تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

لم يزل (١) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) حتّى نزلت سورة الفتح ، فلم يعد إلى ذلك الكلام.

(مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ) ، أي : يصرف العذاب عنه.

وقرأ (٢) حمزة والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم : «يصرف» على أنّ الضمير فيه لله.

وقرئ (٣) ، بإظهاره ، والمفعول به محذوف. أو «يومئذ» بحذف المضاف ، أي :

عذاب يومئذ.

(فَقَدْ رَحِمَهُ) : نجّاه وأنعم عليه.

في مجمع البيان (٤) : روي أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : والّذي نفسي بيده ، ما من النّاس أحد يدخل الجنّة بعمله.

قالوا : ولا أنت ، يا رسول الله؟

قال : ولا أنا ، الّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل.

(وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (١٦) ، أي : الصّرف. أو الرّحم.

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) : ببليّة ، كمرض وفقر.

(فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) : فلا قادر على كشفه إلّا هو.

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) : بنعمة ، كصحّة وغنى.

(فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٧) : فلا يقدر غيره على دفعه. لأنّ الله على كلّ شيء قدير ، فلا يقاوم معه أحد. وأقيم علّة الجزاء مقامه.

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) : تصوير لقهره وعلوّه بالقدرة والغلبة ، يعني : أنّهم تحت تسخيره وتذليله.

(وَهُوَ الْحَكِيمُ) ، أي : في أمره وتدبيره.

(الْخَبِيرُ) (١٨) : بالعباد وخفايا أحوالهم ، وبكلّ شيء.

وفي كتاب التوحيد (٥) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ما ترك.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٥.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٢٨٠.

(٥) التوحيد / ١٩٠ ، ذيل ح ٢.

٣٠١

السّلام : وأمّا القاهر ، فإنّه ليس على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر ، كما يقهر العباد بعضهم بعضا ، فالمقهور منهم يعود قاهرا والقاهر يعود مقهورا ، ولكن كلّ ذلك من الله ـ تبارك وتعالى ـ على أنّ جميع ما خلق متلبّس بالذّل لفاعله وقلّة الامتناع لما أراد به فلم يخرج منه طرفة عين إنّه يقول له : كن فيكون. والقاهر منّا على ما ذكرت (١) ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) :

الشّيء يقع على كلّ موجود. وجاز إطلاقه على الله ـ تعالى ـ لإخراجه عن حدّ التّعطيل ، ولكنّه شيء بخلاف الأشياء ، كما في الكافيّ (٢) عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ.

وقد سبق في سورة البقرة ، أي : قل : أيّ موجود أعظم وأصدق شهادة؟

(قُلِ اللهُ) ، أي : الله أكبر شهادة. ثمّ ابتدأ (شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ، أي : هو شهيد.

ويجوز أن يكون «الله شهيد» هو الجواب. لأنّه ـ تعالى ـ إذا كان شهيدا ، كان أكبر شيء شهادة.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، في رواية أبي الجارود : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : أن مشركي أهل مكّة قالوا : يا محمّد ، ما وجد الله رسولا يرسله غيرك ، ما نرى أحدا يصدّقك بالّذي تقول ـ وذلك في أوّل ما دعاهم يومئذ بمكّة ـ قالوا : ولقد سألنا عنك اليهود والنّصارى ، فزعموا أنّه ليس لك ذكر عندهم ، فائتنا من أمر يشهد أنّك رسول الله.

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).

وفي كتاب التّوحيد (٤) ، بإسناده إلى محمّد بن عيسى بن عبيد قال : قال لي أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : ما تقول إذا قيل لك : أخبرني عن الله ـ عزّ وجلّ ـ أشيء هو أم لا؟

__________________

(١) المصدر : ما ذكرته ووصفت.

(٢) الكافي ١ / ٨٣.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٩٥.

(٤) التوحيد / ١٠٧.

٣٠٢

قال : فقلت له : قد أثبت ـ عزّ وجلّ ـ نفسه شيئا حيث يقول : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فأقول : إنّه شيء لا كالأشياء ، إذ في نفي الشيئيّة عنه إبطاله ونفيه.

قال لي : صدقت وأصبت.

(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) ، أي : بالقرآن. واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة.

(وَمَنْ بَلَغَ) : عطف على ضمير المخاطبين ، أي : لأنذركم به ، يا أهل مكّة ، وسائر من بلغه من الأسود والأحمر أو من الثّقلين. أو لأنذركم ، أيّها الموجودون ، ومن بلغه إلى يوم القيامة (١).

في كتاب علل الشّرائع (٢) : حدّثني محمّد بن يحيى العطّار ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا عبد الله بن عبّاس ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن يحيى بن عمران الحلبيّ ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ).

