تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

وفي مجمع البيان (١) : عن الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام ـ : هم أمير المؤمنين وأصحابه ، حين قاتل من قاتله من النّاكثين والقاسطين والمارقين.

قال : ويؤيّد هذا ،

أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وصفه بهذه الصّفات [المذكورة في الآية ، فقال فيه وقد ندبه] (٢) حين ندبه لفتح خيبر بعد أن ردّ عنها حامل الرّاية إليه مرّة بعد أخرى وهو يجبّن النّاس ويجبّنونه : لأعطيّن الرّاية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّارا غير فرّار حتّى يفتح الله على يديه ، ثمّ أعطاها إيّاه.

وعن عليّ ـ عليه السّلام (٣) ـ أنّه قال يوم البصرة : والله ما قوتل أهل هذه الآية حتّى اليوم.

وتلا هذه الآية.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : [أنّها نزلت في مهديّ الأمّة وأصحابه.] (٥).

[قال (٦) : هو مخاطبة لأصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم وارتدّوا عن دين الله (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) نزلت في القائم وأصحابه ، الّذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.

وفي تفسير العيّاشي (٧) : [عن ابن سنان ،] (٨) عن سليمان بن هارون قال : قال : والله ، لو أنّ أهل السّماء والأرض اجتمعوا على أن يحوّلوا هذا الأمر من موضعه (٩) الّذي وضعه الله فيه ما استطاعوا. ولو أنّ النّاس كفروا جميعا حتّى لا يبقى أحد لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون هم أهله. ثمّ قال : أما تسمع الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) قال الموالي (١٠)] (١١).

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٢٠٨.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «حين ندبه» بدلا

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٧٠.

(٥) ليس في ر.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٣٢٦ ، ضمن حديث ١٣٥.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) المصدر : مواضعه.

(١٠) «قال : الموالي» ليس في المصدر.

(١١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٤١

ولا منافاة بين الرّوايتين ، بناء على جواز التّعميم. والرّاجع إلى «من» محذوف ، تقديره : فسوف يأتي الله بقوم مكانهم. ومعنى محبة الله للعباد ، إرادة الهدى والتّوفيق لهم في الدّنيا وحسن الثّواب في الآخرة. ومحبّة العباد ، إرادة طاعته والاجتناب عن معاصيه.

(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) : عاطفين عليهم ، متذلّلين لهم. جمع «ذليل» لا «ذلول». فإنّ جمعه ، ذلل. واستعماله مع «على» إمّا لتضمين معنى العطف والحنّو ، أو للتّنبيه على أنّهم مع علو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خاضعون لهم ، أو للمقابلة.

(أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) : شداد متغلّبين عليهم. من عزّه : إذا غلبه.

وقرئ ، بالنّصب ، على الحال (١).

(يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) : صفة أخرى «لقوم». أو حال من الضّمير في «أعزّة».

(وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) : عطف على «يجاهدون» ، بمعنى : أنّهم الجامعون بين المجاهدة في سبيل الله ، والتّصلّب في دينه. أو حال ، بمعنى : أنّهم يجاهدون وحالهم خلاف حال المنافقين. فإنّهم يخرجون في جيش المسلمين خائفين ملامة أوليائهم من اليهود ، فلا يعلمون شيئا يلحقهم فيه لوم من جهتهم.

واللّومة ، المرّة من اللّوم. وفيها وفي تنكير «لائم» مبالغتان.

وفي كتاب تلخيص الأقوال في تحقيق أحوال الرّجال (٢) وفي ق (٣) حجر بن عديّ

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٨٠

(٢) لعل الصواب «تلخيص الأقوال في معرفة الرجال» الذي ألّفه السيد ميرزا محمد بن عليّ بن ابراهيم الحسيني الأسترآبادي مؤلّف «منهج المقال» وهو كتاب الرجال الوسيط للسيد المؤلّف ، فرغ من جزئه الثاني في مشهد أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في ٩٨٦ ه‍. ثم أنّه بعد ذلك جاور بيت الله الحرام إلى أن دفن هناك في مقبرة المعلّى في ١٠٢٨ كما أرّخه في «السلافة». والظاهر أنّه ألّفه بمكة. (ر. الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٤ / ٤٢٠ ، رقم ١٨٥٢) ولم يطبع هذا الكتاب. وأمّا الأقوال الّتي نقل في المتن توجد في «اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشي» لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ـ رحمه الله ـ ، ص ٤٩ ، رقم ٩٩ ، ضمن ترجمة «عمرو بن الحمق» وص ٦٩ ، رقم ١٢٤ ، ضمن ترجمة «جندب بن زهير وعبد الله بن بديل وغيرهما».

(٣) كذا في جميع النسخ.

١٤٢

الكنديّ الكوفيّ قال الفضل بن شاذان : ومن التّابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم حجر بن عديّ.

