تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

فرأوا أجراما عظيمة وبأسا شديدا فهابوا ، فرجعوا وحدّثوا قومهم [فنكثوا الميثاق] (١) إلّا كالب بن يوفنا (٢) من سبط يهوذا ، ويوشع بن نون من سبط إفرائيم بن يوسف (٣).

(وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) بالنّصرة.

(لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) ، أي : نصرتموهم وقوّيتموهم. وأصله ، الذّبّ. ومنه : التّعزير.

(وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) : بالإنفاق في سبيل الخير.

و «قرضا» يحتمل المصدر ، والمفعول.

(لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) : جواب للقسم ، المدلول عليه بالّلام في «لئن» ، سادّ مسدّ جواب الشّرط.

(وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) ، بعد ذلك الشّرط المؤكّد ، المعلّق به الوعد العظيم.

(مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١٢) : ضلالا لا شبهة فيه ولا عذر معه ، بخلاف من كفر قبل ذلك ، إذ قد يمكن أن يكون لهم شبهة ويتوهّم له معذرة.

(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) :

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : يعني : نقض عهد أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

(لَعَنَّاهُمْ) : طردناهم من رحمتنا. أو مسخناهم. أو ضربنا عليهم الجزية.

(وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) : لا تنفعل عن الآيات والنّذر.

وقرأ حمزة والكسائيّ : «قسيّة» وهي إمّا مبالغة قاسية. أو بمعنى : رديئة. من قولهم : درهم قسيّ ، إذا كان مغشوشا. وهو ـ أيضا ـ من القسوة ، فإنّ المغشوش فيه يبس وصلابة (٥).

وقرئ : «قسية» باتّباع القاف السّين (٦).

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : كالب بن يوقنا.

(٣) المصدر : إفراثيم بن يوسف.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٦٣.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢٦٧.

(٦) نفس المصدر والموضع.

٦١

(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) : استئناف لبيان قسوة قلوبهم ، فإنّه لا قسوة أشدّ من تغيير كلام الله ـ تعالى ـ والافتراء عليه. ويجوز أن يكون حالا من مفعول «لعنّاهم» لا من «القلوب» إذ لا ضمير له فيه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) قال : من نحّى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ عن موضعه. والدّليل على (٢) أنّ الكلمة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) ، يعني به : الولاية.

(وَنَسُوا حَظًّا) : وتركوا نصيبا وافيا.

(مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) : من التّوراة. أو من اتّباع محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمعنى : أنّهم حرّفوا التّوراة وتركوا حظّهم ممّا أنزل عليهم ، فلم ينالوه.

وقيس (٣) : معناه : أنّهم حرّفوها ، فزلّت (٤) بشؤمه أشياء منها عن حفظهم ، لما روي أنّ ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية. وتلا هذه الآية.

(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) : خيانة. أو فرقة خائنة. أو خائن منهم.

و «التّاء» للمبالغة ، والمعنى : أنّ الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم ، لا تزال ترى ذلك منهم.

(إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) : لم يخونوا. وهم الّذين آمنوا منهم.

وقيل (٥) : استثناء من قوله : «وجعلنا قلوبهم قاسية».

(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) : قيل (٦) : إن تابوا وآمنوا. أو إن عاهدوا والتزموا الجزية.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) قال : منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ).

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٣) : تعليل للأمر بالصّفح ، وحثّ عليه ، وتنبيه

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٢) المصدر : على ذلك.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٦٧.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فذلّت.

(٥ و ٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) تفسير القمي ١ / ١٦٤.

٦٢

على أنّ العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلا عن العفو عن غيره.

(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) : أي : وأخذنا من النّصارى ميثاقهم ، كما أخذنا ممّن قبلهم.

وقيل (١) : تقديره : ومن الّذين قالوا إنّا نصارى قوم أخذنا. وإنّما قالوا : إنّا نصارى ، ليدلّ على أنّهم سمّوا أنفسهم بذلك ادّعاء لنصرة الله.

(فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ) : بالأفعال.

(وَالْبَغْضاءَ) : بالقلوب.

(إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) : فألزمنا. من غرى الشّيء : إذا لصق به. بين فرق النّصارى وهم نسطوريّة ويعقوبيّة وملكائية. أو بينهم وبين اليهود.

(وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١٤) : بالجزاء والعقاب.

وفي الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ (٣) ، عن عليّ بن الحسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن الحسين بن خالد ، عمّن ذكره ، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لا تشتر من السّودان أحدا ، فإن كان لا بدّ فمن النّوبة ، فإنّهم من الّذين قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أما إنّهم سيتذكّرون ذلك الحظّ ، وسيخرج مع القائم ـ عليه السّلام ـ منّا عصابة منهم. ولا تنكحوا من الأكراد أحدا ، فإنّهم جنس من الجنّ كشف عنهم الغطاء.

