تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

إيمانهم بمنزلة الموتى الّذين لا يسمعون.

(وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) : فيعلمهم حين لا ينفعهم الإيمان.

(ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٣٦) : للجزاء.

(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، أي : آية ممّا اقترحوه. أو آية أخرى سوى ما أنزل من الآيات المتكاثرة لعدم اعتدادهم بها عنادا.

(قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) : ممّا اقترحوه. أو آية تضطرّهم إلى الإيمان ، كنتق الجبل. أو آية إن جحدوها هلكوا.

وقرئ (١) : «ينزل» بالتّخفيف. والمعنى واحد.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣٧) : إنّ الله قادر على إنزالها ، وإنّ إنزالها يستجلب عليهم البلاء ، وإنّ لهم مندوحة فيما أنزل عن غيره.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) قال : [لا يعلمون] (٣) أنّ الآية إذا جاءت ولم يؤمنوا بها يهلكوا.

وفي رواية أبي الجارود (٤) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : سيريكم في آخر الزّمان آيات ، منها دابّة الأرض والدّجّال ونزول عيسى بن مريم وطلوع الشّمس من مغربها.

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) : تدبّ على وجهها.

(وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) : في الهواء.

قيل (٥) : وصفه به قطعا ، لمجاز السّرعة ونحوها.

إذ كثيرا ما يقال : طار ، بمعنى : أسرع. والأولى أنّ الوصف بما هو من خصائص الجنس ، لإفادة زيادة التّعميم.

وقرئ (٦) : «طائر» بالرّفع ، عطفا على المحلّ.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٩.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٩٨.

(٣) من المصدر.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٩.

(٦) نفس المصدر والموضع.

٣٢١

(إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) : محفوظة أحوالها ، مقدّرة أرزاقها وآجالها ، مخلوقة أبدانها ، مربوبة أرواحها ، كما أنتم كذلك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) ، يعني : خلق مثلكم. قال (٢) وقال : كلّ شيء ممّا خلق خلق مثلكم.

قيل (٣) : المقصود من ذلك الدّلالة على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره ، ليكون كالدّليل على أنّه قادر على أن ينزّل آية. وجمع الأمم ، للحمل على المعنى.

(ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) :

قيل (٤) : يعني : اللّوح المحفوظ. فإنّه مشتمل على ما يجري في العالم من جليل ودقيق لم يهمل فيه أمر حيوان ولا جماد.

وما يستفاد من الأخبار ، أنّه القرآن.

في نهج البلاغة (٥) ، في كلام له ـ عليه السّلام ـ في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا : أم أنزل الله ـ سبحانه ـ دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى (٦) ، أم أنزل [الله ـ سبحانه ـ] (٧) دينا تامّا فقصّر الرّسول عن تبليغه وأدائه ، والله يقول : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ). وفيه تبيان كلّ شيء.

وفي حديث وصف الإمامة (٨) عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في العيون وغيره : جهل القوم وخدعوا عن أديانهم. إنّ الله لم يقبض نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى أكمل له الدّين وأنزل عليه القرآن. فيه تفصيل كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملا. فقال ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٩٨.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٩.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) نهج البلاغة / ٦١ ، خطبة ١٨.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فعليهم أن يقولوا وعليه أو أن يرضى.

(٧) من المصدر.

(٨) العيون ١ / ٢١٦ ، ح ١. والكافي ١ / ١٩٩ ، صدر ح ١.

٣٢٢

(ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ).

و «من» مزيدة. و «شيء» في موضع المصدر لا المفعول به. لأنّ «فرط» لا يعدّى بنفسه ، وقد يعدّى «بفي» إلى الكتاب.

وقرئ (١) : «ما فرطنا» بالتّخفيف.

(ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٣٨) ، يعني : الأمم كلّها ، فينتصف بعضها عن بعض.

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أيّ بعير حجّ عليه ثلاث سنين (٣) ، جعل من نعم الجنّة.

وروي (٤) : سبع سنين.

وروى (٥) السّكوني ، بإسناده أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها فقال : أين صاحبها؟ [مروه] (٦) فليستعد غدا للخصومة.

وفي مجمع البيان (٧) : وعن أبي ذرّ قال : بينا أنا عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا انتطحت (٨) عنزان.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أتدرون فيما انتطحا؟

فقالوا لا ندري.

قال : لا و (٩) لكنّ الله يدري ، وسيقضي (١٠) بينهما.

وفي كتاب ثواب الأعمال (١١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : قال ، قال عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ لابنه محمّد حين حضرته الوفاة : إنّي قد حججت على ناقتي هذه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٩.

(٢) الفقيه ٢ / ١٩١ ، ح ٨٦٧.

