تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

وفي كتاب الإهليلجة (١) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ بعد أن ذكر اللّيل والنّهار : ولو جعل أحدهما سرمدا ، ما قام لهم معاش أبدا (٢). فجعل مدّبر هذه الأشياء وخالقها ، النّهار مبصرا واللّيل سكنا.

وفي تهذيب الأحكام (٣) ، بإسناده إلى أبان بن تغلب : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [قال] (٤) : كان عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ يأمر غلمانه (٥) أن لا يذبحوا حتّى يطلع الفجر. ويقول : إنّ الله جعل اللّيل سكنا لكلّ شيء.

قال : قلت : جعلت فداك ، فإن خفنا؟

فقال (٦) : إن كنت تخاف الموت ، فاذبح.

وفي الكافي (٧) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : في التزويج (٨) [قال] (٩) من السّنّة التّزويج باللّيل. لأنّ الله جعل اللّيل سكنا.

محمّد بن يحيى (١٠) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه ، عن ميسر بن (١١) عبد العزيز ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال : يا ميسر (١٢) ، تزوّج باللّيل فإنّ الله جعله سكنا.

ونصبه بفعل دلّ عليه «جاعل» في معنى الماضي. ويدلّ عليه قراءة الكوفيّين : «وجعل اللّيل» حملا على معنى المعطوف عليه. فإنّ «فالق» بمعنى : فلق. ولذلك قرئ

__________________

(١) البحار ٣ / ١٩١.

(٢) المصدر : ولو كان كل واحد منهما سرمدا على العباد لما قامت لهم معايش أبدا.

(٣) التهذيب ٩ / ٦٠ ، ح ٢٥٤.

(٤) من المصدر و «ج» و «ر».

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : غلمته.

(٦) المصدر : قال.

(٧) الكافي ٥ / ٣٦٦ ح ١.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الشرع.

(٩) من المصدر.

(١٠) الكافي ٥ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧ صدر ح ٣.

(١١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ميسرة عن عبد العزيز.

(١٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ميسرة.

٤٠١

به. على أنّ المراد منه جعل مستمرّ في الأزمنة المختلفة. وعلى هذا يجوز أن يكون (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) : عطفا على محلّ «اللّيل». ويشهد له قراءتهما ، بالجرّ. والأحسن نصبهما «بجعل» مقدّرا.

وقرئ (١) ، بالرّفع ، على الابتداء. والخبر محذوف ، أي : مجعولان.

(حُسْباناً) ، أي : على أدوار مختلفة يحسب بهما الأوقات ، ويكونان على الحسبان. وهو مصدر «حسب» بالكسر.

وقيل (٢) : جمع ، حساب ، كشهاب وشهبان.

(ذلِكَ) ، أي : جعلهما حسبانا. أو ذلك التّسيير بالحساب المعلوم.

(تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) : الّذي قهرهما وسيّرهما على الوجه المخصوص.

(الْعَلِيمِ) (٩٦) : بتدبيرهما ، والأنفع من الأوضاع الممكنة لهما.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ) : خلقها لكم.

(لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) : في ظلمات اللّيل في البرّ والبحر.

واضافتها إليهما ، للملابسة. أو في مشتبهات الطّرق والأمور. وسمّاها «ظلمات» على الاستعارة. وهو إفراد لبعض منافعها بالذّكر بعد ما أجملها بقوله : «لكم».

(قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) : بيّناها فصلا فصلا.

(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٩٧) : فإنّهم المنتفعون (٣) به.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : «النّجوم» آل محمّد.

وفي شرح الآيات الباهرة (٥) : قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره : إنّ «النّجوم» هم آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. لأنّ الاهتداء لا يحصل إلّا بهم ، ولقول أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : مثل آل محمّد ، كمثل النّجوم إذا هوى (٦) نجم طلع نجم. وإنّ (٧) هدى النّجوم من

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٢.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٣.

(٣) كذا في المصدر و «ج» ، وفي سائر النسخ : المتقون.

(٤) تفسير القمي ١ / ٢١١.

(٥) تأويل الآيات الباهرة / ٦٠ ـ ٦١.

(٦) المصدر : حقي.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : أين.

٤٠٢

هداهم (١) ، وهو الهدى الّذي يوصل إلى جنّات النّعيم. وهدى النّجوم لمن لا يهتدي بهداهم (٢) يوصل إلى دركات الجحيم. فعلى محمّد وآله من ربّنا الكريم أكمل (٣) الصّلاة وأفضل التّسليم.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : وهو آدم ـ عليه السّلام ـ.

(فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ).

قيل (٤) : أي : فلكم استقرار في الأصلاب ، أو فوق الأرض. واستيداع في الأرحام ، أو تحت الأرض. أو موضع استقرار واستيداع.

وقرأ ابن (٥) كثير والبصريّان ، بكسر القاف ، على أنّه اسم فاعل. والمستودع [اسم] (٦) مفعول ، أي : فمنكم قارّ ومنكم مستودع. لأنّ الاستقرار منّا دون الاستيداع.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : قال : «المستقرّ» الإيمان الّذي يثبت في قلب الرّجل إلى أن يموت. و «المستودع» هو المسلوب منه الإيمان.