قال : لكلّ إنسان (٣).

وفيه دلالة على أنّ أحكام القرآن تعمّ الموجودين وقت نزوله ومن بعدهم ، وأنّه لا يؤخذ به من لم يبلغه. ولا ينافي ذلك ما رواه في أصول الكافي (٤) : عن الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائد (٥) ، عن ابن أذينة ، عن مالك الجهنيّ قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية.

قال : من بلغ أن يكون إماما من آل محمد ـ صلّى الله عليه وآله ـ فهو ينذر بالقرآن ، كما أنذر به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

أحمد بن عبد العظيم (٦) ، عن ابن أذينة ، عن مالك الجهنيّ قال : قلت لأبي

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٥.

(٢) علل الشرايع / ١٢٥.

(٣) المصدر : «بكلّ لسان» بدل «لكلّ إنسان».

(٤) الكافي ١ / ٤١٦.

(٥) المصدر ، ج ور : عائذ.

(٦) الكافي ١ / ٤٢٤.

٣٠٣

عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ) (الآية).

قال : من بلغ أن يكون إماما من آل محمّد ينذر بالقرآن ، كما ينذر به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

لأنّه ليس في الخبر أنّ معنى الآية هذا ، بل أنّ الإمام من آل محمّد ينذر به ، كما ينذر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، لا أنّه معنى الآية. وعلى تقدير أن يكون المراد أنّه معنى الآية بأن يكون «من بلغ» عطفا على الضّمير في «لأنذركم» ويكون مفعول «بلغ» محذوفا ، أي : ينذر من بلغ الإمامة به. فلا ينافيه ـ أيضا ـ لأنّ للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطن ، كما سبق الخبر الدّالّ عليه.

وأمّا ما في مجمع البيان وفي تفسير العيّاشيّ (١) : «قال أبو جعفر وأبو عبد الله ـ عليهما السّلام ـ : ومن بلغ أن يكون إماما من آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ فهو ينذر بالقرآن ، كما أنذر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ»

فمحمول على الوجه الأخير.

(أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) : تقرير لهم مع إنكار واستبعاد.

في عيون الأخبار (٢) ، بإسناده إلى الحسين بن خالد قال : سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول : لم يزل الله ـ عزّ وجلّ ـ عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا.

فقلت له : يا ابن رسول الله ، إنّ قوما يقولون لم يزل الله عالما بعلم وقادرا بقدرة وحيّا بحياة [قديما بقدم] (٣) وسميعا بسمع وبصيرا ببصر.

فقال ـ عليه السّلام ـ : من قال ذلك ودان به (٤) ، فقد اتّخذ مع الله آلهة أخرى وليس من ولايتنا على شيء.

ثمّ قال ـ عليه السّلام ـ : لم يزل الله عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا لذاته ، تعالى عمّا يقول المشركون والمشبّهون علوّا كبيرا.

(قُلْ لا أَشْهَدُ) : بما تشهدون.

(قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) ، أي : بل أشهد أن لا إله إلّا هو.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٢٨٢ ، وتفسير العياشي ١ / ٣٥٦ ح ١٢ مع اختلاف يسير.

(٢) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ١ / ١١٩.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «ذان وذان» بدل «ذلك ودان به».

٣٠٤

وفي كتاب التّوحيد (١) ، بإسناده إلى الفضل بن شاذان قال : سأل رجل من الثّنويّة أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ وأنا حاضر فقال : إنّي أقول : إنّ صانع العالم اثنان ، فما الدّليل على أنّه واحد؟

فقال : قولك : إنّه اثنان ، دليل على أنّه واحد. لأنّك لم تدع الثّاني إلّا بعد إثباتك الواحد. فالواحد مجمع عليه ، والأكثر من واحد مختلف فيه.

وفي نهج البلاغة (٢) : قال ـ عليه السّلام ـ : يا بنيّ ، أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت أحواله وصفاته ، ولكنّه إله واحد ، كما وصف نفسه ، لا يضادّه في ملكه أحد ولا يزول أبدا.

(وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (١٩) ، يعني : الأصنام.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) ، أي : يعرفون رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بحليته المذكورة في التّوراة والإنجيل.

(كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) : بحلاهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى. يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) ، [يعني : التوراة والإنجيل] (٤) (يَعْرِفُونَهُ) ، يعني : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد أنزل عليهم في التّوراة والإنجيل والزّبور صفة محمّد بن عبد الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وصفة أصحابه ومبعثه وهجرته (٥). وهو قوله ـ تعالى ـ : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ). فهذه صفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في التّوراة والإنجيل ، وصفة أصحابه. فلمّا بعثه الله

__________________

(١) التوحيد / ٢٦٩ ح ٦.