(٣) المصدر : «حجج» بدل «سنين».

(٤) نفس المصدر والصفحة ، ح ٨٧٣.

(٥) نفس المصدر والصفحة ، ح ٨٦٧.

(٦) من المصدر.

(٧) المجمع ٢ / ٢٩٨.

(٨) المصدر : إذ نطحت.

(٩) ليس في المصدر : لا و.

(١٠) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يستقضي.

(١١) ثواب الأعمال / ٧٤ ، ح ١.

٣٢٣

عشرين حجّة فلم أقرعها بسوط قرعة ، فإذا توفّت (١) فادفنها لا يأكل لحمها السّباع. فإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : ما من بعير يوقف (٢) موقف عرفة سبع حجج ، إلّا جعله الله من نعم الجنّة وبارك في نسله. فلمّا توفّت (٣) ، حفر لها أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ ودفنها.

وفي كتاب الخصال (٤) : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّه لن يركب يومئذ إلّا أربعة ، أنا وعليّ وفاطمة وصالح نبي الله.

فأمّا أنا فعلى البراق ، وأمّا فاطمة ابنتي فعلى ناقتي العضباء ، فأمّا صالح فعلى ناقة الله الّتي عقرت ، وأمّا عليّ فعلى ناقة من نوق الجنّة (٥) زمامها من ياقوت عليها حلّتان خضراوان.

(الحديث).

وفي أصول الكافي (٦) : الحسين بن محمّد ، عن المعلّى بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ قال : أخبرني سماعة بن مهران قال : أخبرني الكلبيّ النّسّابة قال : قلت لجعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ : ما تقول في المسح على الخفّين؟

فتبسّم ثمّ قال : إذا كان يوم القيامة وردّ الله كلّ شيء إلى شيئه وردّ الجلد إلى الغنم (٧) ، فيرى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : حدّثني أبي ، عن الحسن بن خالد ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أنّه قد أعطي بلعم بن باعور الاسم الأعظم ، وكان يدعو به فيستجاب (٩) له. فمال إلى فرعون. فلمّا أمر فرعون في طلب موسى وأصحابه ، قال فرعون

__________________

(١) المصدر : نفقت.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : توقّف.

(٣) المصدر : نفقت.

(٤) الخصال / ٢٠٤ ، ح ٢٠.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فعلى ناقة الله من نور.

(٦) الكافي ١ / ٣٥٠ ، ضمن ح ٦.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : إلى سيّده ردّ بكذا إلى العتم.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٢٤٨.

(٩) كذا في المصدر ، وفي «ج» : فيجيب ، وفي سائر النسخ : فيستجيب.

٣٢٤

لبلعم : ادع (١) الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا. فركب على حمارته ، ليمرّ في طلب موسى [وأصحابه] (٢) فامتنعت عليها حمارته. فأقبل يضربها ، فأنطقها الله ـ عزّ وجلّ ـ.

فقالت : ويلك ، على ما تضربني ، أتريد أن أجيء معك فتدعو على نبيّ الله وقوم مؤمنين؟ فلم يزل يضربها حتّى قتلها ، وانسلخ الاسم [الأعظم] (٣) من لسانه. وهو قوله : (فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ، وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ). ـ وهو مثل ضربه ـ.

فقال الرّضا ـ صلوات الله عليه ـ : فلا يدخل الجنّة من البهائم إلّا ثلاث : حمارة بلعم ، وكلب أصحاب الكهف ، والذّئب. وكان سبب الذّئب أنّه بعث ملك ظالم رجلا شرطيّا ليحشر قوما من المؤمنين ويعذّبهم ، وكان للشّرطيّ ابن يحبّه ، فجاء ذئب فأكل ابنه ، فحزن الشّرطيّ عليه ، فأدخل الله ذلك الذّئب الجنّة لمّا أحزن الشّرطيّ.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌ) : لا يسمعون مثل هذه الآيات الدّالّة على ربوبيّته ، وكمال علمه ، وعظم قدرته ، سماعا تتأثّر به نفوسهم.

(وَبُكْمٌ) : لا يتكلّمون بخير وحقّ.

(فِي الظُّلُماتِ) : خبر ثالث ، أو حال من المستكنّ في الخبر. والمراد إمّا ظلمات الكفر ، أو ظلمات الجهل والعناد (٤) والتّقليد.

(مَنْ يَشَأِ اللهُ) : خذلانه بمعاصيه.

(يُضْلِلْهُ) : يخذله ، فيضلّ. لأنّه ليس من أهل الهدى.

(وَمَنْ يَشَأْ) : توفيقه.

(يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٩) : يرشده إلى الهدى بلطفه ، ويحمله عليه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : حدّثنا أحمد بن محمّد قال : حدّثنا جعفر بن عبد الله

__________________

(١) المصدر : ادعو.