(يا أَهْلَ الْكِتابِ) : يعني : اليهود والنّصارى. ووحّد الكتاب ، لأنّه للجنس.

(قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ)

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٦٧.

(٢) الكافي ٥ / ٣٥٢ ، ح ٢.

(٣) المصدر : «إسماعيل بن محمد المكي» وهو إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن هلال المخزومي أبو محمد. ر. تنقيح المقال ١ / ١٤٢ ، رقم ٨٧٦. وإما بالنسبة إلى «محمد بن إسماعيل البرمكي» راجع نفس المصدر ٢ / ٨١ ، رقم ١٠٣٨٩.

٦٣

: كنعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وآية الرّجم في التّوراة ، وبشارة عيسى بأحمد في الإنجيل.

(وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) : ممّا تخفونه ، لا يخبر به إذا لم يضطرّ إليه أمر دينيّ. أو عن كثير منكم ، فلا يؤاخذه بجرمه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) قال : يبيّن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ كثيرا ممّا أخفيتموه ممّا في التّوراة من إخباره ويدع كثيرا لا يبيّنه.

وفي مجمع البيان (٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ عند تفسير (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) (٣) من هذه السّورة : أنّ امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم وهما محصنان ، فكرهوا رجمهما ، فأرسلوا إلى يهود المدينة وكتبوا إليهم أن يسألوا النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن ذلك طمعا في أن يأتي لهم برخصة ، فانطلق قوم ، منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وشعبة بن عمرو ومالك بن الضّيف وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فقالوا! يا محمّد ، أخبرنا عن الزّاني والزّانية إذا أحصنا ما حدّهما؟

فقال : وهل ترضون بقضائي في ذلك؟

قالوا : نعم. فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بالرّجم فأخبرهم بذلك ، فأبوا أن يأخذوا به.

فقال جبرئيل ـ عليه السّلام ـ : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا. ووصفه له.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : هل تعرفون شابّا أمرد أبيض أعور يسكن فدك ، يقال له : ابن صوريا؟

قالوا : نعم.

قال : فأيّ رجل هو فيكم؟

قالوا : هو أعلم يهوديّ بقي على ظهر الأرض بما أنزل الله على موسى ـ عليه السّلام ـ.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٦٤.

(٢) مجمع البيان ٢ / ١٩٣.

(٣) المائدة / ٤١.

٦٤

قال : فأرسلوا إليه. ففعلوا ، فأتاهم عبد الله بن صوريا.

فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّي أنشدك الله الّذي لا إله إلّا هو ، الّذي أنزل التّوراة على موسى وفلق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون وظلّل عليكم الغمام وأنزل عليكم المنّ والسّلوى ، هل تجدون في كتابكم الرّجم على من أحصن؟

قال ابن صوريا : نعم ، والّذي ذكّرتني به لو لا خشية أن يحرقني ربّ التّوراة إن كذبت أو غيّرت ما اعترفت لك ، ولكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمّد؟

قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنّه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة ، وجب عليه الرّجم. فقال ابن صوريا : هكذا نزل في التّوراة على موسى.

فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فما ذا كان أوّل ما ترخّصتم به أمر الله؟

قال : كنّا إذا زنا الشّريف تركناه وإذا أخذنا الضّعيف (١) أقمنا عليه الحدّ ، فكثر الزّنا في أشرافنا حتّى زنا ابن عمّ ملك لنا فلم نرجمه ، ثمّ زنا رجل آخر فأراد الملك رجمه.

فقال له قومه : لا ، حتّى ترجم فلانا ، يعنون : ابن عمّه. فقلنا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرّجم يكون على الشّريف والوضيع. فوضعنا الجلد والتّحميم. وهو أن يجلد أربعين جلدة ثمّ يسوّد وجوههما ثمّ يحملان على حمارين ويجعل وجوههما من قبل دبر الحمار ويطاف بهما. فجعلوا هذا مكان الرّجم.

فقالت اليهود لابن صوريا : ما أسرع ما أخبرته به! وما كنت (٢) لما أثنينا عليك بأهل ولكنّك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك.

فقال : إنّه أنشدني بالتّوراة ، ولو لا ذلك ما أخبرته به.

فأمر بهما النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرجما عند باب مسجده ، وقال : أنا أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأنزل الله ـ سبحانه ـ فيه : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) فقام ابن صوريا فوضع يده على ركبتي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ قال : هذا مقام العائذ بالله وبك أن تذكر

__________________

(١) المصدر : «إذا زنا الضعيف» بدل «إذا أخذنا الضعيف».

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : وما كنت لنا.

٦٥

لنا الكثير الّذي أمرت أن تعفو عنه. فأعرض النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن ذلك.

(قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (١٥) :

قيل (١) : النّور ، محمّد. والكتاب ، القرآن.

وقيل (٢) : كلاهما من القرآن. وأيّد بتوحيد الضّمير في «به».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) قال : يعني : بالنّور أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

(يَهْدِي بِهِ اللهُ) : توحيد الضّمير إمّا لأنّ المراد بهما واحد ، أو لأنّهما في الحكم كواحد.

(مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) : [من اتّبع موجب رضاه. وهو الإيمان] (٤).

(سُبُلَ السَّلامِ) : طرق السّلامة من العذاب. أو سبل الله.

(وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) : من أنواع الكفر إلى الإسلام.

(بِإِذْنِهِ) : بإرادته وتوفيقه.

(وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٦) : طريق هو أقرب الطّرق إلى الله.

وإلى جنّته.

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) : قيل (٥) : هم الّذين قالوا بالاتّحاد منهم.

وقيل (٦) : لم يصرّح به أحد منهم ، ولكن لمّا زعموا أنّ فيه لاهوتا وقالوا : لا إله إلّا واحد ، لزمهم أن يكون هو المسيح ، فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم.

(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) : فمن يمنع من قدرته وإرادته شيئا.

(إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) :

__________________

(١ و ٢) التفسير الكبير ، للفخر الرازي ١١ / ١٨٩ ـ ١٩٠ ، باختلاف بسيط في بعض الألفاظ.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٦٤.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢٦٨.

(٦) نفس المصدر والموضع.

٦٦

استدلّ به على فساد قولهم.

وتقريره : أنّ المسيح مقدور ومقهور قابل للفناء كسائر الممكنات ، ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهيّة.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٧) : إزاحة لما عرض لهم في أمره من الشّبهة. والمعنى : أنّه ـ تعالى ـ قادر على الإطلاق يخلق من غير أصل كما خلق السّماوات والأرض ، ومن أصل كخلق ما بينهما. فينشئ من أصل ليس من جنسه كآدم وحوّاء وكثير من الحيوان. أو من أصل يجانسه من أنثى وحدها كعيسى. أو منهما كسائر النّاس.

(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) :

قيل (١) : أشياع ابنيه : عزير والمسيح. كما قيل لأشياع [خبيب عبد الله] (٢) بن الزّبير : الخبيبون. أو المقربون عنده ، قرب الأولاد من الآباء (٣).

(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) : في الدّنيا ، بالقتل والمسخ والأسر. واعترفتم أنّه سيعذّبكم بالنّار «أيّاماً معدودة» فلا يصحّ ما زعمتم.

(بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) : ممّن خلقه الله.

(يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) : منكم. وهو من آمن به وبرسله.

(وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) : وهو من كفر.

والمعنى : أنّه يعاملكم معاملة سائر النّاس ، لا مزيّة لكم عليهم.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) : كلّها ، سواء في كونه خلقا وملكا.

(وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٨) : فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته.

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) :

قيل (٤) : أي : الدّين ، وحذف لظهوره. أو ما كتمتم ، وحذف لتقدّم ذكره.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : «والدهم» وهو الظاهر.

(٤) نفس المصدر والموضع.

٦٧

وقيل : ما يحتاج إلى البيان ، وهو أولى. ويجوز أن لا يقدّر مفعول ، على معنى : يبذل لكم البيان. والجملة في موضع الحال ، أي : جاءكم رسولنا مبيّنا لكم.

(عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) : متعلّق «بجاءكم» ، أي : جاءكم على حين فتور من الإرسال وانقطاع من الوحي.

قيل (١) : أو يبيّن حال من الضّمير فيه (٢).

قال الصّدوق ـ رحمه الله ـ في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٣) : معنى الفترة : أن لا يكون نبيّ ولا وصيّ ظاهر مشهور ، وقد كان بين نبيّنا وبين عيسى ـ عليهما السّلام ـ أنبياء وأئمّة مستورون خائفون ، منهم خالد بن سنان العبسي لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر ، وكان بين مبعثه ومبعث نبيّنا خمسون سنة. (انتهى كلامه).

وتصديق ذلك ، قول أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ (٤) : لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهر مشهور وإمّا خائف مغمور.

وفي أصول الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وأحمد بن محمّد الكوفيّ ، عن علي بن عمرو بن أيمن جميعا ، عن محسن بن أحمد بن معاذ ، عن أبان بن عثمان ، عن بشير النّبّال ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : بينا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جالسا ، إذ جاءته امرأة ، فرحّب بها وأخذ بيدها وأقعدها ، ثمّ قال : ابنة نبيّ ضيّعه قومه ، خالد بن سنان دعاهم فأبوا أن يؤمنوا.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٦) : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا محمّد بن الوليد الخزّاز والسّنديّ بن محمّد البزّاز جميعا ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٦٩.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أو حال من الضمير في يبيّن.