وروي كتاب عن الحسين ـ عليه السّلام ـ إلى معاوية فيه : ألست القاتل حجر بن عديّ أخا كندة (١) ، والمصلّين العابدين الّذين كانوا ينكرون الظّلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله لومة لائم؟

وفي كتاب الاحتجاج (٢) : قال عليّ ـ عليه السّلام ـ في خطبة له : إنّ الله ذا الجلال والإكرام ، لمّا خلق الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده وأرسل رسولا منهم وأنزل عليه كتابه وشرّع له دينه وفرض فرائضه ، وكانت الجملة قول الله ـ جلّ ذكره ـ حيث أمر فقال (٣) : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فهو لنا أهل البيت خاصّة دون غيرنا ، فانقلبتم على أعقابكم ورددتم ونقضتم الأمر ونكثتم العهد ولم تضرّوا الله شيئا. وقد أمركم الله ، أن تردّوا الأمر إلى الله وإلى رسوله وإلى أولي الأمر [منكم] (٤) المستنبطين للعلم ، فأقررتم وجحدتم.

وبإسناده إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام (٥) ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، وفيه يقول وقد ذكر عليّا ـ عليه السّلام ـ : فهو الّذي يهدي إلى الحقّ ويعمل به ، ويزهق الباطل وينهى عنه ، ولا يأخذه في الله لومة لائم.

وفي كتاب الخصال (٦) : عن أبي بريدة ، عن أبيه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أمرني بحبّ أربعة.

فقلنا : يا رسول الله ، من هم ، سمّهم لنا؟

فقال : عليّ ـ عليه السّلام ـ منهم وسلمان وأبو ذرّ والمقداد. وأمرني بحبّهم.

__________________

(١) النسخ : «كنديّ» وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٢) الاحتجاج ١ / ٢٣٣.

(٣) النساء / ٥٩.

(٤) من المصدر.

(٥) نفس المصدر ١ / ٧٤.

(٦) الخصال ١ / ٢٥٣ ، ح ١٢٦.

١٤٣

وأخبرني أنّه يحبّهم.

وعن أبي بريدة (١) ، عن أبيه قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله أمرني بحبّ أربعة من أصحابي وأخبرني أنّه يحبّهم.

فقلنا : يا رسول الله ، من هم ، فكلّنا يحبّ أن يكون (٢) منهم؟

فقال : ألا إنّ عليّا منهم. ثمّ سكت ، ثمّ قال : ألا إنّ عليّا منهم. ثمّ سكت ، ثمّ قال : ألا إنّ عليّا منهم وأبو ذرّ وسلمان الفارسيّ والمقداد بن الأسود الكنديّ. (٣)

عن عبد الله بن الصّامت (٤) ، عن أبي ذرّ ـ رحمه الله ـ قال : أوصاني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بسبع : أوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم.

(الحديث).

(ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدّم من الأوصاف.

(فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) : يمنحه ويوفّق له.

(وَاللهُ واسِعٌ) : كثير الفضل.

(عَلِيمٌ) (٥٤) : بمن هو أهله.

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) : لمّا نهى عن موالاة الكفرة ، ذكر عقيبه من هو حقيق بها. وإنّما قال : «وليّكم» ، ولم يقل : «أولياؤكم» ، للتّنبيه على أنّ الولاية لله ولرسوله (٥) وللمؤمنين واحدة. والمراد بالوليّ ، المتولّي للأمور والمستحقّ للتّصرّف فيهم.

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) : صفة «للّذين آمنوا» ، لأنّه جرى مجرى الأسماء. أو بدل منه. ويجوز رفعه ونصبه ، على المدح.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٥٤ ، ح ١٢٧.

(٢) المصدر : «فمن هم فكلّنا نحبّ أن نكون» بدل «من هم فكلّنا يحبّ أن يكون».

(٣) نفس المصدر ٢ / ٣٤٥ ، ح ١٢.

(٤) هكذا في المصدر. وهو ابن أخي أبي ذرّ. وفي النسخ : «عبد الله بن الصلت». وهي خطأ. ر. تنقيح المقال ٢ / ١٨٩ ، رقم ٦٤٠٩ و ٦٩٠٧.

(٥) هكذا في أ، وفي سائر النسخ : للرسول.

١٤٤

(وَهُمْ راكِعُونَ) (٥٥) : حال من فاعل «يؤتون» ، أي : يؤتون الزّكاة في حال ركوعهم في الصّلاة ، حرصا على الإحسان ومسارعة إليه.

