تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

وفي تفسير علي بن إبراهيم (١) قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ).

قال : يوم حصاد (٢) [و] (٣) كذا نزلت.

قال : فرض الله يوم الحصاد من كل قطعة أرض قبضة للمساكين ، وكذا في جذاذ (٤) النّخل وفي الثمرة (٥) كذا عند البذر (٦).

[أخبرنا] (٧) أحمد بن إدريس (٨) قال : حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن شعيب العقرقوفيّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ).

قال : الضّغث من السّنبل والكفّ من التّمر إذا خرص.

قال : وسألته (٩) هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله؟

قال : لا ، هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته.

وعنه (١٠) ، عن أحمد البرقيّ ، عن سعد بن سعد ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قلت : فإن (١١) لم يحضر المساكين وهو يحصد (١٢) ، كيف يصنع؟

قال : ليس عليه شيء.

قيل (١٣) : يريد بالحقّ ما [كان] (١٤) يتصدّق به يوم الحصاد ، لا الزّكاة المقدّرة لأنّ الزّكاة (١٥) فرضت بالمدينة والآية مكّيّة. وقيل (١٦) : [بل هو] (١٧) الزّكاة.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢١٨.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : حصاده.

(٣) من المصدر.

(٤) نسخة من المصدر : جزاز.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : التمر.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : البذار.

(٧) من المصدر.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٢١٨.

(٩) المصدر : سألت.

(١٠) تفسير القمّي ١ / ٢١٨.

(١١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : إن.

(١٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يحضر.

(١٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٤.

(١٤) من المصدر.

(١٥) المصدر : «لأنّها» بدل «لأنّ الزكاة».

(١٦) نفس المصدر ، والموضع.

(١٧) ليس في المصدر.

٤٦١

أي : لا تؤخّره عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء. والآية مدنيّة. وما سبق من الأخبار يدلل على أنّه غير الزّكاة ، وأنّ إيتاءه على الاستحباب المؤكّد دون الوجوب.

(وَلا تُسْرِفُوا) : في التّصدّق ، كقوله : «ولا تبسطها كلّ البسط».

(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١٤١) : لا يرتضي فعلهم.

في الكافي (١) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيغ ، عن صالح بن عقبة ، عن سليمان بن صالح قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أدنى ما يجيئ من حدّ الإسراف.

فقال : إبدالك ثوب يصونك ، وإهراقك فضل إنائك ، وأكلك التّمر ورميك بالنّوى (٢) هاهنا وهاهنا.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ ، بإسناده يرفعه (٤) إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ليس في الطّعام من (٥) سرف.

عن (٦) أبي عبد الله (٧) ـ عليه السّلام ـ قال : للمسرف ثلاث علامات : يشتري (٨) ما ليس له ، ويلبس ما ليس له ، ويأكل (٩) ما ليس له.

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) : عطف على «جنّات» ، أي : وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذّبح. أو ما يفرش المنسوج من شعره وصوفه ووبره.

وقيل (١٠) : الكبار الصّالحة للحمل ، والصّغار الدّانية من الأرض ، مثل الفرش المفروش عليها.

(كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) : كلوا ممّا أحلّ لكم منه.

(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) : في التّحليل والتّحريم من عند أنفسكم.

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٦ ، ح ١٠.

(٢) المصدر : النّوى.

(٣) الخصال / ٩٣ ، ذيل ح ٣٧.

(٤) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

(٥) ليس في المصدر.

(٦) الخصال / ٩٨ ، ح ٤٥.

(٧) المصدر : أمير المؤمنين.

(٨) المصدر : يأكل.

(٩) المصدر : يشتري.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٤.

٤٦٢

وفي أصول الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن النّعمان الأحول ، عن سلام بن المستنير قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : [أما] (٢) إنّ أصحاب محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ قالوا : يا رسول الله ، نخاف علينا النّفاق.

قال : فقال : ولم تخافون ذلك؟

قالوا : إذا كنّا عندك فذكّرتنا ورغّبتنا ، وجلنا ونسينا الدّنيا وزهدنا حتّى كأنّا نعاين الآخرة والجنّة والنّار ونحن عندك. فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا [الأهل والعيال] (٣) ، نحوّل عن الحال الّتي كنّا عليها عندك وحتّى كأنّا لم نكن على شيء. أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟

فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كلا ، إنّ هذه خطوات الشّيطان فيرغّبكم في الدّنيا.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (١٤٢) : ظاهر العداوة.

(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) : بدل من «حمولة» و «فرشا». أو مفعول «كلوا» «ولا تتّبعوا» معترض بينهما ، أو فعل دلّ عليه. أو حال من «ما» بمعنى : مختلفة أو متعدّدة. والزّوج :

ما معه آخر من جنسه يزاوجه ، وقد يقال لمجموعهما. والمراد الأوّل.

(مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) : زوجين اثنين ، الأهليّ والوحشيّ.

