البيان ٢ / ٣٨٨.
(٢) تفسير العياشي ١ / ٣٨٥ ح ١٣١.
(٣) من المصدر.
(٤) مجمع البيان ٢ / ٣٨٩.
(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الضلال.
(٦) تفسير القمي ١ / ٢٢٢.
(٧) نفس المصدر ، والموضع.
(٨) من المصدر.
(٩) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٩.
(١٠) كذا في المصدر ، وفي النسخ : تفرق.
(١١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : النّار.
(١٢) تفسير الصافي ٢ / ١٧٤.
قيل (١) : أي : [في شيء] (٢) من السّؤال عنهم وعن تفرّقهم. أو من عقابهم. أو أنت بريء منهم.
وقيل (٣) : معناه : أنّك على المباعدة التّامّة من الاجتماع معهم في شيء (٤) من مذاهبهم الفاسدة.
والحمل على العموم ، أولى.
وقيل (٥) : هو نهي عن التّعرض لهم ، وهو منسوخ بآية السيف.
(إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) : يتولّى جزاءهم.
(ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١٥٩) : بالعقاب.
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ، أي : عشر حسنات أمثالها فضلا من الله.
وقرأ (٦) يعقوب : «عشر» بالتّنوين ، «وأمثالها» بالرّفع على الوصف. وهذا أقلّ ما وعد من الأضعاف. وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب. ولذلك قيل : المراد بالعشرة ، الكثرة دون العدد.
وفي مجمع البيان (٧) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [أنه قال] (٨) : لمّا نزلت هذه الآية : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) (٩) قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ربّ زدني فأنزل الله ـ سبحانه ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (الحديث).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٠) : فهذه ناسخة لقوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها).
وأقول : إنّما تكون ناسخة إذا كان بينهما منافاة ولبس ، فليس بل هي تفصيل
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٩.
(٢) من المصدر.
(٣) المجمع ٢ / ٣٨٩.
(٤) المصدر : معنى.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٩.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٠.
(٧) المجمع ١ / ٣٤٩.
(٨) من المصدر.
(٩) النحل : ٨٩ ، والقصص : ٨٤.
(١٠) تفسير القمي ١ / ٢٢٢.
لها.
وفي أصول الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت : هل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟
فقال : لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد. ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما يتقرّبان به إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ.
قلت (٢) : أليس الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) وزعمت أنهم مجتمعون على الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ مع المؤمن؟
قال : أليس قد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : [(فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) (٣)؟ فالمؤمنون هم الذين] (٤) يضاعف الله ـ عزّ وجلّ ـ لهم حسناتهم ، لكلّ حسنة سبعون ضعفا. فهذا فضل المؤمن. ويزيده الله في حسناته على قدر صحّة إيمانه أضعافا كثيرة ، ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : حدّثنا محمّد بن سلمة قال : حدّثنا [محمّد بن جعفر ، قال : حدّثنا] (٦) يحيى بن زكريا اللّؤلؤيّ ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرّحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : [قال] (٧) هي للمسلمين عامّة.
والحسنة الولاية. فمن عمل حسنة ، كتب له عشرا (٨).
قال : فإن لم تكن له ولاية ، دفع (٩) عنه بما عمل من حسنة في الدّنيا وماله في الآخرة من خلاق.
__________________
(١) الكافي ٢ / ٢٦ ـ ٢٧ ، ضمن ح ٥.
(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : قيل.
(٣) البقرة : ٢٤٥.
(٤) من المصدر.
(٥) تفسير القمّي ٢ / ١٣١.
(٦) من المصدر.
(٧) من المصدر.
(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : عشرة.
(٩) المصدر : رفع.
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) : قضيّة للعدل.
(وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦٠) : بنقص الثّواب وزيادة العقاب.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : لما أعطى الله ـ تعالى ـ إبليس ما أعطاه من القوّة (٢) قال آدم : يا ربّ ، سلّطته على ولدي وأجريته فيهم (٣) مجرى الدّم في العروق ، وأعطيته ما أعطيته. فما لي ولولدي؟
فقال : لك ولولدك السّيّئة بواحدة والحسنة بعشر (٤) أمثالها.