(٣) كمال الدين وتمام النعمة ٢ / ٦٥٩ ، بتفاوت في النقل.

(٤) نهج البلاغة / ٤٩٧ ، حكمة ١٤٧.

(٥) الكافي ٨ / ٢٨٢ ، ح ٥٤٠.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة ٢ / ٦٥٩ ـ ٦٦٠ ، ح ٣.

٦٨

بشير النّبّال ، عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصّادق ـ عليهما السّلام ـ قال : جاءت ابنة خالد بن سنان العبسي إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال لها : مرحبا بابنة أخي (١). وصافحها وأدناها وبسط لها رداءه ، ثمّ أجلسها عليه إلى جنبه ، ثمّ قال : هذه ابنة نبيّ ضيّعه قومه ، خالد بن سنان [العبسيّ.] (٢) وكان اسمها محياة ابنة خالد بن سنان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي الرّبيع قال : سأل نافع الأزرق أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام ـ فقال : أخبرني كم بين عيسى ومحمّد من سنة؟

فقال : أخبرك بقولك أم بقولي (٤)؟

قال : أخبرني بالقولين جميعا.

قال : أمّا بقولي (٥) فخمسمائة [سنة ،] (٦) وأمّا بقولك (٧) فستّمائة [سنة.] (٨) والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

[وفي أصول الكافي (٩) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثّماليّ ، وأبو منصور عن أبي الرّبيع ، مثله.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (١٠) ـ أيضا ـ بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ [، عمّن حدّثه.] (١١) ، عن إسماعيل بن أبي رافع [، عن أبيه أبي رافع] (١٢) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعد أن ذكر عيسى ثمّ يحيى ثمّ العزير ثمّ دانيال ـ عليهم السّلام ـ

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : بابنتي.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٣٢.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «بقولي وبقولك» ، بدل «بقولك أم بقولي».

(٥) المصدر : في قولي.

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر : في قولك.

(٨) من المصدر.

(٩) بل في روضة الكافي ، ٨ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، ضمن حديث ٩٣.

(١٠) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ، ضمن حديث ٢٠ وأوّله في ص ٢٢٤.

(١١ و ١٢) من المصدر.

٦٩

وملوك زمانهم : فلمّا أراد الله أن يقبض دانيال أمره أن يستودع (١) نور الله وحكمته مكيخابن دانيال ففعل ، وعند ذلك ملك هرمز ثلاثة وستّين سنة وثلاثة أشهر وأربعة أيّام ، وملك بعده بهرم [بن بهرام (٢) ستّا وعشرين سنة ، وولي أمر الله مكيخابن دانيال وأصحابه المؤمنون وشيعته الصّدّيقون غير أنّهم لا يستطيعون أن يظهروا الإيمان في ذلك الزّمان ولا أن ينطقوا به ، وعند ذلك ملك بهرام بن بهرام سبع سنين وفي زمانه انقطعت الرّسل وكانت الفترة ، وولي أمر الله يومئذ مكيخابن دانيال وأصحابه المؤمنون ، فلمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يقبضه أوحى إليه في منامه : أن يستودع (٣) نور الله وحكمته ابنه أنشوا بن مكيخا ، وكانت الفترة بين عيسى ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أربعمائة سنة وثمانين سنة ، وأولياء الله في الأرض ذرّيّة أنشوا بن مكيخا يرث ذلك منهم واحد بعد واحد. ممّن يختاره الجبّار ـ عزّ وجلّ ـ.

وبإسناده إلى مقاتل بن سليمان بن دوال دوز (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديثا طويلا ، وفي آخره يقول ـ صلّى الله عليه وآله ـ : وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمّون الصّفا ، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريّا ، وأوصى يحيى بن زكريّا إلى منذر ، وأوصى منذر إلى سليمة ، وأوصى سليمة إلى بردة. ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ودفعها بردة إلي (٥). وأنا أدفعها إليك يا عليّ.

وفي كتاب التّوحيد (٦) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع أصحاب الملل والمقالات ، قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ لرأس الجالوت : وقد قال داود في زبوره وأنت

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : استودع.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : استودع.

(٤) نفس المصدر ١ / ٢١٣ ، ضمن حديث ١. وفي النسخ : «مقاتل بن سليمان بن داود» وهي خطأ. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر. ر. تنقيح المقال ٣ / ٢٤٤ ، رقم ١٢٠٩٤.

(٥) المصدر : «إليّ بردة» بدل «بردة إليّ».

(٦) التوحيد / ٤٢٨ ـ ٤٢٩.