في أصول الكافي (١) : الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن محمّد الهاشميّ ، عن أبيه ، عن أحمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في تفسير هذه الآية ، يعني : أولى بكم ، أي : أحقّ بكم وبأموركم من أنفسكم وأموالكم ، الله ورسوله والّذين آمنوا ، يعني عليّا وأولاده الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ إلى يوم القيامة. ثمّ وصفهم الله ـ عزّ وجلّ ـ فقال : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وكان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في صلاة الظّهر وقد صلّى ركعتين وهو راكع وعليه حلّة قيمتها ألف دينار ، وكان النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أعطاه إيّاها ، وكان النّجاشي أهداها له ، فجاء سائل فقال : السّلام عليك يا وليّ الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، تصدّق على مسكين. فطرح الحلّة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها ، فأنزل الله فيه هذه الآية ، وصيّر نعمة أولاده بنعمته. فكلّ من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النّعمة مثله ، فيتصدّقون وهم راكعون.

والسّائل الّذي سأل أمير المؤمنين ، هو من الملائكة. والّذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد (٢) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محمّد الهاشميّ قال : حدّثني أبي ، عن أحمد بن عيسى قال : حدّثني جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ـ عليهم السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) قال : لمّا نزلت (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) اجتمع نفر من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في مسجد المدينة ، فقال بعضهم لبعض : ما تقولون في هذه الآية؟

فقال بعضهم : إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها ، وإن آمنّا فإنّ هذا ذلّ حين يسلّط علينا عليّ بن أبي طالب.

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٨٩ ، ح ٣.

(٢) نفس المصدر ١ / ٤٢٧ ، ح ٧٧.

١٤٥

فقالوا : قد علمنا أنّ محمّدا صادق فيما يقول ، ولكنّا نتولّاه ولا نطيع عليّا فيما أمرنا. قال : فنزلت هذه الآية (١) : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) يعرفون ، يعني ، ولاية عليّ (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) بالولاية.

[وفيه (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ رسوله بولاية عليّ ، وأنزل عليه (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وفرض الله ولاية أولي الأمر فلم يدروا ما هي ، فأمر الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ ، فلمّا أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وتخوّف عن أن يرتدّوا عن دينهم وأن يكذّبوه ، فضاق صدره وراجع ربّه ـ عزّ وجلّ ـ فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه (٣) : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فصدع بأمر الله ـ تعالى ذكره ـ فقام بولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ يوم غدير خمّ ، فنادى الصّلاة جامعة وأمر النّاس أن يبلّغ الشّاهد الغائب.

قال عمر بن أذينة : قالوا جميعا غير أبي الجارود قال أبو جعفر : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض ، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة ، قد أكملت لكم دينكم الفرائض.

بعض أصحابنا ، عن محمّد بن أبي عبد الله (٤) ، عن عبد الوهّاب بن بشير (٥) ، عن

__________________

(١) النحل / ٨٣.

(٢) نفس المصدر ١ / ٢٨٩ ، ح ٤.

(٣) المائدة / ٦٧.

(٤) نفس المصدر ١ / ١٤٦ ، ح ١١. وفيه : عن محمد بن عبد الله.

(٥) المصدر : عبد الوهاب بن بشر.

١٤٦

موسى بن قادم ، عن سليمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

قال : إنّ الله أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يظلم ولكنّه خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، يعني : الأئمّة منّا. ثمّ قال في موضع (١) : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ثمّ ذكر مثله.

أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم (٢) ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكرت لأبي عبد الله قولنا في الأوصياء ، إنّ طاعتهم مفترضة؟

قال : فقال : نعم ، هم الّذين قال الله ـ تعالى ـ : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وهم الّذين قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا).

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (٣) ، عن محمّد بن خالد البرقيّ ، عن محمّد بن القاسم الجوهريّ ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : الأوصياء طاعتهم مفترضة؟

قال : نعم هم الّذين قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وهم الّذين قال الله ـ تعالى (٤) ـ : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

وفي عيون الأخبار (٥) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون ، في الفرق بين العترة والأمّة ، له ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ في شأن ذي القربى : فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم ، وكذلك الفيء ما رضيه منه لنفسه ولنبيّه رضيه لذي القربى ، كما أجراهم في الغنيمة فبدأ بنفسه ـ جلّ جلاله ـ ثمّ برسوله

__________________

(١) البقرة / ٥٧.

(٢) نفس المصدر ١ / ١٨٧ ، ح ٧.

(٣) نفس المصدر ١ / ١٨٩ ، ح ١٦.

(٤) النساء / ٥٩.

(٥) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ١ / ٢٣٨.

١٤٧

ثمّ بهم ، وقرن سهمهم بسهم الله (١) وسهم رسوله ، وكذلك في الطّاعة فقال (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فبدأ بنفسه ثمّ برسوله ثمّ بأهل بيته. وكذلك آية الولاية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)] (٣) فجعل طاعتهم (٤) مع طاعة الرّسول مقرونة بطاعته [كذلك ولايتهم مع ولاية رسول الله مقرونة بطاعته] (٥) كما جعل سهمهم مع سهم الرّسول بسهمه في الغنيمة والفيء ، فتبارك الله وتعالى ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت.