وفي تهذيب الأحكام (٨) ، في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ : اللهم ، إنّي أسألك بالحقّ الّذي جعلته عندهم وبالّذي فضلّتهم على العالمين جميعا ، أن تبارك لنا في يومنا هذا الّذي أكرمتنا فيه ، وأن (٩) تتمّ علينا نعمتك ، وتجعله عندنا مستقرّا ، ولا تسلبناه (١٠) أبدا ، ولا تجعله مستودعا. فإنّك مستقرّ ومستودع. فاجعله مستقرّا ولا تجعله مستودعا.

وفي تفسير العيّاشي (١١) : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت : (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ).

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : هدايتهم.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : بهدايتهم.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : أجمل.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٣.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٣.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٢١٢.

(٨) التهذيب ٣ / ١٤٧.

(٩) كذا في المصدر ، وفي النسخ : بأن.

(١٠) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لا تسلبنا.

(١١) تفسير العياشي ١ / ٣٧١ ، ح ٦٩.

٤٠٣

قال : ما يقول أهل بلدك الّذي أنت فيه؟

قال : قلت : يقولون : مستقرّ في الرّحم ومستودع في الصلب.

فقال : كذبوا ، المستقرّ ما استقرّ الإيمان في قلبه ، فلا ينزع منه أبدا. والمستودع الّذي يستودع الإيمان زمانا ثمّ يسلبه وقد كان الزّبير منهم.

وعن سعيد بن أبي الأصبغ (١) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وهو سئل (٢) عن «مستقرّ ومستودع».

قال : «مستقرّ» في الرّحم. و «مستودع» في الصّلب. وقد يكون مستودع الإيمان ثمّ ينزع منه. ولقد مشى الزّبير في ضوء الإيمان ونوره حين قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى مشى بالسّيف وهو يقول : لا نبايع إلّا (٣) عليّا.

محمّد بن الفضل (٤) ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ [في قوله] (٥) (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ).

قال : ما كان من الإيمان المستقرّ ، فمستقرّ إلى يوم القيامة [أو] (٦) أبدا. وما كان مستودعا ، سلبه الله قبل الممات.

عن صفوان (٧) قال : سألني أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ ومحمّد بن خلف جالس ، فقال لي : مات يحيى بن القاسم الحذّاء؟

فقلت [له] (٨) : نعم ، ومات زرعة.

فقال : كان جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : «فمستقرّ ومستودع». فالمستقرّ ، قوم

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٣٧١ ، ح ٧١.

(٢) المصدر : يسأل.

(٣) ليس في «ج» ، وهو الصحيح.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ ، ح ٧٢ وفيه : «الفضيل» بدل «الفضل».

(٥) من المصدر.

(٦) من المصدر ، وذكر في الهامش بأنّه ترديد من الراوي وكذلك في حاشية نور الثقلين ١ / ٧٥١ ، ح ٢٠٧.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٣٧٢ ، ح ٧٣.

(٨) من المصدر.

٤٠٤

يعطون الإيمان ويستقر في قلوبهم. والمستودع ، قوم يعطون الإيمان ثمّ يسلبونه (١).

وعن أبي الحسن الأوّل (٢) ـ عليه السّلام ـ قال : المستقرّ ، الإيمان الثّابت.

والمستودع ، المعار.

وعن أبي عبد الله (٣) ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي الكافيّ (٤) : عنه (٥) ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله خلق النّبيّين على النّبوّة ، فلا يكونون إلّا أنبياء. وخلق المؤمنين على الإيمان ، فلا يكونون إلّا مؤمنين. وأعار قوما إيمانا ، فإن شاء تمّمه لهم وإن شاء سلبهم (٦) إيّاه.

قال : وفيهم جرت «فمستقرّ ومستودع».

وقال [لي] (٧) : إنّ فلانا كان مستودعا إيمانه ، فلمّا كذب علينا سلب إيمانه ذلك.

وكنّى بفلان. عن أبي الخطّاب محمّد بن قلاص (٨) ، كما يستفاد من حديث آخر (٩).

(قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (٩٨) :

ذكر مع ذكر «النّجوم» «يعلمون» لأنّ أمرها ظاهر ، ومع ذكر تخليق بني آدم «يفقهون» لأنّ إنشاءهم من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ، دقيق غامض يحتاج إلى استعمال فطنة وتدقيق نظر.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) : من السّحاب ، أو من جانب السّماء.

(فَأَخْرَجْنا) : على تلوين الخطاب.

(بِهِ) : بالماء.

__________________

(١) كذا في المصدر ، والنسخ : يسلبون.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٣٧٢ ، ح ٧٤.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٣٧٣ ، ذيل ح ٧٥.

(٤) الكافي ٢ / ٤١٨ ح ٤.

(٥) المصدر : عن أبي الحسن.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يسلبهم.

(٧) من المصدر.

(٨) «ج» و «ر» : مقلاص الغالي كما في جامع الرواة ٢ / ٢٠٣.

(٩) الكافي ٢ / ٤١٨ ، ح ٣.

٤٠٥

(نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) : نبت كلّ صنف من النّبات. والمعنى : إظهار القدرة في إنبات الأنواع المتفننة بماء واحد ، وتفضّل بعضها على بعض في الأكل.

(فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) : من النّبات ، أو الماء.