وقيل (٤) : الكبش والنّعجة. وهو بدل من «ثمانية».

وقرئ (٥) : «اثنان» على الابتداء.

و «الضّأن» اسم جنس ، كالإبل. وجمعه ، ضئين. أو ضائن ، كتاجر وتجر.

وقرئ (٦) ، بفتح الهمزة. وهو لغة فيه.

(وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) : الأهليّ والوحشيّ.

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٢٣ ، ضمن ح ١.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : العيال والأهل يكاد أن.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٥.

(٥) نفس المصدر ، والموضع.

(٦) نفس المصدر ، والموضع.

٤٦٣

وقيل (١) : التّيس والعنز.

وقرأ (٢) ابن كثير وابن عامر ويعقوب ، بالفتح. وهو جمع ، ماعز ، كصاحب وصحب ، وحارس وحرس.

وقرئ (٣) : معزى.

(قُلْ آلذَّكَرَيْنِ) : ذكر الضّأن وذكر المعز.

(حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) : أم أنثييهما. ونصب «الذّكرين» «والأنثيين» «بحرّم».

(أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) : وما حملت أناث الجنسين ، ذكرا كان أو أنثى.

(نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) : بأمر معلوم يدلّ على أنّ الله ـ تعالى ـ حرّم شيئا من ذلك.

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٤٣) : في دعوى التّحريم عليه.

(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) ، كما سبق.

والمعنى إنكار أنّ الله ـ تعالى ـ حرّم من الأجناس الأربعة ذكرا أو أنثى أو ما يحمل أناثها ، ردّا عليهم. فإنّهم كانوا يحرّمون ذكور الأنعام تارة ، [وإناثها تارة] (٤) وأولادها كيف كانت تارة ، زاعمين (٥) أنّ الله ـ تعالى ـ حرّمها.

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) : أ(٦) كنتم حاضرين شاهدين.

(إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) : حين وصّاكم بهذا التّحريم. إذ أنتم لا تؤمنون بنبيّ ، ولا طريق لكم إلى معرفة أمثال ذلك إلّا المشاهدة والسّماع.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) : فنسب إليه تحريم ما لم يحرّم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٥.

(٢) نفس المصدر ، والموضع.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) يوجد في «ج» و «ر».

(٥) كذا في «ج» و «ر» وفي سائر النسخ : داعين.

(٦) كذا في «ج» و «ر» وفي سائر النسخ : «بل» بدل «أ».

٤٦٤

والمراد ، كبراؤهم المقرّرون لذلك. أو عمرو بن لحيّ (١) المؤسّس له ، الّذي بحر البحائر وسيّب السّوائب.

(لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٤٤).

في الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن السلمي (٣) عن داود الرّقيّ قال : سألني بعض الخوارج عن هذه الآية (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ). ما الّذي أحلّ الله من ذلك وما الّذي حرّم؟ فلم يكن عندي فيه (٤) شيء.

فدخلت على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا حاجّ ، فأخبرته بما (٥) كان. فقال : إنّ الله ـ تعالى ـ أحلّ في الأضحيّة [بمنى الضأن والمعز (٦) الأهليّة ، وحرّم أن يضحّى بالجبليّة.

وأمّا قوله : (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) فإنّ الله ـ تعالى ـ أحلّ في الأضحيّة] (٧) الإبل العراب (٨) ، وحرّم فيها البخاتيّ ، وأحلّ البقر الأهليّة أن يضحّى بها ، وحرّم الجبليّة.

فانصرفت إلى الرّجل ، فأخبرته بهذا الجواب. فقال : هذا شيء حملته الإبل من الحجاز.

وفي روضة الكافي (٩) : محمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل الجعفيّ وعبد الكريم بن عمرو وعبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : حمل نوح ـ صلّى الله عليه ـ في السّفينة الأزواج الثّمانية [الّتي] (١٠) قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) ـ (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ). فكان من الضّأن اثنين زوج داجنة يربّيها النّاس ، والزّوج الآخر

__________________

(١) كذا في المصدر و «ج» و «ر» وفي سائر النسخ : يحيى.

(٢) الكافي ٤ / ٤٩٢ ، ح ١٧.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : المسلميّ.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) بعض النسخ : عمّا.

(٦) المعز : ذوات الشعر والأذناب من الغنم. والضأن خلافه.

(٧) يوجد في المصدر ، «ج».

(٨) إبل عراب : كرائم سالمة من العيب. والبخاتي ـ جمع البخت ـ الإبل الخراسانيّة طويل العنق.

(٩) الكافي ٨ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، ح ٤٢٧.

(١٠) من المصدر.

٤٦٥

الضّأن الّتي يكون في الجبال الوحشيّة أحلّ لهم صيدها. ومن المعز اثنين زوج داجنة يربّيها النّاس ، والزّوج الآخر الظّباء (١) الّتي [تكون في المفاوز] (٢) ومن الإبل اثنين ، البخاتيّ والعراب. ومن البقر اثنين زوج داجنة للنّاس ، والزّوج الآخر البقرة الوحشيّة.