(٢) نهج البلاغة / ٣٩٦ ، كتاب ٣١.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٢.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : مهاجره.

٣٠٥

ـ عزّ وجلّ ـ عرفه أهل الكتاب كما قال ـ جلّ جلاله ـ : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ).

(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) : من أهل الكتاب والمشركين. (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٠) : لتضييعهم ما يكتسب به الإيمان.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) ، كقولهم : الملائكة بنات الله.

وهؤلاء شفعاؤنا عند الله.

(أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) ، كأن كذّبوا بالقرآن والمعجزات ، وسمّوها سحرا. وإنّما ذكر «أو» وهم قد جمعوا بين الأمرين ، تنبيها على أنّ كّلا منهما وحده بالغ غاية الإفراط في الظّلم على النّفس.

(إِنَّهُ) : الضّمير للشّأن.

(لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢١) : فضلا عمّن لا أحد أظلم منه.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) : منصوب بمضمر ، تهويلا للأمر.

(ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ) ، أي : آلهتكم الّتي جعلتموها شركاء لله. ويأتي ما ورد فيه ، وأنّ المراد شركاؤهم في الولاية.

وقرأ (١) يعقوب : «يحشر» و «يقول» بالياء.

(الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٢٢) ، أي : تزعمونهم شركاء. فحذف المفعولان.

والمراد بالاستفهام التّوبيخ.

قيل (٢) : ولعلّه يحال بينهم وبين آلهتهم ـ حينئذ ـ ليفقدوها في السّاعة الّتي علّقوا بها الرّجاء فيها. ويحتمل أن يشاهدوهم ، ولكن لمّا لم ينفعوهم (٣) فكأنّهم غيّب عنهم.

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) :

قيل (٤) : أي : كفرهم ، والمراد عاقبته.

وقيل (٥) : جوابهم. وإنّما سمّاها «فتنة» لأنّه كذب. أو لأنّهم قصدوا به الخلاص.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٦.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لم ينفعهم.

(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٦.

٣٠٦

وفي مجمع البيان (١) : المرويّ عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أنّ المراد لم يكن معذرتهم (إِلَّا أَنْ قالُوا).

وعلى هذا سمّاه «فتنة» لأنّهم يتوهّمون أنّه بها يتخلّصون من العذاب. من فتنت الذّهب : إذا خلصته.

وقرأ (٢) ابن كثير وابن عامر وحفص : «لم تكن» بالتّاء ورفع «فتنة» على أنّه الاسم. ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عنه ، بالتّاء والنّصب ، على أنّ الاسم «أن قالوا».

والتأنيث للخبر ، كقولهم : من كانت أمّك. والباقون ، بالياء والنّصب.

(وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣) : يكذبون ويحلفون عليه ، مع علمهم بأنّه من فرط الحسرة والدّهشة ، كما يقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) (٣) وقد أيقنوا بالخلود.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : أخبرنا الحسين بن محمّد [عن المعلّى بن محمد] (٥) ، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) بولاية عليّ.

وفي روضة الكافي (٦) : عن عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن العبّاس ، عن الحسين (٧) بن عبد الرّحمن ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : ([وَاللهِ]) (٨) (رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).

قال : يعنون بولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٩) : عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله يعفو يوم القيامة عفوا (١٠) لا يخطر على بال أحد ، حتّى يقول أهل الشّرك : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).

__________________

(١) المجمع ٢ / ٢٨٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٦.

(٣) المؤمنون / ١٠٧.

(٤) تفسير القمّي ١ / ١٩٩.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ٨ / ٢٨٧ ، ضمن ح ٤٣٢.

(٧) المصدر : الحسن.

(٨) من المصدر.

(٩) تفسير العياشي ١ / ٣٥٧ ، ح ١٥.

(١٠) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يعلو يوم القيامة علوا.

٣٠٧

وقرأ (١) الكسائيّ : «ربّنا» بالنّصب ، على النّداء أو المدح.

(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) : بنفي الشّرك عنها.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٤) : من الشّركاء.

في كتاب التّوحيد (٢) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، ذكر فيه أحوال أهل المحشر. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ). فيختم الله ـ تبارك وتعالى ـ على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكلّ معصية كانت منهم ، ثم يرفع (٣) عن ألسنتهم الختم فيقولون : لجلودهم : لم شهدتم علينا؟ قالوا : أنطقنا الله الّذي أنطق كلّ شيء.