(خَضِراً) : شيئا أخضر (١).

يقال : أخضر وخضراء ، كأعور وعوراء. وهو الخارج من الحبّة المتشعّب.

(نُخْرِجُ مِنْهُ) : من الخضر.

(حَبًّا مُتَراكِباً) : قد ركب بعضه بعضا. وهو السّنبل.

(وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ) ، أي : وأخرجنا من النّخل نخلا من طلعها قنوان. أو من النّخل شيئا من طلعها قنوان.

ويجوز أن يكون «من النّخل» خبر «قنوان». و «من طلعها» بدلا منه.

والمعنى : وحاصله من طلع النّخل قنوان. وهو الأعذاق ، جمع قنو ، كصنوان ، جمع صنو.

وقرئ (٢) : بضمّ القاف كذئب وذئاب. وبفتحها ، على أنّه اسم جمع. إذ ليس «فعلان» من أبنية الجمع.

(دانِيَةٌ) : قريبة من المتناول (٣) ، أو ملتفّة قريب بعضها من بعض. وإنّما اقتصر على ذكرها عن مقابلها ، لدلالتها عليه وزيادة النّعمة فيها.

(وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) : عطف على «نبات كلّ شيء».

وقرئ (٤) ، بالرّفع وفي مجمع البيان (٥) : أنّه قراءة أمير المؤمنين ، ـ عليه السّلام ـ على الابتداء ، أي : ولكم ، أو ثمّ جنّات ، أو من الكرام جنّات.

ولا يجوز عطفه على «قنوان» إذ العنب لا يخرج من النّخل.

(وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) : أيضا عطف على «نبات». أو نصب على الاختصاص ،

__________________

(١) كذا في «ج» و «ر» ، وفي سائر النسخ : أشياء خضر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٣.

(٣) كذا في «ج» ، وفي سائر النسخ : التناول.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٣.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٣٤٠.

٤٠٦

لعزّة هذين الصّنفين عندهم.

(مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) : حال من «الرّمّان». أو من الجميع ، أي : بعض ذلك متشابه وبعضه غير متشابه في الهيئة والقدر والطّعم.

(انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ) : إلى ثمر كلّ واحد من ذلك.

وقرأ (١) حمزة والكسائيّ ، بضمّ الثّاء. وهو جمع ، ثمرة ، كخشبة وخشب. أو ثمار ، ككتاب وكتب.

(إِذا أَثْمَرَ) : إذا أخرج ثمره كيف يثمر ضئيلا لا يكاد ينتفع به.

(وَيَنْعِهِ) : وإلى حال نضجه ، أو إلى نضجه كيف يعود ضخيما ذا نفع ولذّة.

وهو في الأصل مصدر ، ينعت الثّمرة : إذا أدركت.

وقيل (٢) : جمع ، يانع ، كتاجر وتجر.

وقرئ (٣) ، بالضّمّ ، وهو لغة فيه. ويانعة.

(إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٩٩) ، أي : لآيات على وجود القادر الحكيم وتوحيده. فإنّ حدوث الأجناس المختلفة والأنواع المفنّنة من أصل واحد ونقلها من حال إلى حال ، لا يكون إلّا بإحداث قادر يعلم تفاصيلها ويرجّح ما تقتضيه حكمته ممّا يمكن من أحوالها ، ولا يعوقه من فعله ندّ يعارضه أو ضدّ يعانده.

ولذلك عقّبه بتوبيخ من أشرك به والرّد عليه ، فقال : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) ، أي : الملائكة. بأن عبدوهم وقالوا : الملائكة بنات الله. سمّاهم : جنّا ، لاجتنانهم تحقيرا لشأنهم.

أو الشّياطين ، لأنّهم أطاعوهم ، كما يطاع الله. أو عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم.

أو قالوا : الله خالق الخير وكلّ نافع ، والشّيطان خالق الشّر وكلّ ضارّ ، كما رأى الثّنويّة.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٤.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

٤٠٧

ومفعولا «جعلوا لله» «شركاء» ، و «الجنّ» بدل من «شركاء». أو «شركاء الجنّ» و «لله» متعلّق «بشركاء» ، أو حال منه.

وقرئ (١) : «الجنّ» بالرّفع ، كأنّه قيل : من هم؟

فقيل : «الجنّ». وبالجرّ ، على الإضافة ، للتّبيين. (وَخَلَقَهُمْ) : حال بتقدير «قد». والمعنى : وقد علموا أنّ الله خالقهم دون الجنّ ، وليس من يخلق كمن لا يخلق.

وقرئ (٢) : «وخلقهم» عطفا على «الجنّ» ، أي : وما يخلقونه من الأصنام. أو على «شركاء» ، أي : وجعلوا له اختلاقهم للإفك حيث نسبوه إليه.

(وَخَرَقُوا لَهُ) : افتعلوا وافتروا له (٣).

وقرأ (٤) نافع ، بتشديد الرّاء ، للتّكثير.

وقرئ (٥) : «وحرّفوا» ، أي : وزوّروا.

(بَنِينَ وَبَناتٍ).

فقالت اليهود : عزير بن الله. وقالت النّصارى : المسيح بن الله وقالت العرب :

الملائكة بنات الله.