وكلّ طير طيّب وحشي و (٣) انسيّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قوله : «من الضّأن اثنين» ، عنى : الأهليّ والجبليّ. «ومن المعز اثنين» ، عنى : الأهليّ والوحشيّ الجبليّ.

«ومن البقر اثنين» ، يعني : الأهليّ والوحشيّ الجبليّ. «ومن الإبل اثنين» ، يعني :

البخاتيّ والعراب. فهذه أحلّها الله.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن أيّوب بن نوح بن درّاج قال : سألت أبا الحسن الثّالث ـ عليه السّلام ـ عن الجاموس ، وأعلمته أنّ أهل العراق يقولون : إنّه مسخ.

فقال : أو ما سمعت قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ).

وكتبت إلى أبي الحسن الأوّل ـ عليه السّلام ـ بعد مقدمي من خراسان أسأله عما حدّثني [به] (٦) أيّوب في الجاموس.

فكتب : هو كما (٧) قال لك.

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) ، أي : في القرآن. أو فيما أوحي إليّ مطلقا.

وفيه تنبيه على ، أنّ التّحريم إنّما يعلم بالوحي لا بالهوى. وأنّ الأصل في كل شيء لم يوح تحريمه ، تحليله.

(مُحَرَّماً) : طعاما محرّما.

(عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ) : الطّعام «ميتة».

__________________

(١) المصدر : الظبي.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يكون في الجبال الوحشيّة احلّ لهم صيدها.

(٣) المصدر : [أ] و.

(٤) تفسير القمي ١ / ٢١٩.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، ح ١١٥.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ما.

٤٦٦

وقرأ (١) ابن كثير وحمزة : «تكون» بالتّاء ، لتأنيث الخبر.

وقرأ (٢) ابن عامر ، بالتّاء ، ورفع «ميتة». على أنّ «كان» هي التّامّة.

(أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) : عطف على «أن» مع ما في حيّزه ، أي : إلّا وجوده ميتة ، أو دما مسفوحا ، أي : مصبوبا ، كالدّم في العروق. لا كالكبد والطّحال والمختلط باللحم بحيث لا يمكن تخليصه.

(أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) : فإنّ الخنزير أو لحمه قذر ، لتعوّده أكل النّجاسة.

أو خبيث مخبث.

(أَوْ فِسْقاً) : عطف على «لحم خنزير». وما بينهما اعتراض للتّعليل.

(أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) : صفة له موضّحة. وإنّما سمّي ما ذبح على اسم الصنم «فسقا» ، لتوغّله في الفسق.

ويجوز أن يكون «فسقا» مفعولا له من «أهلّ» ، وهو عطف على «يكون».

والمستكنّ فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكنّ في «يكون».

(فَمَنِ اضْطُرَّ) : فمن دعته الضّرورة إلى تناول شيء من ذلك.

(غَيْرَ باغٍ) : على مضطرّ آخر مثله.

(وَلا عادٍ) : قدر الضّرورة.

(فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٤٥) : لا يؤاخذه بأكله. وقد مضى تفسير الباغي والعادي.

فإن قيل : لم خصّ هذه الأشياء الأربعة هنا بذكر التّحريم ، مع أنّ غيرها محرم ـ أيضا ـ. فإنّه ـ سبحانه ـ ذكر في المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة والمتردّية وغيرها. وقد ورد الأخبار الصّحيحة بتحريم كلّ ذي (٣) مخلب من الطّير وكلّ ذي ناب من الوحش وما لا قشر له من السّمك ، إلى غير ذلك؟

قلنا : أمّا المذكورات في المائدة ، فكلّها يقع عليها (٤) اسم الميتة فيكون في حكمها.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٥.

(٢) نفس المصدر ، والموضع.

(٣) كذا في «ج» ، وفي سائر النسخ : ذات.

(٤) «ج» و «ر» : عليه.

٤٦٧

فأجمل هاهنا وفصّل هناك. وأمّا غيرها ، فليس بهذه المثابة في الحرمة. فخصّ هذه الأشياء بالتّحريم ، تعظيما لحرمتها. وبيّن تحريم ما عداها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وورد أنّه ممّا يعاف عنه.

ففي التّهذيب (١) : الحسين بن سعيد ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الجرّيّ و [المارماهي وما ليس] (٢) له قشر من السّمك ، حرام هو؟

فقال لي : يا محمّد ، اقرأ هذه الآية الّتي في الأنعام (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ).

فقال (٣) : فقرأتها حتّى فرغت منها.

فقال : إنّما الحرام ، ما حرم الله ورسوله في كتابه. ولكنّهم قد كانوا يعافون أشياء ، فنحن نعافها.

الحسين بن سعيد (٤) ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن سباع الطّير والوحش ، حتّى ذكر له (٥) القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل.