٧٠

تقرأه (١) : اللهمّ ابعث مقيم السّنة بعد الفترة. فهل تعرف نبيّا أقام السّنّة بعد الفترة غير محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال رأس الجالوت : هذا قول داود نعرفه ولا ننكره ، ولكن عنى بذلك : عيسى ، وأيّامه هي الفترة.

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : جهلت أنّ عيسى لم يخالف السّنّة ، وقد كان موافقا لسنّة التّوراة حتّى رفعه الله إليه. وفي الإنجيل مكتوب : إنّ ابن البرّة ذاهب والفار قليطا جاء من بعده ، وهو الّذي يخفّف الآصار ويفسّر لكم كلّ شيء ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتّأويل. أتؤمن بهذا في الإنجيل؟ قال : نعم ، لا أنكره.

وفي الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته ، هل سئل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن الأطفال؟

فقال : قد سئل ، فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين. ثمّ قال : يا زرارة ، وهل تدري قوله : «الله أعلم بما كانوا عاملين»؟

قلت (٣) : لا.

قال : لله فيهم المشيئة ، إنّه إذا كان يوم القيامة جمع الله ـ عزّ وجلّ ـ الأطفال والّذي مات من النّاس في الفترة والشّيخ الكبير الّذي أدرك النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو لا يعقل والأصمّ والأبكم الّذي لا يعقل والمجنون والأبله الّذي لا يعقل وكلّ واحد منهم يحتج على الله ـ عزّ وجلّ ـ فيبعث الله إليهم ملكا من الملائكة فيؤجّج لهم نارا ، ثمّ يبعث الله إليهم ملكا فيقول لهم : إنّ ربّكم يأمركم أن تثبوا فيها. فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما وأدخل الجنّة ، ومن تخلّف عنها دخل النّار.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٤) ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) المصدر : تقرأ.

(٢) الكافي ٣ / ٢٤٨ ، ح ١.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قال.

(٤) نفس المصدر ٣ / ٢٤٩ ، ح ٦.

٧١

ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عمّن مات في الفترة وعمّن لم يدرك الحنث والمعتوه؟

فقال : يحتجّ الله عليهم ، يرفع لهم نارا فيقول لهم : ادخلوها. فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن أبى قال : ها أنتم قد أمرتكم ، فعصيتموني.

وبهذا الإسناد قال (١) : ثلاثة يحتجّون عليهم : الأبكم والطّفل ومن مات في الفترة ، فترفع (٢) لهم نار (٣) فيقال لهم : ادخلوها. فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن أبى قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : هذا قد أمرتكم فعصيتموني] (٤).

وفي كتاب الخصال (٥) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : رنّ إبليس أربع رنّات : أوّلهنّ يوم لعن ، وحين أهبط إلى الأرض ، وحين بعث محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ على حين فترة من الرسل.

(الحديث).

(أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) : كراهة أن تقولوا ذلك ، وتعتذروا به.

(فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) : متعلّق بمحذوف ، أي : فلا تعتذروا فقد جاءكم.

(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٩) :

قيل (٦) : فيقدر على الإرسال تترى كما فعل بين موسى وعيسى ـ عليهما السّلام ـ إذ كان بينهما ألف وسبعمائة سنة وألف نبيّ ، وعلى الإرسال على فترة كما فعل بين عيسى ومحمّد ـ عليهما السّلام ـ إذ كان بينهما ستّمائة أو خمسمائة وتسع وستّون سنة وأربعة أنبياء ، ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسي.

وفي الآية امتنان عليهم ، بأن بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي وكانوا أحوج ما يكونون إليه.

وقد سبق في الخبر : أنّ بين عيسى ونبيّنا خمسمائة سنة.

وانطماس آثار الوحي ، بمعنى : عدم ظهوره للنّاس ، وكون النّبيّ خافيا مقهورا.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٧.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فيرفع.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : نارا.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) الخصال ١ / ٢٦٣ ، ح ١٤١.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٦٩.

٧٢

[وفي كتاب الاحتجاج (١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل يذكر فيه أحوال يوم القيامة ، وفيه فيقام الرّسل ، فيسألون عن تأدية الرّسالات (٢) الّتي حملوها إلى أممهم [فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم] (٣) وتسأل الأمم فتجحد (٤) كما قال (٥) : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) فيقولون : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) (٦) فتشهد الرّسل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيشهد بصدق الرّسل وتكذيب من جحدها من الأمم ، فيقول لكل أمّة منهم : بلى (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٧) ، أي : مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرّسل إليكم رسالاتهم. وكذلك قال الله لنبيّه : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً). فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون] (٨).

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) : فأرشدكم وشرفكم بهم. ولم يبعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء.

(وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) ، أي : جعل منكم ، أو فيكم. وقد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء بعد فرعون حتّى قتلوا يحيى ، وهمّوا بقتل عيسى.