وفي كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ (٤) ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل يذكر فيه أحوال أهل القيامة ، وفيه : ثمّ يجتمعون في موطن (٥) آخر فيستنطقون فيه ، فيقولون : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ). وهؤلاء خاصّة هم المقرّون في دار الدّنيا بالتّوحيد ، فلم ينفعهم إيمانهم بالله ـ تعالى ـ لمخالفتهم (٦) رسله وشكّهم فيما أتوا به عن ربّهم ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدالهم الّذي هو أدنى بالّذي هو خير. فكذّبهم الله فيما انتحلوه من الإيمان بقوله : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : حدّثنا أحمد بن محمّد قال : حدّثنا جعفر بن عبد الله قال : حدّثنا كثير بن عيّاش ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ). يقول : صمّ عن الهدى وبكم لا يتكلّمون بخير (فِي الظُّلُماتِ) ، يعني : ظلمات الكفر. (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فهو ردّ على قدريّة هذه الأمّة ، يحشرهم الله يوم القيامة مع الصّابئين والنّصارى

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٦.

(٢) التوحيد / ٢٦١ ، ضمن ح ٥.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يزيغ.

(٤) الاحتجاج ١ / ٣٦٠.

(٥) المصدر : مواطن.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : مع مخالفتهم.

(٧) تفسير القمّي ١ / ١٩٨.

٣٠٨

والمجوس فيقولون : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ). يقول : [الله] (١) (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).

قال : وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ لكلّ أمّة مجوسا ، ومجوس هذه الأمة الّذين يقولون : لا قدر. ويزعمون أنّ المشيئة والقدرة إليهم ولهم.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) : حين تتلو القرآن.

قيل (٢) : المراد أبو سفيان والوليد والنّضر وعتبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم ، اجتمعوا فسمعوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقرأ.

فقالوا للنّضر : ما يقول؟

فقال : والّذي جعلها بيته ، ما أدري ما يقول ، إنّه يحرّك لسانه ويقول أساطير الأوّلين ، مثل ما حدّثتكم.

(وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) : أغطية. جمع ، كنان : وهو ما يستر الشّيء.

(أَنْ يَفْقَهُوهُ) : كراهة أن يفقهوه.

(وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) : يمنع من استماعه. كناية عن نبوّ (٣) قلوبهم وأسماعهم عن القبول.

(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) : لفرط عنادهم واستحكام التّقليد فيهم.

(حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) ، أي : بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنّهم جاؤوك يجادلونك.

و «حتّى» هي الّتي تقع بعدها الجمل لا عمل لها ، والجهلة «إذا جاؤوك» وجوابه وهو (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٥) : فإنّ جعل أصدق الحديث خرافات الأوّلين غاية التكذيب. «ويجادلونك» حال لمجيئهم.

ويجوز أن تكون جارّة «وإذا جاؤوك» في موضع الجرّ و «يجادلونك» في موضع جواب و «يقول» تفسير له.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٦.

(٣) نبا السيف : كلّ ورجع من غير قطع.

٣٠٩

والأساطير ، جمع أسطورة ، كالأراجيف ، جمع أرجوفة. أو إسطارة أو أسطار ، جمع سطر. وأصله السّطر بمعنى : الخطّ.

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) :

قيل (١) : أي : ينهون النّاس عن القرآن ، أو الرّسول والإيمان به.

(وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) : بأنفسهم ، أي : مع أنّهم أنفسهم لا يؤمنون يمنعون النّاس عن الإيمان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) قال : بنو هاشم كانوا ينصرون رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ويمنعون قريشا عنه. (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) ، أي [يباعدون عنه و] (٣) يساعدونه ولا يؤمنون به.

(وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ، أي : بذلك الفعل.

(وَما يَشْعُرُونَ) (٢٦) : إنّ ضررهم لا يتعدّاهم الى غيرهم.

(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) : جوابه محذوف ، أي : لو تراهم حين يقفون على النّار حتّى يعاينوها أو يطّلعون عليها أو يدخلونها فيعرفون مقدار عذابها ، لرأيت أمرا شنيعا.

وقرئ (٤) : «وقفوا» على البناء للفاعل. من وقف عليه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ، قال : نزلت في بني أميّة.

(فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ) : تمنّيا للرّجوع إلى الدّنيا.

(وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٧) : استئناف كلام منهم على وجه الإثبات ، كقولهم : دعني ولا أعود ، أي : أنا لا أعود تركتني أو لم تتركني. أو عطف على «نردّ». أو حال من الضّمير فيه فيكون في حكم التّمنّي. وقوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) راجع إلى ما تضمّنه التّمنيّ من الوعد. ونصبهما حمزة ويعقوب وحفص على الجواب بإضمار أن بعد الواو إجراء لها مجرى الفاء.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٩٦.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٧.

(٥) تفسير القمّي ١ / ١٩٦.

٣١٠

وقرأ (١) ابن عامر ، برفع الأوّل على العطف ، ونصب الثّاني على الجواب.

(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) : الإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التّمنّي.