فقال : ليس الحرام ، إلّا ما حرّم الله في كتابه. وقد نهى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم خيبر عن أكل لحم (٦) الحمير. وإنّما نهاهم من أجل ظهورهم [أن يفنوه] (٧) ، فليست (٨) الحمير بحرام.

ثم قال : اقرأ هذه الآية (قُلْ لا أَجِدُ) (الآية).

الحسين بن سعيد (٩) ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة قال :

__________________

(١) التهذيب ٩ / ٦ ، ح ١٦.

(٢) المصدر : المارماهي والزمير وما.

(٣) المصدر : قال.

(٤) التهذيب ٩ / ٤٢ ، ح ١٧٦.

(٥) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

(٦) المصدر و «ج» و «ر» : لحوم.

(٧) يوجد في المصدر و «ج» و «ر» : يفنوه.

(٨) المصدر : وليست.

(٩) التهذيب ٩ / ٥ ـ ٦ ح ١٥.

٤٦٨

سألت أبا الحسن (١) عن الجريث.

فقال : وما الجريث؟

فنعته (٢) له.

فقال : (لا أَجِدُ) (الآية).

ثمّ قال : لم يحرّم الله شيئا من الحيوان في القرآن ، إلّا الخنزير بعينه. ويكره كلّ شيء من البحر ليس له قشر ، مثل الورق. وليس بحرام ، إنّما هو مكروه.

وعن أحدهما (٣) ـ عليهما السّلام ـ : أنّ أكل الغراب ليس بحرام. إنّما الحرام ما حرّمه (٤) الله في كتابه ، ولكنّ الأنفس تتنزّه عن كثير من ذلك تقزّزا.

قال صاحب التّهذيب (٥) : قوله : «ليس الحرام إلّا ما حرّم الله في كتابه». المعنى فيه : أنّه ليس الحرام المخصوص المغلّظ الشّديد الحظر ، إلّا ما ذكره الله في القرآن. وإن (٦) كان فيما عداه ـ أيضا ـ محرّمات كثيرة ، إلّا أنّها دونه في التّغليظ.

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن حريز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سئل عن سباع الطّير والوحش (٨) حتّى ذكر القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل.

فقال : ليس الحرام ، إلّا ما حرّم الله في كتابه. وقد نهى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير. وإنّما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه ، وليس (٩) الحمير بحرام.

ثمّ (١٠) قال : اقرأ هذه الآية (١١) (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ، فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) (١٢).

__________________

(١) المصدر و «ج» و «ر» : أبا جعفر.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فنعت.

(٣) التهذيب ٩ / ١٨ ، ح ٧٢.

(٤) كذا في المصدر ، والنسخ : حرّم.

(٥) التهذيب ٩ / ٤٢.

(٦) «ج» و «ر» : فإن.

(٧) تفسير العيّاشي ١ / ٣٨٢ ، ح ١١٨.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الوحشيّ.

(٩) «ج» ، «ر» : ليست.

(١٠) المصدر : و.

(١١) المصدر : قرأ هذه الآيات.

(١٢) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

٤٦٩

عن محمّد بن مسلم (١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قد كان أصحاب المغيرة يكتبون إليّ أن أسأله عن (٢) الجرّيّ والمارماهي والزّمّير وما ليس له قشر من السّمك ، أ(٣) حرام هو أم لا؟

قال : فسألته عن ذلك.

فقال : يا محمّد ، اقرأ هذه الآية الّتي في الأنعام (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ).

قال : فقرأتها حتّى فرغت منها.

فقال : إنّما الحرام ما حرّم الله في كتابه ، ولكنّهم كانوا يعافون أشياء ونحن (٤) نعافها.

عن زرارة (٥) قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن الجرّيّ.

فقال : [و] (٦) ما الجرّيّ؟

فنعته له.

فقال : (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) (الآية).

ثمّ قال : لم يحرّم الله شيئا من الحيوان في القرآن إلّا الخنزير [بعينه] (٧). ويكره كلّ شيء من البحر ليس فيه قشر.

قال : قلت : وما القشر؟

قال : [وهو] (٨) الّذي مثل الورق. وليس هو بحرام ، إنّما هو مكروه.

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) : كلّ ما له إصبع ، كالإبل والسّباع والطّيور.

__________________

(١) تفسير العياشيّ ١ / ٣٨٢ ، ح ١١٩.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : من.

(٣) ليس في المصدر : أ.

(٤) المصدر : فنحن.

(٥) تفسير العياشيّ ١ / ٣٨٣ ، ح ١٢٠.

(٦) من المصدر.

(٧) من المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

٤٧٠

وقيل (١) : كلّ ذي مخلب وحافر. وسمّي الحافر : ظفرا ، مجازا. ولعلّ المسبّب عن الظّلم تعميم التّحريم.

وفي عيون الأخبار (٢) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ قال : [أبو عبد الله] (٣) ـ عليه السّلام ـ : كلّ ذي ناب من السّباع وذي مخلب من الطّير حرام.