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي (٦) قال : حدّثني جعفر بن محمّد بن سعيد ، عن المنهال قال : سألت عليّ بن الحسن (٧) وعبد الله بن محمّد عن قول الله ـ تعالى ـ : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا). قال : عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ. (٨)

وقال (٩) : حدّثني محمّد بن عيسى بن زكريّا الدّهقان معنعنا ، عن [أمير المؤمنين] (١٠).

عليّ [بن أبي طالب ـ] (١١) عليه السّلام ـ دخلت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو يقرأ سورة المائدة ، فقال : اكتب. فكتبت حتّى انتهى (١٢) إلى هذه الآية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ثمّ أتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يخفق برأسه كأنّه نائم وهو يملي عليّ بلسانه (١٣) حتّى فرغ من آخر سورة المائدة ، ثمّ انتبه فقال لي : اكتب. فأملى عليّ من الموضع الّذي (١٤) خفق عند (١٥).

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : بسهمه.

(٢) النساء / ٥٩.

(٣) من المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ولايتهم.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير فرات / ٣٧.

(٧) المصدر : عليّ بن المحسن.

(٨) المصدر : في عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

(٩) نفس المصدر والموضع.

(١٠ و ١١) ليس في المصدر.

(١٢) المصدر : انتهيت.

(١٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «بلسان» بدل «عليّ بلسانه».

(١٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «فأملأ على عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ من موضع التي» بدل «فأملى عليّ من الموضع الذي».

(١٥) المصدر : «عندها» والنسخ : «غيرها».

١٤٨

فقلت : ألم تملي عليّ حتى ختمتها؟

فقال : الله أكبر ، ذلك الّذي أملى (١) عليك جبرئيل ـ عليه السّلام ـ ثمّ قال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ : فأملأ عليّ منها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سبعين (٢) آية ، وأملأ عليّ جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أربعا وستّين آية (٣).

وقال (٤) : حدّثني الحسين بن سعيد معنعنا ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان [يصلّي] (٥) ذات يوم في مسجد فمرّ به فقير (٦) ، فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : هل (٧) تصدّق عليك [أحد] (٨) بشيء؟

قال : نعم ، مررت برجل راكع فأعطاني خاتمه. وأشار بيده فإذا هو عليّ بن أبي طالب ، فنزلت هذه الآية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ [وَالَّذِينَ آمَنُوا]) (٩) (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : هو وليّكم من بعدي.

وقال ابن عبّاس (١٠) : نزلت في عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ خاصّة.

وقال (١١) : حدّثني زيد بن حمزة بن محمّد بن عليّ بن زياد القصّار (١٢) معنعنا ، عن [أمير المؤمنين] (١٣) عليّ [بن أبي طالب ـ] (١٤) عليه السّلام ـ أنّه كان يقول : من أحبّ الله أحبّ النّبيّ ، ومن أحبّ النّبيّ أحبّنا ، ومن أحبّنا أحبّ شيعتنا ، فإنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونحن وشيعتنا من طينة واحدة ، ونحن في الجنّة ولا نبغض من يحبّنا (١٥) ، ولا

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «أملاه» بدل «الذي أملى».

(٢) المصدر ستّين.

(٣) المصدر والنسخ : أربع وستّين آية.

(٤) نفس المصدر / ٣٨.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر : مسكين.

(٧) المصدر : لعليّ.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) ليس في المصدر والنسخ.

(١٠) نفس المصدر والموضع.

(١١) نفس المصدر / ٤١.

(١٢) المصدر : القصّان.

(١٣ و ١٤) ليس في المصدر.

(١٥) المصدر : أحبّنا.

١٤٩

نحبّ من أبغضنا ، اقرؤوا إن شئتم : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (إلى آخر الآية).

قال الحارث : صدق وصدق (١) الله ، ما نزلت إلّا فيه.

وفي شرح الآيات الباهرة (٢) : ذكر أبو عليّ الطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ بحذف الإسناد : عن الأعمش بن غيابة بن ربعي (٣) قال : بينا عبد الله بن عبّاس جالس على شفير زمزم وهو يقول : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذ أقبل رجل معمّم بعمامة ، فجعل ابن عبّاس لا يقول : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا قال ذلك الرّجل قال : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال ابن عبّاس : سألت بالله من أنت (٤)؟

فكشف العمامة عن وجهه وقال : أيّها النّاس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدريّ أبو ذرّ الغفاريّ ، سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهاتين وإلّا صمّتا ، ورأيته بهاتين وإلّا فعميتا يقول : عليّ قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله. أما إنّي صلّيت مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوما من الأيّام صلاة الظّهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا ، فرفع السّائل يده إلى السّماء وقال : اللهمّ ، إنّي سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا. وكان عليّ راكعا فأومى بخنصره اليمنى وكان مختّم فيها. فأقبل السّائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره. وذلك بعين (٥) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فلمّا فرغ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ من صلاته رفع رأسه إلى السّماء وقال : اللهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال (٦) : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط ، ص ٥٥ ـ ٥٦.