(٢) من المصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) «ر» : والفساد.

(٥) تفسير القمّي ١ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

٣٢٥

قال : حدّثنا كثير بن عيّاش ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : (صُمٌ) عن الهدى. و (بُكْمٌ) لا يتكلّمون بخير. (فِي الظُّلُماتِ) ، يعني : ظلمات الكفر. (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو ردّ على قدريّة هذه الأمّة ، يحشرهم الله يوم القيامة مع الصّابئين والنّصارى والمجوس.

فيقولون : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).

يقول الله : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).

قال : فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ألا إنّ لكلّ أمّة مجوسا ، ومجوس هذه الأمّة الّذين يقولون : لا قدر. ويزعمون أنّ المشيئة والقدرة إليهم ولهم (١).

حدّثنا جعفر بن أحمد (٢) قال : حدّثنا عبد الكريم قال : حدّثنا محمّد بن عليّ قال :

حدّثنا محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله :

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ) ـ إلى قوله ـ (صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : أنزلت في الّذين كذّبوا الأوصياء هم (صُمٌّ وَبُكْمٌ) ، كما قال الله : (فِي الظُّلُماتِ) من كان من ولد إبليس ، فإنّه لا يصدّق بالأوصياء ولا يؤمن بهم أبدا ، وهم الّذين أضلّهم الله. ومن كان من ولد آدم ، آمن بالأوصياء ، وهم على صراط مستقيم.

قال : وسمعته يقول : (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) في بطن القرآن ، أن كذّبوا بالأوصياء كلّهم.

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) : استفهام تعجيب.

و «الكاف» حرف خطاب ، أكّد به الضّمير للتّأكيد ، لا محلّ له من الإعراب.

لأنّك تقول : أرأيتك زيدا ما شأنه. فلو جعلت الكاف مفعولا ، كما قاله الكوفيّون ، لعدّيت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل ، وللزم في الآية أن يقال : أرأيتموكم. بل الفعل معلّق ، أو المفعول محذوف تقديره : أرأيتكم [أي أخبروني] (٣) آلهتكم تنفعكم إذ تدعونها.

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ليست إليهم ولا لهم.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٣) ليس في أنوار التنزيل ١ / ٣٠٩.

٣٢٦

وقرأ (١) نافع فيه وفي «أرأيت» و «أفرأيت» و «أرأيتم» وشبهه إذا كان قبل الرّاء همزة ، بتسهيل الهمزة الّتي بعد الرّاء. والكسائي بحذفها أصلا. والباقون يخفّفونها. وحمزة إذا وقف ، وافق نافعا.

(إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) : في الدنيا كما أتى من قبلكم.

(أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) : القيامة وهولها.

(أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) : هو تبكيت لهم.

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٠) : أنّ الأصنام آلهة. وجوابه محذوف ، أي : فادعوه.

(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) : بل تخصّونه بالدّعاء ، كما حكي عنهم في مواضع. وتقديم المفعول ، لإفادة التّخصيص.

(فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ) : كشفه.

(إِنْ شاءَ) : إن شاء أن يتفضّل عليكم بكشفه.

(وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) (٤١) : وتنسون آلهتكم في ذلك الوقت ، لما ركز في العقول أنّه القادر على كشف الضّرّ دون غيره. أو تنسونه من شدّة الأمر وهوله.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : ثمّ ردّ عليهم فقال : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ).

قال : تدعون الله إذا أصابكم ضرّ ثمّ إذا كشف عنكم ذلك تنسون ما تشركون ، أي : تشركون تتركون (٣) الأصنام.

وفي كتاب التّوحيد (٤) : حدّثنا محمّد بن القاسم الجرجانيّ ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا أبو يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد وأبو الحسن عليّ بن محمّد بن سيّار ـ وكانا من الشّيعة الإماميّة ـ ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ [بن محمد] (٥) ـ عليهما السّلام ـ ، عن عليّ أمير المؤمنين أنّه قال له رجل فما تفسير قوله «الله».

__________________

(١) نفس المصدر ، والموضع.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٩٩.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : تشركون.

(٤) التوحيد / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، ضمن ح ٥.

(٥) من المصدر.

٣٢٧

فقال : هو الّذي يتألّه إليه عند الحوائج والشّدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرّجاء من جميع من هو دونه ، وتقطّع الأسباب من كلّ من سواه. وذلك أنّ كلّ مترئس في هذه الدّنيا ومتعظم فيها وإن عظم غناه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه إليه ، فإنّهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم. وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها ، فينقطع (١) إلى الله عند ضرورته وحاجته (٢) ، حتّى إذا كفى همّه عاد إلى شركه. أما تسمع الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) ، أي : قبلك.