وفيه (٤) ـ أيضا ـ : وحرّم الأرنب ، لأنّها بمنزلة السّنّور ولها مخالب كمخالب (٥) السّنّور. وسباع الوحش (٦).

وفي باب ما كتبه الرّضا (٧) ـ عليه السّلام ـ للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين : ويحرّم (٨) كلّ ذي ناب من السّباع ، وكلّ ذي مخلب من الطّير.

وفي كتاب الخصال (٩) : عن الأعمش ، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال في حديث طويل : وكلّ ذي ناب من السّباع و [ذي] (١٠) مخلب من الطّير ، [فأكله] (١١) حرام.

(وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) : الثّروب وشحوم الكلى.

والإضافة ، لزيادة الرّبط.

(إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) : إلّا ما علقت بظهورهما.

(أَوِ الْحَوايا) : أو ما اشتمل على الأمعاء. جمع ، حاوية ، أو حاوياء ، كقاصعاء وقواصع. أو حوية ، كسفينة وسفائن.

وقيل (١٢). هو عطف على «شحومهما». و «أو» بمعنى : الواو.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٦.

(٢) العيون ٢ / ٩٣.

(٣) المصدر : أبى.

(٤) العيون ٢ / ٩٣.

(٥) المصدر : مخاليب كمخاليب.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الوحشيّ.

(٧) العيون ٢ / ١٢٦.

(٨) المصدر : تحريم.

(٩) الخصال / ٦٠٩.

(١٠) من المصدر.

(١١) من المصدر.

(١٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٦.

٤٧١

(أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) : وهو شحم الإلية ، لاتصالها بالعصعص.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن [محمّد] (٢) الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : حرّم على بني إسرائيل كلّ ذي ظفر والشّحوم إلّا ما حملت ظهورهما ، أو الحوايا ، أو ما اختلط بعظم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) (٤) ، [يعني : لحوم الإبل والبقر والغنم] (٥). هكذا أنزلها الله فاقرأوها هكذا. وما كان الله ليحلّ شيئا في كتابه ثمّ [يحرّمه من] (٦) بعد ما أحلّه ، ولا يحرّم شيئا [ثمّ يحلّه] (٧) [من] (٨) بعد ما حرّمه.

قلت : وكذلك ـ أيضا ـ [قوله] (٩) (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما)؟

قال : نعم.

(ذلِكَ) : التّحريم ، أو الجزاء.

(جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) : بسبب ظلمهم.

(وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (١٤٦) : في الإخبار والوعد والوعيد.

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) : يمهلكم على التّكذيب. فلا تغتروا بإمهاله ، فإنّه يمهل.

(وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١٤٧) : حين ينزل. أو ذو رحمة واسعة للمطيعين وذو بأس شديد للمجرمين. فأقام مقامه «ولا يردّ بأسه» ، لتضمّنه التّنبيه على إنزال البأس عليهم ، مع الدّلالة على أنه لازب بهم لا يمكن ردّه عنهم.

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ / ٣٨٣ ، ح ١٢١.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير القميّ ٢ / ١٥٨.

(٤) النساء : ١٦٠.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) كذا في المصدر ، والنسخ : يحرّم.

(٧) يوجد في «ج» والمصدر.

(٨) من المصدر.

(٩) من المصدر.

٤٧٢

وفي كتاب معاني الأخبار (١) ، خطبة طويلة لعليّ ـ عليه السلام ـ. وفيها يقول ـ عليه السّلام ـ : أنا قابض الأرواح وبأس الله الّذي لا يردّه عن القوم المجرمين.

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) : إخبار عن مستقبل. ووقوع مخبره يدلّ على إعجازه.

(لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) ، أي : لو شاء الله خلاف ذلك مشيئة ارتضاء ، كقوله : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) لما فعلنا نحن ولا آباؤنا.

ولمّا احتمل أنّهم أرادوا بذلك أنّهم على الحقّ المشروع المرضيّ عند الله لا الاعتذار عن ارتكاب هذه القبائح بإرادة الله ـ تعالى ـ إيّاها منهم ، انتهض ذمّهم به دليلا للمعتزلة.

وعطف «آباؤنا» على الضّمير في «أشركنا» من غير تأكيد ، للفصل «بلا».

(كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، أي : مثل هذا التّكذيب لك في أنّ الله منع من الشّرك ولم يحرّم ما حرّموه ، كذّب الّذين من قبلهم الرّسل.

(حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) : الّذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم.

(قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) : من أمر معلوم يصحّ الاحتجاج به على ما زعمتم.

(فَتُخْرِجُوهُ لَنا) : فتظهروه لنا.

(إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) : ما تتّبعون في ذلك إلّا الظّنّ.

(وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (١٤٨) : تكذبون على الله.

قيل (٢) : وفيه دليل على المنع من اتّباع الظّنّ ، سيّما في الأصول. ولعلّ ذلك حيث يعارضه قاطع ، إذ الآية فيه.