والمعنى : أنّه ظهر لهم ما كانوا يخفون من نفاقهم أو قبائح أعمالهم ، فتمنّوا ذلك ضجرا لا عزما على أنّهم لو ردّوا لآمنوا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) ، قال : من عداوة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

(وَلَوْ رُدُّوا) : إلى الدّنيا بعد الوقوف والظّهور.

(لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) : من الكفر والمعاصي.

(وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢٨) : فيما وعدوا من أنفسهم ، لا يفون به.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن محمّد بن مسلم ، عن جعفر ، عن محمّد ، عن جدّه قال :

قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في خطبته : فلمّا وقفوا عليها (فَقالُوا يا لَيْتَنا) ـ إلى قوله ـ (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).

عن عثمان بن عيسى (٤) ، عن بعض أصحابه عنه ـ عليه السّلام ـ إنّ الله قال لماء :

كن عذبا فراتا أخلق منك جنّتي وأهل طاعتي ، وقال لماء : كن ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي. فأجرى الماءين على الطّين ثمّ قبض قبضة بهذه [، وهي يمين] (٥) فخلقهم [خلقا] (٦) كالذّرّ ثمّ أشهدهم على أنفسهم : ألست بربّكم وعليكم طاعتي.

قالوا : بلى. قال : فقال للنّار : كوني نارا (٧) ، فإذا نار تأجّج وقال لهم : قعوا ، فمنهم من أسرع ومنهم من أبطأ في السّعي ومنهم من لم يبرح (٨) مجلسه. فلمّا وجدوا حرّها ، رجعوا فلم يدخلها منهم أحد.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٧.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٩٦.

(٣) تفسير العيّاشي ١ / ٣٥٨ ، ح ١٧.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٣٥٨ ، ح ١٨.

(٥ و ٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «بردا وسلاما» بدل «نارا».

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لم يرم.

٣١١

ثمّ قبض قبضة بهذه فخلقهم خلقا ، مثل الذّرّ ، مثل أولئك ، ثمّ أشهدهم على أنفسهم ، مثل ما أشهد الآخرين ، ثمّ قال لهم : قعوا في هذه النّار. فمنهم من أبطأ ومنهم من أسرع ومنهم من مرّ بطرف (١) العين فوقعوا فيها كلّهم. فقال : اخرجوا منها سالمين ، فخرجوا لم يصبهم شيء. وقال الآخرون : [يا ربّنا] (٢) أقلنا أن (٣) نفعل ، كما فعلوا. قال : قد أقلتكم ، فمنهم من أسرع في السّعي ومنهم من أبطأ ومنهم من لم يبرح (٤) مجلسه ، مثل ما صنعوا في المرّة الأولى. وذلك قوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).

عن خالد (٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) إنّهم ملعونون في الأصل.

وفي عيون الأخبار (٦) ، بإسناده إلى الحسن بن بشّار : عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سألته أيعلم الله الشّيء الّذي لم يكن أن لو كان كيف كان (٧).

فقال : إنّ الله ـ تعالى ـ هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء. وقال ـ عزّ وجلّ ـ :

(إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وقال لأهل النّار : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). فقد علم ـ عزّ وجلّ ـ أنّه لو ردّهم لعادوا لما نهوا عنه.

وفي كتاب التّوحيد (٨) ، بإسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّ : عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفي آخره قلت : جعلت فداك ، بقيت مسألة.

قال : هات ، لله أبوك.

قلت : يعلم القديم الشّيء لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟

قال : ويحك ، إنّ مسائلك لصعبة ، أما سمعت الله يقول : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وقوله : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ). وقال يحكي قول أهل النّار :

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «من مطرف» بدل «من مر بطرف».

(٢) من المصدر.

(٣) ليس في المصدر : أن.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لم يرم.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٣٥٩ ، ح ١٩.

(٦) العيون ١ / ١١٨ ، ح ٨.

(٧) المصدر : «كيف كان يكون» بدل «كيف كان».

(٨) التوحيد / ٦٥ ، ذيل ح ١٨.

٣١٢

(أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ). وقال : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) فقد علم الشّيء لم يكن أن لو كان كيف كان يكون.

وفي شرح الآيات الباهرة (١) ، بحذف الإسناد : روي (٢) عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : رأيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وهو خارج من الكوفة فتبعته من ورائه حتّى صار إلى جبّانة اليهود ووقف في وسطها ونادى : يا يهود.

فأجابوه من جوف القبور لبّيك لبّيك مطاع (٣) ، يعنون ذلك : يا سيّدنا.

فقال : كيف ترون العذاب؟

فقالوا : بعصياننا لك ، كهارون. فنحن ومن عصاك في العذاب إلى يوم القيامة.