وقيل (٩) : لمّا كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم وجعلهم مالكين لأنفسهم وأمورهم ، سمّاهم ملوكا.

(وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٠) : من فلق البحر ، وتظليل الغمام ، وإنزال المنّ والسّلوى ، ونحوها ممّا أتاهم.

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٦٠ ـ ٣٦١.

(٢) المصدر : الرسالة.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فيجحدون.

(٥) الأعراف / ٦.

(٦) المائدة / ١٩.

(٧) النساء / ٤١.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٢٦٩.

٧٣

وقيل (١) : المراد بالعالمين ، عالمي زمانهم.

(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) :

قيل (٢) : أرض بيت المقدس. سمّيت بذلك ، لأنّها قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين.

وقيل : الطّور وما حوله.

وقيل : دمشق وفلسطين وبعض الأردنّ.

وقيل : الشّام. وهو المرويّ في تفسير العيّاشي (٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.

(الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) : في اللّوح المحفوظ ، أن تكون مسكنا لكم إن أطعتم وآمنتم ، لقوله لهم بعد ما عصوا : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ).

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ بني إسرائيل قال [الله] (٥) لهم : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) فلم يدخلوها حتّى حرّمها عليهم وعلى أتباعهم وعلى أبنائهم ، وإنّما دخلها أبناء الأبناء.

وعن إسماعيل الجعفي (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : أصلحك الله (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أكان كتبها لهم؟

قال : أي والله كتبها لهم ، ثمّ بدا له لا يدخلوها.

قال : ثمّ ابتدأ هو فقال : إنّ الصّلاة كانت ركعتين عند الله ، فجعلها (٧) للمسافر وزاد للمقيم ركعتين فجعلها أربعا.

وعن مسعدة بن صدقة (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ).

قال : كتبها لهم ثمّ محاها ، ثمّ كتبها لأبنائهم فدخلوها ، والله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٣٠٦ ، ضمن حديث ٧٥.

(٤) نفس المصدر ١ / ٣٠٤ ، ح ٧٢.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ٧١.

(٧) المصدر : «فجعلهما». وكلا اللفظين صحيحان.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ٧٢.

٧٤

[وعن أبي بصير (١) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ : أنّ رأس المهديّ يهدى إلى موسى بن عيسى على طبق.

قلت : فقد مات هذا وهذا.

قال : فقد قال الله : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) فلم يدخلوها ودخلها الأبناء ، أو قال : أبناء الأبناء. فكان ذلك دخولهم (٢).

فقلت : لو ترى أنّ الّذي قال في المهديّ و [في] (٣) ابن عيسى يكون مثل هذا؟

فقال : نعم يكون في أولادهم. فقلت : ما تنكر أن يكون [ما] (٤) قال في ابن الحسن يكون في ولده؟

قال : [نعم] (٥) ليس ذلك مثل ذاك.

وعن زرارة (٦) ، عن حمران ، ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ عن قوله : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ).

قال : كتبها لهم ثمّ محاها.

] (٧) (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) : ولا ترجعوا مدبرين ، خوفا من الجبابرة.

قيل (٨) : لمّا سمعوا حالهم من النّقباء بكوا وقالوا : ليتنا متنا بمصر ، تعالوا نجعل علينا رأسا ينصرف بنا إلى مصر أو لا ترتدّوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق على الله.

(فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٢١) : ثواب الدّارين.

ويجوز في «فتنقلبوا» الجزم على العطف ، والنّصب على الجواب.

(قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) : متغلّبين ، لا يتأتى لنا مقاومتهم.

و «الجبار» فعّال. من جبره على الأمر ، بمعنى : أجبره. وهو الّذي يجبر النّاس على ما يريده.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٣٠٣ ، ح ٦٧.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : دخول.

(٣ و ٤ و ٥) من المصدر.

(٦) نفس المصدر ١ / ٣٠٤ ، ح ٦٩.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٢٦٩.

٧٥

(وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) (٢٢) : إذ لا طاقة لنا بهم.

(قالَ رَجُلانِ) : هما يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا. وهما ابنا عمّه. كذا رواه العيّاشي (١) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ.

(مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) : أي : يخافون الله ويتّقونه.

وقيل (٢) : كانا رجلين من الجبابرة أسلما وسارا إلى موسى ـ عليه السّلام ـ. فعلى هذا الواو لبني إسرائيل ، والرّاجع إلى الموصول محذوف ، أي : من الّذين يخافهم بنو إسرائيل. ويشهد له أنّه قرئ : «الّذين (٣) يخافون» بالضّمّ ، أي : المخوّفين. وهو مردود بما ذكر في الخبر. وعلى المعنى الّذي ذكر في الخبر يكون هذا من الإخافة ، أي : الّذين يخوّفون من الله ، بالتّذكير. أو يخوّفهم الوعيد.

(أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) : بالإيمان والتّثبّت. وهو صفة ثانية «لرجلين» ، أو اعتراض.

(ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) : باب قريتهم ، أي : باغتوهم وضاغطوهم في المضيق وامنعوهم من الإصحار.

(فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) : لتعسّر الكرّ عليهم في المضايق من عظم أجسامهم ، ولأنّهم أجسام لا قلوب فيها. ويجوز أن يكون علمهما بذلك من أخبار موسى ، وقوله : (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ). أو ممّا علما من عادته ـ تعالى ـ في نصرة رسله وما عهدا من صنعه لموسى في قهر أعدائه.

(وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٣) : أي : مؤمنين به ومصدقين لوعده.

[وفي مصباح الشّريعة (٤) قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل : وقال

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٣٠٣ ، ح ٦٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٦٩.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «وأيّده بقراءة» بدل «ويشهد له أنّه قرئ الذين».

(٤) شرح فارسي مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة / ٤١٥ ، مع إسقاط في أوّله.

٧٦

ـ عزّ وجلّ ـ : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) جعل التّوكل مفتاح الإيمان ، والإيمان قفل التّوكّل ، وحقيقة التّوكل الإيثار ، وأصل الإيثار تقديم الشّيء بحقّه.

ولا ينفك المتوكّل في توكّله من إثبات أحد الإيثارين ، فإن آثر معلول التّوكّل وهو الكون حجب به ، وإن آثر [معلّل] (١) علّة التّوكّل وهو الباري ـ سبحانه ـ بقي معه] (٢).

(قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها) : بدل من «أبدا» بدل البعض.

(فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢٤) : قالوا ذلك ، استهانة بالله ورسوله ، وعدم مبالاة بهما.

وقيل (٣) : تقديره : اذهب أنت وربّك يعينك.

[وفي كتاب الاحتجاج (٤) ، للطّبرسيّ ، وعن أبان بن تغلب ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه قال : قال عليّ ـ عليه السّلام ـ لعمر بن الخطّاب في أوّل جلوس أبي بكر : يا بن صهاك الحبشيّة ، لو لا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تقدّم لأريتك أيّنا أضعف ناصرا وأقلّ عددا. ثمّ التفت إلى أصحابه فقال : انصرفوا رحمكم الله. فو الله لا دخلت المسجد إلّا كما دخل أخواي موسى وهارون إذ قال له أصحابه : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) والله لا دخلته إلّا لزيارة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو لقضيّة أقضيها. فإنّه لا يجوز لحجّة (٥) أقامها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يترك النّاس في حيرة] (٦).

(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) : يشكو حزنه إلى الله لمّا خالفه قومه وأيس منهم ، ولم يبق معه موافق يثق به غير هارون ـ عليه السّلام ـ والرّجلان المذكوران. وإن كانا يوافقانه ، لم يثق عليهما ، لما كابد من تلوّن قومه.

ويجوز أن يريد «بأخي» من يؤاخيني في الدّين ، فيدخلان فيه.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٧٠.

(٤) الاحتجاج ١ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٥) المصدر : بحجّة.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٧٧

و «أخي» إمّا منصوب ، معطوف على «نفسي» ، أو على اسم «إنّ». مرفوع ، معطوف على الضّمير في «لا أملك» ، أو على محلّ «إنّ» واسمها. وإمّا مجرور معطوف على الضّمير في «نفسي» عند الكوفيّين (١).

(فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٥) : بأن تحكم علينا بما نستحقّه ، وعليهم بما يستحقّونه. أو بالتّبعيد بيننا وبينهم ، وتخليصنا من صحبتهم.

(قالَ فَإِنَّها) ، أي : الأرض المقدّسة.

(مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) : لا يدخلونها ولا يملكونها ، بسبب عصيانهم.

(أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) : متعلّق «بيتيهون» لا «بمحرّمة» ، لأنّه ما دخل أحد منهم الأرض المقدّسة ، بل دخلها أبناء أبنائهم كما مرّ في الخبر ، أي : يسيرون فيها متحيّرين لا يرون طريقا.

نقل : أنّهم لبثوا أربعين سنة في ستّة فراسخ ، يسيرون من الصّباح إلى المساء فإذا هم بحيث ارتحلوا عنه ، وكان الغمام يظلّهم من الشّمس وعمود من نور يطلع باللّيل فيضيء لهم ، وكان طعامهم المنّ والسّلوى وماؤهم من الحجر الّذي يحملونه (٢).

(فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦) : خاطب به موسى ـ عليه السّلام ـ لمّا ندم على الدّعاء عليهم ، وبيّن أنّهم أحقّاء بذلك لفسقهم.

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن حريز ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنّعل ، والقذّة بالقذّة ، حتّى لا تخطئون طريقهم ولا تخطئكم سنّة بني إسرائيل.