و «من» مزيدة ، أي : الرّسل فكذّبوهم.

(فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ) : بالشّدة والفقر.

(وَالضَّرَّاءِ) : والضّرّ والآفات ، كنقصان الأنفس والأموال. وهما صيغتا تأنيث لا مذكّر لهما.

(لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (٤٢) : يتذلّلون ، ويتوبون عن ذنوبهم.

في نهج البلاغة (٣) : قال ـ عليه السّلام ـ : لو أنّ النّاس حين تنزل بهم النّقم وتزول عنهم النّعم فزعوا إلى ربّهم بصدق من نيّاتهم ووله من قلوبهم ، لردّ عليهم كلّ شارد وأصلح لهم كلّ فاسد.

(فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) :

معناه : نفي تضرّعهم في ذلك الوقت مع قيام الدّاعي. وبّخهم على ترك التضرّع ، لأنّه لا عذر لهم في ذلك إلّا عنادهم وقسوة قلوبهم.

وفي أصول الكافي (٤) ، بإسناده إلى مروك بيّاع اللّؤلؤ ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في حديث طويل : وهكذا التّضرّع. وحرّك أصابعه يمينا

__________________

(١) كذا في المصدر ، ج ور ، وفي سائر النسخ : فيقع.

(٢) المصدر : فاقته.

(٣) نهج البلاغة / ٢٥٧ ، خطبة ١٧٨.

(٤) الكافي ٢ / ٤٨٠ ، ضمن ح ٣.

٣٢٨

وشمالا.

وعن أبي عبد الله (١) ـ عليه السّلام ـ قال في حديث طويل : أن تحرّك إصبعك السّبابة ممّا يلي وجهك. وهو دعاء الخيفة (٢).

محمّد بن يحيى (٣) ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : والتّضرّع رفع اليدين ، والتّضرّع بهما.

ثمّ قال :

(وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤٣) : استدراكا على المعنى ، وبيانا للصّارف لهم من التّضرّع ، وأنّه لا مانع لهم إلّا القساوة والإعجاب بالأعمال الّتي زينها الشّيطان لهم.

(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) : من البأساء والضّرّاء ، ولم يتّعظوا به.

(فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) : من الصّحّة والتّوسعة في الرّزق. إمّا امتحانا لهم بالشّدة والرّخاء ، أو مكرا بهم استدراجا لهم.

وقرأ (٤) ابن عامر : «فتّحنا» بالتّشديد في جميع القرآن ، ووافقه يعقوب فيما عدا هذا والّذي في الأعراف.

(حَتَّى إِذا فَرِحُوا) : عجبوا.

(بِما أُوتُوا) : من النّعم. ولم يزيدوا إلّا على البطر والاشتغال بالنّعمة من المنعم والقيام بحقّه.

(أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) : مفاجأة.

(فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٤٤) : متحيّرون آيسون.

(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، أي : آخرهم ، بحيث لم يبق منهم أحد.

من دبره دبرا ودبورا : إذا تبعه.

(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٥) : على إهلاكهم. فإنّ إهلاك أعداء الله

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤٨١ ، ذيل ح ٥.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الخفية.

(٣) الكافي ٢ / ٤٨١ ، ذيل ح ٦.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣١٠.

٣٢٩

وإعلاء كلمته من حيث أنّه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم وأعمالهم ، نعمة جليلة يحقّ أن يحمد عليها.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثنا جعفر بن محمّد (٢) قال : حدّثنا عبد الكريم بن عبد الرّحمن (٣) ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ).

قال : أمّا قوله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) ، يعني : فلمّا تركوا ولاية عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وقد أمروا به (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) ، يعني : دولتهم في الدّنيا وما بسط لهم فيها. وأمّا قوله : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) ، يعني بذلك : قيام القائم ـ عليه السّلام ـ حتّى كأنهم لم يكن لهم سلطان قطّ.

فذلك قوله : (بَغْتَةً) فنزل آخر هذه الآية على محمد.

حدّثني (٤) أبي ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث ، عن أبي جعفر (٥) ـ عليه السّلام ـ قال : كان في مناجاة الله لموسى ـ عليه السّلام ـ :

يا موسى ، إذا رأيت الفقر مقبلا ، فقل مرحبا بشعار الصّالحين. وإذا رأيت الغنى مقبلا ، فقل ذنب عجّلت عقوبته.

وفي مجمع البيان (٦) : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا) (الآية). وروي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : إذا رأيت الله ـ تعالى ـ يعطي على المعاصي ، فإنّ ذلك استدراج منه. ثمّ تلا هذه الآية.

ونحوه ما روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : يا بن آدم ، إذا رأيت ربّك يتابع عليك نعمة ، فاحذره.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٠٠.