ثمّ صاح صيحة كادت السّموات ينقلبن فوقعت مغشيّا على وجهي من هول ما رأيت ، فلمّا أفقت رأيت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على سرير من ياقوت حمراء ، على رأسه إكليل من الجوهر ، وعليه حلل خضر وصفر ، ووجهه كدائرة (٤) القمر. فقلت : يا سيّدي ، هذا ملك عظيم.

قال : نعم ، يا جابر ، إنّ ملكنا أعظم من ملك سليمان بن داود وسلطاننا أعظم من سلطانه.

ثمّ رجع ودخلنا الكوفة ودخلت خلفه إلى المسجد ، فجعل يخطو خطوات وهو يقول : لا والله لا فعلت (٥) ، لا والله لا كان ذلك أبدا.

فقلت : يا مولاي ، لمن تكلّم ولمن تخاطب وليس أرى أحدا؟

فقال : يا جابر ، كشف لي عن برهوت فرأيت شنبونة (٦) وصير (٧) وهما يعذّبان في جوف تابوت في برهوت فنادياني : يا أبا الحسن ، يا أمير المؤمنين ، ردّنا إلى الدّنيا نقرّ

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة / ٦٠.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : مطلاع.

(٤) المصدر : كدارة.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فقلت.

(٦) المصدر : ستونة ، و «ج» و «ر» شبنونة.

(٧) المصدر : حبتر ، و «ج» : وجتر ، و «ر» : حتر.

٣١٣

بفصلك ونقرّ بالولاية لك. فقلت : لا والله ، [لا فقلت لا والله لا والله] (١) لا كان ذلك أبدا (٢). ثمّ قرأ هذه الآية : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). يا جابر ، وما من أحد يخالف وصيّ نبيّ إلّا حشر أعمى يتكبكب (٣) في عرصات القيامة.

(وَقالُوا) : عطف على «عادوا» ، أو على «إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» ، أو على «نهوا». أو استئناف بذكر ما قالوه في الدّنيا.

(إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) : الضّمير للحياة.

(وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٢٩) : من القبور أبدا.

(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) :

قيل (٤) : مجاز عن الحبس للسّؤال والتّوبيخ.

وقيل (٥) : معناه : وقفوا على قضاء ربّهم ، أو جزائه ، أو عرفوه حقّ التّعريف.

(قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) : كأنّه جواب قائل قال : ما ذا قال ربّهم حينئذ؟

والهمزة للتّقريع على التّكذيب. والإشارة إلى البعث وما يتبعه من الثّواب والعقاب.

(قالُوا بَلى وَرَبِّنا) : إقرار مؤكّد باليمين لانجلاء الأمر غاية الانجلاء.

(قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٠) : بسبب كفركم ، أو ببدله.

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) : إذ فاتهم النّعيم واستوجبوا العذاب المقيم.

و «لقاء الله» البعث وما يتبعه.

(حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ) : غاية «لكذّبوا» لا «لخسر». لأنّ خسرانهم لا غاية له.

(بَغْتَةً) : فجأة. ونصبها على الحال ، أو المصدر. فإنّها نوع من المجيء.

(قالُوا يا حَسْرَتَنا) ، أي : تعالي ، فهذا أوانك.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) «ج» و «ر» : فقلت : لا والله ، لا فقلت لا والله لا كان ذلك ابدا.

(٣) كذا في المصدر ، في النسخ : ينتكب.

(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٧.

٣١٤

(عَلى ما فَرَّطْنا) : قصّرنا.

(فِيها) : في الحياة الدّنيا ، أضمرت وإن لم يجر ذكرها للعلم بها. أو في السّاعة ، يعني : في شأنها والإيمان بها. أو في الجنّة ، يعني : في طلبها والعمل لها.

(وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) : تمثيل لاستحقاقهم آصار الآثام.

وفي مجمع البيان (١) : روى الأعمش ، عن أبي صالح ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في هذه الآية قال : يرى أهل النّار منازلهم من الجنّة فيقولون : يا حسرتنا. (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ) ، أي : هي [(عَلى ظُهُورِهِمْ)] (٢).

(أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٣١) : بئس شيئا يزرونه وزرهم.

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ، أي : وما أعمالها ، إلّا لعب ولهو يلهي النّاس ويشغلهم عمّا يعقب منفعة دائمة ولذّة حقيقيّة. وهو جواب لقولهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا).

(وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) : لدوامها وخلود منافعها ولذّاتها.

وقوله : (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) تنبيه على أنّ ما ليس من أعمال المتّقين لعب ولهو.

وقرأ (٣) ابن عامر : «ولدار الآخرة».

(أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٣٢) ، أيّ : الأمرين خير.