(بِغَيْرِ عِلْمٍ) : من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوا ، ويروا عليه دليلا ، بل جهلا منهم بعظمة الله. وهو في موضع الحال من «الواو». أو المصدر ، أي : خرقا بغير علم.

(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) (١٠٠) : وهو أنّ له شريكا وولدا.

(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : من إضافة الصّفة المشبّهة إلى فاعلها. أو إلى الظّرف ، كقولهم : ثبت الغدر. بمعنى : أنّه عديم النّظير فيهما.

وقيل (٦) : معناه : المبدع. وقد سبق الكلام فيه.

وما رواه في مجمع البيان (٧) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : «أنّ معناه : أنّه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٤.

(٢) نفس المصدر ، والموضع.

(٣) ليس في «ج».

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٤.

(٥) نفس المصدر ، والموضع.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٤.

(٧) مجمع البيان ٢ / ٣٤٣.

٤٠٨

مبدعهما ومنشئهما (١) [بعلمه] (٢) ابتداء. لا من شيء ولا على مثال سبق»

فمحمول على أنّه حاصل المعنى.

ورفعه على الخبر ، والمبتدأ محذوف. أو على الابتداء وخبره (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) ، أي : من أين ، أو كيف يكون له ولد؟

(وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) : يكون منها الولد.

وقرئ (٣) ، بالياء ، للفصل. أو لأنّ الاسم ضمير الله ، أو ضمير الشّأن.

(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٠١) : لا تخفى عليه خافية.

وإنّما لم يقل : به ، لتطرّق التّخصيص إلى الأوّل.

وقيل (٤) : في الآية استدلال على نفي الولد من وجوه :

الأوّل ، الله (٥) من مبدعاته السّموات والأرضون. وهي مع أنّها من جنس ما يوصف بالولادة ، مبرّأة عنها لاستمرارها وطول مدّتها ، فهو أولى بأن يتعالى عنها [أو أن ولد] (٦) الشيء نظيره ولا نظير له فلا ولد.

والثّاني ، أنّ المعقول من الولد ما يتولّد من ذكر وأنثى متجانسين. والله تعالى منزّه عن المجانسة.

والثّالث ، أنّ الولد كفؤ الوالد. ولا كفؤ له لوجهين :

الأوّل ، أنّ كلّ ما عداه مخلوق فلا يكافئه.

والثّاني ، أنّه [سبحانه وتعالى] (٧) لذاته عالم بكلّ المعلومات ولا كذلك غيره بالإجماع.

(ذلِكُمُ) : إشارة إلى الموصوف بما سبق من الصّفات. وهو مبتدأ (اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) : أخبار مترادفة.

__________________

(١) كذا في المصدر ، والنسخ : مبدعها ومنشئها.

(٢) من المصدر.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٤.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥.

(٥) المصدر : أنّ.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) من المصدر.

٤٠٩

ويجوز أن يكون البعض بدلا أو صفة ، والبعض خبرا.

وفي كتاب الخصال (١) : عن أبي جعفر (٢) ـ عليه السّلام ـ. وفي العيون (٣) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين. والله خالق كلّ شيء.

ولا نقول بالجبر والتّفويض.

وفي عيون الأخبار (٤) ، بإسناده إلى الحسين بن خالد : عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : اعلم ، علّمك الله الخير ، أنّ (٥) الله ـ تبارك وتعالى ـ قديم. والقدم (٦) صفة دلّت العاقل على أنّه لا شيء قبله ولا شيء معه (٧) في ديموميّته. فقد بان لنا بإقرار العامّة مع معجزة الصّفة ، أنّه لا شيء قبل الله ولا شيء مع الله [في بقائه] (٨). وبطل قول من زعم ، أنّه كان قبله أو كان معه شيء. وذلك أنّه لو كان معه شيء في بقائه ، لم يجز أن يكون خالقا له. لأنّه لم يزل معه ، فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه. ولو كان قبله شيء ، كان الأوّل ذلك الشّيء لا هذا. وكان الأوّل أولى بأن يكون خالقا للثّاني (٩).

وفي أصول الكافي (١٠) : عليّ بن محمّد مرسلا ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ مثله سواء.

(فَاعْبُدُوهُ) : حكم مسبّب عن مضمونها. فإنّ من استجمع هذه الصّفات ، استحقّ العبادة.

(وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١٠٢) ، أي : هو مع تلك الصّفات متولّي أموركم. فكلوها إليه وتوسّلوا بعبادته إلى إنجاح مآربكم.

__________________

(١) الخصال / ٦٠٨.

(٢) المصدر : جعفر بن محمد.

(٣) العيون ٢ / ١٢٥.

(٤) العيون ١ / ١٤٥ صدر ح ٥٠.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : و.

(٦) كذا في المصدر ، «ر» ، وفي سائر النسخ : القديم.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : بعده.

(٨) من المصدر.

(٩) في نسخة من المصدر : خالقا للاوّل وفي أخرى منه : خالقا للاوّل الثاني.

(١٠) الكافي ١ / ١٢٠ ، صدر ح ٢.

٤١٠

و [قيل : أي : حفيظ مدبّر] (١) ، [رقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها] (٢)

(لا تُدْرِكُهُ) : لا تحيط به.