(٢) المصدر : جعفر بن أحمد.

(٣) كما في جامع الرواة ١ / ٤٦٣. وفي المصدر : عبد الكريم بن عبد الرحيم.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٢٠٠.

(٥) المصدر و «ر» : أبي عبد الله.

(٦) المجمع ٢ / ٣٠٢.

٣٣٠

وفي كتاب تلخيص الأقوال في تحقيق أحوال الرّجال (١) : عن الكشّيّ ، بإسناده إلى أبي الحسن صاحب العسكريّ : أنّ قنبرا مولى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أدخل على الحجّاج.

فقال له : ما الّذي كنت تلي من عليّ بن أبي طالب؟

قال : كنت أوضّئه.

فقال له : ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟

فقال : كان يتلوا هذه الآية (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ ، فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

فقال الحجّاج : أظنّه كان يتلوها علينا؟

قال : نعم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) ، مثله سواء.

وفي التّفسير (٣) ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا).

قال : لمّا تركوا ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ وقد أمروا بها (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ ، فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

قال : نزلت في ولد العبّاس.

وفي كتاب معاني الأخبار (٤) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن فضيل بن عياض ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : من أحبّ بقاء الظّالمين فقد أحبّ أن يعصى الله. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ حمد نفسه بهلاك (٥) الظّلمة ، فقال : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال / ٧٤ ، الرقم ١٣٠.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٣٥٩ ، ح ٢٢.

(٣) نفس المصدر / ٣٦٠.

(٤) معاني الأخبار / ٢٥٢.

(٥) المصدر : على إهلاك.

٣٣١

وفي الكافيّ (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن الفضيل بن عياض ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) : أصمّكم وأعماكم.

(وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) : بأن يغطّي عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم.

(مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) ، أي : بذلك. أو بما أخذ وختم عليه. أو بأحد هذه المذكورات.

(انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) : فكرّرها تارة من جهة المقدّمات العقليّة ، وتارة من جهة التّرغيب والتّرهيب ، وتارة بالتّنبيه والتّذكير بأحوال المتقدّمين.

(ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (٤٦) : يعرضون عنها.

و «ثمّ» لاستبعاد الإعراض بعد تصريف الآيات وظهورها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) في هذه الآية قال : قل لقريش : (إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) من يردّه (٣) عليكم إلّا الله. وقوله : (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) ، أي : يكذّبون.

وفي رواية أبي الجارود (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية يقول : إن أخذ الله منكم الهدى (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ، انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ). يقول : يعرضون (٥).

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً) : من غير مقدّمة ، وظهور أمارة.

(أَوْ جَهْرَةً) : تتقدّمها أمارة تؤذن بحلولها. قابل البغتة بالجهرة ، لما في البغتة من معنى الخفية.

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٠٨ ، ح ١١.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٠١.

(٣) المصدر : يردّ ذلكم عليكم.

(٤) نفس المصدر ، والموضع.

(٥) المصدر : يعترضون.

٣٣٢

وقيل (١) : ليلا أو نهارا.

وقرئ (٢) : «بغتة» و «جهرة». [بكسر الفاء] (٣).

(هَلْ يُهْلَكُ) ، أي : ما يهلك هلاك تعذيب وسخط.

(إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) (٤٧) : ولأنّه بمعنى النّفي ، صحّ الاستثناء المفرغ منه.

وقرئ (٤) : «يهلك» بفتح الياء.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن منصور بن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : أخذ بني أميّة بغتة ، وبني العبّاس جهرة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : [نزلت] (٧) لمّا هاجر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى المدينة وأصاب أصحابه الجهد والعلل والمرض ، فشكوا ذلك إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأنزل الله قل لهم يا محمّد : (أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) ، يعني : لا يصيبكم إلّا الجهد والضّرّ في الدّنيا. فأمّا العذاب الأليم الّذي فيه الهلاك ، فلا يصيب إلّا القوم الظّالمون.

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) : بالثّواب والجنّة.

(وَمُنْذِرِينَ) : بالعقاب (٨) والنّار. ولم نرسلهم ليقترح عليهم.

(فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ) : بما يجب إصلاحه من العمل والاعتقاد.

(فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) : من العذاب.

(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٤٨) : بفوت الثّواب.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ) :

جعل العذاب ماسّا لهم كأنّه الطّالب للوصل إليهم ، واستغنى بتعريفه عن التّوصيف.

__________________

١ و ٢ ـ أنوار التنزيل ١ / ٣١١.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) نفس المصدر ، والمصدر.

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ٣٦٠.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٢٠١.

(٧) من المصدر.

(٨) ج : العذاب.