وقرأ (٤) نافع وابن عامر ويعقوب ، بالتّاء ، على خطاب المنافقين به. أو تغليب الحاضرين على الغائبين.

وفي أصول الكافي (٥) : [أبو عبد الله الأشعري ، عن] (٦) بعض أصحابنا رفعه ، عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا هشام ، إنّ الله

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٢٩٢.

(٢) هذه الزيادة نقلت عند نقل حديث المجمع بواسطة نور الثقلين أو الصافي. ويأتي بعدها ـ في الصافي ونور الثقلين ـ تفسير. فلا مورد لذكرها هنا.

(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٨. وفيه أورد الآية بالياء ، ولذلك قال : وقرأ نافع الخ.

(٥) الكافي ١ / ١٤ ، ضمن ح ١٢.

(٦) من المصدر.

٣١٥

وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ـ إلى ـ (أَفَلا تَعْقِلُونَ).

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) :

معنى «قد» زيادة الفعل وكثرته ، كما في قوله :

ولكنّه قد يهلك المال نائله

و «الهاء» في «إنّه» للشّأن.

وقرئ (١) : «يحزنك» من أحزن.

(فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) : في الحقيقة.

وقرأ (٢) نافع والكسائيّ : «لا يكذبونك». من أكذبه : إذا وجده كاذبا ، أو نسبه إلى الكذب.

(وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٣٣) : ولكنّهم يجحدون آيات الله ويكذّبونها. فوضع «الظّالمين» موضع الضّمير ، للدّلالة على أنّهم ظلموا بجحودهم أو لتمرّنهم على الظّلم.

و «الباء» لتضمّن الجحود معنى التّكذيب.

نقل (٣) : أنّ أبا جهل كان يقول : ما نكذّبك وإنّك عندنا لصادق ، وإنّما نكذّب بما جئتنا به. فنزلت.

وفي روضة الكافي (٤) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن يعقوب بن الشّعيب ، عن عمران بن ميثم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قرأ رجل على أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).

فقال : بلى والله لقد كذّبوه أشدّ التّكذيب ، ولكنّها مخفّفة «لا يكذبونك» لا يأتون (٥) بباطل يكذبون به حقّك.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٨.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٨.

(٤) الكافي ٨ / ٢٠٠ ، ح ٢٤١.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لا يأتونك.

٣١٦

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن الحسين بن بندار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) قال : لا يستطيعون إبطال قولك.

ونسبه عليّ بن إبراهيم في تفسيره (٢) إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ إلّا أنّه قال : لا يأتون بحقّ يبطلون حقّك.

(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) : لتسلية رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا) : على تكذّيبهم وإيذائهم ، فتأسّ بهم واصبر.

(حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) : فيه إيماء بوعد النّصر للصّابرين.

وفي أصول الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ (٤) جميعا ، عن القاسم بن محمّد الإصفهانيّ ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يا حفص ، إنّ من صبر صبر قليلا ، وإنّ من جزع جزع قليلا. ثمّ قال : عليك بالصّبر في جميع أمورك ، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بعث محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأمره بالصّبر والرّفق.

قال : فصبر ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى نالوه بالفطائم (٥) بالعظام ورموه بها ، فضاق صدره ، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ). ثمّ كذّبوه ورموه ، فحزن لذلك ، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ، وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا). فألزم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ نفسه الصّبر.

محمّد (٦) بن الحسن (٧) وغيره ، عن سهل (٨) [عن محمد بن عيسى] (٩) ومحمّد بن يحيى

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ٣٥٩ ، ح ٢١.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٩٦.

(٣) الكافي ٢ / ٨٨ ، صدر ج ٣.

(٤) ج : محمد بن علي بن محمد القاسانيّ.

(٥) كذا في المصدر ، ج ور ، وفي سائر النسخ : بالعظام.

(٦) الكافي ١ / ٢٩٤ ، ضمن ح ٣.

(٧) المصدر : محمد بن الحسين.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : سهل بن محمد.

(٩) من المصدر.

٣١٧

ومحمّد بن الحسين جميعا ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

يقول فيه حاكيا عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فذكر من فضل وصيّه ذكرا ، فوقع النّفاق في قلوبهم ، فعلم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك وما يقولون. فقال الله ـ جلّ ذكره ـ : يا محمّد (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) لكنّهم يجحدون بغير حجّة لهم.

وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يتألّفهم ويستعين ببعضهم على بعض ، ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه حتّى نزلت هذه السّورة. فاحتجّ عليهم حين أعلم بموته ، ونعيت إليه نفسه.