(الْأَبْصارُ) : جمع ، بصر. وهي حاسّة النّظر. وقد يقال للعين ، من حيث أنّها محلّها.

(وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) : يحيط بها علمه.

(وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٠٣) : فيدرك ما لا تدركه الأبصار ، كالأبصار.

ويجوز أن يكون من باب اللّفّ ، أي : لا تدركه الأبصار لأنّه اللّطيف ، وهو يدرك الأبصار لأنّه الخبير. فيكون «اللّطيف» مستعارا من مقابل «الكثيف» لما لا يدرك بالحاسّة ولا ينطبع فيها.

وفي كتاب التّوحيد (٣) ، بإسناده إلى صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرّة المحدّث أن أدخله على (٤) أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ. فاستأذنته في ذلك ، فأذن لي ، فدخل عليه. فسأله عن الحلال والحرام والأحكام ، حتّى بلغ سؤاله التّوحيد.

فقال أبو قرّة : إنّا روينا ، أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قسّم الرّؤية والكلام بين نبيّين (٥).

فقسم لموسى ـ عليه السّلام ـ الكلام ، ولمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ الرّؤية.

فقال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : فمن المبلغ عن الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى الثّقلين ، الإنس والجنّ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (٦) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٧) أليس محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال : بلى.

[قال ـ ظ] (٨) فكيف (٩) يجيء رجل إلى الخلق جميعا ، فيخبرهم أنّه جاء من عند الله

__________________

(١) ليس في أنوار التنزيل ١ / ٣٢٥.

(٢) يوجد في نفس المصدر ، والموضع.

(٣) التوحيد / ١١٠ ـ ١١١ صدر ح ٩.

(٤) كذا في المصدر ، والنسخ : إلى.

(٥) المصدر : إثنين.

(٦) طه : ١١٠.

(٧) الشورى : ١١.

(٨) من نور الثقلين ١ / ٧٥٢ ، ح ٢١٥.

(٩) كذا في المصدر ، والنسخ : كيف.

٤١١

وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) و (لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ثمّ يقول : أنا رأيته بعيني ، وأحطت به علما ، وهو على صورة البشر. أما تستحيون (١) ما قدرت الزّنادقة أن ترميه بهذا ، أن يكون يأتي عن الله بشيء ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر؟

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده (٢) إلى [عبد الله بن سنان عن] (٣) أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ).

قال : إحاطة الوهم. ألا ترى إلى قوله : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) ليس يعني : بصر العيون. (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) ليس يعني : من أبصر (٤) بعينه. (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) لم يعن : عمى العيون. إنّما عنى إحاطة الوهم ، كما يقال : فلان بصير بالشّعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدّراهم ، وفلان بصير بالثّياب. الله أعظم من أن يرى بالعين.

وبإسناده (٥) إلى أبي هاشم الجعفريّ : عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال :

سألته عن الله ـ عزّ وجلّ ـ هل يوصف؟

فقال : أمّا تقرأ القرآن؟

قلت : بلى.

قال : أما تقرأ قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ)؟

قلت : بلى.

قال : فتعرفون الأبصار؟

قلت : نعم (٦).

قال : وما هي؟

قلت : أبصار العيون.

__________________

(١) كذا في المصدر ، والنسخ : يستحيون.

(٢) التوحيد / ١١٢ ، ح ١٠.

(٣) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

(٤) المصدر : البصر.

(٥) التوحيد / ١١٢ ـ ١١٣ ، ح ١١.

(٦) المصدر : بلى.

٤١٢

فقال : إنّ أوهام القلوب أكبر (١) من أبصار العيون. فهو لا تدركه الأوهام ، وهو يدرك الأوهام.

وبإسناده (٢) إلى أبي هاشم [الجعفري ، قال : قلت لأبي جعفر ابن الرضا ـ عليه السّلام ـ : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ).

فقال : يا أبا هاشم] (٣) : أوهام القلوب أدق من أبصار العيون. أنت قد تدرك بوهمك السّند والهند والبلدان الّتي لم تدخلها ، ولم (٤) تدركها ببصرك. فأوهام (٥) القلوب لا تدركه ، فكيف أبصار العيون؟!

وفي أصول الكافي (٦) ، هذه الأحاديث الأربعة إسنادا ومتنا سواء.

وفي أمالي الصدّوق (٧) ـ رحمه الله ـ ، بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيغ قال : قال أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ).

قال : لا تدركه أوهام القلوب ، فكيف تدركه أبصار العيون؟!

وبإسناده (٨) إلى إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن الله ـ تبارك وتعالى ـ هل يرى في المعاد؟

فقال : سبحان الله وتعالى [عن ذلك] (٩) علوّا كبيرا. يا ابن الفضل ، إنّ الأبصار لا تدرك إلّا ما [له] (١٠) لون وكيفيّة. والله تعالى خالق الألوان والكيفيّة.

__________________

(١) المصدر : أكثر.

(٢) التوحيد / ١١٣ ، ح ١٢.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : لا.

(٥) كذا في المصدر ، والنسخ : وأوهام.

(٦) الحديث الاول في الكافي ١ / ٩٥ ـ ٩٦ ، صدر ح ٢.

الحديث الثاني في الكافي ١ / ٩٨ ، ح ٩.