٣٣٣

(بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٤٩) : بسبب خروجهم عن التّصديق والطّاعة.

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) : مقدوراته. أو خزائن رزقه.

في كتاب التّوحيد والمعاني والأمالي (١) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّه لمّا صعد موسى إلى الطّور فنادى ربّه ـ عزّ وجلّ ـ قال : يا ربّ أرني خزائنك.

فقال : يا موسى ، إنّما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له : كن ، فيكون.

(وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) : ما لم يوح إليّ. وهو من جملة المقول.

(وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) : من جنس الملائكة. أو أقدر على ما يقدرون عليه.

(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) : لا أتّبع شيّئا آخر غير الوحي. تبرّأ عن دعوى الألوهيّة والملكيّة ، وادّعى النّبوّة الّتي هي من كمالات البشر ردّا لاستبعادهم دعواه وجزمهم على فساد مدّعاه. ولا يلزم منه كون الملائكة أفضل منه ، كما أنّه لا يلزم كون من تبع غير الوحي أفضل منه.

وفي كتاب التّوحيد (٢) ، بإسناده إلى أحمد بن محمّد الميثميّ ـ رضي الله عنه ـ أنّه سأل الرّضا ـ عليه السّلام ـ يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه ، وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الشّيء الواحد.

فقال ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله حرّم حراما وأحلّ حلالا وفرض فرائض. فما جاء في تحليل ما حرّم الله وتحريم ما أحلّ الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ (٣) نسخ ذلك. فذلك شيء لا يسع الأخذ به. لأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يكن ليحرّم ما أحلّ الله ، ولا ليحلّل ما حرّم الله ، ولا ليغيّر فرائض الله وأحكامه. وكان في ذلك كلّه متّبعا مسلّما مؤدّيا عن الله ـ عزّ وجلّ ـ. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) التوحيد / ١٣٣ ، ح ١٧ ، وأمالي الصدوق / ٤١٣ ، ح ٤ ، والمعاني / ٤٠٢ ، ح ٦٥.

(٢) لا يوجد في التوحيد ، ولكن في العيون ٢ / ٢٠ ، صدر ح ٤٥ ، وتفسير الصافي ٢ / ١٢٢ عنه ، ونور الثقلين ١ / ٧٢٠ ، ح ٩١ عن التوحيد ، ولعله سهو.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : نسخ.

٣٣٤

(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ). فكان متّبعا لله ، مؤدّيا عن الله ما أمره به من تبليغ الرّسالة.

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) :

إمّا مثل الجاهل والعالم قاله عليّ بن إبراهيم في تفسيره (١) ونسبه في مجمع البيان (٢) إلى أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ.

أو للضّالّ والمهتدي أو لمدّعي المستحيل ، كالألوهيّة والملكيّة ، ومدعي المستقيم ، كالنّبوة. قاله البيضاوي وغيره (٣).

(أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) (٥٠) : فتهتدوا. أو فتميّزوا بين ادّعاء الحقّ والباطل. أو فتعلموا أنّ اتّباع الوحي ممّا لا محيص عنه.

(وَأَنْذِرْ بِهِ) :

الضّمير لما يوحى إلي وهو القرآن وغيره ، بحسب المفهوم. والمراد هنا القرآن ، كما يأتي في الخبر.

(الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) :

قيل (٤) : هم المؤمنون المفرّطون في العمل. أو المجوزون للحشر ، مؤمنا كان أو كافرا ، مقرّا به أو متردّدا فيه. فإنّ الإنذار ينفع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته.

وفي مجمع البيان (٥) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : وأنذر بالقرآن من يرجون الوصول إلى ربّهم ترغبهم فيما عنده. فإنّ القرآن شافع مشفّع.

(لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) : في موضع الحال من مرفوع «يحشروا». فإنّ المخوّف هو الحشر على هذه الحال.

(لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٥١) : لكي يتّقوا.

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) : يعبدونه على الدّوام.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٠١.

(٢) المجمع ٢ / ٣٠٤.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣١١ ، والكشاف ٢ / ٢٠.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣١١.

(٥) المجمع ٢ / ٣٠٤.

٣٣٥

وقيل (١) : المراد صلاة الصّبح والعصر.

وقرأ ابن عامر : «بالغدوة» هاهنا وفي الكهف.

(يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) : حال من فاعل «يدعون» ، أي : يدعون ربّهم مخلصين فيه.

قيّد الدّعاء بالإخلاص ، تنبيها على أنّه ملاك الأمر. ورتّب النّهي عليه ، إشعارا بأنّه يقتضي إكرامهم وينافي إبعادهم.

(ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) : أي ليس عليك حساب إيمانهم ، أي : إيمان الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي. فإنّ إيمانهم عند الله أعظم من إيمان من تطردهم بسؤالهم ، وهم المشركون ، نسبوا إلى هؤلاء أنّ باطنهم غير مرضيّ وطعنوا في إيمانهم. فإنّهم لمّا اتّسموا بسيرة المتّقين ، وجب عليك إكرامهم.

لأنّ حساب إيمانهم في الباطن عليهم لا يتعدّاهم إليك ، كما أنّ حسابك لا يتعدّاك عليهم.

وقيل (٢) : ما عليك من حساب رزقهم ، أي : من فقرهم.

وقيل (٣) : الضّمير للمشركين. والمعنى : لا تؤاخذ بحسابهم ولا هم بحسابك حتّى يهمّك إيمانهم ، بحيث تطرد المؤمنين طمعا فيه.

(فَتَطْرُدَهُمْ) : فتصدّهم. وهو جواب النّفي.

(فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٢) : جواب النّهي.

وفي الكشّاف (٤) : ويجوز أن يكون عطفا على «فتطردهم» على وجه التّسبّب. لأنّ كونه ظالما مسبّب عن طردهم.

واعترض عليه ، بأنّ الطّرد المسبّب عن كون حسابهم عليه لا يصير سببا لكونه فيه من الظّالمين. لأنّه لدفع الضرر عن نفسه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : أنّه كان سبب نزولها ، أنّه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمّون أصحاب الصّفّة. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمرهم أن يكونوا في

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣١١.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٣١٢.

(٤) الكشاف ٢ / ٢٢.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٢٠٢.

٣٣٦

الصفّة يأوون إليها. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يتعاهدهم بنفسه ، وربّما حمل إليهم ما يأكلون. وكانوا يختلفون إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيقرّبهم ويقعد معهم ويؤنسهم. وكان إذا جاء الأغنياء والمترفون من أصحابه أنكروا عليه ذلك ، ويقولون له : اطردهم عنك. فجاء يوما رجل من الأنصار إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعنده [رجل] (١) من أصحاب الصّفة قد لزق برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يحدّثه. فقعد الأنصاريّ بالبعد عنهما. فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : تقدّم.

فلم يفعل.

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لعلّك خفت أن يلزق فقره بك.

فقال الأنصاريّ : اطرد هؤلاء عنك. فأنزل الله الآية.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن الأصبع بن نباتة قال : بينما عليّ ـ عليه السّلام ـ يخطب يوم الجمعة على المنبر ، فجاء الأشعث بن قيس (٣) يتخطّى (٤) رقاب النّاس.

فقال : يا أمير المؤمنين ، حالت الحمد (٥) بيني وبين وجهك.

وقال : فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : مالي وللضّياطرة (٦) ، أطرد قوما غدوا أوّل النّهار يطلبون رزق الله وآخر النّهار ذكروا الله ، فأطردهم فأكون من الظّالمين.

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) : ومثل ذلك الفتن وهو اختلاف أحوال النّاس في امور الدّنيا.

«فتّنا» ، أي : ابتلينا بعضهم ببعض في أمر الدّين. فقدّمنا هؤلاء الضّعفاء على أشراف قريش بالسّبق إلى الإيمان.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٣٦٠ ، ح ٢٦.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : عقيل.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يخطا.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : حالت الحدا. وكلاهما لا يخلوان عن التصحيف. هامش نور الثقلين ١ / ٧٢١ ، ح ٩٥.

(٦) الضياطرة : العظيم من الرجال لا غناء عندهم.

٣٣٧

(لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) ، أي : أهؤلاء من أنعم الله عليهم بالهداية والتّوفيق لما يسعدهم دوننا ، ونحن الأكابر والرّؤساء ، وهم المساكين والضّعفاء.

وهو إنكار ، لأن يخصّ هؤلاء من بينهم بإصابة الحقّ والسّبق إلى الخير.

و «اللام» للعاقبة ، أو للتّعليل. على أنّ «فتنّا» متضمّن معنى : خذلنا.

(أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣) : بمن يقع منه الإيمان والشّكر فيوفّقه ، وبمن لا يقع منه فيخذله.

وفي مجمع البيان (١) : روى الثّعلبيّ ، بإسناده : عن عبد الله بن مسعود قال : مرّ الملأ من قريش على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعنده صهيب وخبّاب وبلال وعمّار وغيرهم من ضعفاء المسلمين.

فقالوا : يا محمّد ، أرضيت بهؤلاء من قومك ، أفنحن نكون لهم تبعا لهم «أهؤلاء الّذين منّ الله عليهم»؟ اطردهم عنك فلعلّك إن طردتهم اتّبعناك فأنزل الله ـ تعالى ـ :

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ) (الخ).