(٣) هكذا في مجمع البيان الذي نقل عنه في تأويل الآيات. وفي النسخ : «عتبة بن ربعي». وفي المصدر : «عباية بن ربيعي».

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : كنت.

(٥) هكذا في النسخ ومصدر المصدر. وفي المصدر : «بعيني» وهو الظاهر.

(٦) طه / ٢٥.

١٥٠

فأنزلت عليه قرآنا ناطقا ، سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما. اللهمّ وأنا محمّد صفيّك ونبيّك ، فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا أخي أشدد به أزري.

قال أبو ذرّ : فو الله ما استتمّ الكلام حتّى نزل عليه جبرئيل من عند الله ـ تعالى ـ.

فقال : يا محمّد ، اقرأ.

قال : وما أقرأ؟

قال : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).] (١)

وفي كتاب الاحتجاج (٢) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه : فقال المنافقون : هل بقي لربّك علينا بعد الّذي فرضه علينا شيء آخر يفترضه فتذكره ، ولتسكن أنفسنا إلى أنّه لم يبق غيره؟ فأنزل الله ـ تعالى ـ في ذلك (٣) : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) ، يعني : الولاية. وأنزل (٤) (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

وليس بين الأمّة خلاف أنّه لم يؤت الزّكاة يومئذ أحد منهم وهو راكع [غيره. ظ.] (٥) ولو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما أسقط.

وبإسناده إلى محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام (٦) قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قد أنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ). وعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ أقام الصّلاة وأتى الزّكاة وهو راكع ، يريد الله ـ عزّ وجلّ ـ في كلّ حال.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الاحتجاج ١ / ١٣٧.

(٣) سبأ / ٤٦.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فأنزل الله.

(٥) من هامش الأصل. وفي المصدر : غير الرجل.

(٦) نفس المصدر ١ / ٧٣.

١٥١

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (١) ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان : فأنشدكم الله ـ عزّ وجلّ ـ أتعلمون حيث نزلت (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وحيث نزلت : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وحيث نزلت (٣) :

(وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) دونهم (٤).

قال النّاس : يا رسول الله هذه خاصّة في بعض (٥) المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يعلّمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم. فنصبني للنّاس بغدير خم [.

ثم خطب] (٦) فقال : يا أيّها النّاس ، إنّ الله [أرسلني برسالة ضاق بها صدري. وظننت أن النّاس يفتتنون بها. فأوعدني لأبلّغنّها أو ليعذّبني.] (٧) ثمّ أمر فنودي الصّلاة جامعة. ثمّ خطب النّاس فقال : أيّها النّاس ، أتعلمون أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : قم يا عليّ ، فقمت.

فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه [، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.] (٨).

فقام سلمان الفارسيّ فقال : يا رسول الله ، ولاؤه كما ذا؟

فقال ـ عليه السّلام ـ : ولاؤه كولائي. من كنت أولى به من نفسه [فعليّ أولى به من نفسه.] (٩) فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢٧٦ ، ج ٢٥.

(٢) النساء / ٥٩.

(٣) التوبة / ١٦.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لبعض.

(٦ و ٧) من أ.

(٨) من أ.

(٩) ليس في أ.

١٥٢

فكبّر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقال : الله أكبر ، تمام نبوّتي وتمام ديني (١) دين الله ـ عزّ وجلّ ـ وولاية عليّ بعدي.

فقام أبو بكر وعمر فقالا : يا رسول الله ، هذه الآيات خاصّة [لعليّ ـ عليه السّلام ـ؟] (٢).

قال : بلى [خاصّة] (٣) فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة.

قالا : يا رسول الله ، بيّنهم لنا.

قال : عليّ أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أمّتي ووليّ كلّ مؤمن بعدي ، ثمّ ابني الحسن [، ثمّ ابني الحسين ،] (٤) ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد. القرآن معهم وهم مع القرآن. لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا عليّ الحوض (٥).

قالوا : اللهمّ نعم ، قد سمعنا ذلك ، وشهدنا كما قلت سواء.

وقال بعضهم : قد حفظنا ما قلت ولم نحفظه كلّه. وهؤلاء الّذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.

فقال ـ عليه السّلام ـ : صدقتم ، ليس كلّ النّاس يتساوون في الحفظ.

وفي كتاب الخصال (٦) ، في احتجاج عليّ ـ عليه السّلام ـ على أبي بكر قال :

فأنشدك بالله ، إليّ الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم أم لك؟

قال : بل لك.

وفيه (٧) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها قال ـ عليه السّلام ـ :

وأمّا الخامسة والسّتّون ، فإنّي كنت أصلّي في المسجد ، فجاء سائل فسأل وأنا راكع ، فأوليته خاتمي من إصبعي. وأنزل الله بعد فيّ. (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (الآية).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ قال : بينما رسول الله

__________________

(١) المصدر : «بتمام النعمة وكمال نبوتي» بدل «تمام نبوتي وتمام ديني».