الحديث الثالث في الكافي ١ / ٩٨ ـ ٩٩ ، ح ١٠.

الحديث الرابع في الكافي ١ / ٩٩ ، ح ١١.

(٧) أمالي الصدوق / ٣٣٤ ، ح ٣.

(٨) أمالي الصدوق / ٣٣٤ ، ح ٣.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) من المصدر و «ج».

٤١٣

وبإسناده (١) إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إيّاكم والتّفكّر في الله [والنّظر في الله] (٢) ، فإنّ التّفكّر في الله لا يزيد إلّا تيها. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لا تدركه الأبصار ، ولا يوصف بمقدار.

وفي كتاب التّوحيد (٣) ، خطبة لعليّ ـ عليه السّلام ـ. يقول فيها : ولم تدركه الأبصار ، فيكون بعد انتقالها حائلا.

وخطبة أخرى (٤) له ـ عليه السّلام ـ. وفيها : وانحسرت الأبصار عن أن تناله ، فيكون بالعيان موصوفا ، وبالذّات الّتي لا يعلمها إلّا هو عند خلقه معروفا.

وفيه (٥) حديث طويل ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. يقول فيه ـ وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات ـ : وأما قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) فهو ، كما قال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يعني (٦) : لا تحيط به الأوهام. (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) ، يعني : يحيط بها.

وفي مجمع البيان (٧) : روى العيّاشيّ ، بإسناده المتّصل : أن المفضّل (٨) بن سهل ذا الرّئاستين سأل أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ فقال : أخبرني عمّا اختلف فيه النّاس من الرّؤية.

فقال : من وصف الله ـ سبحانه ـ بخلاف ما وصف به نفسه ، فقد أعظم الفرية على الله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ). وهذه الأبصار ليست هذه (٩) الأعين ، إنّما هي الأبصار الّتي في القلوب. ولا يقع عليه الأوهام ولا يدرك كيف هو.

وفي عيون الأخبار (١٠) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من الأخبار في التّوحيد. حديث طويل عنه ـ عليه السّلام ـ. وفيه قال : قال السّائل : رحمك الله ،

__________________

(١) أمالي الصدوق / ٣٤٠ ، ح ٣.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) التوحيد / ٣١ ، ضمن ح ١.

(٤) التوحيد / ٥٠ ، ضمن ح ١٣.

(٥) التوحيد / ٢٦٢.

(٦) كذا في المصدر ، والنسخ : و.

(٧) مجمع البيان ٢ / ٣٤٤.

(٨) المصدر : الفضل.

(٩) المصدر : هي.

(١٠) العيون ١ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، ضمن ح ٢٨.

٤١٤

فأوجدني (١) كيف هو وأين هو؟

قال : ويلك ، إنّ الّذي ذهبت إليه غلط. وهو أين الأين ، وكان ولا أين. هو (٢) كيّف الكيف ، وكان ولا كيف. فلا يعرف بكيفوفيّة ، ولا بأينونيّة ، ولا [يدرك] (٣) بحاسّة ، ولا يقاس بشيء.

قال الرّجل : فإذا (٤) أنّه لا شيء إذا لم يدرك بحاسّة من الحواسّ.

فقال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : ويلك ، لمّا عجزت حواسّك عن إدراكه ، أنكرت ربوبيّته. ونحن إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه أيقنا أنّه ربّنا ، وأنّه [شيء] (٥) بخلاف الأشياء.

وفيه بعد سطور قال الرّجل : فلم احتجب؟

فقال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : إنّ الحجاب عن (٦) الخلق لكثرة ذنوبهم. فأمّا هو ، فلا تخفى عليه خافية في آناء اللّيل والنّهار.

قال : فلم لا تدركه (٧) حاسّة البصر (٨)؟

قال : للفرق بينه وبين خلقه الّذين تدركهم حاسّة الأبصار منهم ومن غيرهم.

[ثم] (٩) هو أجلّ من أن يدركه بصر (١٠) ، أو يحيط (١١) به وهم.

وفي أصول الكافي (١٢) : أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن سيف ، عن محمّد بن عبيد قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أسأله عن الرّؤية ، وما ترويه العامّة والخاصّة. وسألته أن يشرح لي ذلك.

__________________

(١) كذا في المصدر و «ج» : فأوجد لي ، وفي سائر النسخ : فما وجدني.

(٢) المصدر : و.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فإذن له.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : على.

(٧) المصدر : يدركه.

(٨) المصدر : الأبصار.

(٩) من المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر ، والنسخ : البصر.

(١١) المصدر : يحيطه.

(١٢) الكافي ١ / ٩٦ ـ ٩٧ ، ح ٣.

٤١٥

فكتب بخطّه : اتّفق الجميع لا تمانع بينهم ، أنّ المعرفة من جهة الرّؤية ضرورة.

فإذا جاز أن يرى الله بالعين ، وقعت المعرفة ضرورة. ثمّ لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا ، أو ليست بإيمان.

فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرّؤية إيمانا ، فالمعرفة الّتي في دار الدّنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان ، لأنّها ضدّه. فلا يكون في الدّنيا مؤمن ، لأنّهم لم يروا الله ـ عزّ ذكره ـ.