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) : البيّنة الواضحة ، الّتي بلغت غاية المتانة والقوّة على الإثبات ، أو بلغ بها صاحبها صحّة دعواه. وهي من الحجّ ، بمعنى : القصد ، كأنّها تقصد إثبات الحكم وتطلبه.

وفي تفسير العيّاشي (٣) : الحسين قال : سمعت أبا طالب القمّيّ يروي ، عن سدير ، عن أبى عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نحن الحجّة البالغة على من دون السّماء وفوق

__________________

(١) المعاني / ٥٨ ، ضمن ح ٩.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٦.

(٣) تفسير العيّاشيّ ١ / ٣٨٣ ، ح ١٢٢.

٤٧٣

الأرض.

(فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٤٩) : بالتّوفيق لها والحمل عليها.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ).

قال : لو شاء لجعلكم كلّكم على أمر واحد ، ولكن جعلكم على الاختلاف.

وفي كتاب الاحتجاج للطّبرسي (٢) ـ رحمه الله ـ ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : ولو علم المنافقون ، لعنهم الله ، ما عليهم من ترك هذه الآيات الّتي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه. ولكنّ الله ـ تبارك اسمه ـ ماض حكمه بإيجاب الحجّة على خلقه ، كما قال : [الله ـ تعالى ـ] (٣) (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ). أغشى أبصارهم ، وجعل على قلوبهم أكنّة عن (٤) تأمّل ذلك ، فتركوه (٥) بحاله وحجبوا عن تأكيده الملتبس (٦) بإبطاله. فالسّعداء يتنبهون (٧) عليه ، والأشقياء يعمون (٨) عنه.

وفي أمالي شيخ الطائفة (٩) ـ قدس سرّه ـ بإسناده إلى مسعدة بن صدقة (١٠) قال :

سمعت جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ وقد سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ).

فقال : إن الله ـ تعالى ـ يقول للعبد يوم القيامة : عبدي ، أكنت عالما؟

فإن قال : نعم.

قال له : أفلا عملت بما علمت؟

وإن قال : كنت جاهلا.

قال له : أفلا تعلّمت حتّى تعمل؟ فيخصمه. فتلك الحجّة البالغة.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٢٠.

(٢) الإحتجاج ١ / ٣٧٦.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر ، والنسخ : على.

(٥) كذا في المصدر ، والنسخ : فتركوها.

(٦) كذا في المصدر ، والنسخ : تأكيد الملبس.

(٧) المصدر : ينهون.

(٨) كذا في المصدر ، والنسخ : يعمهون.

(٩) أمالي الطوسي ١ / ٨ ـ ٩.

(١٠) المصدر : زياد بدل صدقة.

٤٧٤

وفي أصول الكافيّ (١) : [أبو عبد الله الاشعري عن] (٢) بعض أصحابنا رفعه (٣) ، عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا هشام ، إنّ الله على النّاس حجّتين : حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة. فأمّا الظّاهرة ، فالرسل والأنبياء والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ. وأمّا الباطنة ، فالعقول.

محمّد بن يحيى العطّار (٤) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود الرّقيّ ، عن العبد الصّالح ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلّا بإمام حتّى يعرف.

عليّ بن موسى (٥) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن (٦) محمد بن خالد البرقيّ ، عن النّضر بن سويد رفعه ، عن سدير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال :

قلت له : جعلت فداك ، ما أنتم؟

قال : نحن خزّان علم الله ، ونحن تراجمة وحي الله. نحن الحجّة البالغة على من دون السّماء و [من] (٧) فوق الأرض.

أحمد بن مهران (٨) ، عن محمّد بن عليّ ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ باب الله الّذي لا يؤتى إلّا منه ، وسبيله الّذي من سلك بغيره هلك. وكذلك «نجزي (٩) المحسنين» الأئمّة (١٠) الهدى واحد بعد واحد ، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها وحجّته (١١) البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثّرى.

__________________

(١) الكافي ١ / ١٦ ، ضمن ح ١٢.

(٢) من المصدر.

(٣) يوجد في «ج» و «ر» ، المصدر.

(٤) الكافي ١ / ١٧٧ ، ح ١.

(٥) الكافي ١ / ١٩٢ ، ح ٣.

(٦) المصدر : و.

(٧) من المصدر.

(٨) الكافي ١ / ١٩٦ ، ضمن ح ١.

(٩) المصدر ، «ج» : يجزي.

(١٠) المصدر : لائمّة.

(١١) كذا في المصدر ، والنسخ : حجّتها.