قال : ربّ ، زدني.
قال : التّوبة مبسوطة إلى [أن تبلغ] (٥) النّفس الحلقوم.
فقال : يا ربّ ، زدني.
قال : أغفر ولا أبالي.
قال : حسبي.
وفي كتاب معاني الأخبار (٦) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ يقول : ويل لمن غلبت آحاده [أعشاره] (٧).
فقلت له : وكيف هذا؟ فقال : أما سمعت الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها). فالحسنة الواحدة إذا عملها كتبت له عشرا ، والسّيّئة الواحدة إذا عملها كتبت له واحدة. فنعوذ بالله [ممن يرتكب] (٨) في يوم واحد عشر سيّئات ولا يكون له حسنة واحدة ، فتغلب حسناته سيّئاته.
__________________
(١) تفسير القميّ ١ / ٤٢.
(٢) «ج» و «ر» : الحياة.
(٣) ليس في المصدر : فيهم.
(٤) المصدر : بعشرة.
(٥) المصدر : حين يبلغ.
(٦) المعاني / ٢٤٨ ، ح ١.
(٧) من المصدر.
(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : من يركب.
وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن البرقيّ ، عن القاسم بن محمّد ، عن العيص ، عن نجم بن حطيم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : من نوى الصّوم ثمّ دخل على أخيه ، فسأله أن يفطر عنده ، فليفطر وليدخل عليه السّرور. فإنه يحسب له بذلك اليوم عشرة أيّام. وهو قول الله ـ تعالى ـ : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها).
عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن حمّاد ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن الصّوم في الحضر.
فقال : ثلاثة أيّام في كلّ شهر ، الخميس من جمعة ، والأربعاء من جمعة ، والخميس من جمعة أخرى.
وقال : [قال] (٣) أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : صيام شهر الصّبر [وثلاثة أيّام من كلّ شهر يذهبن ببلابل الصدور] (٤) وصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيام الدهر (٥). إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها).
وفي كتاب التّوحيد (٦) ، بإسناده إلى زيد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : سألت أبي سيّد العابدين ـ عليه السّلام ـ فقلت : يا أبة ، أخبرني عن جدّنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لما عرج به إلى السّماء وأمره ربّه ـ عزّ وجلّ ـ بخمسين صلاة ، كيف لم يسأله التّخفيف عن أمّته حتّى قال له موسى بن عمران : ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف ، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك؟
فقال : يا بنيّ ، إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [كان] (٧) لا يقترح على ربّه ـ عزّ وجلّ ـ ولا يراجعه في شيء يأمره به. فلمّا سأله موسى ـ عليه السّلام ـ ذلك وصار شفيعا لأمّته إليه ، لم يجز له ردّ شفاعة أخيه موسى ـ عليه السّلام ـ. فرجع إلى ربّه فسأله التّخفيف إلى أن ردّها (٨) إلى خمس صلوات.
__________________
(١) الكافي ٤ / ١٥٠ ، ح ٢.
(٢) الكافي ٤ / ٩٢ ـ ٩٣ ، ح ٦.
(٣ و ٤) من المصدر.
(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الشهر.
(٦) التوحيد / ١٧٦ ـ ١٧٧ ، صدر ح ٨.
(٧) من المصدر.
(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يردّها.
قال : فقلت له : يا أبة ، فلم لم يرجع إلى ربّه ـ عزّ وجلّ ـ ولم يسأله التّخفيف بعد (١) خمس صلوات؟
فقال : يا بنيّ ، أراد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يحصل لأمّته التّخفيف مع أجر خمسين صلاة. لقول (٢) الله ـ عزّ وجلّ ـ : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها).