وقال سلمان وخبّاب : فينا نزلت هذه الآية. جاء الأقرع بن حابس التميميّ وعيينة بن حصين (٢) حصن الفزاري وذووهم من المؤلّفة قلوبهم فوجدوا النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قاعدا مع بلال وصهيب وعمّار وخبّاب ، في ناس من ضعفاء المؤمنين فحقروهم.

فقالوا : يا رسول الله ، لو نحّيت هؤلاء عنك حتّى نخلوا بك ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرونا مع هؤلاء الأعبد ، ثمّ إذا انصرفنا فإن شئت فأعدهم إلى مجلسك. فأجابهم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى ذلك.

فقالوا له : اكتب لنا بهذا على نفسك كتابا.

فدعا بصحيفة وأحضر عليّا (٣) ـ عليه السّلام ـ ليكتب قال : ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبرائيل ـ عليه السّلام ـ بقوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ) ـ إلى قوله

__________________

(١) المجمع ٢ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : حصن.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «علي» بدل «وأحضر عليا».

٣٣٨

(أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) فنحّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الصّحيفة وأقبل علينا ودنونا منه.

وهو يقول : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).

وفي تفاسير العامّة (١) ، نقل سبب النّزول على هذا الوجه وزيد فيه : وروي أنّ عمر قال له : لو فعلت حتّى ننظر إلى ما ذا يصيرون.

(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) :

قيل (٢) : نزلت في الّذين نهى الله عن طردهم. وكان النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا بدأهم بالسّلام.

وقيل (٣) : نزلت في حمزة وجعفر وعمّار ومصعب بن عمير [وعمّار] (٤) وغيرهم.

وقيل (٥) : إنّ جماعة أتوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقالوا : إنّا أصبنا ذنوبا كثيرة. فسكت عنهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فنزلت.

وفي مجمع البيان (٦) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ

[بعد قوله وقيل] (٧) وقيل : نزلت في التّائبين.

(أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً) : استئناف بتفسير الرحمة.

وقرأ (٨) نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب ، بالفتح ، على البدل منها.

(بِجَهالَةٍ) : في موضع الحال ، أي : من عمل ذنبا جاهلا بحقيقة ما يتبعه من المضارّ والمفاسد ، أو متلبّسا بفعل الجهلة. فإنّ ارتكاب ما يؤدّي إلى الضّرر ، من أفعال أهل السّفه والجهل.

(ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ) : بعد العمل ، أو السوء.

(وَأَصْلَحَ) : بالتّدارك والعزم على أن لا يعود إليه.

__________________

(١) تفسير الكبير ١٢ / ٢٣٤ ، والدرّ المنثور ٣ / ١٣ باختلاف يسير.

(٢) المجمع ٢ / ٣٠٧.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) من المصدر.

(٥ و ٦) نفس المصدر ، والموضع.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣١٢.

٣٣٩

(فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٤) : فتحه من فتح الأوّل غير نافع على إضمار مبتدأ ، أو خبر ، أي : فأمره أو فله غفرانه.

في تفسير العياشيّ (١) : عن أبي عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : رحم الله عبدا تاب إلى الله قبل الموت. فإنّ التّوبة مطهّرة من دنس الخطيئة ، ومنقذة من شقاء الهلكة ، فرض الله بها على نفسه لعباده الصّالحين فقال : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ، أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً).

(وَكَذلِكَ) ، مثل ذلك التّفضيل الواضح.

(نُفَصِّلُ الْآياتِ) : آيات القرآن ، في صفة المطيعين والمجرمين المصرّين منهم والأوّابين.

(وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٥٥) :

قرأ (٢) نافع ، بالتّاء ، ونصب «السّبيل» على معنى : ولتستوضح ، يا محمّد ، سبيلهم فتعامل كلّا منهم بما يحقّ له فصّلنا هذا التّفصيل.

وابن عامر (٣) ويعقوب وحفص عن عاصم ، برفعه ، على معنى : ولتبيّن.

والباقون ، بالياء والرّفع ، على تذكير السّبيل ، فإنّه يذكّر ويؤنّث.

ويحتمل أن يعطف على علّة مقدّرة ، أي : نفصّل الآيات ليظهر الحقّ وليستبين.

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ) : صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلّة وأنزل عليّ من الآيات في أمر التّوحيد.

(أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي : تعبدونه. أو ما تسمّونه آلهة من دونه.

(قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) : تأكيد لقطع أطماعهم ، وإشارة إلى الموجّب للنّهي ، وعلّة الامتناع عن مشايعتهم واستجهال وبيان لمبدإ ضلالهم وأنّ ما هم عليه هوى وليس

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٣٦١ ، ح ٢٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣١٢.

(٣) نفس المصدر والموضع.

٣٤٠