٤٧٥

محمّد بن يحيى (١) ومحمّد بن عبد الله ، عن عبد الله بن جعفر ، عن الحسن بن ظريف وعليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن بكر بن صالح ، عن عبد الرّحمن بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه (٢) قال : في اللّوح الّذي أنزله الله وفيه أسماء الأئمة ـ عليهم السّلام ـ : وجعلت حسينا خازن وحيي ، وأكرمته بالشّهادة ، وختمت له بالسّعادة. فهو أفضل من استشهد ، وأرفع الشّهداء درجة. جعلت كلمتي التّامّة معه وحجّتي البالغة عنده.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن أبي عبد الله (٣) ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن الحسن بن العبّاس بن الجريش (٤) ، عن أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : سأل إلياس ـ عليه السّلام ـ (٥) [أبي ـ عليه السّلام ـ] (٦) فقال : يا ابن رسول الله ، باب غامض ، أرأيت إن قالوا حجّة الله القرآن؟

قال : إذن أقول لهم : إنّ القرآن ليس بناطق يأمر وينهى ، ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون. وأقول لهم (٧) : قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة ما هي في السّنّة والحكم الّذي ليس فيه اختلاف وليست في القرآن ، أبى الله لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الأرض وليس في حكمه رادّ لها ولا (٨) مفرّج عن أهلها.

قال (٩) : فقال : هاهنا تفلجون (١٠) ، يا ابن رسول الله ، أشهد أنّ الله ـ عزّ ذكره ـ قد علم بما يصيب من مصيبة في الأرض أو في أنفسهم من الدّين أو غيره فوضع القرآن دليلا.

قال : فقال : هل تدري ، يا ابن رسول الله ، دليل ما هو؟

__________________

(١) الكافي ١ / ٥٢٨ ، ضمن ح ٣.

(٢) يوجد في «ج» و «ر».

(٣) الكافي ١ / ٢٤٦.

(٤) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٢٠٥ ، وفي المصدر : حريش.

(٥) لا يوجد في نور الثقلين ١ / ٧٧٧ ح ٣٣٦ : ـ عليه السّلام ـ.

(٦) يوجد في «ج» و «ر» ، المصدر.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) فلج بحجّته : أحسن الإدلاء بها فغلب خصمه.

٤٧٦

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : نعم ، فيه جمل (١) الحدود (٢) وتفسيرها عند الحكم.

فقال : أبى الله أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه ، أو في نفسه ، و (٣) ماله وليس في أرضه من حكمه قاض بالصّواب في تلك المصيبة.

قال : فقال : أما في هذا الباب ، فقد فلجتم (٤) بحجّته إلّا أن يفتري خصمكم على الله فيقول : ليس لله ـ جلّ ذكره ـ حجّة.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) : أحضروهم.

اسم فعل لا يتصرّف ، عند أهل الحجاز.

وفعل يؤنّث ويجمع ، عند بني تميم.

وأصله عند البصريّين «هالمّ» من لمّ : إذا قصد. حذفت الألف التقدير السّكون في اللام ، فإنّه الأصل.

وعند الكوفيّين «هل أمّ» فحذفت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام. وهو بعيد ، لأنّ «هل» لا تدخل الأمر ويكون متعدّيا ، كما في الآية. ولازما ، كما في قوله ـ تعالى ـ :

(هَلُمَّ إِلَيْنا).

(الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) ، يعني : قدوتهم فيه. استحضرهم ليلزمهم الحجّة ، ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم ، وأنه لا متمسّك (٥) لهم ، كمن يقلّدهم. ولذلك قيّد الشّهداء بالإضافة ، ووصفهم بما يقتضي العهد بهم.

(فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) : فلا تصدّقهم فيه وبيّن لهم فساده. فإنّ تسليمهم موافقة لهم في الشّهادة الباطلة.

(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) : من وضع المظهر موضع المضمر. للدّلالة على أنّ مكذّب الآيات متّبع الهوى لا غير ، وأنّ متّبع الحجّة لا يكون إلّا مصدّقا بها.

(وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) : كعبدة الأوثان.

__________________

(١) «ب» : جلّ.

(٢) «ر» و «ب» : للحدود.

(٣) المصدر : أو [في].

(٤) المصدر : فلجتهم.

(٥) «ج» : ممسك.

٤٧٧

(وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١٥٠) : يجعلون له عديلا.

(قُلْ تَعالَوْا) : أمر من التّعالي. وأصله ، أن يقول من كان في علو لمن كان في سفل. فاتّسع فيه للتّعميم.

(أَتْلُ) : أقرأ.

(ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) : منصوب «بأتل».

و «ما» يحتمل الخبريّة والمصدريّة. ويجوز أن تكون استفهامية منصوبة «بحرّم».

والجملة مفعول «أتل» [لأنّه بمعنى : أقل] (١) أيّ شيء حرّم ربّكم.

(عَلَيْكُمْ) : متعلّقة «بحرّم» ، أو «أتل».

(أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ) ، أي : لا تشركوا ، ليصحّ عطف الأمر عليه. ولا يمنعه تعليق الفعل المفسّر بما حرم ، فإنّ التّحريم باعتبار الأوامر يرجع إلى أضدادها.