وإن لم تكن (١) تلك المعرفة الّتي من جهة الرّؤية إيمانا ، لم تخل هذه المعرفة الّتي من جهة الاكتساب أن تزول ، ولا تزول في المعاد. فهذا دليل على أنّ الله ـ تعالى عزّ ذكره ـ لا يرى بالعين ، إذ العين تؤدّي إلى ما وصفناه.

عليّ بن إبراهيم (٢) : عن المختار [بن محمد بن المختار] (٣) الهمدانيّ ومحمّد بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعا ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه فقولك : اللّطيف الخبير. فسّره لي ، كما فسّرت الواحد. فإنّي أعلم أنّ لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل (٤) ، غير أنّي أحبّ أن تشرح لي ذلك.

فقال : يا فتح ، إنّما قلنا : «اللّطيف» للخلق اللّطيف ، [و] (٥) لعلمه بالشّيء اللّطيف. أو لا ترى ـ وفّقك الله وثبّتك ـ إلى أثر صنعه في النّبات اللّطيف وغير اللّطيف ، ومن الخلق اللّطيف ، ومن الحيوان الصّغار ، ومن البعوض والجرجس (٦) وما هو أصغر منها ، ما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان لصغره الذّكر من الأنثى ، والحدث (٧) المولود من القديم. فلمّا رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسّفاد (٨) والهرب من الموت والجمع لما

__________________

(١) كذا في المصدر ، والنسخ : لم يكن.

(٢) الكافي ١ / ١١٩ ـ ١٢٠ ، ضمن ح ١.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الخلق المفضل.

(٥) من المصدر.

(٦) الجرجس : البعوض الصغار.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الحديث.

(٨) سفد ذكر الحيوان أنثاه ، وعلى أنثاه : نزا عليها.

٤١٦

يصلحه وما في لجج البحار وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار وافهام (١) بعضها عن بعض منطقها وما يفهم به أولادها عنها ونقلها الغذاء إليها ثمّ تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة [وأنّه] (٢) ما لا تكاد عيوننا تستبينه لدمامة (٣) خلقها لا تراه عيوننا ولا تلمسه أيدينا ، علمنا أنّ خالق هذا الخلق لطيف لطف بخلق ما سمّيناه بلا علاج ولا أداة ولا آلة. وأنّ كلّ صانع [شيء] (٤) فمن شيء صنع ، والله الخالق اللّطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء.

عليّ بن محمّد (٥) مرسلا ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

وفيه : وأمّا اللّطيف ، فليس على قلّة وقضافة (٦) وصغر (٧). ولكنّ ذلك على النّفاذ في الأشياء والامتناع من أن يدرك ، كقولك للرّجل : لطف عنّي هذا الأمر ، ولطف فلان في مذهبه.

وقوله يخبرك : أنّه غمض فيه العقل ، وفات الطلب (٨) ، وعاد متعمّقا متلطّفا لا يدركه الوهم. فكذلك لطف الله ـ تبارك وتعالى ـ عن أن يدرك بحدّ أو يحدّ بوصف. واللّطافة منّا الصّغر والقلّة ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.

محمّد بن أبي عبد الله (٩) ، رفعه إلى أبي هاشم الجعفريّ : عن أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه قال ـ عليه السّلام ـ : [وكذلك] (١٠) سمّيناه لطيفا ، لعلمه بالشّيء اللّطيف ، مثل البعوضة وأخفى من ذلك ، وموضع النشوء (١١) منها ، والعقل ، والشّهوة للسّفاد (١٢) ، والحدب (١٣) على نسلها ، وإقام (١٤) بعضها على بعض ، ونقلها الطّعام

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : إفهامه.

(٢) من المصدر.

(٣) الدميم : الحقير ، يقال : رجل دميم وبه دمامة : إذا كان قصير الجثّة حقير الجثمان.

(٤) من المصدر.

(٥) الكافي ١ / ١٢٢ ، ضمن ح ٢.

(٦) قضف قضافة : نحف ودقّ.

(٧) كذا في المصدر ، و «ج» و «ر» : صفر.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : اللّطف.

(٩) الكافي ١ / ١١٧ ، ضمن ح ٧.

(١٠) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

(١١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : النفس.

(١٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : والسّفاد.

(١٣) الحدب : العطف ، والشفقة.

(١٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : إقامة.

٤١٧

والشّراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والأودية والقفار. فعلمنا أنّ خالقها لطيف بلا كيف. وإنّما الكيفيّة للمخلوق المكيف.

وفي كتاب الإهليلجة (١) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إنّما سمّيناه لطيفا للخلق اللّطيف ولعلمه بالشّيء اللّطيف ، ممّا خلق من البعوض (٢) للبعوضة والذّرّة وما (٣) أصغر منها.

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن محمّد مرسلا ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : وأمّا الخبير ، فالّذي لا يعزب (٥) عنه شيء ولا يفوته. ليس للتّجربة ولا للاعتبار (٦) بالأشياء ، فعند التّجربة والاعتبار علمان ولولاهما ما علم. لأنّ من كان كذلك ، كان جاهلا. والله لم يزل خبيرا بما يخلق. والخبير من النّاس ، المستخبر عن جهل المتعلّم. فقد (٧) جمعنا الاسم واختلف المعنى.

(قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) :

«البصائر» جمع ، بصيرة. وهي للنّفس ، كالبصر للبدن. سمّيت بها الدّلالة ، لأنّها تجلي لها الحقّ وتبصرها به.

(فَمَنْ أَبْصَرَ) ، أي : أبصر الحقّ وآمن به.

(فَلِنَفْسِهِ) : أبصر. لأنّ نفعه لها.

(وَمَنْ عَمِيَ) : عن الحقّ وضلّ.

(فَعَلَيْها) : وباله.

(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (١٠٤) : وإنّما أنا منذر. والله هو الحفيظ عليكم ، يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها. وهذا كلام ورد على لسان الرّسول ـ عليه السّلام ـ.

(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) : ومثل ذلك التّصريف نصرّف الآيات. وهو إجراء

__________________

(١) البحار ٣ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : للبعوضة.

(٣) المصدر : ممّا.

(٤) الكافي ١ / ١٢٢ ، ضمن ح ٢.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لا يغرب.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الاعتبار.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : وقد.

٤١٨

المعنى الدّائر في المعاني المتعاقبة. من الصّرف : وهو نقل الشّيء من حال إلى حال.

(وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) ، أي : وليقولوا : درست صرفنا. و «الّلام» لام العاقبة.

والدّرس : القراءة والتّعلّم.

وقرأ (١) ابن كثير وأبو عمرو : «دارست» ، أي : دارست أهل الكتاب وذاكرتهم.

وابن عامر ويعقوب : «درست» من الدّروس ، أي : قدّمت هذه الآيات وعفت ، كقولهم :

أساطير الأوّلين.

وقرئ (٢) : «درست» بضمّ الرّاء ، مبالغة في «درست» و «درست» على البناء للمفعول. بمعنى : قرئت ، أو عفيت. ودارست بمعنى : درست ، أو دارست اليهود محمّدا ـ عليه السّلام ـ. ودارسات ، أي : قديمات ، أو ذوات درس ، كقوله : «عيشة راضية».

وفي تفسير علي بن إبراهيم (٣) : كانت قريش تقول لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : [إنّ] (٤) الّذي تخبرنا به من الأخبار تتعلّمه من علماء اليهود وتدرسه (٥).

(وَلِنُبَيِّنَهُ).

«الّلام» على أصله ، لأنّ التّبيين مقصود التّصريف.

والضّمير للآيات ، باعتبار المعنى. أو للقرآن ، وإن لم يذكر لكونه معلوما. أو للمصدر.

(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١٠٥) : فإنّهم المنتفعون به.

(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) : بالتّديّن به.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : اعتراض ، أكّد به إيجاب الاتّباع. أو حال مؤكّدة ، بمعنى : منفردا في الألوهيّة.

(وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (١٠٦) : ولا تحتفل بأقوالهم ، ولا تلتفت إلى رأيهم. ومن جعله منسوخا بآية السّيف ، حمل الإعراض على ما يعمّ الكفّ عنهم.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ) : توحيدهم وعدم إشراكهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٥.

(٢) نفس المصدر ، والموضع.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٢١٢.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : تدارسه.

٤١٩

(ما أَشْرَكُوا).

وفي مجمع البيان (١) : في تفسير أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ : ولو شاء الله أن يجعلهم كلّهم مؤمنين معصومين حتّى كان لا يعصيه أحد ، لما كان يحتاج إلى جنّة ولا إلى نار.

ولكنّه أمرهم ونهاهم وامتحنهم وأعطاهم ما له عليهم به الحجّة [من] (٢) الآلة والاستطاعة ، ليستحقّوا الثّواب والعقاب.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، ما يقرب منه.

(وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) : رقيبا.

(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (١٠٧) : تقوم بأمورهم.

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) : ولا تذكروا آلهتهم الّتي يعبدونها بما فيها من القبائح.

(فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً) : تجاوزا عن الحقّ إلى الباطل.

(بِغَيْرِ عِلْمٍ) : جهالة بالله ، وبما يجب أن يذكر به.

وقرأ (٤) يعقوب : «عدوّا». يقال : عدا فلان عدوا وعدوّا وعداء وعدوانا.

نقل أنّه ـ عليه السّلام ـ كان يطعن في آلهتهم ، فقالوا : لتنتهينّ عن سبّ آلهتنا أو لنهجونّ إلهك. فنزلت.

وقيل (٥) : كان المسلمون يسبّونها ، فنهوا. لئلّا يكون سبّهم سببا لسبّ الله.

قيل (٦) : وفيه دليل على ، أن الطّاعة إذا أدّت إلى معصية راجحة وجب تركها.

فإنّ ما يؤدّي إلى الشّرّ ، شرّ.

وفي أصول الكافي (٧) : الحسن بن محمّد ، عن عليّ بن محمّد بن سعد ، عن محمّد بن مسلم ، عن إسحاق بن موسى قال : حدّثني أخي وعمّي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٣٤٦.

(٢) من المصدر و «ج» و «ر».

(٣) تفسير القمّي ١ / ٢١٢.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٦.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٦.

(٦) نفس المصدر ، والموضع.

(٧) الكافي ٢ / ٣٧٨ ، ح ١٢.

٤٢٠