(٢ و ٣) من أ.

(٤) ليس في أ.

(٥) المصدر. حوضي.

(٦) الخصال ٢ / ٥٤٩ ، ح ٣٠.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٥٨٠ ، ح ١.

(٨) تفسير القمي ١ / ١٧٠.

١٥٣

ـ صلّى الله عليه وآله ـ جالس وعنده قوم من اليهود وفيهم عبد الله بن سلام ، إذ أنزلت (١) عليه هذه الآية ، فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى المسجد ، فاستقبله سائل فقال : هل أعطاك أحد شيئا؟

قال : نعم ، ذلك المصلّي. فجاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإذا هو أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.

والأخبار ممّا روته العامّة والخاصّة في أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ كثيرة جدّا.

ونقل في مجمع البيان (٢) : عن جمهور المفسّرين ، أنّها نزلت في أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حين تصدّق بخاتمه في ركوعه. وذكر قصّته عن ابن عبّاس وغيره.

قيل (٣) : والتّوفيق بين ما رواه في الكافي (٤) أنّ التّصدّق به كان حلّة ، وبين ما رواه غيره واشتهر بين العامّة والخاصّة أنّه كان خاتما ، بأنّه ـ عليه السّلام ـ لعلّه تصدّق في ركوعه مرّة بالحلّة والأخرى بالخاتم.

والآية نزلت بعد الثّانية.

وفي قوله ـ تعالى ـ : «ويؤتون» إشعار بذلك ، لتضمّنه التّكرار والتّعدّد. كما أنّ فيه إشعار بفعل أولاده ـ أيضا ـ.

(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٥٦) ، أي : فإنّهم الغالبون. ولكن وضع الظّاهر موضع المضمر ، تنبيها على البرهان عليه وكأنّه قيل : ومن يتولّ هؤلاء فهم حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون. وتنويها بذكرهم ، وتعظيما لشأنهم ، وتشريفا لهم بهذا الاسم ، وتعريضا بموالي غير هؤلاء بأنّه حزب الشّيطان. وأصل الحزب : القوم يجتمعون لأمر حزبهم.

[وفي شرح الآيات الباهرة (٥) : روى الشّيخ الصّدوق محمّد بن بابويه القمّيّ ، عن

__________________

(١) هكذا في أ. وفي سائر النسخ والمصدر : نزلت.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٢١٠.

(٣) تفسير الصافي ٢ / ٤٦.

(٤) الكافي ١ / ٢٨٨ ، ح ٣.

(٥) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط ، ص ٥٦.

١٥٤

عليّ بن حاتم ، عن أحمد بن محمّد قال : حدّثنا جعفر بن عبد الله قال : حدّثنا كثير بن عيّاش ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ] (١) في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ :

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) (الآية) قال : إنّ رهطا من اليهود أسلموا ، منهم عبد الله بن سلام وأسيد بن ثعلبة (٢) وابن يامين وابن صوريا (٣) ، فأتوا النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقالوا : يا نبيّ الله ، إنّ موسى ـ عليه السّلام ـ أوصى إلى يوشع بن نون. فمن وصيّك يا رسول الله؟ ومن وليّنا بعدك؟ فنزلت هذه الآية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ). (الآية).

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قوموا. فقاموا. فأتوا المسجد. فإذا سائل خارج. فقال : يا سائل ، أما أعطاك أحد شيئا؟

قال : نعم ، هذا الخاتم. قال : من أعطاكه؟

قال : أعطانيه ذلك الرّجل الّذي يصلّي.

قال : على أيّ حال أعطاك؟

قال : كان راكعا. فكبّر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكبّر أهل المسجد.

فقال : النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : عليّ بن أبي طالب وليّكم بعدي.

قالوا : رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا وبعليّ بن أبي طالب إماما ووليّا. فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ).

وروي عن عمر بن الخطّاب (٤) أنّه قال : والله لقد تصدّقت بأربعين خاتما وأنا راكع لينزل فيّ ما نزل في عليّ بن أبي طالب ، فما نزل.

[وفي أمالي الصّدوق ـ رحمه الله ـ مثله سواء (٥).] (٦).

__________________

(١) ليس في «أ».

(٢) هكذا في تفسير البرهان ١ / ٤٨٠ ، ح ٦. وهو الصحيح ر. تنقيح المقال ١ / ١٤٨ ، رقم ٩٨٣. وفي المصدر : «أسد وثعلبة.» وفي النسخ : «أسد وثعلبة».

(٣) المصدر : ابن طوريا.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) أمالي الصدوق / ١٠٧ ـ ١٠٨ ، ح ٤.

(٦) ليس في أ.