ومن جعل «أن» ناصبة ، فمحلّها النّصب «بعليكم». على أنّه للإغراء ، أو بالبدل من «ما» ، أو من عائده المحذوف على «أن لا» زائدة ، أو الجرّ بتقدير اللام ، أو الرّفع على التّقدير المتلوّ «أن لا تشركوا» أو المحرّم أن لا تشركوا به (شَيْئاً) : يحتمل المصدر ، والمفعول.

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، أي : وأحسنوا بهما إحسانا.

وضعه موضع النّهي عن الإساءة إليهما ، للمبالغة ، وللدّلالة على أنّ ترك الإساءة في شأنهما غير كاف بخلاف غيرهما.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : الوالدان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) : من أجل فقر أو من خشيته ، كقوله :

(خَشْيَةَ إِمْلاقٍ).

(نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) : منع لموجبيّة ما كانوا يفعلون لأجله ، واحتجاج عليه.

(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) : كبائر الذّنوب ، أو الزّنا.

__________________

(١) يوجد في المصدر و «ج» وفيه : «أتل» بدل «أقل».

(٢) تفسير القمي ١ / ٢٢٠.

٤٧٨

(ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) : بدل منه. وهو مثل قوله ـ تعالى ـ : (ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ).

في الكافي (١) ، و (٢) في تفسير العيّاشيّ : عن السّجاد ـ عليه السّلام ـ : «ما ظهر» نكاح امرأة الأب. «وما بطن» الزّنا.

وفي تفسير العيّاشيّ : عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ : «ما ظهر» نكاح امرأة الأب. «وما بطن» الزّنا.

وفي مجمع البيان (٣) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : «ما ظهر» هو الزّنا. «وما بطن» [هو المخالّة (٤)] (٥).

وفي الكافي (٦) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ غيور [يحبّ كلّ غيور] (٧). ولغيرته حرّم الفواحش ظاهرها وباطنها.

(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) ، كالقود ، وقتل المرتدّ ، ورجم المحصن.

(ذلِكُمْ) : إشارة إلى ما ذكر مفصّلا.

(وَصَّاكُمْ بِهِ) ، أي : بحفظه.

(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٥١) : ترشدون. فإنّ كمال العقل هو الرّشد.

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : إلّا بالفعلة الّتي هي أحسن ما (٨) يفعل بماله كحفظه (٩) وتميّزه.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٥٦٧ ، ح ٤٧ ، وتفسير العياشي ١ / ٣٨٣ ، ح ١٢٤ ملخّصا في بعض العبارات فيهما.

(٢) الظاهر من «و» إلى آخر الحديث زائد لأن هذا نفس الحديث الآتي.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٣٨٢.

(٤) المخالّة : من الخلّة ، يعني : اتخاذ الخليل.

(٥) كذا في المصدر ، والنسخ : المحالة.

(٦) الكافي ٥ / ٥٣٥ ـ ٥٣٦ ، ح ١.

(٧) من المصدر.

(٨) يوجد في «ج» و «ر».

(٩) كذا في «ج» و «ر» ، وفي سائر النسخ : لحفظه.

٤٧٩

(حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) : حتّى يصير بالغا.

وهو جمع ، شدّة ، كنعمة وأنعم. أو شدّ ، كصرّ وأصرّ.

وقيل (١) : مفرد [كآنك] (٢).

في من لا يحضره الفقيه ، والتّهذيب (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : [قال] (٤) انقطاع يتم اليتيم ، الاحتلام. وهو أشدّه. وإن احتلم ولم يؤنس منه (٥) رشد وكان سفيها أو ضعيفا ، فليمسك عنه وليّه ماله.

وفيهما ، وفي الكافيّ (٦) عنه [قال] (٧) : إذا بلغ [الغلام] (٨) أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة ، وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم.

و (٩) كتبت عليه السّيئات ، وكتبت له الحسنات ، وجاز له كلّ شيء إلّا أن يكون ضعيفا أو (١٠) سفيها.

وفي كتاب الخصال (١١) : عن عبد الله بن سنان ، عنه ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفيه (١٢) : عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم ، متى يجوز أمره؟

قال : حتّى يبلغ أشدّه.

قال : قلت (١٣) : وما أشدّه؟

قال : احتلامه (١٤).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٧.

(٢) من المصدر.

(٣) الفقيه ٤ / ١٦٣ ح ٥٦٩ ، والتهذيب ٩ / ١٨٣ ح ٧٣٧ ، والكافي ٧ / ٦٨ ح ٢.

(٤) من المصادر.

(٥) بعض النسخ : عنه.

(٦) الفقيه ٤ / ١٦٤ ح ٥٧١ ، والتهذيب ٩ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ح ٧٣٩ ، والكافي ٧ / ٦٩ ح ٧.

(٧) من المصادر.

(٨) من التهذيب ، الفقيه.

(٩) ليس في التهذيب ، والكافي.

(١٠) التهذيب : و.

(١١) الخصال / ٤٩٥ ، ح ٤.

(١٢) الخصال / ٤٩٥ ، ح ٣.

(١٣) ليس في المصدر.

(١٤) المصدر : الاحتلام.

٤٨٠