وفي روضة الكافي (١) : حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه عن ابن فضّال ، عن حفص المؤذّن ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في رسالة طويلة إلى أصحابه : إنّه لا يتمّ الأمر حتّى يدخل عليكم مثل الّذي دخل على الصّالحين قبلكم ، وحتّى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم ، وحتّى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا بجنوبكم ، وحتّى يستذلّوكم ويبغضوكم ، وحتّى تحملوا الضّيم (٢) فتحتملوه (٣) منهم تلتمسون بذلك وجه الله والدّار الآخرة ، وحتّى تكظموا الغيظ الشّديد في الأذى في الله ـ جلّ وعزّ ـ يجترمونه إليكم ، وحتّى يكذّبوكم بالحقّ ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم. ومصداق ذلك كلّه في كتاب الله الّذي أنزله جبرئيل على نبيّكم ، سمعتم قول الله ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّكم ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ).

ثمّ قال : وإن يكذبوك فقد (كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا) (٤). فقد كذّب نبيّ الله والرّسل من قبله «وأوذوا» مع التّكذيب بالحقّ.

__________________

(١) الكافي ٨ / ٤ ـ ٥ ، ضمن ح ١.

(٢) المصدر : تحملوا [عليكم] الضيم.

(٣) المصدر : فتحملوا.

(٤) الأنعام / ٣٤ : «ولقد كذّبت رسل» بدل «وإن يكذّبوك فقد كذّبت رسل».

٣١٨

وفي أمالي الصّدوق (١) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال لعلقمة : إنّ رضى النّاس لا يملك ، وألسنتهم لا تضبط. وكيف يسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله ـ عليهم السّلام ـ. ألم ينسبوه إلى الكذب في قوله : إنّه رسول من الله إليهم ، حتّى أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ عليه (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) :

قيل (٢) : لمواعيده. من قوله : «[ولقد] (٣) سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين» (الآيات).

(وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤) ، أي : من قصصهم ، وما كابدوا من قومهم.

(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ) : عظم وشقّ.

(إِعْراضُهُمْ) : عنك وعن الإيمان بما جئت به.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يحبّ إسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف. دعاه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجهد به (٥) أن يسلم ، فغلب عليه الشّقاء ، فشقّ ذلك على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأنزل الله هذه الآية.

(فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) : منفذا تنفذ فيه إلى الأرض فتطلع لهم آية ، أو مصعدا تصعد به إلى السّماء فتنزل منها آية.

و «في الأرض» صفة «لنفقا». و «في السّماء» صفة «لسلّما».

ويجوز أن يكونا متعلّقين «بتبتغي» ، أو حالين من المستكنّ.

__________________

(١) أمالي الصدوق / ٩١ ـ ٩٢ ، ح ٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٨.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير القمّي ١ / ١٩٧.

(٥) ليس في المصدر : «وجهد به».

٣١٩

وجواب الشّرط الثّاني محذوف ، أي : فافعل. والجملة جواب الأوّل.

والمقصود بيان حرصه البالغ على إسلام قومه ، وأنّه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السّماء لأتى بها ، رجاء إيمانهم.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ، أي : لو شاء الله جمعهم على الهدى لجمعهم ، بأن يأتيهم آية يخضعوا لها ولكن لا يفعل لخروجه عن الحكمة.

في كتاب المناقب (١) لابن شهر آشوب ، بإسناده إلى سلمان الفارسيّ : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عليّ ، إنّ الله قد قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمّة. ولو شاء الله ، لجمعهم على الهدى ، حتّى لا يختلف اثنان من هذه الأمّة ولا ينازع في شيء من أمره ، ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله.

(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٣٥) : بالحرص على ما لا يكون والجزع في مواطن الصّبر. فإنّ ذلك من دأب الجهلة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : مخاطبة للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمعنى للنّاس.

وفي كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ (٣) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ مجيبا لبعض الزّنادقة ـ وقد قال : وأجده يقول قد بيّن فضل نبيّه على سائر الأنبياء ، ثمّ خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء عليه وانتقاص (٤) محلّه وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء ، مثل قوله :

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) ـ : والّذي بدا في الكتاب من الإزراء على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ من فرية (٥) الملحدين.

وهنا كلام طويل مفصّل يطلب عند قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا).

(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) : بفهم وتأمّل ، يعني : إنّ الّذين تحرص على

__________________

(١) لم نعثر عليه في المناقب ، ولكن يوجد في كمال الدين / ٢٦٤ ، ضمن ح ١٠. وتفسير الصافي ٢ / ١١٧ عنه ، ونور الثقلين ١ / ٧١٤ ، ح ٦٣ عن المناقب ولعلّه سهو.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٩٨.

(٣) الإحتجاج ١ / ٣٦٦ و ٣٨٣.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : وانخفاض.

(٥) المصدر : فرقة.

٣٢٠