١٥٥

وفي كتاب الاحتجاج (١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : و (الَّذِينَ آمَنُوا) في هذا الموضع ، هم المؤتمنون على الخلائق من الحجج والأوصياء في عصر بعد عصر.

وفي كتاب التّوحيد (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : يجيء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم القيامة آخذا بحجزة ربّه ، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا ، ونحن وشيعتنا حزب الله وحزب الله هم الغالبون. والله ما يزعم أنّها حجزة الإزار ، ولكنّها أعظم من ذلك : يجيء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ آخذا بدين الله ، ونحن نجيء آخذين بدين نبيّنا ، ويجيء شيعتنا آخذين بديننا.

[وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن صفوان قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لقد حضر الغدير اثنا عشر ألف رجل يشهدون لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ فما قدر على أخذ حقّه ، وإنّ أحدكم يكون له المال وله شاهدان فيأخذ حقّه (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) في عليّ ـ عليه السّلام ـ.] (٤).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) : نزلت في رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث ، أظهرا الإسلام ثمّ نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادّونهما.

وقد رتّب النّهي عن موالاتهم على اتّخاذهم دينهم هزوا ولعبا ، إيماء إلى (٥) العلّة ، وتنبيها على أنّ من هذا شأنه بعيد عن الموالاة جدير بالمعاداة [والبغضاء.] (٦).

وفصل المستهزئين بأهل الكتاب والكفّار ، على قراءة من جرّه ، وهم أبو عمرو والكسائيّ ويعقوب. والكفّار وإن عمّ أهل الكتاب ، يطلق على المشركين خاصّة ، لتضاعف كفرهم. ومن نصبه ، عطفه «على الّذين اتّخذوا» على أنّ النّهي عن موالاة من ليس على الحقّ رأسا. سواء من كان ذا دين تبع فيه الهوى وحرّفه عن الصّواب كأهل

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٦٩.

(٢) التوحيد / ١٦٦ ، ح ٣.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٣٢٩ ، ذيل حديث ١٤٣.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : على.

(٦) من المصدر.

١٥٦

الكتاب ، ومن لم يكن كالمشركين (١).

(وَاتَّقُوا اللهَ) : بترك المناهي.

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٥٧) : لأنّ الإيمان حقّا يقتضي ذلك.

وقيل (٢) : إن كنتم مؤمنين بوعده ووعيده.

(وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً) : أي : اتّخذوا الصّلاة أو المناداة. وفيه دليل ، على أنّ الأذان مشروع للصّلاة.

روي (٣) : أنّ نصرانيّا بالمدينة ، كان إذا سمع المؤذّن يقول : أشهد أنّ محمّدا رسول الله. قال : أحرق الله الكاذب. فدخل خادمه ذات ليلة بنار وأهله نيام ، فتطاير شررها في البيت ، فأحرقه وأهله.

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (٥٨) : فإنّ السّفه يؤدّي الى الجهل بالحقّ ، والهزء به. والعقل يمنع منه.

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) : هل تنكرون منّا ، وتعيبون.

يقال : نقم منه كذا : إذا أنكره. وانتقم : إذا كافأه.

وقرئ : «تنقمون» بفتح القاف. وهي لغة (٤).

(إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) : الإيمان بالكتب المنزلة كلّها.

(وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) (٥٩) : عطف على «أن آمنّا» فكأنّ المستثنى لازم الأمرين ، وهو المخالفة ، أي : ما تنكرون منا إلّا مخالفتكم ، حيث دخلنا الإيمان وأنتم خارجون منه. أو كان الأصل : واعتقاد أنّ أكثركم فاسقون ، فحذف المضاعف. أو على «ما» ، أي : وما تنقمون منّا إلّا الإيمان بالله وما أنزل ، وبأنّ أكثركم. أو على علّة محذوفة ، والتّقدير : هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا لقلّة إنصافكم وفسقكم. أو نصب بإضمار فعل ، دلّ عليه «هل تنقمون» ، أي : ولا تنقمون أنّ أكثركم فاسقون. أو رفع على

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٨١.

(٢ و ٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٨١.

١٥٧

الابتداء ، والخبر محذوف ، أي : وفسقكم ثابت معلوم عندكم ، ولكنّ حبّ الرّئاسة والمال يمنعكم من الإنصاف.

والآية خطاب ليهود سألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عمّن يؤمن به؟

فقال : أؤمن بالله وما أنزل إلينا [إلى قوله ، ونحن له مسلمون.

فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى : لا نعلم دينا شرّا من دينكم.

(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) ، أي : ذلك المنقوم.

(مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) : جزاء ثابتا عند الله. والمثوبة مختصّة بالخير ، كالعقوبة بالشّرّ. فوضعت هاهنا موضعها ، على طريقة قولهم : تحيّة بينهم ضرب وجيع.

ونصبها على التّميز عن «بشرّ».

(مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) : بدل من «شرّ» على حذف مضاف ، أي : بشرّ من أهل ذلك من لعنه الله. أو بشرّ من ذلك دين من لعنه الله. أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو من لعنه الله. وهم اليهود ، أبعدهم الله من رحمته ، وسخط عليهم بكفرهم وانهماكهم في المعاصي بعد وضوح الآيات ، ومسخ بعضهم قردة وهم أصحاب السّبت ، وبعضهم خنازير وهم كفّار أهل مائدة عيسى ـ عليه السّلام ـ.

وقيل (١) : كلا المسخين في أصحاب السّبت : مسخت شبابهم قردة ومشايخهم خنازير.

(وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) : عطف على صلة «من». وكذا عبد الطّاغوت ، على البناء للمفعول ورفع الطّاغوت.

و «عبد» ، بمعنى : صار الطّاغوت معبودا. فيكون الرّاجع محذوفا ، أي : فيهم ، أو بينهم.

ومن قرأ : و «عابد الطّاغوت» أو «عبد» على أنّه نعت. كفطن. أو «عبدة» أو «عبد الطّاغوت» على أنّه جمع ، كخدم. أو انّ أصله : عبدة ، فحذف التّاء للإضافة عطفه على القردة.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٨٢.

١٥٨

ومن قرأ : «وعبد الطاغوت» بالجرّ ، عطفه على «من».

والمراد من الطاغوت ، العجل.

وقيل (١) : الكهنة ، وكلّ من أطاعوه في معصية الله.

وقرأ حمزة «عبدة الطّاغوت» بضمّ الباء ، وجرّ التّاء. والباقون ، بفتح الباء ونصب التّاء (٢).

(أُولئِكَ) : الملعونون.

(شَرٌّ مَكاناً) : جعل مكانهم شرًّا ، ليكون أبلغ في الدّلالة على شرارتهم.

وقيل (٣) : مكانا منصرفا.

(وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (٦٠) : قصد الطّريق المتوسّط ، بين غلوّ النّصارى وقدح اليهود.

والمراد من صيغتي التّفضيل ، الزّيادة مطلقا ، لا بالإضافة إلى المؤمنين في الشّرارة والضّلالة.

(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) : نزلت في يهود نافقوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو في عامّة المنافقين (٤).

(وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) ، أي : يخرجون من عندك كما دخلوا ، ولم يؤثّر فيهم ما سمعوا منك. والجملتان حالان من فاعل «قالوا».

و «بالكفر» و «به» حالان من فاعلي «دخلوا» و «خرجوا». و «قد» وإن دخلت لتقريب الماضي من الحال ليصحّ أن يقع حالا ، أفادت ـ أيضا ـ لما فيها من التّوقّع أنّ أمارة النّفاق [كانت لائحة عليهم ، وكان الرسول يظنّه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ، قوله : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) [قال :] (٦) نزلت في

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٢١٤.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٨٢.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٧٠.

(٦) من المصدر.

١٥٩

عبد الله ابن أبيّ لمّا أظهر الإسلام (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) (١) قال : «وخرجوا به» من الإيمان.

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ) (٦١) : أي : من الكفر. وفيه وعيد لهم.

(وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) ، أي : من اليهود والمنافقين] (٢).

(يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ) : أي : في الحرام وقيل الكذب (٣) ، لقوله عن قولهم الإثم.

(وَالْعُدْوانِ) الظّلم ، ومجاوزة الحدّ في المعاصي.

وقيل (٤) : الإثم ، ما يختصّ بهم. والعدوان ، ما يتعدّى إلى غيرهم.

(وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) ، أي : الحرام. خصّه في الذّكر ، للمبالغة.

(لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٦٢) : لبئس شيئا عملوه.

(لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) :

تحضيض لعلمائهم على النّهي عن ذلك. فإنّ «لو لا» إذا دخل على الماضي ، أفاد التّوبيخ.

وإذا دخل على المستقبل ، أفاد التّحضيض.

(لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٦٣) : أبلغ من قوله : لبئس ما كانوا يعملون. من حيث أنّ الصّنع ، عمل الإنسان بعد تدرّب فيه وتروّ وتحرّي إجادة. ولذلك ذمّ به خواصّهم. ولأنّ ترك الحسنة أقبح من مواقعة المعصية. لأنّ النّفس تلتذّ بها وتميل إليها.

ولا كذلك ترك الإنكار عليها ، فكان جديرا بأبلغ الذّمّ.

عن ابن عبّاس (٥) : هي أشدّ آية في القرآن.

وفي الكافي (٦) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن يحيى بن عقيل ، عن حسن قال : خطب أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ فحمد الله وأثنى عليه وقال : أمّا بعد ، فأنّه إنّما هلك

__________________

(١) المصدر : في الكفر.

(٢) من ر.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٨٣.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) تفسير الدّرّ المنثور ٣ / ١١٢.

(٦) الكافي ٥ / ٥٧ ، ح ٦.

١٦٠