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي تفسير فرات بن إبراهيم (٣) الكوفيّ : [فرات] (٤) قال : حدّثني محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قوله (٥) : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) فإذا جاء بها مع الولاية ، فله عشر أمثالها. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ) (٦) في نار جهنّم لا يخرج منها ولا يخفّف عنها العذاب. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) من غيرهم (فَلا يُجْزى) (٧) (إِلَّا مِثْلَها).
قوله : [(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ)] (٨) أمن من فزع يوم القيامة. قال : الحسنة ولايتنا وحبّنا. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ولم يقبل لهم عدلا ولا صرفا ولا عملا ، فهو بغضنا أهل البيت. هل يجزون إلّا ما كانوا يعملون»؟
قال بعض الموافقين (٩) : لعلّ السّر في كون الحسنة بعشر أمثالها والسّيّئة مثلها ، أنّ الجوهر الإنسانيّ المؤمن [بطبعه مائل] (١٠) إلى العالم العلويّ ، لأنه مقتبس عنه. وهبوطه إلى القالب الجسمانيّ ، غريب من طبيعته. والحسنة [إنّما] (١١) ترتقى إلى ما يوافق طبيعة ذلك الجوهر ، لأنها من جنسه. والقوّة الّتي تحرّك الحجر إلى [ما] (١٢) فوق ذراعا واحدا [هي] (١٣) بعينها إن استعملت في تحريكه إلى أسفل حرّكته عشرة أذرع وزيادة. فلذلك (١٤) كانت
__________________
(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : عن.
(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يقول.
(٣) تفسير فرات / ٤٥.
(٤) من المصدر.
(٥) المصدر : قرأ.
(٦) النحل : ٩٠.
(٧) المصدر و «ج» : لا يجازى.
(٨) من المصدر.
(٩) هو المولى الفيض الكاشاني كما في تفسير الصافي ٢ / ١٧٦.
(١٠) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لطيفة مائلة.
(١١ و ١٢ و ١٣) من المصدر.
(١٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فكذلك.
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، ومنها ما يوفى (١) بغير حساب. والحسنة الّتي لا يدفع تأثيرها سمعة أو رياء أو عجب ، كالحجر الّذي يدور من شاهق لا يصادفه دافع.
لأنّه (٢) لا يتقدّر مقدار هويته (٣) بحساب حتّى تبلغ الغاية. (انتهى كلامه).
ولا يخفى أنّه لو تمّ ، لناسب ادعاء كون النّفس إلى ارتكاب الحسنة أميل وعليه من ارتكاب السّيّئة أقدر. ولا يخفى كذب ذلك الادعاء كلّيّا وعدم ادّعائه هاهنا جزئيّا.
فهذا خبط في أمانة السّرّ ، وعلى الله التّكلان في التّوفيق للبرّ.
(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) : بالوحي والإرشاد إلى ما نصب من الحجج.
وفي أمالي شيخ الطّائفة (٤) ـ قدّس سرّه ـ ، بإسناده إلى النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل. فيه يقول لعليّ ـ عليه السّلام ـ : من أحبّك لدينك (٥) وأخذ بسبيلك ، فهو ممّن هدي إلى صراط مستقيم.
(دِيناً) : يدل من محلّ «إلى صراط» ، إذ المعنى : هداني صراطا. أو مفعول فعل مضمر ، دلّ عليه الملفوظ.
(قِيَماً) : فيعل ، من قام ، كسيّد من ساد ، وهيّن من هان. وهو أبلغ من المستقيم باعتبار الزّنة ، والمستقيم باعتبار الصّيغة.
وقرأ (٦) ابن عامر وحمزة والكسائيّ : «قيما» ، على أنّه مصدر نعت به. وكان قياسه «قوما» كعوض فاعل لإعلال فعله ، كالقيام.
(مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) : عطف بيان ل «دينا».
(حَنِيفاً) : حال من «إبراهيم». وهو أحد المواضع الثّلاثة الّتي يجوز فيها الحال عن المضاف إليه.
__________________
(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يؤتى.
(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فإنّه.
(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : هويه.
(٤) أمالي الطوسي ٢ / ١٠٦.
(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «ثم يأتيك» بدل «لدينك».
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٠.