ثمّ قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : قال موسى لقومه : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) فردّوا عليه ، وكانوا ستّمائة ألف فقالوا : (يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ). (الآيات).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٧٠.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٣٠٣ ، ح ٦٨.

٧٨

قال : فعصى أربعون ألفا (١) ، وسلم هارون وابناه ويوشع بن نون وكالب بن يوفنا ، فسمّاهم الله فاسقين فقال : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ). فتاهوا أربعين سنة. لأنّهم عصوا. فكانوا حذو النّعل بالنّعل. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا قبض لم يكن على أمر الله إلّا عليّ والحسن والحسين وسلمان والمقداد وأبو ذرّ ، فمكثوا أربعين حتّى قام عليّ فقاتل من خالفه.

وعن داود الرّقي (٢) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ [يقول :] (٣) كان أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : نعم الأرض الشّام. وبئس القوم أهلها. وبئس البلاد مصر. أما إنّها سجن من سخط الله عليه. ولم يكن دخول بني إسرائيل [مصر] (٤) إلّا [من سخطه و] (٥) معصية منهم لله. لأنّ الله قال : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ، يعني : الشّام. فأبوا أن يدخلوها فتاهوا في الأرض أربعين سنة في مصر وفيافيها ، ثمّ دخلوها بعد أربعين سنة. قال : وما خروجهم من مصر ودخولهم الشّام ، إلّا بعد توبتهم ورضا الله عنهم.

وفي قرب الإسناد (٦) ، للحميريّ : أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قلنا له : إنّ أهل مصر يزعمون أنّ بلادهم مقدّسة.

قال : وكيف ذلك؟

قلت : جعلت فداك ، يزعمون أنّه يحشر من جبلهم سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب.

قال : لا ، لعمري ما ذاك كذلك ، وما غضب [الله] (٧) على بني إسرائيل إلّا أدخلهم مصر (٨) ولا رضى عنهم إلّا أخرجهم منها إلى غيرها ، ولقد أوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى موسى أن يخرج عظام يوسف منها ، ولقد قال رسول الله ـ صلّى

__________________

(١) المصدر : أربعون ألف.

(٢) نفس المصدر ١ / ٣٠٥ ، ح ٧٥.

(٣ و ٤ و ٥) ليس في أ.

(٦) قرب الاسناد / ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٧) من أ.

(٨) هكذا في أ. وفي سائر النسخ : مصرا.

٧٩

الله عليه وآله ـ : لا تغسلوا رؤوسكم بطينها ولا تأكلوا في فخارها. فإنّها تورث الذّلّة.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

[في تفسير العيّاشي (١) :] (٢) عن الحسين بن أبي العلا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : [ذكر أهل مصر] (٣) وذكر قوم موسى وقولهم : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ). قال : فحرّمها الله عليهم أربعين سنة وتيّههم ، فكان إذا كان العشاء وأخذوا في الرّحيل نادوا : الرّحيل الرّحيل ، الوحا الوحا. فلم يزالوا كذلك حتّى تغيب الشّمس ، حتّى إذا ارتحلوا واستوت بهم الأرض قال الله ـ تعالى ـ للأرض : ديري بهم. فلم يزالوا كذلك حتّى إذا أسحروا وقارب الصّبح قالوا : إنّ هذا الماء قد أتيتموه فانزلوا. فإذا أصبحوا إذا هم في منازلهم الّتي كانوا فيها بالأمس ، فيقول بعضهم لبعض : يا قوم لقد ظللتم وأخطأتم الطّريق. فلم يزالوا كذلك حتّى أذن الله لهم فدخلوها.

وقد كان كتبها لهم.

قوله ـ عليه السّلام ـ : حتّى أذن الله ، أي : في أبناء الأبناء. كما مرّ في الخبر السّابق.

وفي الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن ابن فضّال ، عن محمّد بن الحصين ، عن محمّد بن الفضيل ، عن عبد الرّحمن بن يزيد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : مات داود النّبيّ ـ صلّى الله عليه ـ يوم السّبت [مفجوءا ، فأظلّته الطّير بأجنحتها.] (٥) ومات موسى كليم الله في التّيه ، فصاح صائح من السّماء ، مات موسى. وأيّ نفس لا تموت؟

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : مات هارون قبل موسى ، وماتا جميعا في التّيه.

وفيه : لمّا أراد موسى أن يفارقهم فزعوا وقالوا : إن خرج موسى من بيننا ينزل

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٣٠٥ ، ح ٧٤.

(٢) ليس في أ.

(٣) ليس في ر.

(٤) الكافي ٣ / ١١١ ـ ١١٢ ، ح ٤.

(٥) ليس في أ.

(٦) تفسير القمي ٢ / ١٣٧.

٨٠